حياة غامبوبا

يُسمَّى كتاب "الجوهرة المزخرفة للتحرر" أيضًا "التيارات المُدمَجة من تقاليد الكادام والماهامودرا" لمؤلِّفه: غامبوبا (١٠٧٩ – ١١٥٣ م)، فالكثير من معلمي الكادامبا قد علموه التدريبات والرؤى الخاصة بسلسلة معلميهم..بعدما تعَّلم غامبوبا تعاليم تقاليد الماهامودرا من الغورو الخاص به ميلاريبا (١٠٤٠ – ١١٢٣ م)، مزج تيارَي التعاليم معًا.

ومن أجل تقدير هذا العمل ودراسته نحتاج لمعرفة شيء يسير عن مؤلِّفه غامبوبا؛ إذ إنه بدون تاريخ حياة المؤلف فلن يكون للتعاليم معنًا كبيرًا. فنحن نحتاج للتعرف على غامبوبا ومعرفته بوصفه رجلاً عاش حياتَه إنسانًا عاديًّا، وهو الذي حقَّق من خلال تدرُبه تحقُقات روحانيةً فعلية، وهذه التعاليم هي نتاج خبرته وتدربه على الدارما.

نبوءات

قبل أن يستقبل ميلاريبا تلاميذه المختلفين ظهر له هيئة بوذا فاجرايوغيني في رؤيا، وتنبَّأت أنه في المستقبل غير البعيد سيستقبل تلميذًا كالشمس، وآخر كالقمر، وأكثر الآخرين كالنجوم في السماء. ثم اتضح أن التلميذَ الذي كالشمس هو غامبوبا، ويُعرف أيضًا بالطبيب الشهير من داغبو، فأصبح أحد تلاميذ ميلاريبا الأساسيين، جنبًا إلى جنبٍ مع ريتشونغبا (١٠٨٤ – ١١٦١ م) وآخرون كُثُر.

لم يكن غامبوبا شخصًا عاديًّا، فقد تنبأت العديد من السوترات بحضوره إلى الكون في ذلك الوقت، خاصة في سوترا زهرة اللوتس البيضاء، التي فيها تنبُّؤٌ واضح بمجيئه، كما يلي:

ذات يومٍ في عهد شاكياموني بوذا التفت بوذا لتلميذه آناندا قائلاً: "يا آناندا، بعد دخولي في البارينيرفانا، في الاتجاه الشمالي من نصف الكرة الأرضية هذا، سيكون هناك راهبٌ مكتمل الرسامة، سيُعرَف بلقب: بيكشو الطبيب." فكان غامبوبا بيكشو، أي الطبيب البارع الذي يمتلك موهبة طِبِّية فطرية. ثم قال بوذا: "سيكون شخصًا ما مر عبر حيواتٍ عديدة سابقة من التكريس التام للتدرُب على الدارما، ولديه العديدُ من المعلمين الروحانيين."

حياتُه رَبَّ أسرةٍ

ولد غامبوبا في قريةٍ صغيرةٍ من قرى التبت، في المنطقة الجنوبية من داغبو، على مقربة من حدود نيبال. وكان والده طبيبًا مشهورًا جدًّا في تلك القرية، وكان لوالديه ابنين، كان غامبوبا أكبرَهما. وكان غامبوبا في غاية الذكاء وهو طفلٌ، وتعلَّم مهنة والده، وأصبح هو أيضًا طبيبًا مشهورًا، وحينما بلغ الخامسة عشرة من عمره تقريبًا دَرَس العديد من النصوص المرجعية للنييغما، ولذا فقد كان ذا معرفةٍ هائلة بتقليد النينغما،وتتبَّع العديد من الدراسات الروحانية، وحينما بلغ الثانية والعشرين من عمره تزوَّج من تشوغمي، وهي من أسرة بالغة الثراء من قرية مجاورة، وبعد زواجهما أنجبَا ولدًا وبنتًا.

وبعد عدة سنواتٍ تُوفِّيَ ابنُهُ فجأةً، فأخذ غامبوغا جثةَ ابنه إلى المقبرة، وفعل ما ينبغي فعلُهُ طِبقًا لعادات تلك المنطقة، وحينما عاد إلى المنزل بعد الجنازة وجد ابنته ميتةً أيضًا. وبعد فترةٍ قصيرةٍ من وفاةِ ابنته ابتُلِيت زوجتُهُ بالأمراض، ولكون غامبوبا طبيبًا فقد أعطاها كل أنواع الأدوية، بل استشار أطباء آخرين، وقام ببوجات متعددة لشفائها، لكن لم تفلح أي واحدة منها في ذلك، وبينما حالتها تسوء يومًا بعد يومٍ بدأ يفقد الأمل. وأخيرًا جلس بجوار سريرها يقرأ عليها سوترا استعدادًا لوفاتها، لكنها لم تمت.

وتعجب غامبوبا من عدم استطاعتها الموت، وما الذي يمنعها من الموت؟ ما الشيءُ الذي لم تستطع التخلي عنه في هذه الحياة، وهي حياةٌ بلا أمل، وإنما فقط الألم والمعاناة المتواصلين؟ وهو يشعر بالشفقة البالغة على زوجته المريضة الممددة على السرير، ثم سألها غامبوبا بلطفٍ: "لقد بذلتُ ما في استطاعتي لشفائك، وجرَّبْتُ العديدَ من الأطباء والعلاجات، وكل أنواع الصلوات والطقوس من أجل شفائك، لكنَّ جميع محاولاتي باءت بالفشل، فلم تكن فعالة بسبب أفعالك السابقة، قوى الكارما والصلوات في حيواتنا السابقة تُوحِّد بيني وبينك. لكنك الآن، ورغم أني أحمل لك كثيرًا من الحب والود، يجب أن أسألَ ما الشيءُ الذي يجعلك في الواقع هنا؟ فأيُّ ثروة لدينا في المنزل، وأي ممتلكات مادية جمعناها معًا، إذا كانت تقفُ حاجزًا أمامك، أو إذا كان لك تعلقٌ كبير بأي منها، فسأتخلص منها، وأبيعها أو أهبها للدير، أو أعطيها للفقراء. سأتخلص من أي شيءٍ يمنعك من الموت، ما تريدينه مني سأفعله".

أجابت تشوغمي:"لستُ متعلقة بأي ثروة، أو بأي شيء في المنزل، وليس هذا ما يُقيدني؛ إن قلقي الكبير هو على مستقبلك، ولذلك فأنا لا أستطيع أن أموت، فبعد وفاتي سيكون من اليسير عليك أن تتزوَّج وتنجب أبناءً وبناتٍ كثيرين، أكثر مما أنجبنا معًا، ورغم ذلك، فأنا أرى أن هذا النوع من الحياة ليس له معنى بالنسبة لك.هذا هو السبب في قلقي الكبير عليك، فلو وعدتني أنك بدلاً من أن تحيا تلك الحياة أن تكون مُتدربًا مُكرسًا للدارما، التي هي الطريقة التي تتميز بفعالية وكفاءة كبيرتين لتحقيق سعادتك الخاصة، وسعادة كل الكائنات الواعية، عندئذٍ أستطيعُ أن أرحلَ بسلامٍ عن هذه الحياة، وإلَّا فسأظلُّ كذلك لفترةً طويلةً."

فقال غامبوبا: "إذا كان الحال كذلك فسوف أعطيك كلمة شرف بكل سرور، أن أكون مُتدربًا مكرَّسًا للدارما، وسوف أتخلَّى عن هذا النوع من الحياة."

فردَّت تشوغمي قائلةً: "على الرغم من ثقتي بك كي تجعلني سعيدة تمامًا، ومتأكدة من تعهدك، من فضلك احضر شاهدًا."

فطلب غامبوبا من عمه أن يشهدَ على عهده، ثم وقف أمام زوجته الحبيبة ومعه عمه شاهدًا، وأعطى غامبوبا عهدًا على نفسه بأن يُكرسَ حياتَهُ للدارما، فأسعد هذا تشوغمي جدًّا، وقالت:"حتى بعد وفاتي سأظل أعتني بك." وبهذا القول أمسكتْ بيده وهي دامعة العينين وماتت.

أعدَّ غامبوبا طقسَ جنازةٍ مُنمَّقًا لحرق جثة زوجته، ومن الرماد والعظام والصلصال أعدَّ ألواح تذكارية نذريةً مطبوع عليها تماثيل كائنات مستنيرة : الستوبا التي بناها تكريما لها "ستوبا تشوغمي"ما زالت موجودة حتى اليوم بالتبت.

والآن تُرِك غامبوبا وحيدًا، فقسم ثروته كلها إلى نصفين متساويين؛ فباع نصفه، وبثمنه عمل قرابين للجواهر الثلاث، وأعطى الفقراء والمحتاجين، واحتفظ بالنصف الآخر للإنفاق على نفسه وتدريباته الدينية.

وذات يومٍ زاره عمه الذي كان شاهدًا على عهدِه لزوجته، متوقعًا رؤيته في حدادٍ عميقٍ على فقدان زوجته الحبيبة، ويُقدِّم له النصح، ويخبره بألَّا يقلق، ويواسيه بتفسير الموقف في ضوء قانون الكارما. فرد عليه غامبوبا بأنه غير قلق على الإطلاق، بل على العكس فإنه سعيد جدًّا أنها توفيت، فاشتد غضبُ العم حال سماعه ذلك، وأمسك بحفنةٍ من تراب، وألقاها في وجه غامبوبا، وصرخ في وجهه قائلاً: "ماذا تعني؟ لا يمكن أن تجد أفضلَ منها، فكم كانت إنسانة جميلةً!"

ذُهِل غامبوبا من رد فعل عمه، وسأله:" أي نوعٍ من الشهود أنت؟ ألم تكن موجودًا وأنا أعاهدُها على اتباع تدريبات الدارما؟ ألم تكن تسمع؟ عند ذلك شعر العم بالخجل الشديد، وقال: "هذا صحيحٌ تمامًا، على الرغم من أني كبير السن، فلا أذكرُ أنني تدربت على الدارما يومًا ما، بينما أنت شاب يافع لديك هذه الشجاعة لاتباع الطريق الروحاني، وسأكون سعيدًا جدًّا إذا كان بمقدوري أن أساعدك بأي طريقةٍ."

دخول غامبوبا سلك الرهبنة ودراسته مع أساتذة الكادام

وذات يومٍ حزم غامبوبا أمتعته، وأعدَّ قدرًا كبيرًا من الطعام والملابس، مقرِّرًا آنذاك العيشَ في عزلةٍ، فغادر بلدته دون أي كلمةٍ لأقاربه أو أصدقائه، واتجه إلى إقليم بينبو بحثًا عن غورو.

وعقب ذلك مباشرة التقى شاوا لينغبا، وهو معلمٌ مُشفق من تقليد الكادام، وطلب عهود راهب مبتدئ والرسامة كاملة، ثم تلقَّى اسم الرسامة سونام-رينشين. ثم تدرب بكثافة بوصفه راهبًا مع سلسلة من غيشيات الكادامبا، متأمِّلاً ودارسًا مع هؤلاء الأساتذة المشاهير. وغالبًا ما كان يقضي أيامًا طوالاً دون طعامٍ أو قطرة ماء، منغمسًا في الشعور بالهناء البدني والذهني السعيد بالتركيز الكامل. وقد وصل غامبوبا إلى مثل هذا المستوى من تحقيق التركيز السامادي، لدرجة أنه استطاع الجلوسَ مدة أسبوعٍ كاملٍ منهمك في التأمل.

وهكذا، فقد حاز غامبوبا بالفعل كثيرًا من البصيرة والثقة في تدريبات الدارما، وذلك قبل أن يبدأ في سعيه لطلب الغورو ميلاريبا. فقد أجاد تعاليم الكادام الكاملة، ورأى أحلامًا غير عادية؛ وكمثال على ذلك فقد أصبح في المستوى العاشر من البوديساتفا. وغالبًا ما كان يحلم بأن يوغي أزرق متكئًا على عصا قد وضع يده اليمنى على رأسه، وكان يبصق أحيانًا عليه. فأدَّى خلوةً مكثفةً على "آتشالا الثابت"؛ نظرًا لاعتقاده بأن هذا الحلم الغريب كان إشارةً إلى روح شريرة، كانت تحاول أن تسبب له الأذى، وقدرًا كبيرًا من التداخل والعقبات، التي تعترض تدريبات الدارما.وآتشالا هو هيئة شرسة المنظر، يُتأمَّل فيه بوجهٍ خاصٍّ في تقليد الكادام لطرد كل العقبات أمام التدرُب. ورغم ذلك فقد ظل ذلك الحلم يأتيه بعد خلوته، وبصورة أقوى وأوضح من ذي قبل، فلم يكن يعلم أن هذا الحلم إشارة على قربِ لقائه بمعلمه المستقبلي، اليوغي الشهير ميلاريبا.

لقاؤهُ بميلاريبا

كانت المرة الأولى التي سمع فيها غامبوبا اسم ميلاريبا عندما كان يطوفُ بنصب الستوبا على الطريق، واسترق السمع لمحادثةٍ بين ثلاثة متسولين؛ أحدهم كان يشكو طيلة الوقت من مجاعةٍ حالية في البلد، وكيف أنه لم يَذُقِ الطعام منذ مدةٍ طويلةٍ. فرد الآخر أنهم يجب أن يخجلوا من أنفسهم، ويكفوا عن الحديثِ عن الطعام طوال الوقت، خشيةَ أن يسمعَه هذا البيكشو الذي يطوف بالستوبا، والذي سيكون محرجًا جدًّا، ثم استطرد قائلاً: "إضافةً إلى أننا لسنا الوحيدين الذين ليس لدينا أي طعام فهناك القديس اليوغي الشهير ميلاريبا، الذي لا يملك قوتَ يومه، والذي يعيش في الجبال مُكرِّسًا نفسه تمامًا للتدرُب على الدارما، وهو لم يَشكُ أبدًا من قلة الطعام. ونحن جميعًا بحاجة إلى أن نُصلي بأننا قد ننمي الرغبةَ المخلصة لنحيا حياةً شبيهةً بحياته البسيطة."

وإثر سماع اسم ميلاريبا شَعَر غامبوبا بغبطة وسعادة هائلة، وأخبر معلمَه بذلك، فقال معلمه: "لقد كنتُ أعلم أن لديك علاقة كارما مُقربة لمثل هذا المعلم المُتأمل، فاذهب إليه، وستكون ناجحًا جدًّا."

وفي تلك الليلة لم يستطع النوم؛ إذ إنه في معظم الليلة كان يهب صلوات وأمنيات كثيرة ليلتقي على الفور باليوغي الشهير ميلاريبا، وحينما استطاع النوم أخيرًا رأى حلمًا متميزًا؛ حيث سمع فيه صوتَ محارة بيضاء، هي الأعلى على كوكب الأرض. فأخبر بذلك معلِّمَهُ، فقال له: "هذا فألٌ حسنٌ جدًّا، ينبغي أن تذهب على الفور للبحث عن ميلاريبا."

هرع غامبوبا إلى حيث يُخيِّم المتسولون، وسألهم هل يعرفون ميلاريبا شخصيًّا؟ وهل يعرفون محل إقامته؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل يستطيعون أن يُرشدوه إلى هذا المعلم. وأخبرهم أن معه ستة عشرة أوقية من تراب الذهب، وسيعطيهم نصفَها، وسيحتفظ بالنصف الآخر ليقدِّمه قربانًا للجورو العظيم حينما يلتقي به. فقال أكبرُهم سِنًّا إنه يعرف ميلاريبا، ووافق على أن يَدُلَّهُ على كهف ميلاريبا.

كان المتسول العجوز مخادعًا، وفي الطريق اعترف أنه لا يعرف الطريقَ إلى الكهفَ، ثم ادعى أنه مريضٌ، وأنه لا يستطيع أن يرشد غامبوبا أبعدَ من ذلك، وقد وصلا إلى مكانٍ خالٍ من المنازل، أو الناس، أو الحيوانات. فكان المكانُ مهجورًا تمامًا، ثم غادر المتسول، وبَقي غامبوبا وحيدًا، فأخذ يسير على غير هُدًى أيامًا عديدة دون طعامٍ، حتى التقى أخيرًا بمجموعة من التجار، فسأل غامبوبا أحدَهم إذا كان يعرف مكان ميلاريبا، فأجاب التاجر أنه يعرف ميلاريبا جيدًا، فهو متأمل رائع، ويوغي شهير، ولكنه يُغيِّر مسكنه كثيرًا، متنقلاً من كهفٍ لآخر، ومن بلدةٍ لأخرى، وأنه اليوم مقيمٌ في هذه البلدة المعينة، وفي هذا الكهف المعين.قال الرجل ذلك وهو يشيرُ إلى الكهف، وأعطى التلميذَ المتشوِّقَ توجيهاتٍ واضحةً إلى اليوغي الشهير، فسُرَّ غامبوبا سرورًا عظيمًا، واحتضن الرجلَ امتنانًا، وظلَّ محتضنًا إياه فترة طويلة.

استغرقت الرحلة عدة أيام، لم يَذُقْ فيها الطعام، حتى سقط مغشيًّا على الأرض، وحينما أفاق اعتقد أنه لا يملك الكارما لملاقاة هذا اليوغي الشهير، وأنه سيموت الآن بالتأكيد، لذا وضع يديه معًا، وبامتنانٍ واحترام عميقين ابتهل بشدة أن تُعادَ ولادته إنسانًا، وأن يُولَد تلميذًا لميلاريبا.

وبينما غامبوبا قد استلقَى على الأرض منتظرًا وفاته رآه أحد أساتذة الكادامبا، فأتى لمساعدته بعدما رأى غامبوبا قد سقط على الأرضِ الصلبةِ، فسأله: "ما الذي أتى بك إلى هنا؟" أجاب غامبوبا: "إنني أبحث عن المعلم الشهير ميلاريبا، لقد سافرتُ أيامًا عديدة دون طعام أو شرابٍ، والآن أشعر أني سأموتُ، وأشعر بالأسف العميق أنه ليس لدي الكارما لرؤية هذا الغورو العظيم." ثم مضى معلمُ الكادامبا، وأحضر طعامًا وشرابًا، ثم أرشد غامبوبا إلى البلدةِ التي يَقطُنها ميلاريبا.

وحينما وصل البلدةَ سأل العديدَ من الناس كيف يمكنه لقاء هذا الغورو، وكيف يمكنه تلقي الأنواع المعينة من التعاليم التي ينشدُها. وأخيرًا التقى شخصًا كان أستاذا رائعًا، وكان تلميذًا لليوغي البارع، فأخبره غامبوبا أنَّ لديه رغبة محمومة في لقاء هذا الغورو، وأن يتلقى تعاليمَه، فرد عليه بأنه لا يمكنه لقاء اليوغي العظيم على الفور، وأنه يجب عليه أن ينتظرَ بضعة أيام، وأن يتم اختباره قبل السماح له بتلقي التعاليم فعليًّا.

وكان ميلاريبا قد عقد اجتماعًا منذ أيام مع تلاميذه، وأخبرهم عن مجيء غامبوبا، فقال: إنه يتوقع وصولَ طبيب بيكشو، الذي سيتلقى التعاليم كاملةً بعد دراسته معه، وينشرها في كل الاتجاهات العشر. وأخبرهم ميلاريبا بحلم رآه الليلة الماضية، وقد رأى فيه أن ذلك الطبيب البيكشو قد أحضر له مزهرية زجاجية فارغة، فملأ ميلاريبا المزهرية بالماء، إشارةً إلى أنه سيأتي إليه بعقلٍ مُتفتِّحٍ، قابلٍ لتلقي التعاليم، وأنَّ ميلاريبا سيملأُ مزهريةَ عقله برحيقِ التعاليمِ والبصائرِ الكاملةِ.

عندئذٍ ضحك ميلاريبا بسعادة، وقال: "الآن أنا على ثقةٍ من أن دارما بوذا ستسطع كالشمس في كل الاتجاهات." ثم أنشد لمن حوله مُغنِّيًا: "لا شكَّ أن حليبَ الأسد الأبيض مغذٍّ، لكن الشخص الذي لم يذقهُ لا يستفيد من هذا الغذاء؛ فيجب أن تتذوق بنفسك – حتى ولو قطرة واحدة – عندئذٍ يمكنك أن تُقدِر الآثارَ المغذية. الشيء نفسه حقيقي بالنسبة لتعاليمي، ولكن أولاً يجب أن تُنمِّيَ الخبرةَ فيها، مذاقها، وساعتها ستكون مغذيةً جدًّا."

"ليس هناك شكٍّ في صلاحية وعمق التعاليم التي تأتي من سلسلة تيلوبا وناروبا، لكنك لو لم تتأمل عليها فلن تفهم عمقها إلَّا بعد التأمل فيها، وبتنمية الخبرة الحقيقية يمكنك سبر غور أعماقها. مُعلِّمي الأَبَوي العظيم ماربا أتى بهم من الهند، وأنا اليوغي تأمَّلت فيهم، واختبرتُ صلاحيةَ هذه التعاليم، وَنَمَّيتُ الخبراتِ وَفقًا لذلك."

"حليبُ الأسدٍ الأبيض يجب أن يكون في وعاءٍ خاص، ولا يمكن وضعُه في أي إناءٍ عادي، فلو وضع في إناء طيني، على سبيل المثال، فبمجرد أن يلمس هذا الحليبُ الإناءَ فإن الإناء سيتشقق؛ إذ إن هذه التعاليمَ العميقة الواسعة لهذه السلسلة من المُعلمين يجب أن يكون هناك نوع معين من المُتدربين. وأنا أرفض تعليم التقليد لأي إنسان يأتي لتلقِّي تعاليمي وهو ليس مستعدًّا لها، ولكنِّي سأعلمها للأشخاص المتقدمين والمناسبين تمامًا فقط، والمستعدين لهذه التعاليم والتدرُب."

سأل التلاميذُ ميلاريبا: "متى سيأتي هذا الشخصُ الذي حلمتَ به؟" فأجابهم قائلاً: "ربما يصل إلى هنا بعد غد، لقد أُغْشِيَ عليه، وطلب مساعدتي، وقد استخدمتُ قدراتي الفائقة في إرشاده إلى هنا.

وفي اليوم التالي، وإبان تأمله انفجر ميلاريبا في جلجلات ضحك متتالية، فانزعجتْ راعيته المخلصة من تلك الجلجات، فسألته مستفسرة: "ما السبب في ذلك؟ فأنت أحيانًا جادٌّ تمامًا، وأحيانًا تضحك. يجب أن تُفسرَ هذا السلوك؛ لأن الناس قد يظنون أنك أُصِبتَ بالجنون، فماذا حدث؟ لا يمكنك أن تبقى غامضًا حيال ذلك.

فأجابها ميلاريبا: "أنا بخيرٍ تمامًا، وحالتي العقلية طبيعية تمامًا، وأنا لستُ غامضًا. ولكني أرى شيئًا مضحكًا يحدث لتلميذٍ من تلاميذي، وهو آتٍ ليراني. ففي البداية أُغشيَ عليه، والآن لديه آلام وتقرحات في سائر أنحاء جسده، لكنه شجاعٌ، ويبذل مجهوداتٍ جبارةً ليأتي ويراني. رؤيتي لذلك تجعلني أضحك، وأنا سعيدٌ، وفي الوقت نفسه أظن ذلك أمرًا مُضحِكًا."

"وسيصل هذه البلدة قريبًا، والذي سيدعوه إلى منزله – أو منزلها – أولاً سيبلغ الاستنارة في فترة قصيرة بسبب بركته؛ المضيف الكريم – أو المضيفة الكريمة – سينال – أو تنال – قدرًا كبيرا من البصيرة والقوى لإنجاز أهدافه – أو أهدافها – بسرعةٍ فائقةٍ."

وعقب ذلك ببضعة أيام وصل غامبوبا ضعيفًا ومريضًا، وكان أول بابٍ وصل إليه هو باب الراعية التي سألت ميلاريبا؛ فقد كانت تنتظره، وخرجت مسرعةً على الفور، وسألت الباحث عن هُويته وعما يريد. فشرح غامبوبا لها تفاصيل رحلته بحثًا عن ميلاريبا. وعلى الفور أدركت الراعية أن هذا هو التلميذ الذي أخبرها عنه ميلاريبا، فدعتْه للدخول، وقدمت له العديد من الهبات، وهي تتذكر نبوءة ميلاريبا.

أمتعت السيدةُ غامبوبا بقصصٍ عن تنبؤات، ميلاريبا ثم قالت: "إن اللاما ينتظرك؛ لقد عرَّفنا جميعًا بك، وقال: إنك أُغشي عليك، وأنه أرسل إليك مساعدة استثنائية، والآن ينتظرُ وصولَك بفارغ الصبر. يمكنك الذهابُ لرؤيته على الفور، وسوف تحظى باستقبالٍ حار." وإثر ذلك أحس غامبوبا بالفخر، ثم أطرق مفكِّرا: "أوه، إن معلمي ينتظرُني، لا بد أنني إنسانٌ عظيم." ولما رأى ميلاريبا الكِبْرَ الذي نما داخل غامبوبا قرَّر ألَّا يمنحه ولو نظرة مدة أسبوعين، فأهمله متعمدًا وتجاهله، واضطر غامبوبا للبحث عن مكانٍ آخر يأويه.

وفي نهاية الأسبوعين قادت السيدةُ غامبوبا إلى منزل ميلاريبا، وسألت ميلاريبا هل سيقابله، فوافق ميلاريبا، وحينما وصل غامبوبا كان ميلاريبا يجلس في الوسط، وكان ريتشونغبا جالسًا إلى جانبه في نفس مستوى مقعده، وعلى الجانب الآخر – وأيضًا على المستوى نفسه – كان هناك تلميذٌ آخر. كانوا جميعًا يرتدون بالمثل، أبيض تمامًا فبدا الجميع متشابهين تمامًا، وجلسوا بالكيفية نفسها، وحمل جميعُهم الانطباعات نفسها على وجوههم، وانتظر ميلاريبا ليعلمَ هل سيعرفه غامبوبا أم لا. ولكن غامبوبا الماهر لاحظ إيماءة ريتشونغا الخفية، مشيرًا إلى أن ميلاريبا يجلس في وسط الثلاثة، فسجد غامبوبا لميلاريبا، وأخذ الوهب كله، وكَوَّمه أمامه، ثم تكلم عن رغبته المحمومة لمقابلة الغورو، وتلقِّي تعاليمه، وبلوغ الاستنارة.

ذهب ميلاريبا للتأمل بضعَ ثوانٍ، وعندئذٍ وصل إلى كومة غبار الذهب التي قدمها غامبوبا، فالتقط حفنة لأعلى، وألقى بها في الهواء، وصرح: "أنا أهب هذا لمعلمي ماربا." وسرعان ما ظهر رعدٌ وبرق في السماء، وظهر قوس قزح كبير، وكثير من العلامات المبشِّرة.

كان ميلاريبا يحتسي بعض التشانغ، وهو مشروب كحولي قوي، وكان موضوعًا في إناءٍ جمجمةٍ على الطاولة، وبعد هنيهة التقطَ الكوبَ الذي على شكلِ الجمجمةِ بالخمر التي فيه، وأعطاه لغامبوبا، الذي تردَّد أول وهلةٍ؛ لأنه راهبٌ كامل الرسامة، وقد أخذ عهدًا بالامتناع عنه، وقد شعر بالحرج، وهو يجلس هناك في حضور كل التلاميذ الآخرين، فقال له ميلاريبا:" لا تتردد أكثر من ذلك؛ اشرب ما أعطيتُهُ إياك." ولهذا شَرِبه كلَّه دون أي تردد.

عندئذٍ سأله ميلاريبا عن اسمه، وأجاب بأن اسمَهُ سونام-رينتشن، وهو الاسم الذي أعطاه له معلم الكادامبا. فاعتقد ميلاريبا أنه اسمٌ ذو فألٍ حسن؛ فكلمة "سونام" تعني: "القوة الإيجابية،" و"رينتشين" تعني: "الجوهرة العظيمة." لذا فهو الجوهرة العظيمة للقوى الإيجابية. وبحبٍّ كرَّر ميلاريبا بيتًا من شعر الثناء، وذكر اسمه فيه ثلاث مراتٍ، فشعر غامبوبا أن الاسمَ الذي مُنِحَهُ كان مفعمًا بالدلالة والمعاني.

الأستاذ يحكي قصته

عندئذٍ قال ميلاريبا: "بادئ ذي بدءٍ سأحكي قليلًا عن قصة حياتي، لكن قبل أن أفعل ذلك نُقدِّم جميعنا الإجلال، ونسجد لمعلمنا الشهير ماربا، مصدرِ سلسلة المعلمين لتقليد التدريبات التي نتبعها جميعًا." وبعد أن فعلوا ذلك أخبرهم ميلاريبا بالقصة:

"في الهند اليوم أشهر الكائنات المتحققة "الماهاسيدا" هما ناروبا ومايتريبا، وماربا هو الابن الروحي الشهير لهذين الماهاسيدا الهنديين العظيمين. وأستاذُنا الشهير ماربا هو حامل ومصدر كل هذه التعاليم التي نتبعها بشكلٍ كبير، والداكات والداكينيات وحماة الدارما يجعلون اسمَه مشهورًا في كل الأرجاءِ. وبعد سماعِي بماربا وسُمعته الرَّائعةِ، مهما كانت الصعاب التي لاقيتُها، فقد عزمتُ على العثورِ عليه. وإثر لقاء ماربا لم يكن لديَّ هبات مادية أُقدِّمُها، لكنني وهبت جسدي وحديثي وذهني. واستجابةً لطلبي المخلص أقرَّ ماربا بلطف أن لديه طرق فعَّالة لتحقيق الاستنارة في حياة واحدة، وهي التي نقلها إليه أستاذُه العظيم ناروبا.

"أمضيتُ سنواتٍ عديدةً هناك، أتلقَّى التعاليم والتدريبات المكثفة من مُعلِّمي، وأحيا حياة بسيطةً، مُكرِّسًا نفسي بصورةٍ كاملةٍ، وبدافعي النقي، وأنا مفعمٌ بالشجاعة الهائلة، والعزيمة لتحقيق الاستنارة من أجل جميع الكائنات الواعية. لقد تلقيت جميع تعاليم ماربا كاملة، وأقسم معلمي أنه ليس هناك شيءٌ آخر يمكن أن يعطيني إياه، فقد ملأتُ مزهرية ذهني إلى الحافة بالرحيق الكامل لتعاليم الغورو ماربا".

"هذا ما أخبرني به ماربا، وهي نصيحة هامة، إنه الآن وقت التدهورات الخمسة، وخاصةً في هذا الوقت، فدورة الحياة البشرية تتدهور، وهي في تناقص، وليست في ازدياد. لا تتعطَّش لمعرفة كل شيءٍ، وحاول فهم جوهر التدرُب على الدارما، وحاول إتقان هذا الجوهر، وستكون حينئذٍ قادرًا على تحقيق الاستنارة في حياة قصيرةٍ واحدة. ولا تحاول أن تتفوَّق في كل مجالٍ."

"أنا حققتُ وشَهدتُ العديدَ من الأفكارِ المُثمرةِ من هذه التعاليم بعزيمةٍ استثنائيةٍ، وبالتوافق مع تعاليم معلمي ماربا، وفَهمٍ دقيق لعدم الدوام، بعد تسخير قوة المثابرة. لقد اكتسبتُ إدراكًا واضحا للثلاث كايات، أجساد البوذات : ثقة تامة، وإدراك واضح لهم من خلال خبرتي وتدريباتي وتأملي. لدي إيمان في تحققات الثلاث كايات، ومثلما طورت هذه الرؤى والخبرات من تدرُبي أنوي إعطاؤك كل التعاليم التي تلقيتها عن الغورو العظيم ماربا. وأنت أيضًا لست بحاجةٍ إلى أخذ هذه التعاليم كأنها نظريةٌ أو فهمٌ عقلاني للدارما فقط، بل يجب أن تختبرها بشكل فعلي كما فعلتُ أنا تمامًا."

عندئذٍ قال ميلاريبا لغامبوبا: "خُذْ وهبك من غبار الذهب؛ لأن رجلاً كبيرًا مثلي لا حاجةَ له إلى الذهب. وخذ الشاي الذي وهبته؛ فرجل كبيرٌ مثلي ليس عنده أوانٍ ولا مطبخ يصنع فيه الشاي. وخذ كلَّ ما وهبته، وإذا رأيتَ من نفسك استعدادًا لأنْ تعهَد بنفسك إلىَّ، وتحيا وَفق توجيهاتي وتعاليمي، فعندئذٍ يجب أن تحيا مثل حياتي؛ يجب أن تحيا حياة بسيطةً، وتُقلِّد طريقتي في الحياةِ وفي التدرُب."

أجاب غامبوبا: "إذا رفضتَ قبولَ الشاي الذي قدمتُه؛ لأنك لا تملك أوانيَ ولا مطبخًا، فسأذهب إذن إلى مكانٍ آخر لصنع الشاي." لذا فقد مضى غامبوبا إلى منزلٍ مجاورٍ لعملِ الشاي، ثم عاد إلى معلمه بقربانه، فسُرَّ ميلاريبا سرورًا بالغًا، ونادى على التلاميذ الآخرين، واستمتعوا معًا بالشاي اللذيذ الذي أعدَّهُ غامبوبا.

ميلاريبا يُعلِم غامبوبا

استفسر ميلاريبا عن التعاليم والتدريبات التي تلقاها غامبوبا، فأعطاه غامبوبا وصفًا تفصيليًّا لكل معلميه، وللتعاليم التي تلقاها، والتأملات التي أدَّاها. فلاحظ ميلاريبا أن كل التعاليم ممتازة، وأن غامبوبا لديه أساسٌ كاملٌ لتعلُّم التومُّو، وهي الحرارة الداخلية، وهي أداة ماهرة لإدراك الطبيعة الحقيقية لخلو للواقع.

استطرد ميلاريبا قائلاً: "رغم أن كل التمكينات والتعاليم والبركات التي تلقيتَها من مُعلِّميك السابقين مقبولة تمامًا في تقليدي، إلا أنه يجب أن أعطيك تعزيزًا آخرًا، وذلك للتأكد من أن كل التعاليم الأخرى التي تلقيتَها ما زالت صالحةً، ولم تتغير بسبب ظروف حياتك. سأقوم بتعزيزك في تدريب الفاجرايوغيني."وعقب التمكين أعطى ميلاريبا غامبوبا كل التعاليم في فترة زمنية قصيرة، وعلى الفور انغمس غامبوبا في التدريبات، وطور خبراته ورؤاه الخاصة بهذه التعاليم بسرعةٍ. وكانت بصيرته تنمو وتكبر يومًا بعد يوم، مثل برعمٍ انبثق من الأرض، وكان راضيًا تمامًا، وغمره شعورٌ بالسعادة البالغة لتقدُّمه.

تأمل في التومُّو، وكلَّ يومٍ كان لديه خبرةٌ جديدة. وذات ليلة شتاء قارصة البرودة كان يتأمَّل وهو عريان تمامًا في كهفٍ ليختبرَ الحرارةَ الداخلية التي طورها، وقد ظل دافئًا طوال الليل، لكنه في الصباح توقَّف عن التدرُب على التومُّو، وحينها تجمَّد تمامًا، وقد أدَّى تأملَه هذا أسبوعًا، وفي نهاية الأسبوع جاءته رؤيا للخمس بوذات الدياني، وحينما ذهب إلى معلمه ليخبرَه بكل خبراته ورُؤاه قال ميلاريبا: "هذا ليس أمرًا حسنًا أو سَيِّئًا، فابذل مزيدًا من الجهد لتحقيقه، ولا تنجذب لهذه الرُّؤَى، بل أَتْقِنْ قوة الحرارة الداخلية."تأمل غامبوبا بكثافة لمدة ثلاثة أشهر، وفي نهاية هذا الوقت شعر أن الكونَ كله يدورُ مثل عجلةٍ هائلةٍ، وبعد الشعورِ بذلك مدةً طويلةً ذهب إلى ميلاريبا طلبًا للنصيحةِ، فأجابه الغورو: "ليس هذا أمرًا حسنًا أو سيئًا، إنما هو علامةٌ على أن الأفكارَ والطاقاتِ المتباينةَ، التي تدخل قنواتِ الطاقة الأكثر خفاءً المتباينة، تدخل الآن في القناةِ الرئيسةِ، فيجب أن تبذلَ مزيدًا من الجهد، وتدخل في تأمُّل أكثر".

وبعد عمل مزيدٍ من التدريبات رأى أن آفالوكيتيشفارا تغلغل عبر أعلى رأسه، وتحلل واتحد معه، وحينما سأل ميلاريبا عن هذا أجابه قائلاً: "ليس هذا أمرًا حسنًا أو سيئًا، بل هو إشارةٌ إلى أن مركز طاقة تشاكرا التاج بدأ ينفتح".

وإبَّان التأمل كابَدَ غامبوبا سلسلةً من التغيرات البدنية الداخلية؛ فشعر بريحٍ شديدة، وتيار من الهواء الساخن يسير أعلى عموده الفِقَري وأسفله. وحينما أخبر ميلاريبا بذلك أجابه: "ليس هذا أمرًا حسنًا أو سيئًا، بل إشارةٌ إلى أن قنواتِ الطاقة الخفية يتصل بعضها ببعض في الجسد، وحينما تُسيطر على هذه القنوات الخفية، ويتصل بعضها ببعض، فعندئذٍ تمر بهذه الأحاسيس. الآن يجب أن تعودَ، وتؤدي تأملاتٍ أكثر."

ومرةً أخرى رأى رؤيا كاملةً لكل الحالات المتباينة للكائنات السامية. رأى رؤيا نقيةً للكائنة الأسمى وهي تصبُّ الرحيقَ الأبيض، ومُعززة لآلهة الحالات الأدنى. ففسَّرها ميلاريبا له، فقال: "ليس هذا أمرًا حسنًا أو سيئًا، بل هو إشارة على تفتُّح مركز طاقة التشاكرا للحنجرة. فالمصادر والأماكن المتباينة للسعادة تنمو الآن في كل هذه المواضع من جسدك."

عند هذه النقطةِ أعطى ميلاريبا غامبوبا بعض تمرينات اليوغا ليتدربَ عليها؛ وهي مودرا إشارات باليد، وحركات بالجسم، لتفتيح مراكز الطاقة الخفية الأخرى في الجسد. وأخبره: "لا تغترَّ بمثل هذه الأشياء؛ ولكن اعتبرها دلالات على تقدُّمك فقط، ولا تَدَعْها تشتتك. وبدلاً من ذلك امض قُدُمًا، وأتقن هذه التدريبات."

عند هذا المستوى من التأمل من الهام جدًّا أن يحيا التلميذ على اتصال وثيقٍ بالغورو؛ لأن التلميذَ يجب أن يتلقَّى إرشادًا خاصًّا جدًّا. فإذا كان التلميذُ يحيا بعيدًا عن الغورو فإن الغورو لن يستطيع أن يُعطي التوجيهَ الشخصي المطلوبَ في حينه، والذي يُعتبر أمرًا جوهريًّا في تقدُّم التلميذ. ولو أن الغورو نفسَهُ ليس لديه خبرة شخصية عما يكابدُه التلميذُ فستكون هناك مشكلة كبيرة؛ إذ يتوقَّف تقدُّم التلميذ في ذلك الوقت، ولذا فإنه أمرٌ جوهري أن يكون للتلميذِ جورو خبير ومُتحقق، وأن يتلقَّى توجيهًا يوميًّا لكل خطوة من الخبرة التأملية.

تطور غامبوبا

في هذه المرحلة تمكَّن غامبوبا من الاعتماد في طعامه على تركيز السامادي، فلم يعتمد أبدًا على الطعام العادي. وذات ليلةٍ رأى غامبوبا في منامه خسوفًا للقمر، وكسوفًا للشمس. وفي علم الفلك التبتي يُعتقدُ أنه حينما يحدث كسوفٌ أو خسوفٌ فإن الشمسَ والقمر يأكلهما شيطانٌ، ورأى أيضًا أن هناك نوعين من الكائنات يلتهمان الشمسَ والقمرَ: أحدهما بحجم شعرةٍ من ذيلِ الحصان، والآخر عبارة عن شرائط رقيقة من حشراتٍ.وحينما ذهب غامبوبا طالبًا لنصيحة ميلاريبا بشأن الحلم أخبرهُ ميلاريبا ألَّا يقلق، أو يظن أنه على الطريق الخطأ، وأن هذا ليس أمرًا حسنًا أو سيئًا. فالحلمُ كان إشارةً إلى تقدُّمه في التأمل، وكان تفسيره أن طاقة النَفَّس الخفيةَ من قنواتِ الطاقةِ بالجانبين كانت تبدأ الآن في التركيز في القناة المركزية.

وقد شجَّعه ميلاريبا أكثر على المضي قُدُمًا في تدرُبه؛ إذ إنه أدرك أن هذه كلها إشارات على إنجازات تلميذه. وحينما يستطيع تلميذٌ أن يُركز التنفس وطاقة النفس من القنوات الجانبية إلى القناة المركزية فإن هذا الشخصَ قد تقدَّم كثيرًا، ونظام الطاقة الخفية في كل الكائنات الواعية هو نفسه. وفي الوضع العادي تتنفس الكائناتُ الواعية غالبًا من خلال القناة التي على اليمين، وهكذا يكون لديهم تعلُّق هائل، أو أنهم يتنفسون أساسًا عبر القناة التي على اليسار، ونتيجةً لذلك يكون لديهم كمٌّ هائلٌ من الغضب.نحن نادرًا ما نُطوِّر أفكارًا بناءة تنشأ أصلاً من القناة المركزية؛ لأن هذه القناة مسدودة بالعُقد. وحينما يتمكَّن اليوغيون المتمرِّسون من التنفس عبر القناة المركزية فإنهم يكونون قد فَكُّوا تلك العقد، وهم قادرون على توجيه النَّفْس والطاقات الخفية من القناتين الجانبيتين إلى القناة المركزية، وبالتالي يقومون بتوليد النوايا الإيجابية فقط.

وحينما زار غامبوبا ميلاريبا بعد ذلك بدا على ميلاريبا السرور البالغ لكن كل ما قاله لغامبوبا بعد سماعه لكل خبرة وبصيرة جديدة هو: "وبعد ذلك، وبعد ذلك، وبعد ذلك." وهو ما يعني أنه بعد تكشُّف الخبرات، فإنه يتوجب على غامبوبا أن يمضي قُدُمًا إلى المرحلة التالية حتى يصلَ إلى الاستنارة. فلم يجرؤ ميلاريبا أن يخبرَه مباشرةً بتقدُّمه؛ خشيةَ أن يُصابَ غامبوبا بالغرور، الذي يَعُوقُ تقدُّمَهُ أكثر على المسار.

عندئذٍ مضى غامبوبا ليتأمَّل في كهفٍ مدة شهرٍ، وفي نهاية معتزله رأى رؤيا كاملة لهيفاجرا مع الماندالا والحاشية وهيئة بوذا هيفاجرا، وبمجرد أن رأى رؤياه هذه ظنَّ أن هذا هو ما قصَده اللاما حينما قال له: "وبعد ذلك، وبعد ذلك، وبعد ذلك". هذا ما كانت تقوده إليه تدريباته في النهاية.لكن الرؤيا تبعها بمرور الزمن رؤى أُخرى للماندالات وهيئات بوذا الأخرى. وذات يوم رأى هيئة هيروكا وقد احتوت على بناء عظمي كامل للماندالا للهيئة التمثيلية لهيروكا. فحذَّره ميلاريبا من الشعور بأنه حقق شيئًا ضخمًا، قائلاً: إنه ليس أمرًا حسنًا أو سيئًا، بل هو إشارة على تفتُّح التشاكرا المركزية عند السُّرَّة، وحينما تُفتح تشاكرا السرة تمامًا فسترى كل شيءٍ أبيض؛ مثل بياض عظامٍ بيَّضتها الشمسُ؛ لأن طاقةَ البوديتشيتا البيضاء قد تطوَّرت بالكامل.

حينئذٍ مرَّ بخبرة لم تكن حلمًا تمامًا، فشعر بأنه أصبح ضخمًا وعملاقًا، وشعر أن كل أنواع الكائنات الواعية من الحالات المتباينة لإعادة الميلاد كانت تزحف على أطرافه، وأصابع قدميه، وعبر أجزاء متفرقة من جسده، وكان هذا إشارة إلى أنه طوَّر إدراكًا كاملًا لنظامَ الطاقةٍ الخفية. وحتى في هذه المرحلة كان يُؤدِّي التأمل العام في التومُّو فقط، وتأمل الحرارة الداخلية. الآن يمكن أن يُعطَى توجيهات للمستوى الأكثر تقدمًا في التدرب على التومُّو.

الخبرات والأحلام والتحققات

من الملاحظ أنه كلما استمع ميلاريبا لتقارير عن المراحل المختلفة لخبرات غامبوبا كان يقول دومًا: "إن هذا ليس أمرًا حسنًا أو سيئًا، فأَكْثِرْ من التأمل." ولقد شرح باستفاضةٍ لتلميذه ما تعنيه خبراته، لكنه لم يمدحه أبدًا، وهذا ما يجب أن يكون، فكيف يمكن للجورو أن يوجِّه تلاميذه؛ إذ إنه لو أسرف الغورو في مديح تلاميذه، وأسرف في تشجيعهم، قائلاً أشياء مثل: "هذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا." أو: "الآن لديك خبرة هائلة." فإن التلميذ سيُصاب بالغرور، الذي سُيشكِّل عقبةً كبيرةً، لن يتطور، وسوف يُصبح متعلقًا بخبراته المتباينة التي ستطغى عليه.

وعلى الرغم من أن قصة حياة غامبوبا قد وُصِفت في بضعِ صفحاتٍ، فقد كان عليه أن يتأمَّل شهورًا وشهورًا؛ لم يكن من السهل تطوير تلك الخبرات، فقد يستغرق الأمر سنواتٍ من التأمُّل المكثف. وفي هذه المرحلة رأى غامبوبا ثلاثةً وثلاثين حُلمًا متتابعًا، ولتعذر سردِ كل منها على حدة فسوف يُذكرُ الأخير فقط بالتفصيل.

وحينما سأل ميلاريبا تلاميذَه الثلاثة الأساسيين: غامبوبا وريتشونغبا ولينغريبا أن يخبروه بأحلامهم، فأخبره لينغريبا بأنه رأى شروق الشمس، وأخبر معلمَه أنه في الحلم ركزت الأشعة على قلبه بمجرد أن أشرقت الشمسُ من قمة الجبل، وتحول قلبُه إلى نور ساطع. وأخبر ريتشونغبا ميلاريبا أنه حَلَم بعبور ثلاث مدنٍ، مُحدِثًا كثيرًا من الصَّخب.

لم يخبر غامبوبا حلمه لميلاريبا، بل اكتفى بالبكاء والسجود لميلاريبا فقط، ووضع رأسه في حجر اللاما. ثم ندب حظه أن حُلمه غير جدير بالذِّكْر؛ فقد كان حلمًا فظيعًا، حتى يتعين أن ذلك يعني أنه شخصٌ فظيعٌ جدًّا، فقد كان يخشى أن يُفسَّرَ بأن لديه كمٌّ كبير من العقبات، ثم طلب من ميلاريبا ألَّا يحاول أن يطلب منه أن يَقُصَّه عليه، فأخبره ميلاريبا أنه يعلم متى يكون الحلم جيدًا أو سيئًا، وعليه فقط أن يخبره بالحلم.

حُلم لينغريبا – الذي بدا أنه أحسنهم – جعله يظن أنه أفضل تلميذ بينهم؛ لأن حُلمه بدا مملوءًا بالبشائر. ولكن ميلاريبا فسَّر هذا الحلمَ على أنه الأسوأ، وقال إنه يشير إلى أن شفقة لينغريبا قليلة جدًّا، وأن فائدته للكائنات الواعية ستكون محدودةً جدًّا، وأشعة الشمس المركَّزة على قلبه تعني أنه سيذهب إلى أرض بوذا الخاصة بالداكيني فاجرايوغيني في دورة الحياة هذه. وفسَّر حلم ريتشونغبا على أنه لا يستطيع تحقيق الاستنارة في حياةٍ واحدة، وعليه أن ينتظرَ ثلاث دورات حياة؛ لأنه أخلف وعده بأن يفعلَ شيئًا ما لميلاريبا ثلاث مراتٍ.

أما ما بدا لغامبوبا كأنه كابوس، فقد كان وجوده في حقلٍ مفتوحٍ مع العديد من الحيوانات، وهو يسير حولها، ويقطع رؤوسها. فكم كانت دهشة غامبوبا عظيمة حينما سُرَّ ميلاريبا بهذا الحلم الذي يبدو فظيعًا، فبعد أن انتهى من إخبار معلمه بالحلم قال له ميلاريبا: "أعطني يدك." وأمسكها بحنانٍ، وأخبره بأنه كان لديه ثقة كبيرة به، وأنه حقَّق توقعاتِه، ثم قال لهم: إن قطع رؤوس الحيوانات يعني أن غامبوبا سيكون بمقدوره أن يحرر العديد من الكائنات الواعية من عبوديتهم في السامسارا.

قال ميلاريبا: "الآن تم عملي لفائدة الكائنات الواعية، وتم عملي لحِفْظ الدارما ونَشْرِها، وهناك شخصٌ آخر يستطيع أن يأخذَ مكاني."

وصل غامبوبا لمرحلة متقدمة، حتى إنه لم يعد يتنفَّس مثل بقية الكائنات الواعية العادية؛ فقد كان له شهيق وزفير مرةً واحدة فقط يوميًّا. وكان يمر بتيَّارٍ متواصلٍ من الأفكارِ والرؤى المستمرة للبوذات في أشكالهم الحقيقية، بما فيهم بوذات الطب الثمانية، وبوذات الاعتراف الخمسة وثلاثون.

أخبر ميلاريبا تلميذَهُ أنه الآن مستعدٌّ لتلقي التعاليم من سامبوغاكايا، وهو أحد أجساد بوذا ذات الهيئة الأكثر خفاءً التي يراها فقط الآريا بوديساتفا، هؤلاء الذين لديهم إدراك غير نظري للخلو. وسرعان ما سيكون مؤهَّلاً لخبرة الدارماكايا، وهي جسد ذهن المعرفة غير المحدودة، التي يصل لها فقط المستنيرون.

الفراق

ذات يومٍ قال ميلاريبا لغامبوبا: "أنا كبير جدًا الآن، وكنت أتمنى أن اقضي باقي حياتي معك، ولكن نظرًا لقوى بعض الصلوات السابقة، علينا أن نفترق، ويجب عليك أن تذهب إلى الإقليم الأوسط ليو".

ثم أعطى ميلاريبا غامبوبا نصائح جمة، مُحذِّرًا إياه من الغرور، خاصةً لأن لديه العديد من القوى الاستثنائية. وأخبره ألَّا ينبهر بمعرفته بالماضي والمستقبل، أو بقواه الجسدية الاستثنائية؛ فإن هذا يمكن أن يصبح عقباتٍ هائلةً أمامه، ونصحه على وجه الخصوص ألَّا يبحث عن الأخطاء عن يمينه أو يساره، أي لا يبحث عن أخطاءِ مَن حوله. وعلَّمه أن المرء لا يعرف أبدًا ما الذي عليه الآخرون بالفعل، وأنهم هم الذين يستطيعون الحكم على أنفسهم فقط. وليس ثمة طريقة يمكن لغامبوبا أن يحكم بها عليهم بدقة، سواء أكانت أعمالُهم بنيةٍ حسنةٍ أم سيئة.

عندئذٍ أخبر ميلاريبا غامبوبا أن يذهب إلى مكانٍ معينٍ، وأن يُؤسِّس ديرًا هناك، مُبيِّنًا له أنه سيجد هناك كل تلاميذه، وكل من تربطه بهم كارما، لمواصلة تعزيز دارما بوذا، وقد حذَّر غامبوبا من أن يحيا قريبًا من أولئك الذين استعبدتهم المشاعر السامة الثلاثة : التعلق والغضب والغافلين ضيقي الأفق. لأنهم سيعدونه. وقد حذره أيضًا ألَّا يحيا قريبًا من هؤلاء الذين لديهم قدر كبير من الانجذاب والنفور، وأضاف أنه يجب عليه أن يتجنَّب البخلاءَ؛ وذلك لأنه إذا عاش طويلاً معهم فسينتهي الأمر به إلى أن يَدِّخَر حتى القطع الصغيرة من الخشب. ونصح غامبوبا أن يتحلَّى بقدرٍ كبيرٍ من الصبر، وألَّا يستخفَّ باللاما الخاص به، حتى لو رأى نفسه مستنيرًا، وعليه أن يبقى نظيفًا أنيقًا محبوبًا من كل الناس، وأخيرًا أخبر ميلاريبا غامبوبا أن يُزيد كل قوى التحقق من خلال مواصلة تأمله، والتدرُب حتى يحقق هدفه النهائي، الاستنارة.

ودَّع ميلاريبا غامبوبا بالطريقة نفسها التي ودَّع بها الغورو الخاص به، فأعد أشياء كثيرة، وأحضر طعامًا، وذهب هو وطلابه الآخرون معه مسافةً. وقبل مغادرة الغورو ردد غامبوبا أبيات عديدة من المديح والإقرار بحظه الطيب، الذي جعله يلتقي ميلاريبا في هذه الحياة. وأنشد كيف أن رغبته الوحيدة هي لقاؤه، وكيف أنه مُمتنٌّ؛ لتمكُّنه من الدراسة وفقًا لتقليد ميلاريبا، بالإضافة لأنه لديه الكارما المناسبة ليدمج ذلك بمعرفته بالتعاليم التي تلقاها من معلمي الكادامبا. وأكد غامبوبا أنه استفاد استفادةً كاملةً من حياته البشرية الثمينة.

جسر واحد أخير عليه عبورُه

فلما أتوا على الجسرٍ قال ميلاريبا: "الآن عليك أن تمضي وحدك، والآن ودِّعْني. فلن أعبر هذا الجسر لأسبابٍ تتعلَّقُ بالفألِ." عندئذٍ بارك غامبوبا الذي عبر الجسرَ، وحينما عبره نادى عليه ميلاريبا: "تعالَ مرة ثانية؛ فإن لديَّ تعليمًا خاصًّا أعطيه إياك، وإذا لم أُعْطِك هذه النصيحة فلمن سأعطيها؟

"سأله غامبوبا: "هل ينبغي عليَّ أن أهبك ماندالا من أجل هذه التعاليم الخاصة والنصيحة؟" فأخبره ميلاريبا أن الوهب ليس ضروريًّا، وحذَّره ألَّا يُضيع النصائح، بل يَضَعَها في أعمق أعماق قلبه. وعندئذٍ أعطى ميلاريبا ظهره لغامبوبا، ثم رفع ثوبه، وأراه مؤخرته العارية، فرأى غامبوبا أن مؤخرة ميلاريبا كلها مُتصلِّبة، مثل جلدٍ مدبوغٍ متصلبٍ

قال ميلاريبا: " من أجل التدرُب ليس هناك شيءٌ أعظم من التأملِ، بشرط أن تعلَم ما تتأمل فيه، وكيف تتأمله. أنا الذي اكتسبتُ معرفةً وفهمًا للعديد من طرق التأمل المختلفة، وتأملتُ حتى أصبحتْ مؤخِّرتي متصلبة الجلد، فأنت بحاجةٍ أن تفعلَ الشيء نفسه، هذا هو آخر درسٍ لك."

عندئذٍ أخبر غامبوبا أن الوقت قد حان لمغادرته، فترك التلميذُ أستاذَه، ومضى إلى جنوب لاسا؛ حيث أسَّس ديره وِفقًا لنبوءة ميلاريبا.

الخاتمة

يُعَدُّ كتاب "الجوهرة المزخرفة للتحرر" نتيجة لخبرات غامبوبا، التي طورها من تعاليم وتأملات أساتذة الكادامبا وتقليد ميلاريبا. فحينما كتب هذا النصَّ كان كائنًا متحققًا وَفقًا لكلا التقليدَينِ، وقد مزج حكمةَ المَدرَستينِ في النص. بتقليد المحادثات، أن يتم شرح السيرة الذاتية للمعلم الذي قام بكتابة نص الكتاب، حتى يكون لكلمات المؤلف تأثير أعظم على التلاميذ، فإذا قرأت فقط الكتاب أو دراسة شيئًا ما بدون معرفة المؤلف، فلن يكون ذو مغذى، وهذا هو التقليد الذي أتبعه.

في الحقيقةِ ليس هناك فرقٍ بيننا وبين غامبوبا وميلاريبا؛ فقد كان ميلاريبا في البدايةِ شخصًا عاديًّا، مملوءًا بالقوى السلبية لكل أفعاله المُدمرة المؤذية، لكنه عَمِل جاهدًا للقضاء على المشاعر المزعجة، والمُضللة، ويُطور تدريجيًا الرؤى والخبرات.والشيء نفسه ينطبق على غامبوبا؛ إذ كان عليه أن يعملَ جاهدًا للوصول إلى تحققه الروحاني، وحينما بدآ لم يكونا كائنَينِ مستنيرَين، ولم يكن من اليسير عليهما التأمُّل وتطوير الحكمة والتحقُقات. ففي حالة ميلاريبا كان أسوأَ من معظمنا، مبرهنًا على إمكانية التحقُق دومًا لو كنَّا على استعداد للعمل الجاد، فحينما نُطوِّر المثابرة والشجاعةَ التي لدى الأساتذة العِظام يمكننا نحن أن نكون مثل ميلاريبا وغامبوبا.

كتاب "الجوهرة المزخرفة للتحرر" هو نتاج أحد هؤلاء الأساتذة العظام، الذي من أجل فائدتنا مزج بين تقليدي الكادامبا والماهامودرا في طريقٍ واضحٍ واحد.

Top