عهود البوديساتفا الجذرية

خلفية

العهد هو هيئة دقيقة خفية من الاستمرارية الذهنية، والتي تُشكل سلوكنا. خاصة إنها تمنعنا عن "الأفعال المذمومة" بنوعيها، المدمرة بطبيعتها أو تلك التي منعها بوذا لأشخاص بعينهم والذين يتدربون للوصول لهدف مُحدد. مثالاً على النوع الأول هو القتل، والمثال على النوع الثاني هو تناول الطعام بعد الظهر، والذي يجب على الرهبان تجنبه حتى تصبح أذهانهم أكثر صفاًء للتأمل ليلاً وفي الصباح التالي.

بمرحلتي تنمية البوديتشيتا، الطموح والإنخراط، فقط مع الثانية نأخذ عهود البوديساتفا.

أخذ عهد البوديساتفا يتضمن قطع الوعد بالامتناع عن مجموعتي الأفعال السلبية التي منعها بوذا لهؤلاء الذين يتدربون كبوديساتفات للوصول للاستنارة من أجل تحقيق النفع للآخرين بقدر الإمكان:

(١) الثمانية عشر فعلًا والذين إذا تم ارتكابهم يُشكلون سقطة جذرية،

(٢) أربعة وستون نوعًا من الأخطاء السلوكية.

السقطة الجذرية تعني فقدان مجموعة كاملة من عهود البوديساتفا. إنها "سقطة" بمعنى إنها تقود إلى انحدار في التطور الروحاني وتعيق نمو الخصال الإيجابية. كلمة جذر تمثل المنشأ أو المصدر الذي يجب القضاء عليه. بتعبير أسهل، هاتان المجموعتان عادة ما يُطلق عليهما عهود البوديساتفا الجذرية والثانوبة. ويُمثلا خطوطًا إرشادية ممتازة لأنواع السلوك التي يجب تجنبها إذا رغبنا في نفع الآخرين بشكل كامل وبأكثر الطرق الممكنة نقاءً.

في أواخر القرن العاشر المُعلم الهندي أتيشا تلقى هذه النسخة تحديداً من عهود البوديساتفا من مُعلمه السومطري (من سوفارناديفيبا بجزيرة سومطره) دارماكيرتي (دارمابالا)، والذي قام بعد ذلك بنقله للتبت. هذه النسخة مستخلصة من سوترا أكاشاجاربا، كما ذُكرت في "خلاصة التدريبات" الذي تم تجميعه في الهند بواسطة شانتيديفا في القرن الثامن. جميع التقاليد التبتية حالياً تتبعه، بينما التقاليد البوذية المشتقة بالصين تتقيد بأشكالٍ مختلفة من عهود البوديساتفا.

الوعد بالمحافظة على عهود البوديساتفا ينسحب ليس فقط على هذه الحياة وإنما أيضاً على كل حياة قادمة حتى الاستنارة. وبالتالي تستمر هذه العهود بهيئة أكثر دقة قي استمراريتنا الذهنية في الحيوات المستقبلية. إذا أخذنا العهود في حياة سابقة فنحن لا نفقدها لارتكابنا الآن بلا معرفة انتهاكًا كاملًا، إلا إذا كنا قد أخذنا العهود مجدداً خلال هذه الحياة. إعادة إتخاذ العهود لأول مرة في هذه الحياة يقوي زخم جهودنا للاستنارة والتي يتزايد نموها منذ أول مرة أخذنا فيها هذه العهود. لذا، يؤكد مُعلمي الماهايانا على أهمية الموت وعهود البوديساتفا سليمة وقوية. وجودهم الثابت بإستمراريتنا الذهنية يستمر في بناء القوة الإيجابية (استحقاقات) في الحيوات المستقبلية، حتى قبل إعادة الحياة لهم بأخذهم مرة أخرى.

بتتبع مؤسس تقليد الغيلوك تسونغابا وشرحه لعهود البوديساتفا في القرن الخامس عشر "شرح إلتزام البوديساتفا الأخلاقي: المسار الرئيسي للاستنارة"، دعونا نتفحص الثمانية عشر فعلًا سلبياً التي تُشكل السقطات الجذرية. كلًا منهم له عدة أشتراطات يجب علينا معرفتها.

الثماني عشرة سقطة الجذرية للبوديساتفا

(١) الثناء على الذات و/أو التقليل من شأن الآخرين

هذه السقطة تتمَثل في التحدث لشخص ما بطريقة متعالية. الدافع يجب أن يتضمن إما الرغبة في مكسب أو مديح أو حب أو أحترام إلخ من الشخص المخاطب، أو بدافع الغيرة من الشخص الذي يتم التقليل من شأنه. ولا يمثل أي فارق سواء كان ما نقوله حقيقة أو كذباً. المحترفون الذي يُروجون لأنفسهم على أنهم بوذيين عليهم أن يحترسوا لهذه السقطة.

(٢) عدم مشاركة تعاليم الدارما أو الثروة

الدافع هنا تحديداً يجب أن يتضمن التعلق والبخل. هذا الفعل السلبي ليس فقط عدم رغبتنا في مشاركة ملاحظاتنا وتسجيلاتنا ولكن أيضاً أن نبخل بوقتنا وأن نرفض تقديم المساعدة عند الحاجة.

(٣) عدم الاستماع لإعتذار الآخرين أو ضربهم

الدافع خلف كليهما يجب أن يكون الغضب. الأول يشير إلى حادثة أن نصرخ على شخص أو نضربه وهو يتضرع للصفح أو شخصاً آخر يتوسل إلينا لأن نتوقف ونحن نرفض. الآخر هو ببساطة أن نضرب شخصاً ما. أحياناً قد يكون ضرورياً أن نصفع طفلاً هائجاً أو حيوان أليف لمنعه من الجري على الطريق إذا لم يستمعوا، لكن ليس من الملائم أو النافع أبداً أن نؤدب بدافع من الغضب.

(٤) نبذ تعاليم الماهايانا و أقتراح تعاليم أخرى مصطنعة

والمقصود هنا هو رفض التعاليم الصحيحة عن موضوع يخص البوديساتفا، مثل الالتزام الأخلاقي للبوديساتفا، وإختلاق تعاليم أخرى بدلاً منها في ذات الموضوع تبدوا معقولة ولكنها مُضللة مدعياً إنها التعاليم الأصلية ومن ثم تعليمها للآخرين من أجل كسب التابعين. مثال على هذه السقطة عندما يقوم المُعلمين الراغبين بشدة في عدم إخافة التلاميذ المحتملين بالتغاضي عن السلوك الأخلاقي المُتحرر وشرح أن أي نوع من الأفعال مقبول طالما لا يؤذي الآخرين. لا يجب أن نكون مُعلمين حتى نرتكب هذه السقطة. يمكن أن نرتكبها حتى في المحادثات العفوية مع الآخرين.

(٥) أخذ هبات خُصصت للجواهر الثلاث

هذه السقطة هي السرقة أو الاختلاس سواء شخصياً أو عبر شخص أخر أي شيء تم وهبة أو يخُص بوذا أو الدارما أو السانجا ثم إعتبارها كملكية خاصة. السانجا في هذا السياق هم أي مجموعة من أربعة أو أكثر من الرهبان. الأمثلة تتضمن إختلاس أموال تم التبرع بها لبناء نُصب تذكاري بوذي، أو لطباعة كتب الدارما، أو لتغطية نفقات مجموعة رهبان أو راهبات.

(٦) هجر الدارما المقدسة

هنا السقطة في الإنكار أو التعبير عن رأينا بما يُسبب أن يُنكر الآخرون أن نصوص التعاليم المقدسة للشرافاكا أو البراتيكابوذا أو ناقلة البوديساتفا هي كلمات بوذا. الشرافاكا هم المصغون لتعاليم بوذا بينما لازال موجوداً، بينما البراتيكابوذا فهم المتدربون المتطورون ذاتياً الذين يعيشون بالأساس في العصور المظلمة التي لم تعد بها الدارما متاحة بشكل مباشر. لتحقيق النمو الروحاني فهم يعتمدون على فهمهم الحدسي المُكتسب من دراستهم وتدربهم أثناء حيواتهم السابقة. تعاليم كلاً من الشرافاكا والبراتيكابوذا مجتمعين يُشكلون الهينايانا، أو "الناقلة المتواضعة" من أجل الحصول على التحرر الشخصي من السمسارا. ناقلة الماهايانا تؤكد على المناهج التي تُحقق الاستنارة الكاملة. إنكار كل هذا أو حتى بعض النصوص المقدسة لأياً من الناقلات أنها مُستمدة من تعاليم بوذا لهو سقطة جذرية.

المحافظة على هذا العهد لا يعني إنكار المنظور التاريخي. تعاليم بوذا تم تناقلها شفهيًا لقرون قبل أن يتم التعهد بكتابتها، ولذا الفساد والنسيان بلا شك قد حدث. المُعلمين العظام الذين قاموا بجمع "المجمعة البوذية التبتية للسوترات" بالتأكيد رفضوا نصوص أعتبروها غير أصلية. مع ذلك فهم لم يتخذوا قرارهم بناء على تحيُز، لقد استخدموا معيار المُعلم الهندي دارماكيرتي (في القرن السابع) لتقييم صلاحية أي نص من خلال تقييم قدرة التدريبات المتضمنة بذلك النص على تحقيق الأهداف البوذية بإعادة ميلاد أفضل أو التحرر أو الاستنارة. الفروق في الأسلوب بين النصوص المقدسة وحتى داخل النص الواحد عادة ما تشير إلى اختلاف توقيت كتابة هذه الأجزاء المتنوعة أو ترجمتها إلى لغات مختلفة. لذا، دراسة النصوص بإستخدام مناهج تحليل النصوص الحديثة كثيرًا ما يكون مثمرًا ولا يتعارض مع هذا العهد.

(٧) تجريد الرهبان من أرديتهم أو ارتكاب فعل مماثل مثل سرقتها.

هذه السقطة تشير تحديداً إلى القيام بشيء مؤذي لفرد أو أثنين أو ثلاثة من الرهبات أو الراهبات البوذيين، بغض النظر عن مستواهم الأخلاقي أو الدراسي أو التدريبي. مثل هذه الأفعال يجب أن تكون مدفوعة برغبة سقيمة أو الحقد، وتشمل على الضرب والإساءة اللفظية لهم، مصادرة ممتلكاتهم، أو طردهم من أديرتهم. على الرغم من ذلك لا تعتبر سقطة إذا تم طرد الرهبان لقيامهم بارتكاب احدى السقطات الأربعة الكبرى: عدم القتل، خاصة إنسان آخر؛ عدم السرقة، تحديداً شيء يخص مجتمع الرهبان؛ عدم الكذب، خاصة بشأن التحقق الروحاني؛ المحافظة على العزوبية الكاملة.

(٨) ارتكاب أيًا من الجرائم الخمس الشنيعة

الجرائم الخمس الشنيعة هي (أ) قتل آبائنا، (ب) قتل أمهاتنا، (جـ) قتل احد الآرهات {كائن متحرر}، (د) بنيَّة سيئة جرح بوذا، أو (هـ) التسبب في الفُرقة بالمجتمع الرهباني. الجريمة الشنيعة الأخيرة يقصد بها إنكار تعاليم بوذا والمؤسسة الرهبانية، التسبب في تخليهم عن الرهبنة، اجتذابهم لديانة جديدة أو تقليد رهباني آخر. هذه السقطة لا تتضمن مغادرة مركز أو مؤسسة الدارما – خاصة بسبب الفساد في المؤسسة أو المُعلمين الروحانيين – وتأسيس مركز دارما جديد يتبع تعاليم بوذا. علاوة على ذلك فإن مصطلح سانجا هنا في الجرائم الشنيعة يشير تحديداً إلى المجتمع الرهباني. هذا لا يعني سانجا حسب الاستخدام غير التقليدي الذي صاغه الغربيون كمرادف لأعضاء مركز أو مؤسسة الدارما.

(٩) حمل منظور ملتوي أو مُعادي

هذا يعني إنكار ما هو حقيقي وذو قيمة – مثل قانون السبب والنتيجة السلوكي، الإتجاه الآمن والإيجابي في الحياة، إعادة الميلاد، والتحرر منه – وأن تكون مُعادياً لمثل هذه الأفكار ولمن يحملونها.

(١٠) تدمير أماكن مثل المدن

هذه السقطة تتضمن هدم أو تفجير أو تحقير بيئة المدينة أو المقاطعة أو منطقة ريفية عمداً، وجعلها مكاناً غير صالح ومؤذي وصعب لمعيشة البشر أو الحيوانات.

(١١) تعليم الخلو لمن كان ذهنهم غير مدرب

المحل الرئيسي لهذه السقطة هو الشخص ذو دافع البوديتشيتا وليس مهيئًا بعد لفهم الخلو. مثل هذا الشخص سيُصبح مرتبك وخائف بسبب مثل هذه التعاليم وكنتيجة لذلك سيترك طريق البوديساتفا لطريق التحرر الفردي. هذا قد يحدث كنتيجة للتفكير في أن كل الظواهر خالية من الوجود الفطري القابل للإيجاد، ومن ثم لا وجود لأحد، إذا لماذا أُرهق نفسي بالعمل لنفع أي شخص أخر؟ هذه السقطة تتضمن أيضاً تعليم الخلو لأي شخص قد يُسئ فهم هذه التعاليم ومن ثم هجر الدارما تماما، على سبيل المثال التفكير أن البوذية تُعلم أن لا شيء موجود وبالتالي فكل شيء محض هراء. دون استبصارًا سيكون من الصعب معرفة إذا كان الذهن مُدرب بشكل كافي ولن يُسيء تفسير تعاليم خلو كل الظواهر. لذا، من الهام أن نقود الآخرين لهذه التعاليم من خلال الشرح المتدرج لمستويتها المُعقدة، والتفقد الدوري لفهمهم.

(١٢) إبعاد الآخرين عن طريق الاستنارة الكاملة

محل هذا الفعل هم هؤلاء الذي قد نَمُّوا دافع البوديتشيتا ويجاهدون لأجل الاستنارة. السقطة هي بأن نخبرهم إنهم غير قادرين على التصرف في جميع الأوقات بكرم وصبر وخلافه – أن نخبرهم إنه لا يمكن أن يصبحوا بوذا لذا فمن الأفضل لهم السعي لتحررهم الشخصي. إلا إذا كانوا بالفعل قد ابتعدوا عن طريق الاستنارة، فعندها لا تعتبر هذه السقطة كاملة.

(١٣) إبعاد الآخرين عن عهد البراتيموكشا

البراتيموكشا أو عهود التحرر الشخصي التي يتخذها كلاً من الرجل و المرأة العاديين ،الراهب أو الراهبة مكتملو الرسامة أو غير مكتملى الرسامة و الراهبة التي تختبر الرهبنة. محل هذه السقطة هو الشخص الذي يحافظ على أحد مجموعات عهود البراتيموكشا. السقطة هي إخباره إنه كبوديساتفا فإنه لا طائل من الأحتفاظ بهذه العهود، لإنه بالنسبة للبوديساتفا فإن كل الأفعال نقية. حتى تكتمل هذه السقطة يجب أن يتخلى بالفعل عن عهوده.

(١٤) التقليل من أهمية ناقلة الشرافاكا

السقطة الجذرية السادسة هي إنكار أن نصوص ناقلة الشرافاكا أو ناقلة البراتيكابوذا هي كلمات بوذا الأصلية. هنا، نحن نتقبل إنهم كذلك، لكننا ننكر فاعلية هذه التعاليم والتمسك بأنه من المستحيل التخلص من المشاعر والمواقف الداخلية المربكة بواسطة أدوات تعاليمهم، مثل الخاصة بالفيباسانا (تأمل البصيرة).

(١٥) الادعاء الزائف للإدراك الكامل للخلو

نرتكب هذه السقطة إذا لم نصل للإدراك الكامل للخلو ورغم ذلك نقوم بتعليمه أو نكتب عنه متظاهرين بإننا توصلنا له، بسبب الغيرة من المُعلمين العِظام. ولا يمثل أي فارق إذا أنخدع أياً من التلاميذ أو القراء بما ندعيه أم لم ينخدعوا. مع ذلك يجب أن يُفهم إننا نقوم بالشرح. إذا لم يفهم الآخرون مناقشاتنا فإن هذه السقطة لا تعتبر كاملة. على الرغم من أن هذا العهد يشير إلى إدعاء الإدراك الزائف خاصة للخلو، إلا إنه من الواضح إننا بحاجة لتجنب ذات الأمر عند تدريس البوديتشيتا أو أيًا من موضوعات الدارما الأخرى. لا خطأ في تعليم الخلو قبل إدراكه بشكل كامل، طالما اعترفنا بحقيقة إننا نشرحه فقط من خلال مستوى فهمنا الحالي المتنامي.

(١٦) قبول ما تم سرقته من الجواهر الثلاثة

هذه السقطة هي بقبول هدية ،هبة ،راتب ،مكافئة ،غرامة ،أو رشوة أو أي شيء أخر قد تم سرقته أو أختلاسه من قِبل شخص أخر، سواء كان قد قام بهذا بشخصه أو عبر شخص آخر، وكان هذا من بوذا أو دارما أو سانجا، متضمنًا في ذلك ممتلكات راهب أو راهبة أو أثنين أو ثلاثة.

(١٧) تأسيس سياسات غير عادلة

وتعني هنا أن نكون منحازين ضد المتدربين الجاديين، بسبب الغضب أو العداء تجاههم، وتفضيل هؤلاء من ذوي التحقق الأقل، أو دونه، بسبب التعلق بهم. مثالًا على هذه السقطة هو تخصيص وقتنا للدروس الخاصة بالطلاب العرضيين القادرين على دفع مقابل مالي أعلى وتجاهل الطلاب الجادين غير القادرين على دفع أي شيء.

(١٨) ترك البوديتشيتا

وهذه السقطة هي في التخلي عن أمنية تحقيق الاستنارة لنفع جميع الكائنات. بين درجتي البوديتشيتا، الطموح والانخراط، هذه السقطة تحديداً هي عن هجر الأولى. بالقيام بهذا، نحن نتخلى عن الثانية بالتبعية.

أحياناً، هناك سقطة جذرية تاسعة عشر يتم ذِكرها:

(١٩) التقليل من شأن الآخرين بسخريتنًا بالأبيات الشعرية أو الكلمات

وهو ما قد يكون متضمنا بالسقطة الجذرية الأولى للبوديساتفا.

المحافظة على العهود

عندما يتعلم الناس عهودًا مثل هذه، يشعرون إنه من الصعب الحفاظ عليها ويكونون خائفين من أخذ هذه العهود. لكننا نتجنب مثل هذه التخوفات من خلال معرفتنا بوضوح لماهية هذه العهود. هناك طريقتان لتفسيرهما. الأولى أن تلك العهود هي مواقف داخلية نقوم بتبنيها تجاه الحياة لمنع أنفسنا من طرق معينة من السلوك السلبي. الطريقة الأخرى لتفسير العهود هي أنهم الشكل أو الهيئة الخفية التي نعطيها لحياتنا. في أيٍ من الحالتين، المحافظة على العهود يتضمن اليقظة والتنبه والتحكم بالنفس. بواسطة اليقظة نحافظ على عهودنا بذهننا طوال اليوم، كل يوم. من خلال التنبه، نستمر في مراقبة سلوكنا لتفقد إذا كان متوافق مع العهود. إذا أكتشفنا إننا نخالفها أو على وشك مخالفتها فنحن نمارس ضبط النفس. بهذه الطريقة نحدد ونحافظ على شكل أخلاقي لحياتنا.

مراعاة العهود والحفاظ على اليقظة لهم ليس بشيء غريب أو صعب القيام به. إذا كنا نقود سيارة فنحن نوافق على إتباع قواعد معينة من أجل تقليل الحوادث وزيادة الأمان. هذه القواعد تُشكل طريقة قيادتنا – نحن نتجنب القيادة بسرعة فائقة ونظل بالجانب الخاص بنا من الطريق – ونُحدد أفضل الطرق عملية وواقعية للوصول لوجهتنا. بعد بعض التدرب، إتباع هذه القواعد يصبح شيئًا طبيعيًا واليقظة لتلك القواعد تصبح دون جهد ولا تشكل عبء علينا. نفس الشيء يحدث عند المحافظة على عهود البوديساتفا أو أي عهود أخلاقية أخرى.

العوامل الأربعة اللازمة لكسر العهود

نحن نفقد عهودنا عندما نُسقط هيئتها تماماً من حياتنا، أو نُوقف محاولة المحافظة عليهم. هذا ما يدعى السقطة الجذرية. عندما تحدث، فالطريقة الوحيدة لإعادة اكتساب هذه الهيئة الأخلاقية هي إعادة تشكيل مواقفنا الداخلية، التعهد من خلال إجراء تطهيري مثل التأمل على الحب والشفقة، وإعادة أخذ العهود. من بين الثمانية عشر سقطة، بمجرد أن ننمي الحالة الذهنية للسقطة التاسعة أو الثامنة عشر – التمسك بموقف داخلي مشوه أو مُعادي أو التخلي عن البوديتشيتا – نحن نفقد وعن حق، كل تغيُر بذهننا والنموذج الأخلاقي لحياتنا الذي شكلناه بواسطة عهود البوديساتفا وبالتالي نُوقف جميع جهودنا في المحافظة عليهما. بالتبعية نفقد فورًا جميع عهود البوديساتفا وليس فقط العهد الذي نبذناه.

مخالفة العهود الستة عشر الأخرى لا تُعتبر سقطة جذرية إلا إذا كان الموقف الداخلي المصاحب للأفعال يحتوي على العوامل الأربعة اللازمة. هذه العوامل يجب أن يتم التمسك بهم والمحافظة عليهم مباشرة من اللحظة اللاحقة لتنمية الدافع لكسر العهد ،وحتى اللحظة اللاحقة لإكتمال فعل المخالفة مباشرة.

العوامل الأربعة اللازمة هم:

(١) عدم اعتبار الفعل السلبي ضارًا، ورؤية المزايا فقط به، والقيام بالفعل دون أي ندم.

(٢) التعود على القيام بالمخالفة من قبل، وعدم وجود الأمنية أو الرغبة في التوقف عن تكرارها سواء الآن أو في المستقبل.

(٣) الابتهاج بالفعل السلبي والقيام به بسعادة.

(٤) أن لا يكون لدينا أي حس بالكرامة الذاتية (لا إحساس بالشرف) وعدم الإهتمام بالطريقة التي ستنعكس بها أفعالنا على الآخرين (لا إحساس بالخجل) مثال على مُعلمينا وأبائنا، وبالتالي عدم وجود أي نية لإصلاح الضرر الذي تسببنا به لأنفسنا.

إذا لم تكن الأربعة مواقف الداخلية مجتمعة لمخالفة أيٍ من الستة عشر عهدًا، فلا تزال هيئة البوديساتفا متواجدة بحياتنا، كما لا يزال جهد المحافظة عليهم، ولكن كلا من الهيئة وجهد المحافظة أصبحوا ضعاف. في الستة عشر عهدًا هناك فرق كبير بين مجرد كسرهم أو فقدانهم.

على سيبل المثال نفترض أننا لا نعير أحدًا كتبنا لتعلقنا بها وبخلنا. نرى أن لاشيء خطأ في هذا – فبعد كل شيء هذا الشخص يمكن أن يَسْكُب القهوة على الكتب أو أن لا يرُد الكتب مرة أخرى. لم نقم بإعارة هذه الكتب من قبل ولا نية لدينا لتغير هذه القاعدة الآن أو في المستقبل. بالإضافة لإننا عندما نرفض إعارتها نشعر بالسعادة لقرارنا. مفتقدين للكرامة الذاتية الأخلاقية، نحن بلا خجل من قول لا. نحن لا نهتم كيف سينعكس علينا ذلك الرفض، بغض النظر عن حقيقة إنه يُفترض بنا أننا نتمنى جلب الجميع للاستنارة، كيف لا نكون مستعدين لمشاركة كل موارد المعرفة التي لدينا؟ بلا أي حياء لا نهتم كيف أن رفضنا سينعكس على معلمينا الروحانيين أو البوذية ككل. وليس لدينا النية للقيام بأي شيء لموازنة تصرفنا الأناني.

إذا كان لدينا كل تلك المواقف الداخلية عند رفض إعارة كتبنا، فبالتأكيد فقدنا هيئة البوديساتفا في حياتنا. ونكون قد فشلنا بالكامل في تدريب الماهايانا الخاص بنا وفقدنا كل عهود البوديساتفا. على الجانب الآخر، إذا أفتقدنا بعض هذه المواقف الداخلية ولم نقم بإعارة الكتاب، فنحن مجرد متراخيين في جهونا للمحافظة على هيئة البوديساتفا في حياتنا. لازال لدينا العهود، ولكن في هيئة ضعيفة.

إضعاف العهود

في الحقيقة إن مخالفة احد العهود الستة عشر دون احد العوامل الإلزامية الأربعة لا يضعف عهود البوديساتفا. على سبيل المثال، نحن لا نقم بإعارة كتبنا لشخص طلب منا ذلك ولكن نحن نعرف أن هذا شيء خطأ. نحن لا ننتوي القيام بهذا كسياسة لنا، نحن غير سعداء برفضنا، ونحن مهتمين كيف سينعكس رفضنا علينا وعلى معلمينا. نحن لدينا سبب ملائم لرفض إعارة الكتاب، مثل أن لدينا أحتياج مُلِح أو إننا وعدنا به شخص أخر. دافعنا ليس التعلق بالكتاب أو البخل. نحن نعتذر لعدم قدرتنا على إعارة الكتاب الآن موضحين السبب وراء ذلك، مؤكدين للشخص إننا سنقوم بإعارته الكتاب فور أن يصبح هذا ممكنا. ولتعويضه نعرض مشاركة ملاحظاتنا معه. بهذه الطريقة فقط حافظنا على هيئة البوديساتفا في حياتنا.

نحن تدريجيًا نُضعِف هيئة البوديساتفا في حياتنا ونفقد تمسكنا بعهودنا عندما نصبح بشكل متزايد تحت تأثير التعلق والبخل. يُرجى ملاحظة أن المحافظة على العهد للامتناع عن عدم مشاركة تعاليم الدارما أو أي موارد معرفية أخرى لا يُخلصنا من تعلقنا أو بخلنا بخصوص كتبنا. هو يحفظنا من التصرف تحت تأثيرهم فحسب. قد نُعير كتبنا أو بسبب حاجة مُلحة لا نعيرهم الآن لكن سيبقى هذا تعلق بالكتب وفي الأساس بخل. لكن العهود تساعدنا في صراعنا لنمحو هذه المشاعر المُربكة ونكسب التحرر من المشاكل والمعاناة التي تجلبها هذه المشاعر، لكن كلما ازدادت قوة مُسبب المتاعب كلما كان من الأصعب ممارسة ضبط النفس لعدم السماح لهم بإملاء سلوكنا علينا.

يتزايد تحكم التعلق والبخل بنا – وتزداد عهودنا ضعفًا – عندما لا نُعير كتبنا ونحن نعلم أنه من الخطأ القيام بهذا، ولكننا نكبح أي واحد أو أثنين أو كل الثلاثة الآخرين من العوامل اللازمة. هذا يشكل المستويات الأدنى والأوسط والأكبر من الإفساد الأصغر لعهودنا. على سبيل المثال، نحن نعرف إنه من الخطأ عدم إعارة كتبنا، لكن هذه هي سياستنا ولا ننوي عمل أي أستثناء. إذا شعرنا بالسوء لهذا وخجلنا من الكيفية التي ينعكس بها رفضنا علينا وعلى مُعلمينا، فهيئة البوديساتفا التي نحاول وضعها في حياتنا لازالت غير ضعيفة للغاية. لكن بالإضافة لما سبق، إذا شعرنا بالسعادة بخصوص سياستنا هذه بجانب أننا لم نعد نشعر بالأهتمام كيف سيفكر الآخرين ومعلمينا بنا، فنحن نُصبح أكثر وأكثر فريسة لتعلقنا وبخلنا.

مستوى أكثر ضعفًا للمحافظة على هذه الهيئة في حياتنا يبدأ عندما لا نعترف بأنه لا خطأ في رفض إعارة الكتاب. هذا هو المستوى الأدنى في الفساد الأوسط. عندما نضيف عامل أو أثنين من العوامل اللازمة، فنحن بهذا نُضعف الهيئة أكثر، وبالتالي للمرحلة الأكبر من الفساد الأوسط والفساد الأكبر بالتوالي. عندما تتوافر العوامل الأربعة اللازمة فعندها تصبح سقطة جذرية ونفقد كامل عهود البوديساتفا. نحن الآن تحت سطوة التعلق والبخل تماماً، بما يعني إننا لم نعد منخرطين في التغلب عليهم أو تحقيق إمكانياتنا من أجل أن ننفع الآخرين. بهجر مراحل الانخراط بالبوديتشيتا نفقد عهود البوديساتفا والتي تُعتبر أساس هذه المرحلة.

تقوية العهود الضعيفة

الخطوة الأولى في إصلاح عهود البوديساتفا الخاصة بنا إذا أضعفناهم أو فقدناهم هو بالإقرار أن مخالفتنا كانت خطأ. لربما نقوم بأية شعائر تكفيرية. مثل هذه الشعائر لا تتضمن الاعتراف للآخرين بخطئنا أو طلب السماح من البوذات. نحن نحتاج أن نكون أُمناء مع أنفسنا ومع تعهدنا. إذا شعرنا حينها أن هذا كان خطأ عندما قمنا بالفعل بكسر عهداً بعينه. نحن نُعيد إعترافنا بخطئنا. وعندها نقوم بتوليد العوامل الأربعة التي تعمل كقوة مضادة. هذه العوامل الأربعة هي:

(١) الشعور بالندم على فعلنا، سواء في وقت مخالفة العهد أو بعد ذلك، وهو ليس مثل الشعور بالذنب. الندم هو أمنية أننا لم يكن علينا القيام بالفعل الذي نقوم به أو الذي قمنا به. إنه عكس الشعور بالسعادة أو لاحقاً الابتهاج بفعلنا. على الجانب الآخر، الإحساس بالذنب هو شعور قوي بأن فعلنا حقاً خطًأ أو كان حقاً خطًأ ولذا فإننا حقاً أشخاص سيئين. وفيما يخص هذه الهويات كهويات فطرية وأبدية، نحن نتمسك بهم بشكل سقيم ولا نتخلى عنهم. بأي حال الإحساس بالذنب هو استجابة غير ملائمة أو نافعة لأخطائنا. على سبيل المثال، إذا تناولنا طعامًا جعلنا مرضى، نحن نندم على فعلنا – كان هذا خطأ. على الرغم من ذلك فإن حقيقة إننا تناولنا هذا الطعام لا تجعلنا سيئين بشكل فطري. نحن مسئولون عن أفعالنا وما يترتب عليها، ولكننا لسنا مذنبين بسببهم بمعنى الإدانة التي تحرمنا من أي حس بالقيمة الذاتية أو الكرامة.

(٢) التعهد بالقيام بأفضل ما لدينا حتى لا نُعيد ذات الخطأ. حتى إذا كان لدينا مثل هذه النية من قبل عندما خالفنا العهد، ونحن بوعي نعيد التأكيد على عزمنا من جديد.

(٣) العودة لقواعدنا. هذا يعني التأكيد من جديد على التوجه الآمن والإيجابي في حياتنا ونعيد تكريس قلبنا لتحقيق الاستنارة من أجل نفع جميع الكئانات – بعبارة أخرى، نُعيد بث الحياة بتحصين ملجئنا ومستوى الطموح للبوديتشيتا.

(٤) إتخاذ تدابير علاجية لمعادلة مخالفتنا. هذه التدابير تتضمن التأمل على الحب والكرم، الاعتذار عن سلوكنا غير الطيب، الانخراط في أعمال إيجابية أخرى. حيث أن التصرف بشكل بناء يتطلب حس بالكرامة الذاتية الأخلاقية والاهتمام بكيفية انعكاس أفعلنا على من نحترمهم، وهو المضاد لنقصهم الذي قد يكون قد صاحب فعلنا السلبي. حتى إذا شعرنا بالخجل والاحراج أثناء القيام بالمخالفة، هذه الخطوات الإيجابية ستقوي أحساسنا باحترام الذات والندم على الطريقة التي سيفكر بها الآخرين في مُعلمينا.

ملاحظات ختامية

من ثم نستطيع أن نرى أن عهود البوديساتفا في الحقيقة من الصعب جدا فقدانها تمامًا. طالما احترمناهم بإخلاص وحاولنا الأحتفاظ بهم كخطوط إرشادية، فنحن في الحقيقة لن نفقدهم أبدًا. هذا لأن العوامل الأربعة اللازمة لا يكتملوا أبدًا حتى وإن تسببت مشاعرنا المُربكة في كسر العهد. وحتى في حالة التمسك بموقف داخلي مشوه ومُعادي أو التخلي عن البوديتشيتا، إذا أقررنا بخطئنا، حاشدين القوى المضادة من الندم وخلافه، ونعيد أخذ العهود، يمكننا أن نتعافى ونستكمل طريقنا.

لذا عندما نحاول أن نقرر إن كان علينا أن نأخذ العهود أم لا، فمن المنطقي أن نؤسس قرارنا على تقييم قدراتنا على تحمُل بذل الجهد المستمر بمحاولة الاحتفاظ بهم كخطوط إرشادية. بدلاً من تقييم قدراتنا على المحافظة عليهم على نحو كامل. مع ذلك فمن الأفضل عدم إضعاف أو فقد عهودنا. فعلى الرغم من إننا قد نستطيع السير مرة أخرى بعد كسر قدمنا، إلا أن هذا قد يتركنا بِعَرج.

Top