البوذية في القرن الحادي والعشرين

كيف نكون أتباع بوذية القرن الواحد والعشرين؟

عندما أقابل أهل التبت والصينيين واليابانيين واللادخيين، وكل أتباع البوذية في الهيمالايا، أخبرهم دائمًا أننا الآن في القرن الواحد والعشرين، وينبغي علينا أن نكون بوذيي القرن الواحد والعشرين. ويعني هذا أن يكون لدينا معرفة أكمل عن التعليم الحديث، والعلوم الحديثة، وكل هذه الأشياء. وأن نستفيد أيضًا من الإمكانات الحديثة، ولكننا في الوقت نفسه ينبغي أن يكون لدينا إيمان راسخ بتعاليم بوذا، عن الإيثار، والبوديتشيتا، والرؤية الاعتمادية (اعتماد الأفراد بعضهم على بعض) والنشوء التابع. حينذاك يمكن أن تكون بوذيًّا حقيقيًّا، وتنتمي أيضًا إلى القرن الواحد والعشرين.

كنت في نوبرا [لاداخ] مؤخرًا، وتوقفت في الطريق لتناول الغداء، ثم أتى بعض السكان المحليون، وكان من بينهم من نعرفه منذ عشرين أو ثلاثين عامًا، ولذلك تجاذبت معهم أطراف الحديث. وقد أخبرتهم أننا بحاجة إلى أن نكون بوذيي القرن الواحد والعشرين، وأن الدراسة مهمة جدًّا أيضًا. ثم سألتهم: "ما البوذية؟" فقالوا: "[أن نسير من أجل اتخاذ ملجأ في البوذا والدارما والسانغا]. هذه هي البوذية". وهذا شيء في غاية البساطة. ثم سألتهم بعد ذلك: "ما الاختلافات بين بوذا والسيد المسيح ومحمد؟" فأجابوا قائلين: "ليس هناك أي اختلاف". وهذا ليس صحيحًا؛ فهم متشابهون تمامًا في كونهم معلمين عظماء للبشرية، ولكن من جانب التعاليم والفلسفة فهناك اختلافات كثيرة بين البوذية والأديان الأخرى، ولكن هؤلاء القرويون يشعرون أن الأديان كلها متشابهة.

وهذا يذكرني بما حدث ذات مرة في التبت، فقد كان اللامات يعلم الناس، فسألهم مرة قائلاً: "أين الكنوز الثلاثة؟ أين بوذا؟" ثم ظل صامتًا برهة من الوقت، ثم أشار إلى السماء قائلاً: "إن بوذا في قصر بلوري في الفضاء، تحيط به الأضواء الساطعة". وهذا ليس صحيحًا؛ فمكان بوذا هنا في قلوبنا – طبيعة البوذا.

لذا أود أن أشارككم الرأي في أنه من الواجب علينا أن نذهب إلى الأساس الحقيقي للبوذا-دارما [تعاليم البوذا]. ونضرب مثلاً هنا للتوضيح: هناك طعام رئيس في بلاد التبت، مثل الأرز أو الدقيق أو التسامبا. وهناك طعام ثانوي أو أطباق جانبية، مثل بعض الفواكه الجميلة، فعند غياب الطعام الأساسي لا يكفي أبدًا هذه الأطباق الجانبية. ومن المهم جدًّا فهم هذا الأمر.

أصول التقليد وفروعه

عادة ما أصف البوذية على أنها تقليد النالندا النقي [بمعنى أنها وريثة تعاليم المعلمين العظام السبعة عشر لجامعة نالندا الرهبانية الهندية]، هذا هو الشيء الأساسي. وإذا أردت أن أوضح ذلك فهناك تشبيه دائمًا ما أشرحه لجماعاتنا البوذية، بما فيهم أهل لاداخ، وهو الشجرة، فتقاليد النالندا تشبه جذع هذه الشجرة أو أصلها، و[التقاليد التبتية] لنيينغما والساكيا والكاغيو والغيلوغ والكادام والغونانغ تشبه فروعها.

كنتُ في مركز دورزونغ، أو مركز دروغبا كاغيو، وعادة ما يكون للرينبوشات هناك برامج دراسية جيدة لرهبانهم، وكذلك للطلاب الشباب العلمانيين من أهل التبت. وقد سألت دورزونغ رينبوش عن برنامجهم، وهو برنامج جيد جدًّا. لذلك شرحت لهم مثل جذع الشجرة وفروعها، وكيف يذهب الساكيا والنيينغما والكاغيو والغيلوغ والكادام والغونانغال – بقدر وحدتهم – إلى الجذر، فليس هناك أي فروق. ولكن عندما يكون هناك تأكيد على الفروع تبرز الاختلافات الطفيفة بدرجة كبيرة هنا وهناك، وهذه الفروع ضرورية؛ فهناك بعض الأشياء الخاصة مثل الدزوغتشين [الكمال العظيم] والماهامودرا [الختم العظيم] والساكايالامدرايا [السبيل مع نتائجه]، وسلتونغ-زونغجوغ [الزوج المرتبط للوضوح والخواء]. وكلها أمور جيدة، ولكنها مرتبطة جميعًا بالجذع، ويكون من الجيد جدًّا عندما تأتي هذه الخصائص الخاصة على قمة المعرفة الكاملة للتعاليم الأساسية للجذع، وعندئذ يكون مكتملاً، ولكن إذا أهملت التعاليم الأساسية، وأمسكت بهذه الفروع فقط، فلن يكون مكتملاً، وسيكون هناك أيضًا خطر التفسير المغلوط.

إذن الجذع هو معلم النالندا، وعادة ما أصف معلمي النالندا السبعة عشر بهذا الوصف، فنصوصهم هي التفاسير للبوذية الأولية، والنصوص الأخرى هي الفروع.

أهمية الشكية (مذهب الشك)

طبقًا للجذع – التعاليم البوذية الأساسية – يكون مذهب الشك (أو الشكية) ضروري جدًّا. والآن أعتقد وآمل أن أكون بوذيًّا، ولكنني لم يعد لدي إيمان بجبل ميرو. إن الحقيقتين والحقائق الأربع النبيلة هي التفسيرات الحقيقية للكون وللمجرات وللانفجار العظيم. هذا هو التعليم الحقيقي لبوذا والبوذية.

يدور تقديم النصوص الكلاسيكية حول أربعة مواضع للثقة:

[(١) لا تضع ثقتك في الفرد، وإنما ضعها في تعاليمه.

(٢) ولا تضع ثقتك في كلماته، ولكن ضعها في معاني هذه الكلمات.

(٣) ولا تضع ثقتك في معناها التفسيري، بل ضعها في معناها التعريفي المحدد (لفهمها).

(٤) ولا تضع ثقتك في وعيك المميز، بل ضعها في وعيك العميق.]

تذكر النصوص الكلاسيكية أن المستمعين الحقيقيين لهذه الكتب وقراءها الجادين لا بد أن يكون لديهم موقف عقلي يميل إلى الشك، فهم بحاجة إلى أن يتحققوا من محتوى الكتاب هل هو متعلق بحياتهم أم لا؟ وما نفعه الحالي له؟ وما نفعه المستقبلي له؟ على المستمعين الجادين أن يكونوا على وعي واضح بصلة النص بحياتهم قبل اتباع التعاليم التي يحويها. وهذا بالضبط هو منهج النالندا. يجب على الحاضرين أن يبدءوا بالشك؛ فالشك يجلب التساؤل، والتساؤل يجلب التحري والاستقصاء، والتحري والاستقصاء يؤديان إلى الإجابات. هذا هو المنهج المنطقي الوحيد.

دحض المعتقدات حول جبل ميرو وموقع ممالك الجحيم

عندما كنت في (سار أشرام) منذ أربعين سنة ذكرت في إحدى المناسبات أن "بوذا لم يأت إلى هذا الكوكب ليضع خريطة، لذا فإن البوذية لا تهتم بكَوْن جبل ميرو موجودًا أم لا". بهذه الطريقة. إذن لدينا الحرية في الاعتراض على تفسير (فاسوباندو) [في أبيدارماكوشا، منزل الكنز للموضوعات الخاصة للمعرفة]. وعلينا أن نفرق بين المعنى الحرفي والمعنى الرمزي. وفي كالاتشكارا يُذكَر أن جبل ميرو وكل هذه الأشياء ترمز إلى الجسم البشري؛ من الرأس إلى أخمص القدمين. وهناك العديد من التفاسير التانترية المشابهة، ولهذا يكون لتلك النصوص معنى معين وهدف معين.

وفيما يتعلق بالجحيم ومفهومه: وجدت أنه من الصعب جدًّا أن أقبل ما ذكره (فاسوباندو) في الأبيدارماكوشا؛ من أن ممالك الجحيم المختلفة تقع تحت البوداغايا بعشرين فرسخ. فالباغتسي يبلغ طوله أكثر من كيلومتر، إذن إذا نزلت إلى الأسفل أكثر وأكثر فمن المحتمل بدرجة كبيرة أن الجحيم موجود في أمريكا! ولكن من المشين أن نقول أن أمريكا جحيم، لذلك ليس من الصعب تفنيد هذه الأشياء ودحضها.

هناك ثلاث طرق لفهم الأشياء:

(١)  من خلال الإدراك الحسي.

(٢)  ومن خلال الاستدلال على أساس المنطق.

(٣)  ومن خلال الاعتماد على سلطة النصوص المقدسة.

وهذا يعني [في حالة النصوص المقدسة] الاعتماد على شخص ثالث. غالبًا ما أخبر الناس أن هذا مثل عملية ميلادنا؛ فنحن لا يمكن لنا أن نتحقق من ماهية ميلادنا الحقيقي، وعلينا أن نعتمد على شخص ثالث، مثل أمهاتنا مثلاً. ولكي نقبل وصف هذا الشخص علينا أولاً أن نثبت أن هذا الشخص صادق، ويُعتمَد عليه، وذو عقل سليم. لهذا علينا أن نختبر بعض المجالات الأخرى التي ذكرها هذا الشخص، وتكون أشياء يمكننا أن نتحرى عنها. وإذا ما تحرينا عن هذه الأشياء، ووجدنا إنها صحيحة، نعلم أن هذا الشخص صادق، وليس لديه من الأسباب ما يجعله يكذب، أو يدعي الأشياء، وعندئذ يمكننا قبول أحكامه الأخرى.

إذن، وبالمثل، قد يكون هناك ظواهر غامضة تكون فوق مستوى فهمنا، ولا يكون لدينا أي تفسير عنها. ولكن هناك من الناس من يقول إنه مر بهذه الظواهر بالفعل، ونستطيع أن نراجع كتاباتهم، ونرى إمكانية الاعتماد عليها فيما يتعلق بنقاط أخرى. إذا كان الأمر كذلك يمكننا الاعتماد على تفسير هذا الشخص لما صعب علينا فهمه. علينا أن نسلك مثل هذا النوع من المنهج مع بعض التفاسير في الأدب البوذي.

والآن، وطبقًا لـ(برامانا) – المنطق ونظرية المعرفة – [هناك أنواع مختلفة من البرهان والتفنيد، أحد هذه الأنواع من التفنيد يتضمن ظاهرة ينبغي أن تكون من الظواهر التي يمكن ملاحظتها، ولكنها ليست كذلك]. فمثلاً، وكما في الأبيدارماكوشا، يقع كلٌّ من الشمس والقمر على المسافة نفسها من الأرض، وأثناء دورانهما حول جبل ميرو يتعاقب الليل والنهار.

وفيما يبدو فإننا نرى في الواقع ظل جبل ميرو [في الليل]، ولكن إذا كنا نرى ظله نستطيع أن نرى الجبل نفسه. في العصور القديمة في الهند لم يكن لدى فاسوباندو الإمكانية كي يتأكد ويرى هل جبل ميرو موجود أم لا، ولكننا الآن نملك سفن الفضاء، وينبغي علينا أن نكون قادرين على رؤيته، وإذا كنا لا نستطيع ذلك الآن في ظل هذه الإمكانيات إذن نستطيع أن نقول إنه غير موجود.

إذن هناك تفنيدات تقوم على عدم القدرة على ملاحظة الظاهرة التي تحاول أن تبرهن عليها، أو المكان الذي لاحظت فيه عكس هذه الظاهرة. وقد ذكر (ديغناغا ودارماكيرتي) هذه الأِشياء بوضوح في نصوصهم، لذا نستطيع من خلال معرفتنا بالبوذية أن نثبت بسهولة أن جبل ميرو غير موجود، وليس هناك أي مشكلة في دحض هذه الادعاءات وتفنيدها.

في إحدى المرات التي زرت فيها الهند كنت في الجنوب، مع تجمُّع للرهبان الطلبة، وأعتقد أنهم بلغوا أكثر من عشرة آلاف طالب (فقد اجتمع هناك كل طلاب المعاهد الكبيرة للرهبنة في الهند)، وقد تحدثت عن وجهة نظري لأهمية العلم، ووجوب تعلمه، وتعلم العلم الحديث. ثم ذكرت أنني لا أؤمن بجبل ميرو، وكل هذه الأشياء، ثم قلت: "أرجو ألاَّ تعتبروني من أتباع العدمية". وكنت في أول يوم من تعليمي مُركِّزًا بصورة كبيرة على العلاقة بين العلوم البوذية والعلوم الغربية. ثم شرحت في اليوم الثاني التعاليم البوذية. لهذا كنت في اليوم الأول أكثر ابتكارًا في تعليمي، وفي اليوم الثاني كان تعليمي دينيًّا وأكثر التزامًا بالتقاليد. إذن ليس هناك أية مشكلة على أي حال في تفنيد هذه الادعاءات ودحضها.

المخاطر الكامنة (المحتملة) للإخلاص للغورو (الإخلاص للمعلم)

إذن إذا اتجهنا إلى الجذر فلن يكون هناك تأكيد على أهمية الإخلاص، ولكن إذا ذهبت إلى هذه الفروع، مثل الماهامودر والدزوغتشين، فإن الغورويوغا سوف تكون مهمة جدًّا. وهذا يفسد – في الواقع – بعضًا من هؤلاء اللامات، ومن ثَم يمكن أن تصبح مراكزهم طوائف دينية، وذلك بسبب نسيانهم للتعاليم البوذية الأساسية، والتركيز على هذه الفروع فقط.

مثل (ناروبا) كبير معلمي الماربا، والشخصية الرئيسة في نسل كاغيو. كان ناروبا واحدًا من المعلمين العِظام في مؤسسة نالندا، ثم مارس بعد ذلك التانتريانا، وكان يبدو مثل الشحاذ أو السادو. كان لناروبا القدرة على ممارسة هذه الأشياء فقط؛ لأنه درس جميع النصوص المهمة المتاحة في تقاليد النالندا. ولكن بعض الممارسين في الغرب الآن – وبعض أهل التبت أيضًا وبعض اللاداخيين – يفعلون كل ما يأمر به لاماتهم دون أن يعرفوا أساس البودا-دارما، حتى إذا قال لاماتهم: إن الشرق هو الغرب. يصدقوهم قائلين: "نعم، هذا هو الشرق."! وهذا ينافي تقاليد النالندا.

بالطبع يختلف الشخص الذي يكون مؤهَّلاً تمامًا بالمعرفة الأساسية عن البوذية عن ذلك اللاما الذي يجلس على عرش عالٍ فقط – مثلي وأنا أجلس على عرش عالٍ – ولكن خبرته الحقيقية محدودة جدًّا. والآن يبدو الأمر كما لو كنت أغار من هؤلاء اللامات! ولكن طبقًا لخبرتي أعتقد أنهم ليس لديهم المعرفة الملائمة الكاملة، وإنما يؤكدون على هذه الفروع فقط، وهذا يخلق الكثير من الفهم المغلوط، ومن المهم جدًّا أن نفهم هذا.

تكييف البوذية للغرب

إن فكرة وجود بوذية غربية فكرة صحيحة تمامًا، فأنتم تعلمون أن البوذية نشأت من الهند في الأساس، وعندما وصلتْ إلى أماكن مختلفة امتزجت بالتقاليد الثقافية المحلية لهذه الأماكن، وأصبح هناك ما يعرف بالبوذية التبتية، والبوذية الصينية، والبوذية اليابانية، وهكذا.

ولم تأتِ بعض الآلات الموسيقية التي تستخدمها الأديرة التبتية من تقاليد النالندا، ولكنها جاءت من الجانب الصيني. هناك آلة يطلق عليها (أغيالنغ) [المزمار، أو الشوم الهندي] (الشوم آلة موسيقية خشبية قديمة)، وتعني الكلمة حرفيًّا: "الفلوت الهندي". وفي بعض هذه الأديرة يلبس العازفون على هذه الآلات مثل الصينيين، وهذا من الحماقة؛ إذ ليس هذا الأمر من البوذية، إنما هو مجرد جانب من الجوانب الثقافية. إذن وبالطريقة نفسها يمكنك أن تستخدم الآلات الموسيقية الحديثة، وأن تصلي على نغمات أغنية غربية في المجتمع البوذي الغربي، وهذا أمر حسن، ولا مشكلة فيه.

ولكن بقدر فكرة الحقائق الأربع النبيلة، والإيثار، وكل ما يتعلق بهذا الشأن، ترون أن البوذية تتعامل مع العواطف، والعواطف التي لدينا اليوم هي العواطف نفسها منذ ٢٦٠٠ سنة. وأعتقد أنه طالما كانت عواطف الناس هي نفسها لم تتغير طوال الثلاثة أو الأربع آلاف سنة الماضية، وستبقى هي نفسها آلاف السنين القلائل القادمة. فبعد عشرة آلاف أو عشرين ألف سنة سيكون العقل قد تتطور في شكل جديد، وحينئذ قد تختلف الأشياء قليلاً.

ولكن هذا ما زال بعيدًا جدًّا، فليس هناك أي حاجة لتعديل التعاليم من أجل جيلنا، أو الجيل الثاني، أو الجيل الثالث، فلهذه الأجيال العقل البشري نفسه والعواطف نفسها، ويمكنك أن تسأل العلماء والمتخصصين في المخ عن هذا، فسيقولون: "نعم، سيكون هو العقل نفسه مدة خمسة قرون قادمة على الأقل بلا تغيير". من هذا القبيل يجب أن تبقى التعاليم الأساسية للبوذية على ما كانت عليه في الأصل.

ذكرت ذات مرة وأنا في فرنسا أن العصر الحديث هو أن آخذ شيئًا من هنا، وشيئًا من هناك، مع شيء من هنالك، فيكون المنتج النهائي شيئًا غير أصيل، وهذا أمر سيئ. وأعتقد أنه يجب علينا أن نحافظ على تقاليد النالندا الحقيقية، وهذا أمر ضروري جدًّا، ولكن الجوانب الثقافية يمكن أن تتغير.

مشكلة الفهم المغلوط للتعاليم المعقدة

أعتقد أنه ربما يكون لدي بعض النقد البناء، وقد قابلت بعض الناس في الغرب الذين يعرفون شيئًا قليلاً، ولكنهم يشعرون بأنهم لديهم المعرفة كاملةً، فترى الواحد منهم يقول: "أنا على علم تام". ثم تجده بعد ذلك، مع معرفته القاصرة، ومفاهيمه المغلوطة، يؤلف التعاليم، ومن أهل التبت من يفعل ذلك أيضًا، وهذا ممكن، وبصفة خاصة هؤلاء الذين لا يدرسون تلك النصوص الفلسفية الكبيرة.

هناك مثال أريدكم أن تشاركوني فيه، فقد زرت سان فرانسيسكو مباشرة بعد زلزال كبير، ولم يكن قائد السيارة آنذاك من وزارة الخارجية، بل كانت سيارة خاصة، وكان قائدها عضوًا في أحد مراكز الدارما، ويمارس الدزوغتشين. فكنت أسأله بين حين وآخر: "متى حدث الزلزال الكبير؟ وبماذا شعرت؟" فقال " أوه، لقد كانت فرصة عظيمة لممارسة الدزوغتشين؛ لأنها كانت صدمة كبيرة". ولكن لتكون في حالة من الصدمة بلا أفكار، وإذا كنت تشعر بأن هذا ممارسة للدزوغتشين الحقيقي، فأعتقد أنه سيكون من السهل إلى حد ما أن يضربك شيء ما، ويمكنك أن تمارس الدزوغتشين! ولكنه ليس بهذه السهولة، لقد مارسته بنفسي، وكم كان صعبًا جدًّا.

هناك مثل يقول: "المعرفة القليلة شيء خطير". وفي هذا شيء من الصحة هنا، لذا كن على حذر؛ فادرس، ولا تعتمد على تعاليم اللاما، واعتمد على الكتب الأصلية؛ فهذا شيء ضروري. ولا تعتمد على كلماتي، ولكن ادرس هذه النصوص الأصلية التي كتبها ناغارجونا أرياديفا، وكل هؤلاء المعلمين البوذيين. اختبر هؤلاء المعلمون هذه التعاليمَ عبر القرون، فقد كتب أرياسانغا، وأجرى حوارات مع بعض الفلاسفة الآخرين. على سبيل المثال فقد انتقد أرياسانغا – على سبيل المثال – قليلاً بعض كتابات ناغارجونا، وحلل معلم آخر أعمال أرياسانغا ونقدَها. وقد أُجريت الاختبارات والتجارب عبر العصور على تلك النصوص العظيمة، التي كتبها هؤلاء المعلمون العظام؛ لذلك فهي نصوص يمكن الاعتماد عليها حقًّا.

وهناك ما يطلق عليه الدوحا، أو الأغاني الروحانية [الأغاني الروحانية التلقائية للمعلمين البارعين]. هؤلاء الممارسون الفرديون – مثل ناروبا أو تيلوبا – الذين درسوا تقاليد النالندا كاملة، ثم تخلوا عن كل الحياة الدنيوية من خلال الممارسة، بما في ذلك حياة الدير، وعاشوا كالمتسولين واليوغات بشكل كامل، ثم من خلال خبراتهم الخاصة نَظَموا هذه القصائد طبقًا لفهمهم العميق وكلماتهم البسيطة، لذلك فهناك خطر من أن يساء فهم هؤلاء إذا كان الشخص لا يعرف إلا التقاليد الأساسية فقط، وليس أكثر من هذا.

هل ينبغي علينا أن نعمل باسم الإنسانية أو باسم البوذية؟

كنت في (باتنا) مؤخرًا في ولاية بيهار، فقد بنى الناس هناك معبدًا بوذيًّا عظيم البناء، وطلبوا من البلاد البوذية المتعددة بعض الآثار كي يضعوها في المعبد، وقد عرضت عليهم بعضًا منها. وفي هذه المناسبة قال رئيس الوزراء: سوف تتقدم ولاية بيهار بسرعة كبيرة بسبب نِعَم بوذا علينا. وكان هذا الرجل صديقًا مقربًا مني جدًّا، فقلت له: " لو كانت نعم بوذا يمكنها أن تنمي ولاية بيهار لَتطورت قبل هذا بكثير؛ لأن نعمه موجودة هناك بالفعل، ولن تحدث تنمية إلا بوجود رئيس وزراء مؤثر فاعل، ولا بد لنعم بوذا أن تأتي عن طريق يد إنسانية".

ليس للصلاة أي أثر فعلي، وذلك على الرغم من أنها شيء لطيف، ولكن الفعل ما يختلف عن هذا، أليس كذلك؟ فالتأثير الحقيقي يتطلب فعلاً، ولهذا تقول البوذية: "الكارما، ثم الكارما". تتضمن الكارما "عملاً" لذلك علينا أن ننشط.

ولكن عندما أعمل يجب أن أؤمن أني واحد من قرابة سبعة مليارات من البشر، وتقع عليَّ مسئولية الاهتمام الجاد برفاهية وسعادة كل هؤلاء البشر. عندما نعرض صلاة من الصلوات البوذية فإننا دائما ما نقول إن هذه الصلاة من أجل كل الكائنات الواعية، ولا يقول أي بوذي إن هذه الصلوات لأهل التبت فقط، فنحن لا تصلي بهذه الطريقة أبدًا. أو تقول إنها من أجل هذا العالم. فهناك عوالم غير محدودة، وكائنات واعية لا متناهية، ومِن ثَم علينا أن نفعل هذا، وإلا ستصبح صلواتنا رياء ونفاقًا. إن الصلاة على أساس "نحن" الكبيرة، في حين تكون الكارما الفعلية لنا – أعمالنا الفعلية – قائمة على شعور قوي بـ"نحن" و"هم"، ولا تكون إلا نفاقًا ورياءً (بمعنى أنه لا يجب علينا أن نميز أنفسنا عن الآخرين في صلواتنا).

والآن: هل ينبغي للأعمال التي نفعلها أن تكون باسم الإنسانية أم باسم البوذية؟ إذا حاولنا أن نُعلي من القيم الإنسانية الأساسية على أساس التعاليم البوذية فسوف يصبح الأمر ضيقًا محدودًا، ولا يمكن أن يكون عالميًّا كونيًّا. لقد تضمن العُرف الهندي على مدار ألف سنة من عمره التعددية في كل الأديان، وكان علمانيًّا، فلم يكن هناك تفضيل لدين بعينه، وكان محترِمًا لشتى الأديان. وبجانب الأديان الوضعية الخاصة بكل قطر فقد استقرت جميع الأديان العالمية الرئيسة في الهند في نهاية المطاف.

وخلال ألفي سنة مضت عاشت كل تقاليد الأديان الرئيسة معًا فى هذا البلد. وبالتالي فمن الطبيعي – بسبب الواقع – أن هذه التقاليد قد نمت أخلاقيات علمانية، وهذا شيء طيب جدًّا. وهناك العديد من الديانات التي لا يمكننا أن نمارس ضغوطًا على معتقداتها الدينية، وبناء على هذا تكون الطريقة الواقعية العملية الوحيدة هي الأخلاق العلمانية، بدون التلميح إلى أي دين.

أنا ملتزم التزامًا كاملاً بالبوذية، وأشعر بالسعادة إذا أظهر أحد ما اهتمامه بالبوذية، ولكني لا أحاول أن أنشر البوذية أبدًا. إن الاعتقاد الديني هو شأن فردي، أما الأخلاق العلمانية فهي شأن كل البشر، لذا علينا نحن المجتمع البوذي – بجانب ممارستنا اليومية بوصفنا بوذيين – أن نفكر في إطار هذه الخطوط.

أقدِّر حقًّا عمل إخواننا المسيحيين والمسيحيات، وأنا أعتقد أنهم أسهموا أعظم إسهام في مجال التعليم على هذا الكوكب، ولا نرى أي دين آخر يفعل هذا. فحركة راماكريشنا في الهند تبذل بعض الجهود مؤخرًا [في مجال التعليم الشامل]، ولكن باقي الجماعات الدينية تظل في معابدها، وكل ما تفعله هو جمع الأموال. أنتم ترون أنه من الواجب علينا أن ننشط في الارتقاء بمجتمع أفضل حالاً وأكثر صحة، وأعتقد أن الأخوة والأخوات المسيحيين قد قدموا للبشر خدمة هائلة على هذا المستوى.

Top