تنبؤات الكالاتشاكرا للحروب المستقبلية

المو ضوعات

تحذِّر كالاتشاكرا تانترا الملخَّصة من غزو مستقبلي على يد شعب غير هندي، والذي سيتبع مسيرة الأنبياء: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وماني (مؤسس الديانة الإيرانية الرئيسة: المانوية) ومحمد والمهدي (المسيح الإسلامي المنتظر). وقد وحَّد ملك شامبالا الهندوس والبوذيين طائفة واحدة تؤدي طقوس الكالاتشاكرا لمواجهة هذا التهديد، وبعد أن يصبح شعب شامبالا مجتمعًا موحدًا سيتمكن مستقبلاً من اتباع الملك المسيح البوذي، عندما يهزمون قوات الغزاة، ويؤسسون عصرًا ذهبيًّا جديدًا.

يتناول هذا المقال النقاط التالية:

  • هوية الغزاة غير الهنود.
  • نبوءات المسيح المنتظر والرؤيا التنبُّئية في الإسلام والهندوسية والبوذية.
  • السياق الثقافي لوصف الأنبياء غير الهنود.
  • السياق التاريخي للرد البوذي على الغزو التهديدي.
  • طقوس التانترا البوذية التي يمثلها الغزو والحروب.

النقاط الأساسية

من أهم الموضوعات في تعاليم كالاتشاكرا هو الموازاة بين العالم المادي وجسم الإنسان وطقوس التانترا البوذية. ووفقًا لذلك توجد دلالات على المستوى التاريخي والفيسيولوجي والتأملي للغزاة الذين يحذر منهم كالاتشاكرا، الذين ستهزمهم قوات شامبالا، سنركز هنا على المستويين الأول والثالث.

يعود الغزاة غير الهنود ظاهريًّا إلى اتباع التيارات الإسلامية المسيانية، التي كانت شائعة في نهاية القرن العاشر الميلادي، خاصة الشيعة الإسماعيلية الذين سيدَّعُون قدوم المهدي المنتظر قائدهم السياسي والروحي؛ وأنه سيوحد العالَم الإسلامي ويتزعمه، وسيعيد طهارة الإسلام، ويُدخِل العالَم كله في الإسلام قبل مجيء الدجال (وهو نظير المسيح الدجال) والقدوم الثاني للمسيح (وهو نبي مسلم) والرؤيا التنبُّئِية ونهاية العالم.

في أواخر القرن العاشر الميلادي خشي حكام بغداد العرب السُّنة العباسيون وأتباعهم من وجود نية لدى الإمبراطوريات الإسلامية الأخرى لغزوهم، وقد خافوا من غزو منافسيهم الأساسيين، على وجه الخصوص، أي الإمبراطورية الفاطمية الإسماعيلية في مصر وأتباعهم في ملتان (شمال السند باكستان)، وكان الخوف هو الشعور السائد في تلك الفترة، والناتج عن الإيمان السائد بأن نهاية العالم ستكون بعد فترة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بخمس مئة عام، أي في بداية القرن الثاني عشر.

وبالتالي فإن تصوير أدب كالاتشاكرا للغزاة غير الهنود نبع على الأرجح من تجربة بوذيي أفغانستان الشرقية وأوديانا (وادي سوات شمال غرب باكستان) خلال الشطر الأخير من القرن العاشر الميلادي، فقد يكون العيش تحت حكم شاهية الهندو بين ملتان وبغداد أدى بهؤلاء البوذيين إلى مشاطرة جيرانهم المسلمين الخوف من الغزو، وقد يكون هذا الخوف قد تضاعف حين وقع شرق أفغانستان تحت حكم الغزنويين السُّنَّة – حلفاء العباسيين – وذلك في عام ٩٧٦ م.

رغم أن الاعتقادات بشأن الغزاة تشير إلى الإسماعيليين الملتانيين الذين يعودون إلى تلك الحقبة، إلا أن دمج ماني – بوصفه أحد الأنبياء غير الهنود – قد يشير إلى وجود بلبلة بين الشيعة الإسماعيلية والشيعة المانوية. وقد كان الأخير تيارًا إسلاميًّا يعتمد على البدع، وقد صادفه المترجمون البوذيون الأفغان والهنود خلال عملهم لدى العباسيين السُّنَّة في بغداد في أواخر القرن الثامن الميلادي.

وفق نُظم كالاتشاكرا سيكون الغزاة من طائفة أسورا، أي أنهم سيكونون من أتباع آلهة الحسد، التي ستنافس وتهدد آلهة البراهمة وشامبالا. وبعد احتلال المنطقة الهندية المحيطة بدلهي ستقوم هذه المجموعة غير الهندية بغزو شامبالا. وقد يشير هذا الجانب من نبوءة كالاتشاكرا إلى تفسير نصي لاحق، وهو ما خلق بلبلة بين تجربة الغزو الغزنوي لكشمير الذي أحبط في عام ١٠١٥ أو ١٠٢١ م وتجربة أخرى قد سبقتها.

رغم أن أوديانا هو أحد مراكز التانترا البوذية المهمة، فقد كانت كشمير موطن التانترا الشافيتية الهندوسية والبوذية، وكان هناك تنافس بين أعراف تلك التانترا. لذلك – ولتوضيح مخاطر الغزو للهندوس – استخدم كالاتشاكرا التحليل الهندوسي للعالم المادي، على أنه يتألف من ثلاث مركبات أو ثلاث ميزات مادية أساسية، وهي: الساتفا (القوى العقلية)، والراجاس (ذرة من العاطفة)، والتاماس (الظلمة). ويتحلَّى مؤلفو الفيدا بالميزة الأساسية وهي الساتفا، بينما يتحلَّى آفاتاريو فيشنو (المتجسدون) بالراجاس. ويتصف أنبياء الغزاة غير الهنود بميزة التاماس، أي أنهم سيجلبون الدمار للحضارة الهندية.

ولمواجهة التهديد يجب على طوائف شامبالا المختلفة الحد من الابتعاد عن التواصل الاجتماعي فيما بينها، فهم بحاجة إلى تكوين جبهة موحدة ومتآلفة، وذلك بواسطة تأسيس طائفة فاجرا واحدة في كالاتشاكرا مندالا. وعندما يتعاون أفراد المجتمع معًا سيصبح كالكي – وهو التجسد العاشر والأخير لفيشنو الحافظ في الهندوسية – قادرًا على إيقاف الغزو الذي يقوده المهدي المنتظر، غير الهندي المتوعد.

لم يكن ذلك دعوةً جماهيرية لاعتناق البوذية، ولكن البوذية عبر دعوة كالاتشاكرا للوحدة قد ردت فقط على سياسة الهندوس والمسلمين المتبعة لضم أتباع الديانات الأخرى تحت مظلتها، وقد عَدَّ الهندوسُ بوذا بأنه أفاتار فيشنو التاسع. وبدوره عَدَّ كالاتشاكرا الأفاتاريين الثمانية الأوائل بأنهم منبعثون من بوذا، وبذلك جعل من البوذيين هندوسًا صالحين.

قَبِل الهندوس والبوذيون كالكي مُخلِّصًا، متنبئين بانتصاره على مجموعة الغزاة غير الهنود، وإعلانه بداية عصر ذهبي جديد. ولهذا السبب فكَّر ملك شامبالا البوذي في إمكانية انضمام الهندوس للبوذيين لقبول خليفته مستقبلاً بعد خمسة وعشرين جيلاً، كما تَنبَّأ كالكي في كتبهم المقدسة ولادته في شامبالا، على أنه التجسد العاشر والأخير لفيشنو.

المسلمون العوامُّ – الذين خافوا أيضًا من غزو جيش المسيح الدجال، الذي قد يدَّعِي بأنه المهدي المنتظر الحقيقي – سيلقون ترحيبًا عند الانضمام للجبهة الموحدة التي تشمل الهندوس والبوذيين. وقد تقبلت الشريعة الإسلامية آنذاك البوذيين والهندوس على أنهم "أهل كتاب"، وتضمنت تشريعاتها أتباع الديانتين الذين سكنوا بين المسلمين، وبشكل مماثل تقبل البوذيون دمج المسلمين ضمن رؤيتهم لتحقيق الوحدة؛ إذ إن تعاليمهم تضمنت موضوعات مشتركة لكلتا الديانتين.

من حيث المستوى البديل لطقوس التانترا البوذية يمثل الغزاة قُوى الجهل والمشاعر المزعجة والسُّلوك الهدَّام وقوى الكارما السلبية النابعة منهم. الطوائف المتعارضة – التي تحتاج إلى التكتل معًا لتأسيس طائفة فاجرا – تمثل تضارب الطاقة المنبعثة من الهواء (وهو أحد عناصر الطبيعة) التي تسري في القنوات الداخلية للجسد الدقيق الذي يحتاج للذوبان في "النور المشرق"، أي التنوير العقلي الداخلي. وتمثل قوى شامبالا الإدراك لطبيعة الأمور بواسطة العقل المستنير، وهي القادرة على التغلب على الجهل الذي يهدد بتعذيب الجميع.

الاستنتاج

لم تكن البوذية التي صُوِّرت في نصوص كالاتشاكرا معاديةً للهندوسية أو للإسلام أو المسيحية، بل رَدَّت فقط عمَّا كان سائدًا في الشرق الأوسط، وبعض مناطق جنوب آسيا في أواخر القرن العاشر الميلادي، وإزاء الخوف السائد من الغزو، ومن المعارك المريعة ونهاية العالم، والانشغال الشائع بمجيء المسيح المنتظر، قدَّم كالاتشاكرا نصَّه التنبُّئي. ولمواجهة التهديد أوصى باتِّباع سياسة يتبنَّاها الهندوس والحكام المسلمون العباسيون، وأشارت تلك السياسة إلى أن البوذية أيضًا فتحت أبوابها على مصراعيها لضم ديانات أخرى في ميدانها الخاص. إن أحد الأسس التي يجب الاعتماد عليها في مجتمع متعدد الثقافات لمواجهة تهديد الغزو هو الوئام الديني بين أفراده. فالانضمام للآخرين في كالاتشاكرا مندالا يرمز للالتزام بالتعاون.

ويجب فهم وصف كالاتشاكرا للأنبياء غير الهنود وتنبؤاته بصدد حرب مستقبلية ضمن هذا السياق التاريخي والثقافي. ورغم السياسة الموصى بها لم يشُنَّ أيُّ قائد أو معلم بوذي أيَّة حملة لضم الهنودس أو المسلمين إلى صفوفهم، ولم يُجرِ أي واحد منهم طقوس كالاتشاكرا لتحقيق هذا الهدف، ولكن بعض المجموعات الهندوسية والمسلمة قد استاءت من دعوة كالاتشاكرا إلى الوحدة، معتبرة الملك البوذي المستقبلي لشمبالا هو المسيح الدجال، الذي تنبأت به نصوصُهم.

وعندما تؤمن عدة ديانات بالمسيح المنتظر القادم ليهزم المسيح الدجال في معركة مريعة، وحين يتعايش أتباع تلك الديانات معًا، قد يكون هناك ناتجان: قد تتحد عدة ديانات لمواجهة المسيح الدجال المعروف لدى جميعها، وذلك بواسطة إعلان إيمانها بالمسيح المنتظر نفسه. أو قد تعتبر كلٌّ منها المسيحَ المنتظر للديانة الأخرى أنه المسيح الدجال المتنبأ به. ويثبت التاريخ بأن السياستين تؤديان إلى فقدان الثقة وحدوث الصراعات.

وتلخيصًا كان الهدف الرئيس لتعاليم كالاتشاكرا حول التاريخ هو وصف أحداث مستقبلية، بصورة تكون موازية لمراحل متقدمة من طقوس كالاتشاكرا التأمُّلية. فهي لا تعكس النظرة البوذية الحالية لوضع العالم الحالي. ويوضح نص كالاتشاكرا تانترا الملخَّصة قائلا: "المعركة مع زعيم الغزاة غير الهنود هو حتمًا داخل جسم المخلوقات المجسَّدة. ومن جهة أخرى (المستوى الخارجي) للمعركة هو في الحقيقة وهميٌّ. و(بالتالي) فإن المعركة مع الغزاة غير الهنود في حالة مكة ليست ( في الواقع) معركة."

Top