العوامل الذهنية الضرورية للتأمل

التأمل عميق الفهم

بشكل عام، هناك مرحلتان للتأمل: التأمل عميق الفهم والتأمل الترسيخي. في التأمل عميق الفهم، نعمل إما من خلال خطوات تدريجية أو باِتباع متسلسلة منطقية، كما فعلنا في عملية التفكير، لنصل إلى بناء الحالة الذهنية التي نحاول تعويد أنفسنا عليها. في حالة الشفقة، على سبيل المثال، نبدأ بالتفكير في معاناتنا الشخصية والعزم على التحرر منها. بعد ذلك، باعتماد ذلك كأساس، نتخيل حشد هائل من الكائنات حولنا، في البداية نفتح أذهاننا وقلوبنا للجميع، مُتحررين من التعلق، النفور والفتور. بعدئذ، وبينما نحن ما نزال مُركزين على جميع الكائنات، نعمل من خلال مُتتالية بادئين بتذكُر كم أننا مُتصلين ومرتبطين اعتماديًا مع كل تلك الكائنات.

بعد ذلك، بينما لا يزال تركيزنا مُثبت على تلك الكائنات، نتذكر كل أشكال المعاناة التي يختبرونها. وأنهم في أغلب الأوقات تعساء ومُحبطين، وسعادتهم ﻻ تدوم ولا تُرضيهم أبدًا. إنهم يحاولون أن يكونوا سعداء، لكن أي ما يفعلونه ﻻ يعطيهم السعادة، كهوسهم بمظهرهم أو مُراكمتهم للمزيد من الأغراض، كل ذلك ﻻ ينجح؛ إنهم فقط يجلبون المزيد من المشاكل لأنفسهم. علينا أيضًا تَذكير أنفسنا أننا جميعًا في نفس الموقف معًا ونحتاج إلى مساعدة بعضنا البعض، لأن استمرار كل فرد مِنَّا في أنانيته، سيجعلنا جميعًا نعاني.

بهذه الطريقة، نحن نبني بداخلنا شعور الشفقة، والتي بها نُركز على هذا الكم الهائل من الكائنات بالأمنية لهم جميعًا، وبشكل متساوٍ، أن يتحرروا من المعاناة، بالإضافة إلى ذلك، مع النية الشخصية لدي كل منّا بالقيام شخصيًا بشيء حيال مساعدتهم في تخفيف مشكلاتهم.

بالتأمل عميق الفهم، نحن نستكمل تركيزنا بالشفقة على ذلك الكم الهائل من الكائنات، ولكن في الوقت نفسه، نحن نفهم بعمق، بمعنى أننا نستقبل ونُدرك، جميع التفاصيل والنقاط التي ممرنا بها خلال خطوات هذا التأمل كي نبني داخلنا شعور الشفقة. لهذا، tفإن حالتنا الذهنية الخاصة بالشفقة  تتضمن عاملي  التحري العام  والفهم المتعمق الدقيق. من خلال العامل الأول، نقوم بالتحري، بمعنى مجرد ملاحظة النقطة الأكثر عمومية بشأن الموضوع محل التركيز، في هذه الحالة حقيقة أننا نعاني. ومن خلال العامل الثاني، نقوم بتمييز جميع تفاصيل الأنواع المختلفة للمعاناة التي نختبرها. بدمج العاملَين، نحن نتلقى ونُدرك جميع النقاط الخاصة بالمحَّل، وندمجهما سويًا في حالة ذهنية واحدة ة، بشكل ما مثل الفهم التفصيلي المُتعمق، لكن دون المرور بتفاصيل كل نقطة  على حدة أو التعبير عنهم لفظيًا في أذهاننا. إذا أصبح تحرينا العام وفهمنا المتعمق الدقيق  لتلك التفاصيل ضعيفًا، نعود لمراجعتها مرة أخرى واحدة تلو الثانية، ، ثُم نُولِّد الشفقة من جديد، وتكون زاخرة بالتحري العام والفهم المتعمق الدقيق والتركيز.

التأمل الترسيخي

بعد ذلك، نَتبع التأمل عميق الفهم بالتأمل الترسيخي. حيث نستكمل تركيزنا على هذا الكم الهائل من الكائنات بالشفقة نفسها، لكن هذه المرة دون التحري العام أو الفهم المتعمق الدقيق للمعاناة، لكن بينما ما نزال محافظين على تناولهم الصحيح على إنهم معاناة وبالحضور الذهني على هذه الحقيقة.

هذه هي عملية التأمل، كيفية إدماجنا لشيء ما داخلنا، وتعويد أنفسنا عليه. سواء كنَّا نتحدث عن نوع التأمل الخاص بالتركيز على مَحَل بعينه، أو فقط البقاء في حالة ذهنية ما، أو نوع التأمل الذي يحتوي على كليهما، هي نفس طريقة التطبيق بالضبط من حيث الإجراءات والتفاصيل.

الفرق بين التأمل عميق الفهم والتأمل الترسيخي

يوضح قداسة الداﻻي ﻻما الفرق بين التأمل عميق الفهم والتأمل الترسيخي من حيث طاقة النشاط الذهني لدينا. وهي طريقة دقيقة ومحكمة جدًا للتفريق بينهما. في التأمل عميق الفهم، طاقة التركيز لدينا تذهب إلى الخارج، أي إنها تتعمق في فهم شيء ما بتفاصيله كاملةً. أما في التأمل الترسيخي، طاقة التركيز لدينا تذهب إلى الداخل، بمعنى أن التركيز على ترك المشاعر أو الفهم يتغلغلان عميقًا داخلنا، اعتمادًا على الحضور الذهني للنقاط  الرئيسية التي أدى إليها التأمل عميق الفهم. الطاقة ليست ممتدة إلى التفاصيل كما في التأمل عميق الفهم، ولكنها أكثر تركيزًا على النقاط الأساسية التي تم صَقلها.

إنه شيء مُتقدم للغاية أن نكون قادرين على تبيان الفرق بين طاقة فهمنا المتعمق المُتسِّم بالشفقة تجاه شخص ما -الطاقة هنا بمعنى الخوض في كل التفاصيل- وبين طاقة ترسيخ تلك الشفقة، حيث تكون الطاقة أكثر تركيزًا. هذه إحدى المنافع التي تنتُج عن تهدئة الذهن. إذا كنَّا ناجحين إلى حد ما في تهدئة كل تلك الضوضاء في رؤوسنا، الكلام المستمر، التعليقات الدائمة، مشغلات الموسيقى التي تعمل طوال الوقت، عندها سنتمكن من أن نكون أكثر حساسية تجاه طاقاتنا، وبإمكاننا معرفة ماهية الحالة الذهنية التي توجد عليها طاقاتنا.

أفضل الطرق كي تُصبحون أكثر حساسية تجاه طاقاتكم هو بالتركيز على ما إذا كانت طاقتكم مضطربة أم هادئة. على سبيل المثال، الطريقة التي تكتشفون بها ما إذا كنتم تحت تأثير مشاعر مُزعجة مثل الغضب، الخوف، القلق، الطمع، أو الغرور، هي أن طاقتكم ليست ساكنة. عندما تتحدثون إلى شخص ما، إذا استطعتم الإحساس بانقباض في معدتكم، هذا يشير إلى أن طاقاتكم مضطربة إلى حد ما، هذا دليل جيد لوجود نوع من المشاعر المُزعجة. لربما تحاولون التأثير على ذلك الشخص، أو إقناعه بشيء ما، أو أن هناك بعض العداء بينكم -أيٍ من ذلك قد يكون دليلًا على أن هناك شيء مزعج يحدث في أذهانكم. بمجرد ما أن يكون باستطاعتكم إدراك أن هناك شيئًا ما خطأ، عندها يكون لديكم الفرصة للبدء من جديد في عملية التفكير الخاصة بكم -لإعادة تشغيل أذهانكم، بمعنى، تغيير المشاعر خلف تفاعلكم وإبدالها بمشاعر أكثر طيبة. خاصة إذا كنتم تتفاعلون في علاقة تبادلية مع آخر، ففي تلك المواقف أنتم في حاجة شديدة لأن يكون بمقدوركم اكتشاف مشاعركم المزعجة.

بمرور الوقت، وبالتدرُّب، ستُصبحون أكثر حساسية بما يكفي للتفرقة  بين الطاقة الممتدة إلى الخارج للتأمل عميق الفهم وبين الطاقة الداخلية الأكثر تركيزًا للتأمل الترسيخي.

العوامل اللازمة لتحقيق التركيز

العوامل اللازمة لتحقيق التركيز مشتركة في كِلا التأمُلَين عميق الفهم والترسيخي. حيث يناقشهما شانتيديفا في نصه الانخراط في سلوك البوديساتفا، في سياق تنمية الالتزام الأخلاقي. لذا في البداية علينا تنمية تلك الآليات على مستوى سلوكياتنا، أي الكيفية التي نتصرف ونتحدث بها، ثُم بعد ذلك نطبقها على أذهاننا.

العامل الذهني الرئيسي في كلا الحالَتَين هو الحضور الذهني، والذي هو مثل الغراء الذهني الذي يتمسك بحالة ذهنية أو بسلوك ما. إنه مماثل  لكلمة "أن نتذكر"، لكننا ﻻ نتحدث عن التذكُّر عن طريق استدعاء شيء ما من ذاكرتنا. إنها ليست كذلك. إنها التمسك بشيء ما؛ تذكره طوال الوقت. نحتاج لأن يكون لدينا غراء ذهني بالشيء الذي نُركِّز عليه وللطريقة التي يتَّصِل بها الذهن مع هذا الشيء.

بينما نتأمل بالحضور الذهني، نُراقب تمسُكنا الذهني. يوضِّح تسونغكابا هنا أننا نُوظِّف العامل الذهني الخاص بالتحري العام كي نرى بشكل عام، ما إذا كانت حالتنا الذهنية أصبحت تحت تأثير المشاعر المزعجة، أو إن كان لدينا تشتتًا ذهنيًا أو خمولًا. هذا شيء ذي دلالة لتحديد  التحري العام، بدلًا من الفهم المتعمق الدقيق. فالفهم المتعمق الدقيق سينخرط بشكل أكبر في تفحص التفاصيل الدقيقة، لذا فلن يكون انتباهنا مُركِّز بشكل أساسي على الشيء محل التركيز لدينا. هناك خطر كبير في أن نُصبح شديدي الارتياب فيما إذا كُنَّا سنفقد تركيزنا على الشيء محل التركيز أو أن أذهاننا ستبدأ بالشرود مما يجعلنا مُتصلبين وعصبيين. وهذا يخلق مشكلة أكبر. من الناحية الأخرى، ﻻ نرغب في أن نكون مُسترخين بشكل زائد عن اللزوم أو شديدي التراخي، هذا أيضًا غير مفيد على الإطلاق.

بعد ذلك نحتاج إلى التنبه، والذي يعمل كجهاز إنذار. حينما نكتشف إننا بدأنا في فقدان الشيء محل التأمل، التنبه يجعل جهاز الإنذار ينطلق -بأن هناك شيئ ما غير صحيح. بعدها نجلب تركيزنا مرة أخرى، بالانتباه.

الأخطاء الواجب تصحيحها

يقع الخطئان اللذان نرغب في التخلص منهما تحت فئتين رئيسيتين: "الشرود الذهني" و"الخمول الذهني". الشرود الذهني هو: عندما يكون لدينا تشتت ذهني بسبب التعلق أو الرغبة. وقد يأخذ شكل التعبير اللفظي الذهني أو الصورة الفيلمية الذهنية. أغلب النصوص التقليدية تناقش هذا الشرود في سياق التعلق الجنسي، ربما لأن الجمهور الأساسي في ذلك الوقت كانوا من الرهبان والراهبات العُزَّبْ، حيث أن التغلب على ذلك بالنسبة لهم أمرًا حيويًا. لكن التعلق من الممكن أن يكون بالطعام أو الموسيقى أو أي شيء آخر. التشتت الذهني، في المقابل، من الممكن أن يكون بسبب أيٍ من المشاعر المزعجة، الأفكار، أو حتى الضوضاء أو أي تأثير حسي من أي نوع. بشكل عام، الشرود الذهني من الممكن أن نُطلق عليه "التشتُت".

هناك العديد من الدرجات للشرود الذهني، فيما يتعلق بوضع انتباهنا على الشيء محل التركيز أو على مشاعرنا.

  • الشرود الذهني الواضح- حيث نفقد تمسكنا بالشيء محل التركيز تمامًا ونبدأ في التفكير في كل أنواع الأشياء الأخرى. الحضور الذهني، والغراء الذهني، ضعيفان للغاية بحيث ننسى تمامًا الشيء محل التركيز.
  • الشرود الذهني الخافت- نحن ﻻ نترك الشيء محل التركيز تمامًا، إلا أننا في  الوقت نفسه الذي نكون فيه متمسكين بهذا الشيء، هناك تيار سُفلي من التفكير في شيء آخر.
  • الشرود الذهني شديد الخفوت- ليس لدينا حتى هذا التيار السفلي، لكن هناك شيء مثل الحكة التي تجعلنا نرغب في ترك الشيء محل التركيز والتفكير في شيء آخر. ذلك قد يحدث بالفعل إذا كان تمسكنا الذهني مُفرِط الشدة.

يتعلق الخمول الذهني بمدى وضوح الشيء محل التركيز، والذي قد يكون المظهر في حالة بناء التخيل، أو الشعور في حالة توليد الحالات الذهنية مثل الشفقة.

  • الخمول الذهني الواضح- عملية "بناء المظهر" بأذهاننا تكون ضعيفة للغاية بحيث ﻻ نستطيع إنشاء أي تخيُل أو شعور على الإطلاق. وهذا من الممكن أن يُصاحبه عاملان آخران، يُعرفان باسم "ضبابية الذهن"، والذيَن هما إما الشعور بالثِقَل في الجسد والذهن، أو النعاس، وحتى النوم.
  • الخمول الخافت - يكون لدينا المظهر الذي نعمل على بناءه، لكن التمسك الذهني به ليس قويًا بشكل كافٍ، لذا فهو ينقصه الدقة. هنا ﻻ نتحدث فقط عن حدة التركيز على التفاصيل الخاصة بالتخيُل، لكن المشاعر قد تكون أيضًا خارج بؤرة التركيز، مثل الشفقة. قد تكون مجرد مشاعر مُبهمة مثل، "الحب، السلام، أنا أحب الجميع" -أنتم تُوَلِّدون مشاعر، لكنها تفتقد للتركيز المُحَدَّد الخاص بالأمنية للجميع بأن يكونوا أحرارًا من المعاناة وأسبابها. علينا تذكُر أن جميع التفاصيل، جميع الجوانب الخاصة بالحالة الذهنية التي نرغب في تنميتها محددة بدقة- ﻻ يجب أن تكون مُبهمة.
  • الخمول الذهني شديد الخفوت- عندما نبدأ في التخيل أو توليد حالة شعورية يكون تركيزنا قويًا، لكن لا ننجح في المحافظة على استمرارية تركيزنا بالقوة ذاتها  وبالتالي يكون التخيل أو الحالة الشعورية التي نعمل على بناءها ليست نَضِرة، أو حيوية أو حية. يجب أن تكون نَضِرة في كل دقيقة، ليست مثل الخُبز البائت الذي أصبح قاسيًا وغير جيد كفاية.

عندما نتحدث عن "انفصال الذهن"، فهذا قد يشير إلى أي مما سبق من أخطاء، لذا فنحن بحاجة لأن نكون قادرين على اكتشاف متى تبدأ أي من تلك الأخطاء بالظهور. أولًا، نضع تمسكنا الذهني على محل التركيز أو الحالة الذهنية. ثم بواسطة الحضور الذهني، والغراء الذهني، لا نفقدهم.

تلك أكثر العوامل أهمية لنجاح التأمل. التمسك، لكن ليس بقوة مُفرطة وﻻ بارتخاء شديد. على سبيل المثال، عندما تتبعون نظامًا غذائيًا وتمرون بمحل للحلويات ويكون معروضًا جميع أنواع الكعك الرائع، عليكم أن تتمسكوا بنظامكم الغذائي، حتى ﻻ تدخلون المحل وتشترون كعكة شكولاته. أو إذا كنتم بمكان ما حيث يقدمون المُثلجات للجميع فتتمسكون بنظامكم الغذائي وﻻ تتخلون عنه "شكرًا، فأنا اتبع نظامًا غذائيًا".

لذلك فنحن بحاجة إلى التحري، لنرى إذا كنَّا شاردين بعيدًا. "هل هناك خطأ في طريقة إيضاع أو تمسك أذهاننا بالشيء محل التركيز؟ هل هناك شيئ خطأ في الطريقة التي تُنشئ بها أذهاننا المظهر أو الشعور؟" إذا تحرينا ووجدنا شيئًا خاطئًا، صوت جهاز الإنذار سينطلق وسيجلب انتباهنا للتركيز مرة أخرة. في  الوقت نفسه، ﻻ يجب علينا أن نكون مثل ضابط الشرطة الذي لديه هوس، حيث يكون هناك ثُنائية بين "أنا" ضابط الشرطة و"أنا" الذي يقوم بالتأمل. لتجنب مثل تلك الحالة الثنائية أثناء التأمل، يجب أن يكون لدينا بعض الفهم عن خلو الذات -نحن خالين تمامًا من الوجود بهذه الطريقة الثنائية المستحيلة.

تطبيق عملي للمهارات التي تَّم التدرب عليها أثناء التأمل

القدرة على تثبيت أذهاننا على شيء ما بواسطة الحضور الذهني والتركيز هو شيء نحتاجه في حياتنا اليومية. لهذا نتدرب على التأمل: حتى يكون بإمكاننا تطبيق العادات النافعة التي ننميها خلال التأمل في حياتنا. على سبيل المثال، عندما نتحدث إلى شخص ما أو نستمع إليه.، علينا أن ننتبه لما يُقال. نحتاج لأن نظل مُركزين، وألا نفكر في شيء آخر مثل الغذاء أو التعبير اللفظي داخل أذهاننا "أصمت وأذهب بعيدًا". لذا فتفاعلنا الشخصي، عملنا، دراستنا وما إلى ذلك هي مجالات مثالية للتدرُّب على التركيز.

الدعامات الأربع

شيئان من المهم العمل عليهما لاكتساب التركيز في تأملنا وهما الحماسة (وغالبًا ما تُترجم إلى المثابرة) والصبر. الحماسة شيء قوي، تكاد تصل إلى الشجاعة البطولية ومجهود عظيم لتحقيق شيء إيجابي، بينما الصبر هو القدرة على تحمُل المتاعب والصعوبات دون أن نُصاب بالإحباط أو الغضب. أوضح شانتيديفا في نصه، الانخراط في سلوك البوديساتفا، أن هناك ستة عوامل بإمكانها مساعدتنا في تنمية الحماسة. يُعرفون بالأربع دُعامات والقوتان. ومن المفيد معرفتهم والعمل بهم.

الأولى هي القناعة الراسخة أو الطموح الراسخ. كلمة "الطموح" تعبير قوي عن التمني، ويتم تعريفه بأنه: الاقتناع الراسخ بمنافع الهدف وسلبيات عدم تحقيقه، لذا فهذا الطموح الذي نسعى إلى الحصول عليه لا مكان فيه للتردد أو التراجع. عند القراءة عن مختلف الحالات الذهنية المرغوب تحقيقها من تدربنا البوذي، في أغلب الأحيان ما يتم تقديمه أولًا هو، فوائد تحقيق الهدف وسلبيات عدم تحقيقه. وهذا شيء من المهم دراسته. ولقد اِتَّبع شانتيديفا هذا النموذج في نصه، حيث كان الفصل الأول منه حول البوديتشيتا. وهذا جعلنا مقتنعين بفوائد أن يكون لدينا تلك الحالة الذهنية، وهذا يعطينا القوة ويجعلنا سعداء أثناء العمل على تحقيقها. ففي أي وقت نُصاب فيه بفقدان الهمة، من الجيد أن نُذكِّر أنفسنا بفوائد الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه.

الثانية هي الثبات أو الاعتداد بالذات، "الثبات" يعني هنا أن نكون ثابتين ومُثابرين في تدربنا، وهذا ينتُج عن تفحُص ما إذا كنَّا قادرين على تحقيق الهدف الذي نرغبه، وأن نُصبح مقتنعين بقدرتنا تلك. عندها، مع الثقة بالنفس، وتكريس أنفسنا للتدرب بثبات، حتى وإن كان التقدم في صعود وهبوط، حيث أن تلك حقيقة ما يحدث بالفعل. فبعض الأيام ستكون رائعة، وأيام أخرى ستكون سيئة. بعض الأيام سنكون متشوقين للتدرُّب، وفي البعض الآخر لن نرغب في التدرُّب على الإطلاق. لكن إذا كنَّا مقتنعين بمنافع الهدف، ولدينا المُثابرة، والتي توصف بأنها مثل الدرع الذي نرتديه، عندها سنفكر بهذا الشكل "ﻻ يهم، أنا ﻻ اهتم إذا كان التدرُّب في صعود وهبوط، أنا فقط سأستمر يوميًا بثبات. أنا أعرف أنه في النهاية، بإمكاني أن أُحقق هدفي".

بينما نتقدم في تدربنا على مدار فترة زمنية أطول سنرى تحسن تدريجي لقدرتنا على التركيز، وعندها سنُنمي الدعامة التالية، وهي الابتهاج. نحن لسنا فقط راضين عن تقدمنا البسيط، ولكن يحدونا بالغ السرور في التقدم أكثر وأكثر، مع الحس بالرضا عن الذات. بالتأكيد ستكون النتيجة أننا أكثر سعادة، لأن المغزى الأساسي من ذلك هو التخلص من المعاناة. بينما تُصبح أذهاننا أقل تَشتُتًا، أقل اضطرابًا وانزعاجًا، وبالطبع سنكون أكثر سعادة. بفهمنا لذلك، نُصبح متحمسين للغاية في المُضي قِدمًا و التقدم أكثر.

الدعامة الرابعة هي الراحة، وتعني أن نأخذ استراحة عندما نكون متعبين. وهذا ليس لأننا كسالى ولكن كي نُنعِش أنفسنا. ﻻ شيء يُدمر مجهودنا أكثر من ضغطنا على أنفسنا بشدة، مما يؤدي إلى انهاكنا. ضغطنا على أنفسنا يتسبب فعليًا في اختلال طاقة أجسادنا -مثل اعتصارنا للبالون حتى ينفجر. علينا أن نكون قادرين على الحكم بأنفسنا وتحديد متى نحتاج إلى الراحة -وﻻ نشعر بالذنب حيال ذلك! من الجيد أن نختار شيئًا يساعدنا على الاسترخاء ولكن بما ﻻ يُزيد من مشاعرنا المُزعجة. بالتأكيد هذا سيكون مختلف من شخص إلى آخر. تلك هي الدعامات الأربع للحماسة.

القوتان

الآن نأتي إلى القوتَين. الأولى التقبل الطوعي، والذي يعني أن نقبل بشكل تلقائي أننا نحتاج إلى التدرُّب ونحتاج إلى تخليص أنفسنا مما نحتاج إلى التخلص منه، حتى نتمكن من بلوغ هدفنا. نحن نفهم الواقع ونفهم وضعنا ونقبل بشكل طبيعي الصعوبات المُتضَمَنة في تخليص أنفسنا مما لا نرغب فيه، على سبيل المثال، المشاعر المزعجة. علينا أن نكون واقعيين منذ البداية حتى ﻻ نُفاجأ لاحقًا، بمدى الصعوبة التي قد يكون عليها الأمر.

كما يقول قداسة الدالاي ﻻما عادة، "أي معلم أو شخص يَدَعِي أن البوذية سهلة وسريعة -ﻻبد وأن ترتاب بشدة في دوافع هذا الشخص، لأنها ليست سهلة أو سريعة على الإطلاق. فنحن مُعتادون بشدة على المشاعر المزعجة، بحيث ﻻ توجد طريقة سهلة للتخلص منها كابتلاع قرص الدواء. أحد معلميني الآخرين، الغيشي ناغاونج دارغيي اعتاد أن يقول دائمًا "أي شخص منجذب إلى المسارات السهلة والسريعة في البوذية، هذا بالأساس عائد إلى الكسل. فهم ﻻ يرغبون في بذل الجهد الشاق والذي هو في الواقع شيء ضروري".

القوة الثانية هي التحكم في أنفسنا، والتي تعني السيطرة على أنفسنا وتكريسها لما نرغب في تحقيقه. بدلًا من ترك السيطرة إلى كسلنا أو أي مشاعر مزعجة أخرى لدينا، طموحنا لتحقيق الهدف هو المُسيطر. حيث نقول لأنفسنا "توقف عن التصرف كالأطفال. اُضبط نفسك وقم بالأمر وحسب!".

مُتعب أم كسول؟

قد نتساءل عن كيفية التفرقة بين التعب والكسل. أولًا، هناك العديد من أنواع الكسل، مثل الانشغال بالأشياء التافهة. نحن في غاية الكسل لأن نقوم بتأملنا أو دراستنا أو أي شيء آخر، بدلًا من ذلك نُشتت أنفسنا ببرامج التلفزيون أو بتصفح الإنترنت. ثُم هناك كسل إرجاء الأشياء للقيام بها لاحقًا، حيث نفكر دائمًا أن بإمكاننا تأجيل الأمور. هناك نوع آخر من الكسل حيث نُقدِّم أعذارًا من نوع "ببساطة ﻻ أستطيع القيام بذلك".

عندما نكون متعبين، تظل لدينا الرغبة في أن نكون قادرين على القيام بما علينا القيام به: "أنا حقًا أرغب في القيام بذلك، لكنني أشعر برغبة شديدة في النوم، لذا سآخذ قسطًا من الراحة بعدها اعتزم تمامًا العودة لما كنت أفعله". هذا ليس كاختلاق الأعذار أو عدم الاهتمام. الكسل ليس به الأمنية الفعلية للاستمرار.

الخلاصة

التأمل ليس سهلًا، وعلينا أن نكون حذرين من أي شخص يَدَعِي أن هناك طرق سريعة للوصول لتحقُّقات عظيمة، فبصفة عامة، هذا لن يحدث أبدًا.

تأملنا يجب أن يكون عملية نشطة، وليس شيئًا مملًا وخاملًا، بحيث نفهم بشكل عميق التعاليم التي استمعنا إليها ونتدبر بها. إذا استطعنا القيام بذلك، يوم بعد يوم، عامًا بعد عام، لن يكون هناك شك في أن التعاليم ستُصبح مُتأصلة داخلنا وعندما تظهر المشاكل أو المشاعر المزعجة، كما سيحدث حتمًا، سنكون في النهاية قادرين على التعامل معها بدون جهد.

Top