تَعَلُم SEE: أن تُصبح مواطنًا عالميًا

التعلُّم الاجتماعي، الشعوري والأخلاقي، جامعة أموري، إطار نظري مختصر

التعلُّم الاجتماعي، الشعوري والأخلاقي (SEE)، هو برنامج تدريبي تم تطويره من قِبَل مركز العلم التأملي والأخلاق القائمة على الشفقة في جامعة أموري. هدفه تنمية المسئولية الشعورية الصحية والأخلاقية للأفراد، المجموعات والمُجتمعات. في هذا الجزء الثالث والأخير لتعلُّم SEE: أن تُصبح مواطنًا عالميًا، نفهم كيف أن العالم قائم على الاعتماد التبادلي، كيف أن البشر جميعًا لديهم أمنية مشتركة للحصول على السعادة، وكيف يمكننا المساهمة في التغيير على المستوى العالمي.

التعلُّم الاجتماعي، الشعوري والأخلاقي (SEE)، هو برنامج تدريبي تم تطويره من قِبَل مركز العلم التأملي والأخلاق القائمة على الشفقة في جامعة أموري. هدفه تنمية المسئولية الشعورية الصحية والأخلاقية للأفراد، المجموعات والمُجتمعات. في هذا الجزء الثالث والأخير لتعلُّم SEE: أن تُصبح مواطنًا عالميًا، نفهم كيف أن العالم قائم على الاعتماد التبادلي، كيف أن البشر جميعًا لديهم أمنية مشتركة للحصول على السعادة، وكيف يمكننا المساهمة في التغيير على المستوى العالمي.

العالم الذي نعيش فيه يتزايد تعقيده، عالميته واعتماديته التبادلية. التحديات التي تواجه الأجيال الحالية والمستقبلية ممتدة وبعيدة المدى بطبيعتها. حل تلك التحديات يتطلب طريقة جديدة في التفكير وحلول للمشاكل قائمة على التعاون، متعددة التخصصات وذات توجه عالمي. الشفقة وحدها غير كافية للانخراط في العالم. نحن بحاجة لاستكمال الشفقة باتخاذ قرارات مسئولة قائمة على فهم النظام الشاسع الداخلي الذي نحيا فيه. 

النطاق العالمي قد يبدو عسيرًا في البداية، لكنه قائم على المعرفة والمهارة ذاتها التي نجدهما في النطاق الشخصي والاجتماعي، وإنما أكثر اتساعًا ليشمل مجتمعاتنا والمجتمعات العالمية.  تُشير الدلائل إلى أنه بالطريقة نفسها يمكننا فهم سلوكياتنا وسلوكيات الآخرين، فالقدرة على فهم كيفية عمل الأنظمة هي شيء فطري. من خلال تعميق هذا الوعي وتطبيق التفكير النقدي على المواقف الصعبة، عندها من الممكن أن تنشأ المشاركة الأخلاقية. يُصبح حَل المشكلات عملية أكثر شمولية، مما يؤدي إلى تجنب ميولنا نحو تفتيت القضايا إلى قطع صغيرة غير مترابطة.  

النطاق العالمي تم بحثه من خلال الموضوعات التالية: 

  • تقدير الاعتماد التبادلي.
  • إدراك الإنسانية المشتركة. 
  • المشاركة المجتمعية والعالمية. 

تقدير الاعتماد التبادلي 

الاعتماد التبادلي هو مفهوم معناه، أن الأشياء والأحداث لا تنشأ دون سياق، لكن بدلًا من ذلك تعتمد على مجموعة من الأشياء الأخرى من أجل وجودها. على سبيل المثال، الوجبة البسيطة التي نتناولها، إذا تتبعنا المكونات للخلف زمنيًا ومن المناطق التي أتت منها، سنجد أنها تأتي من مجموعة شاسعة من المصادر والأشخاص. الاعتماد التبادلي يعني أيضًا أن التغييرات في إحدى المناطق تؤدي إلى تغييرات في منطقة أخرى. النتائج لها أسباب، وفي الحقيقة قد تنشأ بسبب تنوع الأسباب والشروط.  

الغرض من التدبُّر في الاعتماد التبادلي ليس لتنمية فهم جامد لكيفية عمل نظامنا العالمي، ولكن للتواصل مع المعرفة الخاصة باهتمامنا بأنفسنا وبالآخرين وبالكوكب. بإمكاننا بحث الاعتماد التبادلي من زاويتين: 

  • فهم نظام الاعتماد التبادلي. 
  • الأفراد داخل سياق الأنظمة. 

فهم أنظمة الاعتماد التبادلي، متعلق بالانتقال من التركيز على "الداخلي" و"الآخرين" للتركيز على "الخارجي" على الأنظمة الأوسع. نحن نوجه وعينا لفهم مبادئ الاعتماد التبادلي والأنظمة العالمية، مثل السبب والنتيجة. مع وجود الأفراد داخل سياق الأنظمة، نُدرك كيف أن وجودنا ووجود الآخرين، مرتبط بشكل معقد بمجموعة شاسعة من الأحداث، الأسباب والأشخاص حول العالم. 

فهم نظام الاعتماد التبادلي 

الاعتماد التبادلي هو قانون الطبيعة وأيضًا واقع أساسي للحياة البشرية. لا أحد قادر على الاستمرار في الحياة ناهيك عن الازدهار، دون دعم العدد غير القابل للحصر من الأشخاص الذين يعملون على توفير الضروريات الأساسية من الطعام، الماء والمسكن، فضلًا عن البنية التحتية الداعمة لعدد لا حصر له من المؤسسات المسئولة عن التعليم، إنفاذ القانون، الحكومات، الزراعة، النقل، الرعاية الصحية وما شابه. الأزمات الكُبرى التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، مثل الأزمة الاقتصادية الدولية في الفترة من 2007 إلى 2009 والمخاوف المتزايدة بشأن التغييرات المناخية والصراعات العالمية العنيفة، تُظهر هذا الاعتماد التبادلي الاقتصادي والبيئي على المستوى العالمي. 

في المجتمعات التقليدية، كان الحِس بالترابط مع الآخرين مترسخًا بشكل أعمق في الحياة اليومية. يعتمد البقاء غالبًا على تقاسم الموارد وتبادلها وعلى أنواع أخرى من التعاون الاجتماعي، من حصاد المحاصيل إلى بناء الأبنية ومحاربة الحيوانات المفترسة. منذ الثورة الصناعية، مع الرغبة في تحسين الوضع الاقتصادي، أصبحنا أكثر تباعدًا وانفصالاً عن المجتمع. أدى هذا إلى ظهور وهم الاستقلالية، مما يجعل من السهل تصديق أننا، عندما نكون بالغين، لن نكون بحاجة إلى الآخرين. يساهم هذا الإحساس الزائف بالاكتفاء الذاتي في الشعور المتنامي بالعزلة النفسية والاجتماعية. نحن كائنات اجتماعية بشكل كبير جدًا، يعتمد بقاؤنا، وكذلك راحتنا النفسية، على العلاقات مع الآخرين.

الأفراد داخل سياق الأنظمة

من أجل أن نجعل فهمنا لأنظمة الاعتماد التبادلي له معنى، نحتاج لإكماله بالنظر إلى كيف يتناسب كل ذلك سويًا في الصورة الكُبرى. هذا يساعد في مواجهة الميل لأن يكون لدينا منظورًا مغلوطًا لأنفسنا على أننا غير مرتبطين بالآخرين، أو بشكل ما مستقلين عن النظام الأكبر. هنا نستكشف علاقتنا بالبشر الآخرين ومدى تعقيد تلك العلاقات. النتائج عن هذا ثلاثة أضعاف:

  • حِس مخلص بالامتنان للآخرين على مستوى النظام. 
  • وعي عميق بإمكاناتنا لتشكيل حياة الآخرين. 
  • الطموح المتنامي لاتخاذ الإجراءات التي تضمن رفاهة أكثر اتساعًا.   

نبدأ برؤية كيف يؤثر سلوكنا على الآخرين والعكس. بعدها نستكشف الطرق المختلفة التي يساهم بها الآخرون في رفاهتنا. بإمكاننا القيام بذلك من خلال إعداد قائمة ومراجعتها مرة تلو الأخرى. بدلًا من التركيز فقط على الأشخاص الذين نعرفهم كما في النطاق الاجتماعي، هنا نقوم بتضمين أطياف أكثر اتساعًا: أفراد، مجتمعات وأنظمة قد لا نعرفها شخصيًا. فِهم أننا لا نستطيع الازدهار -ناهيكم عن البقاء- دون دعم عدد لا يُحصى من الأفراد أمر ضروري لتنمية تقدير مخلص للآخرين. 

يلعب كل فرد دورًا في شبكة واسعة من الأشخاص الذين يدعمون حياتنا. عندما ندرك ذلك، نطور شعورًا بالمعاملة بالمثل. لم نعد بحاجة إلى معرفة كيف سنستفيد من الآخرين بالضبط قبل أن نقبل أنه من المرجح بطريقة ما أن تكون هناك فائدة. مع زيادة هذا الوعي، تصبح طبيعة المنفعة المتبادلة لهذه العلاقات ببطء ذات أولوية أكثر من وجهة النظر الضيقة الخاصة بالتركيز على الذات أو المنافسة. هذا الإحساس المتزايد بالتواصل مع الآخرين، يعمل مباشرة لمواجهة الوحدة من خلال زيادة قدرتنا على التعاطف مع الابتهاج. إنه يسمح بالمتعة غير المباشرة بإنجازات الآخرين، ويوفر مضاد للحسد والغيرة، فضلاً عن النقد الذاتي القاسي أو المقارنات غير الواقعية مع الآخرين.

إدراك الإنسانية المشتركة 

الفهم الأكثر ثراءً للاعتماد التبادلي، خاصة عندما تصاحبه المهارات التي تمت تنميتها في النطاق الاجتماعي للاهتمام المتعاطف، سيؤدي إلى حِس أعظم بالاهتمام بالآخرين والتعرف على جميع الطرق التي بها نتواصل تبادليًا. بعدها يمكن تقوية ذلك، وتوسيع نطاقه ودعمه بواسطة تنمية إدراك بالإنسانية المشتركة بشكل واضح. هنا، نحن ننخرط في التفكير النقدي لإدراك الكيفية التي، على المستوى الأساسي، جميع البشر تتشارك بها في أوجه متماثلة فيما يخُص حياتهم الداخلية وظروف حياتهم. بهذه الطريقة، بإمكاننا تنمية درجة من التقدير، التعاطف والشفقة لأي فرد في أي مكان، حتى أولئك البعيدين عنَّا أو يبدون مختلفين جدًا عنَّا. نحن نستكشف الإنسانية المشتركة من خلال موضوعين: 

  • تقدير المساواة الأساسية بين الجميع.
  • إدراك كيف تؤثر الأنظمة على الرفاهة. 

تقدير المساواة الأساسية بين الجميع توجد عندما نُدرك أن الجميع -من أصدقائنا وعائلاتنا إلى الغُرباء على الجانب الآخر من الكوكب- متساوين بشكل أساسي في طموحاتهم للحصول على السعادة والرفاهة، وأمنيتهم هي تجنب المعاناة. إدراك كيف أن الأنظمة تؤثر على الرفاهة هو إدراك أن الأنظمة العالمية إما أنها تُعزز الرفاهة أو تعرضها للخطر من خلال تبني القيم الإيجابية أو إدامة المعتقدات الإشكالية. 

تقدير المساواة الأساسية للجميع 

نحن نمد نطاق إدراك المساواة الأساسية للإنسانية لأولئك مَّن هم خارج دائرة مجتمعنا القريب. في النهاية، نجلب هذا الإدراك ليشمل العالم بأكمله. نحن نقوم بذلك بالتركيز على ما نتشاركه جميعًا كبشر، مثل أمنية الازدهار والرغبة في تجنب الضيق وعدم الرضا. هذا يساعد في تقليل الانحياز وميلنا إلى التقليل من احتياجات الآخرين. 

من خلال رؤية الآخرين متشابهين بهذه الطريقة، "مجموعتنا" من الممكن توسيعها بحيث تتضمن أشخاص من جنسيات، أعراق، أديان متنوعة وما شابه. تتضح تلك القدرة بطرق متنوعة عبر المجتمع، من التبرع بالدم إلى العطاء الخيري الذي يحدث بعد الكوارث الطبيعية إلى الاحتجاج على الظلم نحو مجموعات لا ننتمي إليها. مهارة تقدير الاستقلال وأن يكون لدينا اهتمام متعاطف مع الآخرين يعمل كمضاد للعديد من المعيقات التي قد تكون لدينا نحو علاقتنا بالآخرين، مثل الانحياز، الحِس بالتباعد، وانعدام الاهتمام بمشكلات مَن هم خارج دائرتنا القريبة. 

عندما نركز على أنفسنا، يبدو العالم صغيرًا ومشكلاتنا وانشغالاتنا ضخمة. لكن عندما نركز على الآخرين، يتسع العالم. فتصبح مشكلاتنا مهمشة في أذهاننا وتبدو أصغر، ونعمل على زيادة قدرتنا على أفعال التواصل والشفقة. 

إدراك كيف تؤثر الأنظمة على الرفاهة 

يمكن أن تُعزز الأنظمة الرفاهة أو تُقَوِضها على المستويات الثقافية والهيكلية -من خلال تعزيز القيم الإيجابية، أو من خلال إدامة المعتقدات الإشكالية وعدم المساواة. يمكننا أن نأخذ بعض الوقت للتدبر فيما نشعر به ذا تعرضنا إلى عدم المساواة، الإجحاف، الانحياز أو المُحاباة. يُمكننا أيضًا استخدام أمثلة من التاريخ والشئون الحالية لتوضيح آثار مثل هذه الأنظمة الإشكالية. أخيرًا، يُمكننا استكشاف ما إذا كان التحيز والمحاباة لهما ما يبررهما حقًا، أو ما إذا كان لجميع البشر حق متساوٍ في السعي وراء السعادة. 

تنمية نطاق أوسع من التعاطف أمر بالغ الأهمية، لأننا كبشر، لا يبدو أن قدرتنا الفطرية على التعاطف تشمل تلقائيًا المعاناة واسعة النطاق أو المشاكل على المستوى العالمي. على سبيل المثال، لدى معظمنا ميل قوي للتعاطف مع ضحية واحدة عن عدد كبير من الضحايا. ومع ذلك، من خلال التعرف على القضايا الهيكلية والثقافية، سيزداد تقديرنا وبصيرتنا نحو المعاناة، كما سيزداد تطور استجاباتنا للمعاناة.

من خلال الاعتراف بالإنسانية المشتركة، يمكننا أن نتعلم التواصل والتعاون عبر المجموعات العِرقية والاجتماعية مع وجود فهم وتوقعات أكثر واقعية من الآخرين. مع زيادة الوعي بما نتشاركه مع الآخرين، يمكننا تقدير الاختلافات الظاهرة بدلاً من عدم الثقة بها، مما يؤدي إلى تقليل التحيز والعزلة. من خلال فهم كيفية تشكيل رفاهية الأفراد من قِبل الأنظمة، سيكون تعاطفنا أعمق وأكثر شمولاً، وكذلك تفكيرنا النقدي حول الحلول الممكنة لمعاناة الإنسان.

المشاركة المجتمعية والعالمية 

إن تقدير الاعتماد التبادلي والانسجام مع طرق الاستفادة من الآخرين والاعتراف بإنسانيتنا المشتركة، يمكن أن يخلق حِسًا بالمسؤولية والرغبة في القيام بشيء ما. سنرغب بطبيعة الحال في رد الجميل للعديد من الطيبة الذي تلقيناها من المجتمع، والتصرف نيابة عن الآخرين الذين يكافحون وفي احتياج. ومع ذلك، كيف لنا الانخراط بفعالية في أنظمة معقدة أو على مستوى مجتمعي أو عالمي؟

الغرض الأساسي من تعلُّم SEE هو تعزيزنا للاعتراف بإمكاناتنا وإدراكها كمواطنين عالميين لديهم شفقة. لتحقيق ذلك، هناك خطوتان: 

  • إمكاناتنا لإحداث تغيير إيجابي فعَّال في المجتمع والعالم.
  • الانخراط في الحلول المجتمعية والعالمية. 

هاتان النقطتان متشابهتان، لكن الأولى تساعدنا في إدراك ما نستطيع القيام به لإحداث تغيير إيجابي اعتمادًا على قدراتنا وفُرصنا. النقطة الثانية تساعدنا في استكشاف حلول إبداعية للقضايا التي تؤثر في مجتمعنا والعالم.

 إمكاناتنا لإحداث تغيير إيجابي فعَّال في المجتمع والعالم

إذا رغبنا في الانخراط في المجتمع أو العالم وتلبية احتياجاتهما بطريقة نافعة لأنفسنا والآخرين، غير يائسة واقعية وفعَّالة، يجب أن نُدرك كل من حدودنا وقدراتنا. من المهم اكتشاف كيف أنه ليس كل شيء في نطاق سيطرتنا. وأن المشكلات عميقة الجذور تحتاج وقتًا لتغييرها. هذا لا يعني أننا لا نستطيع الانخراط في أفعال فعَّالة. في الواقع، إذا شعرنا بالعجز عند مواجهتنا قضية صعبة، هذا سيجعل تنمية الشفقة نحو أنفسنا ونحو الآخرين أمرًا أكثر صعوبة. هذا لأن الشفقة -الأمنية أو النية لتخفيف المعاناة- معتمدة على الأمل -الاعتقاد في أن المعاناة من الممكن التخلص منها.  

بينما قد لا نكون قادرين على تغيير الأنظمة بأكملها، بإمكاننا التصرف بطرق تعمل على تعظيم التغيير، بالتركيز على العناصر الأساسية داخل النظام. هذا قد يمنح شعورًا بالقوة دون أن نشعر بالانسحاق تحت وطأة حجم المشاكل العالمية والأنظمة. إذا حددنا العوامل الأساسية القليلة التي تُمثل معظم التأثيرات في النظام، فيمكننا التركيز على تحديد هذه العوامل وتحقيق نتائج مهمة. من الجدير أيضًا التفكير في حقيقة أنه حتى لو لم نتمكن من إحداث تغيير واسع النطاق على الفور، فإن التغييرات الصغيرة التي يمكننا إحداثها تستحق العناء تمامًا. يمكن أن تتحول التغييرات صغيرة الحجم الآن إلى تغييرات أكبر بكثير في وقت لاحق. يمكن إنشاء تغييرات تراكمية أكبر من خلال أفعال جماعية أصغر، مثل فرز المواد القابلة لإعادة التدوير من مكب النفايات. من خلال الفهم الشامل لأنظمة الاعتماد التبادلي، نكتسب الثقة في أن الأفعال والسلوكيات على نطاق أصغر، تمهد الطريق لتأثير أكبر في المستقبل، حتى لو لم نتمكن من رؤية النتائج مباشرة.

القضايا المجتمعية والعالمية المعقدة تحتاج إلى أن يتم تفكيكها إلى أجزاء صغيرة وتحليلها بعد ذلك والانخراط فيها. عندما نرى كيف لأفعالنا أن تحدد المكونات الأصغر للمشكلات، وكيف ترتبط تلك المكونات المعتمدة تبادليًا على بعضها البعض بالأنظمة الأوسع، سنكتسب الثقة وحِسًا بالنيابة والتمكين. من أجل القيام بذلك، نحن بحاجة لمهارات التفكير النقدي. هنا، التفكير النقدي يتضمن التدرُّب على التفكير من خلال القضايا المعقدة بطريقة تسترشد بالقيم الإنسانية الأساسية. في حين أن هذا لا يضمن بالضرورة أن الأفعال التي تتم سيعتبرها الآخرون مفيدة، إلا أن التفكير النقدي يزيد من احتمالية الحصول على نتائج بنَّاءة. 

الانخراط في حل المشكلات المجتمعية والعالمية 

حتى لو لم يكن باستطاعتنا تحقيق الحلول، فلا يزال بإمكاننا التدبُّر في المشاكل والحلول الممكنة لها. يمكننا استخدام الخطوط الإرشادية التالية لاستكشاف المشكلات التي نواجهها:

  • إدراك الأنظمة وتعقيدها.
  • تقييم النتائج قصيرة الأمد وطويلة الأمد للأفعال. 
  • تقييم المواقف داخل سياق القيم الإنسانية الأساسية. 
  • تقليل تأثير المشاعر السلبية والانحياز.
  • تنمية ذهن متفتح، متعاون وموقف داخلي ذكي ومتواضع. 
  • نضع في اعتبارنا مزايا وعيوب مسار أفعال معينة. 

غالبًا، يتم القيام بالأفعال دون تقييم ملائم للنتائج قصيرة الأمد وطويلة الأمد. عندما نتفحص قضية معينة، يجب علينا أيضًا التفكير في السكان المتنوعين الذين سيتأثرون بمسار هذه الأفعال. إذا اتبعنا هذه العملية واعتدنا عليها، سنبدأ بالتفكير بشكل تلقائي في الآثار الأكثر شمولًا لأفعالنا وكيف تؤثر على الآخرين، الذين يبدون للوهلة الأولى بعيدًا عن هذه المشكلة. علينا أيضًا أن ننظر للكيفية التي ترتبط بها تلك المشكلات بالقيم الإنسانية الأساسية، وكيف تُعزز الحلول ازدهار الأفراد، المجتمعات والعالم بأكمله. 

الانخراط المجتمعي والعالمي مدعوم بشكل كبير بالموقف الداخلي للذهن المتفتح، الذي لديه الرغبة في التعاون مع الآخرين والتعلُّم منهم واحترام رؤى، آراء، معارف وخبرات الآخرين. المناقشة الصحية ستكون ممكنة فقط عندما نضع في اعتبارنا، أن الآخرون يستخدمون أيضًا منطقهم وخبراتهم الخاصة للوصول إلى المناصب التي يشغلونها، حتى وإن كانت مواقفهم مختلفة عنَّا، دون التواضع الذكي والانفتاح الذهني، ستصبح المناقشة والآراء المتبادلة مستحيلة، وستتحول المحادثة إلى صراع غير مُنتِج وصراع على السلطة. 

هناك القليل من المشاكل الخطرة التي بإمكاننا كأفراد حلها دون التعاون والعمل مع الآخرين، وهذا يتطلب القدرة على توصيل أفكارنا وقيمنا بشكل واضح. لهذا، فالانخراط المجتمعي والعالمي مدعوم بشدة بالقدرة على صياغة مواقفنا، طرح الأسئلة، التعلُّم من بعضنا البعض، والانخراط في المناقشة بطريقة بنَّاءة. أن نكون قادرين على التواصل بوضوح على أساس من تفكيرنا النقدي، وقيمنا الراسخة وأن نكون قادرين على التحدث بطريقة تمنح التعزيز والإلهام، حتى عند تحدثنا بالنيابة عن أولئك الذين ليس لديهم صوت، فهذه مهارة قوية أن تكون لدينا جميعًا كمواطنين دوليين وقادة قادرين على التغيير. 

الخلاصة

في الجزئين الأولين، تعلمنا أن نُبحر في مشاعرنا والانخراط بانسجام مع عائلاتنا، أصدقائنا وزملائنا. في الجزء الثالث والأخير، بدأنا في فهم كيف أن العالم قائم على الاعتماد التبادلي، كيف أن جميع البشر يتشاركون في الرغبة في الحصول على السعادة وأمنية تجنب المعاناة، وكيف أن أفعالنا تساهم في تغييرٍ عالمي أوسع. 

هذا العالم الذي نعيش فيه معقد. كبالغين، قد يبدو أحيانًا كما لو أننا نستطيع أن العيش بمفردنا، دون مساعدة أي شخص آخر. قد يبدو الأمر وكأن باقي البشر في جميع أنحاء العالم غير مهمين -إنهم، بعد كل شيء، مختلفين عنّا. وغالبًا، قد يبدو من المستحيل أو من الصعب جدًا إحداث أي تغيير حقيقي في العالم. عندما نفهم حقيقة مواقفنا -كيف أن كل الطعام الذي نأكله، والملابس التي نرتديها والسيارات التي نقودها تأتي من عمل الآخرين، سنشعر بطبيعة الحال بالتقدير لهم. عندما نرى أن هؤلاء البشر يرغبون أيضًا في السعادة، تمامًا مثلنا، سنُنمي أيضًا رغبة في أن يكونوا سعداء. أخيرًا، بمعرفة أن الأفعال الصغيرة تتراكم لتحقيق نتائج أكبر، سنكون واثقين من أن الأعمال البناءة التي نقوم بها -مهما كانت صغيرة- ستكون مفيدة للعالم.

ليس الغرض من هذا البرنامج التدريبي قراءته ونسيانه، نحن بحاجة للتدرُّب عليه، نقطة نقطة. نحن كبشر مختلفون، لكننا جميعًا نواجه نطاقًا من التحديات، بينما نتحرك في مسارنا من خلال مواجهة عدد لا حصر له من الأفراد والمواقف الاجتماعية. عندما يأتي الأمر للتعامل مع صعود وهبوط الحياة، هناك تمييز واضح بين الأفعال المدفوعة بالمصلحة الشخصية وتلك التي تضع في حُسبانها مصالح الآخرين. مع الوعي الكبير ببواعثنا وتحيزاتنا، إلى جانب القدرة على إدارة ردود أفعالنا، وتفحُّص مواقفنا بشكل نقدي، سنتمكن من مواجهة أي شيء يقابلنا في الحياة. يمكننا المُضي قُدمًا وإدراك إمكاناتنا الهائلة في أن نكون قوة من الخير: مصلحتنا، مصلحة الآخرين، ومصلحة العالم الأوسع. 

إذا رغبتم في التعمق أكثر في هذا الموضوع، يمكنكم الاطلاع على النسخة الكاملة باللغة الإنجليزية لإطار تعلم SEE والتعرف على البرامج الأخرى التي يتيحها مركز العلم التأملي والأخلاق القائمة على الشفقة.

Top