تحقيق الحالة الذهنية السعيدة

البيت الحادي عشر عن الحياة بسعادة دون قلق أو تعلق

كيف نتصرف عند مقابلة آخرين حتى عندما نعيش في عزلة

(١١-أ) دعوني أخلِص نفسي من الحالات الذهنية العدائية والقلقة، وأن أذهب بسعادة لكل مكان.

هنا، يستكمل آتيشا مناقشة كيفية التصرف عندما نكون مع آخرين. حتى وإن كنَّا نعيش بعزلة، فمع ذلك سنقابل آخرين. لذا، عندما نكون معهم، من الهام جدًا ألا يكون لدينا عدائية – "أنت تقاطع تدربي! لماذا أتيت لتزعجني؟" – أو الحالات الذهنية القلقة الأخرى. إذا كانت لدينا حالة ذهنية قلقة بينما نحن مع الآخرين، فلن نكون سعداء أبدًا.

هذا القلق عادة يحدث بسبب أننا لا نرى الجميع متساويين، وهو ما كنا نناقشه بالبيت السابق – ضرورة رؤية الجميع متساويين. نحن متعلقون بالبعض؛ ورافضون للبعض الآخر؛ وأيضًا متجاهلون لآخرين. لذا، إذا أتى من نجدهم جذابين أو لدينا تعلق بهم، نشعر بالسعادة ونرغب بأن يبقوا معنا. إذا لم نجدهم جذابون، عندها لا نرغب في رؤيتهم؛ نتمرد ونرفضهم. إذا كنا لامبالين تمامًا تجاههم، نرغب حينها فقط في تجاهلهم ولربما نستاء من مجيئهم أو لطلبهم مساعدتنا.

لا أتذكر من أين هذا البيت، لكن شانتيديفا أو معلم عظيم آخر قال، "لا يبتهج البوديساتفا بأي شيء أكثر من طلب أحدهم مساعدته أو مساعدتها". إنه مثلما يتدرب أحدهم ليصبح ممرض: عندما يأتي وقت استخدام مهارتهم بشكل فعلي لمساعدة الآخرين، يكونون في غاية السعادة. بشكل مشابه، إذا تدربنا لنكون بوديساتفات وشخص ما نحن قادرون على مساعدته جاء ليطلب منا المساعدة – فهذه فرصة عظيمة للابتهاج، وليس للشعور بالانزعاج. لذا، دعوني أخلِص نفسي من الحالات الذهنية العدائية والقلقة...

...وأن أذهب بسعادة لكل مكان. إذا خلصنا أنفسنا من تلك الحالات الذهنية السلبية، سنكون قادرين على الذهاب لأي مكان بسعادة. بالطبع، إذا كان هناك الكثيرين ممن يضايقونا أو يقاطعونا، خاصة بتوافه الأمور، عندها أحيانًا سنحتاج لأن نعتزل بأنفسنا مرة أخرى. تسونغكابا ذاته تنقل كثيرًا عندما كان صغير في السن. عندما كان يبقى في مكان والكثيرين يبدئون في التوافد عليه بالهبات وهذا النوع من الأشياء، كان ينتقل لمكان آخر. عندما أصبح أكبر سنًا، عاش في الأديرة التي أسسها. عند هذه النقطة، كان قادرًا على مساعدة الآخرين بشكل كبير وعلى أن يؤسس مؤسسات تعليمية والتي ستستمر لفترة طويلة. لكن عندما كان يُدرب في الأديرة المختلفة، كان يسافر العديدون ليروه بسبب شهرته الكبيرة. لقد كان العلَّامة الأكثر تميزًا من وقته.

لقد كان مثل الرينبوتشي سيركونغ. الرينبوتشي سيركونغ قد يذهب لمكان، فيتوافد عليه الكثيرون طوال اليوم، مقدمين الأوشحة الاحتفالية (كاتا) وينحنون للأرض أحترامًا – كانوا يقومون بالانحناء للأرض أمامه ليتأكدوا من رؤيته لهم. كان عليه أن يجلس ليباركهم، يعطيهم الخيوط الحمراء ليضعوها حول رقابهم أو ما شابه. هذا شيئًا قد يستهلك وقت الشخص تمامًا. أيضًا، هو لا ينفع أي أحد على المستوى الأكثر عمقًا – بالتأكيد ليس مثلما سيتحقق من تعليم أحدهم. لذا، إذا كان هذا يحدث مع تسونغكابا – يأتيه الناس ليعطوه ما يساوي روبية واحدة، يأتون بهبات وخلافه، يأتون بخمسمائة وخمسة وسبعون صندوق من البخور التي لا يحتاجها أحد – فعندها من الأفضل الرحيل. عندها يصبح الشخص مشهورًا للغاية، يأتيه الكثيرون، يرغبون في الصغائر، ويستهلكون كل الوقت.

يصعب رؤية صلة هذا بموقفنا الحالي في الغرب. أعرف من خبرتي أن السفر كمعلم شيء مختلف عن البقاء بمكان واحد لتقديم التعاليم. أعتاد الرينبوتشي سيركونغ دائمًا أن يقول، "إذا سافرت كمعلم، لا تتجاوز الفترة التي أنت مرحب بك فيها. لا تبقى أكثر من عدة أيام. إذا كنت هناك لعدة أيام، عندها سيجد الناس أن هذا حدث خاص، وسيأتون للتعاليم، لكن إذا بقيت لمدة طويلة عندها، من جانب، ستصبح عبئًا على من يعتنون بك، ومن الجانب الآخر، ستعتبر شيئًا مسلمًا به، فلن يأتي الناس". هذا ما رأيته، خاصة إذا كنت تعيش بالمكان: "حسنًا، يمكنني دائمًا الذهاب الأسبوع القادم"، "لدي حفلة عيد ميلاد اليوم"، أو "لدي فيلم أرغب في مشاهدته". وهذا النوع من المواقف، من الأفضل التنقل من مكان لآخر حيث يمكنكم أن تكونوا أفضل نفعًا وفائدة.

من الواضح إننا بحاجة دائمًا لتفقد مواقفنا الشخصية. من جانب، إذا كان الآخرون يحتاجون مساعدتنا، عندها نحن مستعدون للمساعدة. على الجانب الآخر، إذا لم يكونوا في حاجة حقًا للمساعدة أو يأتون فقط لمضايقتنا طوال الوقت، أو لم نكن حقًا في مكان يؤهلنا لمساعدتهم، عندها ننتقل. يتطلع الشخص لحياة الرهبنة. الراهب هو شخص الذي ترك وطنه، لا بيت له. مرة أخرى، كل هذا يعتمد على مستوى تدربنا.

التخلص من الممتلكات التي نحن متعلقون بها

(١١-ب) لذا، دعوني أخلِص نفسي من أيٍ مما أنا متعلق به وأعيش دون تعلقات.

يشير هذا البيت للممتلكات تحديدًا. إذا كان هناك شيء نحن متعلقون به، النصيحة هي أن نهبه أو نضعه بصندوق أو خزانة بحيث لا نراه طوال الوقت ونُفتتن به.

يقال أنه من المفيد جعل منزلنا بسيط بقدر الإمكان. مثل الكهف، نحن لسنا متعلقين بشدة بالحائط الصخري للكهف. إذا قضينا كل وقتنا نزين منازلنا ولأجل أن يكون لدينا كل أنواع الأشياء الثمينة حولنا، نصبح متعلقين بشدة. تذكروا، من اللطيف أن تكون البيئة المحيطة بنا سارة إذا كان هذا سيساعد أذهاننا، لكن نحن لا نرغب في أن ننجرف في محاولتنا لجعل الأشياء رائعة.

منازل المعلمين العظام في الهند مزينة بصور معلميهم أو هيئات بوذا، وليس بالتحف الفنية. هذا يساعدهم على إبقاء ذهنهم متيقظًا للتدرب. لكن مرة أخرى، إذا جمعت تلك الأشياء فقط ليكون لديك مجموعة فنية ما، أن تحصل على أفضل الأعمال الفنية وما شابه، عندها فنحن فقط نشغل أنفسنا بالتعلق بالأشياء. كل هذا يتوقف على موقفنا الداخلي.

البيت الثاني عشر عن النصيحة لنحيا حياة سعيدة

عيوب التعلق

(١٢-أ) في الحقيقة، مع التعلق، لن أحصل حتى على إعادة ميلاد سعيدة وسأنهي حياة التحرر.

غالبًا ما يقود التعلق بالأشياء إلى السلوك الهدام. في أسوأ الأحوال علينا أن نسرق لنحصل على المزيد. بكوننا شديدي التعلق، يكون لدينا التفكير الجشع، التخطيط والتآمر حول كيفية الحصول على المزيد: "كيف يمكنني الحصول على مجموعة فنية أفضل من التي لدى جاري؟" أو :كيف يكون لدي مكان للتأمل أفضل مما لديها؟" بهذه الطريقة، لن نكون فقط غير قادرين على الحصول على إعادة ميلاد سعيدة، بل أننا في الحقيقة ندمر فرصنا في الحصول على التحرر. فرصنا تتأثر بهذا النوع السلبي من التعلق بالسامسارا. لهذا، أحيانًا يقول قداسة الدالاي لاما أننا إذا كنا سنتعلق بشيء، علينا أن نحاول التعلق بالأشياء الإيجابية بدلًا من الأشياء السلبية.

هذا البيت في النص يشير أيضًا للشهوة الجنسية. الشهوة الجنسية تُسبب أيضًا تعلقًا هائلًا. بسببها، نحن دائمًا في أصطياد شريك أفضل وأجمل. هذا بالتأكيد يسبب صعوبات هائلة فيما له علاقة بحيواتنا المستقبلية والتحرر. هناك بعض أبيات من أغنية شعبية قديمة من جزر الهند الغربية تقول: "إذا كنت تريد أن تكون سعيدًا لبقية حياتك، لا تجعل أبدًا المرأة الجميلة زوجة لك".

أتباع الدارما كمصدر للسعادة

(١٢-ب) أينما رأيت تدابير الدارما (تجلب) السعادة، فسأبذل جهدي دائمًا في هذا.

الدارما كتدابير لجلب السعادة يشير إلى الأخلاقيات. بالامتناع عن السلوك الهدام – بعبارة أخرى، الامتناع عن التصرف على أساس من مشاعرنا المزعجة – وعبر الانخراط بالأشياء الإيجابية، سنجلب لأنفسنا السعادة. الأخلاقيات هنا هي المضاد للشهوة، التعلق، والجشع. إنها تمنعنا من السرقة، أن يكون لنا علاقات جنسية غير ملائمة مع شركاء الآخرين، وما شابه.

لذا، عندما نرى تدابير الدارما الأخلاقية التي ستجلب السعادة، سنبذل جهدنا دائمًا في ذلك – أي، أن نمنع أنفسنا من التصرف بهذه أو بتلك الطريقة السلبية. وهذا يشير أيضًا إلى عهد البوديساتفا بالامتناع عن مدح أنفسنا والتقليل من شأن الآخرين. بذل الجهد بالامتناع بهذه الطريقة لن يجلب لنا فقط السعادة، لكن أيضًا سيُمكِنَّا من جلب المزيد من السعادة للآخرين.

البيت الثالث عشر عن الانتهاء مما بدأناه

(١٣) أيًا ما أخذت على عاتقي القيام به، دعوني أكمل هذا الشيء أولًا. كل شيء، بهذه الطريقة، سيتم إنجازه بشكل جيد؛ وإلا، فلن يتحقق هذا شيء.

قد نتعرف على هذه الأسطر. حيث قام آتيشا بجمعهم من البيت الثالث وأربعين والنصف الأول من الرابع وأربعين من الفصل الخامس من كتاب الانخراط في سلوك البوديساتفا لشانتيديفا.

البيت (٤٣) بتفكيري في شيء ما والبدء في القيام به، لن افكر في شيء آخر. عندها، بعزم موجه لهذا الهدف،سأحقق هذا الشيء أولًا.
البيت (٤٤) بهذه الطريقة، كل شيء، سيتم إنجازه جيدًا؛ عدا ذلك، فلن يُنجز هذا شيء.

هذا يفيد بأن، أولًا، نحتاج أن نفكر بحرص شديد قبل أن نأخذ على عاتقنا القيام بشيء – سواء كان تعليم أو أي نوع من الأنشطة. نحتاج أن نفكر في فوائد القيام به – وليس فقط مجرد فوائده في سياق هذه الحياة، لكن في سياق الحيوات المستقبلية كذلك. نفكر في قدرتنا على القيام به بالفعل وعن كم سيتطلب القيام به من وقت – كم عام وما شابه. بعبارة أخرى، نحن نقرر ما نأخذ على عاتقنا القيام به، وما لن نقوم به، وما الذي سيجلب أفضل نفع لنا وللآخرين.

من المهم ألا نندفع في القيام بالأشياء. هذا يشير تحديدًا إلى أخذ العهود. لا تكن مندفعًا في أخذ العهود. نحتاج أن نتفحص بعناية إذا ما كنا سنحافظ عليها. وإذا كنا سنأخذها، علينا المحافظة عليها جيدًا. أعتاد الغيشي نغاوانغ دارغيي أن يشير ساخرًا، "إنه شيء جيد أن هناك فقط ثلاث مجموعات من العهود. إذا كان هناك مجموعة رابعة، كنا سنأخذها ولن نحافظ عليها أيضًا!" على الجانب الآخر، بشأن المحافظة على العهود بشكل جيد، نحتاج أن تجنب أن نكون مُتعصبين. إذا كنَّا مُتعصبين، فعندها لن يكون لدينا أدنى قدر من المرونة. حتى في الفينايانا هناك استثناءات، مواقف تستدعي أن نكون مرنين. على سبيل المثال، الراهب لا يجب عليه أن يلمس أمرأة، لكن إذا كانت المرأة تغرق، فهو لا يقول، "آسف، لا أستطيع أن أمد لكي يدي. ليس مسموح لي أن ألمس النساء". هذا سيكون سخيفًا.

إنه ذات الشيء عندما نأخذ على عاتقنا مهمة أو نخضع للتعليم العالي. علينا أولًا أن نفكر بحرص شديد عن منافع القيام بهذا وألا نتعجل. وإذا كنا سنقوم بهذا، نحتاج أن نقوم به بشكل صحيح؛ نقوم به شكل جيد – لكن، مرة أخرى، دون أن نكون مُتعصبين. نحتاج أن نكون قادرين على ترك الأمور عندما تنتهي – لا أن نتعلق ونتمسك بها. أعتاد الغيشي نغاوانغ دارغيي أن يقول، "الحياة قصيرة جدًا لأن نتذوق كل شيء، لذا لا تصبحوا سياح محترفين في السامسارا. ليس عليكم تذوق كل شيء وأن تروا كل شيء في السامسارا. هذا لن يأخذكم لأي مكان" – وهذه نصيحة هامة للغاية.

عندما نختار ما الذي سنقوم به، كيف نقضي وقتنا، مَن الذين سنقضي معهم وقتنا وخلافه، نحن نختار وفقًا لمواهبنا، وفقًا لما هو أكثر ضرورة ويجب القيام بها ولم يتم القيام به من قِبَل الكثيرون، ووفقًا لما سيكون فيه فائدة لعدد أكبر من الناس. هذه نصيحة أعطاها لي قداسة الدالاي لاما. ومرة أخرى، الفائدة التي نفكر بها ليست فقط التي ستتحقق في هذه الحياة.

أيضًا، كما أكد رينغو تولكو عند زيارته لبرلين منذ فترة قريبة، عندما نختار كيف نقضي وقتنا ومن نساعد، عامل آخر نضعه في اعتبارنا هو ما الذي سنحققه شخصيًا من هذا. هذا بسبب، لحين أن نصبح بوديساتفات متقدمين جدًا، سيكون هناك مكون أناني ما بدوافعنا. لذا، على سبيل المثال، هناك أشياء بعينها قد نقوم بها لتعطينا الكثير من الطاقة. وهناك أشخاص قد نساعدهم أو نقضي معهم وقتنا والذي لديهم الكثير من الطاقة الإيجابية، سيمنحوننا الإلهام، في حين أن هناك آخرين فقط سيستنزفون طاقتنا ويجعلونا نشعر بالتعب بعد قضاء بعض الوقت معهم. لذا، هذا أيضًا يمكن أن يكون عامل في اختيار كيفية قضاء وقتنا ومن سنساعده.

عندما نختار ما الذي نعمل عليه بأنفسنا، النصيحة دائمًا أن نتأمل على البوديتشيتا. هذا أفضل شيء وأكبر مصدر للطاقة.

البيت الرابع عشر عن تخليص أنفسنا من شعور التفوق والعجرفة

(١٤) بينما لا زلت أتصرف دائمًا بشكل سلبي وأبتعد عن البهجة، عندما يبدأ شعور التفوق في التصاعد تجاه أي شيء، دعوني اجْتَزَّ كبريائي وأتذكر الخطوط الإرشادية لمعلمي السامي.

لأننا ما نزال في مواقف السامسارا، فنحن نتصرف دائمًا بشكل سلبي ونبتعد عن بهجة التحرر والاستنارة. في مثل هذا الوقت، عندما يكون لدينا شعور التفوق تجاه أي شيء، مثل تأمل البوديتشيتا الخاص بنا، تدربنا – "أنا حكيم للغاية"، و"أنا أقوم بالتأمل بشكل جيد جدًا"، وما شابهه – نحتاج أن نجْتَزَّ كبريائنا وأن نتذكر الخطوط الإرشادية لمعلمنا بأننا مثل مد وجزر المحيط الذي يرتفع وينخفض. أحيانًا نشعر بكبرياء شديد لأننا نقوم بالأمور بشكل جيد جدًا؛ وأحيانًا أخرى تُثبَط عزيمتنا ونفكر بأننا بشعين للغاية.

عندما نشعر بالكبرياء، الخطوط الإرشادية هي بأن نفكر في الموت وعدم الدوام: "حسنًا، أنا عظيم للغاية، لكني سأمرض وأشيخ وأموت، وكل تلك الأشياء التي أشعر تجاهها بالفخر لن تدوم". أيضًا نفكر في حقيقة، أنه بغض النظر عن كم نحن جيدين، هناك دائمًا آخرون أفضل منَّا. إذا قارنا أنفسنا معهم، فهذا يساعد على إخماد كبريائنا. عندما تُثبط عزيمتنا، الخطوط الإرشادية هي بأن نفكر في الحياة البشرية الثمينة التي لدينا، الفرص التي لدينا، وكيف أن الكثيرين أسوأ حالًا منَّا. هذا يساعدنا على ألا تُثبط عزيمتنا.

Top