نهضة الإمبراطورية التبتية بعد السقوط

انهيار التبت بعد اغتيال لانغدارما

انهارت الإمبراطورية التبتية بعد اغتيال لانغدارما عام ٨٤٢ م، ولم تُسترجَع سلطتها المركزية أربعة قرون كاملة.

كان العساكر التبتيون الملكيون قد بدءوا الانسحاب من المناطق الحدودية في الصين وبورما وطريق الحرير في آسيا الوسُطى إبان حُكم لانغدارما، وبعد وفاته بفترة وجيزة. ونشأت العديد من الدُّوَيْلات الحاجزة في هذه المناطق، ولكن كان للغة التبتية والثقافة البوذية دورٌ شديد الأهمية في هذه الدويلات الحاجزة عدة قرون. وضمت مناطق أمدو وقانسو وحوض تاريم التي خضعت رسميًّا للسيطرة التبتية – على سبيل المثال – ما يلي:

  • تسونغكا، التي دامت في منطقة الكوكونور في أمدو حتى عام ١١٨٢ م.
  • دويلات مدن اليوغور الصفر المستقلة (٨٦٦ – ١٠٢٨ م) في ممر قانسو.
  • غوييجيون (٨٤٨ – التسعينيات من القرن الثامن) في منطقة جنوب قانسو حول دونهوانغ.
  • قاراخوجا (٨٦٦ – ١٠٢٩ م) التابعة للأويغور قوخو في الواحة على طول الحافة الشمالية لحوض تاريم.

استُعمِلت اللغة التبتية حتى عام ٩٢٠ م على الأقل لأغراض تجارية ودبلوماسية في ممر قانسو وعلى طول طريق الحرير حتى مدينة خوتان؛ حيث إنها كانت اللغة العامية الوحيدة للناس هناك، حتى إن بعض النصوص الصينية البوذية قد نُسخت بأحرف تبتية ليكون من السهل تلاوتها.

وقد ترجم العلماء والدارسون في هذه المناطق نصوصًا بوذية من التبتية إلى لغات مختلفة أخرى. فمثلاً، وابتداءً من عام ٩٣٠ م، ترجم علماء ودارسون من تسونغكا نصوصًا من التبتية إلى لغة الأويغوريين.

وبعد تأسيس دولة التانغوتيين (٩٨٢ – ١٢٢٧ م) في جنوب قانسو ونينغشيا الحالية شرقَ أمدو تُرجمت نصوص بوذية تبتية إلى لغة التانغوتيين منذ عام ١٠٤٩ م، مع أن غالبية النصوص في الشريعة التانغوتية البوذية تُرجِمت من الصينية. ومع ذلك فقد انتشرت اللغة التبتية على نطاق واسع في مناطق التانغوتيين، حتى قبل خروج دولتها إلى حيز الوجود. وبالتالي فإن الأبجدية التبتية استُخدِمت لترجمة التعاليم الأيديوغرامية المخطوطة المُعقَّدة جِدًّا، التي نُشِرت عام ١٠٣٦ م.

وبعد اغتيال لانغدارما نشأت منافسة بين أبنائه على العرش. ومع حلول عام ٩٢٩ م اعْتَلَتْ سلالة نامدي ووسونغ، من خلال ابن ملكة لانغدارما الكبرى، عرشَ نغاري، وفي نهاية المطاف حكمت غرب التبت، وهي منطقة المملكة البوذية السابقة شانغ-شُنغ؛ في حين أن سلالة نغاداغ يومدين، من خلال ابن ملكته الصغرى، اعتلى عرش يو، وهي النصف الشرقي من التبت الوسطى. ولم تضم مملكة نغاري في النهاية شرق التبت فقط، بل ضمَّت أيضًا مساحة واسعة من الجانب الجنوبي لجبال البامير وجبال الهمالايا، من جيلجيت الحالية شمال شرق باكستان، مرورًا بشرق لداخ، وسبيتي الحالية، وهيماتشال برادش بالهند، وانتهاءً بشمال شرق نيبال الحالية.

وانقسمت مناطق التبت الأخرى إلى دويلات صغيرة، يحكم كُلاًّ منها حاكمٌ خاصٌّ بها، كما أن لها حصنَها الخاص. وقد عاشت فيما بينها إمَّا في تحالفٍ، وإمَّا في تنازع.

تَجدُّد سلالة السيامة الرهبانية

رغم أن أبناء لانغدارما قد أخفَوْا كثيرًا من التماثيل والنصوص البوذية لحِفظِها، كما استمر التقليد الاعتيادي للتناترا حتى في التبت الوسطى، إلا أن المُجتمَع الرهباني هناك انتهى. ولكن ثلاثة رهبانٍ فروا إلى مملكة تسونغكا في أمدو، وهناك، وبمُساعدة الراهبيْن الصينييْن، تابعت سُلالة مولاسافاستيفادا سيامة الرهبان.

وبعد ذلك بفترة وجيزة ارتحل عشرة شبانٍ من التبت الوُسطى بقيادة لومي تسولتريم-شيرابهناك للدراسة وتلقي نذور الرهبان. أعادوا عندها سلالة السيامة إلى يو عام ٩١٢ م، بعد غيابها هنا سبعين سنة، وبنوا سبعة معابد جديدة. وضمت تلك المعابد غييل لاكانغ، الذي بناه دانام دورجي-وانغتشُنغ تلميذ لومي. غير أن المصادر التاريخية البوذية تُعيد تاريخ بناء هذا المعبد إلى ١٠١٢ م.

بداية الازدهار المتأخِّر للتعاليم

وخلال النصف الثاني من القرن العاشر تنازل ملك نغاري تسينبو كوري عن عرشه لصالح أخيه سونغ-نغي؛ حتى يصبحَ راهبًا، ومن المعروفٌ عنه أنه من ذرية لا لاما ييشي-وو.

أرسل ييشي-وو واحدًا وعشرين رجُلاً إلى كشمير عام ٩٧١ م لتعلم السنسكريتية ودراسة البوذية؛ لأنه أراد أن يقلب انحسار البوذية في التبت الغربية، ولم ينجُ من هؤلاء في رحلتهم إلا رينتشين-سانغبو، ٩٥٨ – ١٠٥١ م) وليغباي-شيراب؛ حيث أصبحَا في نهاية الأمر مُترجميْنِ مرموقين. ورغم الدراسة في كشمير والأديرة الشهيرة في شمال الهند، إلا أنهم أرسلوا إلى التبت عدة عُلماء هنود متعلمين، مَثَّل هؤلاء العلماء مدرسةً بوذية هندية مختلفة، رغم أنهم مثَّلوا أساسًا تقليد التانترا في ماهايانا.

واستمر ييشي-وو في دعوة المعلمين الهنود إلى التبت، وكان من بينهم دارمابالا، الذي بدأ سلالة سيامة الراهب مولاسافاستيفاتا الثانية في التبت، إلى جانب التلاميذ الهنود الذين رافقوه. وكانت السيامات التي توارثوها تُشير إلى بداية عهد جديد في التاريخ التبتي يُعرَف باسم "ازدهار التعاليم المتأخِّر". على النقيض من ذلك أصبحت الفترة السابقة تُعرف باسم "ازدهار التعاليم المبكِّر".

وتذكر المصادر التاريخية التبتية التقليدية الأخرى نقطةَ بداية هذه المرحلة المتأخرة لسيامة لومي، وتعيد الفترة إلى عام ٩٧٣ أو ٩٧٨ م، وهذه هي التقاليد التي تعيد تأسيس تلميذ لومي لغيييل لاكانغ إلى عام ١٠١٢ م.

عاد رينتشين-سانغبو وليغباي-شيراب إلى نغاري عام ٩٨٨ م. وفي فترة الازدهار المتأخرة هذه أنشأ رينتشين-سانغبو عدة أديرة جديدة هناك، كان من بينها دير تابو في سبيتي، الذي بُنيَ عام ٩٦٦ م، وفي السنة نفسِها أنشأ ييشي-وو دير تولينغ في غوغي.

زيارة أتيشا إلى التبت

خلال هذه الحقبة احتل الغزنويون، في ظلِّ حكم محمود الغزنوي (حكم من سنة ٩٩٨ إلى ١٠٣٠ م)، ما يُعرف اليوم بباكستان وبُنجاب الهندية وهيماتشال براديش، والمناطق المحيطة بدلهي. ولمعرفة سبب الضرر الكبير الذي خلفته قوات محمود في أديرة البوذيين في المنطقة بحث العديد من الرهبان والنُّسَّاك عن ملجأ لهم في نغاري. ولجأ الكثير منهم في النهاية إلى هناك؛ حيث إنه في عشرينيات القرن الحادي عشر (١٠٢٠ م) مرَّر ملك نغاري قانونًا يمنع الأجانب من البقاء في الدولة أكثر من ثلاث سنوات.

وفي ظل هذه الأجواء المتقلبة التي كانت في سنواته الأخيرة دعا ييشي-وو أتيشا، ٩٨٢ – ١٠٥٤ م) ليأتي إلى التبت من ديره فيكراماشيلا في وسط الهند الشمالية. فقد أراد أن يكون المدرس الهندي قادرًا على أن يساعد في إعادة ترسيخ البوذية في التبت، وأيضًا في وضع حَدٍّ للفوضى القائمة على أساس الاختلافات بين المدارس. وأرسل غيا تسونسينغ لتوصيل الدعوة، مع هدايا من الذهب. لكن أتيشا رفض الهدايا وردَّ الدعوة، مُفسِّرًا ذلك على أنه كان مطلوبًا في الهند ليضع حَدًّا لانحسار البوذية الذي كان جاريًا هناك.

اعتقد ييشي-وو أن أتيشا رفض الدعوة؛ لأن الذهب الذي أُرسِلَ لم يكن كافيًا، لذلك توجه إلى ملك القارلوق من أجل الحصول على المزيد، وكان القارلوق مجموعة تركية تعيش شمال غرب نغاري. ولسوء الحظ رماه ملك القارلوق في السجن.

وحاول جانغتشوب-وو – وهو حفيد أخي ييشي-وو، وأحد الرهبان كذلك – جمع ما يكفي من الذهب لفدية عمه الأكبر من القارلوق، وأخبره ييشي-وو أنْ يستخدم الذهب لإقناع أتيشا بالقدوم، بدلاً من فديته، لكن في النهاية تُوفِّي ييشي-وو في السجن.

بعد تأسيس الإمبراطورية القراخانية (٨٤٠ – ١١٣٧ م) حافظ القارلوق على علاقات ودية مع حلفائهم العسكريين السابقين، وحتى بعد اغتيال لانغدارما في الثلاثينيات من القرن التاسع تحول القارلوق/القراخانيون في عقيدتهم من مزيج البوذية والشامانية التركية إلى الإسلام. وهاجم الفرع الغربي من القراخانيين، الذي تمركزَ في كاشغار، خوتان عام ٩٨٢ م في سعيهم إلى التحكم بالفرع الجنوبي من حوض تاريم من طريق الحرير، وفرضوا حصارًا على دولة الواحة حتى عام ١٠٠٦ م.

وتُفسِّر المصادر التاريخية التقليدية التبتية أن ييشي-وو أُلقِيَ في السجن خلال حربٍ خاضها القارلوق/القراخانيون في نيبال. ولكن جون بروف (John Brough) "أساطير خوتان ونيبال" (Legends of Khotan and Nepal) في Bulletin of the School of African and Oriental Studies ، المجلد ١٢،يُشير إلى أن الاسم التبتي لخوتان: "لي"، إلى جانب الكثير من الأساطير المتعلقة بخوتان، نقلها تبتيون إلى نيبال وعرضوها هناك. وهكذا يمكن للمرء أن يستدلَّ على أن ييشي-وو واجه القارلوق، وسُجِنَ عندما توجه للدفاع عن خوتان أثناء الحصار.

ولكن شاكاببا في تاريخه المُؤلَّف من مجلديْنِ لا يذكر أيَّةَ معركة تتعلق بهذه الحادثة، بل يُشير بدلاً من ذلك إلى أن ملك القارلوق منح جانغتشوب-وو عدة خيارات: التخلِّي عن كل الجهود لدعوة المعلمين البوذيين من الهند إلى التبت. أو دفع الفدية ذهبًا يُعادل وزنُهُ وزنَ ييشي-وو. أو إعدام ييشي-يو. ويدلُّ هذا الخيار الذي أُعطيَ لجانغتشوب-وو أن هذه الحادثة على الأرجح قد وقعت بعد احتلال القارلوق لخوتان. وبعد أن حَوَّل خوتان البوذية إلى الإسلام بدا أنَّ ملك القالوق كان ضِدَّ أي تعزيزٍ إضافي للبوذية في التبت.

يتحدَّث دافيد سنيللغروف (David Snellgrove) "البوذية الهندية-التبتية: البوذيون الهنود وخلفاؤهم التبتيون" (Indo-Tibetan Buddhism: Indian Buddhists and Their Tibetan Successors ) أن هذه الحكاية حول موت ييشي-وو في سجن القارلوق مُختلَقة. ودليله على ذلك أنه في عام ١٠٢٧ م أصدر ييشي-وو تحريرًا لتنظيم ترجمة النصوص البوذية، وأن ييشي-وو – حسب السيرة الذاتية لرينتشين-سانغبو – قد تُوفيَ مريضًا في قصره في تولينغ، ورينتشين-سانغبو نفسه قد أجرى مراسم الدفن. ولكن، لو أن ييشي-وو قد ذهب إلى القارلوق في مُهمَّة سِلمية لطلب الدعم المالي، فمن المعقول أن هذه المٌهمة قد حدثت بعد عام ١٠٢٧ م، بالنظر إلى أنَّ أتيشا قد وصل إلى تويلنغ عام ١٠٤٢ م، ومع ذلك تتعارض السيرة الذاتية لرينتشين-سانغبو مع الحكاية التقليدية لوفاة ييشي-وو في السجن.

وهناك ملحوظة أخرى، فقد كان عام ١٠٢٧ م هو العام نفسه الذي شهِدَ حضور التعاليم الكلاتشاكرا تانترا أول مرة إلى التبت، اعتمادًا على ترجمات من السنسكريتية إلى التبتية كان صاحباها العلاَّمة بادرابودي والمُترجِم التبتي غييجو. يُعَدُّ هذا العام كذلك بداية التقويم على نمط الكلاتشاكرا في التبت مع أول دورة تقويم برابهافا التي تمتد على ستين عامًا.

وأرسل جانغتشوب-وو المُترجِم البارع ناغتسو إلى الهند مُحمَّلاً بالذهب وبدعوةٍ لأتيشا، وفور تلقيه الدعوة وسماع القصة وراءها، وبعد تلقيه تعليماتٍ من تارا رمز بوذا، وافق أتيشا على الذهاب إلى التبت ثلاثَ سنوات. ووصل إلى تولينغ عام ١٠٤٢ م. وأثناء مكوثه هناك أعاد أتيشا صياغة الترجمات، وكتب "مصباح الطريق إلى التنوير".

وفي عام ١٠٤٥ م انضم إلى أتيشا رجل علماني، وهو درومتونبا (١٠٠٤ – ١٠٦٤ م)، وقد رغب في التعلم على يديه، وذلك عندما كان أتيشا في طريق عودته إلى الهند، لكن الطريق عبر نيبال كانت مغلقة نتيجة الحرب الأهلية التي استمرت من ١٠٣٩ – ١٠٤٥ م لذلك طلب درومتونيا من أتيشا زيارة التبت الوسطى بدلاً من ذلك، ووافق أتيشا، وبعد زيارته ديرَ سمياي قرب لاسا مكث على الأغلب في نييتانغ في يو قبل وفاته عام ١٠٥٤ م.

وأثناء زيارته ديرَ سمياي دُهشَ أتيشا من العدد الضخم للنصوص السنسكريتية المحفوظة في مكتبة الدير؛ حيث أشار إلى أنه حتى في الهند لم يكن ممكنًا أن يجد المرء مثل هذه المجموعة الضخمة. ويُشير ذلك إلى أن اضطهاد لانغداراما كان مُوجَّهًا إلى المؤسسة الرهبانية البوذية، وليس إلى التعاليم البوذية ذاتها.

بناء أديرة جديدة وتطور البوذية والبونية التبتية إلى مدارس عديدة

فترة ما قبل أتيشا

نجَت بعض الأديرة البوذية القديمة، مثل سمياي، في التبت الوسطى، من ازدهار التعاليم المبكر، لتمتلئ من جديد برهبانٍ تبتيين، في الوقت الذي وصل فيه أتيشا إلى هناك. بالإضافة إلى ذلك، كانت بعض الأديرة الجديدة قد بُنيَت هناك في ذلك الوقت. فعلى سبيل المثال، بَنى دير شالو في تسانغ عام ١٠٤٠ م تشيتسون شيراب-جونغناي قبل سنتيْن من وصول أتيشا إلى نغاري؛ حيث تحوَّل بعد ذلك إلى مركز مُهمٍّ لدراسات الساكيا.

كادام

عيَّن أتيشا درومتونبا خليفةً له عام ١٠٥٧ م، وأنشأ درومتونبا ديرَ رادرينغ في يو؛ حيث استمرَّ في التعليم حتى وفاته عام ١٠٦٤ م. ونظمَ تعاليم أتيشا في مدرسة جديدة للبوذية تُدعى "كادام". وبَنى تلاميذ آخرون لأتيشا، مثل نغوغ ليغباي-شيراب ديرَ كادام ثانيًا سانغبو نيوتوغ في يو كذلك عام ١٠٧٣ م.

وفي عام ١٠٧٦ م عقد الملك تسيدي مجلس تولينغ في دير تولينغ في نغاري؛ حيث جمع المترجمين معًا من المناطق الغربية والوُسطى والشرقية من التبت، إضافة إلى عدة معلمين كشميريين وهنود شماليين، وذلك لتنسيق عمل ترجمتهم. وفي عام ١٠٩٢ م أصدرَ أمير نغاري شيوا-وو مرسومًا يُرتِّب فيه المعايير التي تحدد النصوص البوذية الموثوقة. وكان المعيار الأساس للتوثيق هو وجود النص السنسكريتي الأصلي من عدمه، وبعد ذلك بفترة وجيزة تحوَّل سانغبو-نيوتوغ إلى مركز مهم للترجمة وللتعلم والمناظرة كذلك.

وكان دير نارتانغ الذي أُنشئَ عام ١١٥٣ م في تسانغ أحد مراكز الكادام المهمة للتعلُّم أيضًا. وتحوَّل بعد ذلك إلى مركز لطباعة النصوص البوذية. ورغم أن بعض المصادر التاريخية التبتية تُعيد تاريخ تأسيس دير نارتانغ إلى عام ١٠٣٣ م، وتنسُب تأسيسه إلى معلم الكادام تومتون لودو-دراغ، إلا أن ذلك يُعتبر خطأً تاريخيًّا؛ أولاً لأن أتيشا لم يصل إلى نغاري حتى عام ١٠٤٢ م، وثانيًا ففارق الـ١٢٠ عامًا بين التاريخين يُظهر وجود بلبلة فيما يتعلق بدورة تقويم الكلاتشاكرا التي تمتد ستين عامًا، والتي جرت عملية التأسيس خلالها.

ساكيا

إن بعض التقاليد الأخرى في فترة "ازدهار التعاليم المتأخر"، المعروفة على مستوى المجموعة باسم سارما أو المدارس الجديدة، قد بدأت كذلك في بناء أديرة في ذلك الوقت. على سبيل المثال عام ١٠٧٣ م، وهو العام نفسه الذي تأسَّس فيه دير سانغبو نيوتوغ، وقد أَنشأ كون كونتشوغ-غيال-بو ديرَ ساكيا في تسانغ في الجانب الغربي من التبت الوُسطى، ومنح الدير اسمه لمدرسة ساكيا.

البون

أنشأ التقليد غير البوذي للبونية كذلك ديرَه الأول في ذلك الوقت في عام ١٧٠٢ م، وأنشأ دروجي يونغدرونغ لاما دير يايرو إنساكا في تسانغ؛ إذ بنى الدير ليُنشئ بذلك تقليدَ مُناظَرة لدراسة النصوص المُرمَّمَة من جدران دير سمياي، على يد أول كاشِفٍ عظيم لنصوص البون المحفوظة، وهو شينتشين لوغا (٩٩٦ – ١٠٣٥ م). وعَثَر أحد الرعاة عام ٩١٣ م على أول نصوص البون المحفوظة المُخبأة صُدفةً في سمياي.

نيينغما

كَشف الراهب سانغ-غياي لاما عن أول نصوص دير نيينغما المحفوظة نحو نهاية القرن العاشر أو بداية القرن الحادي عشر الميلادي. وكان اسم "نيينغما"، وهو المدرسة القديمة، قد مُنِح إلى التقليد البوذي الباداسامبافادي، مقابل اسم: "سارما"، وهي المدارس الجديدة. ووجدها سانغ-غياي في المعابد والصخور القريبة في نغاري، ولكن تداولها سَرعان ما توقَّف بعد وفاته.

لكن في عام ١٠٣٨ م اكتشف درابا نغونشي (المولود عام ١٠١٢ م) عدة نصوص نيينغما محفوظة ومخفية في سمياي، كما أنه كشَفَ "التانترات المجيدة الأربع للمعرفة الطبية"، التي كانت مُخبَّأة في الدير كذلك. واستمر تداول النصوص التي وجدها درابا نغونشي بعد وفاته.

ورغم أن العديد من الأديرة السابقة للانغدارما، مثل دير سمياي، قد نجَت وتحوَّلت إلى مراكز تُعرف اليوم بتقليد نيينغما، إلا أن أول أديرة نيينغما الجديدة في هذه الفترة لم تُبنَ إلا مع حلول عام ١١٥٩ م. وكان ذلك هو دير كاتوغ دورجيدين، الذي أسَّسه كا دامبا-ديشيغ (١١٢٢ – ١١٩٢ م) في مقاطعتي ديريغي والكهام جنوبَ شرق التبت.

كاغيو

كانت كاغيو، إلى جانب كادام وساكيا هي ثالث أهم مدرسة سارما، وتنبع سلالتها المهمة من المعلمين الهنود: تيلوبا وناروبا (١٠١٦ – ١١٠٠ م)، والمُترجم التبتي ماربا (١٠١٢ – ١٠٩٧ م)، وتلميذه ميلاريبا (١٠٤٠ – ١١٢٣ م)، وغامبوبا (١٠٧٩ – ١١٥٣ م) تلميذ ميلاريبا.

في عام ١١٥٨ م أنشأ باغمودروبا (١١١٠ – ١١٧٠ م)، وهو أحد تلاميذ غامبوبا، أقدمَ ديرٍ في كاغيو؛ حيث أصبح مركز مدرسة باغمودرويا كاغيو.

وفي عام ١١٦١ م أنشأ بارومبا (١١٢٧ – ١١٩٩ م)، وهو تلميذٌ لأحد تلاميذ غامبوبا الآخرين، مثل وون-غوم تسولتريم-نيينغبو دير باروم. ومن هنا نشأت مدرسة باروم كاغيو.

وفي عام ١١٧٥ م بنى تلميذ باغمودروبا، واسمه تسيلبا شانغ يودراغبا (١١٢٣ – ١١٩٤ م) ديرَ تسيل يانغ-غون. وقد أصبح إلى جانب دير تسيل غونغتانغ – الذي أنشأَه عام ١١٨٧ م – مركزًا لمدرسة تسيلبا كاغيو.

وفي عام ١١٧٩ م أنشأ تلميذ آخر من تلاميذ باغمودروبا، واسمه دريغونغبا (١١٤٣ – ١٢١٧ م) ديرَ دريغوغتيل، ومن دريغونغبا جاءت مدرسة دريغونغ كاغيو.

وفي السنة التالية عام ١١٨٠ م أنشَأَ تاغلونغ-تانغبا (١١٤٢ – ١٢١٠ م)، وهو تلميذ آخر من تلاميذ باغمودروبا، ديرَ تاغلونغبا؛ حيث تحوَّلَ إلى مركز لمدرسة تاغلونغ كاغيو.

وفي المرحلة التالية بَنى الكارمبا الأول دوسون-كيينبا (١١١٠ – ١١٣٩ م) ديرَ تسوربو عام ١١٨٩ م كان الكارمبا الأول هو التلميذ المباشر لغامبوبا، وتحوَّل دير تسوربو إلى مركز مدرسة الكارما كامتسانغ كاغيو وإلى مركز سلالة الكارامبيين اللاحقين.

بَنى تسانغبا غياراي (١١٦١ – ١٢١١ م) دير نامغييبور عام ١٢٠٥ م، وهو الدير المهم الأول لمدرسة دروغبا كاغيو، وتسانغبا غياراي كان تلميذًا من تلاميذ لينغ رايبا (١١٢٨ – ١١٢١) والذي كان بدوره تلميذًا من تلاميذ باغمودروبا.

وهكذا، وفي الوقت الذي أدرك فيه التبتيون التهديدَ المونغولي لجنكيز خان، كانت الأديرة الرئيسة في المدارس الرئيسة للبوذية والبونية البوذية قد بُنيَت في التبت، وبعد ذلك أيَّد العديد من الخانات المونغول مدرسة أو اثنتيْن من هذه المدارس البوذية التبتية.

Top