النقاط الخمس الأخيرة لتدريب الذهن، البوديتشيتا الأعمق

تنمية الحب والشفقة

حتى في العالم المادي، لا يمكن أن نضع كل جهودنا في حركة واحدة قوية ونتوقع أن نحصل على نتائج فورية. بدلًا من ذلك علينا أن نعمل بشكل تدريجي وعلى مراحل. هذا صحيح أيضًا فيما له علاقة بالعمل على أذهاننا والعمل على مواقفنا الداخلية. لتحسين مواقفنا الداخلية، علينا أن نعمل عليها تدريجيًا عبر مراحل [للتدرب]. على سبيل المثال، إذا كان لدينا قدرًا كبيرًا من الغضب، علينا أولًا أن نتعرّف على غضبنا ثم نحاول أن نرى مساوئه، ندرك، من أي منظور نتخذه، أن الغضب مُؤْذٍ.

إذا كان لدينا قدرًا كبيرًا من الغضب ولم نُدرب أنفسنا بشكل ملائم، عندها عندما نحاول تطبيق القوى الأربع المضادة بقوة شديدة، فلن نكون قادرين على التعامل معها. كما يقول المحلّلون النفسيون والأطباء النفسيون الغربيون، إذا حاولنا كبت الغضب، سيتسبب في قدر كبير من الطاقة المكبوتة والأذى. بدلًا من ذلك، يقترحون أن نحاول تَنْفِيس هذا الغضب بطريقة أكثر استرخاءً لتجنب مشاكل كبت الغضب بداخلنا.

إلى حد ما، اعتقد أن وجهة نظرهم لها وجاهتها، لأننا سنحتاج في ظروف بعينها أن نجد مُتَنَفّس سِلميًا لغضبنا، إذا لم نكن بعد مستعدّين لتطبيق مضادات التخلص منه. مع ذلك، علينا أن نُفرّق بين حالتين متميزتين تمامًا، الشعور بالغضب والعجرفة. في الأولى، ببساطة، إذا لم نجد مُتَنَفّس للغضب للتخلص منه، سينتهي بنا الحال غرقين في المشاكل. ثم هناك الحالة الثانية، حيث يصبح هذا المُتَنَفّس سببًا في بناء العادة السيئة للسماح دائمًا لأنفسنا بأن نغضب وننغمس أكثر في مشاعر الغضب. اعتقد أن علينا أن نُميز بين الظروف المحيطة بكلٍّ من تلك الحالتين، وبالطبع من الأفضل دائمًا أن نتحكم في غضبنا أو عجرفتنا. علينا أن نتعلم ألاّ نفقد سيطرتنا بالكامل، لكن أن نتعامل مع الموقف داخليًا بدون أن نسمح له بأن يخلق لنا المزيد من المشاكل.

أحد الأدوات الرئيسية التي يمكن استخدامها، هو أن نفكر في الشعور المعاكس للشعور الذي يتسبب لنا في المشاكل. على سبيل المثال، إذا كنا غاضبين، المضاد لهذا هو حب الآخرين. لذا إذا وجدنا أنفسنا نغضب من شخص ما، نحاول أن نشعر بالحب، الاعتناء المخلص به أو بها. ونبدأ في إدراك فوائد أن يكون لدينا الموقف الداخلي المُحب ومساوئ أن نكون غاضبين أكثر فأكثر، وبهذه الطريقة نكون قادرين على تطبيق المضاد.

حتى إذا لم نكن قادرين على استخدام الشعور المُضاد في الموقف -الحب في هذه الحالة- كلما عوّدنا أنفسنا أكثر على مساوئ وعيوب الغضب، وجدنا أنه كلما نشأ الموقف الذي سنبدأ فيه بالشعور بالغضب، قوة هذا الموقف تصبح مع الوقت أقل وأقل مع مرور الوقت. بهذه الطريقة، نمر بمراحل مختلفة [لنمو] قدرتنا على التعامل مع الغضب والتخلص منه.

نفس الأمر بالنسبة لتنمية الشفقة تجاه الآخرين. قبل أن يكون لدينا شفقة تجاه الآخرين ونتمنى لهم أن يكونوا أحرارًا من مشاكلهم، علينا أن نفكر أولًا في مشاكلنا، كيف أننا لا نرغب فيها، وكم نرغب في التخلص منها. حينها سنكون قادرين على تنمية التعاطف والشفقة نحو الآخرين بناءً على مشاعرنا المتولّدة من خبرتنا الخاصة. كل تلك الحالات الذهنية الإيجابية نعمل على بنائها تدريجيًا، عبر مراحل.

إذا قلنا أننا نتمنى لشخص آخر أن يكون حرًا من المشاكل والمعاناة، دون أن نُدرك بأنفسنا صعوبات مشاكلنا ومعاناتنا الشخصية، كيف سنتمكن من أن ننمي بإخلاص الأمنية للآخرين أن يتحرروا من مشاكلهم؟ إذا راقبنا شخصًا سعيدًا راضيًا، سيكون من الصعب تنمية الشعور بالشفقة تجاهه، أمنية أن يكون حرًا من المشاكل. مع ذلك إذا رأينا شخصًا من الواضح أنه يختبر الصعوبات، سيكون من الأسهل أن ننمّي تجاهه التعاطف والشفقة. هذا، بالطبع، على أساس من فهمنا لطبيعة المشكلة، على أساس من اختبارنا لها.

الشفقة تُجاه شخصٍ ما، هي موقف داخلي يمكن رؤيته بطريقتين. إذا كان هدفها شخصًا آخرًا، هي تعاطف وشفقة؛ إذا وجهناها إلى أنفسنا، فهي ما نطلق عليه "العزم على التحرر من المشاكل" أو "التخلي". هي أمنية التخلص من المعاناة والمشاكل، موجهة إمّا نحو أنفسنا، وهذا هو التخلي، أو موجّهة نحو الآخرين، وهذه هي الشفقة.

عندما نفكر في المعاناة، مثل [معاناة] الميلاد في إحدى حالات إعادة الميلاد الأسوأ -العوالم الخالية من البهجة وما شابهها- لا يمكننا أن نفترض أن هذا شيء بعيد عنا للغاية، أو شيءٌ يصعب حدوثه وليست لنا صلة به، أو أنه ليس هناك أي داعي للتعامل معه. علينا أن نُدرك أن أسباب إعادة الميلاد في الحالات الأسوأ -كل الأنواع المختلفة من الإمكانات السلبية- مبنية ومُخزّنة في استمراريتنا الذهنية. بناءً على الإمكانات السلبية بأذهاننا، من الممكن جدًا في أية لحظة أن [يُعاد ميلادنا] في إحدى تلك الحالات الأسوأ. لهذا فمن المهم للغاية أن نفكر في الأمر في سياق قانون الأسباب والنتائج السلوكية.

علينا التدبر في كم نحن محظوظون، لأنه لدينا الميلاد البشري الثمين، حياة بشرية ثمينة بها الكثير من الحرية المُهلات لننمي أنفسنا روحانيًا. أن تكون لدينا هذه الفرصة الذهبية، فمن المهم للغاية ألاّ نُضَيِّعُهَا. لذا نفكر أولًا في حياتنا البشرية الثمينة، كم من الصعب الحصول عليها وكم يسهل ضياعها. هذا يأخذنا إلى فكرة الموت وحتمية التغيير، بما أنه يمكن أن نموت في أي وقت ولا نعرف متى. علينا أن نحافظ على وعيٍ قويٍ بالحقائق الأربع النبيلة: طبيعة المعاناة الحقيقية، أسبابها الحقيقية، إمكانية تحقيق الإيقاف الحقيقي لتلك المعاناة، ومسارات الذهن الحقيقية التي يمكن أن نُولّدها لتحقيق هذا. هكذا نستفيد من هذه الحياة الثمينة، عبر التدرب على بناء كل تلك الحالات الذهنية.

استكمال

السبب في أن هذا النص يُطلق عليه النقاط السبع لتدريب الذهن، هو أننا ندرّب أنفسنا على بناء المواقف الداخلية. هذه النقاط السبع هي:

  • الأولى، [التدريبات] التمهيدية،
  • الثانية، أداة التدرب على نوعي البوديتشيتا -النسبية والأعمق،
  • الثالثة، تحويل المواقف المعاكسة إلى مسار الاستنارة،
  • الرابعة، تكثيف التدرب في حياة واحدة فقط،
  • الخامسة، معيار أن مواقفنا الداخلية قد تم تدريبها،
  • السادسة، التدريبات وثيقة الصلة بتدريب الذهن،
  • السابعة، نقاط للتدرب بتدريب الذهن.

لقد قمنا بتغطية [التدريبات] التمهيدية، والآن سنتحدث عن التنمية الحقيقية للبوديتشيتا. لنختصر نقاط الأمس، حتى الآن كنا تحت التأثير القوي للأنانية، إيثار أنفسنا فقط. هذا الاعتناء الأناني، والذي يشمل أيضًا التشبث بالذات المُثبتة حقًا، تسبب لنا أيضًا في كل المشاكل التي نختبرها منذ الزمن الذي لا بداية له. كل تلك المشاكل هي نِتاج أنانيتنا. بالتفكير في الآخرين، إذا كان شخصٌ ما في غاية الأنانية، لن يشكل أدنى فرق كم الوقت والجهد الذي يضعونه في الأنشطة الروحانية، سيظلون أشخاصًا أنانيين ولن يكونوا قادرين على تحقيق أي تقدم روحاني. عندما يموت هذا الشخص الأناني، يشعر الجميع بالراحة لمغادرته، لأنه كان شخصًا أنانيًا بشعًا. لذا حتى إذا فكرنا في سياق هذه الحياة فقط، إذا كنا أشخاصًا أنانيين، عندها سيعتبرنا الجميع أشخاصًا متبلّدين ولا أحد سيرغب في أن يعتني بنا، بينما إذا كنا أشخاصًا غَيْريين، دائمًا ما نعتني بالآخرين، سنُعتبر أشخاصًا جيدين.

إذا سقطنا في إحدى حالات الميلاد الأسوأ، يمكننا فقط أن نلوم الاعتناء الأناني بالذات الذي تسبّب لنا في هذا السقوط -في حالة الميلاد كحيوانات أو ما شابه. أي موقف صعب يمكن أن يُعزّى في النهاية إلى الاهتمام الأناني وإيثار الذات كسبب له، بما في ذلك الكائنات سامية الإدراك غير القادرة على تحقيق الاستنارة بالفعل، نتيجة لاهتمامهم الأناني. كل الإمكانات النافعة والبنَّاءة التي تأتي نتيجة للحصول على إعادة ميلاد بهيئة البشر أو الديفا -وصولًا إلى تحقيق التحرر والاستنارة. كل هذا يأتي نتيجة الاعتناء بالآخرين.

حتى إذا نظرنا إلى هذه الحياة، كل الأشياء الجيدة تُعزّى للقلب الطيب الدافئ. إذا كنا أشخاصًا مراعين، من يهتمون بإخلاص بالآخرين، ستسير الأمور معنا بشكل جيد في هذه الحياة أيضًا. لذا من الهام أننا في أي موقف نجد أنفسنا فيه، ألاّ ننشغل بالاعتناء بالذات، لكن دائمًا نفكر في الجميع. ذُكر هذا في النص: الاهتمام بالآخرين هو أساس ومصدر كل الخصال الجيدة.

مراجعة النقاط الأساسية: عبر التدبّر في مساوئ إيثار الذات والأنانية وفوائد الاعتناء بالآخرين، نسعى إلى تنمية الحب المُدْفِئ للقلب والذي به نُؤْثر الآخرين ونهتم للغاية بحسن حالهم. على هذا الأساس، نتدرب على منح سعادتنا للآخرين بحب معتني لأجل أن يصبحوا سعداء، ونأخذ على عاتقنا مشاكل ومعاناة الآخرين بقلب التعاطف المُشفق. بينما يصعب فعليًا أن نأخذ مشاكل الآخرين على عاتقنا ونزيلها عنهم، إذا نمينا هذا الموقف الداخلي بالتخيل يرافقه التنفّس‎، في النهاية سنبني الإمكانية بحيث نكون قادرين حقًا على أن نحمل مشاكل الآخرين ونعتني بهم. يطلق على هذا التدرب "المنح والأخذ"، "تونغلين" -أخذ مشاكل الآخرين ومنحهم السعادة.

تحويل المواقف المُعاكسة إلى مسار الاستنارة

تنشأ لدينا جميعًا مواقف صعبة، على المستوى الخارجي والداخلي. على سبيل المثال، نحن التبتيون بالتأكيد مررنا بالعديد من الظروف الصعبة. هذا صحيح خاصة هؤلاء الذين يعيشون في التبت، حيث أن هناك دائمًا خطر وخوف يُهيمن عليهم من أن يتم اعتقالهم وإعدامهم في أي لحظة.

تخبرنا النقطة الأولى أنه في مواقف مثل هذه، عندما يكون لدينا موقف داخلي مُعادي أو متعلق، أو حتى عندما تكون [قلوبنا] وأذهاننا منغلقة، نحتاج لأن ننمي المواقف الداخلية التي ستمكننا من تحويل تلك الظروف إلى فرص للنمو الروحاني. إحدى الطرق هو أن نأخذ على عاتقنا العدائية والتعلق والانغلاق الذهني الغافل للآخرين، نتعامل معها، ونتخلص منها للجميع. بهذه الطريقة، نحوّل المواقف المعاكسة إلى إيجابية.

[ملاحظة: شرح نامكابِل الوارد هنا يخصّ فقط الأبيات الواردة بنسخة أبيات توغمي زانغبو، "عندما تكون البيئة وسكانها مليئين بالقوى السلبية، حَوِّل الشروط المُعاكسة إلى مسار الاستنارة". نقل نامكابِل الجزء الثاني من البيت في نسخة توغمي زانغبو، "من خلال إلغاء الشيء الذي (يتحمل) كل اللوم والتأمل بطيبة عظيمة تجاه الجميع"، إلى القسم السابق الخاص بمساوئ إيثار الذات وفوائد إيثار الآخرين. نسخة بابونغا تتبع ذات ترتيب نامكابِل.]

بغض النظر عن نوعية المشاكل التي قد تكون لدينا، سواءً كانت جسدية أو ذهنية، من المفيد أن نحاول أن نحمل كل مشاكل الآخرين التي تنتمي لنفس الفئة ونفكر، "ليت هذا يكون كافيًا للجميع؛ من خلال معاناتي، ليته لا أحد يعاني هذه المعاناة مرة أخرى". يمكننا أن ننظر إلى الصعوبات التي تحدث لنا، كنتيجة لإمكاناتنا السلبية التي قمنا ببنائها بأنفسنا في الماضي، وليس كأنها تأتي من مصدر خارجي. الآن وقد أثمرت، يمكننا أن نصبح سعداء لأننا تخلصنا منها، ونتمنى أن تُثمر علينا أيضًا الإمكانات السلبية للجميع. بهذا، سيتخلص الجميع من الخطر المحتمل المتمثل في اختبار تلك المعاناة كنتيجة للإمكانات السلبية.

عندما نختبر شروطًا وظروفًا سعيدة، يمكننا أن نرى أنها نتيجة للإمكانات الإيجابية التي قمنا ببنائها في الماضي ونبتهج بها ونفكر، "يجب أن أقوم ببناء المزيد من الإمكانات الإيجابية، بحيث يكون هناك في المستقبل المزيد من الظروف المساعدة لي وللآخرين". من المهم عدم الوقوع في الكبرياء والعجرفة، أو نتباهى عندما تسير الأمور بشكل جيد. بدلًا من ذلك، يمكن أن يُشجعنا هذا على بناء المزيد من الإمكانات الإيجابية، بحيث لا نستنفذ مخزوننا. هكذا نُحوّل الظروف السلبية إلى إيجابية من خلال أفكارنا.

[ملاحظة: يُسقط نص نامكابِل البيت التالي الوارد بنسخة توغمي زانغبو المتعلق بكيفية تحويل الظروف المعاكسة بأفكارنا فيما يتعلق برؤيتنا، "الخلو، التأمل على المظاهر الخادعة كأجساد بوذا الأربعة، هو الحامي الذي لا نظير له". بالمثل قام بابونغكا بإغفال هذا البيت. في المقابل، قام نامكابِل، وأيضًا بابونغكا، بإلحاق بيت، "وفورًا أقوم بتطبيق التأمل على أيًا كان ما سيصادفني"، في نهاية مناقشة "عندما تكون البيئة وسكانها مليئين بالقوى السلبية، حَوّل الشروط المعاكسة إلى مسار الاستنارة". في نسخة توغمي زانغبو، هذا البيت، "وفورًا أقوم بتطبيق التأمل على أيًا كان ما سيصادفني"، يتبعه البيت التالي الوارد في كلٍّ من نسخة نامكابِل وبابونغكا، "تستلزم الأداة السامية أربعة أفعال لاستخدامها".]

تُظهر لنا النقطة الثانية، كيفية تحويل الظروف المعاكسة إلى إيجابية باستخدام أربعة أنواع من الأفعال:

الفعل الأول هو بناء المزيد من القوى الإيجابية. بغض النظر عن ماهية الظروف السلبية، هذا يُلهمنا لبناء المزيد من الإمكانات الإيجابية حتى لا نختبر نحن أو أي شخص آخر مثل تلك الظروف الصعبة. نقوم بتقديم الهِبات، للأعلى، للبوذات والكائنات المستنيرة، وللأسفل، للكائنات المحدودة -نهب بكل طاقتنا. بهذه الطريقة، نبني المزيد من القوى الإيجابية. وهذا هو الفعل الأول لتحويل الظروف السلبية إلى إيجابية، بحيث تُلهمنا تلك الظروف السلبية كي نقوم بشيء إيجابي.

الفعل الثاني هو تنقية استمراريتنا الذهنية من الإمكانات السلبية. نقوم بهذا عبر الاعتراف الأمين بالأخطاء التي قمنا بها وعبر تطبيق القوى المُضادة المختلفة، أولا الشعور بالندم الشديد. حتى إذا قُمنا ببناء إمكانية سلبية هائلة، كما فعل ميلاريبا، إذا شعرنا بالندم الشديد على هذا، إذا اعترفنا بأمانة بأن ما قمنا به كان خاطئًا وطبّقنا القوى المُضادة، سنكون قادرين على تنقية استمراريتنا الذهنية من تلك الإمكانات السلبية.

الفعل الثالث هو تقديم الهِبات لكائنات الجونغبو. إذا تأذينا واعتقدنا أن مصدر الأذى هو إحدى تلك الكائنات، نُقدّم لهم في المقابل هبة الحب والشفقة. يمكن أن تكون هذه الكائنات هي السّبب في مشاكلنا أحيانًا. نحمل كل مشاكلها على عاتقنا،لأنها بالتأكيد في موقف مُزري. وبهذه الطريقة نحوّل الموقف السلبي إلى إيجابي.

الفعل الرابع هو طلب التأثير المستنير من الدارمابالا. نُدرك أن العديد من المشاكل تنشأ بسبب طبيعة السامسارا. لذا نطلب من الدارمابالا المختلفين [أن يُلهمونا] من خلال تأثيرهم المستنير، لنكون قادرين على التعامل مع هذه المواقف وتحويلها إلى مواقف إيجابية لنمونا الروحاني. نطلب منهم بإخلاص، من كل قلوبنا، أن يُلهموننا لنكون قادرين على زيادة جهودنا في تدريب مواقفنا الداخلية.

باختصار، بغض النظر عن نوعية الظروف السلبية التي تواجهنا، سواءً كانت داخلية أم خارجية، إذا طبقنا هذه الأدوات المختلفة، سنكون قادرين على تحويل تلك المواقف إلى مواقف إيجابية لنمونا.

هذه النقاط يمكن العثور عليها أيضًا في الانخراط في سلوك البوديساتفا. يرِدُون بشكل ضمني في الترديدات الموجودة فينهاية النص، حيث نقول، "طالما بقي هناك فضاء، طالما بقيت هناك كائنات هائمة، ليتني أنا أيضًا أبقى مهما طال الأمد لأزيل المعاناة عن الكائنات الهائمة".

تكثيف التدرب في حياة واحدة فقط: القوي الخمس

[ملاحظة: البيت التالي، "باختصار، جوهر خلاصة التعاليم هو تطبيق القوى الخمس". يظهر أيضًا بذات الموضع في نسختي توغمي زانغبو وبابونغكا.]

هناك خمس قوى لتكثيف التدرب في حياة واحدة، أي هذه الحياة. أول تلك القوى هي النية التي نضعها أمامنا. نتمنى، "ليتني دائمًا أكون قادرًا على تنمية هدف البوديتشيتا؛ ليتني دائمًا أكون قادرًا على التدرب على تدريب المواقف الداخلية؛ ليتني دائمًا أكون قادرًا على تنمية الخصال الجيدة التي ستمكنني حقًا من نفع الجميع". قوة النية التي نضعها أمامنا هي مثل الاستعداد لتحقيق تلك الأمنيات. لذا، نقوم بوضع هذه النية: "سأنمو بهذا التوجّه الجيد. الآن حيث تتوفّر لي هذه الفرصة للتدرب على تدريبات ناقلة الماهايانا الشاسعة، سأُسَخِّر كل قواي وطاقتي في هذا الاتجاه".

نقوم بهذا كل يوم، في الصّباح نقول هذا ما إن نستيقظ، "كم أنا محظوظ اليوم أني استيقظت. أني حي. لديّ حياة بشرية ثمينة. لن أقوم بهدرها، بل ساستخدم اليوم كل طاقة هذه الحياة الثمينة لأنمي هدف البوديتشيتا لأحقق الاستنارة من أجل نفع الآخرين بقدر الإمكان. لذا، ستكون لدي أفكارًا طيبة تجاه الجميع. لن أغضب أو تكون لدي أفكارًا سيئة. بقدر ما أستطيع، ساستخدم كل طاقتي لمساعدة الآخرين، لأكون نافعًا لهم".

من المهم للغاية، أن يكون لدينا إعدادًا عمليًا جدًا لنيتنا في الصباح. نفس الشيء في الليل، يمكننا أن نتفحّص أفعالنا: "ما الذي قمت به اليوم؟ أي نوع من الأشخاص كُنتُ اليوم: هل ساعدتُ الآخرين أو قمتُ فقط باستغلالهم لأغراضي الأنانية؟ هل غضبتُ؛ هل نمّيت التعلق؟" علينا أن نتفحص يومنا بأمانة [لنرى] الطريقة التي تصرفنا بها فعليًا ونوعية المواقف الداخلية التي نميناها خلال اليوم. إذا وجدنا أننا أثناء اليوم كنا بالفعل أشخاصًا طيبين دافئي المشاعر، يمكننا أن نبتهج لهذا، نشعر بالسعادة والتشجيع. لكن إذا تصرفنا بطريقة مضطربة للغاية، علينا أن نشعر بالندم على هذا، نعترف بالخطأ الذي قمنا به، ثم نولّد نية قوية: "غدًا، لن أتصرف مرة أخرى بتلك الطريقة السلبية".

إذا قمنا بهذا كل يوم، سنُحسّن تدريجيًا من عزيمتنا على "التصرف بشكل جيد" وسنتعلم المحافظة عليها خلال اليوم، الشهر والعام التالي. يمكننا كذلك أن ننمي أنفسنا، على سبيل المثال، عبر حضور تعاليم مثل هذه. النية القوية يمكن توليدها بالتفكير، "الآن ساستمع لتعاليم تدريب المواقف الداخلية وسأطبقها بقدر ما استطيع".

ثانية هي قوة البذرة البيضاء، والتي نخلقها بهذه الترديده: "ليتني أحقق الاستنارة من أجل نفع جميع الكائنات". هذا يعيد التأكيد على تكرسينا لاستنارتنا وأنها لأجل الآخرين.

الثالثة هي قوة إزالة الكل في الحال، أي بالكامل، في التو، ما أن نعقد العزم على التخلي عن: أنانيتنا، مواقفنا الداخلية المزعجة، انشغالنا بذواتنا، تشبثنا بالذات المثبتة حقًا، إلخ. نُقرر أننا لن نترك أنفسنا تحت تأثير تلك المواقف الداخلية، نقول، "لن أدع نفسي أصبح متفاخرًا، مغرورًا، أو أنانيًّا؛ وإذا نشأ الموقف الذي وجدت نفسي فيه أتصرف بتلك الطريقة، سأستخدم فورًا القوى المضادة".

الرابعة هي قوة إلهام الترديدات. نردّد، "ليتني أكون قادرًا على تنمية هدف البوديتشيتا دائمًا، وإذا نميته بالفعل، ليتني أكون قادرًا على مدّه أكثر". نعرف أن هناك فارق بين ترديدة الإلهام وترديدة التكريس. ترديدة الإلهام هي عندما نتمنى ببساطة شيئًا، وهذا ما لدينا هنا؛ ترديدة التكريس هي عندما نستخدم بعض الأشياء المادية كأساس ونكرّس القوى الإيجابية لوهب هذه الأشياء لتحقيق الهدف.

الخامسة هي قوة التعويد. علينا بناء، بقدر الإمكان، عادة التفكير دائمًا بتلك الطرق الإيجابية. من المهم للغاية أننا عندما نتقرّب من أي نوع من التدرب الروحاني أن نحاول بناءه كعادة نافعة. الأشياء لا تحدث فجأة؛ هي مسألة بناء تَعَوّد متزايد، بحيث نجد أذهاننا وقلوبنا تدريجيًا تتجه نحو الوِجهة الإيجابية. من المهم أن نحافظ على جهودنا لفترة طويلة جدًا، ولا نفكر فقط في سياق عدة أسابيع أو أشهر من التدريب المكثف؛ الأمر لا ينجح بهذه الطريقة. بدلًا من هذا، يجب أن نفكر في حياة بعد أخرى، نبني تلك العادات الإيجابية خلال فترة هائلة من الوقت، وبهذه الطريقة، نتحسّن تدريجيًا. لأنه من الزمن الذي بلا بداية ونحن نتصرف تحت تأثير المواقف الداخلية المزعجة، وتصرفنا بطريقة مدمرة بدون أي تحكم في الذات، إزالة كل تلك العادات السلبية لن يكون سهلًا. سيتطلب هذا وقتًا طويلًا، وجهدًا مستمرًا لنعكس بشكل تدريجي الطريقة التي تعمل بها أذهاننا وقلوبنا ونوجههما إلى وجهة إيجابية. ولذا من الضروري أن نكون صبورين، أن نفكر في المدى البعيد من أجل أن نُعَوّد قلوبنا وأذهاننا على العادات الإيجابية.

إذا ركّزنا جهودنا لمدة أسبوع واحد أو شهر في تدريب مكثف ولا نحقق أي تقدم نصبح محبطين للغاية. سيكون هذا مدمرًا جدًّا لنمونا على المدى البعيد، من حياة إلى أخرى. من جانب آخر، إذا فكرنا في تحسين أنفسنا من حياة إلى أخرى بطريقة عملية أكثر، لن تُثبط عزيمتنا ولن تكون لدينا توقعات غير واقعية، وبالتالي سننمو بطريقة أكثر استقرارًا.

كما قال الغيشي شِكاوا، "هذا الذهن المليء بالأخطاء فيه خاصية واحدة عظيمة: أيًا كان ما يُدرّب عليه، يصبح عليه". بعبارة أخرى، من الممكن أن نُدرّب أذهاننا حتى نغير عاداتنا ونصبح أشخاصًا أفضل. هذه خاصية عظيمة للذهن.

تطبيق القوى الخمس عند الموت

النقطة التالية تشرح كيف نطبّق القوى الخمس عند الموت.

[ملاحظة: هذا شرح للبيت، "جوهر تعاليم تحويل الذهن بالماهايانا هو القوى الخمس ذاتها، بينما أعطي أهمية خاصة لمسار سلوكي".]

الترتيب هنا مختلف قليلًا. مع أهمية ملاحظة أننا يجب أن نتخلى عن التعلق بجسدنا، أول تلك القوى هي البذرة البيضاء. يشير هذا إلى التفكير في وقت الموت، "الآن بوقت موتي، أُنقّي ذهني من كل الأشياء السلبية التي قمت بها خلال حياتي؛ أعترف بكل الأخطاء التي ارتكبتها؛ وأتخلى عن كل ممتلكاتي".

يوجد في النص اقتباس من الانخراط في سلوك البوديساتفا، بشأن خشية مواجهة الموت، إذا كنا سنموت [ونحن نحمل بداخلنا] قدرًا كبيرًا من الندم لعدم اعتنائنا بشؤوننا. بما أنه ممكن أثناء الموت أن نختبر قدرًا كبيرًا من الخوف، النقطة الأولى هي البذرة البيضاء: لنكون حاضري الذهن في وقت الموت ولنطبق القوى المضادة لتنقية الذهن من الإمكانات السلبية التي تم بناؤها. إذا كنا منخرطين في التدرب على التانترا، نقوم بالتعزيز الذاتي ونجدد عهودنا. نهتم بكل ممتلكاتنا بوهبها، بكرم، ونقوم بهذا دون أي تعلق، بطريقة غاية في الترتيب. تلك هي قوة البذرة البيضاء.

القوة التالية هي قوة النية. نفكر أثناء الموت، "بغض النظر عن كم اللحظات التي بقيت لدي، سأستفيد منها تمامًا وأعدّ نفسي بالكامل للموت، حتى أحظى بمستقبل أفضل".

التالية هي قوة إزالة الكل في الحال، وهي التخلي عن بناء المزيد من قوى الكارما السلبية في الحيوات المستقبلية والعزم على اتباع الطرق الإيجابية في جميع الحيوات المستقبلية.

القوة التالية هي قوة ترديدات الإلهام، ترديدات بناء الإلهام كي نكون قادرين في المستقبل على الاستمرار في هذه التدريبات الخاصة بتدريب المواقف الداخلية.

تقوم قوة الاعتياد، أثناء وفاتنا، بتقوية عادة التفكير بهدف البوديتشيتا. بالإضافة، فيما يتعلق بالطريقة التي نغادر بها عند الموت، علينا أن نحاول أن نموت بطريقة بوذا. عندما توفي بوذا في كوشيناجار، توفي بينما هو راقد على جانبه الأيمن، بوضعية الأسد. نولّد اقتناعًا حاسمًا وإعجابًا شديدًا بالبوديتشيتا بينما نموت، ونفكر، "بجميع حيواتي، ليتني دائمًا أنمّي هدف البوديتشيتا لأصل إلى الاستنارة من أجل نفع جميع الكائنات" ودائمًا ما نضع تلك النية أمامنا أثناء موتنا بجميع حيواتنا.

تَخَيُل أخذ معاناة الآخرين ومنحهم كل سعادتنا، مقترنًا بالتنفس هو أفضل طريقة للموت. بالإشارة إلى بوا أو نقل الوعي، يقول الغيشي تشِكاوا، "هناك العديد من خلاصات التعاليم المُبجّلة للغاية بشأن نقل الوعي، لكن من بينهم جميعًا، ليس هناك أروع من (تدريب الأخذ والمنح)".

من الهام للغاية أن نموت بحالة ذهنية بنَّاءة وإيجابية. قد يشعر البعض منا بقدرٍ هائلٍ من الألم في هذا الوقت ويأخذوا أدوية مُسكنة للألم، والتي تسبب ضبابية الذهن. إذا تمكننا من تجنّب هذا، فسيكون من الأفضل أن نموت بذهنٍ صافٍ. إذا لم نتمكن من تجنب هذا، فهذه مسألة أخرى، لكن الأفضل هو ألاّ نموت بذهن مُخدّر.

معيار أن المواقف الداخلية قد تم تدريبها

[ملاحظة: في نسختي نامكابِل وبابونغكا، يبدأ هذا القسم بالأبيات، "جمعت كامل الدارما في نية واحدة؛ من بين الشاهدَيْن، آخذ (نفسي) [كشاهد] رئيسي؛ واعتمد فقط باستمرار على السعادة الذهنية. لكن المعيار (الحقيقي) لكوني تدربت هو تغيّر (موقفي الداخلي) بشكلٍ جذري. هناك خمس علامات كبرى بأن [الشخص] قد تدرّب؛ لذا إذا كنتُ قادرًا، حتى عندما أكون مُشتتًا، فقد تدربت". الأبيات الثلاثة الأولى يؤخذون كعلامات على أن المواقف الداخلية قد تم تدريبها. في النسخة الأقدم لتوغمي زاغبو، لا يظهر البيت، "لكن المعيار (الحقيقي) لكوني تدربت هو تغير (موقفي الداخلي). هناك خمس علامات كبرى على أن [الشخص] قد تدرب"، والأبيات الثلاثة الأولى والبيت الأخير موجودة تحت معيار أن المواقف الداخلية قد تم تدريبها.]

تقول الشروحات حول النص، أننا إذا دربنا مواقفنا الداخلية في الحياة مع أفكار حتمية التغيير، عندها بغض النظر عما سنصادفه في الحياة، سنراه كشيء متغيّر، سيمر. بالمثل، إذا دربنا ذهننا على التفكير بشأن مساوئ الأنانية، علامة القيام بهذا هي أنه في أي نص نقرؤه، في أي نشاط نقوم به ونرى فيه الأخطاء المختلفة الموصوفه، سنتعرف على تلك الأخطاء ونشعر أنها نشأت نتيجة الأنانية. إذا كنا دائمًا قادرين على التعرف على السلبيات التي نراها ما إن تنشأ من أنانيتنا، فهذه هي العلامة على نجاح تدريب أذهاننا بتلك الأدوات.

كما تخبرنا النقاط السبع لتدريب الذهن، علينا أن ننظر إلى أنفسنا كشاهد رئيسي. نحن أفضل شاهد على طريقة عمل أذهاننا، وليس الآخرون هم الذين يشاهدون ويحكمون على ما نقوم به. إذا كان على الآخرين القيام بدور الشهود على الأشياء الروحانية التي نقوم بها، فسيكون هناك خطر أكبر أن يصبح كل ما نقوم به مجرد استعراض من أجل أن يفكر الآخرون في كم نحن متدربين روحانيين رائعين. بدلًا من ذلك، الأمر بأكمله هو أننا نقوم بتلك التدريبات داخليًا؛ نحن الشاهد الرئيسي على ما إذا أصبحنا أكثر طيبة وأشخاصًا أفضل أم لا.

قد نضيف هنا المزيد من الاقتباسات، بالأساس من غيشيهات الكادام: "عندما نرى أي خطأ، نراه كما لو كان خطؤنا". "أن نرى أية ظروفٍ سلبية نواجهها بأنها نشأت عن أنانيتنا، هذه علامة على النجاح في تدريب موقفنا الداخلي". "النقطة الأساسية هي أن نكون دائمًا حاضري الذهن، أن نفكر في فوائد إيثار الآخرين ومساوئ إيثار الذات".

المعيار الحقيقي أن مواقفنا الداخلية قد تم تدريبها هو أننا سابقًا كنا دائمًا نتجاهل الآخرين ونفكر فقط في أنفسنا؛ لكن إذا وجدنا الآن أن هذا صار معكوسًا بالكامل، بأننا دائمًا ما نتجاهل أغراضنا الأنانية بينما نفكر في الآخرين، فهذه العلامة الحقيقية أننا نجحنا.

هناك خمسة أنواع من "الكائنات العظيمة" التي نحتاج أن تشهد على ما وصلنا إليه:

  • الكائنات ذات القلوب العظيمة – شخصًا يكرس كامل جهده في التفكير دائمًا بالآخرين وتنمية البوديتشيتا،
  • الكائنات العظيمة المُدربة على السلوك البنَّاء – شخصٌ دائمًا ما يضع جهده في المواقف الداخلية العشرة التي ستحملنا بعيدًا والسلوك البنَّاء،
  • الكائنات العظيمة القادرة على تحمّل الصعوبات – شخصٌ قادرٌ على تحمّل كل الصعوبات لكسب المعركة ضد مختلف المواقف الداخلية والمشاعر المزعجة،
  • الكائنات العظيمة حاملة [تقليد] الالتزام – شخصٌ يحافظ على كل عهود الامتناع فيما له صلة بتدريب المواقف الداخلية،
  • المتدرب العظيم – شخصٌ منغمسٌ بالكامل في [التدرب] على ما هو مهم: أي، البوديتشيتا.

[ملاحظة: المواقف الداخلية العشرة التي ستحملنا بعيدًا أو البراميتات هي: الكرم، الالتزام الذاتي الاخلاقي، الصبر، المثابرة المبتهجة، الثبات الذهني (التركيز)، الوعي التميزي (الحكمة)، المهارة في الأدوات، الترديدات الروحانية، التقوية، الوعي العميق.]

إذا كنا نرغب في أن نختبر ما إذا كنا قد دربنا مواقفنا الداخلية حقًا، لا يمكننا أن نحصُر هذا على أن لدينا حبًا عظيمًا للآخرين أثناء جلوسنا وتأملنا على تلك النقاط. بدلًا من ذلك، أثناء حياتنا اليومية عندما يأتي أحدهم وينتقدنا، أو يقوم بشيءٍ ليؤذينا وما إلى ذلك، عندها إذا راقبنا طريقة استجابتنا، يمكننا حقًا أن نختبر النمو الذي حققناه.

التدريبات وثيقة الصلة بتدريب الذهن

هناك تقاليد مختلفة لكيف يتم عرض النقطة السادسة من بين النقاط السبع [لتدريب الذهن]. النسخة التي استخدمها لنص نامكابِل، فيها ستة عشر تدريبًا وثيق الصلة، على الرغم من أن في بعض النسخ قد تصل حتى ثمانية عشر تدريبًا.

[ملاحظة: في تقليد الشرح الذي يتبعه الدالاي لاما، إذا تم عد التدريب الأول وثيق الصلة، "تدرَّب دائمًا على النقاط العامة الثلاث" كثلاثة تدريبات، عندها تصبح تلك القائمة تحتوي أيضًا على ثمانية عشر تدريبًا. هذه القائمة، كما تم شرحها بواسطة الدالاي لاما، تتبع قائمة الثمانية عشر تدريبًا وثيق الصلة الموجودة في كلٍّ من نسختي توغمي زانغبو وبابونغكا لنص الغيشي تشِكاوا.

مع ذلك، توجد في نسخ أخرى لنص نامكابِل المتغيرات التالية:

التدريب الأول يُعد كتدريب واحد فقط.

أحد التدريبات وثيقة الصلة تم حذفه من هذه القائمة، لكن تمت إضافته في النسخة التي شرحها قداسته كنقطة للتدرب على تنقية مواقفنا الداخلية.

  • تنقية استمراريتي الذهنية أولًا من أية مشاعر مزعجة لهو الأعظم. يُطلق عليه في قائمة نقاط التدرب هذه "تنقية نفسي أولًا من أية مشاعر مزعجة لهو الأكثر وضوحًا".

أحد التدريبات وثيقة الصلة تم حذفه بالكامل:

  • لا تعكس التميمة.

تدريبان آخران من التدريبات الوثيقة في هذه النسخة التي شرحها الدالاي لاما، تم إضافتهما كنقطتين للتدرب من أجل تنقية مواقفنا الداخلية.

  • تدرب دائمًا على هؤلاء المميزين.
  • لا تعتمد على الظروف الأخرى.

تدريبان وثيقا الصلة تم إضافتهما ولا يظهران في النسخ الأخرى، سواءً كتدريبات وثيقة الصلة أو كنقاط للتدرب:

  • أكون حذرًا أثناء تخليص نفسي (من المواقف الداخلية والمشاعر المزعجة) وتوليد (الإيجابي منها) بوسائل إخضاع (مواقفي الداخلية المزعجة) بالقوة.
  • أدمّر كل أسباب (التعلق والنفور التي تنشأ نحو الآخرين).]

(1) تدرب دائمًا على النقاط العامة الثلاث. أول النقاط الثلاث هي "لن أناقض ما وعدت به بخصوص تدريب مواقفي الداخلية". نحقق هذا عبر الالتزام الذاتي الأخلاقي، الامتناع عن الأفعال العشرة الهدامة وما شابه. مثل هذا السلوك، أي عدم اتباع التزامنا الذاتي الأخلاقي سيناقض تدريب مواقفنا الداخلية. من بداية التدرب وصولًا إلى تانترا جيوهاسامايا العظيمة، لن نتخلى عن أيٍّ من هذه التدريبات، لأن هذا سيكون مناقضًا للالتزام الذي وعدنا به.

ثاني النقاط العامة الثلاث: "لن أقوم بسلوكيات شائنة بينما أدرب موقفي الداخلي"، مثل إيذاء البيئة. الثالثة هي: "لن أكون منحازًا أثناء تدريبي لمواقفي الداخلية"، ولكن بدلًا من هذا نتدرب على التساوي تجاه الجميع، بما في ذلك الحيوانات والحشرات.

(2) غير نيتك، لكن ابقى طبيعيًا. بعبارة أخرى، بينما نحافظ على مظهرنا وسلوكنا عاديًا من الخارج فيما يتعلق بما هو ملائم مع المجتمع، لكن نغير كل مواقفنا الداخلية. بعبارة أخرى، علينا ألاّ تكون لدينا أفكارًا راسخة بشأن أنفسنا. على سبيل المثال، إذا كنا نُدرب مواقفنا الداخلية، بينما نقوم بهذا النوع من التدرب، لا نحتاج إلى أن نخرج ونقوم بكل ما نرغب به. كما يقال دائمًا، يجب أن نتبع داخليًا كل التدريبات الروحانية، لكن نتصرف من الخارج بطريقة متوافقة ومتناغمة مع البيئة والمجتمع الذي نعيش فيه. لا يمكننا أن نتصرف بطريقة مُشينة. العديدون قالوا هذا، بمن فيهم المعلمان العظيمان، تسونغكابا وغونغتانغزانغ.

(3) لا تتحدث عن جوانب النقص أو الضعف (لدى الآخرين). بعبارة أخرى، لا ننتقد الآخرين وننشغل بمستوى تحققاتهم. نحن عادة لا نكون قادرين على رؤية أية خصال جيدة في الآخرين، مع ذلك إذا كان فيهم أدنى خطأ، نراه كالصقور. هذه هي الفكرة من عدم التحدث عن نقائص الآخرين.

(4) لا تفكر في أيّ (أخطاء) للآخرين. علينا أن نضع جانبًا الاستغراق بأذهاننا أو بتفكيرنا والتدبر بشأن أخطاء الآخرين.

فيما يخص النقاط الأولى، من المفيد أن نتدرب عليها خاصة فيما يتعلق بخمسة أنواع من الأشخاص المميزين والذين يجب أن نتعامل معهم بحرص خاص:

هؤلاء الذين كانوا أكثر طيبة تجاهنا. من الحتمي ألاّ ننمي الغضب تجاه هؤلاء من كانوا طيبين جدًا معنا والذين يستحقون احترامنا: الجواهر الثلاثة، موجهونا الروحانيين، والدينا، وما إلى ذلك، لأن هذا سيكون شديد الوطأة.

أعضاء منزلنا وهؤلاء من نتعامل معهم بشكل يومي. يشير هذا إلى أن نكون حذرين خاصة تجاه أعضاء أسرتنا وهؤلاء الذين نعيش معهم. نقول عادة، "ليت جميع الكائنات تكون سعيدة؛ ليتني أعمل لنفع جميع الكائنات المحدودة". مع ذلك نميل للتفكير في تلك الكائنات البعيدة عنا، وعندما يتعلق الأمر بهؤلاء الذين يعيشون حقًا معنا -العائلة، المقرّبون- نكون غير قادرين عمليًا على تطبيق هذا الإلهام الغيري. هذا خطأ شديد. علينا أن نسَخّر طاقتنا بالكامل ليس فقط "للكائنات" النظرية المبهمة، ولكن أيضًا للأشخاص الذين نحن في تواصل يومي معهم، بما في ذلك جيراننا وهؤلاء من نجدهم مثيرين للبغض. نحتاج أن تكون ترديداتنا عملية للغاية، ونتعامل مع المواقف من حولنا بشكل واقعي. "جميع الكائنات" ليسوا مفاهيم مجردة؛ نحتاج لأن نشتبك [مع الواقع] مباشرة.

هؤلاء الذين يتنافسون معنا، سواءً كانوا من الرهبان أو من غير الرهبان. نحتاج أن نضع جهدًا خاصًا في تعاملنا مع هؤلاء من يتنافسون معنا ويشعرون بالغيرة تجاهنا، حيث أن هناك خطرًا كبيرًا أننا سننمي العداء تجاههم وإيثار الذات تجاه أنفسنا. لذا من الهام أن نضع جهدًا خاصًا في تدريب مواقفنا الداخلية فيما له علاقة بهم.

هؤلاء الذين يتسببون لنا في الأذى، على الرغم من أننا لم نقم بشيء تجاههم يسوغ هذا التصرف. يشير هذا إلى الأشخاص الذين بدلًا مِن أن يظهروا التقدير عندما نقوم بشيء لطيف تجاههم، يقومون بأشياء مؤذية وبغيضة لنا. عادةً، ننزعج بشدة ونتوقع منهم التصرف بطريقة تُظهر تقديرهم. نحتاج هنا إلى أن نبذل جهدًا خاصًا كيْ لا نغضب ونستمر في تدريب مواقفنا الداخلية.

هؤلاء الذين بمجرد رؤيتهم أو سماع أسمائهم نشعر بالكراهية والنفور منهم،

نحتاج أن نكون حذرين بشكل خاص بشأن الذين نشعر تجاههم بالكراهية، وأن نضم هنا أيضًا هؤلاء الذين لدينا تجاههم انجذاب شديد. على سبيل المثال، قد نصادف من حين لآخر أشخاصٌ نشعر تجاههم فورًا إما بالنفور الشديد أو الانجذاب الشديد. في هذه المواقف من المهم أن نكون حاضري الذهن ولا نقع تحت تأثير الرغبة الحارقة، العداء أو النفور.

[هذا الشرح للأنواع الخمسة المميزة من الأشخاص، هو التفسير المعتاد للنقاط الاثني عشر للتدرب من أجل تنقية المواقف الداخلية، "تدرب دائمًا على هؤلاء المميزين"، في القائمة الموجودة في نسخة النص الذي يستخدمه قداسته.]

بعضنا، عندما تسير الأمور بشكل جيد، نتصرف كأشخاص روحانيين. لكن، عندما لا تسير الأمور بشكل جيد، ننتكس إلى الأساليب الدنيوية. كما تعرفون، من عادتنا [كتبتيين] الطواف، حمل المسبحة أو عجلة الترديدات. في أحد المرات، كان هناك شخصٌ يقوم بالطواف، يحمل عجلة الترديدات، عندما جاءه شخص آخر وسأله، "ما الذي تقوم به؟" قال له الرجل، "أتدرب على الدراما". فسأله، "ما الذي تقوم به تحديدًا؟" فأجابه، "أبني عادة الصبر". فصرخ فيه الرجل، "كُلْ براز" والرجل الذي كان يُفترض به أنه يتدرب على الصبر اشتاطَ غضبًا. كان فقط يتظاهر بالتدرب الروحاني. لكن في قلبه لم يقم بأي تغيير.

(5) تنقية نفسك أولًا من أية مشاعر مزعجة لهو الأعظم. علينا أن نتعامل أكثر مع أغلب مواقفنا الداخلية المزعجة، لكن نحتاج ألاّ نكون منحازين في تعاملنا مع البعض ونتجاهل البعض الآخر. عندما نتعامل مع مواقفنا الداخلية المزعجة، علينا أن نخلص أنفسنا من كل المُعيقات الشعورية التي تمنعنا من التحرر. فهذا معناه، أنه من أجل القيام بهذا، علينا أن نخلص أنفسنا من كل المواقف الداخلية المزعجة، وليس فقط بعضها.

كما يقال في النص، علينا أن نجبر أنفسنا على التخلص من مواقفنا الداخلية المزعجة وعاداتنا السيئة، ونعتني دائمًا بالآخرين. نقوم بهذا عبر الاستماع، التفكير والتأمل في تلك المعايير، وبناء عادات الذهن الإيجابية. وعلينا أن نجبر أنفسنا على التخلي عن إيثار "الذات"، وألاّ تثبط عزيمتنا. لذا نحتاج حقًا أن نعقد العزم بقوة: ولا نسمح لأنفسنا بأن نقع تحت تأثير المواقف الداخلية المزعجة التي كنا تحت تأثيرها في الماضي ولا نترك الظروف تجذبنا بعيدًا عما نويناه.

(6) خلص نفسك من الأمل في الثمار. نحن لا ندرّب أذهاننا ونغير مواقفنا الداخلية حتى يحبنا الجميع. ولا نسعى إلى كسب نوع من الشهرة أو المكافأة لأننا أشخاص متدينين روحانيين. بدلًا من ذلك، نغير مواقفنا الداخلية لهدف وحيد وهو أن نكون قادرين على نفع الآخرين. نتمنى تحقيق الاستنارة لأجل نفع الآخرين، وليس لمصلحتنا الشخصية.

(7) التخلي عن الطعام المسموم. يعني هذا أننا نُسمّم بسهولة تدربنا بالأفكار الأنانية وإيثار الذات. نقوم بتدريبات مختلفة، نكرّر الترديدات، نقوم بالتأمل، نقرأ وندرس النصوص، لكن على الرغم من أننا نقول أننا نقوم بهذا لأجل نفع الكائنات المحدودة، من الممكن تسميم كامل تدربنا عبر القيام به لغرض، لنفترض، الشهرة كباحث عظيم. استخدامها من أجل مكاسب في هذه الحياة، التحرر من المرض، الحياة الطويلة وما شابه -أشياء غرضها الوحيد هو نفع أنفسنا، وليس الآخرين- لن ينجح. إنه مثل تناول طعام مسموم: يتسبب فقط في زيادة إيثار الذات.

(8) لن اعتمد (على أفكاري المزعجة) كسندي المتميز. هناك تفسيران. في بعض الشروح يعني هذا ألاّ نسمح للمسار الرئيسي بأذهاننا أن يقودنا باتجاه المواقف الداخلية المزعجة. وفقًا لشروح أخرى، يعني هذا أنه عندما نرى أحدًا، يقوم ذهننا عادة بالتوجه مباشرة إلى هذا الشخص، مثل الممر الرئيسي. هناك تفسير ثاني، كما تم توضيحه في هذه الشروحات، هو أنه، على سبيل المثال، عندما يضايقنا أحدهم، علينا ألاّ ندع أذهاننا تتجه نحو هذا الشخص بأفكار الضغينة. اعتقد أن التفسير الأول في الأغلب يسهل فهمه أكثر، أننا نتجنب ترك التوجّه الأساسي لذهننا يقودنا إلى المواقف الداخلية المزعجة.

(9) لا تسرع تجاه الفعل السيئ. مثل الانتقام، إطلاق أسماء سيئة على الآخرين عندما يطلقون علينا هم أسماءً سيئة، أو ضربهم لضربنا.

(10) لا تكذب بتربص. كاللص الذي قد يكذب وهو متربّص بقافلة على جانب الطريق، بالمثل نحتاج ألاّ نكذب في انتظار أن يقع الشخص الآخر في الخطأ أو يتصرف بشكل غير ملائم، من أجل أن ننقض عليه ونتهمه. إذا كنا أشخاصًا جيدين، من السهل أن نكون جيدين مع الأشخاص اللطفاء، لكن الأشخاص غير اللطفاء، فهذا هو التحدي الحقيقي.

(11) لن أُقلّل من شأن (أحدهم) في الأمور الحساسة. يذكّرنا هذا ألاّ نشير إلى أخطاء الآخرين على الملأ.

(12) لا تنقل حمولة الدزو إلى ثور. الدزو حيوان ضخم -خليط بين الياك والبقرة- لذا بعبارة أخرى، لا يجب أن نوجّه اللوم للآخرين في الأشياء التي قمنا بها بأنفسنا. بدلًا من أن نضع اللوم على من لديه قدرة أقل على تحمّله، نُحمّل أنفسنا كامل المسؤولية.

(13) لا تتسابق. هذا يعني أنه علينا ألاّ نضع أنفسنا دائمًا في المُقدمة أو نأخذ الفضل في الأشياء الجيدة التي تحدث.

(14) لا تعكس التميمة. عندما يحمل أحدهم تميمه أو طلسم لإزالة الأذى، يجب أن يحملها بطريقة معينة. نفس الشيء، عندما نُدرب أذهاننا، فهذا لإيثار الآخرين. لكن إذا قمنا به فقط لزيادة أهمية الذات، فسيكون هذا مثل حمل التميمة بشكل مقلوب.

(15) لن تحول الآلهة لشياطين. يشير هذا إلى القيام بالأشياء فقط إرضاءً لإيثار الذات. على سبيل المثال، أحيانًا يقوم الناس بانتقاد بعضهم البعض فقط ليحصلوا على المديح. القيام بهذا تحديدًا هو سير في الاتجاه الخاطئ.

(16) لن تسعى لمعاناة (الآخرين) لتدعم سعادتك. باختصار، من المهم للغاية أن يكون لدينا دافع ملائم قبل القيام بأي شيء -لنتأكد من أن هذا الفعل لنفع الآخرين. لهذا السبب، في بداية القيام بالترديدات، دائمًا ما نُولّد الدافع وفي النهاية نُكرس الطاقة الإيجابية.

نقاط للتدرب بتدريب الذهن

هذه هي النقطة الأخيرة من بين النقاط السبع لتدريب الذهن.

[في الشرح التقليدي لنص نامكابِل الذي يشرحه الدالاي لاما، هناك اثنان وعشرون نقطة للتدرّب عليها. تظهر نفس القائمة في كلٍّ من نسختي توغمي زانغبو وبابونغكا للنص الأساسي للغيشي تشِكاوا.

بعض نسخ نص نامكابِل تضع قائمة بأربعة وعشرين نقطة للتدرب. بها الاختلافات التالية:

تم حذف نقطة للتدرب من القائمة، لكن تم تضمينها في النسخة التي يشرحها قداسة الدالاي لاما كنقطة للتدرب على:

  • قم بإزالة كل ما هو مُنحرف [بتدريب] واحد.

نقطتان للتدرب تم حذفهما من هذه القائمة ولكن تمت إضافتهما في النسخة التي يشرحها قداسة الدالاي لاما كتدريبات وثيقة الصلة لتنقية مواقفنا الداخلية، وهما:

خمس نقاط للتدرب تم إضافتها ولا تظهر في النسخ الأخرى سواءً كتدريبات وثيقة الصلة أو نقاط للتدرب، وهي:

  • قم بإزالة كل ما هو مُنحرف [بتدريب] واحد.

نقطتان للتدرب تم حذفهما من هذه القائمة ولكن تمت إضافتهما في النسخة التي يشرحها قداسة الدالاي لاما كتدريبات وثيقة الصلة لتنقية مواقفنا الداخلية، وهما:

  • تدرّب دائمًا على هؤلاء المُميزين.
  • لا تعتمد على الظروف الأخرى.

خمس نقاط للتدرب تم إضافتها ولا تظهر في النسخ الأخرى سواءً كتدريبات وثيقة الصلة أو نقاط للتدرب، وهي:

  • تدرب على التدريبات الأسهل.
  • حوّل كل شيء إلى مسار ذهن الماهايانا.
  • تدرّب على ما هو أكثر فاعلية -مثل [أن تتدرب على] الالتزام الذاتي الأخلاقي يفوق [التدرب على] الكرم، أو البوديتشيتا في جميع الظروف.
  • إذا ابتعدت عن التأمل في هذا كمضاد، تأمل على أن هذا الابتعاد عن تدريب المواقف الداخلية هو نتيجة تأثير الأفكار والمشاعر السلبية وقم بتدريب الأخذ والمنح لهؤلاء الذين يعانون من ذات الصعوبات.
  • في المستقبل سأحصّن نفسي دائمًا (بالبوديتشيتا).

نقطة للتدرب، "تدرّب بنقاء، بدون انحياز تجاه الأشياء"، تم دمجها في جزء آخر، "(طبّق) الإيثار باتساع وعمق في تدربك على كل شيء".]

(1) قم بكل التدريبات في واحد. تنصحنا هذه النقطة بأن القيام بكل نشاطاتنا بدافع نفع الجميع.

(2) قم بإزالة كل ما هو مُنحرف [بتدريب] واحد. بعبارة أخرى، علينا أن نحاول التخلص من مواقفنا ومشاعرنا المزعجة بتدريب واحد -المنح والأخذ.

(3) في البداية والنهاية، قم بالفعلين. يشير هذا إلى ما ناقشناه من قبل. يعني (أ) أن نُولّد دافعًا قويًا في بداية كل يوم و(ب) تكريس القوى الإيجابية في النهاية.

هذه هو نوعية الأشياء التي أتدرب عليها يوميًا، أولّد دافعًا قويًا أن يكون كل شيء أقوم به نافعًا لجميع الكائنات. خاصة، للتبتيين في التبت، بلدنا، هؤلاء من يعانون العديد من الصعوبات، أسخر نفسي بالكامل لهم. ثم، في نهاية اليوم، أكرّس أي قوى إيجابية قمت ببنائها من خلال أفعالي لتحقيق الإلهام [الذي يُشكل دافعي طيلة اليوم].

(4) إذا حدث أيًا من الاثنين، التصرف بصبر ينطبق على (أ) منح سعادتنا للآخرين عندما تسير أمورنا بشكل جيد و(ب) أخذ معاناتهم على عاتقنا عندما تسير أمورنا بشكل سيء، بدون أن تُثبط عزيمتنا. من المهم أن تكون لدينا شجاعة عظيمة في تدربنا، أن نمنح سعادتنا وأن نأخذ مشاكل الآخرين. إذا كنا سعداء، يمكننا التفكير، "هذا نتيجة الإمكانات الإيجابية التي قمت ببنائها في الماضي". لا يمكن أن نفكر، "كم أنا رائع" عندما نختبر تلك السعادة؛ لكن، بدلًا من هذا، نكرّر ترديدات بناء الإلهام كي يحظى الجميع بالسعادة التي لدينا؛ أن يستمتع الجميع بالحال الطيب الذي نعيشه.

من المهم للغاية أن نضع جهدًا خاصًا كي نكون قادرين على تحمل المواقف الصعبة. كما قال شانتيديفا في الانخراط بسلوك البوديساتفا، خاصة عندما نكون مرضى أو في موقف شديد الصعوبة أو الألم، علينا أن نضع جهدًا خاصًا لنكون قادرين على تحمّل هذا وتحويله إلى المسار. أيضًا، في المواقف التي نكون فيها في غاية النجاح وتسير أمورنا بشكل جيد جدًا، مهم جدًا أن نكون في غاية الحذر من أن ننمي الكبرياء.

(5) اِحمي الاثنين ولو كان الثمن حياتك. هاذان الاثنان هما (أ) توجيهات التدرب على الدارما في العموم، وخاصة، (ب) التدريبات وثيقة الصلة بتدريب مواقفنا الداخلية.

(6) تدرب على الأشياء الثلاثة الصعبة يشير إلى (أ) أن نكون حاضري الذهن للقوى المضادة التي نواجه [بها] المواقف الداخلية المزعجة، (ب) أن نكون حاضري الذهن لنطبق هذه المضادات، و(جـ) أن نحافظ على حضورنا الذهني من أجل المحافظة عليها. لذا، ما إن تنشأ المشاعر أو المواقف الداخلية المزعجة، حتى نتذكر القوة المضادة التي ستعكسها. ولكن لا يجب فقط أن نتذكر ما هي هذه القوة المضادة، ولكن نحتاج أيضًا إلى أن نطبقها فورًا ثم نحافظ على حضورنا الذهني لتطبيقها كفعلٍ مضاد للموقف الداخلي المزعج.

كما شُرح في كلمات درومتونبا، طريقة أخرى للتدرب عندما يحدث شيءٌ صعبٌ، هي أن نشعر بأن عاقبتنا جاءت أخف مما نستحق وأننا كنا محظوظين للغاية -شيءٌ أسوأ كان يمكن أن يحدث. إذا أطلق أحدهم علينا اسمًا سيئًا، نشعر بأننا محظوظون -لقد استنفذنا كارما أن ينتقدنا جمهور من الناس. إذا عانينا من المرض، فنحن محظوظين، فقد كان من الممكن أن نعاني من حادثة أكثر خطورة أو كارثة. نفس الشيء بالنسبة للدخول إلى السجن أو تلقي عقابًا ما -هذا أسهل بكثير من أن نتحمل شيئًا أسوأ، مثل أن يُعاد ميلادنا بالعوالم الأسوأ.

ليس علينا أن نفكر في هذا كشيء نقوم به فقط أثناء جلسات التأمل، عندما يسير كل شيء بشكل لطيف وبدون إزعاج. علينا أن نطبق كل تلك التدريبات لمواقفنا الداخلية من أجل المواقف الأكثر صعوبة. إذا بذلنا الجهد في تكريس قلوبنا للآخرين، جميع الكائنات، من خلال تنمية هدف البوديتشيتا، أخذ عهود البوديساتفا، وما شابه، عندها بغض النظر عما سنقوم به، سواءً كان تناول الطعام، الشراب أو النوم، ستتزايد القوى الإيجابية الناتجة عن حمايتنا الدائمة لهدف البوديتشيتا. بالتدرب بهذه الطريقة، نحوّل كل شيء إلى أسبابٍ لتحقيق نموٍ أكبر في مساعدة الآخرين.

أحد غيشيهات الكادام، الغيشي تشِكاوا، أصبح في غاية التعاسة عند موته، وطلب من تلميذه أن يُعد هباتًا خاصة. كان التلميذ فضوليًا فسأله، "لقد تدربت جيدًا طيلة حياتك، لماذا أنت حزين الآن لأنك على وشك الموت؟" أجابه، "أنا حزين لأنني طيلة حياتي قمت بترديدات مكثفة لأجل أن يُعاد ميلادي في العوالم الخالية من البهجة من أجل أن أكون قادرًا على حمل معاناة جميع الكائنات هناك، والآن في لحظة موتي، استطيع رؤية العلامات أنني بدلًا من إعادة ميلادي في عوالم الناركا كما كنت أتمنى وأكرر بترديدات بناء الإلهام، سأولد في العوالم النقية. لهذا السبب أنا حزين في أوان موتي".

(7) الأخذ بالأسباب الثلاثة الكبرى. هناك (أ) مقابلة المعلم الروحاني، (ب) التدرب على تعاليمه أو تعاليمها، و(جـ) الحصول على الشروط الملائمة مثل الرضا بمنزل، طعام ومصدر رزق متواضع حتى نستطيع تكريس كامل طاقتنا في التدرب. نكرّر ترديدات بناء الإلهام كي نكون قادرين على الحصول على تلك الأسباب الثلاثة الكبرى للنجاح في تدربنا الروحاني.

[ملاحظة: في نسخ أخرى من نص نامكابِل، هناك اختلاف بسيط في تلك الأسباب الثلاثة الكبرى: امتلاك الجسد البشري الثمين كشرطٍ داخليٍ للنجاح في التدرب على الدارما، الحصول على موجّه روحاني مؤهل كشرطٍ خارجيٍ، القدرة على الحصول على الطعام والملبس باعتدال.]

(8) التأمل على الأشياء الثلاثة التي لا تتضاءل. (أ) الاقتناع المُصدق الذي لا يتضاءل في موجهنا الروحاني وتقدير طيبته تجاهنا، (ب) نية التدرب التي لا تتضاءل على ما ينصحنا به، و(جـ) الالتزام الذي لا يتضاءل بالتدريبات المختلفة. ثقتنا الثابتة وتقدرينا يجب ألاّ يكونا شيئًا نردّده بألسنتنا؛ بل يجب أن يكونا شيئًا قويًا ومخلصًا، وينبع من قلوبنا. يجب أن يكون لدينا قدرًا كبيرًا من الإعجاب والثقة في الموجّه الروحاني الذي يعلمنا التدريب الحقيقي لمواقفنا الداخلية، والنقاط الفعلية التي يمكنننا بها تحقيق هذا.

[في نسخ أخرى لنص نامكابِل، تم شرح الثلاثة أشياء التي لا تتضاءل كالتالي: (أ) التصديق الواثق الذي لا يتضاءل في الموجه الروحاني وتقدير طيبته، (ب) الحماية التي لا تتضاءل لألاّ نترك انتباهنا على تدربنا على الأخلاق يهتز، و(جـ) الحماية التي لا تتضاءل لألاّ نترك الابتهاج بتدريب المواقف الداخلية يضعف.]

(9) امتلك الثلاثة التي لا تنفصل. تلك الثلاثة هي أن نجعل كلًا من (أ) الجسد، (ب) الحديث، و(جـ) الذهن لا ينفصلون عن التدرب. علينا أن نكون مخلصين في كل المستويات فيما له علاقة بالطريقة التي نتصرف بها، تحدثنا وتفكيرنا. علينا أن نقوم بكل شيء بطريقة متوافقة مع تدريب الذهن.

(10) تصرف بشكل ملائم، دون الانحياز للأشياء. من المهم أن نتدرب مع جميع الكائنات المحدودة، وليس فقط مع أصدقائنا، ونتجنب الانجذاب، النفور واللامبالاة المُسَمِّمِين.

(11) ثَمِّن التدريبات الشاسعة العميقة لكل شيء. نحتاج إلى أن ندرّب أنفسنا بشكل موسّع وعميق، فيما يخصّ كلٌّ من الكائنات الحية والجماد. بعبارة أخرى، تدريب المواقف الداخلية يجب أن يتّسع لكل شيء، يشمل كل شيء، ومخلص بالكامل. على سبيل المثال، عندما نواجه المشاكل، يمكن أن نفكر، "لو لم تمكن عندي تلك المشاكل، لما نمّيت التخلي؛ وإذا لم أكن عازمًا على التحرر من مشاكلي، لما نمّيت الشفقة لتحرير الآخرين من مشاكلهم. لما كنت قادرًا بالكامل على تنمية هدف البوديتشيتا". يمكننا أن نحوّل أي موقف صعب عبر تقدير قيمة امتلاكه.

(12) تأمل دائمًا على هؤلاء المميزين. على سبيل المثال، الحشرة الصغيرة، بدلًا من التفكير في كم نحن متفوقون بالمقارنة بهذه الحشرة الصغيرة على الأرض، يمكن أن نُفكر، "كم هذا الكائن غير محظوظ، ميلاده بهذه الهيئة دون القدرة على نفع وتحسين نفسه". بذات الطريقة، أي وقت نشعر فيه بالغيرة تجاه الآخرين، يمكن أن نفكر في كيف أنه، إذا استخدمنا كل جهدنا، يمكننا أيضًا أن نُحقق ما حققه هذا الشخص. بالتالي، علينا ألاّ ندع أنفسنا نقع تحت تأثير المواقف الداخلية المزعجة. إذا كنا مرضى ولا نرغب في اختبار متاعب المرض، فسنأخذ الدواء فورًا. نفس الشيء، عندما تنشأ المواقف الداخلية المزعجة بأذهاننا نحتاج إلى أن نستخدم المُضادات -مثل أخذ الدواء عندما نكون مرضى.

[ملاحظة: في الشرح الكامل، المميزون هم الخمسة أنواع من الأشخاص والذين تم تحديدهم كي نتعامل معهم بعناية خاصة، وهم الذين ناقشهم قداسته في عرضه للتدريبات وثيقة الصلة لتدريب المواقف الداخلية.]

(13) لا تعتمد على الشروط الأخرى. قد يحدث أنه بينما نعمل على تدريب مواقفنا الداخلية، قد نمرض أو قد تسير الأمور المختلفة بشكل غير جيد. يجب أن لا تُثبط عزيمتنا ونقول، "لقد حاولت أن أكون شخصًا جيدًا وأدرب مواقفي الداخلية، لكن كل ما أحصل عليه هو الصعوبات. إذا كانت فقط ظروف التدرب مختلفة". نحتاج بدلًا من هذا إلى الاستمرار في استخدام نطاق التدرب والأدوات التي تشرحها التعاليم، بغض النظر عن الظروف. علينا أن نرى الظروف السلبية التي تنشأ كمواقف تُثمر من ماضينا، حتى لا تُثبط عزيمتنا. عندما تنشأ المواقف والظروف الصعبة المختلفة، علينا أن نشعر بالسعادة أنها ظهرت على السطح وأننا الآن قد تخلصنا منها.

(14) تدرب الآن على [التدريبات] التمهيدية. لدينا الجسد والحياة البشرية الثمينة، بكل فرصها، الحريات والراحات الثمينة لنتدرب بالفعل على مواقفنا الداخلية لنصبح أشخاصًا أفضل. إذا لم نقم بهذا الآن، فمتى سنقوم به؟ متى سنحظى بفرصة أفضل؟

(15) لا يكن لديك فهمًا معكوسًا. هناك ستة أنواع من الفهم المعكوس:

  • الشفقة المعكوسة – أي الشفقة تجاه المتدرب الفقير، وليس تجاه الشخص الدنيوي الغني. هذه طريقة خاطئة معكوسة. إنها كالمثال المأخوذ من قصة حياة ميلاريبا، الذي كان مستلقيًا مثل الشحاذ على جانب الطريق، بينما مرت بجواره ثلاث أخوات ثريات وشعرن بالرثاء عليه. قال لهن ميلاريبا، "لا تشعرن بالرثاء علي، في الحقيقة أنا من يشعر فعليًا بالشفقة تجاهكن -أنتن في حالة أسوأ بكثير من حالتي".
  • النية المعكوسة – بدلًا من أن تكون لدينا النية لوضع الأدوات الوقائية للدارما، موضع التدرب من أجل تحقيق الاستنارة ونفع جميع الكائنات المحدودة، نضع نية قوية للتقدم في الشؤون الدنيوية.
  • الاهتمام المعكوس – بدلًا من التسبب في جعل الآخرين مهتمين بالمسائل الروحانية، نتسبب في جعلهم مهتمين بالشؤون الدنيوية. [ملاحظة: في النسخ الأخرى لنص نامكابِل، الاهتمام المعكوس يتم شرحه بالانخراط في ملكية وشؤون الجواهر الثلاثة بالعموم، وخاصة شؤون السانغا، من أجل كسب الأصدقاء، بدلًا من الوصول بجميع الكائنات إلى حالة البوذا.]
  • الابتهاج المعكوس – بدلًا من الابتهاج بكل الخصال الجيدة للبوذا، الدارما والسانغا، نبتهج عندما يصادف هؤلاء الذين لا نحبهم الصعوبات. أو يفشل أعداؤنا ونقول، "جيد، يستحقون هذا".
  • الصبر المعكوس – بدلًا من [الصبر] في الأمور الروحانية، لدينا الصبر في الأنشطة السلبية. نحن مستعدون على تحمل الصعاب لنتقدم بطريقة سلبية، لكن لسنا صبورين في التعامل مع الصعوبات التي تظهر في تدربنا الروحاني. [في نسخ أخرى لنص نامكابِل، الصبر المعكوس يُشرح بأنه يخص أكثر الصبر على مواقفنا الداخلية ومشاعرنا المزعجة، بدلًا من الصبر على هؤلاء الذين يغضبون منا].
  • المذاق المعكوس – بدلًا من تمني مذاق تعاليم الدارما، نرغب في تذوق كل أنواع الأشياء الدنيوية ذات الأساس الزائل التي لا تدوم أبدًا.

(16) لا تكون متقطعًا – أن تتدرب يومًا، تيأس في آخر، ثم تعود ثانيةً، هذا ليس فقط شيءٌ نحتاج إلى تجنبه عندما نُدرب مواقفنا الداخلية، بل حتى على المستوى الدنيوي، إذا كنا غير مثابرين ولا نبذل جهدًا مستمرًا، فلن نحقق أي شيء.

(17) تدرب بعزم – يجب أن تصل موضوعات تدريب المواقف الداخلية مباشرة إلى قلوبنا ولا تنحرف أو يصيب تدربنا الفتور. يجب أن نعمل مباشرة على مواقفنا الداخلية ونحسّنها. في تدريب المواقف الداخلية، يجب ألاّ يكون هناك أدنى تردد في الانخراط فيها بالكامل.

(18) سأحرر نفسي من خلال التحري والتدقيق – نحرر أنفسنا عبر تطبيق المضادات الكبرى لمواقفنا الداخلية المزعجة ما إن تظهر. المضاد الفعلي، على سبيل المثال، إذا كنا متعلقين للغاية بشخصٍ أو شيءٍ ما، علينا أن نرى موضع تعلقنا كشيء قبيح وخالي من الخصال الجيدة. إذا كنا غاضبين، نستخدم الحب؛ إذا كنا غافلين، نفكر في النشوء الاعتمادي. وإذا كان لدينا كبرياء -لنفترض أننا ذوو مستوى تعليمي متميز ومن بجوارنا لا يفهمون شيئًا ما -بدلًا من التفكير في كم نحن رائعون، نفكر، "هؤلاء الأشخاص لم يكونوا قادرين على استخدام كامل جهدهم وليست لديهم الظروف التي تُمكّنهم من استخدام كامل إمكاناتهم". بهذه الطريقة، بدلًا من أن نكون محل مواقفنا الداخلية المزعجة، نحرّر أنفسنا منها عبر الشفقة تجاه الآخرين.

(19) لا تتأمل وأنت تشعر بالخسارة – يخبرنا هذا أنه عندما تنشأ الصعوبات أو يرغب الآخرون في شيءٍ منا، نحتاج ألاّ نشعر بالخسارة.

(20) لا تقيّد نفسك بالحساسية المفرطة – يجب ألاّ نكون مفرطي الحساسية عندما تسير الأمور بشكل سيء أو نغضب لأقل مضايقة.

(21) لا تتصرف لفترة قصيرة – يخبرنا هذا أنه من الخطأ أن نضع حدودًا لما يمكننا الوصول إليه في العمل على تدريب مواقفنا الداخلية ومساعدة الآخرين. بدلًا من أن نضع جهدًا هائلًا في البداية ولا نحافظ على استمراريته، علينا أن نكون ثابتين بجهدنا.

(22) لا تتمنى (أي) شكر – يخبرنا هذا بأن لا نتوقع أي شيءٍ مقابل المساعدة التي نقدّمها. إذا قدّمنا المساعدة أو قمنا بعمل خيري وتوقعنا "قوى إيجابية" منه، فسيكون هذا مثل المُعاملات التجارية. يجب ألاّ نقوم بالأشياء الإيجابية فقط لنحصل على عائد ما، سواءً كان مادي أو روحاني.

توليد البوديتشيتا الأعمق: الإناء الملائم ليقدم له تعاليم الخلو

لقد أكملنا مناقشة توليد البوديتشيتا الشائعة، بمد نطاق قلوبنا للاستنارة وللآخرين في سياق الحقيقة الشائعة. النقطة التالية المتعلقة بمد نطاق قلوبنا تجاه الحقيقة الأعمق -بعبارة أخرى، توليد البوديتشيتا الأعمق. البوديتشيتا الأعمق هنا يتم عرضها بشكل مختصر في بيت، [لذا سأقوم] باستكمال [الشرح] بفصول من الفيباشيانا، شرح الحالات الذهنية الإدراكية، ومن العرض الكبير والصغير للمراحل المتدرجة للمسار لتسونغكابا. سنفهم [البوديتشيتا الأعمق] من تلك المصادر.

للمناقشة هنا في جزئين: من هو الإناء الملائم [، أي التلميذ الملائم] ليتم تعليمه الخلو؛ وما هي التعاليم الفعلية عن الخلو. إذا لم نُعلّم الإناء الملائم، العديدون سيسيئون فهم [تلك التعاليم]. العديدون، على سبيل المثال، يعتقدون أن مناقشة الخلو في البوذية هي فقط مناقشة العدمية. يعتقدون أنها عدمية وأن البوذية تفني وجود كل شيء. هذا خطير لأنه، بناءً على هذا، يعتقدون أنه لا أهمية لأي شيء -ما نقوم به ليس مهمًا لأنه لا وجود لأي شيء. هذه النوعية من الأشخاص هم آنية غير ملائمة. هم غير مستعدون لفهم الخلو.

الفهم الصحيح للخلو سيحثنا على التصرف بطريقة إيجابية. الشخص القادر على فهمه بهذه الطريقة هو إناء ملائم. بدلًا من أن توفِّر لهم تعاليم الخلو العذر للتصرف بطريقة لا مبالية، لأنهم أساؤوا فهمه ويعتقدون أنه لا أهمية لأي شيء، هم يفهمون أن الخلو معناه غياب طرق الوجود المستحيلة. يرون أن الطريقة الحقيقية التي توجد بها الأشياء، في سياق الأسباب والنتائج، ويغرسون هذا في سلوكهم. هم حتى أكثر ثقة، يتصرفون بالطريقة الصحيحة وفقًا للقوانين التي ستجلب النتائج الإيجابية.

إذا فهمنا من التعاليم أن معنى الخلو، هو أن الطرق المستحيلة للوجود لا تشير إلى أنه لا شيء حقيقي، وبالتالي فكل شيء يعمل في سياق النشوء الاعتمادي، فهذا هو الفهم الصحيح. الشخص القادر على الوصول لهذا الفهم هو الإناء الملائم.

البيت الشارح للتدريب الفعلي على البوديتشيتا الأعمق

الأشخاص الأكثر قدرة على الفهم، من المفيد أن يتدربوا على البوديتشيتا الأعمق أولًا. ما إن يفهموا الواقع، حتى يزيد هذا من قدرتهم على القيام بالعمل الفعلي لتحقيق الاستنارة ومساعدة الآخرين. مع ذلك، فالأغلبية،على العكس، يتدربون أولًا على البوديتشيتا النسيبة وعندما تصبح ثابتة، يتدربون على البوديتشيتا الأعمق المتعلقة بما هو أكثر غموضًا أو خفاءً، أي الخلو.

[ملاحظة: بناءً على هذه الطريقة التي يتدرب بها الأغلبية، نامكابِل يشرح هذا البيت، "تدبّر في [كيف] أن كل الظواهر مثل الحلم؛ مَيِّز الطبيعة الأساسية للوعي الذي بلا نشوء؛ المُضاد ذاته يحرّر ذاته في نفس موضعه؛ الطبيعة الأساسية للمسار هي أن تهدأ في حالة الأساس المُكوّن لكل شيء؛ بين الجلسات، تصرف مثل الشخص الوهمي"، في نهاية النقاط السبع الأخرى لتدريب الذهن ويسبقه هذا البيت، "ما هو خفي يجب أن يتم إظهاره بعد الثبات (في هذا)".

يضع بابوبنغكا هذا البيت، ويسبقه "ما هو خفي يجب أن يتم إظهاره بعد الثبات (في هذا)" مباشرة بعد البيت الخاص بتنمية البوديتشيتا النسبية، والذي يظهر في النص الأساسي متصلًا بالنقطة الثانية من النقاط السبع لتدريب المواقف الداخلية، التدرب على نوعي البوديتشيتا. في نسخة توغمي زاغبو، هذا البيت يسبق تنمية البوديتشيتا النسبية؛ بينما البيت، "ما هو خفي يجب أن يتم إظهاره بعد الثبات (في هذا)"، لا يظهر [في هذه النسخة] نهائيًا.]

دعونا نشرح الأبيات الأربعة التي وردت في النص الأساسي للنقاط السبع لتدريب الذهن.

تدبّر في [كيف] أن كل الظواهر مثل الحلم. كل الأشياء مثل الحلم بمعنى أنها تفتقد الوجود المثبت فعليًا -بعبارة أخرى، الوجود المثبّت أنه حقيقة أو "الوجود الحقيقي"- مثلما يكون واضحًا في الحلم أن الأشياء غير موجودة بطريقة حقيقية.

 المضاد ذاته يحرّر ذاته في نفس موضعه. يشير هذا إلى حقيقة أن الخلو ذاته خالٍ من الوجود المثبت فعليًا. هذه النقطة يمكن أن نجدها في قائمة الأنواع المختلفة من الخلو -الستة عشر [نوعًا من] الخلو وما شابه، والتي تتضمن "خلو الخلو ذاته". بالإضافة لهذا، الوعي الانعكاسي، والذي يشير هنا إلى الوعي بالخلو، هو أيضًا خالٍ من الوجود المثبت فعليًا.

الطبيعة الأساسية للمسار هي أن تهدأ بحالة الأساس المكوّن لكل شيء. [هذا البيت يمكن أيضًا أن يُترجم ويفهم كالتالي: "هدّئ الطبيعة الأساسية للمسارات الذهنية في الأساس المكون لكل شيء" أو"هدئ في الحالة الأساس المكون لكل شيء، الطبيعة الأساسية للمسارات الذهنية".] باجتثاث كلٍّ من تطرفي العدمية والوجودية (التأكيد على الوجود المثبت فعليًا)، كل الأشياء التي نصادفها يجب أن نضعها داخل سياق الذهن الذي فهم الخلو. بعبارة أخرى، نستخدم هذا الذهن الذي فهم الخلو في كل التقاء للذهن بأي محل وبكل المواقف.

هناك طريقتين لشرح مصطلح الأساس المُكوّن لكل شيء (أصل كل شيء) في هذا البيت. في كلتاهما، "المسارات الذهنية" تشير إلى مسارات أذهان الأريا، الكائنات سامية الإدراك، و"الأساس المُكوّن لكل شيء" يشير إلى الظاهرة غير المحددة -الظاهرة التي لم يحدد بوذا ما إذا كانت بنَّاءة أم هدَّامة.

أحد طرق شرح هذا البيت، هو أن ذهن الأريا يهدأ بحالة خالية تمامًا من أي اصطناع، تشير تلك الحالة إلى أن الذهن غير ملوّث بأي نوع من الملوّثات العابرة. لذا أحد خيارات شرح "أساس كل شيء" هو أنها الظاهرة غير المحددة والتي تشير إلى الحالة التلقائية للذهن غير الملوث.

طريقة أخرى لشرح "أصل كل شيء" هي أنها تشير إلى الخلو. لذا نحن بحاجة إلى أن تستقر، ليس فقط أذهاننا، ولكن كل إدراكاتنا داخل سياق فهم الخلو.

في الشروح التبتية التقليدية، هناك عدة طرق لمناقشة الحقيقة الأعمق لكل شيء. أحدها هو أن نتناول شيئًا -هذا الشيء خالٍ، الخلو هو طبيعة كل الظواهر. بدلًا من ذلك، من منظور التانترا، تشير الحقيقة الأعمق إلى الذهن الذي يتناول الخلو كمحلٍّ له. هذا يشير إلى مستوى الوعي بالغ دقة الذي يفهم الخلو، وفقًا لشرح التانترا. وبالتالي، هناك الحقيقة الأعمق من منظور المحل، الخلو، أو من منظور الذهن الذي يتخذ الخلو محلًا له.

بتقليد الساكيا، على سبيل المثال، نجد تعاليم "عدم انفصال السامسارا والنرفانا". يشير هذا إلى النشوء الأزلي التلقائي للذهن وكيف أن هذا الذهن الأزلي هو أصل أو أساس كلٍّ من السامسارا والنرفانا، بما أن مظاهر كل الظواهر هي تجسيد لهذا الذهن. بشكل مُشابه، يشرح تقليد النييغما كيف أن كل الأشياء نقية من البداية، وكيف أن طبيعتها الفاعلة هي أنها تلقائيًا تُنْشِئ كل الظواهر. "النشوء التلقائي" يشير إلى أن كل الظواهر تُنْشَأ بواسطة الذهن الصافي النقى الأزلي. بشكل مشابه، تقليد الماهامودرا كاغيو يتحدث عن أن لكل شيء نفس المذاق: "في مجال النشوء التلقائي للضياء الصافي، كل شيء له نفس المذاق". هذه هي أحد النقاط الرئيسية التي نجدها في تعاليم ماهامودرا الكاغيو.

سواءً كان في منظومة النييغما، حقبة الترجمة القديمة، والتي تتحدث عن الذهن الأزلي، النقي من البداية، الذي يُنشِئ تلقائيًا كل المظاهر، أو في حقبة الترجمة الجديدة، بتقليد الساكيا الخاص بمفهوم "عدم انفصال الخلو والهناء" أو في تقليد ماهامودرا الكاغيو -جميعها تحدثت عن الحقيقة الأعمق، الطبيعة الفعلية لكل شيء من منظور الوعي الذي يتخذ من الخلو محلًا له. في تقليد الغيلوك لتسونغكابا والآخرين، هناك عرضٌ مشابهٌ، كما في شروح تسونغكابا لتانترا الغيوهياساميا، والتي يتحدث فيها عن النشوء التلقائي لحالة الوعي عظيم الهناء الذي يتخذ من الخلو محلًا له. هذا يتوافق مباشرة مع تلك المناقشة الواردة في التقاليد التبتية الثلاثة الأخرى. عندما نتحدث عن الطبيعة الحقيقية لكل شيء أو الخلو من منظور هذا البيت، فهذا يشير إلى اتخاذ المحل، الخلو، وكيف يزيل هذا الملوّثات عن الوعي الذي يفهم الخلو.

شروح النص التي اَتَّبعها تُحيلنا إلى النُسَخ الكبيرة والصغيرة لقسمٍ في الفيباشيانا، الحالة الذهنية استثنائية البصيرة، في نصوص المسار المتدرج، لام ريم، لتسونغكابا، الذي يتّبع تقليد نغارَجونا وأرياديفا. يشير هذا إلى عدم الأخذ بشكل أساسي بمنظور خبرة التأمل الفعلي لتدريبات تانترا للمعلمين التبتيين؛ ولكن الأخذ بدلًا من هذا كمصدرٍ أساسيٍ، النصوص المرجعية والمناقشات المنطقية التي جاءت من البانديتات الهنود العظام. الخاصية الرئيسية لتقليد تسونغكابا، هي أنه يعود للمصادر الهندية ويستمد تفسيراته منها. لكن سواءً كنا نستمد فهمنا من المصادر الهندية ومناقشاتها المنطقية، أو من الخبرة الفعلية لمتدربي التأمل، إذا تفحّصنا كلاهما، فكلاهما في النهاية يصلان إلى ذات المقصد.

[ملاحظة: في نص نامكابِل، البيت، "تدبّر في [كيف] أن كل الظواهر مثل الحلم"، تم شرح أنه إشارة إلى خلو الظواهر محل الإدراك التي يتخذها الذهن. "ميِّز الطبيعة الأساسية للوعي الذي بلا نشوء" يشير إلى خلو كل الأذهان التي تتناول محالها إدراكيًا. "المضاد ذاته يحرر ذاته في موضعه نفسه " يشير إلى خلو الشخص الذي يتأمل على الخلو. "الطبيعة الأساسية لمسارات الذهن هي أن تهدأ بحالة الأساس المُكوّن لكل شيء" تشير إلى كيفية التأمل أثناء الاستغراق التام في الخلو. والبيت الأخير هنا، "بين الجلسات، تصرّف مثل الشخص الوهمي"، تشير إلى كيفية التدرب أثناء فترات التحققات اللاحقة التي تعقب الاستغراق [التأملي] في الخلو. الشرح الذي يعرضه الدالاي لاما يتبع نامكابِل في استفاضته بشأن البيت الأخير بعد المناقشة الكاملة للخلو.]

إدراك عدم الوعي الذي هو جذر السمسارا

عرض البوديتشيتا الأعمق في هذا النص، يُقسّم إلى ثلاثة أجزاء:

  • إدراك عدم الوعي الذي هو جذر السامسارا،
  • ضرورة التحقق من انعدام الهوية المُثبتة فعليًا أو "الذات" كطريقة لعكس عدم الوعي،
  • الأدوات الفعلية لتحقيق هذا التأكيد.

عدم الوعي أو الجهل هو بالضبط المُعاكس للوعي أو المعرفة الصحيحة لشيء ما. هنا، نحن نتحدث في سياق أن نكون واعين للطبيعة الحقيقية للواقع أو أن نكون غير واعين بها، بمعنى الوعي بها بطريقة منحرفة. بسبب عدم الوعي بالطبيعة الحقيقية للواقع نفهم الأشياء أو نتشبث بطرق مستحيلة لوجودها لا تتوافق مع الواقع. نحن مشوشون بشأن الطريقة التي توجد بها فعلًا الأشياء. هذا ما نعنيه بعدم الوعي أو الجهل.

نتيجة لهذا التشوش بشأن الواقع وفهمه بطريقة خاطئة، نتشبث بالأشياء كأن لها هوية مُثبتة فعليًا أو "ذات"، وهذا يعني التشبث بالأشياء كأن لها وجودًا مُثبتًا من جانبها. عندما نتحدث عن انعدام الهوية المُثبتة فعليًا، نتحدث عنه في سياق أن الجميع يرغبون في السعادة ولا أحد يرغب في التعاسة. نتفحص من الذي يختبر فعليًا السعادة أو التعاسة، وما هو هذا الذي يرغبون حقا في الحصول عليه وهذا الذي يرغبون في إزالته بعبارة أخرى، نحلل الشخص الذي يختبر تلك الأشياء والأشياء التي يختبرها هذا الشخص بالفعل. نكتشف أن كِلا الاثنين لديهما هوية أو وجود، لكن ليست الهوية والوجود المثبتان حقًا. هذا لأنه ليست هناك هوية مُثبتة فعليًا لأي شخص أو أي شيء.

عندما نرغب في إزالة الذهن الذي يُسيء فهم الواقع ويتشبث بأن للأشياء وجود بطرق مستحيلة منحرفة، نحتاج لأن نميز وندرك المحل الضمني الفعلي لطريقة معرفة هذا الذهن المنحرف. هذا ما علينا دحضه من أجل إزالة الذهن المتشبث بوجود الأشياء بطريقة مثبتة. المحل الضمني لهذا الذهن المتشبث سيكون شيءٌ موجودًا بالفعل بطريقة مثبتة حقًا. بعبارة أخرى، الوجود المثبت بذاته هو محل الدحض.

في سياق هذه المحادثة، نحتاج لأن نفهم الموضوعين الفرعين الخاصين بتجنب التطرف في دحض المحل الواجب دحضه أكثر أو أقل من اللازم.

إذا قمنا بالدحض أكثر من اللازم، إذا قلنا أن محل الدحض يشتمل كل شيء، فهذا معناه أن دحضنا لن يرفض فقط الوجود المثبت فعليًا، ولكنه سيرفض أيضًا كل طرق الوجود. في هذه الحالة، المحل الذي يجب دحضه شائع أكثر من اللازم -يشتمل أو يتضمن أكثر مما ينبغي.

إذا قمنا بالدحض أقل من اللازم، بجعل محل الدحض أضيق من حيث شموله، فسندحض أقل من اللازم. رفضنا لن يشمل الوجود المثبت فعليًا بقوة شيءٍ قابل للإيجاد من جانب المحل. سيرفض فقط بعد مستويات الطرق المستحيلة للوجود ولكنه لن يشملها كلها.

كان هذا خطر الدحض أكثر أو أقل من اللازم لمحل الدحض. أكّد تسونغكابا على إدراك هاذين الخطرين المهدّدين لأهمية الفهم والتحديد الصحيح لمحل الدحض.

علاوة على هذا، من الضروري أن يكون هناك اتحاد بين الأداة والحكمة -بعبارة أخرى، الأداة وأشكال الوعي التمييزي- عندما ننخرط في محاولة فهم الواقع بهذه الطريقة، بكل مستوى، فنحن نتعامل مع كلا الجانبين سويًا. على سبيل المثال، إذا افترضنا أنه كنتيجة لفهمنا للخلو، أن كل شيء هو بالكامل غير موجود وغير منطقي، عندها سيكون كل شيء مثل "قرن الأرنب" ولن يكون لدينا أي فهم صحيح من جانب الأداة، فيما يتعلق بقانون الأسباب والنتائج. لن نكون قادرين على إدراك كيف أن السعادة تأتي من الأفعال البنَّاءة والتعاسة تأتي من الأفعال الهدَّامة. نتيجة لهذا الفهم الخاطئ للواقع، لن ننخرط في التدربات التي ستنفع الآخرين.

من الضروري، بالتالي، أن يكون لدينا فهمًا كاملًا للعلاقة المتناغمة بين الحقيقتين الأعمق والشائعة بشأن كل شيء. هذا يعني أن فهمنا للطبيعة الفعلية للواقع تحتاج إلى تعزيز فهمنا للنشوء الاعتمادي. على سبيل المثال، فِهْمُنا أنه بناء على هذا السبب ومن خلال تلك المتسلسلة المنطقية، نحصل على هذه النتيجة. الفهم الصحيح للواقع سيدعم حينها أفعالنا البنَّاءة، والتي بدورها ستبني القوى الإيجابية التي ستجلب السعادة لنا وللآخرين، وفي النهاية، سنحقق الاستنارة كنتيجة لهذا.

إذا وصلنا للتمييز الصحيح للحقيقتين بشأن كل شيء وكيف يتلاءمون سويًا، سنكون قادرين على أن نبني حصيلة وفيرة أو شبكتي القوة الإيجابية والوعي العميق، وبهذه الطريقة سنكون قادرين على تحقيق، وفي نفس الوقت، كلًا من الدارماكايا والروباكايا -بعبارة أخرى، ذهن بوذا وجسده معًا. لذا فعلى جميع المستويات، من البداية إلى النهاية، من الضروري أن يكون لدينا الحقيقتين معًا. إذا لم يكن لدينا فهمًا صحيحًا، فلن يكتمل الأمر -وهذا سيكون خطأً كبيرًا. الأدوات التي لها صلة بالحقيقة الشائعة للأشياء والحكمة أو الوعي التمييزي لها صلة بالحقيقة الأعمق للأشياء: نحتاج الحقيقتين معًا. لا يمكننا فقط تحقيق ذهن بوذا بدون تحقيق جسده.

يخبرنا النص أيضًا ألاّ نُقصر فهم انعدام الهوية المستحيلة أو "الذات" فقط على الأشخاص. علينا تطبيق [ذات الفهم] على الظواهر التي يَخْتَبرها الأشخاص. على سبيل المثال، بتقليد الفيباشيكا يدحض الشرافاكا انعدام الهوية المستحيلة للشخص، وحتى عند هذه النقطة، لا يقومون بمناقشة المستوى الأكثر عمقًا لما هو مستحيل. هم مجرد يدحضون أن الأشخاص توجد بهوية أو "ذات" ثابتة، أُحادية، مستقلة. لا يمكننا أن أن نترك دحض طرق الوجود المستحيلة فقط عند هذا الحد. ولا يمكننا أن نتركه بمستوى السوتراتانتيكا، التي تتعلق بالأشخاص، تدحض أيضًا أن لهم هوية يمكن معرفتها بذاتها.

ولا يمكننا أيضًا أن نترك دحض الطرق المستحيلة للوجود على مستوى [رؤية مدرسة] التشيتاماترا، والتي تدحض فقط الشخص الذي يوجد كذات لها كينونة قابلة للمعرفة بنفسها. على عكس مدارس الهينايانا، الفيباشيكا والسوترانتيكا، [تتخطاهم] مدرسة التشيتاماترا بالتأكيد على انعدام الهوية المستحيلة أو "الذات" لجميع الظواهر أيضًا. لكن طريقة التشيتاماترا في التأكيد على هذا الانعدام هي فقط عبر قول أن كلًا من الوعي ومحله يفتقدان الوجود المثبت من مصدر مُنْشِئ مختلف. يرون أن طريقة وجود الظواهر تلك مستحيلة ويدحضونها. كل هذا هو دحض أقل من اللازم.

لمدرسة التشيتاماترا طريقتين لعرض الظاهرة النهائية. هي تؤكد أن هناك شيئًا قابلًا للإثبات كظاهرة نهائية سواءً تم إدراكها عبر إدراك صائب دقيق التفحص (تحليلي) لما هو نهائي أو إذا كان يمكن [لهذه الظاهرة] أن تصمد أمام التحليل بواسطة الإدراك الصائب المتفحص بدقة لما هو نهائي. وبالتالي تؤكد التشيتاماترا على أنه عندما نُخضع [الظاهرة] للتحليل النهائي إذا لم يتم العثور على [ذات]، فهي غير موجودة على الإطلاق. هذا بالضبط عكس رؤية براسانغيكا مدياميكا [التي تؤكد] أنه لا يمكن العثور على أي شيء في الظاهرة عندما نحللها بالإدراك الصائب دقيق التفحص سواءً [على مستوى] الحقيقة الأعمق أو الشائعة. وبالتالي تؤكد رؤية التشيتاماترا على أن الأشياء لها وجودٌ مثبتٌ بذاتها، قائمٌ بذاته ويمكن العثور عليه بالتحليل النهائي. هذه هي رؤية مدرسة التشيتاماترا "الذهن فقط".

في دحض ما لا يمكن العثور عليه بالتفحص الدقيق لما هو نهائي، ما تدحضه مدرسة معتقد التشيتاماترا هو محلٌ خاطئٌ للدحض. يقولون أن الأشياء التي لا يمكن العثور عليها من خلال التحليل العميق لا توجد إطلاقًا. هذا محلٌّ غير صحيح للدحض. ويبدو هذا تأكيدًا مشتركًا [بينهم وبين] مدرسة سفاتانتريكا وما سبقها -أي أنه بالتفحص الدقيق لما هو نهائي، يمكن العثور على شيء من جانب المحل والذي يُثبت وجوده. إذا كنا سنؤكد فعليًا ونصدق نظم المعتقد المعكوسة هذه، عندها في الحقيقة سنؤكد على أن الأشياء موجودة بطريقة متخيلة مستحيلة تمامًا. سنتشبث بشيء غير موجود بالمرّة -شيءٌ يمكن العثور عليه من جانب محل التحليل النهائي- وهذه ستكون حالة عظيمة من عدم الوعي.

يقول تقليدنا، براسانغيكا مادياميكا، أن السبب الحقيقي للسامسارا ينشأ تلقائيًا من عدم الوعي. إذا كنا سنصدق فقط ما يتوافق مع نطاق تعريف عدم الوعي الذي تؤكده مدارس المعتقد البوذية تلك، فعندها ما سندحضه هو فقط مجال عدم الوعي هذا، وسندحض فقط حينها عدم الوعي القائم على أساس عقائدي -عدم الوعي الذي يتشبث بأن الأشياء موجودة بطريقة قائمة على أساس عقائدي خاطئ. الجذر الحقيقي للسامسارا مع ذلك، هو ليس عدم الوعي القائم على أساس عقائدي، ولكنه عدم الوعي الذي ينشأ بشكل طبيعي، بشكل تلقائي.هذا هو مستوى عدم الوعي الذي لدى جميع الكائنات، من الحشرات وصاعدًا، تتشبث بوجود الأشياء المُثبتة بشيء قابل للعثور عليه من جانب هذه الأشياء نفسها. علينا أن ندحض الجذر السامسارا الذي ينشأ تلقائيًا والذي يصاحب وعي جميع الكائنات وليس فقط شيئًا قائمًا على أساس من معتقد ما يتم تعليمه وتصديقه، والذي حتى لم يسمع به الجميع.

هذا جزء من مناقشة خاصة بمنظور براسانغيكا بأن وجود كل شيء يمكن أن يُعرف بشكل صائب فقط إذا تم إثباته في سياق العنونة الذهنية -في سياق ما تشير إليه العنونة الذهنية. إذا كان وجود المحل يمكن أن يُثبت فعليًا من جانب المحل الذي يشير إليه العنوان الذهني أو من جانب أساس عنونة هذا المحل، عندها يكون لهذا المحل [ذات راسخة] قابلة للعثور عليها. إذا كان هناك [ذاتٌ] يمكن العثور عليها، فسيكون هذا دليلٌ على الوجود ذاتي الإثبات (الوجود المتأصل)، وهذا ما يتم دحضه هنا من [مدرسة] براسانغيكا. هذا هو مقصد ناغرجونا وأرياديفا.

اقتباس من ناغرجونا يتحدث عن كيف أن الخلو بحاجة لأن يُفهم في سياق النشوء الاعتمادي، والنشوء الاعتمادي بحاجة لأن يُفهم في سياق الخلو. إذا لم تكن الأشياء خالية من طرق الوجود المستحيلة، لما عمل قانون الأسباب والنتائج السلوكية. يعمل قانون الأسباب والنتائج فقط لأن الأشياء خالية من الطرق المستحيلة للوجود. هذا يعني أن الوجود المُثبت بذاته أو الوجود المُثبت بشيء من جانب المحل ذاته، ذات يمكن العثور عليها عند [إخضاع الظاهرة] للتحليل النهائي وجود غير صائب -كما تمت مناقشته أعلاه في ما له علاقة [بمدرسة] تشيتاماترا. يقول الاقتباس أنه يجب فهم الخلو في سياق النشوء الاعتمادي -لا شيء أكثر روعة أو جمالًا من هذا.

كيف ينشأ تلقائيًا عدم الوعي المتشبث بأن للأشياء وجودًا؟ يتخيل [عدم الوعي] أن وجود الأشياء ليس مُثبتًا فقط عبر كونها محالًا للعنونة الذهنية. [عدم الوعي الذي] يفترض أن وجود الأشياء مُثبت فعليًا من جانبهم، مستقل عن العنونة الذهنية. عدم الوعي هذا يشتمل على سوء فهم انعدام الهوية المثبتة فعليًا أو "الذات" لكلٍ من الأشخاص والظواهر. ليس هناك أي شيء له وجودٌ مُثبتٌ بقوة شيء ما يمكن العثور عليه من جانبه الخاص، مستقلٌ عن المفاهيم، الأسماء، العناوين الذهنية، وما إلى ذلك. الغياب التام لهذه الطريقة المستحيلة لإثبات وجود شيئًا يُعرف بشكل صائب هو ما يُشار إليه خلو هذا الشيء.

تبدو طريقة العرض هنا مُشابهة للغاية بالطريقة التي يظهر بها [عرض الخلو] في [النسخة] القصيرة من مراحل المسار المتدرج للاستنارة، لام ريم، لتسونغكابا وشرحه للأبيات الرئيسية عن الطريقة الأوسط لناغرجونا، يُطلق عليه "الوعي التمييزي". يخبرنا أيضًا شاندراكيرتي أنه إذا كان هناك شيئًا لا يمكن للمفاهيم أن تشير إليه، عندها لا يمكن لهذا الشيء أو يوجد؛ بينما، إذا كان هناك مفهومًا يشير إلى هذا الشيء، إذن يمكن إثبات وجوده في سياق هذا المفهوم. لذا الأشياء يمكن فقط أن تُثبت في سياق المفاهيم التي تشير إليها؛ لا يمكن أن تُثبت بأي شيء من جانبها الخاص، لأن الأشياء خالية من أي شيء قابل للعثور عليه فيها والذي يمكن أن يُثبت وجودها.

قد نتساءل، هل توجد الأشياء تمامًا كما هي في سياق مفاهيمنا الشخصية حولها؟ لا، الأمر ليس بهذه الطريقة. هذه طريقة منحسرة للغاية في الذات والتي نتخيل فيها كما لو أننا نحن فقط مَن لنا وجود وطريقة تفكيرنا هي الطريقة الوحيدة الصحيحة. إذا كان الشيء مقبولًا بشكلٍ عام من المجتمع على أنه أبيض، إصرارنا على أنه أصفر لن يجعله أصفر. لذا فالأشياء لا توجد بتلك الطريقة المنحسرة متّبعة فقط الطريقة التي نُعَنْونُها بها. لإنه إذا كانت الأشياء توجد بهذه الطريقة، فسيُطبق هذا على الأفعال البنَّاءة والهدَّامة. إذا كانت الأشياء تحدث بقوة إسقاطات طريقة تفكيرنا، فنتيجة فعل ما ستكون بالضبط ما نرغب فيه أن يكون، هذا سيجعل كل شيء فوضوي. الأمر ليس هكذا بالتأكيد. بدلًا من هذا، تثبت الأشياء عن طريق الاتفاق العام الشائ حولها، عن طريق الكيفية التي يدركها بها الجميع بشكل صائب.

سننظر الآن إلى اقتباس مأخوذ من الإيضاح التام للمقاصد، شرح تسونغكابا [لنص] شاندراكيرتي مُكمل (الأبيات الأساسية لناغرجونا عن) الطريقة الأوسط. يشير هذا الاقتباس إلى مثال الثعبان -في الحقيقة حبل ملفوف يُعَنْوَن ذهنيًا على أنه "ثعبان". ليس هناك أساس يتم وِفقه عنونة الحبل بشكل صائب على أنه ثعبان. هذه العنونه غير الصائبة مشابهة [لعنونة] التجمعات بأنها "أنا" ذات موجودة فعليًا. لا تفهموا هذا خطأ، بأن الإشارة إلى الإناء والعمود على أنهما "إناء" و"عمود" سيكون خطأ.

في الحقيقة هناك ثلاث طرق معرفية لإدراك الأشياء. قد نُدرك الحبل على أنه ثعبان، وقد ندرك الحبل على أنه حبلٌ ذو وجودٍ حقيقيٍ، وقد ندرك الحبل على أنه حبلًا شائعًا. التشبث بالتجمعان على أنها "أنا" ذات وجودٍ فعليٍ سيكون مثل التشبث بالحبل الملفوف على أنه ثعبان. هذه ستكون طريقة غير صائبة لإدراك الشيء. هذا نوع من عدم الوعي أو الجهل، وهو ليس مماثلًا لعنونة الحبل ذهنيًا بأنه "حبل" أو عنونة الإناء ذهنيًا بأنه "إناء".

علاوة على هذا، التشبث بأن وجود الأشياء مثبت بطريقة غير صحيحة، ومستحيلة، يمكنه إمّا أن يكون عقائديًا بناءً على رؤية غير صحيحة أو يكون ذو نشوء تلقائي. ما نشير إليه هنا كسببٍ رئيسيٍ للسمسارا هو النشوء التلقائي للتشبث، بأن وجود الأشياء ذو إثبات فعلي من جانب الشيء ذاته. عندها سيكون التشبث الناشئ تلقائيًا بالتجمعات بأنها توجد كـ"أنا" ذات وجودٍ فعليٍ سيكون مثل التشبث بالحبل الملفوف على أنه موجود كثعبان. مثل هذا التشبث ليس أساسه الاعتقاد بتقليد فلسفي تم تعلمه، لكن هو فقط نشوء تلقائي للتشبث الذي يحدث بشكل طبيعي مع الجميع. مثل هذا التشبث الذي ينشأ تلقائيًا يخلق كل أنواع المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة، والذي يتسبب في بِنائِنا للإمكانات السلبية المختلفة، والتي بدورها تتسبب في نشوء العديد من بواعث الكارما، والتي بدورها تُديم غرقنا في السامسارا.

هناك"أنا" التي تأمل في أن تكون سعيدة والـ"أنا" التي لا ترغب في أي معاناة، وبالطبع هناك الـ"أنا" التي تشعر بالجوع وترغب في أن تشرب كوبًا من الشاي أو تتناول قطعة من الخبز. هذا النوع من الـ"أنا" تُعرف بشكل صائب بما تشير إليه كلمة "أنا" ببساطة، تُعَنْون بشكل صائب على أساس العنونة. هنا النوع من الـ"أنا" توجد حقًا بشكل شائع. لكن الأشياء لا تظهر لنا بهذه الطريقة. الـ"أنا" التي تختبر الأشياء وتستخدمها، لا تظهر لنا بالطريقة التي تشير إليها كلمة "أنا" وفقط. بدلًا من هذا، تظهر لنا كشيء ذو وجودٍ مثبتٍ من جانبه، من جانب أساس عنونة "أنا". التشبث بأن هذا المظهر الخادع يشير إلى شيء موجود حقًا، يخلق فينا حسًا قويًا بالـ"أنا" التي توجد مستقلة. بناءً على التشبث بمثل هذه الـ"أنا"، نتشبث أيضًا بأن الأشياء موجودة وقائمة بنفسها كأنها"لي". من مفهوم ما هو "لي" نفكر في سياق "عدوي"، "صديقي"، وما شابه. ثم، على هذا الأساس، نتعلق وننفر؛ وعلى أساس التعلق والنفور، نرتكب كل أنواع الأفعال الهدَّامة التي تبني قوى الكارما السلبية. بالتالي، هذه الطريقة في التشبث بالأشياء بأن لها وجودها المثبت من جانبها الخاص-وأنها ليست ببساطة ما تشير إليها الكلمات- هو ما يتسبب في كل المشاكل التي لدينا.

يمكننا أن نرى هنا كيف يقوم الذهن بالتحريف، يضيف إلى حقيقة الأشياء ما لا يوجد بالفعل. بهذه الطريقة نجد شخصًا ما غايةً في الجاذبية. الذهن يضيف إلى هذا الشخص مظهر الجمال المُطلق -غايةً في الجاذبية ومرغوب جنسيًا، أو أيًا كان. مثل هذا التحريف يُسقط وهمًا محضًا على هذا الشخص. على هذا الأساس، نشعر بتعلق شديد وانجذاب. أو، على العكس، تُسقط أذهاننا على شخصٍ ما نعتبره عدوًا شيئًا غايةً في القبح أو مثيرًا للاشمئزاز؛ ونتفاعل مع هذا الإسقاط الذي وضعناه على هذا الشخص. على هذا الأساس، نصبح عدائيين، نرتكب كل أنواع الأفعال الهدَّامة تُجاه هذا الشخص، ونخلق قوى الكارما السلبية. كنتيجة لهذا، وعلى أساس الإمكانات السلبية والبواعث الهدَّامة التي نشأت بناءً عليها، نهيم بشكل غير متحكم به في السامسارا. إذا استطعنا أن نفهم غياب هذه الطريقة المستحيلة للوجود التي نُضفيها ونُسقطها على الأشياء، سنصبح أحرارًا من مشاكل السامسارا المتكررة غير المتحكم فيها.

بناءً على التشبث القوي بـ"أنا" الموجودة حقًا، نقسّم العالم إلى "أنا" و"كل الآخرين"، وعلى هذا الأساس نبني كل أنواع المواقف الداخلية السلبية. مع ذلك، إذا أصبحنا في غاية الغضب، لنفترض، من شخص اسمه تاشي، يمكننا فعلًا أن نتوقف ونُحلل، "من هو تاشي هذا الذي أنا غاضب منه؟ هل هو جسده؟ هل هو ذهنه؟ إذا كان جسده، فهل هو رأسه، أم قدمه، أم ذراعه، أم أنفه؟" عندما نبدأ في التحري بهذه الطريقة، نصبح فجأة في غاية الدهشة. نأخذ خطوة إلى الخلف، لأننا اكتشفنا أنه لا يمكننا فعليًا أن نجد تاشي الذي نحن غاضبون منه! عندها يمكننا أن نسأل أنفسنا ما الذي نحن غاضبون حقًا منه؟ هذه أداة غاية في الفاعلية، أن نتحرى فقط لماذا نحن في غاية الغضب. لذا إذا كان لدينا الحضور الذهني لنحلل بهذه الطريقة في مثل هذه المواقف، يمكن لهذا أن يكون مفيدًا للغاية.

ضرورة التحقق من انعدام الهوية المُثبتة فعليًا أو "الذات" كطريقة لعكس عدم الوعي هذا

يصف النص كيف أنه على أساس التعلق بأنفسنا كـ"أنا"، ننطلق في سعيٍ أنانيٍ للسعادة والاستمرار في دائرة السامسارا. كل مَحال تعلقنا ونفورنا تبدو لنا أنها غير موجودة في سياق ما تشير إليه الأسماء أو العناوين. لهذا السبب، نتفاعل بتعلق ونفور مع الأشياء التي نتلقاها كأنها مثبت وجودها من جانبها الخاص بالطريقة الخادعة التي تظهر بأنها موجودة بها.

علينا أن نحدِّد هذا التشبث بالوجود المثبت فعليًا بشكل واضح جدًا، لأنه مصدر كل مشاكلنا. من الحتمي أن نتخلص منه، لنقتلعه من استمراريتنا الذهنية، وندرك أن المحل الضمني الذي نتشبث به لا يوجد على الإطلاق. جذر السمسارا هو عدم الوعي الذي ينشأ تلقائيًا والذي به نتشبث بالأشياء كأنها موجودة بطريقة خاطئة تمامًا. من الحيوي أن نتخلص من هذا ونبدأ في التفكير بالطريقة المُعاكسة تمامًا.

نحن نتشبث بالأشياء أن لها وجودٌ مثبتٌ من جانبها الخاص، لكن عندما نحلل المحل الضمني لتشبُّثنا، هل هناك أي شيء حقًا يشير إليه هذا التشبث بالوجود المثبت؟ هل هناك فعلاً وجود حقيقي لهذا الشيء قائمٌ بذاته مستقلٌ بوجوده المثبت من جانبه الخاص؟ نُدرك أن هذا التشبث بالوجود المثبت يشير إلى شيء لا وجود له نهائيًا؛ لذا في النهاية نتوقف عن التفكير بتلك الطريقة، مُدركين أن هذا لا يشير إلى أي شيء حقيقي. بعبارة أخرى، الطريقة الفعلية التي توجد بها الأشياء، هي أنها لا يمكن إيجادها بالتحليل النهائي.

على الرغم من أن أذهاننا عندما تتوجّه للأشياء وتُسقط عليها أن هناك شيءٌ من جانب الشيء ذاته يُثبت وجوده، إلا أنه ليس هناك شيءٌ من جانب محل إدراك أذهاننا يدعم هذا الإسقاط. لنأخذ مثال الجلوس هنا بسوء فهم مُرعب، أن هناك نمر متوحش خلفنا في الغابة. إذا فقط جلسنا وحاولنا عدم التفكير بشأنه، فلن يزيل هذا سوء الفهم القهري الذي لدينا بشأن وجود النمر هناك. ما علينا فعلًا القيام به هو أن نتحرى ما إذا كان هناك نمر أم لا. فقط بتحري ما إذا كان هناك نمر أم لا، نتمكن من تخليص أنفسنا من تلك الفكرة القهرية. سنكتشف بالتحليل أن النمر غير موجودٍ بالفعل في الغابة هناك، وعلى هذا الأساس، نخلص أنفسنا من الخوف المرضي. إذا لم نقم إطلاقًا بأي تحرٍّ، إذا فقط جلسنا وحاولنا أن ننسى هذا الأمر، الفكرة المخيفة ستتسلل مرّة أخرى إلى وعينا في وقت ما. لذا من المهم أن نتحرى ما إذا كان هناك شيئًا من جانب الظاهرة يدعمها أم لا، عندما تستهدفها أذهاننا، كما لو كان لها وجودًا مثبت بذاته.

من ناحية أخرى، إذا كانت لدينا فكرة أن كل الأفكار النظرية هي بالكامل غير صحيحة، أنها كلها تُسقط شيئًا مستحيلًا، لهذا يجب أن نُخلص أنفسنا منها بالكامل، حيث أنها كلها خاطئة، عندها سنقع في الموقف الخاطئ للراهب الصيني هاشانغ. من المهم أن نُدرك ما هو محل الدحض، ثم نقوم بدحضه لنتخلص منه -وليس التخلص من كل الأفكار أيًا كانت. على الرغم من أنه صحيح أننا بحاجة إلى أن يكون لدينا فهمًا وإدراكًا غير نظريٍ للواقع؛ مع ذلك، هذا الفهم غير النظري يجب أن يكون قائمًا على ما ميّزناه عبر عملية التحليل النظرية. نحن لن نستهدف حالة عامة غير نظرية، والتي ستكون في غاية الضبابية. علينا أولًا أن نتفحص المحل الذي نقوم بتحليله، ثم ندرك من خلال عملية التحليل أن الطريقة التي كنا نتشبث بها، تشير إلى شيء غير موجود على الإطلاق. بهذه الطريقة، ندحض المحل الفعلي الذي نحتاج لأن نقوم بدحضه. على هذا الأساس، نكتسب الفهم غير النظري، بعد أن ميزناه أولًا من خلال العملية النظرية.

طريقة التأمل على انعدام الهوية المُثبتة فعليًا أو "الذات"

من منظور براسانغكيا، ليس هنا فرق في مستوى خفوت انعدام الهوية المثبتة فعليًا أو "الذات" لكلٍّ من الأشخاص أو الظواهر. لم يتم تحديد أي فرق بين الاثنين على مستوى أيهما أكثر أو أقل عمقًا. لكن عندما نتحدث عن التمييز الفعلي للمنظور الصحيح للواقع، هل هناك ترتيب لأي منهما نقوم بتمييزه أولًا؟ نعم، هناك ترتيب، على الرغم من أنه ليس هناك فرق في انعدام الهوية المثبتة فعليًا، إلا أنه هناك فرق فيما له علاقة بأيهما أسهل في الفهم وأيهما أكثر صعوبة. أولًا، نكتسب فهم انعدام الهوية المثبتة فعليًا للأشخاص، لأنه أساسٌ أسهل لتفحص الخلو؛ ثم ننتقل إلى انعدام الهوية المثبتة فعليًا للظواهر.

كل هذا هو شرح لكيفية التأمل على البوديتشيتا الأعمق، الذهن الذي يمتد إلى الحقيقة الأعمق لكل شيء. تشير "الأعمق" إلى النهاية أو الحالة الفعلية للعلاقات -فهم الطبيعة الحقيقية للواقع في سياق الفعل، أساس الفعل، الشخص الذي يقوم بالفعل، إلخ. على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى الوردة وقمنا بتحليلها، بالطبع تأتي الوردة من البذرة وتتطلب الماء وضوء الشمس وما شابه لتنمو. لكن إذا فجأة دخلنا إلى غرفة ونظرنا إلى الوردة، تبدو أنها كانت موجودة هناك قائمة بنفسها، بدون الحاجة لأن تمر بكل تلك العمليات. لكن عندما تذبل الوردة وتبدأ في التداعي، سيكون هذا إثباتًا واضحًا على أن وجود الوردة لم يُثبت من جانبها الخاص على الإطلاق، كما تبدو، لكن في الحقيقة كان نتيجة لعملية سببية اعتمدت عليها لإثبات وجودها. عبر طبيعة النشوء الاعتمادي تلك، نمت، تفسخت وماتت.

الطبيعة الأعمق للوردة لا يمكن العثور عليها من جانبها الخاص، كما لو أن وجودها مثبتٌ بطريقة معينة. بعبارة أخرى، الحقيقة الأعمق هي ليست المظهر السطحي للوردة، لكن الحقيقة الأعمق لواقعها. عندما نتحدث عن الحقيقة الشائعة أو السطحية لشيء ما، يشير المصطلح إلى الحقيقة بشأن شيء ما والتي مع ذلك تحجب شيئًا أعمق. الحقيقة الشائعة لشيء ما -مظهر جميع الكائنات المختلفة والأشياء المكونة للمشاكل وخلافه- هي ما تحجب الحقيقة الأعمق بشأنهم. عندما نمد نطاق قلوبنا إلى الحقيقة الشائعة لجميع ما يُطلق عليهم "الكائنات الموجودة على المستوى الشائع" أو الأشياء التي تُخفي شيئًا أعمق، فهذا ما يطلق عليه "البوديتشيتا الشائعة". عندما نمد نطاق قلوبنا إلى النهاية، والتي تشير إلى الحقيقة الأعمق لكل شيء، فهذا ما يطلق عليه "البوديتشيتا الأعمق".

بالمثل، إذا قمنا بمد نطاق أذهاننا إلى الدارماكايا، الأجساد الشاملة لكل شيء، والتي هي الحقيقة الفعلية لكل الظواهر -وإذا فكرنا في الدارماكايا بتلك الطريقة- يمكننا أن نزيل كل الملوّثات التي تُعيق الطبيعة الحقيقية للواقع. عبر إزالتها، نصل إلى الدارماكايا الحقيقية. وهكذا قمنا بدمج تدرب مد نطاق أذهاننا إلى الحقيقة الشائعة والأعمق -دمج تدرب البوديتشيتا الشائعة والأعمق. لدينا الذهن المستهدِف لجميع الكائنات، ومن خلال القوة التي يبنيها بهذا، نُزيل الملوّثات المختلفة ونكون قادرين على رؤية الطبيعة الحقيقية للواقع.

Top