ما الذي نفكر فيه عند تذكر الموت

صعوبة حيازة إعادة الميلاد البشري وكيفية الاستفادة منه بأفضل طريقة

من المهم التفكير في البداية بشأن صعوبة حيازة الميلاد البشري الثمين بكل الراحات من المواقف التي تمنع التدرب على الدارما وكل المثريات بالظروف والفرص الملائمة للتدرب. هناك العديد من الأشياء لنفكر فيها ونضعها في اعتبارنا، مثل كيف أن أساس العمل هذا يصعب الحصول عليه من منظور الأمثلة، من منظور طبيعته، ومن منظور أسبابه.

الآن، لقد حُزْنَا بالفعل على مثل هذا الأساس الذي يصعب الحصول عليه. وكيف حصلنا على مثل هذا الميلاد؟ إنه بسبب القيام بقدر عظيم من التدرب الروحاني في حيواتنا السابقة، والتي جلبت أسباب إعادة الميلاد الحالية. مثال لفهم هذا سيكون مثل بذل الجهد اللازم لدفع كرة ضخمة من الحديد للأعلى حتى منتصف الجبل. بعبارة أخرى، لقد قمنا بكل العمل اللازم للحصول على الحياة البشرية الحالية، ويجب علينا في هذه النقطة أن نتقدم أكثر، أن نحقق المزيد من التقدم. بإيصال الكرة الحديدية هذه إلى منتصف الجبل، إذا لم نحرص، فهناك خطر أن تتدحرج نحو القاع وسيكون من الصعب للغاية دحرجتها مرة أخرى للأعلى.

ما نحتاج للقيام به، على أساس الحياة البشرية الثمينة التي لدينا الآن، هو أن نحاول تنمية الشفقة، الحب وقلب البوديتشيتا المُكرس. أفضل ما يمكننا القيام به، بعد كل شيء، هو محاولة أن نصبح مستنيرين على هذا الأساس. لكن إذا لم نستغل هذا الأساس الذي لدينا الآن، ولكن قمنا بترديدات بناء الإلهام لنكون قادرين على الحصول على مثل هذا الميلاد البشري في المستقبل، سيكون هذا مشابهًا لمن لديه سلة ضخمة من الأرُز، ويضعها جانبًا ولا يستخدمها، ويتمنى الحصول على سلة أخرى.

لدينا الآن أساس العمل المتميز هذا والذي يمكن استخدامه للتدرب على الدارما ونحتاج لأن نبذل الجهد ونُكرّر ترديدات بناء الإلهام حتى نستفيد منه بالكامل. يجب أن نكون سعداء للغاية أنه لدينا. طريقة تقدير هذا هي بالتفكير، "إذا حصلتُ على شيء ثمين مثل أساس العمل هذا، ساَستخدمه بطريقة ملائمة اليوم وأكرر ترديدات بناء الإلهام لأكون قادرًا على الاستمرار في القيام بهذا غدًا". في الصباح عندما نستيقظ، من المهم أن نفكر، "كم هو رائع أني استيقظت، لم أمت أثناء نومي". ثم من المهم أن نُعِدَّ أنفسنا لليوم عبر تنمية نية قوية، "اليوم سأستمر في تكرار ترديدات بناء الإلهام لاستفيد من حياتي البشرية الثمينة".

نوعية الحياة التي لدينا الآن ثمينة جدًا؛ بها ثماني راحات أو حريات مؤقتة من المواقف الثمانية الصعبة والتي لا فرصة فيها لتحقيق أي تقدم روحاني. هناك ثمانية مواقف غير بشرية وثمانية مواقف بشرية لا فرصة فيها. لذا عندما نستيقظ في الصباح، نحتاج لأن نفكر في كم نحن محظوظون أننا لم نمت أثناء الليل. إذا متنا وأُعيد ميلادنا في أي من تلك المواقف الثمانية لن نجد فرصة تحقيق التقدم الروحاني، مثل أن يعاد ميلادنا كحشرة تزحف على الأرض، لما كانت لدينا فرصة سماع تلك الإجراءات الوقائية للدارما. لذا من المهم أن نشعر بسعادة شديدة وامتنان لحظنا لأننا استيقظنا في الصباح وأننا مستمرون في حيازة الفرص التي لدينا، وأن نُوَلِّد نية قوية في أن نستخدمها بالكامل. في الليل، إذا فكرنا بهذه الطريقة وولَّدنا نية قوية للاستفادة بالكامل من فرصنا، عندها، حتى النوم، سيكون فعلًا بنَّاءً.

عندما كَتب تسونغكابا هنا، "اَطلب الإلهام لأنمِّي دون انقطاع موقفًا داخليًا يستفيد بكل الطرق، ليل نهار، مِن هذا الأساس"، كان يشير إلى نوعية التدرب هذه التي يمكن القيام بها ليل نهار -أي، الاستفادة من جوهر الحياة البشرية الثمينة.

هذا الموضع بالنص، حيث يتحدث تسونغكابا عن هذا الموضوع، هو المكان الذي نحتاج لأن نتحدث فيه عن كل التعاليم والأدوات المختلفة المتعلقة بذات الموضوع الموجود هنا، قبل أي شيء، في السوترا. السوترا هي كلمات بوذا ذاته. بالمثل، التشاسترات المختلفة أو النصوص التي كتبها العلاّمات البوذيون الهنود والتي تشرح كلمات بوذا، وبشكل مشابه كل النصوص التي كتبها العلامات التبتيون في كل التقاليد البوذية بالتبت: كاغيو، نييغما، ساكيا وغيلوك -أيًا كانت الأدوات العملية التي نجدها في أي مصدر من هذه المصادر فيما يخص هذا الموضوع، نحتاج لأن نطبقها هنا أيضًا. بعبارة أخرى، نحتاج لأن نضيف هنا ونطبق أي تعاليم تتعلق بالحياة البشرية الثمينة، براحاتها ومثرياتها، بغض النظر عن المصدر البوذي الصحيح التي جاءت منه. إنه مثل، على سبيل المثال، أن يكون لدينا صندوق للسكر، نضع فيه سكرنا، بغض النظر عن المحل الذي قمنا بشرائه منه.

إذا كان لدينا مثل أساس العمل الثمين هذا ولم نستخدمه بشكل ملائم، فسيكون من الصعب الحصول على واحدٍ آخر مرة أخرى. إذا كان من الممكن أن نحصل على مثل هذه الحياة البشرية الثمينة مرة بعد أخرى، فلا بأس بهذا؛ لكن في الحقيقة هذا ليس الحال. لذا، إذا لم نستخدمها بشكل ملائم اليوم، فليس من المُرجح أن نحصل عليها مرة أخرى. مثل شخص في غاية القوة والشجاعة، إذا لم تكن لديه أطراف ووضع على الأرض في مكان ما، فبغض النظر عن مدى قوته وشجاعته، ليس في وسعه شيء يمكنه القيام به. بالمثل، لن يكون هناك الكثير لنفعله ما إن نفقد هذا الجسد البشري الثمين.

إذا كان جسدنا البشري شيئًا في غاية القوة وغير فانٍ، مرة أخرى، فهذا جيد؛ لكنه ليس كذلك. إنه شيء لا يتمتع بقوة عظيمة. أيضًا، ما أن نتخذ ميلادًا، ليس هناك احتمال لحدوث شيء إلا الموت. وإذا كان هناك مكان ما سمعنا عنه حيث يمكن للبشر الذهاب إليه ولا يموتون، فكم سيكون هذا رائعًا، يمكننا الذهاب إلى هناك. لكن، في الحقيقة، ليس هناك مثل هذا المكان. حيث لا مكان يمكننا الذهاب إليه لنهرب من الموت، من المهم أن نكون حاضري الذهن بشأن الموت.

حتمية الموت والتغيير

عندما نسمع عن الموت والعوالم السُفلى، معظمنا يجدها شيئًا غير سارٍ بالمقارنة بالسماع عن العوالم الدنيوية المختلفة وشؤونها. الاستماع عنها مثل أن نستمع إلى قصة سيئة. لن نحبها أو نستمتع بها. لكن بدلًا من هذا أن نسمع أنه ليس هناك أشياء مثل الموت أو العوالم الدنيا فستكون هذه قصة جميلة جدًا. لكن سماع القصص الجميلة التي تقول أنه ليس هناك مثل هذه الأشياء، بينما هي موجودة في الواقع، هي خداع عظيم؛ هي فقط كذبة.

إذا قررنا، أنه بما أننا لا نحب سماع قصص عن الموت والعوالم الدنيا، فسيكون من الأفضل ألا نستمع إليها لأنها غير سارة وتثير الضيق، وإذا، بمثل هذا الموقف الداخلي، إذا تمكنا من جعل الموت والعوالم الدنيا شيئًا غير موجود، فكم سيكون هذا لطيفٌ. لكن في الحقيقة، هذا ليس الحال. عدم الرغبة في أن نسمع عنها أو التصديق بها لن يجعلها تختفي. في الحقيقة، هي ليست قصصًا مُختلَقَة: هذا هو الواقع. الموت شيء سيأتي حتمًا لكلٍ منا، هو فقط سيأتي عاجلًا أم آجلًا، من المهم أن نسمع عنه وأن نحاول إيجاد الطريقة لتجنب أن نكون مرعوبين للغاية عندما يحدث.

الأمر لا يتعلق فقط بأن نكون مذعورين بالكامل، "سأموت، سأموت"، ونكتئب تمامًا لهذا الشأن. هذا ليس الغرض، لأنه في الحقيقة هناك أدوات، إجراءات وقائية، والتي يمكننا اتخاذها لنتأكد أن موتنا لن يكون تلك التجربة المخيفة. إذا كانت هناك مثل تلك الأدوات ولم نستخدمها، حينها كم سيكون هذا مؤسفًا؛ خسارة هائلة.

قد يكون لدينا أيضًا خطأ التفكير أنه من الأفضل ألا نكون حاضري الذهن بحتمية الموت. لكن، إذا لم نكن حاضري الذهن بحتمية الموت، عندها الخطأ الذي يحدث نتيجة لهذا هو أننا عادة لا نكون حاضري الذهن نهائيًا باتخاذ الإجراءات الوقائية للدارما. وحتى إذا كنا حاضري الذهن بتلك الإجراءات الوقائية المختلفة للدارما التي يمكننا اتخاذها، إذا لم نكن حاضري الذهن بشكل مستمر بموتنا الوشيك، فلن نصل بتدربنا على تلك الإجراءات الوقائية إلى نهايتها. عندما نقوم بتدريبات الدارما ولا نصل بها إلى نهايتها، فالمشكلة هنا هي في عدم الحضور الذهني الكافي بحتمية الموت.

هناك آخرون يقضون حياتهم بالكامل يقومون بكل أنواع الأشياء الهدَّامة، مثل السرقة، القتل وما شابه. ينخرطون في كل تلك الأشياء لأنهم أيضًا غير حاضري الذهن بموتهم الوشيك وما سيتبعه. إذا، أثناء حياتنا، شغلنا أنفسنا فقط بالشئون الدنيوية -خاصة السلبية الهدَّامة منها- عندها في لحظات احتضارنا، بالطبع، ليس هناك داعٍ لأن نتحدث عن كم الاضطراب الذي سنكون فيه. كل من حولنا أيضًا سيكون في قمة الضيق والتعاسة. لكن، بالإضافة للاضطراب، سنموت بحالة مزرية من الندم العظيم. كل هذه هي مساوئ عدم الحضور الذهني بحتمية الموت قبل وقوعه.

على الجانب الآخر، عندما نكون حاضري الذهن بحتمية الموت، يصبح هذا حافزًا لنا يدفعنا للتدرب على الدارما. لذا عندما نفكر في التدرب الروحاني والمحفزات التي ستدفعنا له، الحافز الأول سيكون الحضور الذهني بموتنا الوشيك.

عندما بدأ بوذا أول دورات نقل تعاليم الدارما، إحدى أول التعاليم التي قدمها كانت عن حتمية التغيير -كيف أنه لا يوجد موقف يظل ثابتًا للأبد. بوذا نفسه، على سبيل المثال، وُلد في عائلة مَلكية؛ كان أميرًا بثراء وفخامة لا تصدقان. لكن عندما رأى جثة تُحمل قُرب المدينة المَلكية، كان هذا هو الظرف الذي جعله يغادر كل هذا الثراء ويبدأ في سعيه الروحاني. رؤية مثال عن الموت كان الشرط الذي جعله ينطلق في تدربه الروحاني.

الوعي بحتمية الموت والتغيير ليسا فقط محفزان للبدء في التدرب الروحاني للدارما، بل هما أيضًا محفزان للتقدم عبر مسار التدرب وصولًا إلى نهايته. هذا شيء يمكن رؤيته في رسومات بعض المتدربين العظام والكائنات ذات الإدراك السامي. العديد منهم يرتدي حُلَيًا من عظام البشر ويستخدمون أدوات من هذه العظام، مثل الجمجمة التي على هيئة كأس أو البوق المصنوع من عظمة الفخذ. الغرض من كل هذا هو مساعدتهم على الحضور الذهني المستمر بحتمية الموت والتغيير.

علاوة على هذا، الاستمرار في التفكير في حتمية التغيير والمحافظة على الحضور الذهني به، هو حافز يدفعنا لإكمال رحلتنا الروحانية. إذا كان لدينا إدراك قوي بحتمية التغيير، سيكون لدينا حينها ذهنًا متوجهًا بقوة شديدة نحو الروحانيات. عندما توفي بوذا في كوشيناجار، الشيء الأخير الذي أرشد الجميع إليه هناك كان حتمية التغيير.

عندما نكتسب حقًا الإدراك الخاص بحتمية الموت والتغيير -إدراك أنه لا شيء يظل ثابتًا- فهذا هو المسار الذهني الفعلي لشخص بالنطاق الأولي. هذا هو الإدراك الذي سيقودنا إلى تنمية مسار ذهن الأشخاص بنطاق الدافع الأوسط والذي سيصبح حافزًا على المزيد مِن النمو لنصبح أشخاصًا بنطاق الدافع المتقدم. هذا الوعي بحتمية التغيير جوهري لنكون قادرين على تنمية الحب والشفقة، وفي الحقيقة، لنكون قادرين على القيام بأي تدرب روحاني نقي وصحيح. علاوة على هذا، إذا، على أساس من الإدراك الحاسم بحتمية التغيير، كنا قادرين على التدرب على الدارما جيدًا، من الممكن أنه عند وفاتنا، نكون بحالة ذهنية سعيدة، مسالمة للغاية. بالطبع، ليس هناك وسيلة لعدم الموت، لكن إدراك حتمية التغيير يجعل عبورنا للموت شيء قابل للمواجهة بحالة ذهنية سعيدة ومسالمة، بلا ندم.

كيف نكون حاضري الذهن بالموت

هناك العديد من النقاط التي يمكن مناقشتها بشأن حتمية الموت والتغيير، والمزايا الكثيرة للحضور الذهني بهما، ومساوئ عدم الحضور الذهني بهما. لكن باختصار، عندما نسأل، "حسنًا كيف يمكننا حقًا المحافظة على الحضور الذهني بحتمية الموت؟" تمّ وصف هذا في أول جملتين بالبيت التالي:

(3) عند الموت، جسدي وقوة الحياة سيزولان بسرعة، مثل فقاعة بنهر جارٍ. تذكر هذا واعثر على اليقين الثابت بأن الموت ستتبعه ثمار أفعالي المشرقة والقاتمة،

النقطة الأولى التي نفكر فيها هي عنصر اليقين بحتمية الموت -حقيقة أن الموت سيأتي بالتأكيد. النقطة الثانية هي أنه ليس هناك طريقة لنعرف بها متى سيأتي الموت. النقطة الثالثة هي بالتفكير في كيف أنه بوقت الموت لا شيء سوى اتخاذ الإجراءات الوقائية للدارما أثناء حياتنا سيكون ذو نفع.

هناك العديد من النقاط للتدبر فيما يخص كيف أن الموت حتمي. بغض النظر عن نوع الجسد الذي اتخذنا فيه ميلادنا، ليس هناك جسد لا يفنى. هذه الأيام، هناك مستشفيات جيدة للغاية، أطباء في منتهى المهارة وأدوية قوية للغاية وعلاجات رائعة. لكن بغض النظر عن قوة كل تلك الأشياء، ليس هناك علاج للموت. ليس هناك شيء يمكنه إزالة الموت أو مستشفى يمكننا الذهاب إليها لنهرب من الموت، لأنه إذا كان هناك مثل هذه المستشفى، لكانوا بالتأكيد بنوا واحدة. حتى بوذا المستنير ذاته، شكياموني بوذا، على الرغم من أنه حقق النقاء الكامل للذهن والنمو الكامل، مع ذلك أظهر لنا الطريقة العادية للوفاة بموته في كوشيناجار. يمكننا جميعًا الذهاب هناك لرؤية هذا المكان.

عاشت بعض الكائنات حتى آلاف السنين. لكن برغم عظمة ميتهسيلاه، فمع ذلك، لا أحد هرب من الموت أو سيهرب منه في وقت ما.

على الرغم من أن هناك الكثير من الأماكن التي يمكن أن نذهب إليها، ليس هناك مكان يمكن الذهاب إليه هربًا من الموت. بعض التبتيين سافروا في كل أنحاء الهند على أمل العثور في مكان ما على دواء لتجنب الموت من مرض عضال لديهم، لكن لم يعثر أيًا منهم على مثل هذا المكان. بعضهم حتى قد سافر إلى الغَرب بحثًا عن المستشفيات العظيمة، لكن عندما ينتهي الوقت، سيتحتم علينا الموت. بغض النظر عن عظمة المستشفيات التي قد نكون فيها، أو روعة الأدوية العظيمة التي لدينا، عندما ينتهي الوقت لن تُفيد في شيء. حتى الأطباء ذاتهم يمرضون ويكون عليهم البقاء في المستشفى والموت.

علاوة على هذا، ليس هناك طريقة يمكننا أن نعرف بها وقت حدوث الموت؛ إنه شيء يمكن أن يحدث في أي وقت. لقد تم وصف هذا هنا في النص: "عند الموت، جسدي وقوة الحياة سيزولان بسرعة، مثل فقاعة بنهر جارٍ". عندما ننظر إلى الفقاعات أو الزَّبَد بنهرٍ جارٍ، يمكننا أن نرى بوضوح أنها أشياء لا تدوم على الإطلاق. غير ثابتة وتختفي في أي لحظة. حياتنا مثلها بالضبط.

كل تلك النقاط هي أشياء يمكننا رؤيتها بأنفسنا. هناك، في الحقيقة، عدم يقين بشأن وقت موتنا. ليس مِن الضروري دراسة هذا الأمر في هذا النص، يمكننا رؤية هذا بأنفسنا من خبرات الحياة. الغرض من كل هذا هو أننا يجب ألا نخدع أنفسنا بالتفكير بأننا إذا لم نتدرب الآن، يمكننا أن نتكاسل ونترك التدرب للغد. هذا لأننا لن نعرف أبدًا متى سنموت. لذا، نحتاج لقرار حاسم لاتخاذ واتباع الإجراءات الوقائية للدارما في التَّو واللحظة، مُقرين بأن الموت يمكن أن يأتي سريعًا. كما يقول النص، "جسدي وقوة الحياة سيزولان بسرعة".

يمكننا رؤية العديد من الأمثلة عن كيف تنتهي الأشياء بسرعة. بعد شروق الشمس، تغرب سريعًا، وعندما يتحرك بنا القطار أو الطائرة، لا يبقيان في مكانهما بل يتحركان نحو وجهتهما. الحياة تستمر بذات الطريقة. الموت شيء سيأتي حتمًا؛ ليس هناك طريقة لتجنبه. وحتى إذا خدعنا أنفسنا لننشغل فقط بجمع الثراء والممتلكات المادية لهذه الحياة فقط، ما سنجمعه لن تكون له فائدة. في وقت الموت، لن نكون قادرين على أخذه معنا.

إمكانات الكارما المُشرقة والقاتمة

ولذا، إذا تساءلنا عن ما الذي سيأتي معنا بعد الموت، المثال هو أن الظل يلاحق الجسد. ما يصاحبنا مثل ظل جسدنا هو الإمكانات التي قمنا ببنائها في حياتنا، سواءٌ المشرقة أو القاتمة -التي يُطلق عليها إمكانات الكارما "البيضاء" و"السوداء".

جميعنا نريد السعادة ولا أحد يرغب في المشاكل والمعاناة. من أين يأتي كل هذا؟ كل السعادة تأتي من الأفعال المشرقة، السامية، الإيجابية التي قمنا بها. وكل مشاكلنا ومعاناتنا تأتي من الأفعال القاتمة، المظلمة، السلبية التي قمنا بها. إذا كان هاذان هما نوعا الأشياء التي نأخذها معنا عندما نموت -إمكانات الكارما من هاذين النوعين من الأفعال- عندها سيكون من الواضح أن حالنا سيكون أفضل إذا كان معنا المزيد من الإمكانات الإيجابية. نريد أن نأخذ معنا للحيوات المستقبلية الإمكانات المشرقة الإيجابية لأجل السعادة التي قمنا ببنائها من أفعالنا البنَّاءة. لا نرغب في أيٍ من الإمكانات القاتمة السلبية الناتجة عن السلوك الهدَّام التي ستتسبب لنا في المشاكل والتعاسة. هذا هو الغرض من اتخاذ كل الإجراءات الوقائية للدارما واتباع التدرب الروحاني. نقوم بهذا من أجل بناء تلك الإمكانات الإيجابية أو إمكانات السعادة التي ستكون ذات نفع في الحيوات المستقبلية. نُدرك أن، عدا هذا، لا شيء سيكون ذو أي فائدة في وقت الموت. عندها يكون القرار الملائم الذي علينا اتخاذه هو توجيه كل طاقتنا في هذا الاتجاه.

هناك عددٌ لا يحصى من الأفعال المشرقة والقاتمة. لكن يمكن اختصارها جميعًا في عشرة أفعال بنَّاءة أو فاضلة وعشرة أفعال هدَّامة أو غير فاضلة. من المهم أن نعرف تفاصيل كلٌ من تلك الأفعال البنَّاءة والهدَّامة. معرفة هذا هو الأساس الذي يمكننا التوسع فيه بينما نتقدم لنصبح أشخاص ذوي دافع النطاق المتوسط.

إذا، بعد الموت، لم يكن هناك إعادة الميلاد، لكان الموت عندها مُجرّد حدث منعزل ولن يكون هناك شيء استثنائي بشأنه. لكن بما أن النص يقول "بعد الموت"، ويتحدث عما سيأتي بعد الموت، فيمكننا أن نتأكد أن الحيوات المستقبلية حقيقة. هناك العديد من الأشخاص الذين يؤكدون أنه ليس هناك إعادة ميلاد. لكن بغض النظر عن تفكيرهم المجرد بأنه ليس هناك شيء كهذا، ليس هناك طريقة ليتأكدوا بها على وجه اليقين. على الرغم من أننا قد لا نستطيع في الحقيقة رؤية الحيوات المستقبلية، لكن ليس هناك طريقة يمكن أن نتأكد بها أنها غير موجودة على الإطلاق.

في الواقع، هناك حيوات مستقبلية؛ هذه حقيقة. وما الذي يحدد نوعية إعادة الميلاد الذي نتخذه؟ نوعية إمكانات الكارما التي قمنا ببنائها، سواءً كانت المشرقة البنَّاءة أو القاتمة السلبية، والتي تحدد نوعية إعادة الميلاد الذي سنتخذه. على الرغم من أننا لا يمكننا رؤية كائنات عالم الناركا أو البريتا، لكن يمكننا في الحقيقة رؤية كل الحيوانات والكائنات الزاحفة من حولنا. إذا لم نتوقف عن التصرف بشكل هدَّام، يمكن أن نُوْلد بذات نوعية تلك الأجساد وبذات نوعية المواقف السيئة التي هم بها. يمكننا أن نكون متيقنين من هذا. إذا فكرنا بشأن كل المشاكل والمعاناة التي يجب على الحيوانات مواجهتها، وكل صعوبات هذا الميلاد، سننمي حالة من الخَشية. لن نرغب في اختبار تلك الأشياء. سنبحث عن مصدر للتوجه الآمن أو الملجأ الذي نتخذه لأجل تجنب مثل إعادات الميلاد السيئة هذه.

التوجه الآمن – الملجأ

إذا لم يكن هناك توجه آمن نتخذه لنكون قادرين على تجنب هذا، عندها سيكون من الأفضل عدم التفكير في كل تلك المشاكل المريعة. لكن، في الحقيقة، هناك توجه آمن لنتخذه؛ هناك ملجأ يمكن العثور عليه. إذا تساءلنا، "ما هي الأدوات التي علينا اتخاذها؟" عندها، أولًا، وقبل كل شيء، نحتاج لأن نعرف أن هناك كائنات عظيمة أشارت للأدوات التي علينا اتخاذها، أي البوذات.

لدى البوذات كلٌ من جثمان أو جسد هيئات الاستنارة (روباكايا) وجثمان أو جسد شمول كل شيء (دارماكايا). إذا تساءلنا، "كيف حاز البوذات جثمان أو جسد هيئات الاستنارة؟" فهذا نتيجة بناء الإمكانات الإيجابية لثلاثة دهور لا يُحصى طولها. بشكل مشابه، إذا تساءلنا، "كيف حاز البوذات جثمان أو جسد شمول كل شيء؟" فهذا نتيجة التنمية الكاملة لأذهانهم ليكونوا قادرين على فهم كل شيء -وخاصة، القدرة على فهم الخلو، الغياب التام للطرق المستحيلة للوجود.

لجسد هيئات الاستنارة، روباكايا، جانبين: جثمان الاستخدام الكامل أو سامبوغاكايا، وجثمان التجسدات أو نرماناكايا.

جثمان الاستخدام الكامل، سامبوغاكايا، هو تشكيلة من الأجساد التي تستفيد بالكامل من الأذهان الشاسعة لتعاليم الماهايانا. فقط البوديساتفات ذوو الإدراك السامي -الأريا بوديساتفات من بومي الذهن الأول إلى العاشر- هم القادرون على ملاقاة وتلقي التعاليم من تلك الأجساد. مثل تلك الأجساد توجد فقط في أراضي بوذا النقية، مثل عالم أكانيشتا، العالم الذي لا يعلوه شيء. لا يظهرون في العوالم العادية أو الأراضي غير النقية. يشرحون فقط التعاليم الشاسعة للماهايانا، وعلى عكس أجساد التجسدات (النرماناكايا السامية)، أجساد السامبوغاكايا لا تجسد أبدًا البارانرفانا، الوفاة. علاوة على هذا، تظهر تلك الأجساد بثلاثة وثلاثين علامة جسدية كبرى وثمانين علامة جسدية صغرى الخاصة ببوذا.

على الرغم من أن الروباكايا يدخل ضمن هيئات الاستنارة الخاصة بها أجساد السامبوغاكايا، يظل من الضروري للبوذات أن يظهروا كي يكونوا قادرين على نفع الجميع، وليس فقط نفع الأريا بوديساتفات. نوعية الهيئات المستنيرة التي يمكن للكائنات من غير الأريا الذين لم يصلوا بعد إلى رؤية الواقع أن يلاقوها هي تلك التي تشكل أجساد التجسد، النرماناكايا -تجسدات السامبوغاكايا.

أجساد التجسد، النرماناكايا، تشتمل على ثلاثة أنواع من الأجساد المستنيرة: أجساد التجسد السامية، أجساد التجسد كفنانين، أجساد التجسد كأشخاص.

بوذا شكياموني مثال لجسد التجسد السامي. إذا كان لدى الشخص إمكانات الكارما النقية، يمكن أن يقابل بالفعل مثل جسد التجسد هذا ويتلقى منه التعاليم مباشرة. لكن بما أننا لم نقم ببناء هذه الإمكانات النقية، فنحن لم نتمكن بعد من مقابلة أحدهم. نوعية جسد التجسد الذي يمكننا بالفعل ملاقاته هو إما أجساد تجسد الفنانين أو الشخصيات.

التجسد كشخص الذي يمكن أن نقابله قد يكون، على سبيل المثال، تجسد أفالوكيتشفارا. قداسة الدالاي لاما هو تجسد لأفالوكيتشفارا بهيئة شخصية. مثال على تجسد كفنان سيكون في القصة التالية. كان هناك في أحد المرات ملك الموسيقيين السماويين أو غاندارفانات، والذي كان فخورًا للغاية بقدرته على عزف العود. تجسد له بوذا على هيئة فنان أكثر مهارة منه في العزف على العود، وبهذه الطريقة، استخدم العديد من الأدوات لمساعدته.

يمكننا التفكير في عدة أنواع من البوذات في عروض السوترا أو التانترا. في سياق السوترا، هناك المناقشة الخاصة بالألف بوذا في هذا الدهر الميمون. هناك أيضًا المناقشة الخاصة ببوذات الأزمنة الثلاثة والعشرة اتجاهات. في سياق التانترا، هناك تجسيدات جوانب شخصية بوذا المختلفة، مرة أخرى، هذه أنواع مختلفة من هيئات الاستنارة. كل تلك الهيئات المختلفة التي يمكن أن يظهر بها بوذا تُشكل الجوهرة الحقيقية النادرة والسامية للبوذات، والتي منها نتخذ التوجه الآمن في الحياة.

في سياق تدربنا، من المهم أن نحترم ونُدرك العروض المختلفة للبوذات. نحتاج أن نفكر في جميع العروض المختلفة للبوذات، من أكبر الرسومات في المعابد البوذية حتى رسمة صغيرة قام بها طفل، كأنهم بوذات حقيقيون. هذا لأنه عندما نُنمي مسار المُراكمة الخاص بالذهن (بناء مسار الذهن) -أول المسارات الخمسة للذهن -وخاصة المستويات الثلاثة لهذا الذهن، ننمي مستوى عظيمًا منه- سنكون قادرين على سماع وتلقي التعاليم من الحديث المستنير للعروض المختلفة للبوذات، حتى الرسمة الصغيرة لطفل. أيضًا، عندما نحقق المستوى العظيم لمسار المُراكمة الخاص بالذهن، سنكون قادرين على التفاعل وترديد كل أنواع التعاليم التي سمعناها بدون جهد. سنمتلك مهارات وقدرات عظيمة مثل تلك التي بهذا المستوى مِن مسارات الذهن.

لذا، تلك هي الجوهرة السامية والنادرة للبوذات، تُظهر لنا فعليًا التوجه الآمن لنتخذه في الحياة، الملجأ. هناك عدد لا حصر له من الخصال الجيدة للجسد، الحديث والذهن المستنير لمثل تلك الكائنات، وكل تلك الخصال تم وصفها في النصوص العظيمة. لديكم هنا معلمين روحانيين متميزين ويمكنكم دراسة كل تلك الخصال معهم.

عندما نكون واعين بكل تلك الخصال، المهارات والقدرات، ستكون لدينا حالة من الاقتناع فيما هو حقيقي القائم على الاحترام الثابت والقوي بشكل استثنائي. إذا لم نكن واعين بكل تلك الخصال الجيدة، سيكون من الصعب أن تكون لدينا حالة من التصديق العميق المتمتع بالاحترام. كل ما يمكن أن يكون لدينا هو نوع من المواقف الداخلية القائمة على الإخلاص فيما يخص بوذا كشخص ذو نقاء وقيمة ثمينة، لكن هذا ليس أساس تحقيق أي تقدم.

أما فيما يخص الجوهرة السامية والنادرة للإجراءات الوقائية، الدارما، فهذا يشير إلى خاصية التخليصات (الهجر) وخصائص الإدراكات بالاستمرارية الذهنية للكائن المستنير، بوذا. ليس هذا فقط، إنها تلك الخصائص المتعلقة بالتخليصات والإدراكات بالذهن المستنير للكائنات سامية الإدراك، كل الأريات. تلك هي المصادر الفعلية لدارما التوجه الآمن. في سياق الطريقة الشائعة للتعامل مع هذه الجوهرة، نُدرك أن جميع النصوص والنصوص المرجعية هي تمثيل لملجأ الدارما.

الجوهرة النادرة والسامية لمجتمع النِّية، مجتمع نية الهدف الإيجابي، السانغا، سيكون مَن يساعدنا على إدراك هدف مصدر التوجه الآمن للدارما. وبشكل خاص، الجوهرة النادرة والسامية للسانغا هي جميع الكائنات سامية الإدراك، كل كائنات الأريا. الأريات هم هؤلاء الذين يرون الواقع أو الخلو، بشكل مباشر وغير مفاهيمي. يدركون أنه ليس هناك أشياءٌ مثل الهوية الحقيقية. مثل تلك الكائنات هم المصدر الفعلي للتوجه الآمن الخاص بمجتمع النّية.

في العموم، إذا كان لدينا أربع رهبان أو أعضاء من أيٍ من الأربعة أقسام لمرتدي الرداء الرهباني، فهم يشكلون سانغا أو مجتمع النية. عندما يكون لدينا فقط راهب واحد، على سبيل المثال، فهذا الشخص لا يعتبر سانغا، حيث أنه فقط شخص واحد، لا يمكن اعتباره مجتمع النية. هذا الشخص يُعرف فقط كراهب جوال أو بيكشو. يتطلب الأمر أربعة أو أكثر مِن مُرتدي الأردية الرهبانية ليشكلوا مجتمع النية أو السانغا.

بينما نتدرب، من المهم أن ندرك أنه فقط سانغا الأريا هم المجتمع الفعلي الذي يشكل مصدر التوجه الآمن، ونتدرب بهذا الإدراك. المجتمع الرهباني هو مجرد تمثيل لهم. سانغا الأريا هم أصدقاؤنا ومساعدونا الحقيقيون على المسار. عندها من بين جواهر الملجأ الثلاث، جوهرة البوذا هم هؤلاء الذين يشيرون إلى التوجه الآمن الذي نتخذه؛ جوهرة الدارما هي التوجه الحقيقي الذي نتخذه؛ وجوهرة السانغا هم المساعدون الحقيقيون، هؤلاء من يساعدوننا في مهمة اتخاذ التوجه الآمن في الحياة.

إذا قصصت عليكم قصة ستيراماتي، ابن كائنات الديفا، فلربما يساعدكم هذا على فهم الجواهر الثلاث. عندما نتحدث عن كائنات الديفا، فهذه الكائنات ليست لديها نوعية المشاكل التي تواجهنا كبشر. ليست لديهم مشاكل الثراء والممتلكات والأشياء المختلفة؛ حياتهم مليئة بمتع عظيمة. حيث يعيشون، كل شيء هو بطبيعة الجواهر والأحجار الكريمة النفيسة. يحظون دائمًا بالمتعة؛ تحيط بهم كائنات الديفا الأخرى التي في غاية الجمال كمرافقين لهم؛ ويعيشون حياة طويلة للغاية مليئة بالرفاهية والمتعة. لكن على الرغم من طول حياتهم، فلا أحد يستطيع أن يهرب من الموت. هي فقط مسألة وقت.

قبل موتهم، تتلقى تلك الكائنات علامات مختلفة على موتهم الوشيك. عادة، تكون أجسادهم عطرة، لكن عندما يكونون على وشك الموت، تُخرج أجسادهم رائحة قذرة للغاية. دائمًا يرتدون حُلي من الأزهار المختلفة؛ لكن، في وقت موتهم، تذبل تلك الأزهار. على الرغم من أنهم عادةً ما يلهون ويتمتعون بصحبة كائنات الديفا الأخرى، عندما تظهر تلك العلامات، يهجرهم الجميع ليتركهم وحيدين. فقط الأصدقاء ذوو الحسم والثبات يأتون لزيارتهم. لكن يقومون بهذا من بعيد، يقفون على مسافة وينظرون إليهم. بالإضافة إلى هذا، عندما يكونون على وشك الموت، يكونون قادرون على رؤية إعادة ميلادهم التي سيتخذونه في الحياة التالية.

كان هناك أحد كائنات الديفا اسمه ستيراماتي. رأى هذا الكائن أنه سيذهب إلى أحد الحالات الأسوأ لإعادة الميلاد في حياته التالية، وأنه بعدها، سيولد كخنزير. عانى معاناةً وعذابًا ذهنيًا هائلاً. في العموم، عندما نتحدث عن المعاناة والألم الجسدي، الأسوأ هو ما تختبره كائنات الناركا؛ لكن فيما له علاقة بالمعاناة والعذاب الذهني ليس هناك ما هو أعظم مما تختبره كائنات الديفا في مثل تلك الظروف.

ستيراماتي ذهب كالعادة ليسأل مَلك كائنات الديفا، أندرا، النصيحة. سأله عن شيء يمكنه أن يمنع عنه هذا. قال له أندرا، "ليس لدي شيء يمكنه أن يساعدك، ليس هناك أداة ستمنحك توجهًا آمنًا مِن هذا. الوحيد الذي لديه مثل هذه الأداة هو بوذا، وسأقودك إليه". لذا أخذ ابن كائنات الديفا، ستيراماتي، لمقابلة بوذا.

وجَّهَهُ بوذا ليقوم بتدريبات شعائرية مختلفة لأحد تمثيلات جوانب شخصية بوذا، أوشنيشافيجايا، ذو الثلاثة أوجه والثمانية أذرع، أربعة منها على كل جانب. قام ستيراماتي بالتدريبات والشعائر المختلفة لتمثيلات جوانب شخصية بوذا التسعة بدورة أوشنيشافيجايا، ونتيجة لهذا كان قادرًا بالكامل على استنزاف الإمكانات السلبية التي كان قد قام ببنائها لأجل مثل إعادة الميلاد السيّئ هذا.

في هذه الحياة كان ستيراماتي يعيش في عالم الثلاثة والثلاثين ديفا. وحظي بإعادة ميلاد في عالم غَندِن الأسمى منه، توشيتا، أي عالَم أسمى حتى من الذي كان فيه. أندرا، ملك كائنات الديفا، كان قادرًا على رؤية المراحل المختلفة لإعادة الميلاد التي تتخذها الكائنات بالعوالم الأدنى من عالمه؛ لكن حيث أن ستيراماتي وُلد بعالم أسمى من عالمه، لم يكن قادرًا على رؤيته. لذا سأل بوذا، الذي أخبره أن ستيراماتي وُلد في عالم غَندِن، العالم الأسمى من عالم أندرا.

نستفيد من هذا المثال، أن بوذا هو من أشار حقًا إلى التوجُه الآمن لستيراماتي، هو من يشير للملجأ. التوجه الآمن الحقيقي وفّره تدرب ستيراماتي على أدوات تجسيد تمثيلات جوانب شخصية بوذا التسعة لأوشنيشافيجايا. كان هذا هو التوجه الآمن الفعلي، الملجأ الذي سمح له باستنزاف كامل إمكاناته السلبية. لهذا السبب ورد أن جوهرة الإجراءات الوقائية النادرة الثمينة، جوهرة الدارما، هي التوجه الآمن الحقيقي الذي علينا اتخاذه. أندرا، بهذا المثال، سيكون جوهرة مجتمع النية، السانغا، بمعنى أنه ساعد ستيراماتي على إيجاد التوجه الآمن عبر أخذه إلى بوذا.

باختصار، التدرب على مراقبة سلوكنا في سياق الأفعال المشرقة والقاتمة والتصرف وِفقها من أجل تحقيق بعض النتائج الملائمة سيكون الإجراءات الوقائية الحقيقية، الدارما، التي ستمنحنا التوجه الآمن بالحياة.

تجنّب الأفعال الهدَّامة

التصرف البنَّاء بطريقة مُشرقة يبني الإمكانات الإيجابية. نتيجة هذا هو إعادة الميلاد في إحدى الحالات الأفضل. إذا ارتكبنا فعلًا قاتمًا مظلمًا وتصرفنا بشكل هدَّام، سيبني هذا الإمكانات السلبية. نتيجة لهذه الإمكانات السلبية نُولَد في الحالات الأسوأ، وهذا مؤكد. عنصر التأكيد فيما يخص أفعال الكارما يشير إلى هذه النقطة.

إذا رغبنا في معرفة كيف نفكر بشأن الأنواع المختلفة من الأفعال الهدَّامة، فهي تُختصر في عشرة: ثلاثة تخص الجسد، أربعة تخص الحديث وثلاثة تخص الذهن. إذا فكرنا في الأولى كمثال، أول نوع من الأفعال الهدَّامة للجسد هو إزهاق الحياة. النتيجة الأولية لإزهاق الحياة هي الميلاد بإحدى عوالم الميلاد الأسوأ. هذا ما يعرف باسم "النتيجة المُحقَقة"؛ إنها أول شيء يُثمر كنتيجة لمثل هذا الفعل. ثم هناك نوعان من النتائج اللّتين تتوافقان مع سببهما: هناك النتائج المتوافقة مع سببها في الخبرة، والنتائج المتوافقة مع سببها في السلوك. نتيجة إزهاق الحياة، النتائج المتوافقة مع الأسباب على مستوى الخبرة سيكون بعد الحصول على إعادة الميلاد الأسوأ، بعدها، حتى إذا وُلدنا كبشر، نختبر حياة قصيرة مليئة بالمرض الشديد والصعوبات. هذا يتوافق مع ما قمنا به، بمعنى التسبب في تقصير حياة شخص آخر. النتيجة المتوافقة مع الأسباب على مستوى السلوك، منذ طفولتنا المبكرة سنكون في غاية السادية ونحب القتل.

بالمثل، هناك نتائج شاملة أو غالبة والتي يختبرها العديد من الكائنات التي أزهقت حياة الآخرين. وهي، في البلد التي تولد فيها، الدواء، على سبيل المثال، يكون غير فعال وضعيف التأثير، والطعام ذو قيمة غذائية ضئيلة.

كما أن هناك تلك الأنواع الأربعة من نتائج فِعْل إزهاق حياة الآخرين، هناك أربعة أنواع مُشابهة لنتائج بقية الأفعال الهدَّامة.

عندما تكون لدينا حالة ذهنية نرى من خلالها كل مساوئ القتل، ومن ثَمّ نعقد العزم، نتيجة لوعينا بهذه المساوئ، على أن نمتنع عن إزهاق الحياة ونمتنع بعدها فعليًا عن القتل، هذا التدرب على الامتناع فِعلٌ جسدي إيجابي مُشرق. إنه الفعل البنَّاء للامتناع عن القتل.

إذا، عبر رؤية مساوئ القتل في موقف بعينه، عزمنا على الامتناع لمرة واحدة فقط عن إزهاق حياة الآخر، ومنعنا أنفسنا في هذا الموقف، سنختبر مجموعة واحدة من نتائج هذا الفعل البنَّاء. مع ذلك، إذا، في ذات الموقف، أخذنا عهدًا ألا نقتل أبدًا مرة أخرى، وبعد ذلك، امتنعنا طيلة الوقت عن القتل، عندها حتى أثناء نومنا، سنستمر في بناء الإمكانات الإيجابية للاستمرار في الامتناع عن فعل القتل.

من بين التلاميذ المقربين من شكياموني بوذا، كل واحد منهم كانت له تخصصاته. كان هناك كاتيايانا ذو الإدراك السامي الذي كان، على وجه خاص، قادرًا على التعامل مع الناس من البلاد الأجنبية وترويضهم. قابل مرة جزّارًا وطلب من هذا الرجل أن يأخذ عهد بعدم القتل، ألا يذبح حيوانًا بعد الآن. قال له هذا الشخص، "لا يمكنني هذا، لا يمكن أن أعد بألا أذبح أثناء النهار. لكن يمكنني أن أعد ألا أذبح حيوانًا أثناء الليل".

في هذا الوقت، كان هناك العديد من الكنوز العظيمة والجواهر التي يمكن العثور عليها في المحيطات، والعديد من التجار اعتادوا الخروج في البحر، سعيًا وراء الثروة. كان هؤلاء التجار عادة ما يأخذون دليلًا معهم، حيث أن رحلة البحر في ذاك الزمن كانت في غاية الصعوبة والخطورة. في إحدى المرات، مجموعة من التجار سألوا سانغاراكشيتي ذو الإدراك السامي أن يأتي معهم كدليلٍ لهم. بسبب الطقس السيّئ والأمواج العاتية فقدوا طريقهم وحطوا في أرض غريبة غير معروفة.

في إحدى الليالي، عندما كان سانغاراكشيتي يتجول في تلك الأرض الغريبة، صادف منزلًا جميلًا فيه مؤونة وافرة. نام فيه هانئًا تلك الليلة. عندما استيقظ في الصباح التالي قبل الفجر، قال له مضيفه، "رجاءً، اِرحل من هنا قبل شروق الشمس، لأنه أثناء النهار لدي مشاكل سيئة تعذبني طيلة اليوم حتى غروب الشمس". شرح له أنه ما أن تشرق الشمس، كل الحيوانات المحيطة بالمكان تأتي إلى منزله وتهاجمه. حيوانات ذات قرون تنطحه وتطعنه. وتلك ذات الأسنان والأنياب تعضه، وذات المخالب تجرحه. ويستمر هذا المشهد البشع حتى غروب الشمس مساءً. وقال، "لكن فور غروب الشمس وحتى شروقها في الصباح، كل شيء هنا يكون مسالمًا، رائعًا وجميلًا".

لاحقًا قابل سانغاراكشيتي بوذا ووصف له أنه في أرض بعيدة هناك شيء في غاية الغرابة. عندها شرح له بوذا، "هذه إعادة ميلاد شخص، جزَّار، أخذ عهدًا أمام كاتيايانا سامي الإدراك بأن يهجر ذبح الحيوانات فقط أثناء الليل، لكنه قال أنه عليه أن يستمر في ذبحها أثناء النهار. ما رأيتَه هناك هو نتيجة لهذا النوع من الأفعال".

لذا يمكننا من هذا المثال رؤية كيف أن أيًا كانت إمكانات الكارما التي نقوم ببنائها من الأفعال المختلفة السابقة، هناك عامل التأكيد بشأن نوعية النتائج التي ستعقبها.

علاوة على هذا، هناك عامل معروف باسم عامل الزيادة الخاص بسلوك الكارما. بعبارة أخرى، من فعل صغير للغاية، تثمر نتائج شاسعة لا حصر لها. على سبيل المثال، فكروا في جوزة بلوط صغيرة -شجرة هائلة عملاقة يمكن أن تنمو منها. هذا على المستوى الخارجي. على المستوى الداخلي، من بذرة إمكانية الكارما الناتجة عن فعل صغير، نتيجة هائلة يمكن أن تُثمر أيضًا. على سبيل المثال، إذا قمنا بالانحناء احترامًا عبر التمدد بالكامل بشكل صحيح، نبني قدرًا من الإمكانات الإيجابية مثل تلك المطلوبة للميلاد كإمبراطور عالمي، الملك تشاكرافارتين، وسيكون هذا لعدة مرات بعدد حبات الرمال أسْفَلنا أثناء القيام بالانحناء احترامًا.

كان هناك شخص قام بتأليف نصًا مُضللًا عن تدريب شعائري يتضمن استخدام الأفاعي. نتيجة لهذا، شيء سيئ حدث لرأسه: حدث له تقيّح وبدأ في حكِّه. ثم، تحوَّل بالفعل إلى ثعبان. بالمثل، هناك شخص قال لراهب، "صوتك مثل صوت الكلب"، ووُلد ككلب لخمسمائة مرة. لذا حتى من هفوة بسيطة مثل هذه، كالقول لأحدهم صوتك مثل الكلب، كوارث سيئة يمكن أن تنتج عن هذا.

في بداية العالم، أول ملك حاكم كان يُعرف باسم "الملك المُختار بالإجماع". هذا الملك لم يسيطر فقط على عوالم الجُزر الأربعة -ما يُطلق عليه "القارات الأربعة"- وعوالم الجُزر الثانوية، لكنه أيضًا قام ببناء الإمكانات الإيجابية التي مكَّنتْه من مشاركة العرش مع مَلك كائنات الديفا، أندرا، في عالم الثلاثة وثلاثون ديفا، توشيتا. بينما كان يشاركه العرش، إحدى كائنات الأزورا، التي كانت دائمًا ما تهاجم كائنات الديفا، أصبحت في غاية القوة وكانت تحقق النصر في المعارك. كان هذا المَلك ممزقًا بين خيارين: مساعدة كائنات الديفا في الحرب أو الاستفادة من الموقف ومحاولة انتزاع عرش توشيتا ليحكم وحده. حاول قدر استطاعته، لكنه لم يكن قادرًا أبدًا على انتزاع العرش بالكامل لنفسه. السبب في عدم امتلاكه الإمكانات الإيجابية لتحقيق هذا، هو أنه في وقت بوذا السابق قدَّم وهبًا من خمس حبات بازلاء لبوذا. عندما وهب الحبات الخمس ووضعها في وعاء الهبات لبوذا السابق، أربع حبات منها سقطت في الوعاء، لكن واحدة بقيت على حافته. كنتيجة للإمكانات الإيجابية التي قام ببنائها بالحبات الأربعة التي دخلت الوعاء، كان لديه المُلك على القارات الأربعة وكان قادرًا على مشاركة العرش مع أندرا. لكنه تمكّن فقط من حيازة نصف عرش أندرا، لأن الحبة الباقية وقفت في نصف الطريق على حافة الوعاء.

هذا النوع من الأمثلة يعطينا مادة للتفكير فيما يخص كيف تنمو إمكانات الكارما في سياق عامل زيادة الكارما. من المهم للغاية التفكير بشأن العوامل المختلفة المتعلقة بسلوك الكارما ونتائجه.

Top