أهمية السياق الثقافي
نشأت البوذية داخل السياق الثقافي الآسيوي، تحديدًا في الثقافة الهندية القديمة. ومع انتشارها في حضارات أخرى تم تبنيها من قِبَل ثقافات آسيوية أخرى، بما في ذلك التبتية. لكن كيف نميز البوذية عن الثقافات الآسيوية أو الثقافة التبتية؟ هذا سؤال في غاية الأهمية. تحديدًا إذا كنا نعمل على نفع الآخرين. على سبيل المثال، نحن قد نكون مفتونين بالثقافة التبتية أو قد نكون معجبين بالثقافة الآسيوية بشكل عام، إلا إننا إذا رغبنا في نفع الآخرين وتقديم التعاليم البوذية لهم، الدارما، هل سيكون ذلك الافتنان مفيدًا لهم؟ اَعتقد أن هذا هو السؤال الحقيقي.
تمامًا مثلما أن نحب أو لا نحب جوانب ما من الثقافة التبتية، سيكون هناك آخرين نسعى لمساعدتهم قد يحبونها أو لا يحبونها أيضًا. نحن بحاجة لأن نكون مرنين في سياق العمل مع الآخرين ومساعدتهم. هل سنقوم بتشجيعهم على إضاءة مصابيح الوهب وتعليق أعلام طلب الإلهام، أم أن هذا قد يتسبب في انصرافهم عن البوذية؟ هناك شيئان يجب وضعهما في الاعتبار هنا: هدفنا ومنفعتنا الشخصية، والأغراض والأهداف الخاصة بالآخرين.
علينا أن نسأل أنفسنا سؤالًا أساسيًا: هل بإمكاننا الحصول على التعاليم البوذية دون السياق الثقافي؟ بعبارة أخرى، هل من الممكن وجود التعاليم وحدها بمعزل عن السياق الثقافي؟ بالمثل، هل من الممكن وجود أي شيء بمعزل عن سياق ما؟ إذا رغبنا في استخدام المصطلحات الموجودة في تعاليم الخلو، عندها يجب طرح سؤال "هل بإمكاننا إنشاء شيء مثل التعاليم البوذية وتكون قائمة بذاتها، أم أنها تنشأ اعتمادًا على سياق ما؟".
بالتأكيد، من خلال التحليل الخاص بالخلو، ليس بإمكاننا إنشاء التعاليم البوذية خارج سياق ما. هذا يتناسب مع المبدأ العام الذي نعرف أن بوذا علَّمه بالأدوات الماهرة. فقد علَّم بوذا مختلف الأشخاص، الطلبة، التلاميذ في سياق ما قد يستطيعون فهمه. فالأشخاص يعيشون في مجتمع لديه ثقافة وأفكار أساسية، لا يعيش الناس عمومًا بشكل مستقل عن المجتمع والثقافة الخاصة به.
إذا نظرنا فقط في سياق بوذا التاريخي، فقد علَّم جمهورًا هنديًا. إذا فكرنا في سياق ناقلة الماهايانا الشاسعة، علَّم بوذا عددًا لا نهائيًا من الكائنات في عوالم لا تُحصى، ولكن في كل هذه العوالم وأراضي بوذا كانت هناك ثقافة ما.
السياق الهندي الأساسي
إذا نظرنا إلى التعاليم البوذية التي تم تدوينها والمتاحة لنا الآن، سنجد موضوعات عامة موجودة فعليًا في جميع النُظُم والأفكار الفلسفية الهندية. هناك الكارما والميلاد المتكرر المُتأثر بالكارما التي يتم بناؤها على أساس من الجهل أو عدم الوعي. هناك مسار المُنصتين للتعاليم من المعلم الروحاني، وبعدها التفكير في هذه الموضوعات والتأمل عليها من أجل الحصول على التحرر من هذا الجهل وإعادة الميلاد في السامسارا. بعبارة أخرى، التحرر يتحقق من خلال فهم الواقع وتنقية الكارما. سنجد هذا شيء مشترك في العديد من النُظُم الهندية المختلفة، بالإضافة إلى تعاليم الحب والشفقة وجميع الأدوات الخاصة بتحقيق التركيز. حتى التعاليم الخاصة بتحقيق الشاماتا والفيباشيانا، والتي قد نعتقد في بعض الأحيان إنها قاصرة على البوذية، إلا إنها ليست كذلك. بعض الأنظمة الهندية الأخرى تقوم بتعليم أدوات الوصول إلى حالة السكون والثبات الذهني "الشاماتا"، والحالة الذهنية للبصيرة الاستثنائية "الفيباشايانا".
صاغ بوذا مجتمعه الرهباني على غرار المجتمع الجيني الذي كان موجودًا بالفعل. القيام باجتماعات نصف شهرية للرهبان ومفهوم الملجأ الذي كان موجودًا من قَبل البوذية. والذي كان موجودًا في المعتقد الجيني. تقديم الوهب وقبول وجود كائنات مختلفة في عوالم مختلفة، كائنات الناركا والبريتا والأزورا، بالتأكيد موجودة في جميع النُظُم الهندية، بالإضافة إلى جبل ميرو والقارات الأربع. إذا أقصينا ذلك، قائلين أن بإمكاننا تلقي البوذية دون السياق الهندي، فما الذي سيتبقى؟
التفرقة بين الجوانب الثقافية للتدرُّب البوذي وما هو جوهري في البوذية
البوذية بشكل واضح تم تعليمها في سياق الثقافة الهندية. عندما ننظر للكيفية التي انتقلت بها إلى الثقافات الآسيوية الأخرى، سنجد أن جميع تلك الجوانب التي ذكرناها مُسبقًا -مثل الالتزام الأخلاقي- تم الحفاظ عليها. التبتيون حافظوا عليها، الصينيون حافظوا عليها، اليابانيون حافظوا عليها، وجنوب شرق آسيا حافظوا عليها. بالطبع، في كل تلك الدول أضافوا القليل من العناصر الأساسية التي ساعدتهم في جَعْل التعاليم البوذية أكثر راحة قليلًا في ثقافتهم.
العديد من تلك العناصر التي أضافتها تلك الثقافات الآسيوية الأخرى كانت شديدة السطحية، على سبيل المثال، أضاف التبتيون أعلام طلب الإلهام، والتي جاءت أساسًا من تقليد البون السابق. قد نتجادل في أنها ليس من الجوهري اِتباعها فيما يُدعى بـ "البوذية الغربية". بالتالي، نحن بحاجة للتمييز بين هذه الجوانب الثقافية تحديدًا والتي أضافتها الثقافات الأخرى للبوذية عن الجوانب الهندية الأساسية. بعدها سنحتاج إلى تفحص ما إذا كان عند إقصائنا لتلك الجوانب الهندية، هل سيتبقى ما يعمل على تمييز التعاليم على إنها تنتمي للبوذية؟
الجوانب السطحية والثقافية المحددة
العديد من الخصائص الثقافية المحددة التي تم إضافتها للبوذية، حدثت نتيجة لأسباب عملية وضرورية. على سبيل المثال، لم يستطع التبتيون اِتباع بعض العادات الهندية لأن ما كان متوفرًا في الهند لم يكن متوفرًا في التبت. أنا أتحدث عن الوهب هنا. لم يكن لدى التبتيون هذا التنوع الكامل في الزهور لاستخدامه في الوهب، لذا استخدموا الأزهار البيضاء المجففة، ذات الأوراق الرفيعة المشابهة لورق الشجر، والتي تجدونها داخل الثمار التي تنمو على بعض الأشجار في التبت ويُطلقون عليها زهورًا. هل يجب علينا أن نستخدمهما؟ لا بالطبع. مصابيح الزُبد التبتية، مثل الموجودة في الهند. لكن هل يجب علينا استخدامها؟ من المرجح لا. هل بإمكاننا وهب مصابيح إضاءة ونقوم بتشغيل الكهرباء بدلًا من ذلك؟ لما لا؟ إنها إضاءة. بعض التبتيين في الهند يقومون بذلك، ويقومون أيضًا بوهب الأزهار البلاستيكية، لأنها تدوم طويلًا. التبتيون عمليون للغاية!
ماذا عن رسومات التانكا؟ التبتيون قاموا بخياطة القماش الصيني المزركش حول الرسومات وجعلوها لِّفَافات. هل نحن بحاجة للقيام بذلك؟ ليس بالضرورة. إلا إذا كنا نحب القيام بذلك. لكنه أمر سطحي. فبإمكاننا وضع الرسومات البوذية في أُطُر.
ماذا عن الموسيقى؟ لدى التبتيون آلات موسيقية متنوعة عن الموجودة في الهند. وقاموا بتأليف الموسيقى الخاصة بهم المصاحبة للأشياء. هل علينا أن نعزف على الآلات الموسيقية التبتية، أم أن بإمكاننا العزف على البوق أو الساكسفون من أجل الوهب؟ هل سيكون ذلك مقبولًا؟ نظريًا، لما لا. الهدف من القيام بهذا الوهب هو تنمية والتدرُّب على الكرم. من جانبهم، فالبوذات بالتأكيد لا يأبهون إذا ما استمعوا إلى آلة السيتار الهندية، البوق التبتي الطويل أو الساكسفون الغربي. ما الفرق الذي سيحدث؟ بالتأكيد ليس هناك فرق. الشيء المهم هو أن تكون الموسيقى وقورة ولا تبدو مثل نغمة شعبية سخيفة.
ما هي الأشياء الأخرى التي من الممكن أن نُفكر فيها وتختلف من ثقافة إلى أخرى؟ ماذا عن ملابس الرهبنة؟ ملابس الرهبنة التبتية تختلف في لونها وهيئتها عن تلك المستخدمة في جنوب شرق آسيا، والصينية تختلف عن كل منهما، والمنغوليون لهم نوع آخر من ملابس الرهبنة. لكنهم جميعًا لديهم ملابس للرهبنة. وهذه هي النقطة الأساسية.
بإمكاننا التساؤل عن عهود الرهبان والراهبات. نسخة أو أخرى من النسخ المتعددة للعهود التي نشأت في الهند، تم الاحتفاظ بها في جميع الدول الآسيوية الأخرى التي انتشرت فيها البوذية. على سبيل المثال، هل يتبع التبتيون جميع العهود المُدرجة في النسخة التي تبنوها؟ قد تقولون أن بعض تلك العهود ليست إلى حد ما ذات صلة. فالتبتيون لا يتجولون في القُرى حافيي الأقدام بوعاء الصدقات، ولذا حتى وإن كان لدى الرهبان التبتيون عهودًا متنوعة تعني بطريقة تلقي الصدقات مثل: الإبقاء على نظرك إلى الأسفل، وما إلى ذلك، فإنهم بالتأكيد لا يتبعونها كلها.
بالطبع، يُصبح هذا سؤال صعب وشديد الحساسية. إذا كان لديكم عهود تعني بطريقة تلقي صدقات الطعام، فهل هذا معناه أن عليكم حقًا التجول لتتسولوا؟ في التبت، الرهبان والراهبات يحصلون على الطعام من الوهب الذي يُقدمه لهم الآخرون في الأديرة. هم لا يخرجون لجمع الوهب. فهل البقاء داخل الأديرة يجعل هذا التلقي صحيحًا؟ هذا شيء من الصعب البت فيه. فعلى سبيل المثال، الصينيون، قضوا تمامًا على فكرة تجول الرهبان والراهبات لتلقي الصدقات من الطعام. فعلى الرهبان والراهبات إنتاج طعامهم؛ عليهم التحول إلى مزارعين، بالطبع كما نرى، هناك شيء من التكيُّف الثقافي في هذا الموقف.
إذا نظرنا إلى المؤسسات الرهبانية، فهل التسول مجرد فعل ثقافي؟ لا، فبالتأكيد إنشاء المؤسسة الرهبانية في مجملها كانت واحدة من المؤسسات التي كانت مدعومة من المجتمع، إذًا كيف بالإمكان ملاءمة ذلك مع المجتمع الغربي، ولا يزال لدينا العهود الخاصة بالتسول؟ هذه الأسئلة من الصعب للغاية الإجابة عنها. هل يجب علينا إرسال جميع الرهبان والراهبات إلى ألمانيا ليتسولوا طعامهم في أوعية صغيرة، أو بيع المجلات في مترو أنفاق برلين يوميًا؟ سيكون ذلك غريبًا بعض الشيء، أليس كذلك؟ لكن، سيكون ذلك تسولًا. إذا لم يدعم المجتمع المؤسسة الرهبانية، فكيف سيحيا المجتمع الرهباني؟ هذا سؤال صعب للغاية في الغرب. هل وجود تقليد رهباني هو شيء ينتمي للثقافة وحسب؟ على سبيل المثال، لدينا تقليد رهباني كاثوليكي في الغرب، هناك تقليد إعطاء منح لدعمهم، لكن بعض هذه الأديرة في الغرب تصنع النبيذ. هذا لن يتماشى مع السياق البوذي، فهل علينا التكيف مع ذلك؟ ما الذي بإمكاننا التكيف معه، وإلى أي حد علينا التكيف؟
مثال جيد للغاية للأشياء الأخرى التي تمت إضافتها إلى البوذية، ففي البوذية الصينية، أضافوا طاعة الوالدين كواحدة من السلوكيات البناءة، بمعنى إنه على الأبناء العناية بوالديهم. يُشدِّد الصينيون على هذا الأمر بقوة. حتى إنهم يقدمون الوهب إلى أسلافهم في المعابد البوذية. من وجهة النظر البوذية، هذا شيء غريب جدًا لأن الآباء الذين ماتوا أُعيد ميلادهم!
لدى التبتيون عادة أن يتخذ الرجال أكثر من زوجة، وتقليديًا في الكثير من الأحيان يحدث ذلك في الصين. بعض الزوجات التبتيات يتخذن أكثر من زوج. كيف تتلاءم تلك التقاليد مع التعاليم الخاصة بالسلوك الجنسي غير اللائق؟ إذًا، فالصينيون والتبتيون يوائمون عاداتهم مع التعاليم الهندية في هذا الشأن. هل علينا أخذ تلك العادات الخاصة بتعدد الزوجات والأزواج في ثقافتنا؟ لا، ولكن ماذا عن النقاط الأخرى الخاصة بالسلوك الجنسي الذي يعتبره العديد من الغربيين شيئًا طبيعيًا، والذي يُعتبر في النصوص البوذية سلوكًا جنسيًا غير لائق؟
ماذا عن اللغة؟ الكثير من اللامات التبتيين يُشدِّدون على وجوب قيامنا بتدرُّبنا باللغة التبتية. في محاضرة أخيرة للرينبوتشي دزونجسار كينتيس والتي قدمها في برلين، أثار تساؤلًا في غاية الأهمية يتعلق بهذه النقطة. فقد قال، إذا اضطر التبتيون إلى ترديد جميع ترديدات بناء الإلهام الخاصة بهم باللغة الألمانية، بحيث يُكتب منطوقها بالأحرف التبتية دون فهم معانيها، عندها سيتساءل عن عدد التبتيين الذين سيقومون بذلك بالفعل. من الجلي، أنه برغم أن بعض اللامات يؤكدون على قيامنا بتدريباتنا باللغة التبتية، إلا إننا قد نتساءل عن مدى فائدة القيام بها بهذا الشكل. فالتبتيون بالتأكيد لا يقومون بتدريباتهم باللغة السنسكريتية، ولا يقومون ببناء تخيلات المانترا بالحروف السنسكريتية. وإنما يستخدمون حروف الأبجدية التبتية، ولا حتى ينطقون المانترات بالطريقة التي تُنطق بها بالسنسكريتية. مصطلح "فاجرا" بالسنسكريتية، ينطقونه بالتبتية "بينزوا". وعندما نتحول للغة المنغولية من اللغة التبتية، ينطقه المنغوليون "أوتشير"، إذًا أي من تلك المصطلحات هو الصحيح؟ عندما نتحول إلى اللغة الصينية فلن نستطيع حتى تمييز المصطلح، ويتغير المصطلح تمامًا عندما ينطق اليابانيون الحروف الصينية.
أحد الأسباب التي جعلت واحد من اللامات العِظام الإصرار على أن يقوم الأشخاص بتدريباتهم باللغة التبتية، إنه كان لديه تلاميذ من جميع أنحاء العالم، وإذا قام كل منهم بترديد تدريباتهم باللغة التبتية مثل "بوجا تشينريزغ"، عندها سيتمكنون من التدرُّب معًا. أما إذا قام كل فرد بالتدرُّب بلغته، فلن يتمكنوا من التدرُّب سويًا. وكسابقة لهذه المتسلسلة المنطقية، سنجد أنه بغض النظر عن البلد التي أتى منها رهبان الثيرافادا سنجدهم جميعًا، يقومون بترديد النصوص البوذية باللغة البالية، ولكن بنفس المنطق، فيجب على الصينيين والتبتيين القيام بالترديد باللغة السنسكريتية، إلا إنهم لا يقومون بذلك. لذا فهناك مجال لمناقشة هذا الأمر فيما يخص المميزات والعيوب.
عندما تبدأون في التفكير في هذا الأمر، ستجدون أن هناك العديد من الأشياء التي من الممكن التشكيك بها على إنها تنتمي إلى السياق الثقافي فقط. ماذا عن الطريقة التي يجلس بها الأشخاص للتأمل؟ يجلس الهنود متقاطعي الأرجل. التبتيون يتبعون الطريقة نفسها. البوذيون اليابانيون يجلسون أساسًا على ركبهم وأرجلهم خلفهم. التايلنديون يجلسون وأرجلهم موجهة إلى جانب واحد. هل بإمكان الغربيون اللذين لم يعتادوا على الجلوس أرضًا أن يجلسوا على المقاعد؟ في تدريبات معينة خاصة بالتانترا والمعنية بالعمل على أنظمة الطاقة الخفية، قد لا ينفع ذلك. أما بالنسبة للتدريبات العادية، لما لا؟ حتى طُرق الانحناء احترامًا تختلف بين الدول الآسيوية المتنوعة. علينا تركيز تفكيرنا في هذه الحالات على الهدف، والهدف وراء القيام بها هو إظهار الاحترام، مثلما في الانحناء احترامًا، والجلوس من أجل التأمل بطريقة منضبطة بدلًا من الجلوس بالطريقة المعتادة.
في تلك الأمثلة، هناك مبادئ محددة يتم اِتباعها بطُرق ثقافية مختلفة في تلك الدول المتنوعة. فمن الممكن أن تكون لدينا طريقتنا الثقافية الخاصة. الرهبان يرتدون ملابس خاصة، هل يجب أن تكون مماثلة بالضبط لأردية التبتيين والصينيين؟ ربما لا، لكن يجب أن تكون مخصوصة، يجب أن تكون مختلفة عن الملابس العادية لغير الرهبان وعلى الجميع أن يرتدوا الرداء نفسه، حتى لا ينشغلوا بمدى جمال مظهرهم.ما هو المبدأ خلف التسول؟ المبدأ خلف ذلك هو عدم الانخراط في التجارة، ومحاولة كسب المال، محاولة كسب أرباح. وإنما العيش على ما يُعطيه الآخرون وأيًا كان يتم قبوله. ويكون هناك رضا في ذلك. هل هناك طريقة ما من الممكن بهاتحقيق ذلك في مجتمعاتنا؟ هل نحن بحاجة إلى كل هذه الزخارف المُتقنة في المراكز البوذية بحيث تتم على الطريقة التبتية مع الأماكن التبتية المُخصصة لتقديم الوهب، والستائر المُعلقة على السقف بألوان محددة؟ هل نحن بحاجة لذلك حقًا؟ هل هذا ينتمي للثقافة؟ سأجيب بنعم، هذا شيء ثقافي. فنحن قطعًا لا نجد ذلك في المعابد البوذية اليابانية. لكن البعض يحبون هذه الزخارف وإذا كانوا يحبونها، فلما لا؟ البعض الآخر قد يجدونها غريبة للغاية.
شيء واحد يجب أن أُضيفه: ماذا عن جميع الوهب الذي يقدمه التبتيون إلى كائنات مثل الجانغبو؟ستجدون ذلك أيضًا في الهند. لديكم تنوع كامل من الغاندارفاسات والياكشات والراكشاسات. الذين يُطلقون عليها "شياطين"، "الأرواح الشرسة" وما إلى ذلك، ويقدمون الوهب لهم قائلين "احمونا، لا تؤذونا". في الحقيقة لم يخترع التبتيون ذلك وإنما أخذوه من الهند، إلا إن التبتيين أضافوا العديد والعديد من الأرواح المحلية. بعد ذلك، احتفظ المنغوليون بكل شيء من التبتيين وأضافوا إليه المزيد. هل نحتاج ذلك؟ إن الأمر حتى أكثر تعقيدًا، لأن الياكشاسات والراكشاسات وجميع الأرواح الأخرى الموجودة بشكل عام في الثقافة الهندية، ليست فقط بوذية. الآن من الممكن أن تقولوا أنه في البوذية الغربية بإمكاننا تقديم الوهب إلى الجنيين، الغيلان والأقزام وكل تلك الكائنات الأخرى التي تجدونها في الكُتُب الخيالية لتولكين، لأنها النظير الثقافي في الغرب. إذا قمنا بذلك، فهل سنحافظ على المبدأ نفسه الموجود في البوذية؟ في الحقيقة، هناك حتى بعض المترجمين الغربيين الذين يترجمون "الداكينات" إلى "ملائكة" و"جنيات". إذًا فهل يجب أن يكون لدينا ملائكة وجنيات أيضًا في النسخة البوذية الخاصة بنا؟
على الفرد التفكير في: هل هناك أي معنى عميق لكل ذلك؟ هل نحن هنا حقًا نتحدث عن قِوى مؤذية؟ اَعتقد إنه في الغرب نحن أكثر راحة مع كلمة "قِوى" عن "أرواح". فقد أصبح هذا التساؤل أكثر صعوبة لأننا عندها يجب أن نبدأ الحديث عن مصطلح "شر". هل هناك شر في العالم، وهل يجب علينا صراع هذا الشر؟ وبعدها يأخذنا هذا إلى تساؤلات كاملة حول الشيطان وما هو من هذا القبيل. هل نحن حقًا نريد للبوذية أن تأخذ هذا المنحى؟ هل سيتناسب هذا مع مجتمعنا، مع ثقافتنا؟ هذا سؤال صعب. أغلبنا سيشعر أكثر بالراحة في ألا نتبنى كل ذلك. إذا انتقلت البوذية إلى أوروبا في العصور الوسطى، ففي الأغلب سيكون لديها كل الأشياء المتعلقة بمطاردة الشيطان، أليس كذلك؟
شيء آخر ينتمي إلى التبتيين بقوة وبإمكاننا وضعه في فئة الأشياء السطحية، أشياء ثقافية سطحية إذا أعجبتكم، فهذا حسن، إذا لم تعجبكم، فهذا حسن أيضًا، بإمكانكم التدرُّب بدونها، وهي التورما. هي مخروط مصنوع من دقيق الشعير ومخلوط بالزُبدة ويتم تصميمه وتزيينه بمنحوتات من الزُبدة. معلمي، الرينبوتشي سيركونغ، اعتاد أن يقول بإمكانك أن تحتفظ بعُلبة من البسكويت بدلًا من ذلك -ليس عليكم أن يكون لديكم وهب من التورما المتقنة تلك.
الملامح الثقافية الهندية العامة
دعونا الآن ننتقل إلى الملامح الثقافية الهندية العامة مثل الكارما، إعادة الميلاد، التحرر، والاستنارة. هل من الممكن أن نتبنى البوذية بدونها؟ اَعتقد أن هذا سيكون زائد عن الحد. فما الذي سيتبقى؟ التأمل هو شيء نجده عبر الثقافة الهندية. فهل علينا إقصاؤها فقط لانتمائها إلى الثقافة الهندية؟ أشياء مثل أوضاع الجسد التي نستخدمها أثناء التأمل قد تختلف من ثقافة إلى أخرى، لكن الأداة في حد ذاتها، بالتأكيد هي جزء لا يتجزأ من المسار.
التعاليم البوذية التبتية الخاصة بالمراحل المتدرجة للمسار لام-ريم، ترسم بوضوح الحدود الفاصلة بين ما هو من الدارما وما هو ليس منها. استهداف نفع الحيوات المستقبلية وما يتجاوز هذا من أهداف هو ما يضع تلك الحدود. إذا كان تدرُّبكم من أجل نفع هذه الحياة فقط، فهذا ليس من الدارما. هذا شيء واضح في التعاليم. بعدها هناك المستويات الثلاثة من الدافع وفقًا للام ريم: الحصول على حيوات أفضل في إعادات الميلاد المستقبلي، بلوغ التحرر من إعادة الميلاد، بلوغ الاستنارة فتتمكنوا من مساعدة الآخرين جميعًا على التحرر من إعادة الميلاد، هل يمكن القيام بأي من هذا دون وجود إعادة الميلاد بالبوذية؟ سأقول لا. لكن فيما يتعلق بالحصول على حياة مستقبلية أفضل وإعادة ميلاد، بالتأكيد هذا ليس شيئًا حصريًا على البوذية، ناهيك عن الأنظمة الهندية. الديانات الإبراهيمية بها الشيء نفسه على هيئة مُنقّحة، السعي للذهاب إلى الجنة بعد الحياة على الأرض. هذه إعادة ميلاد، أليس كذلك، وهي أفضل من الموجودة الآن! إلا إنه، بما أنه مجرد تحسين إعادات الميلاد المستقبلية ليست الهدف النهائي في البوذية، ولكنه فقط يُتيح لنا امتلاك ظروف مواتية أكثر للاستمرار على المسار، فمن الممكن تضمينها في البوذية بأريحية.
مع استثناء واحد، جميع النُظُم الفلسفية الهندية تؤكد على أن إعادة الميلادات التي بلا بداية مدفوعة بالجهل بالواقع والكارما. جميعها أيضًا تهدف إلى التحرر من إعادة الميلاد اللانهائية من خلال الفهم الصحيح. إذن فمن الواضح أن استهداف التحرر من إعادة الميلاد والكارما من خلال الفهم الصحيح للواقع، في حد ذاته، ليس شيئًا مقصورًا على البوذية، لكن، بالنظر إلى النُظُم الهندية الأخرى، يَدّعي بوذا أن التحرر الذي يؤكدون عليه ليس تحررًا حقيقيًا، لأن فهمهم للواقع كان غير صائب. بعدها فسَّر أن التحرر أتى من فهم أن أنواع الروح، الأتمان، التي يؤكدون عليها لا تتوافق مع أي شيء حقيقي. الإدراك غير المفاهيمي للخلو التام للأرواح المستحيلة هو ما يجلب التحرر من إعادة الميلاد التي ليس لها بداية تحت تأثير قِوى الكارما والجهل. من الواضح، أن الآخرين يقولون الشيء ذاته عن البوذية: ما علَّمه بوذا غير صحيح وأن نظامهم هو الوحيد الصائب. لاحقًا، العلَّامات البوذيون الهنديون ناقشوا موقف بوذا بالمنطق في مناظرات تم إقامتها مع أولئك العلَّامات الآخرين وناقشوا الأمر بما لا يدع مجالًا للشك.
مسألة إعادة الميلاد برُمّتها هي مسألة فيصلية لفهم التعاليم الخاصة بالكارما، لأن نتائج سلوكياتنا ليس بالضرورة أن تُثمر في هذه الحياة. في الحقيقة، معظمها لا يُثمر. هذه النقطة أصبحت في غاية الأهمية "لماذا عليَّ أن اتبع أخلاقيات بوذا؟ فبإمكاني الغش والإفلات من العقاب". أنتم بحاجة إلى فهم إعادة الميلاد من أجل التعامل حقًا مع الكارما والوصول إلى التحرر منها، ولفهمها، عليكم فهم جميع المبادئ الخاصة بقانون الأسباب والنتائج السلوكي.
أنا أقوم بالتمييز بين "الدارما الشاملة" و"الدارما المخففة" مثل "الكوكاكولا الأصلية" و"الكوكاكولا اللايت". النسخة "المخففة" هي النسخة التي لا تتضمن إعادة الميلاد: فقط كونوا طيبين ومتعاونين لتحسين جودة هذه الحياة. في هذا السياق، بإمكانكم اِتباع جميع التعاليم البوذية المتعلقة بالتغلب على المشاعر المزعجة دون التطرق إلى إعادة الميلاد والتحرر من إعادة الميلاد.
لكن هذا ليس "الدارما الشاملة" وهنا يُصبح التساؤل، "إذا قلّصنا البوذية لتُصبح شكل آخر من علم النفس. فهل ستظل بوذية بوذية؟ مرة أخرى، إذا أطلقتم عليها "الدارما المخففة" وإذا كان هذا هو ما يتلاءم معكم، بما إنها مفيدة للغاية، إذن فهذا حسن، ليس هناك مشكلة. فقط لا تخلطوا بينها وبين الدارما الشاملة، والتي بها موضوعات الكارما، إعادة الميلاد، التحرر والاستنارة، والتي جميعها عناصر الثقافة الهندية. لكن عليكم معرفة أن الالتزام الذاتي الأخلاقي يكون أكثر صعوبة عند اِتباع الدارما المخففة، لأنه في العديد من المواقف، فأنتم لا تختبرون نتائج السلوك الهدَّام في هذه الحياة. على سبيل المثال، هناك مجرمون يفلتون بجريمتهم ولا يُقبض عليهم أبدًا.
يبرُز سؤال مثير للاهتمام. بدلًا من العمل على تحسين حيواتنا المستقبلية، هل بإمكاننا استبدال التفكير فيما بعد هذه الحياة بالتفكير في الأجيال المستقبلية في سياق قانون الأسباب والنتائج السلوكي؟ هل من الممكن إضافة ذلك إلى البوذية كبديل للحيوات المستقبلية؟ بالتأكيد سيتناسب ذلك بشكل أكثر راحة مع طريقة التفكير في الغرب، على الأقل الطريقة العلمانية في التفكير في الغرب. لا اَعتقد أن إضافة ذلك يتعارض مع أي شيء في البوذية، كما أضاف الصينيون طاعة الوالدين وخدمتهم والتي لا تتعارض مع أي مبدأ بوذي. لكن هل من الممكن استبدالها مع مبدأ إعادة الميلاد، أم سيكون فقط شيء تم إضافته؟
أحد المبادئ الأساسية للكارما التي علَّمها بوذا، أن الشيء الوحيد المؤكد بشأن سلوكياتنا هو أننا سنختبر نتائجه. وليس من المؤكد ماهية تأثير سلوكياتنا على أي أحد آخر، وهذا قد يتضمن الأجيال القادمة. فمن الممكن أن تعطي شخصًا ما وجبة لذيذة ورائعة وبعدها يختنق بها ويموت. حتى إذا أدرجنا كجزء من البوذية الغربية إرشادات محاولة تجنب إيذاء الأجيال القادمة، اَعتقد أنه سيظل علينا أن نضع في اعتبارنا المبدأ العام البوذي الخاص، بأن الشيء الوحيد المؤكد هو أننا سنختبر تأثير سلوكياتنا.
لم يُوجّه بوذا تعاليمه فقط للجمهور الهندي. رسالته كانت عالمية، لكنها احتوت على عناصر الثقافة الهندية للكارما، إعادة الميلاد والتحرر من إعادة الميلاد. لذلك نحتاج للتفكير جديًا في ما هو الهدف الحقيقي للمسار البوذي؟ هل الأمر فقط متعلق بتحسين الأشياء في هذه الحياة؟ هذا هو الهدف من الدارما المخففة. أو لربما يمكن حتى تحسين هذا الهدف ليشمل جعل العالم مكانًا أفضل للأجيال القادمة عبر الاهتمام بالبيئة، الانحباس الحراري، وما شابه؟ حتى إذا أضفنا الدراما المخففة لعرضنا للبوذية الغربية، فسنظل بحاجة لمعرفة أن بوذا كان معنيًا بتحقيق أهداف الدارما الشاملة من إعادات ميلاد أفضل، التحرر والاستنارة للجميع، بما في ذلك نحن مَن اتخذنا إعادة ميلاد كبشر في الغرب. هذا هو الحال برغم حقيقة أن النُظُم الهندية الأخرى تتحدث عن تلك الأهداف أيضًا، على الرغم من اختلاف فهمها لكيفية تحقيقها.
الملامح المُمَيِّزة التي لا غنى عنها في البوذية (الأختام الأربعة للدارما)
هل هناك أي ملامح مميزة حصرية في البوذية غير مشتركة مع أي نُظُم أخرى والتي يجب إضافتها بغض النظر عن الثقافة؟ في الحقيقة، هناك. ويُطلق عليها "السمات الأربع" أو "الأختام الأربعة للدراما". المصطلح الكامل هو "نقاط الأختام الأربعة لعنونة المنظور اعتمادًا على الكلمات المستنيرة". إذا كان نظام التعاليم يحتوي على هذه النقاط الأربع، فهذا يضمن أنه جاء مما علَّمه بوذا. لذا، ما الذي يُميز التعاليم كشيء فريد حصري على البوذية؟ الحب والشفقة ليسا خاصين بالبوذية، ولا التأمل، ولا المجتمع الرهباني، أو النظام الأخلاقي بعدم التسبب في الأذى. يتلخص الأمر بأكمله في رؤية الواقع والتي تجعل التعاليم خاصة بالبوذية. لكن هذا لا يعني استبعاد جميع السمات الأخرى والاعتماد فقط على رؤية الواقع. وبالتالي لدينا هذه النقاط الأربع.
كل الظواهر المشروطة حتمية التغيير
الختم الأول هو: جميع الظواهر المشروطة حتمية التغيير، أو الظواهر المُتأثرة جميعها حتمية التغيير، بعبارة أخرى غير ثابتة. هذا يعني أن كل شيء يتأثر بالأسباب والشروط وبالتالي سيستمر في التغيُّر. معظمه، ولكن ليس جميعه، سينتهي. البعض سيستمر إلى الأبد، مثل استمراريتنا الذهنية، وبعضها حتى ليس له بداية، مثل إعادة الميلاد، ولكن غير ثابتة هنا تعني أن جميعها تتغير من لحظة إلى أخرى مثل الأشياء التي تؤثر عليها.
مبدأ حتمية التغيير ليس شيئًا حصريًا على البوذية، برغم حقيقة أن معظم البشر لا يدركون حتى أن كل شيء يتغير. يشعرون بأن الأشياء دائمة، وأنها ستستمر إلى الأبد ولن تتغير أبدًا. إنهم يُطبقون ذلك حتى على أنفسهم. لكن عندما علَّم بوذا ذلك، أكَّد على أن حتمية التغيير تنطبق على الذات أيضًا. علينا أن ندرك أننا متأثرين بالأسباب والشروط، وبالتالي نتغير من لحظة لأخرى. النُظُم الهندية الأخرى تُعلِّم أن الذات، أتمان، دائمة وثابتة. وأنها غير متأثرة بأي شيء "جسدي يتأثر بالأسباب والشروط ولهذا يتغير، ولكن ليس أنا. قد اختبر العديد من الأشياء المختلفة في الحياة، ولكن هذا لا يغيرني". بما أن بوذا طبق هذا التأكيد الخاص بأن جميع الظواهر المُتأثرة خاضعة للتغيير بما في ذلك الذات، في هذا السياق فهذه الخاصية حصرية على البوذية.
بعض الظواهر المُتأثِّرة، مثل الجسد، لا تتغير فقط من لحظة إلى أخرى، إلا إنها أيضًا تتحلل من لحظة إلى أخرى وفي النهاية ستنتهي. علَّم بوذا أنه برغم أن الذات تتأثر بالأسباب والشروط ولهذا، فهي تتغير أيضًا من لحظة إلى أخرى، إلا إنها لا تتحلل مع الوقت. مثل الاستمرارية الذهنية، والتي هي أيضًا ظاهرة مُتأثِّرة وغير ثابتة، كل ذات ليس لها بداية ولا نهاية. إنها تستمر في التغير إلى الأبد. من الممكن التعمق أكثر في هذه النقطة.
جميع الظواهر الملوثة مُسبِّبة للمشاكل
السمة الثانية هي: جميع الظواهر الملوثة مُسبِّبة للمشاكل؛ كلها تشتمل على المعاناة. "ملوثة" تعني أنها تنشأ اعتماديًا على المشاعر المزعجة والكارما، والتي تُعيدنا مرة أخرى إلى أن يُعاد ميلادنا. شرح بوذا هذه النقطة بشكل مستفيض في تعاليمه عن الروابط الإثني عشر للنشوء الاعتمادي. فقد علَّم أن جميع خبراتنا، كل شيء يحدث لنا، ينشأ اعتماديًا على جهلنا، خاصة عدم وعينا بكيفية وجودنا ووجود الآخرين. عدم الوعي هذا يقود إلى المشاعر المزعجة، والتي تُمثل الدافع وراء السلوك القهري القائم على الكارما، الذي هو السبب وراء اختبارنا لإعادة الميلاد المتكرر غير المتحكم به. السامسارا، والتعاسة والسعادة العادية غير المُرضية يتم اختبارها في كل حياة.
هذا الشرح لآلية عمل إعادة الميلاد في السامسارا هو شيء متفرد في البوذية، وعلَّم بوذا أنها جميعًا مُسببة للمشاكل، وأن كلها معاناة.
جميع الظواهر خالية من "أنا" المستحيلة
النقطة الثالثة هي: جميع الظواهر خالية من "أنا" المستحيلة أو الروح المستحيلة. نوع الروح أو الأتمان التي تُعلمها النظم الهندية الأخرى ليس بالإمكان تواجدها. هنا نجد التعاليم البوذية الكاملة عن الخلو، سواءً كنا نتحدث في سياق خلو الذات أو الشخص، أو خلو جميع الظواهر. على الرغم من نشأة نُظُم معتقدية بوذية مختلفة، مُعطيةً مستويات مختلفة من فهم ما علَّمه بوذا عن معنى الطريقة المستحيلة للوجود، إلا أن التأكيد على موضوع الخلو هو شيء جوهري للرؤية البوذية.
الخلو يعني الغياب التام للطرق المستحيلة للوجود. تبدو الأشياء وكأنها توجد بطُرُق مستحيلة. لكنها لا تتوافق مع أي شيء حقيقي. إنها طُرُق مستحيلة. بعض النُظُم الهندية الأخرى قالت أن كل شيء عبارة عن وهم، وأن عليكم رؤية كل شيء على أنه وهم من أجل الوصول إلى التحرر. لكن ما أكدوا عليه على أنه واقع، أن ما علَّمه بوذا كان أيضًا وهمًا -على سبيل المثال أن الذات، عندما تتحرر، توجد مستقلة عن أي شيء أو توجد كشيء واحد مع الكون أو تتوحد مع البراهما.
النِرفانا هي السلام
النقطة الرابعة هي أن النِرفانا، بالإشارة إلى إعادة الميلاد في السامسارا، هي حالة ساكنة. هذه النقطة على وجه التحديد تُشير إلى الحقيقة النبيلة الثالثة، أن النِرفانا، يتم بلوغها من خلال فهم النقاط المميزة الثلاث السابقة، وهي الإيقاف الحقيقي للأبد لجميع أسباب المعاناة -عدم الوعي، المشاعر المزعجة، الكارما، والمعاناة في حد ذاتها، وكذلك إعادة الميلاد المتكرر. مثل هذه النِرفانا، أو التحرر، هي شيء بنَّاء ويَجلُب السعادة. هذا يدُل على إن التحرر ممكن.
بإمكاننا رؤية أن الحقائق الأربع النبيلة هي طريقة أخرى لتقديم الأختام الأربع أو السمات المميزة للدارما. برغم أننا بإمكاننا التفكير في سياق تلك النقاط الأربع فقط في سياق هذه الحياة، هل هذه حقًا البوذية؟ أن جميع الأشياء المتأثرة بالأسباب والشروط تتغير، أي شيء يأتي نتيجة للارتباك سيتسبب في خلق مشكلات لنا، لا توجد "أنا" راسخة وإذا استطعنا التحرر من جميع المشكلات سيكون ذلك رائعًا. هذا سيكون، كما اَعتقد، نسخة الدارما المخففة. هذا لا يتعمق بالقدر الكافي فيما يخُص قانون الأسباب والنتائج السلوكي وما هو حقًا الذي نرغب في التخلص منه.
هناك مشكلة وضع كل تلك الأشياء سويًا في سياق هذه الحياة فقط -موضوع قانون الأسباب والنتائج السلوكي بأكمله. إذا كنا نفكر فقط في سياق هذه الحياة، بعدها في سياق الأسباب والنتائج، كيف بإمكاننا رؤية اللحظة الأولى للذهن و"أنا"؟ هل نشآ بدون سبب أم من سبب ليس له علاقة بهما، مثل البويضة والحيوان المنوي للوالدين اللذان يتحولان بشكل ما إلى الذهن و "أنا"؟ في لحظة الموت، هل الذهن والذات، واللذان أنتَجا تأثيرات في حياتنا بأكملها، سيتوقفان عن إنتاج المزيد من التأثيرات؟ ستكون هناك صعوبات منطقية حقيقية فيما يخص الذهن والذات في سياق مبادئ السببية إذا لم نضع في اعتبارنا إعادة الميلاد التي ليس لها بداية، الذهن الذي بلا بداية ولا نهاية، و"أنا" التي بلا بداية ولا نهاية، لكن هنا نحن لا نتحدث عن "أنا" المستحيلة التي ليس لها بداية ولا نهاية، ولكن نتحدث عن "أنا" الشائعة التي في الحقيقة توجد وتعمل.
الخلاصة
لدى البوذية سمات مميزة: الحقائق الأربع النبيلة، نقاط الأختام الأربع، والملجأ في البوذا، الدارما والسانغا بالطريقة التي قام بوذا بتعريفهم بها. إذن فالبوذية لديها خصائص تعريفية. هل وُجِدَت البوذية بقوة تلك الخصائص في حد ذاتها، مستقلة عن أي شيء آخر؟ لا، ليس بإمكاننا قول ذلك. هذا مستحيل، وفقًا لتعاليم الخلو. وجود الدراما البوذية من الممكن أن تنشأ فقط داخل سياق ما.
بعض السياقات عالمية، ليست محددة ثقافيًا. على سبيل المثال، العناصر الثقافية الهندية العامة من الكارما، إعادة الميلاد، والتحرر تُشكِّل سياقًا عالميًا ضروريًا لتأسيس الدراما الشاملة، وليس ببساطة لأن الجمهور الذي علَّمه بوذا كان من الهنود. نقاط أخرى مثل: الحب، الشفقة، الصبر، التركيز وما إلى ذلك شكلت عناصر ضرورية للسياق العالمي وليس فقط الهندي.
بعد ذلك هناك مستوى آخر من السياق أكثر انتماءً للثقافة. والذي من الممكن أن يكون مشتركًا في المبدأ العام خلفهم، لكن الشكل الذي يتخذه يختلف باختلاف الثقافة. على سبيل المثال، طريقة تقديم الوهب وإظهار الاحترام من الممكن أن تختلف. الطريقة التي يدعم المجتمع الرهباني بها نفسه من الممكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة. نوع الرداء الرهباني الذي سيميز الرهبان عن الأشخاص العاديين والذي لا يخلق تعلقًا بالمظهر قد يختلف باختلاف الثقافة. وبالطبع اللغة قد تختلف باختلاف الثقافة.
قداسة الدالاي لاما قال أن أشياء مثل جبل ميرو والقارات الأربع، إذا تم دحضها بالعلم ومعارضتها بالمنطق الصحيح، من الممكن إسقاطها من البوذية. لذا، عندما تهبون الكون في التدرب البوذي، من الممكن أن تكون على هيئة النظام الشمسي أو كوكب الأرض. النقطة المهمة هنا هي أنكم تهبون كل شيء. تهبون الكون وأنتم تفكرون في الكائنات جميعًا وليس مجرد البشر، والتفكير في البعض الذين يعانون أكثر والآخرين الذين لديهم معاناة أقل. من المنظور النظري البوذي المتعلق بكيفية عمل الذهن، لا يوجد ذِكر للمخ، لكن هذا شيء من الممكن إضافته. فلا يوجد تعارض.
باختصار، نحن نطرح تساؤلاً، "هل بإمكاننا التمييز بين ما هو بوذي وما ينتمي إلى السياق الآسيوي؟" نحن نرى أن هذا تساؤل في غاية التعقيد. نحتاج لعمل تحليل في سياق ما هو جوهري وما هو عام، ما يأتي من الثقافة مثل الثقافة الهندية، وما هو سطحي ومن الممكن تغييره وفقًا للثقافات المختلفة، ولكنه لا يزال يتبع مبدأ ويجب أن يتم احترامه.