تنمية هدف البوديتشيتا

مراجعة

دعونا نضع دافعًا ملائمًا للاستماع لهذه التعاليم، أي قلب البوديتشيتا المُكرس لمساعدة الآخرين وتحقيق الاستنارة من أجل أن نكون قادرين على القيام بهذا. تمّ عرض هذه التعاليم في سياق الثلاثة مستويات للدافع. المستوى الأولي، الشيء الرئيسي الذي أشار إليه بوذا هو أننا بحاجة لاتباع التزام أخلاقي صارم لتجنب العشرة أنواع من الأفعال الهدَّامة والمحاولة الدائمة لأن نكون بنَّائين بكل الطرق. نقوم بهذا من أجل تجنب حالات إعادات الميلاد الأسوأ. في المستوى الثاني، ننظر للالتزام الذاتي الأخلاقي الخاص بالمحافظة على مجموعات مختلفة من عهود الامتناع لأجل التحرر الفردي -عهود البراتيموكشا. نحافظ على الالتزام الذاتي الأخلاقي السامي من أجل أن نجعله أساس لتنمية التدرب على الوعي التمييزي السامي. بعد كل شيء، فهمنا أنه من أجل تنمية الوعي التمييزي السامي، نحتاج لأن نتدرب على التركيز الاستغراقي السامي، وأساس أو جِذر هذا التركيز الاستغراقي السامي هو التدرب على الالتزام الأخلاقي السامي. لهذا، المحافظة على الالتزام الأخلاقي لمجموعة بعينها من عهود البراتيموكشا هو جوهر التدرب بالمستوى الأوسط.

ثم، في المستوى الثالث أو المتقدم، نحتاج للتفكير بشأن كيف أننا لسنا الوحيدين في موقف الرغبة في السعادة وعدم الرغبة في المعاناة، الآخرون جميعًا بذات الموقف. لهذا، ليس من الكافي أن نحرر أنفسنا فقط من المشاكل. علينا أن نعمل لنساعد الجميع في مشاكلهم أيضًا. من أجل القيام بهذا، نحتاج إلى تحقيق حالة الاستنارة. لذا، ننمي قلب البوديتشيتا المكرس والذي به نكرس أنفسنا للآخرين ولتحقيق الاستنارة من أجل أن نكون قادرين على نفعهم وإراحتهم من مشاكلهم ومعاناتهم، بقدر الإمكان. هذا هو جوهر تدرب المستوى المتقدم.

مرحلتا القلب المكرس للبوديتشيتا

من حيث طبيعته، هناك مرحلتان للقلب المكرس للبوديتشيتا: طموح البوديتشيتا وانخراط البوديتشيتا. مجرد التمني أو الطموح لأن نكون قادرين على تحقيق الاستنارة من أجل أن نكون قادرين على مساعدة الجميع يُعرف باسم "القلب المكرس الطموح" (أمنية البوديتشتا). بينما عندما ننخرط بالفعل في التدريبات التي ستأخذ بنا لتحقيق هذا الهدف، يُعرف هذا باسم "القلب المكرس المنخرط" (انخراط البوديتشيتا).

هناك طريقتان لتدريب أنفسنا والعمل على أن نكون قادرين على تكريس قلوبنا بنقاء لمرحلة الطموح. وهما: (1) جوهر تعاليم الأجزاء السبعة للسبب والنتيجة، و(2) مساواة واستبدال موقفنا الداخلي الخاص بأنفسنا مع الآخرين.

جوهر تعاليم الأجزاء السبعة للسبب والنتيجة لتنمية القلب المكرس الطموح

فيما يخص جوهر تعاليم الأجزاء السبعة للسبب والنتيجة لتنمية القلب المكرس للبوديتشيتا، فهي تضع الشفقة في الوسط وتشرح النتائج التي تنتج عنها وأسباب القدرة على توليدها. قبل التمكن من توليد الشفقة العظيمة، نحتاج للحب المُدفئ للقلب -نوعية من الحب، أو الأمنية للآخرين أن يكونوا سعداء، والتي بها نشعر تلقائيًا بالقرب من الآخرين وتقديرهم، اعتناء مخلص بمصالحهم، ونشعر بالحزن إذا حدث لهم أي شيء سيّئ.

أما عن كيفية تنمية الحب المُدفئ للقلب، فهو ليس بشيء نحتاج للقيام بأي تدريب منفصل لأجله. هو يتولد تلقائيًا عندما يتم تنمية المواقف الداخلية الثلاثة السابقة له. وهي (1) إدراك أن الجميع كانوا أمهات لنا، (2) تذكر طيبة الحب الأمومي، و(3) الشعور بالامتنان لهذه الطيبة وأمنية ردّها.

كل هذه الحالات الإيجابية للذهن تنبع من تدريب أنفسنا على أن نكون واعين بأن الجميع كانوا، في وقت أو آخر، أمهات لنا، عندما نفكر في هذا، مَن قَدّم لنا أكبر مساعدة، مِن بين كل أصدقائنا، في الحقيقة، كانت أمّنا. عندما كنا صغارًا رضّعًا، لم نكن بحال أفضل من حشرة صغيرة. لم تكن لدينا أي قدرة على الاعتناء بأنفسنا. لم نكن نعرف كيف نمشي ولم تكن لدينا أي أسنان. كنا عُراة بالكامل. حقيقة أننا نجونا في تلك الحالة التي كنا فيها عاجزين هو فقط بسبب طيبة اعتناء أمّنا بنا. ولذا، لشخص ساعدنا بهذا القدر، مِن الحري بنا تذكر طيبتها. على سبيل المثال، إذا كنا نعاني من مرض مُمِيت وجاءنا طبيب ماهر وقدم لنا علاجًا خاصًا ودواءً يشفي وأنقذ حياتنا، سنكون في غاية السعادة والامتنان. إذا فكرنا بهذه الطريقة، عندها عندما كنا صغارًا رضعًا، أمهاتنا أنقذن حياتنا طيلة الوقت.

لشخص كان في غاية الطيبة تجاهنا ونتمنى ردّ طيبته، مجرد القيام بهذا في سياق منح هذا الشخص الطعام أو الشراب، أو بعض المال أو الممتلكات، على الرغم من أن هذه بالتأكيد طريقة لرد الطيبة، إلا إنها ليست بالطريقة العظيمة. أُعيد ميلاد الكائنات لعدد لا حصر له من المرات، وفي تلك الأوقات المختلفة كانوا بلا شك في غاية الثراء وفي مواقف شديدة الازدهار، ولم يكن هذا ذو نفع لهم. لكن إذا تمكنا من التغلب على كل مشاكلنا الشخصية وحلها وأصبحنا أحرارًا بالكامل منها، ثم وصلنا لأَكمل إمكاناتنا وأصبحنا بوذات مستنيرين، سنكون قادرين حينها على مساعدة أمهاتنا في كل مشاكلهن ومعاناتهن المتكررة غير المتحكم بها. هذه ستكون وسيلة كافية لردِّ طيبتهن.

طريقة البدء في هذه السلسلة مِن التفكير التي تقود إلى تكريس قلوبنا بالبوديتشيتا، هي أن نتذكر أمهاتنا وكم كن طيبات تجاهنا. نحاول أن نتذكر كل الأشياء الطيبة التي قمن بها خلال السنوات، ثم نفكر ليس فقط في أنهن كن طيبات تجاهنا فقط في هذه الحياة، لكن أيضًا في حيوات ماضية لا حصر لها. ثم نقوم بمد نطاق تفكيرنا بشكل مرحلي. نفكر بشأن والدنا وكيف أنه هو الآخر كان أمًا لنا في حياة ماضية ما. ثم نمد نطاق هذا أبعد حتى نفكر في النهاية في سياق أعدائنا كذلك. نفكر في الأشخاص الذين نكرههم: هم أيضًا، في الحقيقة، كانوا أمهاتنا في حيوات ماضية وكانوا في غاية الطيبة تجاهنا. ثم نمد نطاق تفكيرنا في النهاية حتى نتمكن من التفكير في أن جميع الكائنات المحدودة كانت أمهات لنا وكانت في غاية الطيبة تجاهنا في الماضي.

تنمية التوازن

تنمية "الوعي بالأمومة" كعادة مفيدة للذهن شيء في غاية الصعوبة. سبب هذا هو افتقادنا للتوازن. لدينا أصدقاء وأشخاص مختلفين نحن مفتونون ومتعلقون بهم. لدينا مشاعر قوية تجاههم بشكل متشبث. هناك آخرون يزعجوننا ولا نطيقهم. نعتبرهم أعداءنا، ونشعر ببُغض ونفور شديدين تجاههم. بهذه الطريقة ليس لدينا توازن تجاه الجميع. نوعية التوازن الذي نتحدث عنه هنا في هذا السياق هو توازن نتغلب به ونتوقف عن أي أفكار انجذاب أو نفور. إذا تمكنا من تنمية هذا النوع من التوازن بطريقة جيدة ومخلصة، عندها المواقف الداخلية الأخرى التالية عليه ستتولد بسهولة.

طريقة تنمية هذا النوع من التوازن هي بتخيل ثلاثة أشخاص أمامنا: أولهم شخص ساعدنا بشكل كبير، الثاني تسبب في أذى عميق لنا، والثالث شخص لم يساعدنا أو يؤذينا، غريب تمامًا عنا. نفكر في تلك الأنواع الثلاثة من الأشخاص ونتفحص المواقف الداخلية والمشاعر التي تتولد عندما نفكر في كل واحد منهم. نوع الموقف الداخلي الذي يتولد تجاه الشخص الذي ساعدنا كثيرًا فيه نوع من الانجذاب والتعلق، وأمنية مساعدته في المقابل. سبب أن لدينا تلك المشاعر الإيجابية القوية تجاه هذا الشخص، مشاعر الانجذاب، هو ببساطة لأن هذا الشخص كان لطيفًا معنا وساعدنا. لكن هذا ليس سببًا ثابتًا على الإطلاق. على الرغم من أنه قد يكون قد ساعدنا، ولهذا السبب نعتبره صديقًا وننجذب اتجاهه، إلا أنه من الممكن جدًا أيضًا أن يؤذينا ويتسبب لنا في ألم كبير. لذا ليس من المؤكد على الإطلاق أن هذا الشخص سيساعدنا دائمًا.

بالإضافة لهذا، عندما ننظر للحالة الذهنية للرغبة والتعلق بهذا الشخص، هي حالة من الشغف. هذه الرغبة الشغوفة تُغالي في تقدير هذا الشخص. إنها حالة ذهنية مزعجة للغاية. لأنها مشاعر مزعجة، تقود إلى حالات إعادة الميلاد الأسوأ، لذا في الحقيقة هناك مساوئ كثيرة لأن نكون شغوفين بشخص ما. بالتفكير فقط في تلك المُسببات المنطقية، سنحاول إيقاف هذا التعلق. على سبيل المثال، هناك نوعية بعينها من كائنات البِلو والتي هي مشابهة لكائنات السيرِن الفاتنة جدًا. يمكنها أن تتجسد بكل أنواع الهيئات الإعجازية. تخدع البشر ليصبحوا شغوفين بها وتجذبهم نحوها، ثم، عندما يكون البشر قريبين، تكشف هيئتها الحقيقية وتلتهمهم. إذا كنا شديدي الشغف نحو شخص ما والذي يبدو جذابًا، نحتاج لأن نفكر في مثال ذكور وإناث السيرِن وكيف يمكن لمثل هذا الشخص أن يلتهمنا. بهذه الطريقة، يمكننا محاولة وقف شغفنا وتعلقنا.

إذا نظرنا إلى الشخص الذي لا نطيقه، لربما يكون سبب شعورنا بالعداء والنفور منه هو أن هذا الشخص أذانا بطريقة ما. لكن، نحتاج لأن نحاول تخليص أنفسنا من تلك المشاعر بالتفكير بأن هذا لا يعني أن هذا الشخص سيؤذينا دائمًا. من الممكن جدًا أن يساعدنا كثيرًا في المستقبل. علاوة على هذا، نحتاج لأن نفكر في كيف أنه لربما، بسبب هذا الشخص، تمكنا من التغلب على غضبنا وعدائنا وتنمية التحمل والصبر. في الحقيقة، قد نكون قادرين على إتقان الموقف الداخلي للصبر الذي سيحملنا بعيدًا، وبسبب هذا، سنكون قادرين على أن نصبح أنقياء الذهن ومتطورين كليًا كبوذات. لذا، في الحقيقة، هذا الشخص كان في غاية الطيبة معنا بتقديم الفرصة لنا لكي نتقن الصبر الذي سيحملنا بعيدًا.

علاوة على هذا، إذا، في مواجهة الشخص الذي يتسبب في غضبنا، تمكنا من البقاء هادئين ونساعده، فسيكون هذا نوع عظيم من التدرب الروحاني. لكن إذا كنا دائمًا غاضبين، غضبنا وكراهيتنا سيرسلاننا إلى حالات إعادة الميلاد الأسوأ. على الجانب الآخر، إذا تغلبنا على الغضب والكراهية وقمنا بإزالتهما، عندها لن يكون هناك سبب على الإطلاق لإعادة ميلادنا بإحدى حالات إعادة الميلاد الأسوأ.

في هذه النقطة قد يثير البعض شكوكًا وأسئلة. في عوالم الديفات، ليس هناك غضب أو كراهية. إذا كان هذا هو الحال، إذا كانت كائنات الديفا لا تغضب أبدًا، كيف تسقط الديفات في حالات إعادة الميلاد الأسوأ؟ أليس هناك تناقضًا في هذا، لأنه عندما ننظر لمرحلة التدرب التي نقلل فيها من غضبنا ونصل لمرحلة التدرب التي يطلق عليها مرحلة الصبر، في هذه النقطة، لأنه ليس لدينا أي مشاعر غضب، لا يُعاد ميلادنا أبدًا بأي من حالات إعادة الميلاد الأسوأ. فكيف هذا؟ ما هو الفرق بين تحقيق الحالة الذهنية للصبر، وعدم الميلاد بشكل مستمر بإحدى العوالم الدُّنيا، وكائنات الديفا التي ليس لديها أي مشاعر غضب؟

الجواب هو: في حالة كائنات الديفا، كل ما في الأمر، في حالة إعادة الميلاد تلك، ليس لديها أي تجسد للغضب أو الكراهية، لكنها لم تقم بإزالتها بالكامل. يمكن أن تتولد مرة أخرى، ولذا يمكن لكائنات الديفا أن يعاد ميلادها مرة أخرى بإحدى العوالم الدنيا.

إذا كان لدينا عداء وغضب عميقين تجاه هؤلاء الذين يستفزوننا ويؤذوننا، نحتاج لأن نفكر في كيف أننا إذا تصرفنا بتلك الطريقة، فلا فرق بيننا وبين العقارب والثعابين. مع تلك الكائنات، كل ما علينا القيام به هو أن ننخزهم بعصاة وستهاجمنا فورًا. إذا كنا سريعي العداء والمهاجمة، عندها فنحن لسنا بأفضل من العقارب والثعابين. بهذه الطريقة، سنتعلم التحكم والتغلب على الغضب.

عندما ننظر للشخص الثالث، الشخص الغريب عنا تمامًا الذي لم يساعدنا أو يؤذينا بأي طريقة، المشاعر التي ننميها تجاهه عدم الاهتمام به. نحن لا نتمنى مساعدته ولا إيذاءه؛ نشعر بتجاهله وتركه وشأنه. هذا، أيضًا، لن ينجح، لأنه في الحقيقة يمكن جدًا لهذا الشخص أن يكون ذو نفع عظيم لنا في المستقبل. هي فقط مسألة وقت. ولذا، ليس من الصحيح أو العادل أنا نبقى غير مبالين بالكامل بمثل هذا الشخص.

بالتفكير بهذه الطريقة ننمي التوازن تجاه جميع الكائنات. سواءً كانوا أصدقاءنا، أعداءنا أو غرباء عنا، سيكون لدينا تساوٍ في تمني السعادة لهم وألا تكون لديهم مشاكل ومعاناة. سننمي حالة التوازن والتي بها لا نشعر بشغف قوي، عداء وكراهية، أو لا مبالاة.

طريقة البدء بهذا التدرب هي بأن نزيل أولًا مشاعر الشغف تجاه هؤلاء الذين ساعدونا والعداء تجاه هؤلاء الذين تسببوا في إيذائنا. نحاول أن يكون لدينا موقف داخلي متساوٍ غير مزعج تجاه الجميع، بذات الطريقة التي لدينا تجاه شخص لم يقم بأي شيء جيد أو سيئ تجاهنا. ثم، نعمل على التغلب على شعور اللامبالاة تجاههم جميعًا.

الخطوات التالية في جوهر تعاليم الأجزاء السبعة للسبب والنتيجة

ما ينتج عن هذا هو أننا نصبح واعين بأن الجميع كانوا أمهاتًا لنا، تذكر طيبة حبهم الأمومي، ومن ثم ننمي شعورًا مخلصًا بالامتنان لهم وأمنية رد طيبتهم. إذا أضفنا التوازن يكون لدينا هنا أربع نقاط. إذا لم نضف التوازن وبدأنا فقط من الأخذ بالاعتبار الوعي بالأمومة، عندها يكون لدينا ثلاث خطوات، لكن هذا لن يشكل فارقًا.

بعد تنمية تلك المواقف الداخلية الثلاثة أو الأربعة المترتبة على بعضها البعض، يصبح لدينا الحب المُدفئ للقلب تجاه الجميع. لسنا بحاجة للقيام بأي تدرب إضافي لتنميته. هو شيء ينشأ بشكل غير مباشر وتلقائي كنتيجة للتدريبات السابقة.

النقطة التالية هي تنمية الشفقة والتي نتمنى بها للجميع أن يتحرروا من كل مشاكلهم وصعوباتهم. نحتاج لأن ننمي حالة ذهنية مشفقة ومخلصة بالكامل وغير زائفة نهائيًا. تنمية مثل هذه الشفقة مهم للغاية؛ هي الأساس الذي سيمكننا من تنقية أنفسنا وتحقيق أسمى حالات النمو. هي جذر وأساس كل الناقلات المختلفة للذهن، لذا من المهم للغاية أن ندرب أنفسنا على أن تكون لدينا مثل هذه الشفقة.

قال العلامة الهندي العظيم أرياشورا، "كل الكائنات الهائمة مقيدة بمشاعرها ومواقفها الداخلية المزعجة. لكن أنت، بوذا، لديك أمنية تحريرها جميعًا منها. في الحقيقة، لقد قيدت كل الكائنات بشفقتك". ثم يتساءل، "لمن علي أن اَنحني احترامًا أولًا -للشفقة بالاستمرارية الذهنية الخاصة ببوذا أو لك، أنت، بوذا؟" في بيت منفصل بالنص المُكمِّل ("الأبيات الرئيسية لناغرجونا) عن الطريق الأوسط"، يُجيب شاندراكيرتي العظيم عن هذا السؤال. يقول في نصه، "انحني أولًا احترامًا للشفقة العظيمة، حيث أنها مصدر كل ما هو بنَّاء وإيجابي بالنقالات الثلاث للذهن". لذا، نحتاج لأن ندرس جيدًا النصوص المتعلقة بموضوع الشفقة ونستمع إليها، ونحاول التدرب وفقًا لها.

هذا هو تقليد جوهر تعاليم الأجزاء السبعة للسبب والنتيجة -ستة أجزاء عبارة عن أسباب والجزء الأخير، القلب المكرس للبوديتشيتا، هو الأثر أو النتيجة.

الخطوات الأولية لمساواة واستبدال الموقف الداخلي بشأن أنفسنا مع الآخرين

التقليد الثاني لتنمية القلب المكرس للبوديتشيتا هو مساواة واستبدال المواقف الداخلية بشأن أنفسنا مع الآخرين. تبدأ هذه الأداة بتنمية ذات حالة التوازن، الوعي بأن الآخرين كانوا أمهات لنا، تذكر طيبتهم، والشعور بالامتنان والرغبة في رد الطيبة التي حصلنا عليها سابقًا. كل هذه المراحل وصولًا للحب المُدفئ للقلب هي بالضبط نفسها، باستثناء أن هناك طريقة خاصة في تذكر طيبة الآخرين بالتقليد الأخير.

في التقليد السابق، نتذكر طيبة الآخرين في سياق أنهم كانوا أمهاتنا. هنا، نتذكر طيبة الآخرين حتى عندما لم يكونوا أمهاتًا لنا لأنهم في الحقيقة، لم يكن هناك أحد أكثر طيبة تجاهنا من الآخرين. نفكر في كم نحن معتمدون بالكامل على طيبة الكائنات الأخرى في الأشياء المختلفة التي نستمتع بها. على سبيل المثال، عندما نشعر بالبرد ونرتدي سترة صوفية جميلة، من أين يأتي الصوف؟ يأتي من الخِراف. بدون الخراف، لما كان لدينا صوف. ذات الشيء فيما يخص، على سبيل المثال، عندما نمرض ونكون في غاية الضعف ونأكل اللحم، هذا اللحم جاء من الحيوانات. جاء من طيبة الحيوانات. بالمثل، عندما نستمتع بالعسل، يأتي من عمل عدد كبير من النحل: الطيران في كل مكان وجمع الطلع لهو عمل ضخم. نحن معتمدون تمامًا على عمل تلك الكائنات الصغيرة. ذات الشيء فيما له علاقة بالمنتجات الحيوانية الأخرى التي نستمتع بها -اللبن وخلافه.

بالتفكير بهذه الطريقة، سنصبح أكثر وعيًا بكم طيبة جميع الكائنات من حولنا. في الحقيقة، ليس هناك مَن هم أكثر طيبة منها. فكروا في أعدائكم فقط، شخص لا تطيقونه. هذا الشخص يعطيكم فرصة لتنمية الصبر والتحمّل. عبر تنمية هذين الموقفين الداخليين اللذين سيحملاننا بعيدًا الخاصين بالصبر والتحمل، يمكن أن نصبح أنقياء الذهن بالكامل ومتطورين كليًا كبوذات مستنيرين. لذا، في الحقيقة، هذا الشخص الذي لا نطيقه ونعتبره عدوًا هو في غاية الطيبة لتقديمه مثل تلك الفرصة العظيمة لنا كي ننمي أنفسنا.

من أجل تنمية الصبر والتحمل، نحتاج لأن يكون لدينا شخص يزعجنا، شخص لا نطيقه. فقط تجاه مثل هذا الشخص يمكننا تنمية الصبر. الصبر ليس شيئًا يمكننا تنميته تجاه البوذات أو البوديساتفات؛ ننميه فقط تجاه عدونا، شخص نكرهه. لذا، مثل هذا الشخص في غاية الطيبة لتقديمه تلك الفرصة لتنمية أنفسنا والوصول للاستنارة. اُنظروا إلى حالتي الخاصة كلاجئ تبتي. فقدنا بلدنا على يد هؤلاء الذين نعتبرهم أعداءنا. كنتيجة لهذا، كان علينا المغامرة في هذا الجزء من العالم. نحن قادرون على السفر ورؤية بلدان عظيمة مثل هذه ومقابلة أشخاص كثيرين. هذا نتيجة طيبة عدونا القومي.

لذا، إذا فكرنا بهذه الطريقة، عندها، عندما ننظر إلى كل ما قامت به الكائنات المحدودة من أجلنا، نُدرك أنها كانت في غاية الطيبة. عندما نقارن طيبة كل الكائنات المحدودة مع طيبة البوذات ذاتهم، كلاهما، في الحقيقة، متساوون في الطيبة. هذا شيء أثبته العظيم شانتيديفا. بالتفكير بتلك الطريقة، ننمي حالة الذهن والتي بها نعتز بالآخرين ونتضايق للغاية إذا حدث أي شيء سيّئ لهم. هذا ما يُعرف بالحب "المُدفئ للقلب"، الموقف الداخلي للاعتزاز بالآخرين والشعور بالضيق إذا حدث لهم أي شيء سيئ.

سَئل أحد معلمي تقليد الكادام العظام تلميذه: ما الذي يتأمل عليه دائمًا -بعبارة أخرى، ما الذي يحاول بناؤه دائمًا كعادة نافعة للذهن. أجابه التلميذ، "أحاول دائمًا بناء الحب كعادة نافعة للذهن. هذا ما أتأمل عليه طيلة الوقت". رفع المعلم قبعته احترامًا وقال للتلميذ، "أنت بالفعل تقوم بأكثر أنواع التدريبات تميزًا".

مساواة موقفنا الداخلي بشأن أنفسنا مع الآخرين

الآن، بالإضافة لهذا، نحتاج لأن نعادل موقفنا الداخلي تجاه أنفسنا مع الآخرين. إذا تفحصنا أنفسنا بأمانة، نرى أن جميعنا في غاية الأنانية -نُؤْثر أنفسنا ونتجاهل الآخرين. علاوة على هذا، لدينا تحيّز؛ نفضل البعض على البعض الآخر. هناك البعض نشعر بالقرب منه والبعض الآخر نشعر بالبعد عنه. هؤلاء الذين ساعدونا ولذلك نحبهم، نشعر بالقرب منهم ونرغب في مساعدتهم. هناك آخرون الذين لم يقوموا بأي شيء لنا ونشعر بالبعد عنهم. حتى لا يخطر ببالنا محاولة القيام بأي شيء لهم. ما يعنينا هنا هو تنمية النوع الثاني من التوازن -التوازن الذي لا نُفاضل فيه بين الآخرين.

لتنمية هذا النوع من التوازن، نفكر أولًا بشأن كيف أن جميع الكائنات -هذا يعني الجميع- كانوا طيبين تجاهنا بذات القدر في كل المواقف المختلفة. في الماضي، كان علينا أن نعتمد على الآخرين في أشياء مختلفة، وفي المستقبل أيضًا، سنعتمد عليهم.

عندما نفكر في كيف أن الآخرين كانوا طيبين تجاهنا بذات القدر وساعدونا في مواقف مختلفة، قد يتوارد إلى أذهاننا: "لكن جميعهم لم يساعدونا طيلة الوقت. أحيانًا، آخرون كانوا في غاية السوء اتجاهنا وقاموا بإيذائنا. ماذا عن هذا؟" حسنًا، ما نحتاج للقيام به هنا، إذا فكرنا بهذه الطريقة، هو أن نفكر في أن أي شخص كان عدوًا لنا وتسبب لنا في الأذى في مواقف نادرة. لكن لحظة المساعدة التي منحوها لنا على المدى البعيد كانت أعلى قيمة من أي نوع من الأذى أو الضيق الصغير الذي قاموا به. بهذه الطريقة، نحتاج لأن نفكر بشأن النفع العظيم الذي قدمه لنا الآخرون خاصة أعداؤنا. وبهذه الطريقة نقوم بترديدات بناء الإلهام لمساواة موقفنا الداخلي تجاه أنفسنا  وتجاه الآخرين.

النقطة التالية هي التفكير في حتمية التغيير. لا يوجد موقف يظل ثابتًا. إذا فكرنا في أعدائنا، إذا كان عدونا سيتم إعدامه هذا المساء، إيذاؤه في الصباح سيكون نوعًا من السخف؛ لن تكون هناك فائدة لأنه سيموت في الليل. بالمثل، إذا كنا سنموت في المساء، فلن يكون هناك قيمة لإيذاء الآخرين في الصباح. إذا فكرنا بهذه الطريقة في حتمية الموت والتغيير، فهذا سيسمح لنا بالتغلب على مشاعر العداء وانعدام التوازن.

علاوة على هذا، كما نرغب في السعادة، ذات الشيء صحيح بالنسبة للآخرين. علاوة على هذا، لا أحد يرغب في التعاسة أو في أن تكون لديه مشاكل ومعاناة. هذا شيء نحتاج لأن نفكر بشأنه كثيرًا. إذا كنا أطباء وهناك عشرة مرضى يعانون بشكل يائس بذات المرض السيئ، سيكون من الخطأ تمامًا أن نقدم العلاج لواحد أو اثنين منهم ونتجاهل البقية. كل العشرة مرضى لديهم ذات الحق في أن يعالجوا؛ الطبيب ليست لديه أي مساحة للتفضيل. بالمثل، نحتاج لأن نحاول تنمية ذات الموقف الداخلي تجاه رغبة مساعدة ونفع الجميع، بدون تفضيل. مثال الطبيب الذي لديه عشرة مرضى مفيد للغاية في تنمية هذا النوع من المواقف الداخلية.

بالمثل، إذا جاء إلى بابنا عشرة أشخاص جوعى وعطشى، لديهم جميعًا ذات معاناة ومشكلة الجوع والعطش. مرة أخرى، من غير العادل والملائم نهائيًا أن نمنح الطعام والشراب لواحد أو اثنين منهم، ونَصْرِف الآخرين. ليس من المنصف أن نفاضل بينهم. جميعهم لديهم ذات الحق ومن واجبنا مساعدتهم جميعًا بشكل متساوٍٍ. كل هذه النقاط تمّت الإشارة إليها في رباعية اللاما تشوبا (طقوس الوَهب للمعلم الروحاني، غورو بوجا): "ألهِمنا لنزيد راحة وبهجة الآخرين، بالتفكير في أننا والآخرين غير مختلفين: لا أحد يتمنى أقل معاناة، وليس لديه أدنى رضى عن السعادة التي لديه أو لديها". نحتاج للتفكير في كل تلك النقاط عندما نُردّد النص التالي.

ثم بالإضافة إلى هذا، إذا كانت تصنيفات مثل "أصدقاء" و"أعداء" حقيقية، لكان بوذا عندها نظر للآخرين على أساس من هذه التصنيفات. لكن، في الحقيقة، بوذا لم يفكر أبدًا في الآخرين وفقًا لهذه التصنيفات العازلة الحاصرة للأصدقاء والأعداء. إذا تساءلنا عن كيف رآى بوذا الجميع دون تصنيفات، سنحتاج حينها أن نفكر في مثال معاملة بوذا لابن عمه دِفاداتّا.

كان دِفاداتّا يحاول اغتيال بوذا دائمًا عبر إلقاء الصخور عليه وما شابه. في إحدى المرات، قدَّم طبيب جرعة كبيرة من الدواء لبوذا. دِفاداتّا، والذي كان يحاول منافسة بوذا دائمًا، أصر على أن يعطيه الطبيب ذات الجرعة التي أعطاها لبوذا. قال له الطبيب، "هذا غير ملائم لك؛ ليست لديك القوة الجسدية التي لبوذا". لكن استمر دِفاداتّا في إصراره والإلحاح على الطبيب، فأعطاه الطبيب جرعة قوية جدًا، وكما هو متوقع، مرض دِفاداتّا للغاية وأصبح في حالة سيئة جدًا. ذهب إليه بوذا، وضع يده على رأسه، وقال، "إذا لم يكن لدي أي تفضيل اتجاهك، أنت يا من تحاول دائمًا إيذائي، وبين ابني راهولا، بقوة صحة هذه الحقيقة ليتك تُشفى"، وشُفيَ دِفاداتّا. لكن بدلًا من شكره، بالكاد نظر دِفاداتّا لبوذا وتذمّر، "اِرفع يدك القذرة عن رأسي".

في هذا المثال، يُوضّح بوذا بنفسه أنه لم يفكر في ابنه كشخص محبب له، أقرب له من أي كائن آخر، وأن الآخرين بعيدين عنه أو حتى أعداءً له. دائمًا ما شعر بموقف داخلي متساوٍ تجاه الجميع، بلا تفضيل. نحتاج لأن نفكر كيف على أساس من هذا النوع من المواقف الداخلية، كان قادرًا على الوصول لكامل إمكاناته وأصبح كائنًا مستنيرًا، بوذا.

نحتاج لأن نفكر في كيف أننا دائمًا نفكر في سياق هذان العاملان: هناك البعض الذين هم أصدقاؤنا وأحباؤنا، دائمًا ما يساعدونا، وهناك آخرون مَن نعتبرهم دنيئين ولا نحبهم على الإطلاق. هناك أعداؤنا. لكن نحتاج لأن نتذكر هذا، في الحقيقة، ليس هناك يقين في حالات كل الوجود القهري. لقد وردت هذه النقطة عندما كنا نُدرب أنفسنا على مستوى الدافع الأوسط -ليس هناك يقين بكل مواقف السامسارا المتكررة غير المتحكم بها. نحتاج لأن نطبق هذه النقطة هنا لنرى أنه ليس هناك تصنيف راسخ للبعض كأصدقاء وآخرين كأعداء.

بالإضافة لهذا، نحتاج لأن نفكر في أن كل هذه المصطلحات والتصنيفات هي شيء نسبي. نميل للتفكير في التصنيفات الثابتة مثل "أنا" و"الآخرين"، "أصدقاء" و"أعداء، كما لو كانت تصنيفات مُثبتة وموجودة "بذاتها" من جانبها. في الحقيقة، ليست هناك تصنيفات ثابتة مثبتة موجودة قائمة بذاتها من جانبها بعناصر راسخة فيها.

فَكر في مثال جبل بعيد وجبل قريب. يبدو لنا الجبل البعيد كشيء موجود قائم بذاته هناك، يواجهنا، شاهقًا بنفسه، باسم "الجبل البعيد" هناك. إذا ذهبنا عبر الوادي ووقفنا على ما كنا نطلق عليه الجبل البعيد، فهو لم يعد "الجبل البعيد". حيثما كنا نقف سابقًا سيصبح الآن "الجبل البعيد". بهذه الطريقة، نحتاج لأن نرى تصنيفات "صديق"، "عدو"، "قريب"، "بعيد" وما شابه كمسميات نسبية. لا شيء يوجد بهذه التصنيفات بشكل متأصل، من جانبه، كشيء قاطع راسخ قائم بذاته، وحتى التصنيفات ذاتها لا توجد بتلك الطرق المستحيلة.

باختصار، حتى الآن كنا في غاية الأنانية، معتنين فقط بأنفسنا ومتجاهلين الآخرين. ما نحتاج للقيام به هو مساواة مواقفنا الداخلية: ألا يكون لدينا اعتناء حصري بأنفسنا، ولكن موقف متساوٍ تجاه الجميع.

مساوئ إيثار الذات

الآن، عندما نتحدث عن هذه الأنانية، فهي شيء هدَّام للغاية. عندما ننظر للأمراض المختلفة بعصرنا، السرطان، على سبيل المثال، والذي يعتبر المرض الأبشع. لكن الأسوأ منه هو مرض الأنانية. الأنانية أسوأ لأن إيثارنا لأنفسنا ورغبتنا في أن نتقدم على الآخرين، نتيجة لها، قد نسرق، نقتل ونقوم بكل أنواع الأفعال الهدَّامة. هذه الأفعال ستجلب علينا الخراب، ليس فقط في هذه الحياة، ولكن أيضًا في الحيوات المستقبلية، ستجلب علينا حالات إعادات الميلاد الأسوأ. عندما ننظر لكل المشاكل والخلافات التي تنشأ داخل الأحزاب، العائلات أو الدول المختلفة، جذرها الأنانية. لأن الأحزاب أنانية، مهتمة فقط بأنفسها وبرؤيتها الخاصة، وتتولد كل المشاكل واختلافات.

عندما ننظر لحالة الكائنات المحررة، الأرهات، تغلبوا على أعدائهم الداخليين -معيقاتهم الشعورية- وحققوا حالة عظيمة؛ هذا صحيح. لكنهم غير قادرين على تحقيق حالة الاستنارة. غير قادرين على التغلب على المعيقات المعرفية التي تمنعهم عن كلية المعرفة. سبب هذا هو إيثارهم المتمركز حول الذات؛ هم فقد مهتمون بالتغلب على مشاكلهم، وليس في معرفة كل الأدوات والتفاصيل التي  تُمكِّنهم من تحرير الجميع أيضًا. بالمثل، إذا حاز شخص على منصب حكومي وكان في غاية الأنانية ومهتمًا فقط بمصالحه، مثل هذا الشخص لن يُعتبر جيدًا من أي أحد. يُعتبر فقط أناني جدًا وسياسي طموح أو ذو منصب حكومي. ذات الشيء لمجموعة من الأشخاص يعيشون سويًا في مجموعة. لنفترض خمسة أو ستة، أحدهم في غاية الأنانية، ويفكر فقط في القيام بالأشياء التي يحبها، بدون أي اعتبار للآخرين. الآخرين، ببساطة، لن يحبوه.

من الضروري، عندها، التفكير في النقاط التي يثيرها النص بالبيت التالي في نص "غورو بوجا" وبناء تلك النقاط كعادات نافعة للذهن: "ألهمنا لنرى أن المرض المزمن لإيثار الذات هو سبب نشوء معاناتنا غير المرغوبة، ومن ثم، ننفر منها ونعتبرها مسئولة، كي ندمّر الشياطين الوحشية للأنانية".

فوائد إيثار الآخرين

علاوة على هذا، عندما يكون لدينا اعتناء بالآخرين، الموقف الداخلي المُؤْثِر للآخرين، فهذا هو جِذر كل الخصال الجيدة. حقيقة أننا ولدنا كبشر هو نتيجة إيثارنا للآخرين، بمعنى أننا منعنا أنفسنا عن قتل الآخرين. كنا أخلاقيين تمامًا في أفعالنا تجاههم، ونتيجة لهذا، أُعيد ميلادنا كبشر. هنا نتيجة إيثار الآخرين. بوذا ذاته كان يؤثر جميع الكائنات، ونتيجة لهذا، أصبح نقي الذهن بالكامل ومتطور كليًا. إذا كان هناك موظف حكومي في بلد ما يعتني ويُؤْثِر مصالح الآخرين، لأحبه عندها كل من في بلده. إذا مات هذا الشخص، سيشعر الناس بخسارة كبيرة وحزن. من هذا المثال أيضًا يمكننا أن نرى كيف أن الموقف الداخلي المُؤْثر للآخرين هو جذر كل سَير جيد للأشياء ومصدر كل ما هو حسن.

يتعلق هذا بالنص التالي من نص "غورو بوجا": "ألهمنا كي نرى أن الذهن الذي يُؤْثر أمهاتنا وسيُؤمّنهن في النعيم هو البوابة المؤدية لفضائل لا حصر لها، وبالتالي فلنؤْثر الكائنات الهائمة أكثر من حياتنا، حتى إذا هددونا كما لو كانوا أعداءً لنا".

مرة أخرى، حيث أننا عادة ما نردد نص "غورو بوجا"، نحتاج لأن نكون حاضري الذهن بما نقوله ونحاول بناء هذا كعادة جيدة للذهن.

باختصار، حقق بوذا كامل إمكانياته وأصبح مستنيرًا كنتيجة لإيثار الآخرين، بينما نستمر في حياة المشاكل والمعاناة بسبب أنانيتنا وإيثارنا فقط لأنفسنا. لهذا، نحتاج لأن نفكر في أننا طالما لم نُخلّص أنفسنا من الأنانية ونتغلب عليها ونبدأ في إيثار الآخرين بدلًا من إيثارنا فقط لأنفسنا، فلن تكون هناك طريقة أخرى. الأبيات التالية من نص "غورو بوجا" تتناول هذه النقطة: "باختصار، ألهمنا لننمي الذهن الذي يفهم الفرق بين أخطاء الكائنات الطفولية الذين هم عبيد لأنانيتهم والذين ينتهي بهم الحال وحيدين وبين فضيلة مَلِك الحِكمات الذي يعمل فقط لصالح الآخرين، وبالتالي، أن نكون قادرين على مساواة واستبدال موقفنا الداخلي الخاص بالذات مع الآخرين".

بهذه الطريقة، نفكر في كل أخطاء وعيوب الأنانية وتجاهل الآخرين ونفكر في كل فوائد ومزايا إيثارهم وتجاهل اعتناءنا الأناني بالذات.

استبدال المواقف الداخلية الخاصة بأنفسنا مع الآخرين

بناءً على الخطوات السابقة، نعقد الآن عزمًا قويًا على تغيير مواقفنا الداخلية: بدلًا من التفكير فقط في أنفسنا، سنفكر الآن في الآخرين، وبدلًا من تجاهل الآخرين، سنتجاهل الآن أنفسنا. هذا هو معنى "استبدال مواقفنا الداخلية الخاصة بأنفسنا مع الآخرين".

يُشار إلى هذا في البيت التالي من "غورو بوجا": "حيث أن إيثار الذات هو بوابة كل العذاب، بينما إيثار أمهاتنا هو أساس كل شيء طيب، ألهمنا لنجعل مركز تدربنا هو يوغا استبدال الآخرين بأنفسنا".

استبدال مواقفنا الداخلية بشأن أنفسنا مع الآخرين، لا يعني أن نفكر أنه الآن أنا أنتم وأنتم أنا. الأمر ليس بهذه السذاجة. معنى هذا أن نستبدل مواقفنا الداخلية التي لدينا تجاه أنفسنا مع المواقف الداخلية التي لدينا تجاه الآخرين. في السابق كنا دائمًا أنانيين ونتجاهل الآخرين، الآن سنعكس الأمر ونتجاهل احتياجاتنا الأنانية ويكون أكبر اعتناءنا للآخرين. هذا هو الجذر، الأداة الوحيدة لنصبح مستنيرين. إذا رغبنا في أن نصبح مستنيرين، فهذا هو الطريق الوحيد؛ لكن إذا كنا نرغب في هذا فعلاً، فليس هناك طريق آخر غير استبدال مواقفنا الداخلية المعتنية بذواتنا مع الآخرين. هذا مطلب سابق على تنمية الشفقة.

الخطوات الباقية المؤدية إلى تنمية قلب البوديتشيتا المكرس

طريقة تنمية الشفقة هي بالنظر للحشرات البائسة والكائنات من حولنا. نفكر بشأن المشاكل البشعة التي عليها مواجهتها، وكم من السيئ أن عليها أن تكون بهيئة مثل هذه الكائنات. فيما له علاقة بأنفسنا، لقد قمنا ببناء الإمكانية كي يعاد ميلادنا على ذات الهيئة. لذا نحتاج لأن نفكر في كم كان سيكون الوضع سيئًا إذا أُعيد ميلادنا كحشرة أو شيء من هذا القبيل. ثم نستمر في التفكير بذات الطريقة في سياق أمنا وكم سيكون من السيئ أن يُعاد ميلادها بهذه الهيئة. ثم نمد نطاق تفكيرنا بهذه الطريقة إلى أبينا، أصدقائنا، أعدائنا وكل الكائنات. بهذه الطريقة ننمي شعورًا مخلصًا صادقًا بالشفقة -أمنية مخلصة ألا يعاني أحد أبدًا من المشاكل أو المعاناة.

ثم نفكر في أن جميع الآخرين يرغبون في السعادة ولا يرغبون في المشاكل، لكنهم لا يعرفون كيف يتجنبون المشاكل. في الحقيقة، هم فقط يجدون أنفسهم في مواقف متكررة غير متحكم بها مليئة بالمشاكل والتعاسة. لا ننمي فقط شعورًا مخلصًا بالشفقة تجاههم، لكن أيضًا الحب -أمنية أن يصبحوا سعداء- وعزم استثنائي -أمنية أن نكون قادرين على الوصول بهم لأكمل حالات السعادة وإزالة جميع مشاكلهم ومعاناتهم. يؤدي بنا هذا إلى تنمية القلب المكرس للبوديتشيتا.

ما نحتاج إليه، في الحقيقة، هو تنمية الشعور أو الموقف الداخلي، "سأكرّس قلبي بإخلاص للآخرين ولتحقيق حالة الاستنارة، ولن أتخلى أبدًا عن هدفي حتى أحقق حقًا هذه الحالة". عندما نقوم حقًا بهذا التعهد القوي، "لن أتخلى أبدًا عن هذا" فهذا ما يُعرف باسم "تعهد إلهام القلب المكرس". يصفه هنا تسونغكابا في نصه بالبيت التالي:

(7) كما سقطتُ في محيط الوجود القهري، كذلك، سقطَتْ جميع الكائنات -مَن كُن أمهاتي. برؤية هذا، اَطلب الإلهام لأنمي هدف البوديتشيتا السامي لأتحمل مسئولية تحرير تلك الكائنات الهائمة.

ينتقل بنا البيت التالي إلى موضوع القلب المكرس المنخرط والذي سنناقشه هذا المساء.

Top