تحسين البيئة من خلال الحِمية النباتية

06:58

هناك العديد من الاستراتيجيات للتعامل مع القضايا البيئية، مثل استخدام مصادر الطاقة المتجددة، تقليل التلوث الصناعي وعادم السيارات، وخلافه، لكن أمرًا أخرى ربما يلقى دعاية أقل وهو التأثير المُدمر لإنتاج اللحوم. التقليل من استهلاك اللحوم وتشجيع الحمية النباتية من إجراءات حماية البيئة والتي لن تكون فقط ذات مغزى اقتصادي، ولكن أيضًا ستتلقى دعمًا من معظم الديانات حول العالم.

في معظم المجتمعات، المتقدمة منها والنامية، استهلاك اللحوم يعتبر علامة على يسر الحال. أحد أولى التطلعات للأشخاص الذين يبدئون في الخروج من الفقر هي قدرتهم على تناول اللحوم. على الرغم من أن البروتين الحيواني يساعد على رفع مستوى التغذية لهؤلاء ذوي معدلات التغذية المنخفضة، إلا أن العلوم الطبية كشفت أن زيادة استهلاك اللحوم خطير على الصحة. هذا لأنها تزيد من فرص الإصابة بأمراض القلب وبعض أنواع السرطان. من منظور اقتصادي، على الرغم من أن الإنتاج الصناعي لللحوم يوفر عددًا ضخمًا من الوظائف، إلا أنه على المدى الطويل تكون آثاره المدمرة على الاقتصاد والبيئة تفوق منافعه.

وفقا لأحدث تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة، أن ١٨٪ من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم هي من الإنتاج الحيواني، وتحديدًا من البول والغائط للحيوانات التي يتم تربيتها كغذاء. وفي جميع أنحاء العالم، الخنازير والدجاج وحدهم ينتجون نصف مليون كيلو جرام من الغائط كل ثانية. وهذا أكثر بستين مرة مما تنتجه البشرية بأكملها. انبعاثات الغازات الدفيئة من النفايات الحيوانية أكثر ٤٠٪ من الانبعاثات التي تأتي من جميع المركبات، والطائرات والسفن، بالعالم أجمع. الأكثر من ذلك، أن تقريبا ثلثي انبعاثات الأمونيا المسئولة عن الأمطار الحمضية تأتي من المخلفات الحيوانية.

إذا نظرنا إلى الأرقام في كل ما يتعلق بتربية الحيوانات من أجل الغذاء، فالأرقام أكثر من مذهلة. وفقًا لهذا التقرير الأمم المتحدة، يستخدم ٧٠٪ من مجموع الأراضي الزراعية بل إنه في واقع الأمر ٣٠٪ من جميع الأراضي على سطح الكوكب لجمع العلف للحيوانات، في حين يستخدم ٨٪ فقط لإنتاج المواد الغذائية للاستهلاك البشري؛ في حين يستخدم الباقي من أجل الوقود الحيوي. وعلاوة على ذلك، تستخدم ٢٨.٤ مليون لتر من المياه في الثانية لحيوانات المزارع ولري المحاصيل لإطعامهم. يبلغ تآكل التربة نتيجة لتطهير الغابات من أجل زراعة هذه الكميات من الأعلاف ٤٠ مليار طن من التربة سنويا. إذا قمنا بحساب استهلاك الوقود الأحفوري اللازم لإنتاج علف الحيوانات، ونقله للمطاحن وتشغيل هذه المطاحن، نقل العلف المطحون للمزارع وتشغيل تلك المزارع، نقل الحيوانات بالشاحنات إلى المسالخ وتشغيل تلك المسالخ، ونقل اللحوم إلى المصانع تصنيع منتجات اللحوم وتشغيل تلك المصانع، ونقل اللحوم المصنعة إلى مخازن مبردة والحفاظ عليه مبردة، فإن إنتاج سُعرة حرارية واحدة من البروتين الحيواني يتطلب وقود أحفوري أكثر بإحدى عشرة مرة مقارنة بإنتاج سعرة حرارية واحدة من البروتينات النباتية.

تشير هذه الإحصاءات بوضوح إلى التكلفة الهائلة لإنتاج واستهلاك اللحوم على البيئة والاقتصاد العالمي. وإذا استمر الأمر في الاتجاه الحالي، وحتى إنتاج المزيد من اللحوم سيترتب على ذلك المزيد من الضرر للبيئة نتيجة لذلك. مثل هذا التوجه غير اللائق سينتهي فقط بكارثة. ليس هناك ما يكفي من الأراضي وليس هناك ما يكفي من المياه لزراعة محاصيل تكفي لإطعام عدد الحيوانات اللازمة إذا كان الجميع في العالم يأكلون الكثير من اللحم كما في، على سبيل المثال، الولايات المتحدة أو حتى هنا في هونغ كونغ والتي تستهلك كل عام. إذن، فالسؤال الملح، هو كيفية عكس هذا التوجه.

بالنسبة لمن لا يتبعون أي أديان، الحس السليم يُخبرهم أن الحمية النباتية أو على الأقل الحد من استهلاك اللحوم هو المسار المنطقي الوحيد الذي عليهم اتخاذه. وخاصة إذا فكروا في العواقب التي سيواجهها أبنائهم وأحفادهم إذا لم تتحسن عاداتهم قصيرة النظر. بالنسبة لأولئك الذين يهتمون فقط بالماديات، فسيخبرهم الاقتصاد أن الأثر السلبي طويل الأمد للتوجه الحالي لتزايد استهلاك اللحوم يفوق بكثير الفوائد قصيرة الأمد لأرباح صناعة اللحوم.

لهؤلاء الذين يتبعون ديانة ما أو فلسفة دنيوية، كلًا من أنظمة المعتقدات هذه يقدم الدعم للحمية النباتية في تعاليمه. تؤكد البوذية على الشفقة تجاه جميع الكائنات الحية. حيث أن جميع الكائنات يمكن أن تولد من جديد في أي شكل من أشكال الحياة، فمن ثم الحيوانات التي نقوم بتربتيها لتناولها كطعام من الممكن جدًا أن تكون أحد أجدادنا في حيواتنا السابقة، ويمكن أن نولد من جديد نحن وأسلافنا كحيوانات في المستقبل. وبعد ذلك علينا أن نفكر في معاناة هذه الحيوانات، على سبيل المثال حياة الدجاج تمت تربيتها صناعيا فيما أعتبره بعض المعلمين البوذيين بأنه سجون الدجاج. هذه الدجاجات المسكينة تقضي حياتها كلها في أقفاص بحجم عشرين سنتيمترا في عشرين سنتيمترا بالأكثر ولا يسمح لها أبدًا بالمشي حره. كيف كان سيعجبنا الأمر لو عشنا أو أحد أجدادنا بهذه الطريقة، فقط لتنتهي في نهاية المطاف كطعام للكلاب أو قطع الدجاج في ماكدونالدز، ويتم إطعامها لطفل، يترك نصفها خلفه ليتم إلقائها في القمامة؟

الدعم البوذي للحمية النباتية بالنصوص المرجعية نجده في سوترا براماجالا (سوترا شبكة البراهما الصافية)، والتي تُرجمت إلى الصينية بواسطة كوماراجيفا باسم فانوانغ جينغ (梵網 經). فالامتناع عن تناول اللحوم هو واحدة من الثماني وأربعين وصية الإضافيين المذكورين كقواعد مساعدة لعهود البوديساتفا العشر الرئيسية. القائمة على الشفقة، ثم، تقاليد الماهايانا البوذية في شرق آسيا تتوقف عن تناول اللحوم كجزء من عهود البوديساتفا الخاصة بها. المعلم سايتشو، مؤسس طائفة التنداي في اليابان، قام بإضافة هذه النسخة من عهود وقواعد البوديساتفا كجزء من الرسامة الرهبانية.‎‎

وعلى الرغم من عدم ذكر الحمية النباتية على أساس من الشفقة تجاه الحيوانات صراحة في التعاليم الكونفوشيوسية من المعلم منغ تسى (منسيوس)، ومع ذلك هي استنتاج منطقي يمكننا التوصل إليه. في نقاشه مع الملك هوي حاكم ليانغ (梁惠王)، ذكر منغ تسى أنه سمع أن الملك عند رؤيته لثور تم اقتياده ليذبح ليحصل على دمائه لاستخدامها لتكريس جرس، أمر أن يُعتق الثور وأن يتم التضحية بشاة بدلا منه. منغ تسى أخبره،

 هذا لم يكن خطأ. لقد كان فعلًا قائمًا على الحب (仁 術). هذه هي الطريقة التي ينظر بها السيد النبيل (君子) للحيوانات. عند رؤيته لهم قيد الحياة، لا يمكنه أن يتحمل رؤيتهم يموتون. سماع صراخهم، لا يمكنه تحمل أن يأكل لحمهم. لذا فالرجل النبيل يبعد بنفسه عن المسالخ والمطابخ اللحوم .

ومع ذلك، لم يكن منغ تسى يؤيد إنه من المقبول أكل اللحوم طالما لم تشاهد أو تسمع الحيوانات الحية. بدلا من ذلك، استخدم هذا المثال لتقديم المشورة للملك أن يمدد لجميع شعبه ذات الرحمة (恩) التي أظهرها للحيوانات. على الرغم من أن نصيحته لم تكن بالتوقف عن أكل اللحوم، فهذه هي الرسالة الضمنية بنصيحته للملك لأن يظهر رحمة متساوية لجميع البشر وجميع الحيوانات.

هناك أسباب روحانية أخرى تدعم عدم تناول اللحوم. بشكل عام، كل الهندوس يحترمون نصيحة نصوص "الريغ فيدا" الخاصة بعدم تناول لحم الماشية أو الخيول. وبالإضافة إلى ذلك، فالهندوس الذين يُبجلون فيشنو وكريشنا يتبعون نظام غذائي نباتي، وفقًا لما تم النص عليه في "الياجورفيدا”. ويُقدم النص ثلاثة أسباب لذلك. أولًا هو أهمية اللاعنف، ويطبق في هذه الحالة تجاه الحيوانات. ثانيًا، نظام "الأيورفيدا" الطبي يحذر من أن تناول اللحوم لإنها ضارة بالذهن والنمو الروحاني للشخص. ثالثًا، يعتبر اللحم غير نقي ويمكن فقط تقديم الأطعمة النقية "باراساد" للآلهة والتي تؤكل لاحقًا، كهدية من الآلهة.

الديانة الجينية أكثر صرامة فيما يتعلق بالحمية النباتية أكثر من أي دين آخر. في الواقع، الحمية النباتية إلزاميا لأتباع هذه الديانة الهندية القديمة. هذا القيد يتوافق مع الكثير من التأكيدات بالديانة الجينية المتعلقة بنبذ العنف وعلى النقاء في جميع جوانب الحياة. ويعتبر اللحم غير نقي بالكامل.

تُعلِم كلٍ من اليهودية والمسيحية والإسلام أن الله خلق الحيوانات ليستخدمها البشر، ولكن أيٍ من هذه الديانات لم ينص على أن الله خلق الحيوانات ليسيء البشر معاملتها. مع أنه وفقًا لليهودية والإسلام، نهى الله عن أكل المخلوقات النجسة مثل الخنازير، إلا إنه هناك نصوص أخرى توضح أكثر نوايا الله. الآية ٢٠ من سورة الحجر 

وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ.

وهذا يعني أن الله خلق أنواع أخرى من الحيوانات تصلح لأن تؤكل، مثل الخراف والماعز والماشية، ولكن ليس على البشر مسؤولية إطعامها، مثل ما يحدث بزراعة الأعلاف. وبعبارة أخرى، أراد لها الله أن ترعى بحرية لتحصل على غذائها لا أن يتم تربتيها صناعيا لاستهلاك الجماهير.

وباختصار، فإن معظم الأديان والفلسفات الكبرى في العالم تُقدم الدعم المعنوي للاستنتاج القائم على الاقتصاد والمنطق والحس السليم، بأن العالم يحتاج إلى خفض ضخم في استهلاكها اللحوم، مع أتباع أكبر عدد من الناس للحمية الغذائية النباتية قدر الإمكان. ولكن لمجرد أن العلوم الطبية، والدين، والفلسفة، والمنطق السليم، يخبرونا أن علينا التوقف عن تناول اللحوم أو على الأقل خفض كمية ووتيرة استهلاكنا. إذا لم يعدل الناس في الواقع سلوكهم، فإن كل هذه التأكيدات لن يكون له أي فائدة.

يعتقد الكثيرون ان اتباع دين ما يعني فقط الصلاة، أو قد يعني للبعض، مجرد تقديم البخور. ومع ذلك، فإن التغيير عملية داخلية. بغض النظر عن التدابير الخارجية التي نتخذها لحماية البيئة، فإن العمل الحقيقي هو على تغيير طرقنا في التفكير والتصرف، بناء على فهم وقبول حقيقة الضرر الذي تُحدثه البشرية بهذا الكوكب. هذا التغيير يحدث فقط على المستوى الفردي. فهي مسئولية كلًا منا أن يتصرف بذكاء وبشفقة.

Top