سنتحدث هذا المساء عن كيفية استخدام الطرق البوذية لمساعدتنا في حياتنا اليومية. عندما نتحدث عن الطرق البوذية، أو التعاليم البوذية فإن الكلمة التي تعني هذا في اللغة السنسكريتية هي "الدارما". إذا نظرنا إلى ما تعنيه هذه الكلمة في الواقع نجدها تعني: "شيئًا يكبح جماحنا". فالدارما ليست إلا شيء يكبح جماحنا، أو يمنعنا من المعاناة، أو أن يكون لدينا مشاكل.
الحقائق الأربع النبيلة
أول شيء علَّمه بوذا هو ما يعرف بـ "الحقائق الأربع النبيلة ". هذا يعني أن هناك أربع حقائق يمكن لأي أحد ذي إدراك سامي، ولديه القدرة على فهم الواقع؛ أن يفهمهم على أنهم حقائق، وهذه الحقائق الأربع هي:
- المشاكل الحقيقية التي نواجهها جميعًا.
- الأسباب الحقيقية وراء تلك المشاكل.
- كيف سيبدو الأمر إذا كان هناك إيقاف حقيقي لتلك المشاكل، بحيث لن يكون لدينا تلك المشاكل مرة أخرى.
- طريقة الفهم والتصرف – وما إلى ذلك – التي ستجلب لنا هذا الإيقاف لجميع مشاكلنا.
مشكلاتنا الحقيقية
لدى البوذية الكثير لتقوله عن المشكلات، وكيفية التعامل معها. في الحقيقة، فجميع تعاليم البوذية تهدف إلى مساعدتنا في التغلب على صعوبات الحياة. وهذا المدخل في الحقيقة غاية في العقلانية والعملية. حيث يقول: أيًا كانت تلك المشكلات التي لدينا، جميعهم يأتين من أسباب. لذلك يجب علينا أن ننظر بأمانة وعمق كبيرين داخل أنفسنا؛ لنرى ما الصعوبات التي نواجهها. هذه العملية ليست باليسيرة للكثيرين منَّا؛ فمن المؤلم حقًّا أن ننظر لنرى ما هي الجوانب الصعبة في حياتنا؛ فالكثيرين منا يكونون في حالة إنكار؛ حيث ليس لديهم استعداد للاعتراف بأن لديهم مشاكل – على سبيل المثال – العلاقات غير الصحية – على الرغم من أختبارهم للتعاسة. إنما نحن لا يمكننا أن ندع الأمر على مستوى: "أنا لست سعيدًا" فقط، بل نحن بحاجة إلى أن ننظر بشكل أكثر عمقًا لماهية المشكلة في الحقيقة.
الأسباب الحقيقية لمشكلاتنا
بعد ذلك نحتاج إلى أن ننظر لنكتشف الأسباب الحقيقية لمشكلاتنا؛ فالمشكلات لا تتواجد من تلقاء نفسها، ولا تنشأ من العدم، فلا بد أن يكون هناك سبب. وبالطبع هناك العديد من المستويات للعوامل المُتداخلة التي تؤدي لموقف غير مُرْضٍ. على سبيل المثال: عندما يكون هناك صراعات شخصية في علاقة ما؛ يمكن أن يكون هناك عوامل اقتصادية إضافية تزيد الأمر تعقيدًا؛ كنقص المال مثلاً، وما إلى ذلك. المشكلات مع الأطفال، أو مع أقارب آخرين. يمكن أن يكون هناك جميع أنواع الظروف التي تساهم في تلك المشكلة، لكن بوذا قال – علينا أن نتعمق ونتعمق؛ حتى نجد السبب الأعمق لمشاكلنا؛ والسبب الأعمق لمشاكلنا هو ارتباكنا حيال الواقع.
لدينا تعاسة، لدينا ألم؛ والذين بالطبع ينتُجان عن سببِ ما. على سبيل المثال: يُمكن أن نتصرف بطريقة مضطربة للغاية، مثلًا – بقدر كبيرِ من الغضب – ولا يكون هناك أحد سعيد عندما يكون في حالة غضب، أليس كذلك؟! لذا نحتاج إلى أن ندرك أن الغضب هنا هو؛ السبب في تعاستنا، وأن علينا أن نتخلص من هذا الغضب بطريقة ما.
ويمكن أن تكون مشكلاتنا التي تتسبب في تعاستنا هي قلقنا الدائم، والقلق هو حالة ذهنية بغيضة جدًا؛ فلا أحد من المُمكن أن يكون سعيدًا بينما هو في حالة قلق، أليس كذلك؟! قال شانتيديفا – وهو أحد معلمي البوذية الهنود العظماء – إذا كنت في موقف صعب، وتستطيع أن تغير هذا الموقف، فلِمَ القلق؟ فما عليك إلا أن تغيره؛ فالقلق لا يفيد. إذا لم يكن هناك شيء تستطيع فعله لتغيير هذا الموقف فلِمَ القلق؟ فهذا أيضًا لن يفيد. لذا فنحن لدينا ارتباك بشأن عدم جدوى القلق، ولذلك نستمر في القلق. والمقصود هنا هو أنه ليس هناك أي نفع يأتي من وراء القلق.
ثم بعد هذا يكون لدينا مستوى آخر للمشكلات؛ وهو مشكلة عدم الرضا الدائم. بالطبع نحن نمر بأوقات نكون فيها سعداء، ولكن هذه الأوقات – للأسف – لا تستمر إلى الأبد، ودائمًا ما نريد المزيد، فهذا غير مُرضي دائمًا، فنحن لا نرضى بأكل طعامنا المفضل مرة واحدة فقط، أليس كذلك؟! بل نريد أن نأكله مرات عديدة، وإذا أكلنا الكثير منه مرة واحدة فسوف تتغير السعادة التي حظينا بها في البداية إلى ألم في المعدة، وهكذا؛ فنحن مرتبكين إلى حد ما بشأن هذا النوع من السعادة، فبدلاً من أن نستمتع بها كما هي؛ وندرك أنها لن تستمر إلى الأبد؛ ولن ترضينا أبدًا، فإننا نتعلق بها، وعندما نفقد تلك السعادة نشعر بالتعاسة.
هذا الأمر يشبه كونك مع صديق عزيز، أو حبيب، ثم يذهب ويتركك. بالتأكيد هم سيتركوننا في وقت ما؛ ولذلك يجب علينا أن نستمتع بالوقت كله الذي نقضيه معهم. هناك تشبيه جميل جدًا أستخدمه في بعض الأحيان بهذا الخصوص: عندما يظهر شخص رائع في حياتنا؛ فنحبه بشدة. يشبه ذلك وقوف طائرٍ بريًّا على نافذة منزلنا. عندما نراه نستطيع أن نستمتع بصحبة هذا الطائر الجميل، ولكنه سيطير حتمًا في وقت ما؛ لأنه حر. إذا كنَّا قد عاملنا هذا الطائر بلطف، فقد يعود إلينا، ولكن إذا امسكنا الطائر، وحبسناه في قفص؛ لأصاب هذا الطائر حزن شديد، وربما مات في النهاية، بالمثل، أولئك من نقابلهم في حياتنا. مثل ذلك الطائر الجميل؛ فمن الأفضل أن نستمتع بالوقت الذي يوجدون فيه معنا، وعندما يبتعدون عنَّا لأي سبب – مهما كانت المدة التي قضوها معنا – حسنًا هذا يحدث. فإذا كنَّا هادئين ومسترخين بهذا الشأن، ولم يكن لدينا متطلبات – "لا تتركني أبدًا؛ فأنا لا أستطيع أن أعيش بدونك"، وأشياء من هذا القبيل – عندها ففي الأغلب سيعودون إلينا. ولكن إذا لم نفعل ذلك، فإن تمسكنا ومتطلباتنا منهم ستدفعهم للهرب.
عندما نكون مرتبكين بشأن طبيعة سعادتنا ومُتعنا العادية في الحياة؛ فبالتأكيد سيكون لدينا مشاكل. نحن لا يمكننا حتى أن نستمتع بالأوقات السعيدة التي نحظى بها؛ لأننا نكون خائفين وقلقين من أن نفقد تلك الأوقات، ونكون مثل: الكلب الذي أمامه وعاء من الطعام، فيأكل الطعام، ولكنه ينظر من حوله أيضًا وينبح؛ حتى يتأكد أنه لا يوجد أحد سيأخذ منه طعامه. أحيانًا نكون هكذا، أليس كذلك؟ فبدلاً من أن نستمتع فقط بما لدينا، ونقبل أنه عندما ينتهي، فقد انتهى. هذا الأمر بالطبع ليس بالسهولة التي يبدو عليها – قد لا يبدو هذا شيئًا بسيطًا بالأساس – لكنه يتطلب تدريبًا، واعتيادًا على طريقة مختلفة لرؤية الأشياء في الحياة.
الإيقاف الحقيقي لمشكلاتنا
يقول بوذا أننا نستطيع أن نوقف كل مشكلاتنا إلى الأبد؛ وذلك بالتخلص من أسبابها؛ وهذا منهج عقلاني ومنطقي جدًّا. إذا تخلصت من الوقود فلن يكون هناك المزيد من النار، وهذا مُمكن. ويقول أيضًا أنه من الممكن أن تتخلص من هذه المشكلات بطريقة لا يمكن بها أن تعود مرة أخرى.
نحن لا نريد أن نرضى فقط بالتحرُر المؤقت من تلك المشكلات، أليس كذلك؟ فهذا الأمر أشبه بالنوم؛ فعندما تنام، لا يكون لديك مشكلة العلاقة الصعبة التي لديك، وهذا لا يُعَد حلاًّ للمشكلة؛ لأنك عندما تستيقظ، فالمشكلة ما زالت موجودة،مثل: ذهابك في أجازة خارج المنزل، ولكنك ستعود مرة أخرى للمنزل؛ لذا فالإجازة ليست الحل الأمثل، أو الأعمق، والمستمر للتخلص من المشكلة.
بوذا لم يقل أيضًا أن تصمت وحسب، وأن تقبل مشكلاتك وتعيش معها؛ لأن هذا أيضًا ليس بالحل الجيد، أليس كذلك؟ لأننا عندها قد نشعر بالعجز، وأنه لا يوجد ما نفعله؛ فنستسلم، ولا نحاول مجرد المحاولة؛ لذلك من الضروري جدًا أن نحاول التغلب على مشكلاتنا، حتى وإن كنَّا لا نصنع قدرًا كبيرًا من التقدم، فعلى الأقل نشعر بأننا قد حاولنا.
أدوات إيقاف مشكلاتنا
إذا كنا نريد فعليًا بلوغ الإيقاف الحقيقي لمشاكلنا، الإنهاء الحقيقي لهم؛ فعندئذ تكون هناك الحقيقة الرابعة التي علَّمها بوذا؛ وهي أننا بحاجة إلى أن نتبع طريقة ما، وأن يكون لدينا نوع من الفهم الصحيح لكي نتخلص من السبب الأعمق لمشاكلنا؛ والذي هو ارتباكنا. الحصول على هذا الفهم الصحيح ليس كافيًا، إذا لم نستطع تذكره طوال الوقت؛ لذلك نحتاج إلى تنمية التركيز؛ كي نكون قادرين على التذكُر، وللبقاء ثابتين على هذا الفهم؛ نحن بحاجة إلى الالتزام الذاتي. إذًا فالأدوات البوذية العامة التي نستخدمها للتخلص من مشكلاتنا إنما هي اتباع مسار الالتزام، والتركيز، والفهم الصحيح (ويسمى هذا أحيانا "الحكمة").
إضافة إلى ذلك فإن أحد أكبر الأسباب لمشكلاتنا؛ هو أنانيتنا. تعتمد تلك الأنانية كثيرًا على ارتباكنا حيال الواقع؛ لأننا، وبطريقة ما، نعتقد أننا وحدنا في هذا العالم، وحتى إذا اعترفنا بوجود الآخرين نعتقد أننا الأكثر أهمية ومركز هذا الكون. بسبب سوء الفهم هذا نعتقد: "يجب أن أحصل على ما أريده دائمًا"، وإذا لم نحصل على ما نريده؛ عندها نصبح تعساء.
هذه نظرة مرتبكة جدًا للواقع؛ لأنه بهذا المعنى لا يوجد شيء مُميز بنا، فنحن جميعًا سواء، فيما يتعلق بأننا جميعًا نريد السعادة، ولا يوجد أحد راغب في التعاسة. جميعنا نرغب في الحصول على ما نريد، ولا أحد يرغب في عدم حصوله على ما يريد. يجب علينا بطريقة ما أن نحيا معًا؛ لأننا بالفعل نعيش معًا؛ لذلك، نحتاج لإضافة الحب والشفقة، وتقدير وإيثار الآخرين للطرق الخاصة بالتغلب على المشاكل أو منعها. كما نحب أن يساعدنا الآخرون، فبالمثل هم أيضًا يحبون أن نساعدهم.
التعامل مع المشاعر المزعجة
بالطبع ليس الجميع قديسين أو بوديساتفات، هذا صحيح، ولكن كل واحد منَّا مرتبك إلى مستوى معين ما. لأننا مرتبكون؛ فنحن نتصرف تحت تأثير المشاعر المزعجة. على سبيل المثال: إذا كنت أعتقد أنني مركز الكون، وأنني الأهم في هذا الكون؛ فعندئذ يكون الشعور المُصاحب لهذا هو الشعور بعدم الأمان، أليس هذا صحيحًا؟ عندما تكون مرتبكًا تكون غير آمن، وتفكر هكذا: "حسنًا، ينبغِ أن أكون الأهم، ولكن الناس لا يعاملونني دائمًا على هذا الأساس". لذلك هناك عدم أمان في ذلك.
ما الإستراتيجيات التي نحاول أن نستخدمها عندما نكون غير آمنين. الإستراتيجيات التي نحاول بها أن نجعل أنفسنا أكثر أمانًا؟ إحدى تلك الإستراتيجيات أن نفكر قائلين: "لو أستطعت أن أحصل على أشياء كافية من حولي فقط، فهذا يجعلني – بطريقة ما – أشعر بالأمان. إذا أستطيع أن أحصل على قدر كافٍ من المال، أو الاهتمام، أو الحب، فبطريقة ما سيجعلني هذا في أن أشعر بالسعادة". بعد ذلك – كما رأينا – فمثل هذا النوع من السعادة لا ننال منه ما يكفينا أبدًا، ولا نكون راضيين أبدًا، ودائمًا ما نريد المزيد.
فكِّروا في ذلك؛ ستجدونه منطقي. هل نريد حقًّا ممن نحب أن يقول: "أحبك" مرة واحدة؟ إذا قالوا هذا مرة واحدة فقط، فهل ستكون كافية، ولن يكونوا بحاجة لقولها ثانية؟ إننا لا نشعر أبدًا بالأمان مع هذا. بل نريد دائما أن نسمعها مرات ومراتٍ، أليس كذلك؟ ولا نصل أبدًا إلى النقطة التي نقول عندها: "حسنًا، ليس عليك أن تخبرني هذا بعد الآن، فأنا أعرف ذلك". لذا، فعندما نتحدث عن كوننا جشعين، فليس الجشع في الأشياء المادية، والمال فحسب. نحن أيضًا جشعين في الحب، ومعظمنا جشع بصفة خاصة في الاهتمام. نحن نرى هذا في الأطفال الصغار، لذلك، فهذه إستراتيجية أخرى نحاول أن نستخدمها: إذا كان بمقدورنا أن نحصل على قدر كافي من الأشياء حولنا، فسوف يُشعِرنا هذا بالأمان، لكن هذا لم يُفلح أبدًا.
الآلية أو الإستراتيجية التالية هي الغضب والنفور، كأن تقول: "لو أنني أستطيع فقط أن أتخلص من أشياء معينة أشعر بأنها تهددني فهذا سيُشعِرني بالأمان". بينما نحن لا نشعر بالأمان أبدًا، بل نشعر دائمًا بأننا مهددين. دائمًا ما نكون على حذر من أن يفعل شخصًا ما شيئًا لا نريد له أن يحدث، ثم نغضب ونطارده. أحيانًا يمكن أن يكون إلى حد كبير من عوامل الانهزامية – الذاتية. وأعطيكم الآن مثالاً لعلاقة بيني وبين شخص ما،أشعر أنه لا يعطيني الاهتمام الكافي، ولا يعطيني ما يكفي من وقته، فأصيح به، وأشعر بالغضب: "يجب عليك أن تهتم بي أكثر، وأن تقضي معي وقتًا أكبر"، وهكذا. ما نتيجة هذا؟ النتيجة أنهم عادة ما يبتعدون عنَّا أكثر، أو يُسْدون إلينا معروفًا كبيرًا، ويبقون معنا لفترةً من الوقت. يمكنك أن تشعر بأنهم ليسوا مرتاحين مع هذا. كيف نعتقد أن غضبنا تجاه شخص ما سيجعله يحبنا أكثر من ذي قبل؟ هذا شيء سخيف حقًّا، أليس كذلك؟ الكثير من تلك الآليات التي نستخدمها؛ آملين أن تجعلنا أكثر أمانًا. في الحقيقة فهي فقط تزيد من سوء الأوضاع.
هناك آلية أخرى، ألا وهي أن نضع حواجز مِن حولنا. هذه الآلية قائمة على الغُفل، بالاعتقاد أننا إذا لم نتعامل مع المشكلة – بطريقة ما – فكأنها غير موجودة، أو ستختفي من تلقاء نفسها: "لا أريد أن أسمع شيئا عن هذا" – وهذا نوع من المواقف الداخلية، ثم تضع بعدها الحاجز حولك. هذه الحالة من الغُفل بالطبع لا تفلح أيضًا؛ فلن تختفي المشكلة بمجرد تجاهلنا لها، وعدم اعترافنا بها.
لذا، اعتمادًا على تلك المشاعر المزعجة، فإن ما يحدث هو أننا نتصرف بكل أشكال الطرق الهدَّامة. نحن نصرخ، وقد نضرب أحدهم إذا شعرت "كم أنا مسكين ! أنا لا أمتلك أي شيء"، فعندها قد تسرق معتقدًا أن هذا سيساعدك بطريقة ما. أفكر في مثال عندما كنت أعيش في الهند لسنوات عديدة، والهند تُعرَف بأنها أرض الحشرات، الكثير والكثير من الحشرات، ومن كل الأنواع التي تتخيلها، ولا تستطيع قتلهم جميعًا، وليست هناك طريقة يمكنك بها أن تنتصر. الحل الوحيد هو تتعلم كيفية الحياة معهم، فإذا كنت لا تحب تلك الحشرات المتعددة – حتى إذا بقيت في غرفتك – عليك أن تنام داخل شبكة الناموس، حيث يكون هناك شبكة حولك، وتشعر أنك في مساحتك الآمنة الخاصة. هذا حل سلمي، بدلًا من الذهاب في رحلة صيد داخل غرفتك للإمساك بكل الناموس بها، وتظل مستيقظًا طوال الليل؛ لأنه سيكون هناك دائمًا المزيد والمزيد لتقتله؛ إما من تحت الباب، أو من فراغات في النوافذ، ولكن هذا الحافز للسلوك الهدام ينشأ بطريقة قهرية من: "يجب عليَّ أن أتخلص من تلك الحشرات !".
هناك أشكال مختلفة للسلوك الهدام، مثل الكذب، استخدام كلمات قاسية، والعلاقات الجنسية غير اللائقة، والاغتصاب. عندما نتصرف بطريقة هدامة؛ ينتج عنه بشكل أساسي التعاسة. ليست التعاسة للآخرين فقط، ولكن لأنفسنا بصفة خاصة. إذا فكرت في هذا فالبوذية تَنهَى بشدة عن القتل، أليس هذا صحيحًا؟ النقطة الأساسية هنا أنك إذا انخرطت في عادة قتل كل شيء لا تحبه – كما في حالة الناموس مثلاً – ستكون هذه هي استجابتك الأولى الآلية، أليس كذلك؟ وليس هذا فيما يخص القتل فقط. إذا كان هناك شيء لا نحبه فإننا نتعامل معه بطريقة عنيفة جدًّا – وقد يكون هذا لفظيًّا أو شعوريًا – بدلاً من تعلم كيفية التعامل معه بحالة ذهنية هادئة.
في بعض الأحيان قد نضطر إلى القتل، فعلى سبيل المثال: من الممكن أن تكون هناك بعض الحشرات التي تأكل المحاصيل، وربما تكون هناك حشرات تنقل الأمراض،... إلخ. ليس الهدف من البوذية أن تصبح متعصبًا، ولكن لا ينبغي عليك أن تكون ساذجًا فيما يتعلق بهذا الشأن. حاول أن تفعل هذا بدون غضب أو كراهية، كأن تفكر قائلاً: "أكره ناموس الملاريا هذا". ينبغي ألاَّ تكون غافلًا بشأن العواقب السلبية لذلك، وخذ هذا المثال البسيط: إذا استخدمنا المبيدات لرش الخضراوات والفاكهة فهذا أمر حسن، ولكننا سنأكل تلك الخضراوات والفاكهة؛ وقد يسبب هذا المرض. إذًا هناك آثار جانبية سلبية، والمقصود من هذا العودة إلى نقطة البدء. هل طُرقنا التي نتبعها هي الالتزام، التركيز، والفهم الصحيح، ويكملهم الحب والشفقة.
الالتزام الذاتي الأخلاقي
كيف يمكن لنا أن نطبق هذه الإجراءات الوقائية لتجنب المشكلات في الحياة؟ المستوى الأول، وأول ما نقوم بفعله، هو أن نطبق الالتزام الذاتي الأخلاقي، الذي هو تجنب التصرف بطريقة هدامة. التصرف بطريقة هدامة هو التصرف تحت تأثير المشاعر المزعجة – مثل الغضب، الطمع، التعلق، الغيرة، الغُفل، والتكبر... إلخ. هذا يعني أنه عندما نشعر "بالرغبة في التصرف بطريقة هدامة فإننا نقرر بوضوح تام" أننا لا نريد أن نتصرف بهذه الطريقة.
عندما أشعر بالرغبة في الصياح بوجهك لخطأ ارتكبته؛ فأنا أعلم أن الصياح سيجعل الوضع أكثر سوءًا. ربما يجب عليَّ أن أصحح خطأك، أو أن أتعامل مع ما ارتكبت من خطأ، أيًّا كان هذا الخطأ، لكن الصياح سيجعل الأمور تسوء، أليس كذلك؟ خاصة عند مناداتك بأسماء قبيحة، أو سبَّك – لن يساعد هذا في الموقف بالتأكيد. الالتزام الذاتي الأخلاقي يعني أن نلاحظ بقدر الإمكان – حتى قبل أن نتصرف بطريقة هدامة، أننَّا نوشك على التصرف قهريًا بطريقة هدامة، فهناك الباعث للتصرف بهذه الطريقة، وعندها نستطيع التمييز "هذا لن يكون مفيدًا على الإطلاق" ومن ثَمَ نتراجع عن التصرف تبعًا لهذا الباعث.
نحن الآن لا نقول لك أن تكتم غضبك وتتركه يغلي داخلك، وتستمر في كتمانه أكثر وأكثر حتى تنفجر. ليست هذه الأداة. إذا كنَّا غير قادرين على أن نتعامل معه – وهو فقط ينمو بداخلنا – فلا تخرج غضبك هذا على الشخص الآخر، وتضرب الحائط؛ فكل ما ستفعله أنك ستجرح يَدَك، لذلك فهذا غباء منك، ولكن عليك أن تخرج غضبك هذا بطريقة أخرى، أليس هذا صحيحًا؟
ضرب الوسادة، أو غسل كل أرضية المنزل. مثل هذا النوع من "حكمة الأم" هي أدوات للتعامل مع الغضب والإحباط. في الحقيقة أداء العمل المنزلي الشاق، أو الجري مسافات طويلة، أو أداء تمارين رياضية شاقة في صالة الألعاب الرياضية؛ كل هذا يساعدك على تبديد طاقة هذا الغضب المُحبِط.
اليقظة والتركيز
إذا اعتدنا أكثر وأكثر على هذه الطريقة من التصرف، ومنعنا أنفسنا من التصرف بصورة هدامة في حال شعرنا بالرغبة في التصرف بتلك الطريقة؛ فإن ما نستخدمه هنا هو ما يسمى بـ "الوعي التمييزي". نحن نميز بين ما هو نافع وما هو ضار، وعلى هذا الأساس يمكننا أن نبقى هادئين، وألاَّ نُبقي فقط على الغضب مكبوت بداخلنا. إذًا فالشيء الأساسي الذي نراكمه هنا هو ما يُترجم عادة إلى " اليقظة" أي: " لتتذكر". إنها مثل الغراء الذهني لكي تتمسك بالالتزام. ما الذي أريد القيام به؟ كيف أريد أن أكون في الحياة؟ وكيف أريد أن أتصرف بها؟ وأن نتمسك بهذا ولا ننساه؛ فتلك هي اليقظة، وهي نفس جملة "كي تتذكر بفعالية".
إذًا ما نحاول أن نفعله هو أن نكون أكثر تيقُظًا، فكلمة "بوذا" تعني في الواقع: "شخص على يقظة تامة". نحن نحاول أن نكون على يقظة لماهية المشاعر التي نشعر بها، وللإلحاح الداخلي الذي ينشأ بشكل قهري بأذهاننا كي نتصرف بهذه الطريقة أو بأخرى. نحاول ألاَّ نكون عبيدًا لتلك الأشياء، وإنما نكون على وعيٍ بها – بفهم – ومن ثم يمكننا أن نختار الطريقة التي سنتصرف بها. إذا كنت في حالة مزاجية سيئة فهذه الحالة يمكن أن تتغير، فأنت تستطيع أن تقوم بفعل شيئ كي تغير من تلك الحالة.
في بعض الأحيان الحالة المزاجية السيئة تلك حلها بسيط إلى حد ما. أكثر الأدوات بساطة هي "وضع الطفل المتذمر بالسرير" – نحن نشعر مثل الطفل الذي ظل مستيقظًا لفترة طويلة، يبكي طوال الوقت، غالبًا عندما نكون في مزاج سيء، نكون كذلك – استلق، وخذ قسطًا من الراحة، أذهب للنوم، وعندما تستيقظ ستجد أن الوضع أفضل كثيرًا من سابقه.
إذا كنت على خلاف مع شخص ما، ووصل هذا الخلاف إلى درجة كبيرة جدًّا من الحدة – حسنًا، نحن نعلم أنه في ذلك الموقف لم يعد أيٍ منَّا يستمع لما يقوله الآخر في الحقيقة – فمن الأفضل أن نُنهي المناقشة عند ذلك الحد "دعنا نعود لذلك الحوار مرة أخرى عندما نكون نحن الإثنين أكثر هدوءًا" واذهب للمشي، أو قم بفعل أي شيء آخر؛ لتهدأ.
هذه أدوات بسيطة جدًّا، وهناك في البوذية أدوات أكثر عمقًا من تلك، ولكن هذه مجرد بداية. نحن بحاجة إلى استخدام أدوات يكون بوسعنا فعليًا تطبيقها. المبدأ هو الشيء الأهم؛ والمبدأ هو أن نبحث عن أسباب المشكلة، وأن نقوم بشيء ما للتغلب على تلك المشكلة؛ أي لا تكن مجرد ضحية لها، بمعنى؛ تولى السيطرة على ما يحدث بحياتك.
الآن، إذا استطعنا تنمية اليقظة؛ للتمسك بفهمنا عما هو مفيد وماهو ضار في تصرفاتنا. إن كنَّا قادرين على الانتباه لما يحدث، وتذكُر الكيفية التي نرغب بالتصرف بها، وتصحيحها عندما لا نتصرف بهذا الشكل – إذا كنَّا قادرين على فعل ذلك بالنسبة لأجسادنا، بطريقتنا في الحديث – عندها نكون قد نمينا القوة للقيام بذلك بأذهاننا؛ بما نفكر به.
إذًا عندما يكون لدينا هذا السيل من الأفكار القلقة، أو سيل أفكار مثل: "كم أنا مسكين ! فلا أحد يحبني"، وما إلى ذلك، نقول: "هيا، لا أريد أن أتمادى في هذه الرحلة من الإشفاق على الذات، والقلق، وما شابه؛ فهذا فقط سيجعلني تعيسًا". ثم نحول انتباهنا إلى شيء أكثر إيجابية. هناك الكثير من الأشياء الإيجابية التي يمكننا أن نفعلها بأجسادنا وأذهاننا، وتكون أكثر إيجابية من مجرد الجلوس ومعاناة القلق. هناك الكثير من الأشياء الإيجابية التي يمكن أن نفكر فيها بدلاً من التفكير في مدى الفظاعة التي من المُمكن أن يصبح عليها كل شيء. كما يحدث عندما نكون في حالة من القلق. فكما ترون؛ ما نحاول أن ننميه هنا هو التركيز حتى نستطيع استعادة انتباهنا عندما يشرُد بعيدًا.
على سبيل المثال: عندما نتحدث مع شخص ما، وتبدأ أذهاننا في الشرود بعيدًا، فليس بالضرورة أن يكون قلقًا؛ فقد يخطر بذهننا "متى سيتوقف هذا الشخص عن الكلام؟ "أو "ماذا سأتناول على العشاء؟". يمكن أن يكون هذا الشرود بشأن أي شيء، ونتوقف عن الانتباه للشخص الآخر، أو نقوم بالتعليق في أذهاننا على ما يحدث "إن ما قاله هذا الشخص حالاً مجرد غباء". نحن نسترجع انتباهنا، ونركز على الاستماع لما يقوله فقط.
هناك تطبيق عملي جيد جدًا للتركيز، ولكنه يتطلب التزامًا؛ هذا الالتزام يُنمى مبدئيًا طبقا لسلوكنا الجسدي واللفظي. عندما ننمي مهارة استرجاع انتباهنا، وتصحيح أي انحرافات، فعندئذ يمكننا تطبيق ذلك في جميع المواقف، وهذا مفيد للغاية. على سبيل المثال: نبدأ في أن يكون لدينا يقظة للوضعية التي عليها جسدنا، فإذا كان الكتفين مشدودين ومرتفعين إلى أعلى، والرقبة مشدودة، كونوا مُتيقظًين ولاحظوا ذلك، عندها نُعيد الكتف إلى الأسفل، ونسترخي. إنها فقط مسألة انتباه، تذكر، والقيام بشيء حيال ما يحدث. عندما نوشك أن نكون في حالة من الانفعال الشديد، ويكون هذا غير لائق على الإطلاق بالموقف الذي نحن فيه. إذا بدأ صوتنا في الارتفاع وبدأنا بالتحدث بطريقة عنيفة مع شخص ما، فما علينا إلا أن نلاحظ ذلك؛ ونغير الموقف. علينا فقط أن نهدأ، مثلما لاحظنا وضعية الكتفين في السابق وأعدناهما إلى الوضعية الطبيعية، ولكن سنفعل هذا على مستوى الطاقة والمشاعر.
هذا هو السر بأكمله عن كيفية تطبيق أدوات الدارما في الحياة. فقط تذكروا تلك الأدوات، وليكن لديكم فقط الالتزام للقيام بذلك، طبقوها فحسب. أنت لا تفعل ذلك لأنك تريد أن تكون إنسانًا جيدًا، ولا لإسعاد معلميك؛ أنت تفعل ذلك حتى تتجنب المشاكل – الصعوبات – لأنك تعلم أنك إذا لم تفعل شيئًا بهذا الصدد، فكل ما ستفعله أنك ستتسبب بتعاستك، وهذا أمر لا مزاح فيه، أليس كذلك؟ لذلك، تحتاج إلى أن تطبق الالتزام الذاتي على النطاق الذهني طبقًا للتركيز، وطبقًا للتعامل مع مشاعرنا. بالطبع التعامل مع المشاعر يكون أكثر حساسية و صعوبة. ما قلت إذا كنت على وشك الانفعال بقوة، فبإمكانك تهدئة نفسك.
الفهم الصحيح
ما أن تُنمي أداة التركيز – على الأقل إلى مستوى ما – فكلُّ ما نريده حينئذٍ هو أن نحتفظ بتركيزنا على الفهم الصحيح لما يحدث. نحن لدينا كل أنواع الارتباك بشأن الحقيقة؛ بشأن كيفية وجودنا، وكيفية وجود الآخرين، وكيفية وجود العالم. وبسبب ذلك الارتباك تكونت لدينا جميع أنواع الإسقاطات لما هو غير حقيقي في الواقع، أليس هذا صحيحًا؟ يمكننا أن نُسقط "أنا لست جيدًا؛ فأنا فاشل"، أو "أنا أروع شيء في العالم"، أو "كم أنا مسكين؛ لا أحد يحبني". لكننا إذا حللنا كل شخص في حياتنا حقًّا، فهذا يعني أن أمي لم تحبني أبدًا، ولم يحبني كلبي أبدًا، ولم يحبني أي أحد أبدًا. ومن الصعب أن يكون هذا هو الواقع.
لذا فنحن نقوم بإسقاط جميع أنواع الخيالات، ونُصدق أنها الحقيقة؛ وهذا هو الشيء المُروع في الأمر. نحن نعتقد أننا يمكننا أن نصل متأخرين عن موعد لدينا، أو لا نحضر على الإطلاق، وهذا أمر لا يهم؛ "فليس لديك أية مشاعر تجاه هذا الأمر"، أليس كذلك؟ عندها نكون غير مراعيين للآخرين على الإطلاق، ولكن الجميع لديهم مشاعر، تمامًا كما لي مشاعر. ولا يحب أحد منَّا أن يتم تجاهله، ولا أحد يحب إذا كان على موعد مع شخص ما، وهذا الشخص لم يتصل وأتى متأخرًا على الموعد. لذا ما نحتاج القيام به هو أن نستخدم تركيزنا؛ لنتعامل مع هذه الخيالات ونتوقف عن إسقاط كل تلك الترهات، على سبيل المثال: إن سلوكنا غير المراعي لمشاعر الآخرين لا يؤذيهم؛ لأن هذا السلوك هو السبب الأعمق لمشاكل "أنا مركز هذا الكون. وأنني يجب أن أحصل على ما أريده دائمًا. أنا الشخص الأهم". من الواضح تمامًا أن كل هذا مجرد إسقاط لخيالاتنا؛ فلا يوجد أحد هو الأهم على الإطلاق، ولكن اعتمادًا على تصديقنا لتلك الخيالات على أنها حقيقة، نكون أنانيين، فإذا أردنا أن نتغلب على أنانيتنا فإننا بحاجة إلى أن نهدم تلك الخيالات، ونتوقف عن إسقاطها. وحتى إن شعر أحدنا أنه مركز هذا الكون، وأنه الوحيد الموجود (وذلك لأنني عندما أغلق عينيَّ هناك هذا الصوت في رأسي، بأنني لا أرى أحدًا آخرًا، ويبدوا كما لو أنني أنا الوحيد الموجود). علينا أن نتذكر "أن هذا وهم، ونحاول ألاَّ نصدقه"، فالأمر ليس كذلك، بل يبدو هكذا فقط.
أن نحافظ على هذا الفهم طوال الوقت؛ هذا هو المسار الحقيقي، يقول بوذا، إن بقاءنا بهذا الفهم طوال الوقت هو السبيل الصحيح لكي نحقق إيقافًا حقيقيًا لمشكلاتنا. إذا كان لدينا هذا الفهم الصحيح طوال الوقت؛ فلن يكون لدينا أي ارتباك. إذا لم يكن لدينا أي ارتباك؛ فلن يكون لدينا أي غضب، ولن يكون لدينا تعلق أو طمع، وما إلى ذلك. إذا لم يكن لدينا أي من تلك المشاعر المزعجة؛ فلن نتصرف بطريقة هدامة، وإذا لم نتصرف بطريقة هدامة؛ فلن نتسبب في أي مشكلات للآخرين أو لأنفسنا. هذه هي الأداة البوذية الأساسية لكيفية التعامل مع الصعوبات في الحياة.
إذا أردنا أن نحظى بعلاقات أسعد، فعلينا إدراك التالي:
- أنا إنسان، وأنت إنسان، ولدينا جميعًا المشاعر نفسها، وما إلى ذلك.
- الجميع لديهم نقاط قوة، ونقاط ضعف.أنا أمتلكهم، وكذلك أنت.
- ليس منَّا من هو أمير أو أميرة يسلب /تسلب الألباب على حصان أبيض.
هل لديك تلك التصورات في قصصك؟ نحن دائمًا ما نبحث عن الشريك الكامل، ذلك الشخص على الحصان الأبيض، ولكن هذا درب من الحكايات الخيالية، فهذا الشيء لا يوجد، ولكننا نقوم بإسقاطه. بسبب تصديق تلك الحكايات الخرافية، نعتقد في وجود هذا الشخص الذي سيكون مثل أمير أو أميرة الأحلام. وعندما لا يكونون هكذا فنحن نغضب منهم، أو حتى في بعض الأحيان نرفضهم تمامًا. بعد ذلك ننتقل بإسقاطاتنا إلى الشريك المحتمل القادم، معتقدين أنه سيكون الأمير أو الأميرة، ولكننا لا نجد هذا الأمير أو هذه الأميرة؛ لأنه لا يوجد شيء من هذا القبيل.
لذا إذا كنا نريد علاقات صِحية فعلينا القبول بالواقع. والواقع هو – كما قلت – أن لكلٍّ منَّا نقاطَ قوة، ولكل منَّا نقاطَ ضعف، ونحن بحاجة إلى أن نتعلم بطريقة ما أن نعيش معًا، وأنه ليس منا من هو مركز الكون. كذلك ستجد أن التعاليم العامة في أي دين، أو أي فلسفة بشرية، هي أن تكون طيبًا، مراعيًا، محبًّا... إلخ، وأن تكون صبورًا، كريمًا، مسامحًا. الديانات، الفلسفات الإنسانية جميعها تحرص على كل ذلك، والبوذية كذلك.
تنطبق المبادئ نفسها على علاقاتنا في العمل، فإذا كنت طيبًا مع زملائك في العمل (أو إذا كنت تُوظِّف الآخرين وأنت طيب مع موظفيك )؛ فسيجري العمل كله بسلاسة أكثر. إذا كنت تعمل في متجر، وكنت ودودًا مع الزبائن؛ فستكون الأجواء بأكملها أكثر وسرورًا، أليس كذلك؟ إذا كان الفرد أمينًا في تعاملاته – لا يغش الآخرين وما إلى ذلك – فمرة أخرى؛ ستسير الأمور أفضل بكثير. هذا لا يعني أننا لا نحاول أن نحصل على بعض الربح وكسب المعيشة، ولكن النقطة الهامة هنا هو ألاَّ نكون جشعين في هذا.
عندما يغشنا الآخرون – لأن الجميع لن يتصرفوا وفقًا لتلك الطريقة القائمة على المبادئ – حسنًا، فما الذي تتوقعه؟ ولكن من وجهة النظر البوذية لن نقول: إن هؤلاء الناس سيئون. وإنما سنقول: إنهم فقط مرتبكون، وأنهم لا يفهمون أن التصرف بهذه الطريقة لن يسبب إلا مزيدًا من المشكلات لهم؛ فلن يحبهم أحد؛ لذلك فهم أهل للشفقة، بدلاً من أن يكونوا أهلاً للكراهية. إذا رأينا أنهم أهل للشفقة، وتحلينا بالصبر معهم؛ فإننا لن نعاني شعوريًا عندما يخدعوننا، وبعد ذلك نحاول أن نكون أكثر حرصًا مع من سيأتي من بعدهم، حتى لا يتم خداعنا مرة أخرى ولكن ماذا تتوقع من الناس؟ فالكثير من الناس هكذا، إذًا ذلك هو الواقع. إنه لنوع من الإسقاط أن نرى أن الجميع أمناء، ولكنهم ليسوا كذلك! سيكون من الجيد أن يكون الجميع أمناء، ولكن ليس الجميع كذلك. لذا – على الأقل – يمكننا أن نحاول أن نكون نحن أمناء.
هل من المُمكن لغير البوذيين أن يستخدموا هذه الأدوات؟
الآن، هل علينا أن نتبع مسارًا روحانيًا بوذيًّا صارمًا للتأمل والطقوس، وما إلى ذلك؛ لكي نطبق هذه الأدوات؟ حسنًا، ليس بالضرورة، فليس علينا أن نتبع نموذجًا لمسار روحاني صارم لكي يكون بإمكاننا تطبيق تلك الأدوات. دائمًا ما يتحدث قداسة الدالاي لاما عن الأخلاق العلمانية والقيم الإنسانية؛ كأن تكون طيبًا، وأن تكون أكثر يقظة، وألاَّ تكون غافلًا، وألاَّ تُسقط خيالات، وما إلى ذلك. تلك إرشادات عامة التي من المُمكن أن يتبعها أي أحد.
عندما نتحدث عن التأمل فإننا نتحدث فقط عن أداة ؛ كي نعود أنفسنا على هذه الطريقة من التفكير، عن طريق الجلوس ومحاولة التفكير بهذه الطريقة. عندما يشرُد انتباهنا نستعيده ثانية. حسنًا، يمكنكم فعل هذا وأنتم جالسون في تأمل، وفي تركيز على بوذا، أو على تنفسك. ولكنك تستطيع أن تفعل هذا أيضًا أثناء قراءتك لكتاب، أو أثناء طهيك للطعام، أو أثناء قيامك بأي شيء. عندما تقوم بالطهي ضع تركيزك كله على الطهي فقط، وإذا شرد عقلك في بعض الأفكار المجنونة فما عليك إلى أن ترده فقط إلى الطهي. ليس من الضروري أن يكون هذا تدرُب على الأدوات البوذية التقنية، فهناك العديد والعديد من الطرق التي يمكن من خلالها أن نُعوِّد أنفسنا على هذه الطرق من التفكير و التصرف النافعة، وما إلى ذلك، بدون أن يشتمل هذا على أي نوع من الطقوس البوذية، أو تقنيات الجلوس البوذية للتأمل.
تلك إذًا هي الطريقة التي نطبق بها الدارما – الإجراءات الوقائية – لكي تساعدنا على تجنب المشكلات.
الآن ماهي الأسئلة التي لديكم؟
أسئلة وإجابات
أن نكون على وعي بما يحدث داخليًّا وخارجيًّا
لنتجنب المشكلات هل يجب علينا أن نكون مُركزين طوال الوقت فقط؟
ألكس: لتجنب المشكلات، هل نحتاج للتركيز طوال الوقت؟ إلى حدٍّ ما نعم، ولكن ليست هذه هي الصورة الكاملة؛ فقد نكون مركزين جدًّا في الصياح في وجه أحد ما أو ضربه – على سبيل المثال، لذلك ليست هذه هي الصورة الكاملة. علينا أيضًا أن نكون متيقظين؛ بمعنى أننا بحاجة إلى أن نكون واعين بما يحدث داخليًّا – أفكارنا ومشاعرنا، إلخ – نكون واعين في الوقت نفسه ومتنبهين لما يحدث من حولنا ومع الآخرين. عندما يأتي أحد ما إلى البيت – أحد أفراد الأسرة، أو أحد الأحبة، أو أيًّا كان – فقد يكون مُتعَبًا للغاية، وأنت يجب عليك أن تكون منتبهًا لذلك، فهذا ليس الوقت المناسب للدخول في نقاش حول أحد الموضوعات المهمة حالَ دخوله المنزل؛ فهو متعب. لذلك، فأنت تحتاج أن تكون منتبهًا دائمًا، مُركزًا على ما يدور حولك. ما هو الموقف بالنسبة للآخريين، ليس فقط بالنسبة لك.
عندها لا نكون متطرفين بأن نكون واعين فقط بذواتنا، ولسنا على وعي بالآخرين، أو التطرف الآخر، وهو أن نهتم بالآخرين فقط، ولا نهتم بذواتنا؛ هذا أيضًا تجاوز علينا أن نتجنبه. هناك الكثيرون ممن لديهم هذه المتلازمة من عدم القدرة على قول: "لا ". لذلك، هم دائمًا ما يساعدون الآخرين، أو عائلاتهم، أو أي إنسان آخر، حتى تخور قواهم، وينهاروا، أو يصبحوا حانقين. من الهام أيضًا أن ننتبه للكيفية التي نشعر بها، ونعتني باحتياجاتنا الخاصة. عندما نكون في حاجة إلى أخذ قسط من الراحة فلنفعل ذلك، وعندما نكون في حاجة إلى أن نقول: "لا، أنا آسف، لا يمكنني أن أفعل هذا؛ فهذا كثير جدًّا، ولا أستطيع فعله". فلتقل حينها "لا". بطريقة مثالية عندما نقول "لا". نحتاج إلى أن نقدم لهم بديلاً ما، إذا كنا نستطيع أن نفعل هذا. يمكننا أن نقدم بعض الاقتراحات "أنا لا أستطيع، لكن ربما هذا الشخص يستطيع تقديم المساعدة".
باختصار: كن متيقظًا لكل ما يحدث، داخليًّا وخارجيًّا، وبعد ذلك طبِّق الفهم الصحيح والحب والشفقة.
التعامل مع الغضب
تحدثت عن تنظيف المنزل بوصفه أداة للتعامل مع الغضب، أو المشاعر الهدامة الأخرى. بينما أشرت إلى أن البوذية فيها الكثير من الأدوات الأكثر عمقًا. رجاءً هل يمكن أن تشير إلينا أين يمكن لنا أن نبحث عن هذه الطرق؟
ألكس:السؤال كان عن أنني ذكرت بعض الأدوات المؤقتة السطحية جدًا للتعامل مع الغضب، مثلاً، عندما يكون لديك الكثير من الغضب المكبوت فإن العمل الجسماني الشاق قد يفيد في هذا، مثل غسل كل الأرضيات. قد لَمحت إلى أن هناك طرقًا أكثر عمقًا، فهل يمكنني أن أشير إلى بعض تلك الطرق للتعامل مع الغضب؟
حسنًا، بالتعمق قليلاً، عندما تكون غاضبًا من أحد؛ فإن أحد مستويات التعامل مع الغضب هي بتنمية الصبر. والآن، كيف لنا أن ننمي الصبر؟ هناك العديد والعديد من الأدوات، ولكن هناك طريقة واحدة – على سبيل المثال – تسمى "الصبر المشابه للوحة التصويب". إذا لم أضع لوحة التصويب، فلن يستطيع أحد استهدافها. على سبيل المثال: سألتكم أن تفعلوا شيئًا من أجلي، وفعلتم هذا الشيء بطريقة غير صحيحة، أو لم تفعلوه من الأصل؛ فحينئذٍ سأميل للغضب منكم. إذًا خطأ مَن هذا؟ إنه خطأي في الواقع؛ لأنني كنت كسولاً جدًّا، لأفعله بنفسي، وطلبت منكم أن تفعلوه بدلًا مني. إذًا فماذا أتوقع؟ عندما تطلب من أحد القيام بشيء فماذا تتوقع؟ دعنا نقول إنك تطلب من طفل عمره عامان أن يحضر لك كوبًا ساخنًا من الشاي، وسكبه، بالطبع سيسكبه. فبالمثل – ماذا تتوقع إذا طلبت من أحد ما أن يقوم بشيء من أجلك؟
لذا أنا أدرك أن كسلي هو الذي تسبب في المشكلة في الواقع؛ لذلك لا أغضب من الشخص الآخر. أنا مدرك أنني عندما أطلب منك القيام بشيء من أجلي فهذا لكوني كسولاً جدًا لأقوم به بنفسي، سواء أكنت كسولاً، أم ليس لدي وقت لهذا، أيًّا ما كان السبب. المهم هنا هو أنه إذا كنت أطلب من أحد آخر أن يقوم بشيء، فلا ينبغي أن أتوقع أن هذا الشخص سيقوم به بطريقة صحيحة، أو بالطريقة التي كنت سأنفذه أنا بها، والتي ربما تكون غير صحيحة أيضًا في النهاية. أنا أرتكب أخطاء أيضًا. إذا فعلت هذا الشيء بنفسي، وارتكبت خطأ، فليس هناك سبب يجعلني أغضب من نفسي "أنا لست كاملاً – وليس هناك أحد كامل – لذلك فأنا أرتكب أخطاء بالطبع"، وما عليك إلا أن تقبل الواقع فقط. "أنا إنسان؛ البشر ترتكب الأخطاء: أنا أخطئ. "إذا استطعت أن أصحح خطئي فسأفعل. أنا لا أغضب من نفسي؛ فلا جدوى من ذلك. كل ما علي القيام به هو أن أصحح هذا الخطأ إذا كنت أستطيع ذلك، وإن لم أستطع فقد انتهى الأمر – وما عليَّ ألاَّ أن أتركه، وألاَّ أحاول أن أكرر هذا الخطأ في المستقبل.
مستوى أكثر عمقًا للتعامل مع الغضب هو فَهمُ حقيقة ذواتنا. الآن، أنا أتحدث على مستوى بسيط جدًا، ولكن حتى على هذا المستوى البسيط فهو نافع للغاية. "أنا لست مركزًا للكون، فلماذا ينبغي دائمًا أن أحصل على ما أريد؟ لماذا؟ وما الذي يميزني حتى أحصل دائمًا على ما أريد طوال الوقت، ولا أحد آخر يحصل على ما يريد؟". بمثل تلك الأفكار تبدأ في تحليل تلك الرؤية الراسخة لـ "أنا " بوصفها أهم شيء في الكون. "أنا" الراسخة. بعد ذلك يمكنك بالطبع أن تحلل إلى ما هو أبعد من هذا بكثير. وعندما تكون لديك مثل هذه الرؤية لـ "أنا" على أنها ذلك الشيء الراسخ الجامد هنا، وأنني يجب دائمًا أن أحصل على ما أريد، فحينئذ ستغضب بالطبع عندما لا تحصل على ما تريد، أليس هذا صحيحًا؟
البوذية لديها الكثير لتقوله عن كيفية وجودنا، وكيفية وجود الجميع. نحن موجودون فعلاً، ولكننا لا نوجد بتلك الطرق المستحيلة التي نتخيل أننا نوجد بها. فعلى سبيل المثال: هناك "أنا" صغيرة تجلس في رأسي، وتتحدث، وهي صاحبة ذلك الصوت في رأسي. الأمر يبدو كما لو أن هناك "أنا" صغيرة بالداخل تتكلم وتشتكي: "ماذا الذي ينبغي علي أن أفعله؟ نعم، سأفعل ذلك". ثم تحرك جسدك، كما لو كان هذا الجسد آلة. لكن هذا وهم؛ فلا يمكنك أن تجد أي "أنا" صغيرة بالداخل، هل تستطيع؟ لكن على الرغم من ذلك فأنا موجود، أنا أتكلم، وأفعل أشياء. لذا يجب علينا أن نتخلص من تصديقنا لمثل تلك الإسقاطات؛ لأنها تبدو كما لو أنها تتطابق مع الواقع. تبدو وكأن هناك هذا الصوت المستمر، لذا لابد وأن هناك شخصًا ما يتحدث في الداخل هناك.
لذلك لدى البوذية الكثير لتقدمه في مجال ما نطلق عليه: "علم النفس".
التدرب بأجسادنا
لدي سؤالان: الأول: ربما يمكنك أن تخبرنا أكثر عن التدرب بالجسد؛ فقد ذكرتَ أننا بحاجة إلى أن نريح أجسادنا، ولكن قد نكون بحاجة إلى ما هو أكثر من ذلك. السؤال الثاني هو: ما هو مصدر كل تلك الإسقاطات؟ فعلى سبيل المثال: الشخص الذي يتكلم بداخل رؤوسنا لماذا يظهر؟
ألكس: هناك بالطبع العديد من الالتزامات التي يمكن لنا أن نطبقها على الصحة الجسدية. فهناك الطب البوذي – على سبيل المثال – الذي تجده في التقليد التبتي، والذي به الكثير عن العمل على توازن الطاقات بالجسد. تتأثر طاقاتنا وصحتنا العامة كثيرًا بنظامنا الغذائي وسلوكنا – السلوك مثل خروجك في البرد وأنت لا ترتدي ملابس ثقيلة بما يكفي؛ ومن ثَمَ تمرض. نحن نتحدث عن مثل هذا النوع من السلوك، أو الإفراط في العمل – مثل هذا النوع من السلوك سيجعلك مريضًا.
نحن نحاول أيضًا أن نحافظ على الوعي بحالتنا الجسدية، فكلما كنتَ داخليًا أكثر هدوءًا ستصبح أكثر انتباهًا، ليس فقط بالحالة الذهنية، وإنما على مستوى حالة الطاقة بجسدك. عندما تلاحظ أن طاقتك متوترة جدًا على سبيل المثال – يمكنك أن تشعر بهذا عن طريق ازدياد النبض، وما إلى ذلك – فهناك الكثير من الأشياء الأساسية التي يمكنك أن تفعلها، حتى ولو على مستوى تعديل نظامك الغذائي فقط. على سبيل المثال: يمكننا أن نتوقف عن شرب القهوة والشاي (الثقيل). كما يمكننا أن نتناول أطعمة أكثر دسمًا لتقلل من الطاقة، مثل الأطعمة الدهنية؛ كالجبنة، أو ما شابه ذلك. نبقى دافئين، ولا نتعرض للرياح أو التيارات الهوائية، ونبتعد عن الآلات العالية الطاقة التي تحدث ضجيجًا كبيرًا. كل هذا سوف يزعج من طاقتنا بشكل أكبر، كن على هدوء. وهذا مستوى من التدريب.
لا يُؤكد التقليد التبتي على التدريبات الجسدية، أو مثل هذا النوع من التدرب بالجسد بذات الطريقة، دعونا نقول، كالتي بالتقليد الصيني أو الياباني؛ الذي هو من خلال الفنون القتالية. بالتأكيد هناك أنواع مختلفة من الفنون القتالية – التايجي والكيغونغ، وما شابهها – قد تكون مفيدة للغاية. فتلك أيضًا من أدوات تنمية التركيز من خلال التنبه لحركات الجسد. التدريبات الجسدية التي يؤديها أهل التبت غير ملحوظة؛ وتتعلق باستخدام أنظمة الطاقة بطريقة مختلفة، وليس على طريقة الفنون القتالية؛ بل تختلف قليلاً، أقرب إلى اليوغا. لذا فتلك هي الطريقة التي نتدرب بها جسديًا.
مصدر الصوت في رؤوسنا
بالنسبة لمصدر الصوت في رؤوسنا، فإن هذا يتضمن طبيعة الذهن والتي هي معقدة شيئًا ما. عندما نتحدث عن الذهن في البوذية فنحن لا نتحدث عن شيء من الأشياء، ولكننا نتحدث عن النشاط الذهني، ويكون هذا النشاط الذهني متضمَنًا مع التفكير والرؤية والإحساس بالمشاعر، وهذا مجال متسع جدًا جدًا. ما يحدث في هذا النشاط أن هناك نشوء لنوع ما من الصورة الذهنية ثلاثية الأبعاد. على سبيل المثال: عندما نرى شيئًا ما فإن الضوء يقع على شبكية العين، ويحفز نبضات كهربية وتفاعلات كيمياوية في الخلايا العصبية؛ ونتيجة لهذا ينشأ نوع ما من الصور الذهنية ثلاثية الأبعاد لما يبدو عليه هذا الشيء، ولكن هذه في الواقع مجرد صورة ذهنية مجسمة؛ تنشأ نتيجة لكل تلك النبضات الكيميائية والكهربائية.
هذه الصور ليست مرئية فحسب، بل تلك الصورة الذهنية المجسمة قد تكون صوت، مثل الكلمات. نحن لا نسمع الجملة كاملة بلحظة واحدة – لكننا نسمع أجزاء صغيرة منها بكل لحظة – ومع هذا يكون هناك صورة ذهنية مجسمة للجملة كاملة؛ وبذلك نفهم ما تعنيه هذه الجملة. بالمثل هناك مجسمات ذهنية على هيئة مشاعر، ومجسمات ذهنية على هيئة أفكار، وأيضًا مجسمات ذهنية على هيئة لفظية – الصوت، تظهر. هناك نوعًا من الإدراك متضمَّنًا؛ وهذه هي الرؤية، أو التفكير، أو الشعور. هذا ما عليه الأمر. يستمر هذا النشاط الذهني دون وجود لـ "أنا" منفصلة عنه، والتي تشاهد أو تسيطر أو تجعل الأشياء تحدث. إنها فقط تحدث. لذا جزء من الصورة الذهنية المجسمة هو الأفكار المتعلقة بوجود "أنا" – "هذا الصوت هو أنا". من الذي يفكر؟ أنا أفكر. لست أنت من يفكر – أنا أفكر، ولكن هذا ما هو إلا مجرد جزء من كل عملية المجسمات تلك.
ما مصدر هذا الصوت في رؤوسنا؟ هذا الصوت ما هو إلا أحد خصائص النشاط الذهني، وليس بالضرورة أن تكون هذه هي الطريقة التي تعمل بها كل الأنشطة الذهنية؛ فهذا الصوت لا يستمر طوال الوقت، وأشك في أن دودة الأرض تفكر باستخدام هذا الصوت. إن لدودة الأرض مخًّا بالتأكيد، ولها ذهن، وترى أشياء، وتفعل أشياء.
في الواقع يبدأ الأمر في أن يكون مثيرًا للاهتمام إذا فكرنا فيه: أن المجسم الصوتي للصوت في رؤسنا هو شكل من أشكال التواصل، أليس كذلك؟ إنه نوع من التصور النظري الذي يعبر أو يوصل فكرة بهيئة الصوت الذهني للكلمة. السؤال المثير للاهتمام هو: أولئك الصم والبكم منذ ولادتهم، ولا يملكون أدنى مفهوم عن الصوت، هل لديهم أصوات في رؤوسهم، أم إنهم يفكرون طبقًا للغة الإشارة؟ هذا سؤال مثير للاهتمام جدًا، لم يسبق لي أن وجدت له جواب.
إذًا سواء كان صوتًا أم لغة إشارة، أو أيًّا كان الأمر – أو أيًا ما كانت الطريقة التي تفكر بها الدودة – الوهم هو أن هناك "أنا" منفصلة، تقبع في الخلفية، وهي التي تتحدث، وتجلس على لوحة التحكم، وتظهر المعلومات على الشاشة – التي هي العينيين – ويكون لديها هذا الميكروفون، الذي تتحدث من خلاله، ثم تضغط على زرٍّ لكي تجعل الأذرع والأرجل تتحرك؛ كل ذلك ما هو إلا وهم كبير.تلك الـ "أنا" التي تجلس على لوحة التحكم والتي تشعر "أه، ماذا سيظن الناس بي؟" و "ماذا ينبغي علي أن أفعل الآن؟" هي هذه الـ "أنا" التي نقلق بشأنها، هذه هي "أنا" الجالسة على لوحة التحكم.
عندما ندرك أن هذه الـ "أنا" ما هي إلا وهم فلن يكون هناك شيء نقلق عليه؛ فنحن نتكلم، ونتصرف بالتأكيد؛ وهذا أنا: أتحدث، أتصرف. وإذا لم يُعجَب الناس بهذا، فإنه لا يعجبهم. وإن يكن؟ لم يُسعد بوذا الجميع، ولم يحبه الجميع، إذًا ما الذي أتوقعه من نفسي؟ ما علينا إلا أن نستخدم الفهم والحب والشفقة، ونتصرف، وهذا هو كل شيء. لا نقلق بشأن "كيف سيفكر الناس بنَّا؟"، وهذا ليس بالسهولة التي يبدوا عليها الأمر.
السيطرة على أنفسنا عندما يغضب الآخرون
عندما يكون هناك شخص آخر غاضب منَّا فكيف نتحكم بأنفسنا؟
ألكس: بالأساس نراهم كما لو كانوا أطفالًا صغارًا، فعندما يغضب منَّا طفل صغير عمره عامان؛ عندما نخبره "لقد حان وقت النوم" ويرد قائلًا "أنا أكرهك. أنت فظيع"، ثم يصنع ضجة كبيرة جدًا، فهل نغضب منه؟ حسنًا، هناك بعض الناس يغضبون، ولكنه مجرد طفل لم يتجاوز العامين من عمره، فماذا تتوقع منه؟ كل ما عليك فعله هو أن محاولة تهدئة الشخص الغاضب، وأن تكون لطيفًا معه، كما ستفعل مع الطفل ذي العامين. فكِّر في هذا الأمر، وانظر كيف ستتعامل مع طفل عمره عامان. غالبًا عندما يتصرف هذا الطفل بشكل سيء للغاية، إذا حملته، واحتضنته، وكنت رقيق معه؛ سيهدأ، أليس كذلك؟ أما الصراخ في وجهه فلن يزيده إلا بكاءً. لذا فالناس مثل هذا، أطفال كبار الحجم.