حياة تسونغكابا

11:32

سُمِّيت سيرة حياة اللاما العظيم تسونغكابا (١٣٥٧ – ١٤١٩ م) الـ "نامتار"،أي: سيرة الحياة المحرَّرة، وذلك لأنها تُلهم المستمعين كي يحذو حَذْوَ اللاما لتحقيق التحرر والاستنارة، سيرة حياة تسونغكابا حقًا مُلهِمة.

النبوءات والطفولة

تنبَّأ كلٌّ من بوذا شاكياموني وغورو رينبوتشي بمولد تسونغكابا وتحققاته، ففي زمن بوذا شاكياموني قدَّم ولد صغير – الذي كان التجسد السابق لتسونغكابا – مِسبَحة بلورية إلى بوذا، وأخذ منه صدفة محارة في المقابل. وقد تنبأ بوذا بأن مانجوشري سيولد في التبت ولدًا صغيرًا، وسيُؤسِّس دير غاندين، وسيُقدِّم التاج لتمثال بوذا . وقد منح بوذا الولد الاسم المستقبلي:سوماتي-كيرتي (لوزانغ دراغبا). أما غورو رينبوتشي فقد تنبَّأ أيضًا بأن الراهب المسمى لوزانغ-دراغبا سيُولَد قرب الصين، وسيُعَدُّ تجسد لـ بوديساتفا عظيم، وسيصنع تمثال لبوذا على هيئة السامبوغاكايا.

وقد دلت أيضًا عدة إشارات قبل ولادة تسونغكابا على أنه سيكون عظيم الشأن، فقد رأى والداه – على سبيل المثال، في منامهم أحلامًا عديدة بأن طفلهم سيكون تجسيدًا لـ آفالوكيتيشفارا ومانجوشري وفاجراباني معلمه المستقبلي تشوجي دوندروب-رينتشين قد أخبره يامانتاكا في الرؤية أنه – أي يامانتاكا – سيأتي إلى آمدو (مقاطعة شمال شرق التبت) في سنة محددة، ويصبح تابعه.

ولد تسونغكابا في تسونغكا بمقاطعة آمدو عام ١٣٥٧ م، وهو الرابع بين ستة أبناء، وبعد يوم من ولادة تسونغكابا أَرسل تشوجي دوندروب-رينتشين – تابعه الرئيسي – إلى الوالدَيْنِ هدايا وتمثال ورسالة، وقد نمت شجرة صندل في البقعة التي سقط حبله السري فيها على الأرض، وكل ورقة من أوراقها كان عليها صورة طبيعية لبوذا سينانادا، وهكذا سُمِّيت كومبوم، أي: صور مائة ألف جسد، وقد بُنِي دير الغيلوغ المُسمَّى كومبوم فيما بعد في تلك البقعة.

لم يكن تسونغكابا كأي طفل عادي؛ فهو لم يُسئْ التصرف أبدًا، وانخرط بالفطرة في أعمال البوديساتفا، وكان ذكيًّا جدًّا، وكان يسعى دائمًا لتعلُم كل شيء، وعندما كان عمره ثلاث سنوات أخذ العهود الخاصة بغير الرهبان من الكارمابا الرابع: رولباي-دورجي (١٣٤٠ – ١٣٨٣ م)، ثم بعد ذلك مباشرة دعا والده تشوجي دوندروب-رينتشين إلى بيتهم، وهناك عرض اللاما الاهتمام بتعليم الولد، فوافق الوالد بسعادة، وبقي الولد في البيت حتى أكمل سبع سنوات؛ حيث درس مع تشوجي دوندروب-رينتشين. وقد تعلَّم القراءة بصورة فطرية بعد رؤيته اللاما يقرأ أمامه، بصورة مباشرة دون الحاجة للتعلُّم.

وخلال هذه الفترة منح تشوجي دوندروب-رينتشين الولد تمكينات الخمس تمثيلات لتشاكراسامفارا وهيفاجرا ويامانتاكا وفاجراباني، وقد حفظ طقوسهم كاملة قبل أن يتم سبع سنوات، واستكمل معتزل التشاكراسامفارا، وكان في ذلك الحين قد أتمَّ التعزيز – الذاتي، وكان عنده رؤية لفاجراباني، وحلم كثيرًا بآتيشا (٩٨٢ – ١٠٥٤ م)، الحادثة التي كانت الإشارة بأنه سيُصحِح سُوء فهم الدارما في التبت، وإعادة صفاءها، دامجًا السوترا والتانترا،كما فعل آتيشا.

وفي سن السابعة أخذ تسونغكابا عهود الراهب المبتدئ من تشوجي دوندروب-رينتشين، واسم الرسامة لوتسانغ-دراغبا، وواصل تسونغكابا الدراسة في آمدو مع اللاما حتى بلغ السادسة عشرة، وفي ذلك الوقت ذهب إلى يو-تسانغ (التبت الوسطى) للدراسة العليا، ولم يعد إلى موطنه أبدًا، وبقي تشوجي دوندروب-رينتشين في آمدو؛ حيث أَسَّس دير جاكيونغ جنوب كومبوم.

الدراسات المبكرة في التبت الوسطى

دَرَس تسونغكابا في البداية في دير دريغونغ كاغيو بالتبت الوسطى؛ حيث تعلم تقليد الدريغونغ ماهامودرا المُسمَّى "امتلاك الخمسة"، والطب، وتفاصيل إضافية حول البوديتشيتا. وفي حوالي السابعة عشرة من عمره أصبح طبيبًا ماهرًا، ثم درس "حلية الإدراكات"،والنصوص الأخرى لـ مايترييا وبراجناباراميتا (الوعي التمييزي بعيد المنال) في عدة أديرة للنيينغما والكاغيو والكادام والساكيا؛ حيث حفظ النصوص في عدة أيام فقط، وفي سن التاسعة عشرة من عمره أصبح عالمًا عظيمًا مُعترفًا به.

وقد واصل السفر إلى أديرة التقاليد البوذية الشهيرة، دارسًا الخمسة موضوعات الأساسية في تدريب- الغيشي، والنسق المعتقدي الهندي، ومناظرًا بهم، واختبار هذه المناظرات . ثم تَلقَّى تعاليم الكادام لام-ريم (سوترا المسار المتدرج ) وعدد لا نهائي من تمكينات وتعاليم التانترا بما في ذلك تقليد الساكيا للامدراي ( المسارات والنتيجة )، وبتقليد الدريغونغ كاغيو تعاليم ناروبا الستة (الستة يوغات لناروبا)، والكالاتشاكرا. كما درس أيضًا التأليف الشعري، وعلم الفلك وبناء الماندالا. وفي جميع دراساته كان يسمع التفسير مرة واحدة فقط، وبعد ذلك يفهمه ويتذكره بشكل مثالي، كما هي الحال مع الدالاي لاما الرابع عشر.

وكان لدى تسونغكابا دائمًا تخلي شديد ، فقد عاش بتواضع كبير، وحافظ على عهوده نقية، وبلغ حالة الشاماتا بسهولة شديدة (حالة ذهنية هادئة وثابتة)، وحالة الفيباشيانا (حالة ذهنية استثنائية البصيرة)، لكنه لم يكن أبدًا راضيًا عن مستوى تعلُّمه وإدراكه، فواصل السفر، وطلب التعاليم مرة أخرى من معلمين آخرين، حتى للنصوص نفسها، لقد دخل في مناظرات مع أغلب المعلمين الكبار في زمانه، وأحد معلميه الأساسيين كان رينداوا (١٣٤٩ – ١٤١٢ م)، وهو معلم من الساكيا. وقد كتب تسونغكابا "الميغتسيما" تمجيدًا له، لكن هذا السيد أهداه ثانية إلى تسونغكابا، وقد أصبح بعد ذلك الشعر الذي يتم ترديده في تدريب تسونغكابا الإخلاص-للمعلم.

التدريس والكتابة المبكرة

بدأ تسونغكابا التدريس عندما كان في العشرينيات من عمره، أول تعالميه كانت عن الآبيدارما (موضوعات خاصة بالمعرفة)، وقد دُهِش الجميع من معرفته الواسعة، ثم بدأ أيضًا في الكتابة والدخول بالمعتزلات أكثر، وكان لديه اتباع كثيرين. ورغم أن بعض الروايات تقول إن تسونغكابا أخذ عهود الراهب كاملة وهو في الحادية والعشرين من عمره، ولكن من غير المؤكد في أي سنة حدث هذا فعليًّا، ولكن كان ذلك على الأرجح في العشرينيات من عمره.

وفي مرحلة ما درس"الكانغيور" و"التينغيور" بالكامل وحللهما، وهما ترجمة التعاليم المباشرة لبوذا والتعليقات الهندية عليها، ثم كتب بعد ذلك – وهو في الثانية والثلاثين من عمره  –"المِسبَحة الذهبية للتفسير الممتاز"، والتعليق على "حلية الإدراكات"، وبالتالي على براجناباراميتا. وقد قام بصياغة ومناقشة التعليقات الهندية الواحدة والعشرين جميعها. وأيًّا كان ما كتبه فقد أثبَتَ بالاقتباسات عبر كامل الأدب البوذي التبتي والهندي، مُقارِنًا ومُحرِّرًا بشكل نقدي الترجمات المختلفة، ولم ينفر أبدا – بخلاف العلماء السابقين – من تفسير الفقرات الصعبة والمبهمة في أي نص.

عادة، ما تمكن تسونغكابا كل يوم أن يحفظ بالذاكرة سبع عشرة صفحة تبتية مزدوجة، في كل وجه تسعة أسطر. وذات يوم أجرى بعض العلماء مباراة في الحفظ لمعرفة مَن يمكنه حفظ صفحات أكثر قبل أن تضرب الشمس الراية فوق سقف الدير، فربح تسونغكابا المسابقة بأربع صفحات رددها بطلاقة دون أخطاء، أما الشخص التالي له فقد تمكَّن من تذكر صفحتين ونصف فقط، وكان مرتبكًا في ترديدها. بعد ذلك بقليل بدأ تسونغكابا بمنح التمكينات وتعاليم التانترا، وخاصةً الإذن – اللاحق لـ ساراسفاتي لأجل الحكمة، وواصل دراسته أيضًا للتانترا، خاصةً الكالاتشاكرا.

احد اللامات العِظام أشتهر بتدريسه أحد عشر نصًّا في الوقت نفسه، فطلب احد التابعين من تسونغكابا أن يفعل الشيء ذاته. بدلًا من ذلك قام تسونغكابا بتعليم سبعة عشر نصَّ للسوترا الأساسية، جميعها من الذاكرة، جلسة واحدة طوال اليوم، بادئًا جميعهم في اليوم نفسه، ومنهيًا جميعهم بعد ثلاثة أشهر، في اليوم نفسه أيضًا. وخلال محاضراته فند التفسيرات الخاطئة لكلٍّ من تلك السوترات، وأثبت وجهة نظره الخاصة، وكل يوم خلال الحديث قام بـ التعزيز – الذاتي باليامانتاكا، وجميع تدريبات التانترا الأخرى الخاصة به.

إذا نظرنا إلى حياته ذات الـ ٦٢ عامًا فقط، وأخذنا بعين الاعتبار كَمْ درس وتدرب (بما في ذلك صنع تماثيل تساتسا الطينية)، وكم كَتَب وعلَّم وقام بمعتزلات، فسيبدو من المستحيل أن يتمكن شخص ما أن يفعل ولو جانبًا واحدًا فقط طوال حياة واحدة.

الدراسة والتدرب المكثف للتانترا

بعد ذلك بقليل قام تسونغكابا بأول معتزل رئيسي للتانترا، على التشاكراسامفارا طبقًا لسلسلة معلمين الكاغيو، وخلال هذا المعتزل تأمَّل بشكل مُكثَّف على التعاليم الستة لناروبا، والتعاليم الستة لـ نيغوما (اليوغات الستة لنيغوما)، وحقق إدراكًا عظيمًا.

وعندما بلغ الرابعة والثلاثين من عمره قرَّر تسونغكابا الانخراط في الدراسة المكثفة، والتدرب على الأقسام الأربعة للتانترا . وكما كتب فيما بعد لا أحد يستطيع تقدير العمق الخاص بالأنوتارايوغا تانترا ، إلا إذا تدرب واستوعب عميقًا الثلاثة أقسام الأدنى من التانترا،. وهكذا سافر على نطاق واسع ثانيةً، وتلقَّى تمكينات عديدة، وتعاليم عن الأقسام الثلاثة الأدنى للتانترا، كما درس أيضًا بصورة موسَّعة مرحلة الإكمال ذات الخطوات الخمس غوهياساماجا وكالاتشاكرا.

الدراسة والمعتزلات لاكتساب الإدراك غير النظري للخلو

ذهب تسونغكابا أيضًا لدراسة دورة التانترا لمانجوشيري، و الماديامكا مع لاما الكارما كاجيو أومابا.

هذا المعلم العظيم درس مادياماكا وِفق تقليد الساكيا، ومنذ طفولته كان لديه رؤى يومية لمانجوشري، الذي علمه بيت شعر كل يوم، وكان مُعلِّمًا وتابعًا لتسونغكابا، كما كان تسونغكابا معلمًا وتابعًا له في الوقت نفسه، وقد راجع اللاما أومابا مع تسونغكابا التعاليم التي تلقاها في رؤاه لمانجوشري للتأكد من كونها صحيحة، وهذا أمر مهم جدًّا؛ وذلك لأن الرؤى قد تكون من الشياطين.

وقد قام تسونغكابا مع اللاما أومابا معًا بمعتزل مكثف على مانجوشري، ومنذ هذا الوقت وصاعد تسلَّم تسونغكابا تعليمات مباشرة من مانجوشري في رؤى صافية، وكان قادرًا على تلقي أجوبة منه عن جميع أسئلته، وكان يجيب عليه قبل ذلك بأن يطرح أسئلته على مانجوشري من خلال اللاما أومابا.

وقد شعر تسونغكابا خلال المعتزل أنه مازال مفتقرًا للفهم الصحيح لـ المادياماكا والغوياساماجا، فنصحه مانجوشري أن يقوم بمعتزل طويل جدًّا، وبعد ذلك سيفهم الملاحظات المأخوذة من تعليماته. وهكذا، وبعد تلك التعاليم بفترة وجيزة، دخل تسونغكابا عزلة مدة أربع سنوات مع ثمانية اتباع مقربين له في أولكاتشولونغ، وأدوا ٣٥ مجموعة كل منها تتكون من مائة ألف سجدة، كل مجموعة منهم لأحد بوذات الاعتراف الخمسة وثلاثون، وقاموا بثمانية عشر مجموعة كل منها تتكون من مائة ألف من وهب الماندالا، مع العديد من التعزيز – الذاتي ليامانتاكا، ودراسة "سوترا الآفاتامساكا" لأجل مآثر بوديساتفا، وبعد ذلك كان لديهم رؤية مايتيريا.

وبعد المعتزل رَمَّم تسونغكابا وأتباعه تمثال مايتريا العظيم في دزينغجي لينع، وتلك كانت أولى مآثره الأربعة الرئيسة، ثم ذهبوا في معتزل لمدة خمسة شهور إضافية، وبعد هذا استدعى تسونغكابا لاما النيينغما لهودراغ نامكا-غيالتسين، الذي كان لديه باستمرار رؤى لفاجراباني، وأصبح كلٌّ منهم أيضًا بشكل متبادل معلمًا وتابعًا، وقام بتلقين لام – ريم الكادام، والإرشادات الشفهية لسلالة المعلمين.

وقد أراد تسونغكابا الذهاب إلى الهند للدراسة بصورة مُوسَّعة، لكن فاجراباني نصحه بالبقاء في التبت؛ حيث سيكون أكثر فائدة هناك، لذا فقد بقي هناك، وقرر أن يكتب لاحقًا "التقديم الكبير للمراحل المتدرجة للمسار (لام -ريم) على مسار السوترا المتدرجة، ومِن ثَمَّ "التقديم الكبير للمراحل المتدرجة لمسار التانترا" (نغاغ-ريم) على مراحل التدرب على أقسام التانترا الأربع.

ثم قام تسونغكابا بمعتزل مكثف على الكالاتشاكرا مرحلة الإكمال، وبعد ذلك معتزل لمدةَ سنةٍ واحدة على المادياماكا. ورغم أن تسونغكابا كان قد تعلَّم الكثير عن المادياماكا والخلو من معلميه فإنه لم يشعر بالرضا أبدًا عن مستوى التفسير، وقبل دخوله معتزل العام الواحد هذا نَصَحه مانجوشري بالاعتماد على تعليق بوذا باليتا على المادياماكا، فاستجاب له تسونغكابا، وبناءً على ذلك حقق إدراكًا غير نظري كاملاً للخلو خلال المعتزل.

واعتمادًا على إدراكه عدَّل تسونغكابا بشكل كامل فَهم تعاليم البراسانغيكا-مادياماكا عن الخلو والموضوعات المتعلِّقة به، التي كان الأساتذة والمعلمين المثقفين في زمانه يحملونها. وبهذا الخصوص كان تسونغكابا مُصلحًا ثوريًا ذو شجاعة لتجاوز الاعتقادات السائدة عندما يجدها ناقصة.

اعتمد دائمًا تسونغكابا بشكل صارم في مراجعاته على المنطق والنصوص المرجعية القديمة، وعندما رَسَّخ وجهة نظره الخاصة باعتبارها المعنى الأعمق للنصوص الهندية العظيمة لم يكن يقترف خرقًا لالتزامه الوثيق وعلاقته مع معلميه. فالنظر إلى معلمينا الروحانيين بوصفهم بوذات لا يعني أننا لا نستطيع تجاوزهم في إدراكنا، وقد شرح تسينشاب سيركونغ رينبوتشي الثاني هذا بالمثال التالي: إذا أردنا أن نصنع كعكة فسوف نحتاج لخلط مُكونات عديدة معًا، مثل الدقيق والزُّبْد واللبن والبيض وأشياء أخرى، ومُعلِّمونا يوضحون لنا كيف نصنع تلك الكعكة ويخبزون القليل منها لنا، وقد يكونون شهيين جدًّا، ونحن قد نستمتع بهم إلى حد كبير، وبفضل طيبة معلمونا، نحن تعلمنا كيف نصنع الكعك، ولكن لا يعني هذا أننا لا نستطيع إدخال بعض التعديلات عليها، وإضافة بعض المكونات المختلفة، وسنصنع كعكًا قد يكون ألذ كثيرًا من ذلك الذي صنعه معلمونا، وعندما نفعل ذلك لا يعني هذا أننا لا نحترم معلمينا، فإذا كان معلمونا أَكْفَاء حقيقةً فإنهم سيبتهجون بما أضفناه من تحسينات على وصفتهم، وسوف يستمتعون بالكعك الجديد معنا.

مآثر عظيمة إضافية

وبعد أن نال قسطًا كبيرًا من التعليم دخل تسونغكابا في معتزل مرة ثانية، وهذه المرة مع معلمه رنداوا، وكتب معظم "الـ لام-ريم تشنمو". وخلال هذا المعتزل كان لديه رؤى لآتيشا، ومعلمي سلالة الـ لام-ريم التي استمرت لمدة شهر كامل، التي أوضحت العديد من الأسئلة. وبعد ذلك دَرَّس التدريبات الستة لـ ناروبا والماهامودرا أيضًا وَفْقَا لدريغونغ كاغيو، خلال الفصل المُمطر بعد ذلك علَّم الفينايا (قواعد الالتزام الرهباني) بشكل واضح جِدًّا، وهذا ثاني مآثره العظيمة.

وبعد إنهائه "الـ لام-ريم تشنمو" قرَّر تسونغكابا أن يقوم بتعليم أوفى عن التانترا، فكتب في البداية تعليقات مكثفة عن عهود البوديساتفا، و"خمسين مقطعًا شعريًّا عن الغورو" للتأكيد عليها بوصفها الأساس للتدرُب على التانترا، وعندما واصل التدريس كتب "نغاغ-ريم تشنمو" والتعليقات العديدة على غوهياساماجا، كما كتب أيضًا عن اليامانتاكا، وعن نصوص المادياماكا لـ ناغارجونا.

ثم استدعاه الإمبراطور الصيني ليصبح معلمه الإمبراطوري الخاص، لكن تسونغكابا أعفى نفسه لأنه كبير في السن، ويرغب في البقاء في المعتزل.

وخلال السنتين التاليتين درَّس تسونغكابا الـ لام-ريم والتانترا على نحو مكثف، وكتب "جوهر التفسير الممتاز للمعاني المحددة، والمعاني القابلة للتأويل" عن المعاني المحددة والقابلة للتأويل لمعتقد الماهايانا. وفي عام ١٤٠٩ م، وعندما بلغ عمره اثنين وخمسين عامًا أسس مهرجان صلاة مونلام العظيم في لاسا جوكانغ، ووهب التاج الذهبي لتمثال شاكياموني، مُبيِّنًا أنه الآن تمثال السامبوغاكايا، وليس فقط نيرماناكايا. هيئات السامبوغاكايا لبوذا تظل حتى تتحرَّر جميع الكائنات من السامسارا، في حين أن هيئات نيرماناكايا تظل لفترة قصيرة فقط،وهذا يُعتبر ثالث مآثره العظيمة، وبعد هذا طلب أتباعه منه التوقُّف عن السفر كثيرًا، وأسسوا دير غاندين من أجله.

وفي غاندين, واصلَ تسونغكابا التدريسَ و الكتابةَ (خاصةً عن التشاكراسامفارا), والقيام بالمعتزلات. و قد كلف بتشييد مبنى قاعة غاندين العظمى وبها تمثال ضخم لبوذا و ثلاثة (ماندالات) نحاسية ثلاثية الأبعاد للغوهياساماجا, والتشاكراسامفارا واليامانتاكا. و يعتبر هذا رابع أعظم مآثره. وقد واصل كتاباتِهِ حيث بلغ عدد مجموعات مآثره في النهاية ثمانيةَ عشرة مجلدًا, و كان أكثر ما كتب عن الغوياساماجا.

وفاتُهُ

تُوُفِّي تسونغكابا في غاندين عام ١٤١٩ في سنِّ الثانية والستين. و قد بلغ الاستنارة بعد وفاته باكتسابِ جسدٍ تخيلي بدلًا من الدخول في الباردو. و كان هذا للتأكيد على حاجة الرهبان للالتزام بالعزوبية الصارمة, إذ أنَّ الاستنارة في هذه الحياة تتطلب التدرب مع رفيق على الأقل مرة واحدة.

و فبل وفاته, أعطى تسونغكابا قبعتَهُ وثوبَهُ إلى غيالتسابجي (١٣٦٤ – ١٤٣٢) الذي كان على عرشِ غاندين مدة اثنتَي عشرة عامًا بعد ذلك. و قد بدأ ذلك تقليد الغاندين حاملي العرش كون من يتربع على عرش غاندين (غاندين تريبا) يكون رئيس نظام الغيلوغ. وقد تولى بعده العرشَ كايدروبجي (١٣٨٥ – ١٤٣٨) و الذي رأى بعد ذلك خمس رؤى لتسونغكابا, موضحةً شكوكَه ومجيبةً على تساؤلاته. و منذ ذلك الحين, فقد ازدهرت سلسلة معلمي الغيلوغ.

الأتباع

أسَّسَ العديدُ من أتباع تسونغكابا المقربين أديرةً لمواصلة سلسلة معلمين تلك القائمة على تعاليمه وعلى نشرها. وخلال حياة تسونغكابا, أسَّسَ جاميانغ تشوجي (١٣٧٩ – ١٤٤٩)، دير دريبونغ عام ١٤١٦ و أسَّسَ جامتشين تشوجي (١٣٥٤ – ١٤٣٥)، دير سيرا عام ١٤١٩ و بعد وفاته, أسَّسَ غيو شيراب-سينغ-غي (١٣٨٣ – ١٤٤٥) كلية التانترا الأدنى غيوماي عام ١٤٣٣، وقد أسس غيالوا غيندون-دروب (١٣٩١ – ١٤٧٤)، دير تاشيلهونبو عام ١٤٤٧، والذي أطلِقَ عليه بعد وفاته لقب الدلاي لاما الأول.

Top