التأمل على خلو الذات وجميع الظواهر

شفقة البوديتشيتا العظيمة

عندما نُفكر في أن بوذا شكياموني الأكثر طيبة وشفقة، نفكر في خصاله العظيمة ومآثره المدهشة، وخاصة جميع التعاليم التي قدّمها بكل نقاء لنفع الآخرين. من بين كل تلك التعاليم، عندما نفكر في طيبته التي لا تُصدق ليعلِّمنا البوديتشيتا -القلب المُكرّس للاستنارة وللآخرين- نجد هذا مؤثرًا للغاية. في الانخراط بسلوك البوديتساتفا، تم الاستفاضة بشكل موسع في التعاليم الكاملة عن كيفية تنمية هدف البوديتشيتا.

إذا تدبرنا في أفضل أداة لنفع الآخرين، لا يمكننا التفكير في شيء آخر غير البوديتشيتا. الشكل الأعظم لطيبة شكياموني بوذا تمثل في تعليمنا كيفية تنمية قلب البوديتشيتا المُكرّس. علينا أن نعتبر أنفسنا الآن محظوظين للغاية لأنه لدينا جسد بشري وصِلة بالدارما، خاصة مع دارما الماهايانا. الآن ونحن لدينا كل تلك الظروف النافعة سويّةً، ولا تُعيقنا الظروف السلبية أو المُعيقات، من الحتمي أن نستخدم هذه الفرصة المتميزة، كطريقة للوفاء لطيبة شكياموني بوذا التي لا تصدق، في تعليمه لنا كيف نكرّس قلوبنا للآخرين وتحقيق الاستنارة.

يعرض دغناغا في كتابه مُجمّع أذهان الإدراك الصائب، أنه يمكننا معرفة أن بوذا هو شخص صالح من خلال تنميته للشفقة. نُشير إلى بوذا بالمُشفق العظيم. لماذا نستخدم كلمة مُشفق؟ لأن قلبه مُوجّه بالكامل نحو نفع الآخرين. إنه بسبب اهتمامه القوي بالآخرين تمكّن من إزالة جميع عوائقه ليصل إلى النقطة التي يمكنه فيها تمامًا من تحقيق النفع لجميع الكائنات المحدودة. أن نكون شفوقين لهو شيء مفيد، بغض النظر عما إذا كنا أشخاصًا روحانيين أم لا. أي شخص، إذا كان لديه قلبًا طيبًا ودافئًا، يمكنه أن يكون في وضع يؤهله لمساعدة الآخرين.

عادةً ما أمزح وأقول، "إذا كان علينا أن نكون أنانيين، على الأقل لنكن أنانيين بحكمة!" إذا رغبنا في السعادة على حساب الآخرين، عندها طبعًا الآخرون سيتجاهلون مساعدتنا. لذا، إذا رغبنا في الحصول على النفع الأقصى لأنفسنا، علينا أن نضع الآخرين في اعتبارنا -هكذا نكون أنانيين بحكمة. لذا إذا كنا حقًا مهتمين بأنفسنا، إذا كنا حكماء في هذا الشأن، سنُدرك أن الطريقة المُثلى لنفع وتنمية أنفسنا هي من خلال مساعدة الآخرين.

في هذا العالم، إذا كان للناس اهتمام عام بالآخرين والمجتمع، أغلب هؤلاء الآخرين، لربما باستثناء بعض الأنواع السلبية، سيعتبرونهم أشخاصًا جيدين. سيكونون في غاية الضيق إذا توفي أحدهم لأنهم كانوا نفعًا عظيمًا للمجتمع، دائمًا مهتمين بمساعدة الآخرين. النفع الذي يساهم به مثل هؤلاء الأشخاص سيُتذكر لأعوام وأعوام بعد وفاتهم. بينما، في بعض البلاد الشيوعية، هؤلاء المنخرطين في صراع القوة والعمل لصالح أنفسهم ما إن تزول سُلطتهم، حتى تُنسى مآثرهم وما حققوه من نفع. إذا قارنا هذا بالزعماء الآخرين الذين حرّكَتهم أمنية نفع الآخرين، تلك المآثر يتم تذكرها بإخلاص وحب وإعزاز. إذا كان هناك شخصًا بالعالم تسبب في قدرٍ هائلٍ من الأذى والدمار على المستوى الجماعي، حينها حتى الأشخاص غير الروحانيين سيعتبرونه شرًا عظيمًا، ولا أحد سيكون سعيدًا به؛ سيرغبون في نسيانه ما إن يمكنهم ذلك. عندما يكون هناك شخصًا بمثل هذا القلب القاسي، حتى الطيور لن ترغب في البقاء حوله.

نعيش في مجتمع بشري، لذا نعتمد جميعًا على بعضنا البعض. كامل هيكل المجتمع لا يعمل إلا إذا كان جميع أعضائه طيبين تُجاه بعضهم البعض، استعدادهم للتعاون. صديق أمريكي أخبرني بأنه يفكر في أن طبيعة البشر هي القسوة. مازحًا معه، قلت أتساءل ما إذا كان هذا حقيقي. لأنه بين الحيوانات، هناك من هم قُساةٌ بطبيعتهم، مثل النمور، الأسود والأنواع الأخرى من آكلي اللحوم التي تقتات على الحيوانات الأخرى لتعيش، وتبدو أيضًا غاية في القسوة، بأنيابها ومخالبها وكل هذا؛ بينما هناك أنواعٌ أخرى من الحيوانات تبدو مسالمة للغاية، تأكل النباتات والعشب. البشر ليسوا حقًا مثل تلك الحيوانات القاسية -لا يسيرون في كل مكان يجرحون بعضهم البعض بمخالبهم وأنيابهم ولديهم أظافر قصيرة وجميلة بدلًا من المخالب. إذا نظرنا إلى قطة، بغض النظر كم يطعمها مالكها، بطبيتعها ستصطاد وتقتل الفئران، حتى ولو فقط للمرح. لذا لا اعتقد أن الطبيعة الأساسية للبشر هي القسوة، مثل الحيوانات آكلة اللحوم.

من الممكن عندها أن نعمل على تحسين خصالنا بأنفسنا كبشر، لنمد نطاق قلوبنا بالطبية أكثر وأكثر تجاه الآخرين. وبما أننا جميعًا نعتمد على بعضنا البعض، من الضروري للغاية أن نعمل لنفع ومساعدة بعضنا البعض. هذا فقط جزء من طبيعة المجتمع، كجماعة مُعتمدة على بعضها البعض بشكل تبادلي. من أجل أن ينجح هذا، على الجميع أن يكونوا طيبين ومساعدين لبعضهم البعض. من المهم للغاية أن نُولّد هذا الموقف الداخلي الذي يتمنى نفع الكائنات الأخرى، ثم نمدّ نطاقه بقدر استطاعتنا، ونستمر في مدّه نحو مجموعات أخرى مختلفة.

بالطبع، علينا أن نضع في اعتبارنا أنه عندما قدّم بوذا التعاليم على أنواع الالتزام وكيف علينا أن نتصرف، كانت هناك أشياءً بعينها ممنوعة وأخرى مسموحة أو ينصح بها. عندما تتغلب الضرورة على الحظر، أو يتطلب الظرف شيئًا محظورًا في العادة، عندها يمكن القيام به. نحتاج لأن نستخدم قدرتنا على الحكم، داخل حدود نيتنا دائمًا في نفع الآخرين.

لذا علينا أن نحاول أن تكون لدينا أفكارًا وأفعالاً طيبة تجاه الآخرين وألاّ نحاول أبدًا إيذاء أحدٍ. نبدأ أولًا بالتدرب مع هؤلاء الذين لدينا صلة ما بهم، ثم نحاول أن نمد نطاق هذا أبعد نحو هؤلاء الذين يعيشون في منطقتنا، ثم نحو جميع الناس في بلادنا، ثم نحو جميع البشر على كوكب الأرض. يمكننا بعد ذلك أن نمد هذا أكثر وأكثر، نحو كل الكائنات في الكون. جميع الكائنات هي مثلنا، ترغب في أن تحظى بالسعادة وألاّ تكون لديها مشاكل، هذا صحيح تمامًا بالنسبة لكل من هو موجود. هكذا يجب أن نفكر.

بالطبع، الأم لديها أمنية أن تسير كل أمور طفلها بشكل جيد. هذا شيء غاية في القوة؛ لكن، من ناحية أخرى، هذا الاعتناء محدود للغاية في نطاقه، لأنه يُوجّه فقط نحو طفلها. بينما نحتاج إلى أن ننمي اعتناءً شاسعًا للغاية لنفع الآخرين وأن نمدّ نطاقه نحو كل كائن، ولا نَحدّه فقط ببعض الكائنات.

من أجل أن نكون قادرين فعليًا على مساعدة الجميع، نحتاج لأن نحقق بالفعل الحالة التي نكون فيها قادرين بالكامل على القيام بهذا. هذه هي حالة النرفانا الكاملة، الاستنارة. عندما نتحدث عن هاذين الدافعين، مساعدة الآخرين والوصول إلى الاستنارة من أجل أن نكون قادرين على القيام بذلك، هذا ما يتضمنه هدف البوديتشيتا. نجد هذا في النصوص ويمكننا أن نقرأه بأنفسنا. والآن سمعناه من الدالاي لاما! لذا الآن يمكن أن نحاول أن نكتسب الاقتناع المصدق في أن هذا هو المصدر الأساسي للسعادة، كيْ نتخلص من كل المشاكل في هذا العالم: ننمّي قلبًا طيبًا ودافئًا، موقفًا داخليًا لأن نكون قادرين على نفع الجميع. العزم القوي على أننا دائمًا سيكون لدينا هذا الموقف الداخلي، الأفكار الغيرية لأن نكون دائمًا قادرين على نفع ومساعدة الجميع، وأننا أبدًا لن ندع هذا الموقف الداخلي يَقِل أو يضعف. يجب أن نُقدّر هذا الموقف الداخلي أكثر من أي ممتلكات لدينا.

اتحاد الأداة والوعي التمييزي

نستكمل شرح نصنا الآن باقتباس من اللاما تشوني، "من أجل تحقيق حالة البوذا، نحتاج إلى اتحاد تحقيق جسد وذهن بوذا". هذا يعني أنه علينا أن نتبع مسار توحيد الأداة والحكمة أو الوعي التمييزي، والذي به تدعم الأداة الوعي التمييزي ويدعم الوعي التمييزي الأداة. على مستوى النتيجة، الأداة والوعي التمييزي هما ذوا طبيعة جوهرية واحدة -بمعنى أنهما يأتيان في نفس الحُزمة- لكنهم مفاهيم مختلفة منعزلة.

نفس الشيء بالنسبة لمراحل المسار. المسار أو مسارات الأذهان سواء تلك التي بجانب الأدوات وتلك ما بجانب الوعي التمييزي لهما نفس الطبيعة الجوهرية، يأتيان من حزمة واحدة. نفس الشيء ينطبق على مستوى الأساس، حيث تأتي الحقيقتان حول أي شيء دائما معا في نفس الحزمة، كونهما ذَوَاتا نفس الطبيعة الأساسية. من المهم للغاية أن نرى أن الحقيقتين تأتيان دائمًا سويًا ولا تنفصلان.

من بين كل مستويات شرح الواقع، أكثرها وضوحًا وتحديدًا هي براسانغيكا، كما حملها بوداباليتا وشاندراكيرتي. هاذان المعلمان الهنديان في غاية الوضوح في اتباعهما لمقاصد ناغرجونا وفي رفضهما لكل طرق الفهم الخاطئ الممكنة. كان هناك العديد من المعلمين بالتبت، الذين بذلوا جهدًا عظيمًا في فهم وتوضيح المنظور الصحيح للواقع، خاصة تسونغكابا العظيم. منذ طفولته المُبكرة، كان لدى تسونغكابا اهتمامًا عميقًا في هذا الأمر ووضع جهدًا كبيرًا في جعل الرؤية الصحيحة للواقع واضحة. في حيواته السابقة، عقد تسونغكابا، بحضور بوذا، عزم شديد، مع هدف البوديتشيتا مخلص، بأن ينمّي الإلهام كي يكون قادرًا دائمًا على شرح رؤية الطريقة الأوسط للماهايانا في صلتها بالتانترا. كان هذا تكريسه المُحدّد، أن يكون لديه دائمًا هذا المزيج بين المادياميكا والتانترا. وكنتيجة لهذا، كان لدى تسونغكابا منذ طفولته المبكرة، اهتمامًا كبيرًا بهذا التوجّه.

نتيجة لإعجابه الشديد بالرؤية الصحيحة للخلو القائمة على [كتابات] شاندراكيرتي، كتب تسونغكابا العديد من النصوص عن الخلو، خاصة عرضه عن الذهن استثنائي البصيرة للفيباشيانا في نصيه الطويل والقصير عن المراحل المتدرجة للمسار، شرحه للأبيات الأساسية عن الطريقة الأوسط لناغرجونا والتي يُطلق عليها "الوعي التمييزي". شرحه لنص شاندراكيرتي مُكمل (الأبيات الأساسية لناغرجونا عن) الطريقة الأوسط و[كتابه عن] جوهر الشرح المتميز للمعاني الحَرفية والمجازية. إذا نظرنا إلى تلك النصوص الخمسة لتسونغكابا، سنرى كم هو واضح شرحه. النقطة الأساسية هي، بالطبع، أن نكون قادرين على فهم الرؤية الصحيحة للخلو، ولهذا من الضروري أن نقوم ببناء حصيلة وفيرة أو شبكة القوة الإيجابية من الأفعال البنَّاءة. بهذه الحصيلة الوفيرة وبالاعتماد على مُوجّه روحاني مؤهل بالكامل وعلى النصوص الملائمة الصحيحة، سنكون قادرين على فهم الخلو بشكل صحيح.

هذا النص الذي كتبه تلميذ تسونغكابا، نامكابِل، تم شرحه تماشيًا مع النقاط السبع لتدريب الذهن لتشِكاوا. يحتوي على شرح مُسهب لأول نقطتين: [التدريبات] التمهيدية وأدوات التدرب على نوعي البوديتشيتا -النسبية والأعمق؛ النقاط الخمس الأخرى تم شرحها كنقاط جانبية. وهي: تحويل المواقف المعاكسة إلى مسار الاستنارة؛ تكثيف التدرب في حياة واحدة فقط؛ معيار تدرب المواقف الداخلية؛ التدريبات وثيقة الصلة بتدريب الذهن؛ نقاط للتدرب عليها في تدريب الذهن. تلك النقاط يتم تغطيتها بشكل مختصر في ترديدة بنهاية مراسم الوهب للمعلمين الروحانيين، لاما تشوبا. لنأخذ، على سبيل المثال، البيت الذي يقول، "ألهِمْنا حتى، إذا لم يكن لدينا كامل نقاط المسار في وقت الموت، [ننتقل] بموتنا إلى الأراضي النقية، إما من خلال الأدوات الجذرية للتحول إلى الحالة الكاملة للمعلم أو من خلال توجيهات التطبيق الصحيح للقوى الخمس". يشير هذا البيت إلى تكثيف التدرب في حياة واحدة، خاصةً المناقشة المتعلّقة بتطبيق القوى الخمس في وقت الموت.

في نص نامكابِل، نحن عند نقطة تحري وإدراك المحل الواجب دحضه. قمنا بتغطية تلك النقطة بالأمس، واليوم سنناقش انعدام الوجود المُثبت فعليًا للشخص، ثم لجميع الظواهر، وسنرى في النهاية كيف أن كل الأشياء توجد بشكل مشابه للوهم.

انعدام الوجود المثبت فعليًا للشخص

دعونا الآن نتفحّص انعدام الوجود المثبت فعليًا للشخص. المحل الذي يستهدفه الذهن في هذا التأمل هو الذات الموجودة على المستوى الشائع أو "أنا". هناك فرق طفيف بين مدارس المعتقد البوذية المختلفة. بعضها يقول أن الذهن يستهدف عوامل التجمعات الخمسة كلها في سياق كونها "أنا" الشائعة أو يستهدف فقط بعض تلك التجمعات، تحديدًا نحو الوعي. بينما يؤكد البعض أن الذهن يستهدف الوعي الأساسي المُكوّن لكل شيء أو الألايافيجنانا في سياق كونها الـ"أنا" الشائعة.

كل تلك المدارس تقول أن وجود الـ"أنا" لا يمكن أن يتم إثباته كمجرد شيءٍ معنونٍ ذهنيًا، لكن من الضروري أن يكون هناك أساس للخصائص المميزة قابل للإيجاد لتلك الـ"أنا" -وهذا، شيء يمكن العثور عليه باستخدام التحليل النهائي. لذا فهم يقولون أن الوعي، أو الوعي الأساسي، هو شيء يمكن العثور عليه عند استخدام التحليل النهائي كأساس قابل للإيجاد للخصائص مميزة للـ"أنا". من ناحية أخرى، في تقليدنا، البراسانغيكا، نحن لا نؤكد على وجود أي أساس قابل للإيجاد للخصائص المميزة للـ"أنا".

في براسانغيكا، على الرغم من أننا نستهدف شبكة عوامل التجمعات الخمسة، فنحن لا نستهدف هذه الشبكة كأساس يحمل تلك الخصائص المميزة للـ"أنا" والقابل للإيجاد. بدلًا من ذلك نستهدف بأذهاننا تلك الشبكة كمجرد أساسٍ لعنونة الـ"أنا". الـ"أنا" الموجودة على المستوى الشائع هي مُجرّد محل إشارة لاسم "أنا" المُعنون على أساس العنونة. هو مجرد ما يشير إليه اسم "أنا" على أساس هذه الشبكة. بشكل أكثر تحديدًا، أساس عنونة "أنا" هو إما شبكة عناصر التجمعات الخمسة لخبرتنا أو استمرارية عناصر تجمعات الخبرة تلك. تلك هي أسس العنونة اعتمادًا على ما الذي نُعنون عليه "أنا". على هذا الأساس، "أنا" الموجودة على المستوى الشائع يمكن أن تُثبت فقط بما يشير إليه اسم "أنا".

أساس عنونة "أنا" يمكن أن يكون العناصر الخمسة، التجمعات الخمسة، وما شابه، لكن الـ"أنا" هي ليست أي من تلك العناصر، ولا هي مجموعة أو شبكة تلك العناصر. لا يمكن العثور عليها. عندما نقول "أنا" أو نفكر فيها، ما يشير إليه مُسمى "أنا" هو شيءٌ مُعنون على أساس الجسد، الذهن، وما شابه؛ لكن الـ"أنا" ليست هي ذاتها أيٍّ من أسس العنونة تلك، كما أنها ليست مجموعها أو الشبكة المُكوّنة منها.

عندما نحاول أن نحلّل هذا، نتساءل ما إذا كان مصدر هذه الـ"أنا" هو الجسد أو الملابس التي نرتديها أو كان مصدرها ذهننا؟ لا يمكننا العثور على "أنا" أو الخصائص المُميزة لها في أي منهم. إذا حللنا، على سبيل المثال، هل تنزين غياتسو هو جسده؟ لا، ليس كذلك. هل هو ذهنه؟ لا، هو ليس بشكل خاص ذهنه فقط. هل يمكن أن يوجد منفصلًا عن جسده؟ لا. هل يمكن أن يوجد منفصلًا عن ذهنه؟ لا. الآن، هذا الشخص، "تنزين غياتسو" موجود حتمًا؛ هو بالتأكيد شخص؛ هو بالتأكيد تبتي؛ هو من أقليم أمدو؛ هو راهب؛ وكراهب، هو كامل الرسامة. كل هذه الأشياء صحيحة. لكن إذا تساءلنا، من هو هذا الشخص؟ من هو هذا الراهب؟ هو ليس جسده؛ هو ليس ذهنه. بالطبع هو موجود، لكن عندما نحاول أن نحدّد من هو، نجد أنه ليس هناك شيءٌ نشير إليه.

نفس الشيء بالنسبة للوردة، الإناء، الطاولة، إلى آخره. على أساس كل أجزائهم واستمرارية تلك الأجزاء، يكون لدينا الشيء الذي يمكن أن نُعنونه. لكن لا يمكننا أن نقول أن كلًا من تلك الأشياء هي فعليًا كامل مجموع أجزائها أو حتى الأجزاء منفصلة. إنه على أساس كل تلك الأجزاء يمكن أن نُعنون ما هو هذا الشيء -وردة، إناء أو طاولة- ونثبت وجوده. عندما نقول أنه ليس هناك شيء يمكن أن نشير إليه على أنه "الشيء" الفعلي المشار إليه ويتوافق مع الاسم، فهذا لا يعني أن الشيء غير موجود فعليًا أو أنه لا يوجد إطلاقًا.

عندما نقول أن الوجود لا يمكن إثباته في المكان الذي نتخيل وجوده فيه، ما الذي يعنيه هذا بالفعل؟ هذا يعني أن هناك كل أنواع الظروف، الشروط والأسباب، وعلى أساس كل هذا، ينشأ المحل بشكل اعتمادي. لكن وجوده لا يُثبت من جانبه، كما لو أن هذا الشيء قائمٌ هكذا مستقلٌ بنفسه، مُنفصل عن كل تلك العناصر التي هو معتمدٌ عليها. ينشأ الشيء معتمدًا على الأسماء والمفاهيم التي تشير إليه. وجوده يمكن فقط أن يُثبت في سياق كونه مجرّد ما يمكننا أن نعنونه ذهنيًا بذهن صائب.

كل تلك المصطلحات التقنية -شيءٌ ذو وجودٍ مثبت من جانبه، وجودٌ مُثبت بطبيعة الشيء، وجودٌ مثبتٌ بخصائص الشيء التي يمكن العثور عليها- كل هذه المصطلحات لها نفس المعنى. عندما نحلل المعنى المشترك بين تلك المصطلحات في محاولة لفهم أن وجود كل الأشياء يمكن فقط أن يُثبت في سياق ما تشير إليه عناوينها الذهنية، نجد أن هذا يسهل فهمه في سياق "أنا". هذا لأنه من الواضح للغاية أن "أنا" هي عنوان لشبكة من عناصر التجمعات. لذا فالشخص هو مجرد ما يمكن عنونته على أساس هذه العنونة، لكن وجود محل إشارة هذه العنونة لا يمكن أن يُثبت بذاته لا بمحل الإشارة ولا بأساس العنونة. عندما نتفحص ما هو محل عدم الوعي الذي ينشأ تلقائيًا، سنجد أنه في هذه الحالة سيكون الشخص أو "أنا" الذي يبدو أنه ظهر فجأة، ظهر هكذا، كما لو أن وجوده مثُبتٌ بذاته، بنفسه من جانبه الخاص. نفس الشيء صحيح فيما يتعلق بالإناء، الوردة، الطاولة، إلخ. يظهر وجودهم كأنه مُثبت بطريقة مُغايرة تمامًا لمجرد ما تشير إليه الأسماء والعناوين الذهنية.

من أجل أن نرى كيف يجب أن يتم دحض تلك الـ"أنا" فهذا في الحقيقة يظهر لنا، يمكننا أن نرى في أية لحظة عندما يكون لدينا حالة شعورية قوية ونفكر "أنا" و"أنا" وما شابه. في تلك الحالات، الـ"أنا" التي نحتاج لدحضها تظهر لنا كأساس لقدرٍ عظيمٍ من التعلق والعداء، وبالتالي يمكننا بسهولة أكثر أن نتعرف عليها في هذه الأوقات.

يستمر النص بدحض الـ"أنا" ذات الوجود الحقيقي من منظور الـ"أنا"، التي إذا كان وجودها مثبتًا بشكل مستقل من جانبها، كانت ستكون مثبتة كشيءٍ موجودٍ إما كـ"وَاحِد" أو "عِدّة" مع أساس عنونتها. [ملاحظة: أن يكون الشيء "وَاحِد" فهذا معناه أن كلًا من الـ"أنا" وأساسها سيكونان متطابقين تمامًا؛ كلٌّ من -أساس العنونة ومحل العنونة المشار إليه- يجب أن يكونا ذات "الشيء" القابل للإيجاد. أن يكون الشيء "عِدّة" فهذا معناه أن "أنا" ستكون شيئًا مختلفًا تمامًا عن أساسها، وبالتالي الـ"أنا" وأساسها سيكونان "عِدّة [أشياء]" مختلفة تمامًا، "أشياء" قابلة للإيجاد عديمة الصلة ببعضها البعض".]

يعرض النص بعد ذلك استنتاجات مختلفة سخيفة ستنتج عن كِلتا الحالتين. إذا كانت الـ"أنا" وَاحِدة مع أساس عنونتها، لوَجب أن يكونا الاثنين واحدًا طيلة الوقت -لا ينفصلان أبدًا. إذا كان هناك "عِدّة"، أي أن كلٌّ من العنونة وأساسها مختلفين، بما أنه هناك أسس مختلفة لعنونة "أنا"، سيتوجب أن يكون هناك عددًا مختلفًا من الـ"أنا". يمكننا أن نجد كل تلك المتسلسلات المنطقية في نصوص مثل مُكمل (الأبيات الأساسية لناغرجونا عن) الطريقة الأوسط لشاندراكيرتي.

توصف أيضًا الـ"أنا" في سياق ما يأتي من حيوات عديدة في الماضي. إذا لم يكن للـ"أنا" صلة باستمرارية الخبرة من الحيوات الماضية، لما أمكن عندها لكامل عملية قانون الأسباب والنتائج أن تعمل. فالـ"أنا" في هذه الحياة ستختبر نتائج أفعال ارتكبها شخصٌ آخر في الماضي مُنعدم الصلة تمامًا بها. إذا كانت هذه هي الحالة، ما سيحدث لنا سيكون فوضويًا تمامًا. بما أننا سنختبر نتائج أفعال أي شخص، أي شيء يمكن أن يحدث لنا. وهذه ليست هي الحالة.

انعدام الوجود المُثبت فعليًا لجميع الظواهر

ناقشنا حتى الآن التشبث بالوجود المثبت فعليًا للـ"أنا". الآن يتفحّص النص التشبّث بالوجود المثبت فعليًا لما هو "لي" -بعبارة أخرى، ما تختبره أو تمتلكه الـ"أنا". يشير هذا إلى التشبث بالوجود المثبت فعليًا لجميع الظواهر.

تستخدم النصوص في مناقشة انعدام الوجود المثبت فعليًا أو انعدام "الذات" للظواهر كلها، ذات حُجّة "سواءً "وَاحِد" أو "عِدّة"، وتصف كيف أن وجود الأشياء يمكن فقط أن يُثبت كمجرد ما يمكن عنونته على أساس من الشبكة [المكونة للشيء أساس العنونة سواء كانت] أجزاء، أسباب، وما إلى ذلك. ثم يناقش النص العلاقة بين الكل وأجزائه، خاصة في سياق النشوء الاعتمادي. الأشياء مُتصلة بعضها ببعض بسبب أن أجزاءها وأسبابها المختلفة اتصلت واعتمدت على بعضها البعض، وهكذا تتولّد النتائج.

النشوء الاعتمادي معناه أن الأشياء تأتي كنتيجة لكونها معتمدة أو قائمة على العديد من الأشياء الأخرى. الطريقة الوحيدة المُمكنة لكي يعمل هذا، هو أن لا يكون للأشياء وجودٌ مثبتٌ فعليٌ مستقلٌ بذاته. إذا كان للأشياء وجودٌ مثبتٌ فعليٌ مستقلٌ بذاته، لكانت قادرة مجازيًا، على الوقوف على قدميها وحدها. إذا كان هذا ممكنًا، لما كانت بحاجة لأن تعتمد على أي شيء آخر أو يكون لها أي صلة بأي شيء آخر. في هذه الحالة، ولا كان ممكن لها الدخول في أية علاقة بأي شيء آخر في سياق النشوء الاعتمادي، حيث ستكون بالكامل قائمة بنفسها. كالصورة في المرآة لا تنشأ بنفسها، الأشياء لا يمكنها أن تنشأ بدون الاعتماد على شروطٍ بعينها.

لنأخذ مثال الشخص الذي يسير مستندًا على عصاة. إذا كان يسير مستندًا على عصاة، فهو لا يستطيع أن يسير منتصبًا وحده. بعبارة أخرى، وجوده واقفًا يمكن فقط أن يُثبت اعتمادًا على استناده على العصاة. لذا فتلك الاحتماليتين متنافيين. وقوفه وحده يمكن فقط أن يُثبت إما مستقلًا بنفسه أو ينشأ اعتمادًا على استناده على العصاة.

إذا تحدثنا في سياق جميع الظواهر، فوجودها كذلك يمكنه فقط أن يُثبت إما بشكل مستقل بذاته أو معتمدًا على ظاهرة أخرى. [ملاحظة: هاذان الاثنان هما إمكانيتان متنافيتان يشكلان كلًا واحدًا: الشيء يمكنه أن يكون أحدهما فقط، وليس كليهما أو غيرهم.] على سبيل المثال، إذا قسّمنا كل الظواهر إلى البشر وغير البشر، عندها فكل الظواهر ستنتمي إلى أحد هاذين القسمين، إما بشر إما ليس بشر. لكن إذا قسمنا الظواهر إلى بشر وآنية، فهذا لا يشمل كل الظواهر الموجودة، لأنه هناك أشياء ليست بشرًا وليست آنية. [ملاحظة: وبالتالي، على الرغم من أن البشر والآنية متنافيان -لا شيء يمكنه أن يكون إنسان وإناء في نفس الوقت- إلا إنهما لا يشكلان كلًا واحدًا كاملًا.]

كما في مثالنا عن تقسيم الأشياء إلى بشر وليس بشر، والذي [هو تقسيم] يشمل كل الظواهر، كذلك، الظواهر إما معتمِدة على الظواهر الأخرى أو غير معتمِدة على الظواهر الأخرى؛ هناك فقط احتماليتان. إذا كان وجود الشيء يمكن فقط إثباته في سياق الأشياء الأخرى، سيتوافق حينها ذلك مع قول أن وجود الأشياء يمكن فقط إثباته بشكل اعتمادي. من ناحية أخرى، إذا قرّرنا أن وجود الأشياء يمكن إثباته بقوتها الخاصة، بنفسها، بدون الاعتماد على شيء آخر، فسيكون وجود الظواهر مُثبتًا فعليًا بشكل غير اعتمادي. لذا فهناك فقط أحد الإمكانيتين: كما في [مثال] البشر وغير البشر، الأشياء يمكنها فقط أن تكون هذا أو ذاك.

عندما ندحض أو ننفي أن وجود الأشياء يُثبت فعليًا بشكل مستقل بذاته، منفصلٌ عن كل الأشياء الأخرى، فيبقى أمامنا خيار واحد. وجود الأشياء يمكن فقط إثباته اعتمادًا على الأشياء الأخرى -تحديدًا على ما تشير إليه الأسماء والمفاهيم.

لنأخذ، على سبيل المثال، كلمة وسط. هذه الكلمة يمكن فقط فهمها في إشارتها إلى شيء ليس على الجانب الأيسر أو الأيمن. "الوسط" يمكنه فقط أن يُثبت في سياق علاقته بشيء ليس موجود بأحد الطرفين. بالمثل، عندما نتحدث عن مدياميكا، "الطريق الأوسط"، نفهم أن هذا يعني موقفًا يُثبت في سياق كونه ليس أحد التطرفين. التطرفين هما الموقف العدمي والموقف الأبدي. عندما لا يمكن لوجود الظواهر أن يُثبت بشكل مستقل ما من شأنه أن يجعل الظواهر أبدية، حيث أنها لا يمكنها أن تتأثر بالأسباب من أجل أن تنشأ أو تزول، [أو، من جانب آخر،] لا يمكن إثباتها نهائيًا مما يجعل الظاهرة غير موجودة إطلاقًا، ثم في العلاقة بين هاذين الموقفين المتعارضين، يتبقى لنا الطريق الأوسط [بينهما]. عندها سنعرف أن وجود الأشياء يمكنه فقط أن يكون مثبتًا اعتمادًا على أشياء أخرى. لذا، الخلو -الغياب التام للطرق المستحيلة لإثبات وجود الأشياء- هو ليس شيئًا منافيًا للمنطق تم اختلاقه ذهنيًا ولا هو مفهومٌ عدميٌ يُنكر كل شيء.

نوعا التأمل على الخلو

هناك نوعان من التأمل على الخلو: التأمل عميق الفهم أو التحليلي والتأمل التثبيتي، والذي نستغرق فيه بتركيزنا على الخلو. في التأمل الأول، نحن بحاجة إلى اقتناع راسخ، أي أن نصل إلى فهم حاسم للخلو. هذا الفهم يُدرك الخلو بشكل عميق. ثم نحتاج لأن نُثبت هذا الفهم عبر الاستغراق بتركيزنا في نقطة تثبيت واحدة على الخلو، الغياب التام لمحل الدحض. [نصل أولًا] إلى الإدراك العميق، الفهم الحاسم، ثم الفهم العميق للغياب التام لمحل الدحض اعتمادًا على المُتسلسلات المنطقية والنصوص التي تعرض المُسببات المنطقية الخمسة لنستخدمها.

من المهم أن يكون فهمنا ما يُطلق عليه "الظاهرة المنفية غير التأكيدية". هذا نفي أو دحض من نوعية: "ليس هناك شيء كهذا"، والذي يعني، ما إن استبعدنا أو دحضنا محل الدحض، حتى لم يتبق شيئًا بعده. بعبارة أخرى، لا يتبقى شيء آخر بشكل ضمني. لذا، نصل إلى فهم حاسم أنه ليس هناك شيءٌ مثل هذا المحل الذي ندحضه.

هذه الظاهرة المنفية غير التأكيدية، أي الدحض من نوعية: "ليس هذا" أو "ليس ذلك". مثل هذا الدحض لا يترك أو يوحي بشيءٍ بديلٍ ممكنٍ متبقيًا بعد عملية الدحض. الدحض الحاسم مع الخلو، هنا، هو: "ليس هناك شيءٌ كهذا إطلاقًا" -والذي لا يترك أية إمكانية أخرى بعده.

التالي، يشير النص إلى أننا إذا لم نُعرِّف جيدًا محل الدحض، عندها عندما نقول أن هذا المحل مستحيل ولا يوجد إطلاقًا، الحالة المتبقية بعد هذا الدحض لن تكون واضحة كافية بأذهاننا. هذا لأننا لم نُعرِّف ونَفهم بالكامل ما هو هذا الذي نقول عنه أنه غير موجود إطلاقًا.

علاوة على هذا، نستغرق بتركيزنا في الغياب التام لما هو غير موجود إطلاقًا، من الضروري أن نقوم بهذا بحضور ذهني وانتباه كاملين نتبع [فيهما] كل توجيهات تنمية الشاماتا، السكون والثبات الذهني. لهذا، علينا أن نُعرِّف بوضوح المستويات الأكثر وضوحًا والأقل وضوحًا من الخمول والشرود الذهني، الاستثارة الذهنية.نحتاج لأن نُعرِّفها بشكل صحيح حتى نتمكن من إزالة أخطاء [التأمل] تلك التي تمنعنا من أن نستغرق بالكامل في محل تركيزنا. محل التركيز هو الغياب التام لمحل الدحض، والمحل الذي يجب دحضه هو الطُّرق المستحيلة تمامًا للوجود.

ثم يكشف نص نامكابِل بعد ذلك القوى الست والمراحل التسع لتأمل الهدوء والثبات الذهني، الأنواع الخمسة للانتباه، وما شابههم والذي أيضًا تم شرحهم في النصوص الخاصة بتنمية حالة الهدوء والثبات الذهني. عندما نكون قادرين على الاستغراق بتركيزنا في تلك الحالة، أحرارٌ من كل الأخطاء، متقدمين خلال المراحل التسع لهدوء وثبات الذهن، نختبر حالة المرونة الكاملة للجسد والذهن، مع حسٍ متزايدٍ بالكفاءة التامة. عندما نصل إلى حس الكفاءة التامة للذهن والجسد، نكون قادرين على تطبيق حالة الهدوء والثبات الذهني على أي نوع من معيقات التركيز. هذا مهم للغاية -لا يمكنني التأكيد كفاية على أهمية تحقيق حالة الهدوء والثبات الذهني، شاماتا. خاصة عندما تُكتسب في إطار أدوات التانترا، فهذا أفضل شكل للتركيز الاستغراقي.

نتحدث دائمًا عن طريقتين تظهر فيهما التعاليم البوذية: إظهارها من خلال النصوص أو التحققات. هناك العديد من النصوص التي تُظهر التعاليم، لكن من المهم جدًا أن نكتسب ما تظهره التعاليم بهيئة تحققات في استمراريتنا الذهنية وأن نُحقق فعليًا حالة الهدوء والثبات الذهني للشاماتا والذهن استثنائي البصيرة للفيباشيانا. بهاذين الاثنين، واستنادًا على دلالات النصوص، سنكون قادرين على توليد كل الخصال الجيدة التي تتحدث عنها النصوص وسندرك فعليًا تلك التعاليم في استمراريتنا الذهنية.

فيباشيانا هي الحالة الذهنية استثنائية البصيرة، نتيجة للحس بالكفاءة الجسدية والذهنية التي لم نحققها فقط نتاج تثبيت الذهن بالكامل مع الشاماتا، ولكن أيضًا نتاج الذهن الذي لديه الوعي التمييزي. بعبارة أخرى، نحصل على حالة الكفاءة هذه ليس فقط من قدرة الذهن على التركيز بشكل مثالي على أي شيء، ولكن أيضًا من قدرته على تمييز أي شيء بشكل صحيح. لذا عندما نحقق الثانية، الحس الخاص بالكفاءة، والذي سيكون اتحاد حالة الشاماتا مع الفيباشيانا، سيكون ذهننا ثابتًا وهادئًا وذا بصيرة استثنائية أيضًا.

رؤية كل شيء موجود كالوهم

من حالة الهدوء والثبات الذهني تلك، سيكون ممكنًا أن نستغرق بتركيزنا في المزيد والمزيد من الحالات الذهنية الأكثر خفوتًا، في محاولة للوصول إلى حالة شاماتا أعلى درجات الوجود، وهي حالة الهيئة الأثيرية والكائنات عديمة الهيئة. مع ذلك يستفيض النص في توضيح أن تحقيق الحالة الذهنية المُشابهة لغير النظرية لن يسمح لنا برؤية كل الأشياء كوهم خلال فترات التحقق اللاحق أو الإدراك اللاحق عندما نخرج من تلك الحالة. تلقي الأشياء [ذهنيًا بالحالة] "المشابه لغير النظري" لا يعني هذا فقط إدراكها بدون التصنيفات النظرية، ولكن أيضًا بدون فهم افتقادهم للهوية المُثبتة فعليًا أو "الذات". الخروج من مثل هذه الحالة المشابهة للحالة غير النظرية لا يجلب تحققات أو إدراكات لاحقة والتي نرى فيها الأشياء مثل الوهم.

من ناحية أخرى إذا تلقينا الأشياء بطريقة غير نظرية بأنها خالية من الذات مُثبتة الوجود أو الهوية، عندها عندما نخرج من تلك الحالة، في وقت لاحق سنرى كل الأشياء مثل الوهم. إذا لم يكن لدينا مثل هذا الفهم، عندما نخرج من استغراقنا، قد نرتد إلى حالة من العدمية، بمعنى أن ندحض [وجود] كل الأشياء، حتى وجودهم الشائع.

في القسم الخاص بالفيباشيانا في نص العرض الكبير للمراحل المتدرجة للمسار، هناك مناقشة ضخمة بشأن كيف يمكننا حقًا أن نكتسب فهم أن كل شيء موجود مثل الوهم. على سبيل المثال، لنفترض أن فهمنا للخلو هو أن الأشياء فقط مختلقة من مجموعة من الأجزاء ولا يمكن العثور عليها ككل. حتى لو كنا قادرين على رؤية الأشياء بهذه الطريقة غير النظرية، فمع ذلك، بدون فهم الخلو بمعنى أن كل شيء ينشأ اعتمادًا في سياق العنونة الذهنية، لن نكتسب إدراكًا واضحًا لوجود الأشياء مثل الوهم. من أجل اكتساب هذا الفهم الواضح لوجود الأشياء مثل الوهم، من الضروري أن نرى الأشياء في سياق النشوء الاعتمادي -تنشأ اعتماديًا على مجرد عنونة ذهنية. فقط عندما نرى الخلو في سياق النشوء الاعتمادي سنتمكن من اكتساب الإدراكين معًا: إدراك خلو كل شيء المشابه للفضاء وأن كل شيء [على المستوى] الشائع المشابه للوهم.

في تأمل الدزوجتشين [ملاحظة: حيث لا يكون هناك تفرقة بين الاستغراق التام في الوعي النقي، ريغبا، والتحقق أو الإدراك اللاحق]، في نفس الوقت الذي نكون فيه مستغرقين تمامًا في الغياب التام لمحل الدحض، تنشأ تلقائيًا مظاهر الأشياء. لكنها تظهر في سياق فهمنا للخلو أنه نشوء اعتمادي. بهذه الطريقة، نرى الأشياء موجودة مثل الوهم في تدريب الدزوجتشين أيضًا.

الخاتمة

بهذا نصل إلى خاتمة مناقشة نص نامكابِل للنقاط الواردة في نص تشِكاوا، النقاط السبع لتدريب الذهن.

الآن نصل إلى مديح البوديتشيتا، وسُلالة المعلمين: مديح أتيشا، الذي وجد سُلالتي [تعاليم] ماتريا ومانجوشري وأيضًا سُلالة شانتيديفا. ثم يأتي مديح التعاليم وشروح هذا النص وصولًا إلى مديح مؤلفه، تلميذ تسونغكابا المدعو نامكابِل.

[ملاحظة: تنتهي نسخة توغمي زانغبو بأبيات إضافية، "من تَولّد مُذكّرات الكارما نتيجة للتدرب السابق، يتعزز إعجابي (بهذا التدرب). ونتيجة لهذا السبب، تجاهل المعاناة والإهانة، أطلب توجيهات الخطوط الإرشادية لترويض تشبثي بذاتي. الآن، حتى إذا مت، ليس لدي ندم". نسخة بابونغكا تنتهي أيضًا بتلك الأبيات، لكن تم حذف البيت الأول منها، "من تَولّد مُذكرات الكارما نتيجة للتدرب السابق". نسخة نامكابِل لا تحتوي على هذه الأبيات.]

لقد وصلنا الآن إلى ختام نقل تدريب الذهن المماثل لأشعة الشمس. هذا شيءٌ مفيد للغاية للذهن، النص عن الأدوات التي ستقودنا كي نصبح في غاية السعادة. أشعر عادةً وأخبر الناس أنني يجب أن أكون أكثر الناس سعادة في العالم. نصف هذا نتيجة لمنصب الدالاي لاما الذي أشغله والنصف الآخر بالتأكيد نتيجة لتدريب المواقف الداخلية الذي اتبعه، والذي يمنحني السعادة والشجاعة لمواجهة كل الصعوبات التي أحملها على كاهلي. تلك الإجراءات الوقائية للدارما هي إجراءات نقوم فعليًا بتطبيقها، والتدرب عليها. سنحسن عملًا إذا كرّسنا كل طاقتنا لهذا.

Top