مراجعة مختصرة
لدينا حياة بشرية ثمينة بشكل لا يصدق، على أساسها يمكننا تحقيق التحرر والاستنارة. من النادر أن يكون لدينا مثل إعادة الميلاد هذا. يمر سريعًا ويمكن أن ينتهي في أي لحظة، لذا نحتاج لأن نحصل على الاستفادة الكاملة منه. للقيام بهذا، ينصح توغمي زانغبو بأن نعيش في عزلة، بعيدًا عن ديارنا، لنحقق تقدمًا على المسار.
بينما نتقدم، يتم بناء كل دافع من دوافع المسار المتدرج، لام ريم، على ما سبقه. يجب أن تكون هذه الدوافع ثابته ومخلصة، وإلا سيكون المستوى المتقدم سطحيًا.
أولًا، نستهدف إعادات الميلاد الأفضل، خاصة إعادة الميلاد البشري الثمين، لنكون قادرين على الاستمرار في المسار الروحاني الذي نحن عليه. بالإبقاء على الموت وحتمية التغيير حاضرين بأذهاننا، نعرف أنه يصعب تحقيق التحرر والاستنارة في حياة واحدة فقط، فنستهدف تحقيق إعادة ميلاد بشري ثمين آخر. لنكون قادرين على تحقيق هذا، نحتاج لأن نتأكد أنه لدينا تأثير جيد على حياتنا. بالتالي، نُخلص أنفسنا من الأصدقاء المُضللين، ونعتمد على الموجهين الروحانيين المؤهلين بالكامل.
بعدها، نضع توجهًا آمنًا بحياتنا، عبر اتخاذ الملجأ في بوذا، دارما، والسانغا. نعمل من أجل الإيقافات الحقيقية ومسارات الأذهان الحقيقية التي حققها بوذا كاملةً، وحققها جميع السانغا بشكل جزئي. لنتأكد من أننا لن نحظَ بإعادات ميلاد مستقبلية أسوأ، نمتنع عن التصرف بشكل هدَّام.
حتى إذا استمررنا في الحصول على إعادات ميلاد بشرية ثمينة، أو حتى إعادات ميلاد أثيرية بعوالم الديفا، تلك الحيوات ستظل تحمل كمًا هائلًا من المعاناة. هي لا تزال جزءًا من السامسارا، وأيًا كانت المتعة أو السعادة التي قد نختبرها، فهي مؤقتة تمامًا. لا تدوم أبدًا، ولن ترضينا.
هذه نقطة مهمة، لأنه مع مستوى الدافع الأولي، يمكن بسهولة أن نصبح متعلقين بالحياة البشرية الثمينة. يمكننا أن ننمي الإلهام كي نحظى دائمًا بإعادات الميلاد جيدة حتى نبقى مع أصدقائنا ومعلمينا الروحانيين، أو لنكون قادرين دائمًا على دراسة الدارما لأنها في غاية الروعة والجمال. يظل هذا تعلقًا بالسامسارا. ليست فقط الأشياء السارة بها معاناة التغيير، ولكن المعاناة التي تجتاح كل شيء موجودة أيضًا في كل لحظة، وهذا سيكرر الصعود والهبوط بالسامسارا بشكل مستمر.
بقدر صعوبة استهداف الميلاد البشري الثمين بشكل مخلص من أعماق قلوبنا، فالعمل بشكل مخلص للتحرر من إعادات الميلاد المتكرر قد يكون حتى أكثر صعوبة بدون التعلق بالحياة البشرية. لا يجب بأي شكل من الأشكال أن نُتَفّه التخلي، والذي معناه التخلي عن السامسارا ذاتها. بغض النظر عن مدى روعة أصدقائنا بالدارما أو موجهينا الروحانيين، فإن كل هذا متغير حتمًا. لا يمكننا البقاء مع أي شخص للأبد. ميلاريبا لم يكن في إمكانه البقاء للأبد مع ماربا. كان عليه أن يتركه، وهذا هو الجزء الصعب في التعلق.
نهدف كي يكون الميلاد البشري الثمين حجر أساس للتحرر والاستنارة، أو كسفينة مفيدة، كما يشير إليه توغمي زانغبو، لتأخذنا عبر محيط السامسارا بدون تعلق بهذه السفينة. عندما نصل للشاطئ الآخر، نغادر السفينة ولا يكون لدينا أي أسف على مغادرتها.
المستوى المتقدم للدافع أكثر صعوبة. ما أن نحقق التحرر، من السهل أن نسترخي ونستمتع بخبرة السعادة غير الملوّثة التي تأتي معه. بالمستوى المتقدم، نفكر في جميع الآخرين، جميع أمهاتنا، ونهدف بالبوديتشيتا أن نقوم بالمزيد من العمل. مع الخلو والبوديتشيتا، بالانخراط في المواقف الداخلية الستة التي ستحملنا بعيدًا، نعمل كي نصل إلى الاستنارة من أجل نفع الجميع.
نحتاج لأن نتغلب على تطرفي السامسارا والنرفانا. وهذا في الحقيقة شيء في غاية الصعوبة، ويتطلب إدراك أن إعادات الميلاد البشري والتحرر هما فقط خطوات على طريق الاستنارة. لا يمكن تحقيق الاستنارة بدون تلك الخطوات المحورية.
يمكننا أن نقرأ، نسمع ونتعلم هذه الأيام بسهولة نسبية عن المراحل المتدرجة للمسار. لكن فقط لأننا على دراية بالمراحل، فهذا لا يعني أن بناءها داخليًا أو الشعور بشكلٍ مُخلص بدوافعه أمرًا سهلًا. قد يأخذ هذا سنوات عديدة. الشعور بها حقًا لهو إنجازٍ عظيم، حتى المستوى الأولي.
يُذكر مرارًا وتكرارًا أن الطريقة الوحيدة للتقدم هي عبر الاستماع للتعاليم، ثم دراستها والتفكير فيها حتى نصل إلى فهمها، ثم بعد هذا نتأمل عليها، لندمجها بحياتنا. فقط من خلال هذه العملية سنشعر بشكل مخلص بمستويات الدافع تلك، وليس مجرد معرفتها بشكل سطحي.
ثم يأخذ بنا توغمي زانغبو عبر أداتي توليد البوديتشيتا، ويبدأ بعد هذا شرح سلوك البوديساتفا، أولًا كيف نتعامل مع الأذى. يخبرنا من خلال أبيات مختلفة عن أهمية أن يكون لدينا الصبر كي لا نغضب، والتدرب الذي سنقوم به لتحقيق هذا هو الأخذ والمنح، تونغلين. في هذا التدرب، نأخذ معاناة الآخرين، ونكرس لهم الإمكانات الإيجابية لتصرفاتنا البنَّاءة. بدلًا من الرد بالنقد والأفكار السلبية على الأذى الذي نتلقاه من الآخرين، نمدح خصالهم الجيدة. أداة أخرى هي النظر إلى الذين يقومون بإيذائنا كمعلمين لنا، مَن يسمحون لنا أن نُدرك ونُصحح نقائصنا.
موقفان حَرِجان يتطلبان التدرب على الدارما
يناقش القسم التالي، موقفين حَرِجَين يتطلبان انتباهًا خاصًا فيما له علاقة بتدربنا على الدارما -عندما تسير الأمور بشكل سيّئ جدًا أو جيد جدًا. عندما تسير الأمور بشكل سيّئ، قد تُثبط عزيمتنا، وعندما تسير الأمور بشكل جيد، يمكن أن نصبح متحمسين ومتعجرفين. يشير هذا إلى المبالغة في التصرف على أساس من الأشياء الثمانية العابرة في الحياة، أو ما يطلق عليها "الدارمات الثمانية الدنيوية". بشكل عام، نتضايق من الأشياء السلبية أو نتحمس للإيجابية.
(١٨) تدريب البوديساتفا هو، حتى إذا كنا معدمون في سبل عيشنا ودائمًا ما يتم إهانتنا من قِبل الآخرين، أو كنا مرضى بمرض عضال، أو مبتلون بكائنات الجانغبو، نقبل على أنفسنا هذا، ونأخذ بالمقابل القوى السلبية ومعاناة جميع الكائنات الهائمة دون أن تفتر عزيمتنا.
لدينا هنا إشارة أخرى على تدريب تونغلين، أخذ معاناة الآخرين ومنحهم سعادتنا. إذا كنا في غاية الفقر، أو يتم إهانتنا والحط من قدرنا، مرضى، أو يتم إيذاءنا من قبل كائنات الجانغبو، عندها، إذا فكرنا فقط في أنفسنا، سيكون نطاق تفكيرنا محدودًا للغاية. سنغرق في التفكير في "يا لبؤسي"، ولذا بالإضافة لهذه الظروف الصعبة، سنختبر أيضًا كل شيء بقدر هائل من التعاسة. لكن، إذا فكرنا في سياق جميع مَن لديهم ذات المشكلة ونمد نطاق تفكيرنا لما يتجاوز "يا لبؤسي" إلى كل الآخرين، عندها طريقة اختبارنا لهذه الصعوبات ستختلف كثيرًا.
بعضنا قد يختبر شيئًا مثل هذا، خاصة المراهقين الذين لديهم مشاكل بمنازلهم. على سبيل المثال، لربما كان والدينا مدمنين على تناول الكحول ويميلون للتفكير بأنهم الوحيدين بالعالم الذين لديهم هذه المشكلة. يشعرون بالعزلة، الوحدة، وبقدر لا يصدق من التعاسة. لكن عندما يعلمون أن هناك العديدين مِن الأشخاص لديهم ذات المشكلة، عندها يتسع نطاق تفكيرهم ليصبح أكبر بكثير. قد يذهبون إلى مجموعات الدعم مع آخرين لديهم مشكلة مشابهة، ويبدؤون بالتفكير في سياق المشكلة الجماعية. يشعرون بـ "نحن لسنا وحدنا"، ويفكرون في حل للجميع. الطريقة التي يختبرون بها مشكلتهم الفردية تتغير بشكل ضخم.
نمد نطاق تفكيرنا، نفكر في سياق استبدال الذات مع الآخرين. للقيام بهذا، يكون لدينا اهتمام بإزالة المعاناة ونفكر في سياق مد نطاق أساس هذا الاهتمام الذي نعنون به "أنا" الشائعة. إذا قمنا بمد هذا النطاق لما يتجاوز فقط الذات الفردية "أنا"، للجميع وقبِلنا على أنفسنا القوى السلبية ومعاناة كل الكائنات الهائمة، عندها لن تُثبط عزيمتنا. بدلًا من أن نكون يائسين بالتفكير عندما نفكر في كل الكائنات، نحن نيأس في الحقيقة عندما نفكر فقط في "يا لبؤسي".
عندما نفكر في الجميع كأساسٍ ملائمٍ لعنونة "أنا"، مهتمين بإزالة المعاناة، من المهم للغاية أن يكون لدينا هذا مع فهم خلو الـ"أنا". الأمر ليس كأنه بدلًا من أن تكون لدينا "أنا" صغيرة راسخة، فلدينا الآن "أنا" هائلة راسخة والتي تشمل الجميع. ليس هذا هو ما نهدف إليه على الإطلاق وسيكون هذا خطأً كبيرًا أيضًا في تدربنا. ليس كأنه "الآن أنا الجميع والآن سأحمل العالم". إذا فكرنا بهذه الطريقة، فقد تُثبط عزيمتنا أكثر.
مع ذلك، يمكننا أن نمد نطاق أساس عنونة "أنا" الشائعة. على سبيل المثال، يمكننا أن نعنون "أنا" الشائعة على أنفسنا كأفراد. في حالة زميلنا باتريشيو هنا، يمكن أن نقول، وسيكون هذا صحيحًا، أنه "أنا باتريشيو، لذا أنا أعمل على التغلب على معاناة باتريشيو". وسيكون صحيحًا بذات القدر أن نقول، "أنا من سكان خالابا" وعلاوةً على هذا، "أنا من سكان المكسيك". كل من هذا صحيح كأساس لعنونة "أنا". سيكون ملائمًا أن نعمل على إزالة المعاناة عن كل مَن بهذه المدينة، أو هذا البلد. يمكن أن نمد النطاق أكثر إلى "أنا إنسان" أو "أنا كائن واعٍ" وعلى أساس من هذا، نهدف للعمل على إزالة نوع المشاكل التي لدى الجميع.
عندما نعمل على تحسين البيئة وإزالة التلوث، على سبيل المثال، فهذه ليست مشكلتنا الفردية فقط. إنها مشكلة جميع مَن بالكوكب، بما في ذلك الحيوانات. بشكل مشابه، يمكننا أن نعمل على استبدال الذات والآخرين في سياق مَن نُعرف أنفسنا بهم ومَن نعمل على إزالة المعاناة وجلب السعادة لهم. هذه هي بالتأكيد الطريقة التي يشرح بها قداسة الدالاي لاما صحة مد نطاق اهتمامنا للجميع، وليس فقط أنفسنا. "أنا كائن محدود عالق بالسامسارا" -هذا صحيح، أليس كذلك؟ لذا النطاق الملائم لهدفي هو مساعدة جميع الكائنات المحدودة لتخرج من السامسارا، لأنني واحد منهم. هذه طريقة مفيدة للقيام بتدريب تونغلين، أخذ معاناة الآخرين ومنحهم سعادتنا.
من الواضح أن تحرير جميع الكائنات المحدودة في الكون وأخذهم للاستنارة لهي مهمة ضخمة، لكن حتى مع مهمة هائلة أصغر قليلًا، إذا كنا نفكر في سياق "أنا" الراسخة، عندها سنحبط بشكل كبير. "كيف من الممكن لي القيام بهذا؟" لكن، بدون هذا الفهم الخاطئ للـ"أنا" الراسخة المنفصلة عن كل شيء، المهمة وما شابه، فإننا نقوم فقط بما علينا القيام به. عندها، اعتقد، هذا مفتاح رئيسي للقيام بمثل هذه المَهام الهائلة. نقوم فقط بما علينا القيام به.
أعيش في ألمانيا، والصورة التي تأتي إلى مخيلة البعض عن المدن التي تدمرت بالكامل أثناء الحرب العالمية الثانية. قد يتساءل البعض عن كيف قاموا بإعادة بناء مدنهم؟ إذا كنا نعيش في مدينة درسدن، والتي دُمرت بالكامل بقصف ناري هائل، هل كنا سنعتني فقط بمنزلنا الصغير؟ لا، لأن هذا كان سيكون عديم الجدوى دون المرافق الأساسية للمدينة. لا يمكننا أن نعيش بهذه الطريقة، لأننا متصلون تمامًا مع الجميع. قام سكان المدينة بما عليهم القيام به، عملوا سويًا بدون أن تُثبط عزيمتهم بالتفكير في "كيف سنتمكن من إعادة بناء هذه المدينة؟" هم فقط قاموا بهذا بشكل تدريجي حتى انتهوا من إعادة بناءها.
الموقف الخطير الآخر الذي قد يحدث، هو عندما تتضخم ذواتنا وإعجابنا بأنفسنا لمّا تحدث أشياءً سارة لنا.
(١٩) تدريب البوديساتفا هو، حتى إذا تم مدحي بعذوبة، و اَحنى لي العديد من الكائنات الهائمة رؤوسهم، أو حصلتُ على (ثروات) مماثلة لثروة فايشرافانا (حامية الثراء)، برؤية الازدهار الدنيوي دون أي جوهر، ألاّ أغتر أبدًا.
قد نصبح في غاية الثراء، أو قد يمدحنا الآخرون ويقولون كم نحن رائعون بشكل مذهل وكم هو مدهش العمل الذي نقوم به، حتى قد يحنون روؤسهم لنا. الطريقة التي نتجنب بها الإعجاب بأنفسنا، كما يؤكد توغمي زانغبو، هي بإدراك أن كل هذا مفتقِد تمامًا لأي جوهر. في الحقيقة، كثرة المديح والشهرة قد تكون معيقًا. أنظروا لمشاهير الأفلام والمغنيين؛ لا يمكنهم حتى الخروج بدون مضايقات من قطيع مصوري الفضائح العنيفين الراغبين في صورة لهم. والمعجبين الذين يصرخون عند رؤيتهم ويطاردونهم، ويرغبون حتى في تمزيق ملابسهم، كم هذا فظيع.
حتى إذا كنا مشهورين في مجال ما، كلما ازدادت شهرتنا، كلما كان هناك طلبات أكثر تستهلك وقتنا. المزيد من العمل، المزيد من رسائل البريد الإلكتروني، المزيد من الالتزامات والدعوات، وقد يصبح هذا مستنزِفًا للوقت بشكل هائل. لا يمكننا القيام بأي شيء نرغب في القيام به، لأن الجميع يرغبون في وقتنا، وليس لدينا وقت لأنفسنا. إذا كنا في غاية الثراء، سيكون هناك دائمًا أشخاص يضايقوننا، يرغبون في مالنا. نشعر أنه لا أحد يحبنا لأنفسنا، لكنهم فقط يرغبون في صداقتنا من أجل أموالنا.
لنتجنب تمامًا تضخم الإعجاب بأنفسنا، نحتاج لأن نُدرك كل عيوب المديح، الشهرة والمال، بالإضافة إلى حقيقة أنها أشياء مفتقدة لأي جوهر، هي ليست فقط غير قادرة على جلب السعادة المطلقة، وإنما هي أيضا لا تدوم. تمامًا بنفس السهولة التي نحصل بها عليهما، يمكننا أن نفقدهما أيضًا. كالمثال الموجود في البوذية عن كائنات الديفا التي تولد بالعوالم الأثيرية الرائعة، لكن عليها بعد ذلك أن تسقط في عوالم إعادة الميلاد الأسوأ.
لتجنب الإحباط عندما تسير الأمور بشكل سيّئ، نأخذ معاناة الآخرين وننمي الشفقة نحو هؤلاء مَن لديهم مشاكل مشابهة. عندما تسير الأمور بشكل جيد، من المهم ألاّ نتعجرف، أن نرى أن هذه الأشياء فيها عيوب وخالية من أي جوهر. عندما يكون لدينا المال والشهرة، أو العديد من الأشياء المفضلة، على الرغم من إدراكنا بأن فيها عيوب، فبالتأكيد فيها مزايا أيضًا. يمكننا، ويجب علينا، أن نستخدم مزاياها في نفع الآخرين، بدلًا من أن نضخم بها ذواتنا. بالمال، على سبيل المثال، يمكننا دعم الجهود الروحانية المختلفة.
التغلب على العداء والتعلق
مواقف أخرى صعبة نحتاج للتغلب عليها بينما نتبع مسار البوديساتفا وهما العداء والتعلق، ويكرس توغمي زانغبو أبياتًا عديدة لكليهما.
(٢٠) تدريب البوديساتفا هو بأن نروض استمراريتنا الذهنية بالقوى المسلحة بالحب والشفقة، لأننا، إذا لم نكبح العدو، الذي هو عداؤنا، فعندها حتى إذا كبحنا عدونا الخارجي، فسيأتي بعده الكثيرون.
يستخدم شانتيديفا أيضًا تصوير أن العدو الحقيقي، هو العدو الداخلي، أي المشاعر المزعجة، وليس الأعداء الخارجيين، ويشرح هذا في علاقته بالصبر كطريقة للتغلب على الغضب والعداء. يشرح توغمي زانغبو هذا في سياق الحب والشفقة. الحب، الشفقة والصبر هم القوى المضادة للغضب. يقول شانتيديفا أنه ببساطة لا توجد طريقة يمكننا بها تغطية كامل الكرة الأرضية بالجلد حتى لا تدخل الأشواك في أقدامنا. في الحقيقة، كل ما نحتاجه هو أن نغطي أقدامنا بالجلد، وسنكون قادرين على الذهاب إلى أي مكان دون أن نصاب بالأذى. بشكل مشابه، لن نكون قادرين أبدًا على التخلص من كل الأعداء الخارجيين، لكن إذا تخلصنا من العدو الداخلي، الغضب، عندها سنكون قادرين على الذهاب إلى أي مكان دون أن نصاب بالأذى.
العدو الحقيقي هو تلك المعيقات الداخلية -مشاعرنا المزعجة- والقوى المضادة هي مثل القوات المسلحة بالمعركة. جاء بوذا من طبقة المحاربين، ولذا نجد كمًا كبيرًا من الأمثلة الحربية في البوذية، والتي عادةً ما تصدم الناس. العديد من المعلمين الهنود المُتعاقِبين، مثل شانتيديفا، استمروا في استخدام تشبيهات خوض المعارك. المعلمين التبتيين، مثل توغمي زانغبو، اتبعوا أيضًا هذه الطريقة، بتشبيهات مثل القوات المسلحة للحب والشفقة.
اعتقد أن هذا التشبيه العسكري يمكن أن يكون مفيدًا بشكل خاص عند التعامل مع المشاعر المزعجة، لأن الأمر بالفعل مثل المعركة. هي معركة داخلية ونحتاج لأن نحارب فيها بقوة كبيرة. هي خطرة وأحيانًا ستحدث لنا أثناءها إصابات. على سبيل المثال، إذا انخرطنا في تدرب لتنقية الاستمرارية الذهنية، قد تنشأ كل أنواع الأشياء غير السارة، لكن نحتاج لأن نتعامل مع كل هذا لنتغلب على المشاعر المزعجة المتجذرة بشدة داخلنا.
إذا كنا سنخوض غمار معركة، سنحتاج لأن يكون لدينا قدرًا كبيرًا من الشجاعة. هذا ليس صحيحًا فقط في نطاق خوض المعارك الخارجية، ولكن في المعارك الداخلية أيضًا. عندما ننظر للترجمة التبتية لكلمة بوديساتفا، أضافوا في نهايتها حرفًا ليغيروا من معنى الكلمة في التبتية إلى الشجاع، أو الشخص الجَسُور. هذا في الحقيقة غير موجود في السنسكريتية. الكلمة التبتية لبوديساتفا هي جانغ تشوب سيم با. الجزء الأول من الكلمة، جانغ تشوب، هي الكلمة التبتية لكلمة بودي في الساسنكريتية والتي تعني الاستنارة. الجزء الثاني من الكلمة، سيم با كانت ستعني ساتفا إذا كان الرمز الأخير منقسمًا إلى سي با فقط. في هذه الحالة كان الرمز الأخير سيعني شخصًا أو كائنًا يمتلك ذهنًا. لكن تم كتابة الرزم التبتي الأخير با بنهاية سيم با بطريقة مختلفة. مستخدمين الحركة الصوتية دباَ، وهي كلمة مختلفة تُلفظ بالضبط بذات طريقة با، ولكنها تعني الشخص الشجاع أو الجَسُور.
اعتقد أننا نعرف كل هذا من خبرتنا الشخصية. قد نتغلب على الغضب مع شخص أو موقف ما بحياتنا، لكن نظل نغضب لأشياء أخرى في المستقبل. هذا لا يحل المشكلة بأكملها. لذا نحتاج أن نثابر على هذا في معركة طويلة.
(٢١) تدريب البوديساتفا بالتخلي فورًا عن أي شيء يتسبب في زيادة التشبث والتعلق، فالأشياء المرغوبة مثل الماء المالح: كلما نَهْلنا (منها) أكثر، كلما (في المقابل) زاد ظَمَأْنَا (لها) أكثر.
ننظر لهذا البيت على ضوء معاناة التغيير. المتع الدنيوية، الأشياء التي نحن متعلقون بها للغاية ولدينا رغبة عظيمة فيها، لن ترضينا أبدًا. لن نكتفي منها أبدا. قد نكتفي مؤقتًا من الطعام أو الجنس، لكن بعد فترة سنرغب فيهما مرة أخرى. يشير هذا خاصة إلى الأشياء التي تتسبب في زيادة تعلقنا وتشبثنا. هناك فرق بين الرغبة الجارفة والتشبث والتعلق. الرغبة الجارفة تكون نحو الشيء الذي ليس لدينا. التشبث والتعلق تكون نحو الأشياء التي لدينا ولا نرغب في التخلي عنها.
لدينا جميعًا أشياءً متعلقون بها فعليًا. أفكر في صديق لي متعلق بشكل لا يصدق بكتب الدارما ويقوم بشراء المزيد والمزيد منها بشكل قهري، حتى إذا لم يكن لديه وقتًا أبدًا ليقرأها. يقول توغمي زانغبو أن العلاج لكل هذا هو بهجر تلك الأشياء. اقترحت على صديقي أنه بإمكانه وهب كتبه لمكان أكبر مثل مركز للدارما، حيث يستطيع آخرين الانتفاع منها. كلما بقي بالقرب من كتبه، كلما زاد تعلقه بها وكلما اشترى المزيد منها. أيًا كان ما نحن متشبثون به، سواءً ملابسنا أو منزلنا أي شيئًا آخر، العلاج الأفضل هو مشاركته مع الآخرين. قد نمنح بعض الملابس القديمة التي لا نستخدمها الآن، قد نتيح منزلنا لأنشطة الدارما وما شابه.
يقول أيضًا توغمي زانغبو أن الأشياء التي نرغب فيها والتي نحن متعلقون جدًا بها هي مثل الماء المالح. كلما جمعنا المزيد منها، زاد تعطشنا إليها. كلما قمنا بجمع المزيد من تلك الأشياء التي نحن متعلقون بها، زاد تعلقنا بها أكثر. نحن فقط نرغب في المزيد والمزيد ولا نكتفي أبدًا. على سبيل المثال، مَن يعتقد أن لديه ما يكفي من المال بحسابه البنكي؟ نحن دائمًا نرغب في المزيد والمزيد والمزيد.
من الواضح أن مجرد التخلص من تلك الأشياء ووهبها ليس بالحل الأعمق، لأننا سنظل راغبين بشدة في الحصول عليها مرة أخرى. لكن، كطريقة أولية للتعامل مع هذا الأمر، يمكن لهذا أن يكون مفيدًا. يقول توغمي زانغبو في الأبيات الأولى أننا إذا كنا متعلقين جدًا بديارنا، حيث يجرفنا التعلق بأصدقائنا مثل المياه، فمن الأفضل عندها أن نترك ديارنا بشكل مؤقت. هذا البيت يذكرنا بهذه النقطة أيضًا.
حضرني الآن مثال عن تطبيق هذا. لنفترض أننا متعلقون للغاية بأطفالنا. هناك العديد من الآباء والأمهات الذين لا يرغبون في ترك أطفالهم، وكلما كانوا مع أطفالهم، زاد تعلقهم بهم. لكن بالطبع من المهم جدًا أن نترك أطفالنا، من الواضح أننا في البداية نتركهم يذهبون إلى المدرسة، نتركهم يقضون الليل مع أصدقائهم، ونتركهم يذهبون بعيدًا إلى جامعة بمدينة أخرى. لا يمكننا أن نُلح عليهم أن يبقوا في المنزل ولا يغادروه. نحتاج أيضًا أن نتركهم ليتزوجوا ويعيشوا بمكان آخر. هناك العديد من الآباء والأمهات الذين لا يعجبون بشركاء أبناءهم، بغض النظر عمن يكون هذا الشريك. هذا بالأساس لأنهم متعلقون بأبنائهم ولا يرغبون في أن يذهبوا بعيدًا عنهم.
قد نتساءل بالطبع، هل يعني توغمي زانغبو حقًا أنه علينا أن نهجر حاسوبنا وهاتفنا المحمول؟ يطرح علينا هذا الكثير من الأمور لنفكر فيها لأنها مشكلة متنامية. هناك العديد من الأشخاص الذين هم مدمنون على هواتفهم المحمولة التي يلعبون عليها باستمرار، أو الذين لديهم الحاسوب متصل بالأنترنت طول النهار حتى لا يفوتهم الرد على أي رسائل إلكترونية ويطلعون عليها فور وصولها. قد يكونون مثلي، مدمنين بعض الشيء على تتبع الأخبار، وبالتالي كل قليل يطالعون الأخبار سواءً على الأنترنت أو على شاشة التلفاز. الكثيرون مدمنون على محطة سي أن أن، على سبيل المثال، ويشاهدون ذات الأخبار مرة بعد مرة بعد مرة. مرة أخرى، نصيحة هجر محل التعلق هذه مفيدة للغاية. حتى إذا لم نهجر الأمر بالكامل، ما وجدته في غاية الصعوبة هو أن أتفحص البريد الإلكتروني مرة واحدة فقط في اليوم، أطالع الأخبار مرة واحدة فقط في اليوم، وليس طيلة الوقت. استخدم هاتفي الجوال فقط عندما اجتاحه.
مثال أخير ذو صلة بالتخلي عن الأشياء التي نحن متعلقون بها، هو عن اتباع الحمية الغذائية. عندما نتبع حمية غذائية، ونكون متعلقين بشدة بالشوكُولَاتَة والبسكويت، أو أي نوع من الكعك. إذا كان لدينا منهم بالمنزل فسيكون في غاية الصعوبة أن لا نأكلهم. الأفضل، والطريقة الوحيدة الملائمة لنلتزم بالحمية العذائية، هي ببساطة أن لا نشتري أي شوكُولَاتَة، بسكويت، أو أي نوع من الكعك. نحن فقط لا نترك مثل هذه الأشياء في منزلنا. عندما لا تكون لدينا في البيت، فلن نأكلها. هذا صحيح، أليس كذلك؟ أنا متأكد أننا جميعًا نعرف هذا من خبرتنا الشخصية، إذا سبق واتبعنا حمية غذائية.
تنمية البوديتشيتا الأعمق، إدراك الخلو
يغطي القسم التالي تنمية البوديتشيتا الأعمق. لدينا البوديتشيتا الشائعة أو النسبية، والتي تهدف للاستنارة لنفع جميع الكائنات. ثم لدينا البوديتشيتا الأعمق، والتي تهدف للخلو، خاصة خلو الذهن. هذا أمر ضروري لتدربنا على البوديتشيتا.
(٢٢) تدرب البوديساتفا هو أن لا ينتبه ذهنيًا للخصائص المتأصلة للأشياء التي ينتبه لها الذهن والذهن الذي ينتبه لها، فقط عبر إدراك طريقة وجودها. بغض النظر عن كيفية ظهور الأشياء، فهذا نتاج أذهاننا؛ والذهن ذاته، من البدء، منفصل عن كل تطرفات الاختلاق الذهني.
عندما نتحدث عن الخلو في البوذية، نحن نشير إلى غياب شيئ ما، الشيء الذي لم يكن موجودًا أبدًا. هذا الشيء هو الطريقة المستحيلة لتأسيس الوجود الشائع للمَحَال المعروفة بشكل صحيح بالطريقة التي تظهر بها أو مسئولًا عنها. الطرق المستحيلة للوجود لم تكن موجودة أبدًا، أليس كذلك؟ أبسط مثال هو التفكير في، "أنا الشخص الأهم بالعالم وما يُؤسس لهذا هو أنني محور الكون. لأنني الشخص الأكثر أهمية، يجب دائمًا أن أحظى بما أريده. يجب على الجميع دائمًا أن ينتبهوا لي ويحبونني". هذا مستحيل. حتى على الرغم من أن الأمر قد يبدو بهذه الطريقة لأننا نشعر بأهمية الذات بتلك الطريقة، لكن لا أحد بإمكانه إثبات أنه مركز الكون؛ الجميع خالون من الوجود بهذه الطريقة المستحيلة. هذا لم يكن أبدًا الحال.
من أجل اكتساب هذا الفهم على المستوى الأعمق، نحتاج لأن نُدرك مستويات مختلفة يصعب ملاحظتها للطرق المستحيلة على الوجود الشائع للأشياء المعروفة بشكل صحيح والمسئولة عن الطريقة التي تظهر بها. ليس من السهل إدراك تلك المستويات. لذا، نحتاج أولًا لأن ندحض ونزيل المستويات التي يسهل ملاحظتها، بمعنى إدراك أنها غير متوافقة مع الطريقة التي توجد بها الأشياء فعليًا. ثم نعمل على المستويات الأكثر صعوبة.
يمكننا أن ننظر لهذا البيت من منظور تقليد الساكيا، حيث قد تظهر الأشياء لنا كما لو أنها أشياء خارجية متولدة من مصدرها الخاص بها وأن ذهننا الذي يراها هو الآخر له مصدره الخاص به المنفصل تمامًا عن مصدر تلك الأشياء. على سبيل المثال، قد نفكر في أن شخصًا ما سيئًا قادمًا علينا، ثم نرى أن لديه بالفعل تلك الخصائص المتأصلة لكونه شخص سيء بالطريقة التي يظهر بها وأنه يظهر بهذه الطريقة للجميع، ليس فقط من منظوري. تقول النصوص ألاّ نولي انتباهنا لهذا. يجب ألاّ نقبل هذا بأذهاننا، لكن نُدرك فقط كيف توجد الأشياء. بعبارة أخرى، بغض النظر عن الطريقة التي يظهر بها الشيء بهذه الطريقة الثنائية، تلك المظاهر مصدرها أذهاننا. مظهر أن هذا الشخص سيء والذهن الذي يراه كشخص سيء كلاهما مصدرهما ذات بذرة الكارما بأذهاننا وليس من ثنائية مصدرين مختلفين.
لكنتجدر الإشارة إلى أن الذهن ليس جهاز إسقاط لهذه المظاهر ذات الوجود المتأصل. الذهن ذاته هو أيضًا خالٍ من الوجود كنوعٍ من الكينونة ذات الوجود الذي يمكن العثور عليه. الطبيعة النقية للذهن هي أنه ليس على هذه الشاكلة، بطبيعته، يقوم بإسقاط تلك الاختلاقات الذهنية، تلك المظاهر السخيفة للوجود الثنائي. هذه ستكون طريقة تقليد الساكيا في فهم هذا البيت، والتي بلا شك ما كان يعنيه توغمي زانغبو عندما قام بكتابته، حيث إنه كان مؤيدًا لمدرسة الساكيا بالبوذية التبتية. نجد طريقة مشابهة لمناقشة الخلو في "النقاط السبع لتدريب الذهن" التي كتب أيضًا توغمي زانغبو شرحًا لها. يشرح هذا النص الخلو أيضًا من وجهة نظر تقليد الساكيا.
إذا نظرنا إلى التفسير الأحدث لتقليد الغيلوك للبيت، يمكننا أن نفهمه بمستوى مختلف. لنستخدم المثال السابق، يظهر لنا كما لو أن هناك خصائص متأصّلة قابلة للإيجاد بالشخص الذي، قائمًا بذاته، مسئولة عن حقيقة أنه يظهر لي على أنه موجود كشخص سيء. يجب ألاّ نقبل هذا بأذهاننا، حيث أن هذه ليست الطريقة التي توجد بها الأشياء. هذا المصدر الخادع مصدره فقط أذهاننا -سواءً من إمكانات الكارما التي تم بناؤها بها أو من العادة المستمرة للتشبث بأن الأشياء موجودة بطرق مستحيلة. كيف هي الأشياء فعلًا هو أن هذا الشخص يظهر كشخص سيء إما بسبب خصائص متأصلة تجعله سيء بالإضافة للعنونة الذهنية لمفهوم "سيء"، أو على المستوى الأكثر دقة والذي يصعب ملاحظته، ببساطة بسبب العنونة الذهنية لمفاهيمنا.
علاوة على هذا، الذهن ذاته منفصل عن تطرفات الاختلاق الذهني، بمعنى أن الذهن خالٍ من أي اختلاق ذهني للوجود بالطرق المستحيلة. يشير هذا إلى خلو كلٍّ من الطبيعة الشائعة للذهن (الأنشطة الذهنية لتوليد المظاهر وإدراكها) أو الطبيعة الأعمق للذهن (خلوه).
يتطلب هذا البيت قدرًا هائلًا من الدراسة وبه قدر شديد من العمق. حتى إذا لم نفهم الكثير من هذا الشرح، يظل بإمكاننا تقدير أن هذه التعاليم عن الخلو في غاية العمق وبها مستويات عديدة جدًا والتي يمكن فهمها بها. عندها سننمي الاحترام والاهتمام بمحاولة فهمها بشكل أعمق وأعمق.
كل هذا في غاية الأهمية في سياق محاولة مساعدة الآخرين. إذا فكرنا أن هناك كائن بائس يعاني هناك، فيه شيء قابل للإيجاد، قائم بذاته، وهو الذي يجعل منه كائنًا بائسًا يعاني، عندها بغض النظر عما سنقوم به لمساعدته، فهو لن يتغير أبدًا. لذا هذا النوع من النقاط مهم جدًا، أليس كذلك؟
عندما نتعامل مع الخلو ونحاول فهمه، فهناك مرحلتين لهذا الفهم. المرحلة الأولى هي عندما يكون تركيزنا مستغرقًا بالكامل في فهم أنه "ليس هناك شيء كهذا" فيما له علاقة بالطريقة المستحيلة للوجود. من أجل أن نستغرق تمامًا في "ليس هناك شيء كهذا"، يجب أن يكون فهمنا مؤسس على اقتناع حاسم قائم على التحري والتسبيب المنطقي بأن هذه الطريقة المستحيلة للوجود هي حقًا مستحيلة.
على سبيل المثال، إذا قلنا، "ليس هناك شوكُولَاتَة في منزلي"، قد لا نكون مقتنعين تمامًا بهذا، لكن إذا قمنا بتفتيش كامل المنزل ولم نتمكن من العثور على أي شوكُولَاتَة، عندها سنكون أكثر حسمًا في اقتناعنا بأنه ليس هناك شوكُولَاتَة في المنزل. أو، قد نفكر، "ليس هناك شيء مثير للاهتمام بالتلفاز". يمكننا أن نصل لهذا الاستنتاج بدون حتى أن نبحث في التلفاز، أو يمكننا أن نبحث في كل القنوات. عندما نبحث في كل القنوات ونجد أنه ليس هناك شيء مثير للاهتمام، عندها سنكون أكثر اقتناعًا بأنه "ليس هناك شيء مثير للاهتمام بالتلفاز".
هذه هي المرحلة الأولى، الاستغراق الكامل في أنه "ليس هناك شيئًا كهذا"، أو الخلو. عندما نركز على هذا، فما يظهر لأذهاننا مشابه لما يظهر عندما نركز على، "ليس هناك شوكُولَاتَة في المنزل". ما الذي يظهر؟ لا شيء يظهر بأذهاننا عندما نفهم أنه ليس هناك شوكُولَاتَة بالمنزل. لذا، عند الاستغراق التام بالخلو لا شيء يظهر.
ثم لدينا مرحلة التحقق اللاحق. هذا ما يُطلق عليه أحيانًا "ما بعد التأمل"، لكن هذه ليست ترجمة دقيقة لأننا في الحقيقة نستمر في التأمل. الآن لاحقًا للاستغراق التام، نُدرك أن كل شيء مثل الوهم. على الرغم من أنه يظهر كما لو أنه يجب أن يكون هناك شيء مثير للاهتمام بالتلفاز، على الرغم من شعورنا بهذا، فإن هذا حقًا مثل الوهم والأمر ليس كذلك. لذا، على الرغم من أن الشيء يبدو موجود بشكل راسخ قائمًا بذاته ويظهر لنا بهذه الطريقة، فإن هذا فقط مثل الوهم. يظهر الوهم، لكنه غير موجود بالطريقة التي يظهر بها.يظهر كشيء راسخ لكنه ليس كذلك.
بعدها، يتحدث توغمي زانغبو في البيتين التاليين عن أن كل شيء هو مثل الوهم. أولًا، فيما له علاقة بالأشياء التي تبدو سارة، ثم فيما له علاقة بالأشياء الغير جيدة على الإطلاق. كلاهما مثل الوهم.
(٢٣) تدريب البوديساتفا هو، عندما نقابل شيئًا سارًا، ألا نعتبره موجودًا حقًا، حتى إذا ظهر جميلًا، مثل قوس قزح في الصيف، و(من ثم) نخلص أنفسنا من التشبث والتعلق.
عندما نقابل ما هو جميل، سواءً كان أشخاص رائعين أو أشياء جميلة نحبها، النصيحة هنا هي أن نرى أنها غير موجودة بخاصية ما متأصلة فيها، قائمة بذاتها، يمكن العثور عليها وتجعلها جميلة. هذا الشيء ليس رائعًا بشكل متأصل يحتم علينا الحصول عليه. ليس هناك شيء يجعله جميلًا وجذابًا بقوته الذاتية، مستقلًا عن كل شيء آخر. على الرغم من أن الأشياء قد تظهر جميلة، جذابة ورائعة بشكل متأصل قائمة بذاتها، نحتاج لأن ندرك أنها غير موجودة فعليًا بهذه الطريقة. هذا مستحيل؛ هي فقط تظهر بهذه الطريقة، بشكل مشابه للوهم. المثال المستخدم هنا هو قوس قزح فصل الصيف. قوس قزح جميل ويظهر كأن له وجود متأصل قائم بذاته وجميل، لكن ليس هناك شيء راسخ به. كلما تفحصناه بشكل أكبر، وجدنا أنه ليس به شيء قائمًا بذاته.
الكلمة المهمة هنا هي مشابهة. الأشياء مشابهه للوهم. نحن لا نقول أن كل الأشياء وهم. هناك فارق كبير بين الوهم وشيئًا مشابه للوهم. شانتيديفا يستخدم مثال الساحر الذي يختلق وهم الحصان؛ على مستوى عواقب الكارما هناك فارق كبير بين أن نقتل وهم الحصان وأن نقتل الحصان. تختلف العواقب بناء على ما إذا أثّر فعل القتل على شخصًا آخر أو لم يؤثر عليه، مثل الحصان. لذا، كل شيء مشابه للوهم، مشابه لقوس قزح الصيف.
نحاول بهذه الطريقة تخليص أنفسنا من التشبث والتعلق. يشير هذا إلى النشوء التلقائي للتشبث والتعلق، اللذان نشعر بهما تلقائيًا، حتى إذا حظينا بالخبرة الأولية للإدراك غير النظري للخلو. هذه الخبرة ستخلصنا من التعلق الذي قد يكون أساسه تعلمنا لمذهب ما من مدرسة غير بوذية؛ مع ذلك، يظل لدينا هذا النشوء التلقائي للتعلق. لذا نحتاج أن نستمر في العمل على الخلو.
لاحقًا، نصل لفهم أن التدريب الذي ذكره توغمي زانغبو في البيتين السابقين، حيث نخلص أنفسنا من الأشياء التي تتسبب في زيادة تشبثنا وتعلقنا، هو ببساطة حل مؤقت. الحل الأعمق هو أن نفهم حقًا خلو تلك الأشياء التي تبدو جميلة، مدركين أنها لا توجد بتلك الطريقة المستحيلة المتمثلة في كونها جميلة وسارة من قائمة بذاتها.
(٢٤) تدريب البوديساتفا هو، عندما نتعرض لظروفًا معاكسة علينا أن نراها خادعة، لأن الكثير من المعاناة هي مثل موت طفلنا في الحلم وأن نأخذ (مثل) هذا المظهر الخادع على أنه حقيقة لهو مضيعة مزعجة للوقت.
يشير هذا إلى الموقف المعاكس، عندما نقابل الأشياء التي نجدها غير سارة أو الظروف المعاكسة. نحتاج لأن نراها أيضًا مشابهة للوهم. مظاهر أن تلك الأشياء غير السارة وأن تلك الظروف معاكسة مؤسسةً حقًا من تلقاء نفسها كأشياء غير سارة ومعاكسة لهو مظهر مخادع. مخادع معناه أن الطريقة التي يظهر بها لا تتوافق مع الطريقة التي يوجد بها حقًا. هذا المظهر يخدعنا، لأننا نفكر بأنه موجود بالطريقة التي تظهر لنا بها.
أن نرى الأشكال المختلفة للمعاناة التي نقابلها كشيءٍ شنيعٍ ومريعٍ بشكل متأصل من قائمة بنفسها، ثم نشعر بعد ذلك بأننا لا نستطيع تحمله، هو مثل مظهر موت طفلنا في الحلم. عندما نختبر موت طفلنا في الحلم، فهذا بالتأكيد يبدو حقيقيًا وبشعًا، لكن عندما نستيقظ نجد أنه كان مجرد حلم. فمظهر هذا الحلم كان خادعًا، لأنه يبدو كما لو كان حقيقيًا وقمنا بتصديقه، بينما هو ليس كذلك. بشكل مشابه، حتى بينما نحن مستيقظون، على الرغم من أن الأمر ليس بالضبط مثل الحلم، إلا أنه مع ذلك تظهر الأشياء بشكل مخادع. يشير البيت تحديدًا إلى الظروف المعاكسة وكيف أن الأشياء الصعبة التي تحدث لنا تظهر أنها موجودة فعلًا وما شابه، لكنها ليس كذلك. هذا مستحيل.
الظروف المعاكسة التي نقابلها تبدو مريعة ورهيبة، ببساطة نتيجة قوة العنونة الذهنية "سيء" أو "رهيب". ما الذي نجده بشعًا حقًا بالموقف؟ الموقف السيء هو ما نشير إليه بالعنونة الذهنية "سيء". لكن ليس هناك شيء من جانب الموقف ذاته يجعله سيئًا. فبعد كل شيء، نحن وأعضاء مجتمعنا من اختلقنا مفهوم "سيئ" هذا. قمنا بتعريفه ويمكننا أن نعثر عليه في المعجم، لذا نستخدم هذه العنونة على أشياء مختلفة. لكن كامل مفهوم "سيء"، هو شيء، كما يشير البيتان السابقان، اختلقه الذهن. قد يكون من الصحيح أن نُطلق على هذا الموقف إنه موقف صعب، موقف سيء، بمعنى أن الجميع سيتفق معنا في هذا، وجميعنا سنستخدم هذا الاصطلاح. بشكل شائع قد يكون هذا صحيحًا. لكنه فقط يبدو كما لو أن هناك شيء من جانب الموقف ذاته والذي يجعله سيئًا. هذا مظهر خادع، هو فقط مظهر مشابه للوهم. لذا عندما ننظر لتلك المظاهر الخادعة على أنها حقيقية، فهذا حقًا، كما يقول توغمي زانغبو، مضيعة مزعجة للوقت. إنها مضيعة لوقتنا وتجعلنا فقط في غاية الإرهاق وتؤدي لتفاقم معاناتنا.
على سبيل المثال، إذا صدمنا قدمنا بقطعة من الأثاث في الظلام، فهذا يؤلم. بالتأكيد، هذا مؤلم، لكنه من قبيل المضيعة للوقت أن نأخذ الأمر إلى تطرف "إن ما حدث لي شيئًا بشعًا"، ثم نقفز بمكاننا ونصنع جلبة حول الأمر. بالتأكيد هذا لن يجعلنا نشعر بأي تحسن ولن يحقق أي شيء. هذا فقط يطيل من معاناتنا. صدمت قدمي، سبب ونتيجة، وهذا يؤلم. وماذا في ذلك؟ ما الجديد في الأمر؟ ما الذي أتوقعه من السامسارا؟
الأسئلة
يتحدث البيت الحادي والعشرين عن هجر الأشياء التي تتسبب في تولد تشبثنا وتعلقنا. ما الفرق بين الاثنين وبين الاشتهاء والرغبة؟
هناك في البوذية العديد من المصطلحات التقنية التي تبدو متشابهة، لكن لها تعريفات واستخدامات محددة. التشبث يعني التمسك بشدة بشيء نحبه. يشير تقليد الساكيا إلى أربعة أشياء كبرى نحتاج لأن نخلص أنفسنا من التشبث بها: الأشياء في هذه الحياة، الأشياء التي ستحدث في الحيوات المستقبلية، أهدافنا الأنانية والطرق المستحيلة للوجود. مصطلح "تشبث" يستخدم أيضًا في سياق الإدراك النظري. عندما نفكر في شيء ما كأحد عناصر تصنيف نظري ما، مثل حيواننا الأليف على إنه كلب، نرى أن الشيء الذي "يتشبث" به إدراكنا النظري هو حيواني الأليف.
التعلق هو عندما يكون لدينا الشيء الذي نعتبره مرغوبًا فيه، ونغالي في خصاله الجيدة ولا نرغب في تركه. الرغبة هي عندما لا يكون لدينا الشيء الذي نرغب فيه، ونقوم بالمثل بالمغالاة في خصاله الجيدة ونتشوق للحصول عليه. الاشتهاء يقابل حرفيًا كلمة "الظمأ" وتستخدم بشكل خاص في سياق الشعور بالسعادة أو التعاسة. عندما نختبر رشفه قليلة من السعادة، نكون عِطاشًا، لا نرغب في أن نفترق عنها. وعندما نختبر التعاسة، نتعطش لمفارقتها.
يمكن أن نرى أن تحليل الحالات الذهنية المختلفة في علم النفس البوذي متطور للغاية. هناك العديد من الفروق الدقيقة، وللأسف لا نمتلك دائمًا مصطلحات لها في لغاتنا. عندما نعرف مصدر المصطلح وتعريفه، يمكننا حقًا أن نفهم ما الذي يتحدث عنه النص.
أجد أنه من الصعب جدًا فهم الخلو، لكن عندما استمع لأمثلتك الواضحة، فهذا مثل، "نعم، كل شيء مثل الحلم". لكن عندما أواجه مواقف الحياة اليومية، من الصعب جدًا أن أطبق هذا الفهم. كيف يمكنني القيام بهذا؟
الطريقة الوحيدة لتطبيق هذا هو عبر التأمل عليه، بما يعني أن نتدرب عليه مرارًا وتكرارًا، ونفكر فيه بقدر الإمكان. ما أن نفهم شيئًا عبر التأمل، عندها يمكننا أن نميز أن الموقف الذي نواجهه هو مشابه للحلم. كلما طبقنا هذا أكثر، كلما أصبح هذا طبيعيًا، وسننزعج أقل من صعود وهبوط السامسارا.
على سبيل المثال، كنت مؤخرًا، قبل رحلتي هذه إلى المكسيك، في بوغوتا، كولمبيا، في زيارة لتقديم التعاليم. قداسة الدالاي لاما ذاهب إلى هناك خلال أسابيع قليلة ورأوا أنه سيكون من المفيد لهم أن يكونوا في حالة استعداد ملائم لهذا الحدث. توافق تاريخ زيارتي مع إجازة عيد الفصح وسألت إذا كان الناس سيجدون الوقت لتنظيم الدورة وحضورها، وأكدوا لي أنه لن تكون هناك أي مشكلة. رأيت أن هذا سيكون مثالي بعض الشيء وغير واقعي. قمت بشراء تذكرة الطيران ورتبت أموري للقيام بالرحلة.
تلقيت رسالة إلكترونية قبل أسابيع قليلة من موعد سفري، تقول أنه سيكون صعبًا للغاية أن يتم ترتيب الزيارتين، زيارة قداسته وزيارتي. قاموا بإلغاء رحلتي، لكنني لم ألُمْهم وكتبت لهم "هذا ما قلته لكم". فقط تفحصت مقدار المال الذي كنت سأخسره عند إلغاء تذكرة الطيران ومدى ملاءمة زيارتي هذه للمكسيك. مرة أخرى لم يكن بالشيء الكبير. لم أكن سعيدًا أو تعيسًا بشأنه.
عندما أخبرتهم بالمبلغ الذي عليهم دفعه للرحلة الملغاة والكلفة الزائدة التي ستكون على الطلبة تحملها بالمكسيك، ردوا عليّ قائلين بأن أتي على أي حال. مرة أخرى، لم أكن سعيدًا أو تعيسًا بهذا. حسنًا، سأذهب إلى هناك، ولم أفكر في الأمر كثيرًا.
ثم قبل الموعد الذي كان من المفترض أن أذهب إليه بإثني عشر يومًا تلقيت رسالة إلكترونية من كولمبيا تقول أنهم سألوا فعلاً عمن يستطيع الحضور، ولا أحد، ولا حتى المترجم كان متاحًا. أدركوا أنهم بالفعل في حاجة لإلغاء الرحلة. كان هذا مثل الوهم، ولذا لم أكن سعيدًا أو تعيسًا. قمت بإلغاء تذكرتي وشراء تذكرة أخرى إلى المكسيك. لم أعاني ولم أتحمس. ليس بالأمر الكبير، فقط مثل الحلم، لا يتطلب الأمر الكثير من التفكير. إذا أمكننا بهذه الطريقة تطبيق تعاليم الخلو بأن كل شيء مشابه للوهم، فسيكون هذا فعال للغاية، لكن بالطبع يتطلب هذا أن نتعود عليه.