"المواقف الداخلية الستة التي ستحملنا بعيدًا" والتدرب اليومي

الأبيات من الخامسة والعشرين إلى السابعة والثلاثين والأبيات الختامية

يناقش توغمي زانغبو بعد ذلك "المواقف الداخلية الستة التي ستحملنا بعيدًا" أو "البراميتات"، وهي أساسًا في غاية الأهمية لسلوك البوديساتفا الخاص بنا. عهود البوديساتفا، خاصةً العهود الفرعية، هي طريقة لمساعدتنا على التدرب على هذه البراميتات.

(٢٥) تدريب البوديساتفا هو أن نعطي بكرم دون أي توقع لأي شيء في المقابل أو أن يُثمر شيء من الكارما لاحقًا، لأنه، إذا كان هؤلاء الذين يأملون في تحقيق الاستنارة يجب عليهم أن يعطوا كل شيء حتى أجسادهم، فما الداعي لذكر الممتلكات المادية؟

أول المواقف الداخلية التي ستحملنا بعيدًا هو الكرم. "المواقف الداخلية التي ستحملنا بعيدًا" هي الترجمة الحرفية للمصطلح السنسكريتي، بمعنى أننا عندما ننمي تلك الحالات الذهنية، يحملوننا بعيدًا للغاية؛ في الحقيقة، يحملوننا طيلة الطريقة نحو الاستنارة.

لأكون أكثر تحديدًا، يمكنهم أن يحملوننا إما للتحرر، أو التحرر والاستنارة معًا. في مدرسة الهينايانا البوذية، هناك أيضًا المواقف الداخلية التي ستحملنا بعيدًا، لكن الهدف من التدرب عليها هو الوصول إلى التحرر، وبالطبع مساعدة الآخرين طيلة الطريقة. ما يجعل الموقف الداخلي ماهايانا بشكل واضح هو عندما تكون البوديتشيتا هي الدافع وراءه. لذا، إذا كنا سنتدرب على تلك المواقف الداخلية التي ستحملنا بعيدًا في سياق الماهايانا، من المهم جدًا أن تؤسس بشكل كامل على هذا الهدف الأولي بحياتنا، البوديتشيتا، أن نصل إلى الاستنارة من أجل أن نكون قادرين على مساعدة الآخرين طيلة الطريقة، وبأفضل شكل ممكن عندما نصل في النهاية للاستنارة.

يؤكد شانتيديفا على نقطة في غاية الأهمية عندما يقول، أن "المواقف الداخلية الستة التي ستحملنا بعيدًا" هي فقط -مواقف داخلية وحالات ذهنية. هي ليست الأفعال القائمة عليها. كما يقول في الفصل الخامس من "الانخراط بسلوك البوديساتفا":

(٩) (فبعد كل شيء،) إذا كان ببراميتا المنح يزول كامل فقر الكائنات الهائمة؛ فكيف أمكن لحماة الزمن الفائت إتقانه، بما أن الكائنات الهائمة لا تزال جائعة حتى الآن؟
(١٠) يقال أن إتقان المَنح يتم عبر الذهن الذي يرغب في أن يعطي للجميع كل ما هو مملوك، مع كل نتائجه؛ لهذا، فهو الذهن ذاته.

بما أنه الموقف الداخلي الخاص بالتمني والاستعداد على منح الجميع كل شيء مهم، عندها حتى إذا لم يكن لدينا شيء، يظل بإمكاننا تنمية هذا الموقف الداخلي الذي سيحملنا بعيدًا. على سبيل المثال، يمكن أن نتخيل، "ليت الجميع يكونون قادرين على الاستمتاع بهذا الغروب الجميل"، أو أيًا كان ما نستمتع به. يمكننا أيضًا أن نتخيل منح الآخرين أي شيء يحتاجونه. لكن إذا كانت لدينا أشياء فعلية يمكن منحها للآخرين لمساعدتهم، عندها فقط تخيل إعطاء أشياء للآخرين لن يكون كافيًا. نحتاج أيضًا أن نعطيهم حقًا.

عندما نمنح حقًا شيئًا للآخرين بكرم، من المهم أن نقوم بهذا، كما يقول توغمي زانغبو، بدون أمل في أي شيء بالمقابل. هي ليست معاملة تجارية. نحن لا نقايض على شيء ما، أو نعطي ونأخذ شيئًا في المقابل. هذا لا يشير فقط إلى الرغبة في شيء مادي في المقابل، ولكن أيضًا الرغبة في أن يُعجب بنا الشخص الآخر، يحبنا، أو حتى يشكرنا. يجب ألاّ يكون هناك أي أمل أو توقع لهذا الأمور على الإطلاق. هذا ليس سبب إعطائنا للآخرين. عندما تقوم يدنا بإطعام فمنا هل تتوقع الشكر، التهنئة، أو أي شيء على قيامها بهذا؟ نحن نمنح ببساطة لأن هناك شخص ما بحاجة لشيء ما. إذا كانت لدينا تلك القدرة على منح ما يحتاجون إليه ولن يتسبب هذا في الأذى أو أي شيء مشابه، نقوم به. إنه مثل رؤية أواني متسخة بالحوض؛ لن يشكل فارقًا ما إذا كانت الأواني الخاصة بنا أو بشخص آخر، الأواني بحاجة لأن يتم غسلها ولذا نقوم بهذا.

بشكل مشابه، عندما نمنح، يجب ألاّ نتوقع شيئًا نتيجة لإثمار هذه الكارما. في الحقيقة نتيجة الكرم هي، وتحديدًا بالحيوات المستقبلية، سنكون أثرياء. إذا قمنا بفعل الكرم، على سبيل المثال، بتقديم تبرع لمركز دارما أو شيء من هذا القبيل كاستثمار جيد، التفكير في أن بالمستقبل سنحصل على مقابل جيد لاستثمارنا وسنكون أثرياء بحيواتنا المستقبلية، هذا أيضًا غير ملائم. بالإضافة إلى أنه من المهم ألاّ نتعلق بالأشياء التي نمنحها، أو نُصر على أن يستخدمها الشخص الآخر بالطريقة التي نرغب فيها. ما أن قدمنا الهدية، من الذي يمتلكها، نحن أم الشخص الآخر؟

لذا، كما يقول توغمي زانغبو، إذا كان هؤلاء من يرغبون في الاستنارة يجب عليهم أن يمنحوا حتى أجسادهم، كما في مثال شكياموني بوذا عندما كان بوديساتفا في مرحلة متقدمة جدًا بأحد حيواته السابقة، ومنح جزء من جسده ليطعم به نَمِرَة جائعة، عندها ما الداعي لأن نذكر الممتلكات الخارجية؟ نحن ليسنا فقط بحاجة لأن لا يكون لدينا تعلق بممتلكاتنا الخارجية، لكن ولا بجسدنا أيضًا، فيما له علاقة بمنحه لخدمة الآخرين.

إذا لم نكن بوديستفات بمستوى متقدم، عندها، كما تقول التعاليم، "الثعلب لا يقفز حيث يقفز الأسد". عندما لا نكون مستعدين لأن نمنح جسدنا أو حياتنا للآخرين، إذن يجب ألاّ نقوم بهذا. محاولة القيام بمثل هذا السلوك بينما نحن غير مستعدين له ،سيولد بلا شك، حالة ذهنية سلبية للغاية، وهو أمر غير مفيد على الإطلاق. في الحقيقة، من المثير للاهتمام لنرى كم نحن متقدمون حقًا في سياق الكرم: هل نحن مستعدون لأن نُطعم بعوضة عندما تقف على يدنا وتقرصنا؟ أغلب الناس غير مستعدين لترك البعوضة تأخذ أي شيء. كما يقول قداسة الدالاي لاما، "هم فقط يأخذون قطرة صغيرة من الدم. هذا ليس بالكثير".

إذا كنا عازمين على أن نمنح شيئًا لا نحتاجه، أو لا نحبه بشكل خاص، أو بعض البقايا، "مللت من ارتداء هذه الملابس لذا سأمنح ملابسي القديمة لشخص فقير"، هذا ليس إنجاز كبير. المقصود هنا هو أن نكون عازمين على منح الأشياء الأخرى التي نكتنزها، مثل "وقتنا الثمين".

(٢٦) تدريب البوديساتفا هو أن نحمي الالتزام الذاتي الأخلاقي بدون مقاصد دنيوية، لأنه، إذا لم نكن نستطع تحقيق غايتنا دون الالتزام الأخلاقي، فإن أمنية تحقيق غايات الآخرين مجرد مزحة.

الالتزام الأخلاقي هو الموقف الداخلي التالي الذي سيحملنا بعيدًا. هو الحالة الذهنية للامتناع عن التصرف بشكل هدَّام وأيضًا قوة الذهن للانخراط بشيء بنَّاء من أجل مساعدة الآخرين. عندما نفكر في هذا الالتزام الأخلاقي، نحتاج لأن نفكر فيه بشكل أوسع، كما نفكر في الكرم بأنه ليس فقط منح الأشياء المادية، ولكن أن نقدم أيضًا المساعدة، نمنح من وقتنا، اهتمامنا وحبنا، نعطي التعاليم وما شابه.

يشير توغمي زانغبو إلى أن حماية الالتزام الأخلاقي، بمعنى آخر حمايته بحيث نتأكد من أننا نتصرف بطريقة ملائمة وليس بطريقة غير ملائمة، هو شيء نحتاج للقيام به بدون اهتمامات دنيوية. ما المقصود بالاهتمامات الدنيوية؟ لماذا ننمي الالتزام؟ ينمي الرياضي الالتزام، وينمي الموسيقي الالتزام. هناك العديد من الأشكال المختلفة للالتزام التي يمكن أن ننميها. لكن ما هو دافعنا من تنمية الالتزام؟ هل فقط بعض الأغراض الدنيوية، أن نكون رياضيين جيدين ونفوز بالميداليات، أو أن نكون موسيقيين مبدعين؟ ما نحتاج للقيام به هنا هو تنمية الالتزام الذاتي الأخلاقي، لكي نكون قادرين على الوصول إلى التحرر والاستنارة، ونساعد الآخرين، نقوم بكليهما طيلة الطريق وبشكل أكبر ما أن نحقق الاستنارة.

هناك العديد من الطرق التي يمكننا بها تنمية الالتزام الذاتي الأخلاقي بشكل دنيوي للغاية، على سبيل المثال بناء جسدنا مثل متدربي رياضة كمال الأجسام. نتدرب طيلة الوقت فقط لنبدو أقوى. أو نمتنع عن تناول الأطعمة المؤدية إلى السمنة، أو الطعام الذي نحبه، لأننا نرغب في اتباع حمية غذائية واجتذاب شريك لنا. هذا يتضمن قدرًا هائلًا من التكبر. هذا ليس نوعية الالتزام الأخلاقي الذي نتحدث عنه هنا. لهذا أضفت، في ترجمة المصطلح، الالتزام الذاتي "الأخلاقي"، لكن حتى الالتزام الذاتي الأخلاقي يمكن أن يقام به من أجل أغراض دنيوية. على سبيل المثال، نرغب في أن نكون متدربين جيدين، ولا نرغب في أن نكون بوذيين سيئين، لأننا نرغب في أن يحبنا معلمنا. هذا غرض دنيوي، أليس كذلك؟ تذكروا، نحتاج لأن نتدرب على هذه المواقف الداخلية التي ستحملنا بعيدًا مع البوديتشيتا، وليس فقط البوديتشيتا النسبية، ولكن البوديتشيتا الأعمق، فهم الخلو. لذا، نحن لا نُسخِّر الالتزام من أجل أهدافنا الأنانية.

يؤكد توغمي زانغبو أننا إذا لم نستطع تحقيق أهدافنا الشخصية بدون التزام ذاتي أخلاقي، مشيرًا هنا إلى الأهداف الروحانية للنطاق الأولي والأوسط. من أجل صالحنا الشخصي نرغب في إعادات ميلاد أفضل، حياة بشرية ثمينة، ونرغب في تحقيق التحرر. إذا لن يكن باستطاعتنا تحقيق هذا بدون التزام ذاتي أخلاقي، فكيف يمكننا حتى التفكير في تحقيق أهداف الآخرين فيما له علاقة بالوصول للاستنارة، بدون التزام ذاتي أخلاقي؟

(٢٧) تدريب البوديساتفا هو أن ننمي الصبر كعادة، دون عداء أو نفور من أي شخص، لأنه بالنسبة للبوديساتفا الذي يأمل في ثروة من القوى الإيجابية، كل هؤلاء الذين يسببون الأذى مساوون لكنوز من الجواهر الثمينة.

الصبر هو الحالة الذهنية التي لا نغضب فيها من هؤلاء الذين يقومون بإيذائنا؛ لا نتضايق من كل الصعوبات التي سيكون علينا تحملها من أجل الوصول للاستنارة؛ ولا نضيق ذرعًا من كل الصعوبات التي تتضمنها مساعدة الآخرين. ليس من السهل مساعدة الآخرين، ولذا نحتاج لبناء الصبر كعادة. هذا ما تعنيه كلمة "تأمل"، لكن نحتاج لأن نفهم أن معناها الحقيقي هو بناء عادة نافعة. لذا نحتاج لأن نجعل الصبر عادة عبر التدرب مرة بعد الأخرى. الطريقة التي ننمي بها عادة الصبر، هي ألاّ يكون لدينا عداء أو نفور تجاه أي شخص. بغض النظر عن صعوبة تقديم المساعدة، بغض النظر عن كم هم هدَّامون تجاهنا، نمتنع عن الغضب.

كما يشرح قداسة الدالاي لاما، الصبر والتحمل ليسا علامة على الضعف، هما في الحقيقة علامة على قوة هائلة. أن يكون لدينا صبر فهذا لا يعني أن ندع الآخرين يتصرفون بشكل هدّام أو يعاملوننا بشكل سيئ، ولا نقوم بأي شيء حيال هذا. ما يعنيه هو أن نفرّق بين الشخص وأفعاله ولا نغضب من الشخص. كما يقول شانتيديفا، إذا كان هناك موقف صعب وكان بإمكاننا القيام بشيء لتغييره، إذن فلماذا نغضب؟ فقط نقوم بتغييره. لكن إذا لم يكن هناك شيء يمكننا القيام به حيال الموقف، فلماذا نغضب؟ هذا لن يفيد في شيء.

الصبر هو، كما يقول توغمي زانغبو، سبب عظيم لبناء قدر هائل من القوة الإيجابية. يقول، للبوديستفا الذي يتمنى ثروة من القوة الإيجابية، كل الذين يتسببون في الأذى مساوون لكنوز من الجواهر. لماذا؟ حسنًا، كيف يمكننا أن ننمي الصبر إذا لم يكن هناك أشخاص مزعجين وصعبي المراس؟ نجد فكرة مشابهة في نص آخر من نصوص تدريب الذهن. هؤلاء الذين نستطيع معهم التدرب على الصبر هم أعظم الكنوز، لأنه من خلالهم يمكننا بناء ثروة من القوة الإيجابية، والتي يمكننا بها أن نصل للاستنارة.

(٢٨) تدريب البوديساتفا هو الاجتهاد بمثابرة، مصدر جميع الخصال الجيدة من أجل تحقيق (غايات) جميع الكائنات الهائمة، حيث إننا نرى أنه حتى متدربي الشرافاكا والبراتياكابودا، الذين سيحققون فقط غايتهم الشخصية، لديهم مثل تلك المثابرة ليتجاهلوا نارًا اشتعلت برؤوسهم.

رابع المواقف الداخلية التي ستحملنا بعيدًا هي المثابرة. الكلمة السنسكريتية لهذا الموقف الداخلي هي "فيريا"، وهي ذات صلة بالكلمة السنسكريتية "فيرا" والتي تعني "بطل"، الكلمة اللاتينية "فير" يعني "رجل" والصفة الإنجليزية "فيريال" تعني مكتمل الرجولة. وبالتالي هي ذات صلة بالشجاعة والحماسة البطولية للانكباب بنشاط على تحقيق الهدف الروحاني الذي يصعب تحقيقه. بهذا الموقف الداخلي، نتحمل ونستمر في عملنا الروحاني، بغض النظر عن كم صعوبته، بدون أن تُثبط عزيمتنا أبدًا، بدون أن نصبح كسولين، بدون الشعور بعدم الكفاءة، كما في "لا يمكنني أن أقوم بهذا"، وبدون تأجيل الأشياء لليوم التالي. نجد متعة فيما نقوم به، خاصة المثابرة على الأنشطة البنَّاءة. هذا مصدر كل الخصال الجيدة، بعبارة أخرى الوصول للاستنارة من أجل هدف نفع الجميع.

إذا كان متدربو الهينايانا، من الشرافاكا والبراتياكابودا، الذين يعملون فقط لصالحهم الشخصي من أجل تحقيق التحرر، لديهم شجاعة بطولية هائلة، مثابرة وجهد لتحقيق هدفهم، حينها، نحن الذين نعمل كبوديساتفات من أجل نفع الآخرين، نحتاج حتى لبذل ما هو أكثر من هذا. الشرافاكات هم هؤلاء الذين كانت لديهم فرصة الاستماع لتعاليم بوذا؛ بينما البراتياكابودات هم الذين يتدربون بناء ًعلى غريزتهم أثناء الأزمة المظلمة عندما لا تكون تعاليم بوذا متوفرة. المثال المقدم هنا، مصدره أيضًا نصٌّ أقدم، يشبه نوعية المثابرة والشجاعة التي لدى متدربي الشرافاكا والبراتياكابودا، بأنها مثابرة وشجاعة على الاستمرار في تأملهم أو أيًا كان التدرب الروحاني الذي يقومون به، حتى إذا اشتعلت النار برؤوسهم. حتى إذا كانت روؤسهم مشتعلة بالنار، يتجاهلونها، ولن يصابوا بالهلع ويوقفوا تدربهم ليطفئوها. بدلًا من هذا، سيصرفون نظرهم عنها، يتجاهلونها، ويستمرون في تدربهم على التأمل. فإذا كان لديهم مثل هذه المثابرة البطولية لأن لا يُشتَّتوا باحتياجاتهم الشخصية الدنيوية، فسنحتاج عندها كبوديستفات ما هو أكثر من هذا.

أن يتجاهلوا نارًا مشتعلة برؤوسهم يشير بالأساس إلى التخلي. هم تخلوا عن الاهتمام الدنيوي بالنار التي برؤوسهم. المصطلح معناه الحرفي أن يلتفتوا بعيدًا عنها. بالطبع، يفسر البعض هذا على إنه "يطفئون النار"، أو "يخمدون النيران"، لكن ليس هذا هو المعنى. المقصود هنا هو التخلي.

(٢٩) تدريب البوديساتفا هو ببناء عادة الثبات الذهني المتجاوز بنقاء (الاستغراقات) الأربع منعدمة الهيئة، عبر الوصول للحالة الذهنية استثنائية البصيرة، المعززة بالكامل بحالة السكون والثبات، يمكنه التغلب بالكامل على المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة.

هذا البيت مليء بالمصطلحات التقنية. يشير إلى الموقف الداخلي الذي سيحملنا بعيدًا والخاص بالثبات الذهني، أحيانًا يشار إليه بمصطلح "التركيز"، لكن هذا لا يعني فقط التركيز. إنها حالة ذهنية لا تتزحزح أو تحيد بسبب الخمول الذهني، الشرود الذهني، التشتت أو الكسل. وأيضًا لا تزيحها أو تحركها المشاعر المزعجة، لذا هي ثابتة. هذه هي الدلالة الحقيقية لهذا المصطلح.

 مع الثبات الذهني يمكننا بالطبع أن نقوم تقريبًا بأي شيء، أليس كذلك؟ نوعية الثبات الذي نرغب في تحقيقه هو المتجاوز بنقاء الاستغراقات الأربعة عديمة الهيئة. الاستغراقات الأربعة عديمة الهيئة هي حالات نشوة تأملية عميقة، التي إذا تعلقنا بها، ستتسبب في إعادة ميلادنا في عوالم الوجود الأربعة المختلفة للكائنات عديمة الهيئة، العوالم عديمة الهيئة. هذا الثبات الذهني يتجاوز هذا بنقاء. مصطلح بنقاء يستخدم هنا بمعنى أن هناك أربعة عوالم عديمة الهيئة ملوثة بعدم الوعي، بالجهل وبالتالي فهي غير نقية. نحن نرغب في نوعية الثبات الذهني النقي، المتجاوز لهذا، غير المختلط بعدم الوعي أو الارتباك.

ما الذي نرغب في أن نكون قادرين على التركيز عليه بهذا الثبات الذهني؟ ما هي الحال الذهنية التي نرغب في تحقيقها والتي سيكون فيها هذا الثبات الذهني؟ هي حالة ذهنية تُدمج، أو تمزج بين حالتي الفيباشيانا والشاماتا، إذا رغبنا في استخدام المصطلحات السنسكريتية. حالة هدوء وثبات الذهني هي الشاماتا والإدراك الاستثنائي هو حالة ذهن الفيباشيانا. ما هي حالة الهدوء والثبات الذهني؟ هي تهدئة لكل الشرود الذهني، الخمول والكسل الذهني، وهي سكون الذهن بتركيز على نقطة واحدة المُثَبَّت شيء بنَّاء. تتسم بحس اللياقة، حالة من اللياقة المنتعشة للغاية جسديًا وذهنيًا، بحيث يمكن للذهن التركيز على أي شيء ويبقى مُثبتًا عليه طيلة الوقت الذي نرغب فيه.

كما اعتاد معلمي الرينبوتشي سيركونغ أن يقول، إنها مثل امتلاك طائرة خاصة ضخمة. إذا وضعتها على الأرض بقيت عليها، لكن عندما تطير في الهواء، تنطلق فورًا. هذا هو معنى حس اللياقة بأن الذهن بإمكانه التركيز والقيام بأي شيء نرغب فيه، ويبقى في هذه الحالة بطريقة ثابتة. الأمر مشابه بحس اللياقة لدى الرياضيين الذين تم تدريبهم جيدًا. على سبيل المثال، جسدهم من اللياقة بحيث يشعر بشكل جيد جدًا بأنه يمكنه القيام بأي شيء؛ يمكنه أن يعدو للأبد.

على أساس من هذا، يمكن للمتدرب أن يتقدم أكثر ويدمج هذه الحالة مع حالة الفيباشيانا، حالة البصيرة الاستثنائية للذهن. هي حالة ذهنية، والتي تمتلك بالفعل الشاماتا. هي بالفعل هادئة وثابتة، قادرة على التركيز على أي شيء، وبها، بالإضافة لهذا الحس السابق باللياقة، حسًا آخر باللياقة ناشئ عن القدرة على تلقي أو فهم أي شيء. ليس فقط الخلو، يمكنها فهم أي شيء. إنها حالة من اللياقة الكاملة، ويمكن للذهن بها أن يتلقى أو يفهم بكل التفاصيل، بكل عمق، أي شيء. نحتاج لأن ندرك أننا لن نصل لهذه الحالة من القدرة على الفهم إلاّ إذا كانت لدينا تلك الحالة من البصيرة الاستثنائية للفيباشنا، والمندمجة بشكل كامل مع حالة الشاماتا، والتي ستجعلنا قادرين حينها على الإزالة الكاملة، كما يقول توغمي زانغبو، للمشاعر والمواقف الداخلية المزعجة. عندما ندرك هذا، عندها سنسعى إلى تنمية الثبات الذهني مع هذه الحالة التي يندمج بها كلًا من الفيباشنا والشاماتا. هذا بالطبع متجاوز للاستغراقات الأربعة عديمة الهيئة، والتي فقط تبقينا عالقين في السامسارا.

(٣٠) تدريب البوديساتفا هو بناء الوعي التمييزي كعادة، والذي هو وأدواته خالين من مفاهيم المجالات الثلاثة، لأنه بدون الوعي التمييزي فإن المواقف الداخلية الخمسة الأخرى التي ستأخذنا بعيدًا لا يمكنها وحدها تحقيق الاستنارة الكاملة.

عادةً ما يُترجَم الوعي التمييزي إلى "الحكمة"، لكني أجدها كلمة غير دقيقة وغامضة. نحن نتحدث عن القدرة على التمييز بين الطريقة التي توجد بها الأشياء فعلًا والطريقة التي لا توجد بها.

نحتاج الوعي التمييزي مع أدواته. كلمة "أدواته" تشير إلى البوديتشيتا، والبوديتشيتا قائمة على الحب والشفقة. الوعي التمييزي بالخلو يمكنه أن يجلبنا لنا التحرر. يمكنه أن يخلصنا من المعيقات الشعورية التي تمنع التحرر -أي عدم الوعي، المشاعر المزعجة وميول كليهما. لكن، فقط عندما يكون لدينا هذا الوعي التمييزي مع البوديتشيتا فسيمتلك حينها القوة الكافية ليتمكن من اختراق المجموعة الثانية من المعيقات، وهي المعيقات الإدراكية التي تمنعنا من كلية المعرفة والاستنارة -أي العادة المستمرة للتشبث بالوجود المثبت فعليًا التي تتسبب في خلق الذهن لمظاهر الوجود المُثبت فعليًا. لذا فالبوديتشيتا مع الحب والشفقة هي الأدوات المذكورة هنا.

هذا النوع من الوعي التمييزي بحاجة لأن يكون بلا مفاهيم نظرية بشأن المجالات الثلاثة. تشير المجالات الثلاثة إلى الشخص الذي يتأمل، ما الذي يتأمل عليه، والتأمل ذاته، والمفاهيم النظرية هي بشأن الوجود المثبت فعليًا. نحن نرغب في تخليص أنفسنا من مفهوم الوجود المُثبت فعليًا للمجالات الثلاثة، علاوة على هذا، نرغب في أن يكون لدينا كامل هذا الفهم بشكل غير نظري. عندما يكون لدينا إدراكًا نظريًا لأي شيء، يقوم بإسقاط مظهر الوجود المثبت فعليًا، وحتى نصل للتحرر، نصدق في أن هذا متوافق مع طريقة وجود الأشياء. بعبارة أخرى، لدينا تشبث بالوجود المُثبت فعليًا، وبالتالي بناءً على العديد من وجهات النظر نحن بحاجة حقًا لاكتساب الإدراك غير النظري للخلو.

لماذا نحتاج لتنمية هذا الوعي التمييزي الذي سيحملنا بعيدًا؟ يقول توغمي زانغبو لأنه بدون الوعي التمييزي، فالمواقف الداخلية الخمسة الأخرى التي ستحملنا بعيدًا لن يمكنها أن تجلب لنا الاستنارة الكاملة. حتى مع البوديتشيتا الشائعة، أمنية الوصول للاستنارة لنفع جميع الكائنات، فقط التدرب على المواقف الداخلية الخمسة التي ستحملنا بعيدًا لن يكون كافيًا. يحتاجون جميعًا لأن يرافق كل منهم الوعي التمييزي بالخلو الذي سيحملنا بعيدًا.

أيضًا، الأمر الذي له أهمية كبيرة هنا هو أننا بحاجة لأن يكون لدينا هذا الوعي التمييزي بالمجالات الثلاثة، وليس فقط بشأن الشخص "أنا". وفقًا للهينايانا، نحتاج فقط لفهم أن الشخص، "أنا"، لا يوجد بطريقة مستحيلة بروح مستحيلة. بناءً للماهايانا، الوعي التمييزي لخلو "أنا" ليس كافيًا لتحقيق الاستنارة. نحتاج اكتساب الوعي التمييزي بخلو جميع الظواهر، والذي لا يدلَلُ عليه فقط بـ"أنا"، الشخص الذي يقوم بالتأمل، ولكن أيضًا ما نتأمل عليه، وفعل التأمل ذاته. بناءً على منظور براسانغيكا كما يؤكد تقليد الغيلوك، نحتاج حتى لهذا الوعي التمييزي للخلو بالمجالات الثلاثة لكي نحقق التحرر.

التدريب اليومي للبوديساتفا

تتعامل الأبيات التالية مع التدريب اليومي للبوديساتفا.

(٣١) تدريب البوديساتفا هو بالتفحص المستمر لخداع الذات ومن ثمة تخليص أنفسنا منه، لأننا إذا لم نتفحص خداعنا لأنفسنا، فمن الممكن بأفعالنا التي تظهر متوافقة (من الخارج) مع الدارما أن نرتكب ما هو غير متوافق مع الدارما.

كما ذُكر في نص "النقاط السبع لتدريب الذهن"، نحتاج لأن نجعل مرآة الدارما تواجه الداخل، وليس الخارج. نتفحص أنفسنا لنرى إذا ما كنا حقًا نتدرب على الدارما بشكل ملائم، وليست تواجه الخارج لنرى ما إذا كان الآخرون يتدربون بشكل ملائم.

ذات النص يقول أيضًا أننا بحاجة لنأخذ أنفسنا "كشاهد رئيسي"، لنشهد على ما إذا كنا نتدرب بشكل نقي أم لا. نحن فقط أفضل حكم على دافعنا الحقيقي، على ما يحدث حقًا بأذهاننا. من السهل جدًا أن يكون لدينا خداع الذات. نخدع أنفسنا لنفكر "أنا حقًا اتبع المسار البوذي"، أو "أنا حقًا تغلبت على أنانيتي"، وكل هذه الأنواع المختلفة من خداع الذات. لكن نحتاج لأن نتفحص هذا بحرص شديد، كما يقول توغمي زاغبو، ونخلص أنفسنا منه.

لإننا إذا لم نتفحص أنفسنا، من الممكن جدًا أن نتبع الدارما فقط من الخارج؛ على سبيل المثال، قد نقوم بالعديد من الانحناءات احترامًا للبوذات فقط كشكل خارجي، لكن في الحقيقة، من الداخل فهذا ليس دارما على الإطلاق. لأننا بشكل مماثل قد يكون ما نقوم به هو فقط بالآلاف من تمارين الضغط. عادةً ما نتأمل أو نقوم بمختلف تدريبات الدارما، ليس لأن قلوبنا موجهة لهذا، ولكن لأننا سنشعر بالذنب إذا لم نقم بها. هذا مثال جيد على كيف يمكن للدارما أن تتخذ شكلًا خارجيًا، لكن في الحقيقة نقوم بشيء ليس له علاقة بالدارما.

(٣٢) تدريب البوديساتفا هو بعدم التحدث عن أخطاء شخص آخر دخل إلى الماهايانا، لأننا إذا تحدثنا عن أخطاء الآخرين الذين هم بوديساتفات وكنا تحت تأثير المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة، سنتدهور.

الشخص الذي دخل الماهايانا يشار إليه بأنه يتدرب فعليًا على مسار البوديساتفا. إيجاد الأخطاء في شخص هو بالفعل بوديساتفا، هي حالة ذهنية نقوم فيها بالتقليل من البوديتشيتا وسلوك البوديساتفا وإيجاد الأخطاء فيهما. وهذا يُفسد سلوك البوديساتفا الخاص بنا، لأن لدينا موقفًا داخليًا سلبيًا تجاه سلوك البوديساتفا.

الجدير بالملاحظة هي النقطة التي تُذكر في البيت بأنه تحت تأثير قوة المشاعر والمواقف المزعجة، نتحدث عن أخطاء الآخرين الذين هم بوديساتفات. ذكر توغمي زاغبو هذا على وجه التحديد لأهميته. قد يكون هناك بوديساتفات ليسوا في غاية المهارة في انتقاء أدواتهم وبالتالي، بشكل ما، يعتبر هذا خطأ ويمكن بالطبع أن نقدم ملاحظات بنَّاءة، ونقترح كيف يمكن أن يكونوا أكثر مهارة. لكن، هذا شيء مختلف عما نتحدث عنه من إيجاد الأخطاء لأننا تحت تأثير المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة.

مع المشاعر المزعجة، يمكن أن يحدث هذا نتيجة للغيرة مما يقومون به أو لأننا نفكر فقط في سياق "أنا" كما في، "أنا لا أوافق على ما يقومون به، لأنني سأقوم به بشكل مختلف". قد يكون غرورًا، كما في "يمكنني القيام بالأمر بشكل أفضل مما يقوم به هذا الشخص". يمكن أن يكون غُفلًا، وفي هذه الحالة نحن ببساطة لا نفهم الأداة والنية طويلة المدى لهذا البوديساتفا ونفكر فقط بطريقة محدودة جدًا. قد يكون تعلق وغضب، كما في "أرغب في القيام بهذا، والآن قام هذا البوديساتفا به قبلي"، ونغضب منه. إنه في هذا السياق، كما يقول توغمي زانغبو، إذا تحدثنا تحت تأثير المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة عن أخطاء الآخرين الذين هم بوديساتفات، فنحن أنفسنا سنتدهور.

هذا لا يعني أنه ليس بإمكاننا تقديم ملاحظات بنَّاءة لشخص يحاول كبوديساتفا أن يساعد الجميع، إذا اعتقدنا أن هناك شيء أكثر يمكنهم القيام به. بالطبع، بشكل عام ليس من المفيد أن نقدم النقد الهدَّام ونتحدث فقط عن أخطاء الآخرين. لكن، هذا البيت قد يُساء فهم معناه بأن لا نصحح أبدًا لأي شخص أو نساعده إذا ارتكب الأخطاء. بعبارة أخرى، إذا كنا سنقدم اقتراحًا نقديًا، فيجب أن يتم هذا باحترام شديد، وبدافع مساعدة الشخص الآخر كي يساعد الآخرين أكثر. يتطلب هذا تواضع، وليس العجرفة. بالإضافة، نحتاج لأن نقدم اقتراحنا في الوقت الصحيح وفي الظرف الصحيح، وإلا الآخرين الذين سيستمعوا لنا قد يربكهم هذا.

(٣٣) تدريب البوديساتفا بأن نخلص أنفسنا من التعلق بمنازل الأقارب والأصدقاء والرعاة، لأنه تحت تأثير قوة (الرغبة) في الكسب والاحترام، سنتصارع سويًا، وأنشطتنا الخاصة بالاستماع، التدبر، والتأمل ستتراجع.

قد نلاحظ أن هذا ثالث بيت يتحدث فيه توغمي زانغبو عن ذات الموضوع. من الصعب للغاية عندما نبقى في منازل الأقارب والأصدقاء أو الرعاة، بعبارة أخرى، هؤلاء الذين يدعموننا ماديًا وما شابه، إذا كانت لدينا الكثير من المشاعر المزعجة. هنا، المشاعر المزعجة التي يشير إليها تحديدًا هي الرغبة في الكسب. في هذه الحالة، الحصول على الكثير من المال أو الاحترام من الراعي.

إذا، على سبيل المثال، كنا نحاول اتباع مسار البوديساتفا بينما نعيش مع عائلاتنا، ولا يحترمون ما نقوم به، أو حتى لا يرضون به، عندها إذا كنا متعلقين بتلقي احترامهم ورضاهم، ما الذي سيحدث؟ كما يقول توغمي زانغبو، سنتصارع مع الآخرين وأنشطة الاستماع، التدبر، والتأمل ستتراجع. لأننا نهتم للغاية برضاهم، سنتضايق بشدة.

را لوتساوا، مترجم تبتي عظيم، قال بأحد المرات، "نوعية التدرب على الدارما التي أقوم بها هي شيء وجهني معلمي للقيام به، وبالتالي حتى إذا لم يعجب بي أي شخص بسبب ما أقوم به، لا يهمني". بعبارة أخرى، نحن لا نقوم بالتدرب على الدارما من أجل الحصول على رضا الآخرين. عندما نعرف أننا نتبع المسار البوذي وفقًا لتوجيهات معلم مؤهل بالكامل، عندها لن يشكل هذا أي فارق. لا نحتاج لموافقة أو رضاء أي شخص آخر. نحن بحاجة حقًا لأن نكسر تعلقنا بهذا.

تُحكى هذه القصة عن الغيشي بِن كونغيال، الذي كان يتأمل في كهف بأعلى الجبال، وكان الراعي الذي يكفله قادم لزيارته. قام بإعداد طاولة تقديم الوهب، نظف غرفة التأمل، وجعل نفسه مهندمًا ونظيفًا، حتى يثير إعجاب الراعي ويستمر في الحصول على دعمه. ثم أدرك أن ما قام به كان مختلطًا بالاهتمام الدنيوي بشأن حصوله على الشهرة والاحترام، ولذا أخذ حفنة من التراب وألقاها على الهِبات. كان هناك معلم عظيم آخر يعيش بعيدًا للغاية والذي رأى ببصيرته الاستثنائية ما حدث وقال، "قدّم الغيشي بِن كونغيال الآن أنقى وهب في التبت". يشير هذا لذات النقطة التي يتحدث عنها البيت هنا.

(٣٤) تدريب البوديساتفا هو بأن نخلّص أنفسنا من اللغة القاسية المثيرة لاستياء أذهان الآخرين، لأن الكلمات القاسية تزعج أذهان الآخرين وتتسبب في انحدار طرق سلوك البوديساتفا.

إذا صِحْنا على أحدهم أو أطلقنا عليه أسماء سيئة وما شابه، هذا بالتأكيد سيثير الاستياء لديه. لا أحد يحب هذا وبالتأكيد سيزعج أذهان الآخرين. إذا، كبوديساتفات، نحاول أن نجعل الآخرين سعداء ونساعدهم على الوصول إلى راحلة البال، أن نزعج أذهانهم بالكلمات القاسية لَهُوَ النقيض لما نحاول القيام به، لذا يؤدي هذا إلى تدهور سلوك البوديساتفا.

عندما نتحدث عن اللغة القاسية، فهذا دائمًا يكون بنية سقيمة؛ نحن نرغب في إيذاء الشخص الآخر بهذه الكلمات. يكون علينا أحيانًا، بالطبع، أن نتحدث بقوة وبصوت عالٍ. على سبيل المثال، إذا كان طفلنا على وشك الجري للشارع حيث الكثير من السيارات، إذا لم نستطع أن نمسك به، عندها سنصيح عليه بصوت عالٍ في محاولة لإيقافه.

نحتاج أحيانًا أن نتحدث بطريقة قوية مع الآخرين من أجل نفعهم. على سبيل المثال معلمي الشخصي، الرينبوتشي سيركونغ -كان الاسم الذي يطلقه علي "أحمق"، أو "غبي". عندما قبلني كتلميذ شخصي له، ما طلبته منه هو، "رجاء درّبني، أنا الذي مثل القرد، لأكون أكثر مهارة في مساعدة الآخرين". كان هذا طلبي منه. عندما كنت أصغر سنًا كنت في غاية العجرفة، قادم من جامعة هارفرد وما شابه. أخذ الرينبوتشي سيركونغ طلبي بجدية شديدة ولم يفوّت أبدًا فرصة للإشارة عندما كنت أتصرف بشكل أحمق، والذي كنت أقوم به في أغلب الوقت. على سبيل المثال، لم يمتنع أبدًا عن القيام بهذا أمام جمع كبير من الناس إذا كنت أترجم وارتكبت خطأً. على الرغم من أنه قد يعتبر مناداته لي بكلمات مثل "أحمق" أو "غبي" لغة قاسية، كان يقوم بهذا بقدر كبير من الحب والشفقة لمساعدتي، ولم أغضب أبدًا.

هذا شيءٌ مختلفٌ تمامًا عما يتحدث عنه البيت من استخدام اللغة القاسية غير السارة لذهن الآخرين، لأن النية من هذا هو إيذاء مشاعر الشخص الآخر.

(٣٥) تدريب البوديساتفا هو أن يكون لديك جنود الحضور الذهني والتنبّه ممسكين بالأسلحة المضادة ليدمروا بقوة المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة مثل التعلق وما شابهه، عند أول بادرة لظهورها، لأننا عندما نتعود على المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة، يكون من الصعب حينها على المضادات أن تجعلها تتراجع.

يتماشى هذا البيت بشكل كبير مع تعاليم شانتيديفا. عادة ما نفكر في الحضور الذهني والتنبه كعاملين ذهنيين نستخدمهما في تنمية التركيز، لكن يقوم شانتيديفا بشرحهما في سياق تنمية الالتزام الذاتي الأخلاقي. هما موجودان  في الفصول الخاصة بهذا الموضوع، ومرة أخرى لدينا تشبيه الجيش المحارب في معركة. في الحقيقة، نحن نخوض معركة ضد المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة، التي تتسبب لنا في التصرف بشكل هدَّام. الغضب والتعلق يتسببان في تصرفنا بطرق هدَّامة، لذا نحتاج لأن نستخدم جنود الحضور الذهني والتنبه.

الحضور الذهني هو الغراء الذي يتمسك بالتزامنا ولا يتركه. التنبه هو العامل الذهني الذي يشرف على هذا الحضور الذهني ليتأكد من أنه لم يفقد تمسكه أو يتشبث بشدة زائدة. هما يتمسكان بالأسلحة المضادة. في العموم، يمكننا أن نفكر في الالتزام الأخلاقي كمضاد، لكن هناك مضادات أخرى أيضًا. على سبيل المثال، مضاد الغضب سيكون الحب، أو إذا كنا متعلقين بجمال الجسد، نفكر في عدم نقاء الجسد والمواد الداخلية للمعدة والأمعاء. التنبه هو مثل نظام الإنذار الذي ينطلق عندما يكون هناك شيء خاطئ في تمسك الحضور الذهني، الغراء الذهني. عندها في الحقيقة، التنبه هو الذي يأتي ويعيد توطيد الحضور الذهني. إنه التنبه الذي يعيد توطيد طرق أكثر فائدة في النظر لشخص. نحن ننتبه للشيء بطرق مختلفة. بعبارة أخرى، بدلًا من الانتباه للشيء بغضب، ننتبه له بحب.

نحاول أن نُدرك عندما يكون تمسكنا بالالتزام الأخلاقي والحالات الإيجابية للذهن ضعيفًا. نرغب في تصحيحها بمجرد أن تبدأ المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة في التسلل إلى حالتنا الذهنية وتحاول أن تسرقها، كما يقول شانتيديفا. نحاول أن نقوم بهذا بأسرع ما يمكننا، لأنه، كما يقول توغمي زانغبو، إذا تعودنا على المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة، إذا تركناها تجمح وتستولي على حالتنا الذهنية ولم نفعل أي شيء في مواجهتها، عندها سننخرط في عادة التفكير فقط بطرق هدَّامة مع هذه المشاعر المزعجة. عندها يكون من الصعب للغاية للقوى المضادة أن تجعلها تتراجع، أو تختفي. لذا نحتاج لأن ننتبه لأذهاننا سريعًا ما أن تبدأ بالانحراف عن الالتزام الأخلاقي. عندها يمكننا أن نصححها بشكل أكثر سهولة.

إنه مثلما نتعلم لغة جديدة. في البداية قد لا نعرف كيف ننطق الكلمات بشكل صحيح. يحدث هذا عادة للأشخاص الذين يدرسون اللغة التبتية، على سبيل المثال، وينمون عادة نطقها بشكل خاطئ تمامًا. عندما تصبح هذه عادة قوية، يكون من الصعب جدًا تصحيحها. لكن إذا تمكننا من تصحيحها من البداية، عندها عندما نبدأ في النطق بشكل خاطئ، سنكون قادرين على تصحيح نطقنا بشكل أكثر سهولة.

البيت السادس والثلاثون ملخص لما نحتاج القيام به لاتباع مسار البوديساتفا. كتب توغمي زانغبو:

(٣٦) باختصار، تدريب البوديساتفا هو (بالعمل على) تحقيق أغراض الآخرين عبر الحيازة المستمرة للحضور الذهني والتنبه لمعرفة ما هي حالة أذهاننا، بغض النظر عن أين أو أي مسارًا نتخذه بسلوكنا.

هذا مشابه للغاية لنصيحة شانتيديفا التي أعطاها في ملخصه. كيف نعمل على تحقيق أغراض الآخرين، أو مساعدة الآخرين؟ نحتاج لأن نكون دائمًا حاضري الذهن ومنتبهين. يثبت الحضور الذهني على الالتزام، الحب، الشفقة، والبوديتشيتا. التنبه، نظام الإنذار يساعدنا في معرفة ما إذا كنا نُفلت قبضنا عن الالتزام الأخلاقي، الحب، وخلافه، حتى نقوم بتصحيح هذا.

بهذه الطريقة، نحتاج لأن نتفحص، بغض النظر عن مكاننا، بغض النظر عما نقوم به، لنعرف ما الذي يحدث بأذهاننا. يقول أتيشا، العلامة الهندي العظيم السابق على توغمي زانغبو، في البيت الأخير من كتابه أكليل جواهر البوديساتفا:

(٢٨) عندما أكون بين الكثيرين، دعوني استمر في تفقُد حديثي؛ عندما أبقى وحدي، دعوني استمر في تفقُد ذهني.

هذه فكرة مشابهة لما لدينا هنا.

(٣٧) تدريب البوديساتفا هو، مع الوعي التمييزي للنقاء الكامل للمجالات الثلاثة، أن نكرس للاستنارة القوى البناءة المُدركة عبر جهود مثل هذه، من أجل إزالة معاناة الكائنات الهائمة غير القابلة للحصر.

يتحدث هذا البيت عن التكريس. عندما نقوم بتكريس أيًا كانت القوى البنَّاءة أو الإيجابية التي نتجت عن سلوك البوديساتفا، نحتاج لأن نقوم بالتكريس بالوعي التمييزي بالخلو. يشار لهذا بالنقاء التام للمجالات الثلاثة. بعبارة أخرى، يتحدث هذا البيت عن خلو الشخص الذي يقوم ببناء القوى الإيجابية، الفعل الذي قام ببنائه، والقوى الإيجابية ذاتها.

كتب توغمي زانغبو أنه علينا أن نُكرسها للاستنارة، بما يعني أن نُكرس كل هذا من أجل الاستنارة لنزيل معاناة الكائنات الهائمة التي تعاني. الطريقة الملائمة للقيام بالتكريس تمت الإشارة إليها جيدًا بواسطة شانتيديفا في الفصل الأخير من كتابه، فصل التكريس في نص "الانخراط بسلوك البوديساتفا". لم يقم أبدًا بصياغة التكريس بطريقة، "ليتني أكون قادرًا على الوصول إلى الاستنارة حتى أتمكن من إزالة معاناة جميع الكائنات". لم يقم على الإطلاق بالتكريس فقط لنفسه. التركيز دائمًا لم يكن على "أنا"، كما في عبارة "ليتني أصل إلى الاستنارة حتى أتمكن من إزالة معاناة جميع الكائنات". هذا التكريس مختلط بالتشبث بالـ"أنا"، أليس كذلك؟

في فصل التكريس يقول شانتيديفا ببساطة، "ليت الجميع يحققون الاستنارة"، و"ليت معاناة الجميع يتم إزالتها"، "ليت هذا يكون سببًا في وصول الجميع للاستنارة، حتى لا يبقى هناك أحد يختبر معاناة إعادات الميلاد الأسوأ"، وما شابه. لذا فالأمر ليس له علاقة بـ"أنا" الشخصية، عندما يصبح البوديساتفا العظيم بوذا العظيم، الذي سيعمل على مساعدة الجميع.

هناك قصة تُروى في العديد من النصوص، حيث نذهب في رحلة مع بعض الأشخاص الأثرياء الذين لديهم كمًا هائلًا من حبوب القبح ليتناولوها أثناء الرحلة. يمكن أن نفكر بقافلة في التبت، على سبيل المثال. الذي سنرغب في القيام به هو أنه حتى إذا كان لدينا القليل من الحبوب، هو أن نضيفها لحقائب الحبوب. تختلط بحبوب الآخرين، وبالحبوب الخاصة بالرعاة، وبهذا، بشكل ما، نقدم مساهمة صغيرة لصالح الجميع.

بشكل مشابه، نقوم بإضافة القوة الإيجابية التي قمنا ببنائها، حتى إذا كانت صغيرة، لكم القوة الإيجابية الهائلة التي كرسها كل البوديساتفات لاستنارة الجميع. هم لم يقوموا بتكريسها لاستنارتهم الشخصية، لكنهم قاموا بتكريسها لاستنارة الجميع. عندما نضيف كميتنا الصغيرة من القوى الإيجابية لهذا المخزون الضخم من القوى الإيجابية لاستنارة الجميع عبر تكريسها بهذه الطريقة، عندها سيكون لها أثرًا عظيمًا.

علينا أن نكون في غاية الحذر خلال تدرب البوديساتفا الخاص بنا كي لا نخلطه بالانشغال المتمركز حول الذات كما في مثال، "ليتني -أنا، أنا، أنا- أكون قادرًا على الوصول للاستنارة. ليتني -أنا، أنا، أنا- أكون قادرًا على مساعدة الجميع". والأمر كذلك ليس، "ليت كميتي القليلة من الحبوب تحرر الجميع".

لهذا السبب فهم الخلو مع التكريس في غاية الأهمية، لذا يمكننا تجنب اختلاطه بتطرف التكريس بالانشغال بالـ"أنا" الراسخة.

الأبيات الختامية

باتباع كلمات الكائنات النقية ومعاني ما تم التعريف به بالسوترا والتانترا، والأطروحات، قد قمت بترتيب تدريبات البوديساتفا سبع وثلاثون (تلك)، لهؤلاء الذين يرغبون في التدرب على مسار البوديساتفا.

يُقر توغمي زانغبو بأنه لم يبتكر هذه المادة. لقد اتبع كلمات المعلمين العظام والمعنى الذي وجده في النصوص العظيمة. يمكننا أن نرى الكم العظيم من المادة الواردة هنا في السبعة والثلاثون تدريبًا المستمدين من نص "الانخراط بسلوك البوديساتفا" لشانتيديفا و"النقاط السبع لتدريب الذهن" للغيشي تشِكاوا، النصوص التي كتب توغمي زانغبو شروحات لها ولنصوص تدريب الذهن الأخرى.

ثم يستكمل:

لأن ذكائي ضعيف وتعليمي ضئيل، قد لا يكون هذا النص بصياغة شعرية ترضي واسعي المعرفة. لكن، لأنني اعتمدت على السوترات وكلمات الأنقياء، اعتقد أن تدريبات البوديساتفا (تلك) غير مُضَلِّلَة.

يعتذر توغمي زانغبو هنا عن صياغته الشعرية، حيث أن الأبيات مكتوبة بصياغة ذات وزن شعري. يقول بالأساس إنها قد لا تكون الأفضل، وأنه ليس ذكيًا أو ماهرًا، لكن مع ذلك، لأنه اعتمد على السوترات وكلمات المعلمين العظام مثل شانتيديفا وغيشي تشِكاوا، يقول، اعتقد أن تدريبات البوديساتفا تلك غير مُضَلِّلَة. بعبارة أخرى، هو غير مخطئ بشأن حقيقة أن هذه فعلًا هي تدريبات البوديساتفا.

ثم يستكمل توغمي زانغبو:

مع ذلك، بما أنه يصعب على شخص بليد البديهة مثلي أن يسبر غور البحار العظيمة لسلوك البوديساتفا، أرجو من الكائنات النقية أن تكون صبورة على أخطائي الكثيرة، مثل التناقضات، عدم وضوح الدلالات، وما شابه.

مرة أخرى توغمي زانغبو في غاية التواضع. يقول، "كيف يمكن لشخص بليد البديهة، ذو ذهن بسيط كذهني أن يفهم حقًا سلوك البوديساتفا الشاسع الذي يتدرب عليه البوديساتفات؟" يطلب من الكائنات العظيمة أن تكون صبورة عليه، على أي أخطاء قد يكون قد ارتكبها، مثل التناقضات. بعبارة أخرى، بكتابته عن تدريبات البوديساتفا، تقديم الأشياء بشكل قد يظهر فيه تناقضًا أو عدم وضوح الدلالة، أو ضعف في الصلة بين الأبيات، حتى يسهل فهمها، وما شابه.

ثم البيت الأخير:

عبر القوة الإيجابية الناتجة عن هذا، ليت جميع الكائنات الهائمة، عبر البوديتشيتا الشائعة والأعمق الساميتين، أن يصبحوا مماثلين للحامي أفالوكيتشفارا، الذي لا يَأْبُدُ بأيٍ من تطرفَيْ حالة الوجود القهري بالسامسارا أو حالة الاكتفاء بالذات بالنرفانا.

لاحظوا أنه لم يكتب، "ليتني أصبح مماثلًا للحامي أفالوكيتشفارا". هذا مشابه لما ناقشناه سابقًا، فيما له علاقة بالتكريس. يقول، "ليت الجميع يصبحون مماثلين للحامي أفالوكيتشفارا". بعبارة أخرى، ليت الجميع يصبحون مستنيرين عبر تنمية البوديتشيتا الشائعة والبوديتشيتا الأعمق الساميتين. هذه هي حالة أفالوكيتشفارا المستنير، والذي لا خَلَّدَ في تطرفَيْ السامسارا أو النرفانا، كما شرحنا من قبل.

ثم بيانات النسخ:

تم تأليف هذا النص في كهف رينتشِن بنغولتشو (مقاطعة في التبت) بواسطة الراهب الملتزم توغمي، معلم النصوص والمنطق، من أجل نفعه هو وجميع الكائنات.

بهذا نكون قد أنهينا التعاليم الخاصة بالتدريبات السبعة والثلاثون للبوديساتفا، للبوديساتفا العظيم توغمي زانغبو.

من المهم للغاية أن نحاول فعليًا وأن نضع هذا موضع التدرب بقدر استطاعتنا. يُنصح أن تُقرأ هذه الأبيات كتدرب يومي، وليس فقط بشكل آلي ولكن أن نستحضر معانيها بأذهاننا. قد نقضي بعض الوقت كل يوم لنركز على بيت بعينه. هذه أداة مفيدة لتبني هذه الأبيات حتى نصبح معتادين عليها، ونكون قادرين على تذكرها عندما نتعامل مع حياتنا. بهذه الطريقة، سنكون قادرين ببطء على وضعها موضع التطبيق.

الخلاصة

لنصبح بوديساتفات، أشخاص ذوو بوديتشيتا تلقائية -بقلبٍ وذهنٍ مكرسان بالكامل للوصول للاستنارة، لنكون في أفضل نفع لمساعدة جميع الكائنات في التغلب على المعاناة- نحتاج لأن نتبع مسارًا تدريجيًا للنمو. يوفر المسار المتدرج للاستنارة، لام ريم، هذه الطريقة. نحتاج بشكل خاص تحويل الظروف السلبية إلى إيجابية عبر التغلب على إيثار الذات، والتدرب على "المواقف الداخلية الستة التي ستحملنا بعيدًا". تقدّم التدريبات السبعة والثلاثون للبوديستفات فيهذا النص المختصر، الخطوط الإرشادية لكامل مسار البوديساتفا.

اِقرأ النص الأصلي لتوغمي زانغبو "التدريبات السبعة والثلاثون للبوديساتفا".

Top