هل هناك صعوبات خاصة للتدرب على البوذية في العالم الحديث؟
هل هناك أي شيء خاص في التدرب البوذي بالعالم المعاصر والذي يختلف عن التدرب البوذي في أي مكان آخر؟ بأي وقت كان؟ هل هناك أي شيء خاص بنا ؟ لماذا حتى سنهتم بمعرفة إذا كان لدينا مثل تلك الخصوصية؟
قد يكون هناك أسبابًا عديدة. قد يواجه البعض صعوبات يعتقدون أنها خاصة فقط بعصرنا الراهن، ويرغبون في معرفة كيفية التغلب عليها. آخرون قد يبحثون عن مبرر حتى لا يتدربون بجِد مماثل للآخرين بالأزمنة الأخرى؛ إنهم يبحثون عن مساومة، يرغبون في الاستنارة بأبخس الأسعار. بوضع تلك الدوافع جانبًا، دعونا ننظر بجدية أكثر عما إذا كان هناك أي صعوبات خاصة نواجهها أم لا.
إذا كنا منخرطين في المسار البوذي، أحد أكثر الأشياء الأساسية التي يجب علينا أن ننميها هي الوعي بأنه لا شيء على التحديد خاص بنا. على سبيل المثال، لا يمكننا أن ندعي أنه بالعصر الراهن في العالم الحديث، الناس يشعرون بالغضب، الجشع أو الأنانية أكثر ممن هم بأي مكان آخر في العالم، أو عن أي زمن سابق. في كل مكان بالكون، وعلى مر الزمن، عمل الناس مع ذات المشاعر المزعجة، لذا، لاشيء خاص يُميز "الآن".
ما مدى التغيير الذي طرأ؟
يجادل البعض بأن الظروف الحالية اختلفت. على سبيل المثال، حياتنا مُرهٍقة للغاية. نحن بالفعل دائمًا في غاية الانشغال. حسنًا، هل كان الفلاح المكافح في العصور الوسطى أو الهند القديمة، الذي كان يعمل أكثر من ستة عشر ساعة في اليوم، أقل انشغالًا منَّا, ونحن نعمل في المكتب؟ قد تكون الأنشطة ذاتها اختلفت، لكنها بالتأكيد بنفس القدر من الانشغال. ماذا عن سكاني الكهوف؟ بالتأكيد كان قلقين ومضغوطون نفسيًا للغاية بسبب الحيوانات المتوحشة، العثور على الطعام وما شابه. هم أيضًا كان لديهم الكثير من المخاوف من أشياء مثل البرق والرعد، وأشياءً أخرى لم يفهموها. لقد عاش الناس دائمًا في خوف وقلق، أليس كذلك؟
ماذا عن الطاعُونٌ الدَبْلِيّ؟ نحن نعتقد أن لدينا ضغوطًا ومخاوف الآن، لكن هل يمكنك أن تتخيل حياتك بذاك الوقت؟ لذا، لا أعتقد أننا نستطيع أن ندعي أن ما يميز عصرنا الراهن هو الانشغال والضغوط. قد يكون تنوعًا مختلفًا من الضغوط، تنوعًا مختلفًا من الانشغالات فيما له علاقة بنوعية الأنشطة التي ننخرط بها. لكن الضغوط و المخاوف ليست مقيدة بزمان؟ إنها موجودة بكل زمان ومكان.
يمكن أن نقول أن مجتمعنا وثقافتنا لا تشارك أي، أو أغلب الافتراضات الأساسية الموجودة بالبوذية. لذا، البوذية بالفعل غريبة عن ثقافتنا. لكن يمكننا أن ننظر لانتقال البوذية للصين على سبيل المثال، لم يكن الصينيون يصدقون في إعادة الميلاد. كانوا يعتقدوا بأن الناس عندما تموت تتحول لنوعٍ من الأشباح أو الأرواح، وكانوا يعبدون هؤلاء الأسلاف. هذا أمر مختلف تمامًا عن إعادة الميلاد، والتي ستقول أن الأسلاف لم يعودوا موجودين بعد الآن. لذا فقد أحتاج الصينيون لفترة طويلة حتى يفهموا العديد من تلك المفاهيم البوذية الأساسية. عندما نواجه الآن ذات التحدي، فهذا ليس بالشيء الجديد.
من المفيد للغاية أن نُدرك أننا لسنا "حالة خاصة". بالتفكير في المراهقين أو الأشخاص الذين لديهم مشكلة محددة، مثل أن يكون والديهم مدمني كحوليات أو ما شابه. عادة ما يفكرون أنهم الوحيدون الذين لديهم تلك المشكلة، وعندها يصبح الأمر عبئًا ضخمًا عليهم. إذا عرفوا أن هناك الكثيرين ممن لديهم ذات مشكلتهم، عندها لن يكونوا وحيدين. لن يشعروا بالوحدة وسيشعرون بأن تلك المشكلة ما هي إلا جزء من حالة أكبر. هذا سيوفر منظور مختلف الذي قد يؤدي إلى الوضع الأمثل لتنمية الشفقة تجاه من لديهم مشكلة مماثلة بدلًا من التفكير بطريقة "أنا، أنا، أنا".
لذا، فيما له علاقة بإتقان التدرُّب البوذي اليومي، سنرى أن مشاكل الجميع متشابهة: كيف نطبق التعاليم البوذية للتعامل مع تجارب الحياة؟ هذه ليست المشكلة "الخاصة بي" وحدي، لكن هو أمر يتعلق بكل من هم مهتمون بتعلم الأدوات البوذية.
تعدُد الاختيارات
على الرغم من هذا، لا يمكننا إنكار أن هناك بعض التحديات الخاصة نتيجة لحياتنا في العصر الحديث. في الماضي، المشكلة التي واجهت الناس هي قلة الطعام والمعلومات. قبل أختراع آلة الطباعة، كان نسخ أحد النصوص البوذية باليد أحد أفعال الكرم شديدة الإيجابية. أنت جعلت نسخة نادرة وقيمة متاحة للآخرين ليقرؤونها ويدرسونها. حتى توفير الورق والحبر كان إنجازًا هائلًا. حاليًا، يمكننا فقط نشر النص أو الرابط الخاص به على صفحة الفيس بوك!
التحدي الفريد الذي أمامنا هو أننا لدينا الكثير من الطعام والمعلومات المتوافرين. كيف نختار ما هو صحيح لنا ؟ كيف نُميز عندما يكون هناك ثلاثمئة "صنف" من البوذية؟ هذه مشكلة كبيرة، لكن ليس هناك إجابة سحرية. لا يعني ظهور المعلومة كأول نتيجة للبحث بشبكة المعلومات أنها الأفضل أو أنها ستلائم احتياجات الجميع. علينا أن نستخدم ذكائنا، تمييزنا وصبرنا لنرى ما هو الأفضل لنا. لنقرر ما هو ملائم لنا، نحتاج أن نجرب لنرى بأنفسنا.
البوذية الرائجة
لنفترض بعد فترة من التجربة، أخترنا التقليد، المركز والمعلم البوذي الذي سندرس معه. عندها يواجهنا أمر آخر: هناك العديد من مستويات التدرب البوذي، وعدد هائل من الطرق والتي بها يمكننا تطبيق البوذية في حياتنا اليومية. كيف نبدأ؟ هناك مستويات سطحية للغاية، والتي لن تؤدي لحدوث تغير داخلي كبير. ثم هناك المستويات الأعمق، والتي بها نعمل حقًا على أنفسنا، بهدف أدنى وهو تحسين جودة حياتنا وتجنب جعلها أسوأ. سواء كنا سنتوجه لهدف التحرر أو الاستنارة فهذا يعتمد على كيفية نمونا. ليس بإمكاننا استهداف هاذين الهدفين الساميين من البداية. أغلبنا حتى لم تكن لديه أدنى فكرة عن معنى التحرر والاستنارة.
في البدء، ينجذب العديدون للمستويات السطحية، ولذا يتعاملون مع ما هو خارجي. أعني بذلك الحصول على خيط أحمر ووضعه على الرقبة أو المعصم، أو الاثنين! سيرتدون مسبحة، وأحيانًا سيتمتمون بأشياء بينما يستخدمونها. لديهم مخزون جيد من البخور والشموع، وكل وسادات التأمل الملائمة، رسومات وصور تبتية، ولربما في النهاية، يبدأون حتى في ارتداء بعض أنواع الملابس التبتية. يجلسون بِهَيْبَة شديدة فيما يقارب جلسات هوليوود، ولكن ليس لديهم أدنى فكرة عما يجب عليهم القيام به.
أتذكر عندما ذهبت للهند أول مرة عام 1969. كانت هذه قمة عصر الهبي وكان هناك قلة من الغربيون هناك بهذا الوقت. لكن العديدين منهم ارتدوا بالكامل الملابس والأردية التبتية الغريبة، والتي أتذكر أنها كانت موضع انتقاد مني حينها. كنت أعتقد أن هذا مسيئًا إلى حد ما للتبتيين حيث يقوم أولئك الغربيون بمحاكاتهم. ثم سألت الراهب التبتي الذي كنت أعيش معه، ماذا يظن بهؤلاء الغربيين المتجولين بكل مكان مرتديين الملابس التبتية. أمدني بإجابة مفيدة للغاية، "نعتقد إنهم يحبون الملابس التبتية". لم يكن هناك أدنى حكم عليهم.
سواء انتقدنا ذلك أم لا، فقط تغيير الملابس أو ارتداء المسبحة والعديد من الخيوط المُبارَكة، لن يغيرنا كثيرًا، أليس كذلك؟ داخليًا لن تقوم بأي شيئ. إنها لا تجلب المزيد من "البركة". تدربنا البوذي يجب أن يكون داخليًا.
التغيير الشخصي
سواء في المجتمعات البوذية التقليدية أو المجتمعات غير البوذية، ما يتطلبه التدرب البوذي هو أن نعمل على أنفسنا. علينا أن نغير أنفسنا، وهو أمر لن يحدث عبر الطقوس. من السهل تعلم كيفية القيام بالطقوس وترديد عبارات غريبة بلغة أجنبية لا نفهمها تمامًا. لكن هذا لن يغيرنا. سنظل نغضب ونتعلق، وسنظل في حالة عدم وفاق مع والدينا. يقول قداسة الدالاي لاما دائمًا أن ممارسة تلك الطقوس دون أدنى فكرة عما تقومون به لن تصل بكم لأي شيء.
نغارجونا، آرياديفا، وكل المعلمين الهنود العظام قالوا أن التدرب البوذي يتعلق بترويض الذهن. هذا يعني أولًا أن ندرس التعاليم، أدوات كيفية التعامل مع المشاعر المزعجة والمواقف المثيرة للمشاكل، وكيف نحلل الخبرات المختلفة التي لدينا. بمحافظتنا على اليقظة، سنظل متذكرين للتعاليم ونطبقها كيفما وأينما احتجنا إليها. بهذه الطريقة، ستساعدنا التعاليم والأدوات على التغلب على أقل تقدير على مشاكل الحياة العادية، مثل الغضب، القلق، والعصبية، المرض، الشيخوخة ومشاكل العلاقات – كل تلك الأمور، وأكثر.
لذا، علينا أن نعمل على، ونطور، شخصياتنا ومواقفنا الداخلية تجاه الحياة لنغير أنفسنا. هذا يتطلب قدرًا هائلًا من العمل وهو أمر ليس من السهل القيام به. نحتاج أن نكون صبورين، شجعان، ومثابرين. الميل الذي لدينا في مجتمعاتنا المعاصرة هي أننا نرغب في الأشياء بثمن بخس، سهل، وقبل كل شيء، نرغب بها بشكل سريع. نرغب في الحصول على جميع التعاليم في الحال. نرغب في أكتساب كل الأشياء الرائعة التي نقرأ عنها، التي حازها بوذا والأشخاص المستنيرين، بأقل جهد بقدر الإمكان.
تقدير قيمة التعاليم
مع ذلك، تحقيق التغيير الداخلي يتطلب تلقي التعاليم، والحصول على التعاليم في الدول غير البوذية يتطلب المال. هذه أحد النقاط الصعبة والفريدة من نوعها إلى حد ما في تاريخ البوذية. عادة، أنت لن تدفع أي شيء للحصول على التعاليم. تقوم بشكل طوعي بتقديم تبرع إذا رغبت، لكنه لم يكن إلزاميًا أبدًا أن تدفع على الباب للحصول عليها.
مع ذلك، في الدول غير البوذية، إذا أردنا المعلمين والمُنْشَآت، فهذا يحتاج أن يتم دعمه ماديًا إما بشكل طوعي أو عبر دفع رسوم. هذا على المستوى العملي. على المستوى الأعمق، إذا أردت أن تتلقى شيئًا ثمينًا، أي التعاليم، عليك أن تضع قدرًا كبيرًا من الجهد ولعمل للحصول عليها؛ وإلا فلن تقدر وتُثَمَّنَ قيمتها.
تاريخيًا، من أجل دعوة المعلمين للتبت، لم يكن على التبتيين فقط السير إلى الهند لدعوتهم، لكن كان عليهم أيضًا جمع كل أنواع الموارد لهذه الرحلة ولأجل الهبات. كانوا يضعوا قدرًا هائلًا لا يصدق من الجهود للحصول على التعاليم. كان عليهم القيام بتضحيات ضخمة لِاِسْتَقْدَامَهُمْ. أنظروا ماذا فعل ماربا بميلاريبا حتى يتيح له التعاليم. لذا بشكل ما، إذا كنا حقًا نرغب في التعاليم، عندها نحتاج أن نبذل بعض الجهد، على سبيل المثال نجمع بعض المال، أو نسافر للهند أو لمكان تتاح به التعاليم.
الآن الأمر أسهل. هنا في لاتفيا، عشتم تحت حكم الاتحاد السوفيتي ولم يكن باستطاعتكم السفر لأي مكان. الآن التعاليم متوافرة وكأعضاء بالاتحاد الأوربي، أنتم أحرار تمامًا لتسافروا. لذا عليكم انتهاز تلك الفرصة ولا أن تنتحبوا "لا شيء متاح هنا حيث أعيش". لا أقصد أن أكون قاسيًا، لكن إذا كنا جادين في تغيير أنفسنا، فهذا يتطلب التزامًا. يجب أن يصبح الأمر أولوية في حياتنا. نحتاج لجراءة وشجاعة وطاقة للقيام بأي فعل، أو أي شيء آخر ضروري، للحصول على الظروف المُثلى للدراسة والتدرب.
أن نكون أمناء وواقعيين بشأن التزامنا بالتدرب على الدارما
إذا لم نكن جادين بهذا القدر، فلا بأس. لكن يمكننا أن نُقِّر بأن: “أرغب في أن أتعلم قليلًا عن البوذية. لربما تستطيع مساعدتي في حياتي، لكن ليس بنيتي تغير محل أقامتي إذا كانت الظروف حيثما أعيش ليست بالأفضل. هذا الأمر ليس بقمة أولويات حياتي، هناك أشياء أخرى أكثر أهمية لي". إذا كانت هذه هي حالتنا، فلا بأس. لكن لا يمكن أن نتوقع أن نحصل على النتائج التي قد نحصل عليها إذا وضعنا كامل وقتنا وجهدنا. كونوا واقعيين. القليل من الجهد سيجلب القليل من النتائج. الكثير من الجهد والوقت، سيجلب نتائج أكبر.
في الغرب، يبدوا أن الغالبية تفضل التدرب كأشخاص عاديين، ليس كرهبان أو راهبات، والذي هو مختلف قليلًا عن البوذية التقليدية. بسبب هذا، بدلًا من أن يكون لدينا أديرة، لدينا مراكز الدارما. لم يكن هناك شيئًا كهذا قبل بداية نمو البوذية في الغرب.
ما الذي نتوقع تحقيقه من الذهاب لمركز الدارما؟ إذا ذهبنا مرة في الأسبوع بعد العمل، ونحن مرهقون، نصف الوقت نغني أغاني بالتبتية دون أن نفهم حقًا ما الذي يحدث، ما النتائج التي نتوقعها من هذا؟ ليست بالكثير. المحزن بالفعل أن معظم مراكز الدارما ليست حتى بنادي اجتماعي مثلما في الكنائس. سواء في المسيحية، اليهودية أو الإسلام، يبدوا أن هناك حسًا بالجماعة، المجتمع. إذا كان شخصًا مريضًا أو لم يظهر لفترة، يسأل عنه الآخرون ويتصلون به ويجلبوا له الطعام. هذا يبدو مفقودًا بمراكز الدارما. يأتي الناس، يقومون ببعض التأمل، لربما طقس للوهب، وهذا كل شيء. سمعت شكاوى من أناس تقول، "ما الذي تدور حوله البوذية؟ لقد كنت مريضًا وفي المستشفى، ولا أحد أتصل بي أو زارني؛ لا أحد أهتم".
إذا كان تدربنا البوذي اليومي يعني أن نذهب للمركز للقيام بالبوجا أو التأمل، ثم نذهب لمنازلنا، لكن لا نهتم حتى بالآخرين الذين هم جزء من المركز، فما هذا؟ نجلس للتأمل قائلين، "أقوم بهذا من أجل جميع الكائنات؛ ليت جميع الكائنات تكون سعيدة...” لكن عندما يكون أحدهم مريض لا نهتم أو نخصص وقتًا لزيارته. هذا غير ملائم. إذا كان تدربنا على البوذية بهذه الطريقة، عندها هناك شيء خاطئ. يمكن أن نصبح ضيقين أو منحسرين في تدربنا بالقيام بالبوجا والتأمل، دون أن نفكر على المستوى الاجتماعي في مساعدة هؤلاء من بالمجموعة. الانخراط البوذي، وهي المبادرة التي بدأت في تايلاند، هي شيئ نحتاجه حقًا في مجتمعاتنا المعاصرة. على سبيل المثال، هناك بالفعل ببعض المراكز البوذية برامج للسجناء. بعض المتطوعين يذهبون للسجن لإعطاء بعض دروس الدارما للمساجين، وهو أمر عظيم. لكنه في الحقيقة غير كافي إذا كنا فقط نقوم بهذا دون أن نقوم بزيارة شخصًا مريضًا.
إظهار الطيبة الإنسانية الأساسية
أن يكون الشخص بوذيًا فهذا لا يعني أن يكون فقط شخصًا طيبًا. بالطبع نحتاج أن نكون أشخاصًا طيبين، هذا أساسي، لكن هذا ليس أمرًا حصريًا فقط في تعاليم بوذا. أنت لا تحتاج حتى أن تكون متدين لتعرف أنه من المهم أن تكون شخصًا طيبًا، لذا، في حياتنا اليومية علينا محاولة مساعدة الآخرين، إذا لم نستطع مساعدة الآخرين، فعلى الأقل لا نؤذيهم؛ هذا هو الحد الأدنى الأساسي. إذا أردنا أن نقول أن هذا هو تدربنا البوذي، فلا بأس بهذا. لكن علينا أن نفهم أن هذه هي نسخة مبسطة جدًا من البوذية.
على الرغم من إنها نسخة مبسطة، لكنها ضرورية جدًا. نحاول ألا نغضب من الآخرين وإذا حدث، نعتذر بسرعة بقدر الإمكان. نحاول أن نكون أقل أنانية وأكثر حساسية تجاه أحتياجاتهم وتأثير سلوكنا عليهم. إذا كنا نمارس التجارة، نحاول أن نكون أمناء. إذا كنا نتعامل مع عملاء، نحاول أن نتذكر إنهم بشر مثلنا وأنهم يُحبوا أن يُعاملوا بلطف، وليس بشكل متعجل أو فظ. أخر عميل في اليوم يستحق ذات الاهتمام، الرعاية واللطف كأول عميل.
كل هذا هو ما يشير إليه قداسة الدالاي لاما بمسمى "القيم الإنسانية الأساسية"، قيم ليست قائمة على أي فلسفة أو ديانة بعينها. نحتاج أن نطبقها ليس فقط مع الغرباء، والذي هو أسهل قليلًا لأننا نراهم لدقائق معدودة ولا نحتاج للتعامل معهم بعد ذلك. التحدي الحقيقي هو تطبيق تلك القيم عندما نكون مع أعضاء أسرتنا أو الأشخاص الذين يعيشون معنا ومن بالعمل. لا نتجاهل هؤلاء من هم الأقرب لنا.
دعوني أشارككم بمثال من خبرتي الشخصية. عندما كانت أمي لا تزال على قيد الحياة كنت أزورها , كانت تحب أن أشاهد معها التلفاز في المساء. كانت تحب بشكل خاص برامج المسابقات وتشجعني على أن أجيب على الأسئلة، مثل، "كم تكلف هذه الثلاجة؟" في تلك المواقف، علينا أن نكون صبورين وكرماء، لا أن نجلس فقط، مَلُولين، نُغمغم ترديدات المانترا بصوت غير مفهوم مع طقطقة ظهورنا للخلف دليل على الملل، قائلين لأنفسنا "ما هذا السؤال الغبي! مَن يهتم كم سعرها؟" حاول الإجابة على السؤال، بغض النظر عن سخافته. محاولة الإجابة على أسئلة كهذه كانت طريقتها في المحافظة على ذهنها نشطًا بعمرها المتقدم هذا، وإظهار دعمي لما كانت تقوم به كان في الحقيقة تصرفًا قائم على الطيبة والكرم الإنساني الأساسي.
كيف نجعل البوذية طريقة حياة
إذا رغبنا في التدرب على البوذية في مجتمعاتنا المعاصرة، عندها، نحتاج لأن نعمل أعمق من مجرد العمل على أنفسنا لنكون أشخاصًا أكثر طيبة. لهذا، تقدم البوذية أطيافًا شاسعة من التدريبات التي تلائم تنوع الذهنيات والقدرات. هذا يشمل كلًا من الدراسة والتأمل. لا شيء فريد في أن يكون الشخص آسيويًا أو أوربيًا. مع ذلك، الشيء الأساسي هو أننا نحتاج أن ندمجهما في حياتنا اليومية بغض النظر عما ندرسه أو نتأمل عليه. نحتاج أن نجعل تدربنا البوذي طريقتنا في الحياة.
نبدأ بتوليد النية بيومنا عندما نستيقظ. ما هو دافعنا؟ نتذكر ما هو هدفنا وما نقوم به في حياتنا، ثم نولد النية على السعي لتحقيق هذا بالفعل. عندما نستيقظ، عادة ما تكون، "يا طالعي الحسن أني لم أقضي نحبي أثناء نومي، وكم هو رائع أن لدي الآن اليوم بطوله حيث أستطيع أن أعمل قدمًا على المسار البوذي". أن يكون لدينا هذا النوع من الأفكار عند استيقاظنا لهو أفضل من، "ياااه، أمامي يوم أخر!”
نفعل نفس الشيء عندما نذهب لفراشنا بالمساء. بدلًا من التفكير في، "يالا حسن حظي أن اليوم انتهى. لا أستطيع الانتظار حتى أغرق في حالة انعدام الوعي"، نحن نفكر في "لا أستطيع الانتظار حتى أستيقظ غدًا لأكمل". ما يلخص هذا حقًا هو "الملجأ". لا أستخدم هذه الكلمة كثيرًا لأني أعتقد أن ما نتحدث عنه بالفعل هو أن يكون لدينا توجه في حياتنا. هذا التوجه بَيِّنَهُ البوذات، تعاليمهم وتحققاتهم الشخصية، والمجتمع الروحاني الذي أتبعهم. هذا هو التوجه الآمن الذي يحمينا من المعاناة.
إذا كان لدينا توجهًا في حياتنا ذو معنى وغاية، فهذا يساعدنا بشكل هائل. نحن نعمل من أجل أن نُخلص أنفسنا من الارتباك والحالات الذهنية المزعجة وأن نحقق كل إمكانياتنا الإيجابية. معنى أن نضع هذا التوجه لحياتنا هو أننا نحاول إتباع خطوات بوذا ومجتمعه الروحاني. حتى بالقيام بخطوة صغيرة بهذا الاتجاه، سنجد الأمر مجديًا للغاية. لكن علينا التأكد من هذا عبر تحليلنا المتأني واختبارنا له. قال بوذا ألا نقبل أي شيء قاله فقط بالإيمان. كمتدربين من مجتمعات غير بوذية، لربما سنُقدِّر بسهولة أكثر المدخل العلمي الذي علمه بوذا. يجب علينا المحافظة دائمًا على موقف نقدي.
توجهنا في الحياة هو شيء يجب أن يتم إدماجه بعمق شديد. القيام بهذا هو في الواقع هو ما يجعلنا بوذيين. مجرد أن نكون أشخاص لطفاء لن يجعلنا بوذيين. يتطلب الأمر اقتناع كامل بإمكانية تحقيق ما نسعى لتحقيقه. إذا اعتقدنا إنه ليس من الممكن التغلب على نقائصنا وتحقيق إمكانياتنا الإيجابية، عندها فما الهدف من محاولة تحقيق هذا الشيء الخيالي؟
في البدء، لن نقتنع بالتأكيد بإمكانية تحقيق أيٍ من الأهداف البوذية الروحانية. قد يكون لدينا إيمان بمعلم ذو شخصية مُلهمة أو حتى بناء على نوعٍ من التفكير الانتقائي. الأمر يتطلب جهدًا حتى نصبح مقتنعين أنه ممكنًا بالفعل تحقيق تلك الأهداف، خطوة بخطوة، وعندما تقومون بذلك، ستضعون كامل عزمكم وطاقتكم لتحقيق تلك الأهداف.
كبوذيين ذلك جزء من عملنا. من المهم للغاية والمفيد حتى يُصبح التوجه الذي اتخذناه ثابتًا أن نبدأ يومنا بإعادة التأكيد على نيتنا. ننهي يومنا بالتكريس واستعراض ما قمنا به أثناء اليوم، وكيف تصرفنا. إذا كنا غضبنا أو ما شابه، نعترف بهذا، نندم عليه، ونُنقيه. أيًا ما كان الشيء الإيجابي الذي قمنا به، نكرسه لتحقيق الأهداف الإيجابية التي لدينا. العلَّامة التبتي العظيم تسونغكابا قال أن نيتنا بحاجة لأن نستحضرها طوال اليوم، وليس فقط في بدايته ونهايته. هذا يعني أن نحاول تذكير أنفسنا بها أثناء اليوم.
المُعلم الفيتنامي المعاصر تك نيت هان لديه طريقة جميلة لهذا. لديه "جرس اليقظة" الذي يدق في أوقات عشوائية أثناء اليوم، يتوقف الجميع عند سماع صوت الجرس للحظات لاستعادة يقظتهم بنيتهم. أحد تلاميذي قام ببرمجة هاتفه الجوال ليقوم بالرنين في أوقات مختلفة أثناء اليوم. لذا، فهناك أدوات مختلفة يمكننا أستخدامها لتساعدنا على تذكر دافعنا، إذا كان هذا شيئًا لا يتأتى لنا تلقائيًا.
يؤكد دائمًا قداسة الدالاي لاما أن أكثر ما نحتاجه هو ما يطلق عليه "التأمل التحليلي"، والذي بمستوانا الحالي هو التفكير مرارًا في التعاليم، كيف هي ذات علاقة بحياتنا الراهنة وخبراتنا. مثالًا على ذلك سيكون بتحليل لماذا لدينا مشاكل مع هذا الشخص بالعمل. كيف يمكنني أن أتعامل مع تلك المشاكل؟ نحتاج أن ننمي الصبر. ما هي التعاليم المتعلقة بالصبر؟ ما هي الأداة؟ نجلس بهدوء ونتدرب على الصبر بينما نفكر في هذا الشخص. هذا تدرب بوذي – هذا بالضبط كلمة "تدرب". نحن نتدرب لنكون قادرين على أن نكون صبورين في مواقف الحياة الحقيقية.
في نهاية اليوم، نستعرض ما قمنا به. ليس هناك جدوى من الشعور بالذنب إذا أخفقنا في العيش وفقًا لنيتنا الجيدة، لأننا نتذكر أن الخاصية الأساسية للحياة هي أنها في صعود وهبوط. التطور لا يسير أبدًا على خط مستقيم. مهمًا حاولنا، بعض الأيام ستكون جيدة والأخرى ستكون سيئة. لذا عندما نقوم ببعض الأخطاء أو قمنا بشيء مؤذي، نقر بهذا ونعقد العزم على أن نحاول بأفضل ما لدينا لتجنب تكرار ذلك.
كل ذلك الصعود والهبوط سيحدث حتى نصبح كائنات متحررة. هذا طريق طويل جدًا. لحين الوصول للتحرر، سيكون بداخلنا جشع وغضب وكل المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة. هذا سيعيد إلينا رشدنا. الموقف الداخلي الأكثر فائدة مع كل ذلك الصعود والهبوط هو "التوازن". عندما نكون مرهقين، نحصل على راحة. لا بأس، لا توجد مشكلة. عندما نرغب في الاستمرار، نستمر. هذا أيضًا لا بأس به، لا يوجد مشكلة. نحتاج أن نتجنب تطرف أن نكون قاسيين على أنفسنا وتطرف أن نعامل أنفسنا معاملة الأطفال. نحن فقط نتقدم، مهمًا حدث. نطلق على هذا "المثابرة المُماثلة للدرع"، والتي ستحميك مهمًا كان الموقف.
مثال عملي: منح النصر للآخرين
دعوني أقدم لكم مثالًا عن تجنب الإحباط عبر تطبيق التوجيهات البوذية. أعيش بمكان مزدحم في برلين. من عدة أعوام قاموا ببناء مقهى شهير جدًا بالطابق الأرضي الذي تحتي. يعمل هذا المقهى من الساعة السابعة صباحًا حتى الثالثة من صباح اليوم التالي، سبعة أيام في الأسبوع. في الصيف، هناك من يشرب الجعة بالخارج، يتحدثون ويضحكون بصوت مرتفع كل ليلة. بعد فترة قصيرة من استلقائي على السرير محاولًا أن أنام مع كل تلك الضجة، تخيلت قدور العصور الوسطى المليئة بالقار المغلي أصبها عليهم، تذكرت التعاليم التي تقول: “أمنح النصر للآخرين، تقبل الهزيمة على نفسك".
مطبخي هو الغرفة الوحيدة بالمنزل التي لا تقابل الشارع، لذا قمت بنقل الحَشِيّة ونمت على أرض المطبخ طوال الصيف. كان هادئًا ومريحًا وكنت سعيدًا جدًا، ومنحت النصر للآخرين. هذا تطبيق عملي للتعاليم. في الحقيقة ليس بالشيء الكبير إذا نمت بالمطبخ.
بالمثل، نحتاج لأن نكون مبتكرين ومبدعين مع التعاليم. ثم نحتاج أن نطبقها بالفعل. بالطبع لنقوم بذلك نحتاج لأن نعرف التعاليم لذا فمن المفيد إذا استطعنا كل يوم أن ننعش ذاكرتنا عبر القراءة، على سبيل المثال، أحد النصوص التقليدية للتوجيهات المتعلقة بكيفية التعامل مع المواقف الصعبة. السبع وثلاثون تدريبًا للبوديساتفا، أكليل جواهر البوديساتفا والثمانية أبيات لتدريب الذهن، على سبيل المثال، ممتلئين بالنصائح العملية للغاية. إذا قرأتموهم بشكل متكرر، فعندها لن يكون لديكم وعيًا حاضرًا بشكل دائم بهم، ولكنهم أيضًا سيُظهرون لكم الاستجابة الملائمة للمواقف التي تختبرونها.
هذه بعض النقاط بشأن التدرب البوذي اليومي في مجتمعاتنا المعاصرة. كما قلت، للحصول على أي نتيجة نحتاج أن نضع الكثير من الجهد، فلن نحصل على النتائج بثمن بخس.
هل جعل التعاليم البوذية متاحة بشكل سهل يُحبط غايتها؟
هذه الأيام، التعاليم متاحة تمامًا. كما رأينا في الجزء السابق من العرض أن هناك العديد من مراكز الدارما أو الفعاليات في الغرب التي تتقاضى رسوم دخول، لكن يظل أن هناك عددًا هائلًا من المواد المتاحة على شبكة المعلومات بالمجان (مثل هذا الموقع!). إذا كان لدينا جهاز حاسب ألي والقدرة على الدخول لشبكة المعلومات، ليس عليك أن تسافر أو أن تدفع أي شيء. مما لا شك فيه أن كمية المواد ستزداد في المستقبل.
يمكننا أن نجادل قائلين أن الأكثر قيمة إخفاء تلك التعاليم بالمكتبات ليصعُب الوصول إليه، أو أن نتأكد أن الوصول إليهم سيكون بمقابل مدفوع، حتى يبذل الناس عندها جهدًا إضافيًا لأجل الوصول لهذه التعاليم. على الجانب الآخر، حتى إذا كانت التعاليم متاحة بالمجان في كل مكان، سنظل بحاجة لبذل الجهد لدراستها، والكثير من العمل حتى نتدرب عليها بالفعل.
بغض النظر عن كم المزايا التي لدينا في العصر الراهن، فيما له علاقة بسهولة الوصول للتعاليم، سنظل بحاجة لأن نبذل جهدًا كبيرًا للعمل بأنفسنا. الأمر يتطلب وقتًا لفهم التعاليم وإدماجها داخلنا؛ هذا شيء لن يتغير. ليس هناك طريقة رخيصة أو مختصرة بهذا الشأن، ولا شيء خاص أيضًا بشأن التدرب على البوذية في المجتمعات غير البوذية. لذا نحتاج حقًا أن ننتهز كل هذه الفرص التي لدينا، وعلى أساس من طيبتنا، ولكن من أجل أن نعمل بالفعل على تحقيق الأهداف البوذية: الحصول على التحرر من نقائصنا وصعوباتنا وتحقيق الاستنارة بالتحقيق الكامل لكل إمكانياتنا الإيجابية.
كيف نضع الأهداف البوذية الأسمى نُصْب أعيننا
بإمكاننا العمل بشكل واقعي على تحقيق التحرر والاستنارة، بمجرد اقتناعنا الفعلي بأنهم قابلين للحدوث. لكن كيف يمكننا أن نصبح مقتنعين؟ يأتي الاقتناع من فهم معنى "الذهن"، الاستمرارية الذهنية. ما هي الخصائص الأساسية للأنشطة الذهنية؟ هي مستمرة من لحظة لأخرى، مع غرض مختلف في كل لحظة. الخصائص المميزة تظل كما هي، الارتباك، الغضب والمشاعر الأخرى هي مؤقتة، مثل السحاب. هذه السحب يمكن أزالتها حيث أنهم ليسوا مكون أصيل بالذهن.
هذا لا يتطلب فقط دراسة عميقة لطبيعة الذهن، لما يظهر وكيف ينشأ هذا المظهر، لكن أيضًا للخبرة الفعلية لملاحظة ما يحدث بالفعل في أذهاننا، من لحظة لأخرى. عندها بالطبع سنحتاج أن ندرس ونعرف ما يعنيه حقًا أن نكون متحررين أو مستنيرين. إذا كانوا مجرد كلمات، فسيصبح الأمر غامضًا للغاية.
حتى معرفة ما هي الاستنارة بالفعل ليس أمرًا سهلًا، لأن تلك النقاط شديدة الصعوبة. في البداية نعطي الأمر "ميزة الشك". نحن غير واثقين، لكن نفترض أن هذا ممكنًا. نحن ندرس ونتأمل أكثر، حتى يمكننا أن نصبح مقتنعين بالأمر. هذا أساس جيد للعمل يمكننا أن نبدأ به.
قال أحد أصدقائي، "لا أعرف على سبيل اليقين إذا كان التحرر والاستنارة ممكنين. لا أعرف إذا كان قداسة الدالاي لاما هو بالفعل كائن مستنير. لكن إذا أمكنني أن أصبح مثل الدالاي لاما، بالطريقة التي يتصرف بها ويتعامل بها مع المشاكل الهائلة، فهذا كافي جدا".
الخلاصة
من الكهف، للحقل، للمكتب، مشاكلنا الأساسية لم تتغير كثيرًا؛ بينما تغيرت البيئة، دائمًا ما كان البشر متوترين ومشغولين. بإدراكنا لهذا، يمكننا أن نرى أن الأدوات البوذية من أكثر من ألفية لا تزال شديدة الصلة.
في الماضي، وضع الناس كمًا هائلًا من الجهود للحصول على تعاليم بوذا، لذا فنحن حقًا محظوظين أن اليوم يمكننا الحصول على مجموعة ضخمة من التعاليم، ليس فقط عبر شبكة المعلومات، لكن أيضًا في العديد من المدن حول العالم. يجب أن ننتهز تلك الفرصة، بينما نُبقي بأذهاننا أن كم الجهد الذي نحتاج أن نضعه بأنفسنا لم يتغير، ولن يتغير باختلاف الزمان أو المكان.