تتعلق الكارما بما يحدث لنا، وكامل قضية الأخلاق. بالطبع، هذا موضوع شديد التعقيد. في الحقيقة، من بين التعاليم البوذية تعتبر الكارما من الموضوعات الأشد تعقيدًا. هناك كائنات لا حصر لها وكل تلك الكائنات التي لا تحصى تختبر الميلاد من اللابداية وتتفاعل مع بعضها البعض، لذا كل تلك العوامل المختلفة التي تؤثر تمامًا على الجميع مترابطة سويًا. بالتالي، كي نعرف الكارما بشكل كامل فهذا يتجاوز مجرد معرفة كارما فرد واحد. فقط الذهن كلي المعرفة لبوذا يمكنه فهم الصورة كاملة. فقط الذهن الكلي لبوذا يمتلك هذا النطاق، أذهان الآخرين محدودة. مع ذلك، يمكننا محاولة تعلم وفهم كل العوامل المختلفة المتدخلة في عملية الكارما وبهذه الطريقة سيكون لدينا فهمًا عامًا لكيف تعمل وكيف يمكن التأثير عليها.
التأويلات الغربية للكارما والأخلاق
الأداة البوذية العامة لتعلم شيء ما هي تعلم أولًا الأشياء التي ليس لها علاقة به. عبر إزالة الأشياء التي لا تنتمي لما نتعلمه، تصبح لدينا فكرة واضحة عن الماهية الفعلية لهذا الشيء الذي نتعلمه. السبب في هذا هو أن العديدين منا لديهم مفاهيم مسبقة. قد تكون لدينا مفاهيم مسبقة بشأن ماهية الكارما وكيفية شرح ما يحدث لنا. قد تكون لدينا مفاهيم مسبقة بشأن الأخلاق وكيف تعمل الأخلاق البوذية (ما هي الأخلاق؟) عندما نستمع لشرح بشأن الكارما، من الطبيعي تمامًا أن نقوم بإسقاط مفاهيمنا المسبقة عليها. يجعل هذا الوصول للفهم البوذي الصحيح شيئًا شديد الصعوبة. أولًا، نحتاج لأن نزيل كل تلك المفاهيم المسبقة غير الصحيحة عن ماهية الكارما حتى تكون أذهاننا أكثر تفتحًا لاكتساب الفهم الصحيح. هذه الأداة العامة، ليس فقط فيما يتعلق بالكارما ولكن في كل الموضوعات الكبرى.
في هذا السياق، أرغب في شرح بعد التأويلات غير البوذية عما يحدث لنا، الأخلاق والكارما. عبر إقصاء تلك التأويلات، سنتمكن من الوصول لفهم أكثر وضوحًا للتعاليم البوذية عن الكارما.
صدفة أم احتمال
أحد الرؤى هي أن ما يحدث لنا هو مجرد صدفة. ليس هناك سبب محدد لسعادتنا وتعاستنا، أو لمقابلة شخص ما، أو لماذا يحدث لنا هذا أو ذلك. البوذية بالتأكيد لا تقول هذا، هي تؤكد على أن هناك سبب؛ هي ليست فوضى.
اشتقاق آخر من هذه الفكرة سيكون التفسير العلمي الغربي لما يحدث لنا بأنه نتيجة الاحتمالات، الصياغة الرياضية للاحتمالات. بوضع كل الظروف المتضمنة في الموقف بالاعتبار، يمكن التنبؤ رياضيًا بما سيحدث. البوذية لا تقول هذا أيضًا.
الحظ
شرح آخر سيكون أن ما يحدث، يحدث بالحظ. هذا الشخص ربح اليانصيب، هو محظوظ. هذا الشخص خسر في سوق الأسهم، هو غير محظوظ. ما الذي يكمن حقًا خلف هذا هو نوع من القوى المتأصلة؛ شخص محظوظ بشكل متأصل. نقول، "هذا يوم حظي" كما لو أن شيئًا متأصلًا في اليوم يجعله محظوظًا. "حَمْلُ قَدَمِ أرنب يجلب لي الحظ الجيد". البوذية بالتأكيد لا تقول شيئًا كهذا، حتى على الرغم مِن أننا قد يصلنا هذا الانطباع عند رؤية البعض يرتدون خيوطًا حمراء أو، في بلاد جنوب شرق آسيا، يحملون تمائم حول أعناقهم لتجلب لهم الحظ. هذه ليست التعاليم البوذية.
قدر أو مصير
نظرية أخرى عما يحدث لنا هي القدر أو المصير. قد يكون هذا بشكل شخصي أو غير شخصي. إذا تم تفسير الأمر بطريقة غير شخصية: هذه هي طبيعة الأمور. هذا هو القدر، مكتوب في كتاب ما بالسماء، السجلات الأكاشية المحفوظة بكهف بمكان ما أو ما شابه. هذا ليس المنظور البوذي.
إرادة الله
اشتقاق آخر من فكرة القدر أو المصير يأتي من مصدر شخصي. بعبارة أخرى، إرادة الله. هذا ما يطلق عليه القسمة في الإسلام. في الحقيقة، في الهندوسية الحديثة بالهند، والمتأثرة بشدة بهذه الفكرة الإسلامية، هناك اعتقاد قوي في إرادة الله، مختلطة بالفهم الهندوسي للكارما. هي ليست قاصرة فقط على هذه الثقافة، موجودة في ثقافات أخرى أيضًا. "إذا كنت مريض ولم تتناول الدواء، فإنها إرادة الله إذا كنت ستموت أم لا". هذا النوع من المعتقدات، الرؤية التوراتية المتعصبة.
النصيب الحسن
ثم هناك الرؤية الرومانية القديمة، فكرة النصيب الشخصي وإلَهَة فورتونا. إذا كنت ناجحًا في شيء ما، فهذا مؤشر على أن الإلَهَة فورتونا أنعمت عليك بنصيب حسن. لذا "كل شيء يسير بشكل جيد". إذا وصل ديكتاتور للحكم ونجح، بغض النظر عن مدى قسوته، فإن الإلَهَة فورتونا بجانبه، لذا فهذا جيد. النصيب أساسه الانتصار. إذا نجوت من الأسود في الحلبة، فقد منحتك الإلَهَة فورتونا هذا. إذا أكلتك الأسود، فإن الإلَهَة فورتونا لم تعطك النصيب الجيد لتنجو. هذا موقف قائم على فكرة النجاح. في الحقيقة، لقد توارثنا الكثير من هذا في عقلية إدارة الأعمال. إذا فاز أو نجح شخص في عالم الأعمال، فإنه رجل أعمال جيد. "لقد حقق ثروة". في اللغة الإنجليزية كلمة "فورتشون"، والتي تعني الثراء والنجاح، مشتقة من الاسم اللاتيني لهذه الإلَهَة، فورتونا. فهذا ليس فقط معتقد قديم. لدينا هذا الميراث. في البوذية، نحن بالتأكيد لا نعني أن الأخلاق قائمة على القوة، القدرة والبأس.
المكافأة والعقاب بناءً على اتباع القوانين
نظرية أخرى هي أن ما يحدث لنا نتيجة لاتباع القوانين؛ بعبارة أخرى، مكافأة أو عقاب. إحدى النظريات ستكون أن هناك قوانين من سلطة عليا ما بالسماء، فرضها الله. إذا اتبعت هذه القوانين، ستكافأ وتكون سعيدًا؛ إذا خرقت تلك القوانين، ستعاقب وتكون تعيسًا. ما يحدث لنا هو مسألة طاعة، كم نحن مطيعين لهذه القوانين. لذا، فالأخلاق قائمة فقط على الطاعة.
اشتقاق آخر من هذه الفكرة في الغرب مصدره يأتي من اليونان القديمة. قائم على فكرة القانون، لكن بدلًا من أن تكون هذه القوانين مُنَزّلة من السماء، كُتبت على يد مشرعون، بشر. هو نظام علماني لكن، مرة أخرى، يعمل على أساس من المكافأة والعقاب. إذا اتبعنا القوانين المدنية عندها فنحن مواطنون جيدون، سنكون سعداء والمجتمع بأكمله سيكون سعيدًا. إذا كسرنا القوانين عندها لن نكون سعداء، المجتمع سيكون به مشاكل وستتم معاقبتنا.
دعونا نتوقف للحظات، بانتهائنا من القسم الأول الخاص بالرؤى غير البوذية، الرؤى الغربية، قبل أن ننتقل للرؤى الآسيوية والتي تختلف عن الشرح البوذي الهندي التبتي. من المفيد أن نفكر أو نتدبر فيما إذا كنا بشكل غريزي، أو على المستوى الشعوري، لدينا أي من تلك الأفكار المسبقة أو الرؤى. هل نفكر في أن ما يحدث معنا هو فقط نتيجة للصدفة؟ احتمالية رياضية؟ حظ؟ قدر؟ قوة ذاتية؟ إذا كنا نجني مالًا أكثر سنكون أكثر سعادة، أو سنكون سعداء إذا ما اتبعنا قوانين سماوية أو مدنية؟ فكروا بشأن هذا للحظات. تلك هي الأفكار المسبقة الغربية. قد يكون هناك المزيد ولكن تلك فقط ما يخطر بذهني في هذه اللحظة.
نحتاج لأن ننظر بشكل خاص إلى: لماذا نشعر الآن بمشاعر جيدة، لماذا نشعر بالسعادة، لماذا نشعر بالتعاسة. هل نعتقد أن سير الأمور بشكل جيد أو سيئ سببه الصدفة، القدر، الحظ أو أيًا كان؟
اعتقد أنه بالنسبة للكثير منا لدينا خليط من تلك الأفكار. إذا تم ترقيتنا أو حصلنا على علاوة فقد نقول، "هذا لأني اتبعت القوانين، كنت ناجحًا ومحظوظًا. كانت صدفة سعيدة". أحيانًا نفكر أنه كان القدر: "كان مقدرًا لي أن أخسر وظيفتي". كل هذه الطرق ليست الطريقة البوذية في الفهم.
الشرح الآسيوي للكارما والأخلاق
الهندوسية: أداء الواجب
الرؤية الهندوسية هي أن الكارما تصاحب نوعًا من الواجب أو المصير. نولد بطبقة اجتماعية معينة ودور اجتماعي بعينه -كرجل أو امرأة، حاكم، خادم، أو جندي- وكل من تلك الطبقات والأدوار الاجتماعية لها مجموعة محددة من الأفعال الأساسية المصاحبة لها. هناك طريقة معينة يجب على الزوجة أو الخادم أن يتصرفوا وفقًا لها. تم تجسيد هذا في القصص الملحمية العظيمة التي كتبها هانومان، سيتا، رام وآخرين. إذا التزمنا بواجباتنا واتبعنا الدور الاجتماعي الذي ولدنا عليه، كل شيء سيسير على ما يرام وسنحصل على إعادة ميلاد أفضل. إذا ولدنا كامرأة وكنا زوجات جيدات، سنكون سعداء، وفي حياتنا التالية، قد نولد حتى على هيئة أفضل.
استخدم هذا كمثال لأن من بين الحضور العديد من النساء. اعتقد أنه يمكنكم فهم طريقة التفكير هذه وعواقبها. نرى هذا بوضوح في الباغافادا غيتا، أرجونا محارب وعليه أن يخوض حربًا ضد أقاربه ولم يقرر ما الذي سيقوم به. ينصحه كريشنا بأن عليه القتال. من الأفضل أن يقاتل ويؤدي واجبه عن ألا يقاتل ولا يؤدي واجبه كمحارب. حينها سنكون سعداء وكل شيء على ما يرام. على الرغم من أن البوذية تستخدم ذات الكلمة، "كارما"، فإن لها معنى مختلف تمامًا.
الكونفوشيوسية: التناغم والامتثال لعملية التغيير
ماذا عن طريقة التفكير الصينية؟ لدينا المنظور الصيني التقليدي للكونفوشيوسية، والذي له أيضًا قدرًا هائلًا من التأثير في طريقة التفكير السائدة في جمهورية الصين الشعبية. هناك عدة نماذج وإذا اتبع الجميع نموذجهم بشكل صحيح -الأب كأب، الإبن كإبن، الحاكم كحاكم، الرعية كرعية، عضو الحزب كعضو بالحزب، الطبقة العاملة كطبقة عاملة- عندها سيكون الجميع في تناغم. يجب أن يساير الفرد عملية التغيير ويتناغم معها، لذا في وقت الحرب، القتال هو الفعل الملائم والجميع سيكون سعداء. إذا لم يحارب الفرد في وقت الحرب، فهذا يتعارض مع التناغم وشيئًا سيئًا وسيسبب كارثة -وستتم معاقبتك. لذا، إذا لم نحارب، فهذا فعل هدَّام؛ إذا حاربنا، فهذا فعل بنَّاء. بالمثل، عندما تتغير الأحوال ويأتي وقت السلم، القتال فعل هدَّام، وإذا كان الشخص مسالمًا، فهذا فعل بنَّاء.
وكيف يعرف الناس ما إذا كان الوقت قد تغير أم لا؟ هذا شيء يحدده الإمبراطور. لدينا الآن ذات الشيء: رئيس الحزب الشيوعي يقول أنه حان الوقت للحرس الأحمر وإذا أصبحت من الحرس الأحمر فهذا ملائم، لكن إذا لم تلبي النداء لتصبح من الحرس الأحمر، أو كأحد الحرس الأحمر، ولم تقم بتدمير كل شيء، فهذا شيء خاطئ جدًا. عندما يقول رئيس الحزب أن هذا وقت كسب المال، إذا اكتسبت المال فأنت في توافق مع عملية التغيير وسيكون هذا متناغمًا، لكن إذا لم تقم بكسب المال فأنت لست في تناغم. هذه هي الطريقة الصينية التقليدية في التفكير بشأن ما يجلب السعادة: التناغم مع المجتمع واتباع ما تأمر به الدولة.
هذه ليست فكرة صينية فقط. لدينا هذا أيضًا في الغرب. إذا اتبعنا أحدث الصيحات وارتدينا ملابسنا بهذا الطول بدلًا من هذا الطول، فسنكون سعداء وسنندمج مع الجميع. إذا ارتدينا ملابس ذات طول مختلف، سنكون غير متبعين لأحدث الصيحات ولن نكون سعداء. إمبراطور أو إمبراطورة صيحات الموضة يُملون علينا ما هي الموضة التي سنسير عليها هذا العام. هذه ليست الرؤية البوذية. إلى أي مدى يؤثر هذا على طريقة تفكيرنا؟ إنها تؤثر على نوعية الموسيقى التي يستمع إليها المراهقون، طريقتهم في قص شعرهم، إذا ما كانوا سيضعون وشمًا أو حُليًّا للجسد. إنها حقًا طريقة شائعة في التفكير.
البوذية الصينية الرائجة: القيام بالأفعال الجيدة كنوعٍ من الاستثمار
رؤية صينية أخرى هي رؤية البوذية الصينية، والتي هي متأثرة للغاية بالثقافة الصينية؛ وهي مختلفة تمامًا عن الرؤية البوذية الهندية التبتية. لأكون منصفًا، تلك الرؤية الرائجة للبوذية الصينية عن الكارما ليست الأكثر تطورًا. مصدر هذه الرؤية هو الطريقة المتبعة في ترجمة المصطلحات البوذية إلى اللغة الصينية. هذا مثال جيد عما اعتقد فيه بشدة: الكلمات المستخدمة في ترجمة المصطلحات البوذية تؤثر بقوة على طريقة فهمنا ولذا فمن المهم للغاية أن نختار المصطلحات الأقل تضليلًا.
قام الصينيون الأوائل بترجمة مصطلح كارما بالرمز الصيني الذي يستخدم دائمًا مع الكلمة المركبة ذات الصلة بالأعمال التجارية، لذا أصبحت الكارما تحمل لديهم دلالة الاستثمار التجاري. القيام بالأفعال الجيدة هو مثل الاستثمار الذي سيجلب لك الكثير من الحسنات. لقد قمنا باستثمار جيد والآن علينا أن نضع هذا الاستثمار في البنك حتى نحصل على عائد جيد (حسنات) لاستثمارنا. وهذا سبب محاولة القيام بما يطلق عليه الأفعال الجيدة: التي يتحقق من خلالها الكثير من الكسب أو المال (الحسنات). الأشخاص الذين يتبعون تلك الطريقة في التفكير، "سأقوم بتقديم وهب، سأقوم ببناء تمثال لأن هذا استثمار جيد. سأحصل على الكثير من الحسنات وكنتيجة لهذا سأكسب السعادة والحظ الجيد". إذا فوتنا فرصة التبرع، فنحن لسنا مستثمرين جيدين، لأننا فوتنا فرصة القيام باستثمار جيد.
نحن نرى هذا الآن. عندما يقوم التبتيون ببناء المعابد الضخمة أو التماثيل الهائلة، مَن الذي يقدم معظم هذه الأموال؟ الصينيون. هذا نتيجة طريقة التفكير تلك. الصينيون، في الحقيقة، هم من قاموا في التاريخ القديم بتقديم معظم تبرعات بناء الأديرة الضخمة في التبت. اضطهاد البوذية في الصين مِن قرون مضت، مثل الحال أثناء عهد أسرة مينغ (من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر)، كان بالأساس لأن الحكومة كانت تصرف الكثير من المال على المعابد وكان الناس يقدمون الكثير من المال. لهذا السبب كان هناك اضطهاد للبوذية وحتى حركات مضادة للحكومة. ولدينا أيضًا في الغرب طريقة التفكير تلك: "يمكنني شراء السعادة".
الحركة الإنسانية الغربية: الحصول على السعادة من جعل الآخرين سعداء وعدم التسبب في الأذى
الرؤية الأخيرة التي ليست من البوذية الهندية التبتية ليست بالتحديد من آسيا. هي بالتحديد غربية. يطلق عليها "الأخلاق الإنسانية". لا تؤذي الآخرين ولا تجعل الآخرين تعساء؛ حاول أن تجعل الجميع سعداء. هذا هو كامل النظام الأخلاقي. تعني "الأخلاق" محاولة جلب أفضل سعادة لأكثر عدد من الناس. عدم استخدام الحيوانات في التجارب بالمعامل للأغراض الطبية وهذا النوع من الأشياء. هذا شائع جدًا.
هذه في الحقيقة ليست التعاليم البوذية المتعلقة بالكارما. السبب الرئيسي في هذا هو أننا ليست لدينا أي فكرة عما سيجعل الشخص الآخر سعيدًا. يمكن أن تكون لدينا كل النوايا الحسنة التي بالعالم، مثل عندما نطبخ شيئًا ما ونقدم الطعام لصديقنا المقرب، لكنه يختنق بالطعام ويموت. هذا مثال متطرف، لكنه مثير للاهتمام لأننا حينها سنشعر بالذنب. أليس كذلك؟ سنشعر بذنب بشع. "كان هذا خطئي. أنا شخص سيئ" هذه طريقة غريبة لأن نؤسس عليها الأخلاق. فبعد كل شيء، من هو المسئول عن موت صديقي؟
فكرة الأخلاق لدى معظم التقدميين، "الروحانيين" هي تلك الرؤية الإنسانية. عادة لا نفكر في أنه ما سيجعلنا سعداء هو اتباع أحدث صيحات الموضة أو أنه بإمكاننا شراء السعادة أو أني سأصبح سعيدة إذا قمت بدوري الاجتماعي كربة منزل بشكل جيد. لكن، نفكر في إننا إذا جعلنا الآخرين سعداء، فنحن أشخاص أخلاقيون وكل شيء سيسير بشكل جيد لنا.
مثال آخر: نعتقد أننا إذا اعتنينا بشخص ما ومرض ومات. نشعر بأن هذا كان خطؤنا ونفكر، "كان يفترض أن أجعلها سعيدة وأعمل على شفائها"، كما لو أن ما يحدث لشخص ما هو أيضًا مسئوليتنا بالكامل. يمكننا أن نساهم فيما يحدث، لكن نحن لسنا القوة الوحيدة التي تحدد ذلك.
نحن نحاول ألا نؤذي الآخرين، لكن من المنظور البوذي، نحن نتحدث عن دافعنا، وليس أثر أفعالنا. دافعنا هو محاولة عدم التسبب في الأذى، لكن نحن ليست لدينا أدنى فكرة عما سيكون تأثير هذا على الشخص الآخر. في البوذية، الأخلاق ليست قائمة على النتيجة التي نسببها للشخص الآخر؛ هي مؤسسة على دافعنا. لا يمكننا تحديد جيد، سيئ، بنَّاء أو هدَّام من خلال تأثير هذا على الآخرين، لأننا ليس لدينا تحكم في هذا. نحن فقط نتحكم في دافعنا.
لدينا أيضًا مزيج من هذا في الرؤى غير البوذية. "كيف يمكن أن أصبح سعيدًا؟ إذا تزوجت وكانت لدي الشريكة الملائمة، حصلت على وظيفة جيدة، المنزل والسيارة الجيدتان، كسبت الكثير من المال (لأن هذا ما يجب أن يقوم به الشخص المتعلم)، وأحاول أن أكون شخصًا جيدًا ولا أتسبب في الأذى لأي كائن، عندها سأكون سعيدًا. وهذه الفضيلة الكبرى". هذا ما يخبرنا به أباؤنا، وأيضًا، "إذا كانت هناك حرب، تذهب لتحارب وتقوم بواجبك". ما هي نتيجة الدعاية التي بمجتمعنا؟ "اتبع صيحات الموضة". "أنجح". "تأقلم". البوذية لا توافق، لا تقول أن سعادتنا أو تعاستنا تنتج عن أي من هذه الأشياء. اعتقد أن حصر الطرق الأخرى في التفكير سيكون مفيدًا في توضيح مفاهيمنا المسبقة، ما نفكر فيه عادةً.
الفهم الهندي التبتي للكارما
الآن بعد أن أزلنا بعض المفاهيم الغريبة، يمكننا أن نتساءل بشأن الفهم الهندي التبتي للكارما وسبب اختبار الأشياء.
من منظور البوذية الهندي التبتي، الأفعال الهدَّامة هي التي يتم القيام بها تحت تأثير بعض المشاعر المزعجة مثل الغضب، الجشع أو الغفل -الغفل هو، على سبيل المثال، أن نعتقد أنه لن يكون هناك أي تأثير لأفعالنا لذا فما نقوم به لن يشكل أي فارق. هذا يتسبب في المعاناة. نحن لا نتحدث عن المعاناة التي تأتي للآخرين ولكن المعاناة التي نتسبب فيها لأنفسنا؛ إنها في سياق معاناتنا المستقبلية. بعبارة أخرى، ما نختبره في الحياة هو نتيجة المواقف الداخلية والمشاعر التي دفعتنا للقيام بما نقوم به.
الحقائق الأربعة في الحياة
يتم شرح كل هذا وفهمه في نطاق الحقائق الأربعة النبيلة، والتي يطلق عليها الحقائق الأربعة في الحياة. تلك الحقائق الأربعة التي، كل من يرى الواقع بوضوح، يراها كحقيقة؛ الأشخاص العاديون لن يروها كحقيقة.
بلغة بسيطة، الحقيقة الأولى هي أن الحياة صعبة؛ مليئة بالمشاكل. العديدون غير مستعدين للإقرار بهذا أو حتى تفحص تلك الحقيقة. يشير هذا إلى الخبرة اللحظية لحياتنا العادية. أحيانًا نشعر بالتعاسة. وأحيانًا لا تكون الأمور لطيفة للغاية؛ هذه مشكلة. أحيانًا نشعر بالسعادة، لكن تكون تلك السعادة مختلطة بالمشاكل والارتباك. المشكلة في هذا أنها لا تدوم ولا تعالج أي شيء بشكل دائم. بعد تناول الطعام، يكون لدينا سعادة الشبع، لكن هذا لا يمنعنا من أن نشعر بالجوع مرة أخرى. مشكلة أخرى هي أننا لا يمكننا التنبؤ بما سيأتي لاحقًا. هل سنشعر بالسعادة بشأن شيء آخر؟ هل سنكون غير سعداء؟ هل سننام ونشعر بمشاعر متعادلة؟ ليست لدينا أي فكرة عما سنشعر به لاحقًا. ليس هناك أمان يمكن اكتسابه عبر هذا النوع من السعادة العابرة.
عندما نكون تعساء، فمن الواضح أننا غير راضيين وهذا الوضع يشعرنا بالنفور. نحن نرغب فقط في التخلص من تلك الحالة لإنها تزعجنا. عندما نكون سعداء، نتعلق بهذه المشاعر. لا نرغب في العودة لمشاعر عدم الرضا؛ نحن جشعون، نرغب في المزيد. إنه مثل استعراض قنوات التلفاز. نجد شيئًا، لكن بسبب جشعنا، نعتقد، "حسنًا، لربما هناك شيء أفضل في قناة أخرى". انعدام للرضا. تلك الخبرة تمثل مشكلة.
لدينا أيضًا مشاعر متعادلة، حيث لا يحدث الكثير. تجعلنا تلك الخبرة خاملين وغافلين. نعتقد أن هذا سيدوم للأبد -"أنعم الآن بالسلام لأنام. الآن كل شيء على ما يرام". لكن، هذا لا يدوم.
كل هذا هي الحقيقة الأولى بالحياة، الحقيقة النبيلة الأولى.
الحقيقة الثانية هي أن تلك الخبرات غير المرضية لها سبب. في العادة، نشعر أن هذه هي الحالة التي عليها الأمور، ليس هناك سبب أو إنها تحدث نتيجة لأحد الأسباب التي ذكرتها سابقًا -الفرص، الحظ، أو أيًا كان. قال بوذا أن السبب الأعمق، السبب الحقيقي، هو الكارما والمشاعر والمواقف الداخلية المزعجة. وكلها تأتي من الارتباك. "الارتباك" لا يعني الخَرَف أو الزهايمر؛ الارتباك معناه أننا إما نعرف ما الذي يحدث أو لدينا فكرة خاطئة عنه. الحقيقة الأولى في الحياة هي نتيجة الكارما؛ والسبب، الحقيقة الثانية، هي الكارما والمشاعر المزعجة.
الحقيقة الثالثة هي إنه من الممكن تحقيق إيقاف كامل لكل هذا، والذي يعني أنها لن تعود مرة أخرى. هذا ليس فقط كبتًا لها حتى لا تنشأ بعد ذلك لمدة طويلة. نحن لا نتحدث عن هذا، على الرغم من أنه يمكن القيام بهذا. البوذية تقول أننا يمكننا التخلص منها، حتى لا ترجع مرة أخرى.
الحقيقة الرابعة هي أنه للوصول لهذه النتيجة علينا القيام بشيء؛ هذا لن يحدث نتيجة للحظ الطيب أو أيًا كان. علينا أن نغير مواقفنا الداخلية لنتخلص من الارتباك والكارما. السلوكيات الهدَّامة التي تجلب لنا التعاسة مصدرها المشاعر المزعجة مثل الغضب، الجشع وما شابه. عندما نتحدث عن أي من هذه -الأفعال الهدَّامة، البنَّاءة، أو المتعادلة، والتي تجلب لنا بالترتيب التعاسة، السعادة (سعادة غير مرضية) والمشاعر المتعادلة- جميعها مصدرها المواقف الداخلية في سياق "أنا"، الارتباك بشأن وجود الـ"أنا" وبشأن الواقع.
ما أهمية هذا؟ بشكل عام، نتحدث عن الكارما كسبب لما نختبره. نقول أن مصدره يأتي من القوى الخارجية. هو لا يأتي من الشيطان أو من شياطين ترسل لنا أو تمنحنا الكارما السيئة، كما في، "الشيطان جعلني أفعل هذا". الكارما وكل تلك الأشياء مصدرها ارتباكنا. هذا الارتباك ليس جزءًا من طبيعتنا وليس مصدره الله. الله لم يخلقنا بهذه الطريقة. مصدره ليس الخطيئة الأولى. هذا الارتباك، من المنظور البوذي، ليس له بداية. ليس خطأ أحد؛ لا يمكننا توجيه اللوم لأحد.
الكارما دائمًا معها المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة. لا توجد منفصلة قائمة بذاتها، تؤثر فيما يحدث لنا بقوتها الخاصة. ليس لها مصدر خارجي ولا يمكننا توجيه اللوم بشأنها على أي شخص آخر، ولا على أنفسنا. لا يمكننا أن نشعر بالذنب لهذا، بسبب الخطيئة الأولى -كما في "أنا شخص سيئ- هي ظاهرة ليس لها بداية، ليست طبيعتنا الحقيقية.
الرؤى الثلاث للبوذية الهندية التبتية
هناك ثلاثة عروض رئيسية حول الكارما في التقليد البوذي الهندي التبتي. الأول لمدرسة فايباشيكا، أحد نظم المعتقد الهندي الأربعة. وهذا العرض قائم على نص الابيدارما الذي كتبه فاسوبَندو، "ابيدارماكوشا"، كنز الموضوعات الخاصة بالمعرفة. العرض الثاني قائم على نص لأخيه أسانغا، "ابيدارماساموكَّايا"، مختارات من الموضوعات الخاصة بالمعرفة، وهو عرض ماهايانا. بشكل أكثر تحديدًا، هو مِن منظور مدرسة تشيتاماترا. ثم العرض الثالث لمدرسة مادياميكا والمختلف قليلًا عن عرض تشيتاماترا. كل التقاليد التبتية الأربعة توافق على كل هذا. الفرق الوحيد لدى تقليد الغيلوك، والذي يوكد على أن براسانغيكا مدياميكا لها عرضها الخاص. عرض الغيلوك براسانغيكا يتبع بالأساس نظام فاسوبَندو، لكن مع تعديلات ضخمة عليه.
دعونا هنا ننظر فقط لنظام أسانغا. هو الأقل تعقيدًا ليسهل فهمه.
الكارما هي الدافع، ليست الفعل ذاته
وفقًا لهذه الرؤية، الكارما هي باعث ذهني. هي مرادف للعامل الذهني الخاص بالإلحاح. الإلحاح هو عامل ذهني يصاحب كل لحظة من خبرتنا. هو العامل الذهني الذي يأخذ بنا باتجاه خبرة معينة، سواءً كانت مجرد النظر إلى شيء ما أو الاستماع إليه، أو، في هذه الحالة، للقيام بشيء مع أو لأجل هذا الشيء، قول شيء، أو التفكير في شيء. سواءً كانت كارما جسدية، لفظية أو ذهنية، باعث الكارما هو العامل الذهني لإلحاح القيام بفعل، قول شيء، أو التفكير في شيء. هو مثل باعث ضرب شخص ما، قول الحقيقة، أو التفكير في أفكار الرغبة في شخص نحبه. هو أيضًا الإلحاح الذهني للاستمرار في القيام بالفعل، القول، أو التفكير في شيء ما، وأيضًا الإلحاح الذهني للتوقف عن القيام بهذا والقيام، قول، أو التفكير في شيء آخر. عادة، نحن غير واعين بالإلحاحات الذهنية القهرية أو البواعث. بالاصطلاح الغربي، نقول أن هذا عادة ما يكون "بغير وعي".
الكارما ليست قانون ذهني ميكانيكي. الكارما هي عامل ذهني، وعي فرعي يصاحب خبرتنا بالأشياء. إنها طريقة معرفة شيء ما وهو يساعد أحد الأذهان الرئيسية، على سبيل المثال الوعي البصري أو الوعي الذهني، في اتخاذ محله. عندما ننظر لورقة، على سبيل المثال، أحد جوانب الطريقة التي نراها بها قد يكون باعث تقطيعها. إنها حدث ذهني. هذا الباعث الذهني المصاحب لرؤية الورقة هو الكارما. الكارما ليست الفعل الجسدي لتقطيع الورقة، أو حتى الفعل الذهني للتفكير في تقطيعها؛ الكارما هي ما يُولد أولًا الفعل الذهني ومن ثمة الفعل الجسدي. الكارما تؤدي لكلا الفعلين هاذين، الاستمرار بهما الوصول لإيقافهما، لكنها ليست الأفعال في حد ذاتها.
عندما تتولد البواعث، تلك هي الكارما. لدينا دائمًا الاختيار، إما نتصرف على أساس من هذا الباعث أو لا، حتى على الرغم من أن هذا الباعث أو الإلحاح للقيام أو قول شيء ما يكون قهري للغاية. إذا تصرفنا على أساسه، الفعل الذي سيؤدي بنا للقيام به له عواقب على مستوى خبراتنا اللاحقة.
نتيجة أفعال الكارما
ما نتيجة أفعال الكارما -بعبارة أخرى، ما نتيجة السلوك القهري؟ يشتمل هذا على بعض الأشياء مثل الشعور بمستوى من السعادة أو التعاسة، اختبار حالة إعادة الميلاد والبيئة، اختبار كون المرء ذكر أو أنثى، أمريكي أم ألماني، كونه في مكان نظيف أو قذر، وما شابه. شيء آخر يأتي من تلك الأفعال هو الشعور القهري أو الرغبة في التصرف بشكل مشابه للطريقة التي تم التصرف بها مسبقًا. هذا أيضًا عامل ذهني، وعي فرعي، وعندما ينشأ، يصاحب وعينا. نرغب في التصرف بهذه الطريقة، نشعر بالتصرف بتلك الطريقة، ونرغب في تكرار ذات الشيء مرة أخرى. انتباهنا لهذا الشعور بأن هناك شيء يستحق، أو لا يستحق، التصرف على أساسه، يعتمد على العديد من المتغيرات، ليس أقلها الظروف الخارجية المحيطة بنا. اختبار شعور ما قد يؤدي، أو لا يؤدي، إلى نشوء باعث لتكرار الفعل، وباعث تكرار الفعل قد يؤدي، أو لا يؤدي، فعليًا إلى تكرار الفعل. إذا تولّد الباعث، فهذا الباعث هو كارما أخرى.
نتيجة أخرى هي اختبار شيء مشابه لما قمنا به مُسبقًا، لكنه يحدث لنا الآن. على سبيل المثال، نحن نشتكي دائمًا والآن نقابل باستمرار أشخاصًا يبوحون لنا بشكواهم.
أخيرًا، منظورنا للأشياء محدود للغاية. يمكننا فقط أن نرى ما أمام ناظرينا. لا يمكننا حقًا أن نرى لماذا يتصرف أحدهم بطريقة معينة أو ما ستكون تبعات سلوكنا. أطلق على هذا "الرؤية من منظار الأفق"، لأنه يبدو أننا ننظر عبر منظار الأفق بالغواصة. نحن ننتج ونختبر باستمرار الرؤية من منظار الأفق هذا.
كل هذا نتيجة التصرف على أساس من بواعث الكارما الخاصة بنا. هذا معقد للغاية لأنه نتيجة سلوك الكارما دائمًا في صعود وهبوط -سعداء هذه اللحظة، تعساء في اللحظة التالية؛ يحدث هذا الآن، ويحدث هذا لاحقًا؛ أشعر الآن بالرغبة في القيام بهذا واللحظة التالية أشعر بالقيام بذاك. بينما تمر خبرتنا بصعود وهبوط، نختبر أيضًا الرؤية من منظار الأفق، نحن لا نفهم حقًا ما الذي يحدث. ننظر عبر منظار الأفق ونرى شيئًا ويتولد لدينا العامل الذهني الخاص بالشعور "بالرغبة في القيام بهذا". نرى قطعة من الشوكولاتة، ونرغب فيها، ونشعر بالسعادة ونشعر بالرغبة في تناولها.
بالمناسبة، "أعجبتني"، هو عامل ذهني لرؤية الشوكولاتة بسرور ذو صلة بالوعي. في الغرب، نتحدث عن "الإعجاب بشيء" بطريقة مجردة أكثر مِن البوذية. هنا، "الإعجاب بشيء" يشير للعامل الذهني الذي يصاحب بالفعل إدراك "شيء يعجبني". هو أيضًا نتاج إثمار الكارما، ذات الشيء بالنسبة للشعور بالسعادة أو التعاسة.
رجاءً لاحظوا أن الإعجاب بالشوكولاتة والرغبة في أكلها ليست مشاعر مزعجة. قد تكون، أو لا تكون، شرطًا لنشوء الرغبة الجارفة، والتي هي مشاعر مزعجة. الرغبة الجارفة تُغالي في الخصال الجيدة لشيء ما. الإعجاب بالشوكولاتة والشعور بالرغبة في تناول بعضها قد تكون أيضًا الشرط المُنشئ للغُفل بشأن أثر تناول الشوكولاتة قبل العشاء -حالة مزعجة أخرى للذهن. على الجانب الآخر، قد تكون شروطًا لنشوء العامل الذهني للالتزام الأخلاقي -حالة ذهنية بنَّاءة- للامتناع عن التصرف بناءً على الرغبة الجارفة والغُفل.
لنفترض نُشوء كلٌّ مِن الرغبة الجارفة والغُفل. قد نفقد بصيرتنا بشأن حقيقة أننا ملتزمون بحمية غذائية، والتي لا تتوافق مع رغبتنا، أو أيًا كان. هذا يعني أننا لم نعد نحافظ على حضورنا الذهني بهذه الحقيقة، وهذا مرادف لأننا قد نسيناها.
ثم، بسبب كل تلك العوامل المشاركة الناتجة عن أفعال الكارما -أي، من رؤية الشوكولاتة عبر منظار الأفق، الإعجاب بها والرغبة في تناولها- يتولد باعث تناولها. هذا الباعث هو كارما جديدة. ثم بعد ذلك نتصرف على أساس من هذا الباعث، ونتيجة لهذا، تأتي كل العواقب. بعض العواقب قد تكون نتائج ميكانيكية، مثل زيادة الوزن وما شابه. نتائج أخرى ستكون أبعد أمدًا، مثل الشعور لاحقًا بالرغبة في تناول المزيد. إن هذا الأثر بعيد المدى هو ما نحاول أن نخلص أنفسنا منه عندما نتحدث عن تنقية الكارما.
سؤال بخصوص الحدس
هل يتولّد الحدس ذهنيًا أم لا؟ هل هو شيء ذهني، أم هو شيء ينبع مِن الروح؟
كما ذكرت، إذا كان لدينا فطيرة والتي نقطعها إلى قطعتين أو ثلاث، هناك العديد من الطرق للقيام بهذا؛ كل لغة تقطعها إلى قطعتين أو ثلاثة أحجام مختلفة. عندما نتحدث عن خبرتنا، يمكننا أن نقسمها كما قمت بتقسيمها -إلى روح، وذهن- أو يمكن تقسيمها بالطريقة التبتية، والطريقتان لا تتوافقان على الإطلاق. دعوني أوضح كيف، من المنظور التبتي، نشرح الحدس.
نتحدث في البوذية عن طريقة معرفة شيء ما. طريقتنا الغربية في التعبير عن معرفتنا بشيء ما عن طريق المعرفة القائمة على "المفاهيم" أو "الحدس" لا تتوافق بالضبط مع الطريقة التبتية في قطع الفطيرة. في كلا النظامين، التقسيم يتم وفقًا للطريقة التي نعرف بها شيئًا ما والتي هي أكثر تجريدًا مما نراه.
لنفكر في حالة معرفة الحالة الذهنية لشخص ما. وفقًا للإطار البوذي، يمكن معرفتها عبر متسلسلة منطقية: "هذا الشخص لا يتحدث معي ولديه تعبير معين على وجهه. عادةً، الشخص الذي لديه هذا التعبير يكون متضايقًا من شيء ما. لذا، هو متضايق". هذا سيتوافق مع ما نطلق عليه في الغرب "المعرفة النظرية أو المفاهيمية". في البوذية نطلق عليه "الإدراك الاستدلالي".
في المقابل، معرفة أن الشخص متضايق بدون الاعتماد على متسلسلة منطقية. سواءً فقط افترضنا أنه متضايق بناءً على "شعور"، بما يعني على أساس ما نفكر فيه. تطلق البوذية على هذا "افتراض"، طريقة لا يعتمد عليها في معرفة شيء ما. ما نفترض أنه حقيقي قد يكون حقيقي أو غير حقيقي. ومن ناحية أخرى، قد تكون لدينا خبرة كبيرة في الماضي والتي نرى إنها "معرفة". في الغرب، قد نقول أن الحالة الثانية هي المعرفة الحدسية، نحن بالأساس ليس لدينا سبب يكمن خلفها. لكن في الحقيقة، البوذية ستقول على هذا أننا لا نزال نستخدم الاستدلال، على الرغم من أننا قد لا نمر بالمتسلسلة المنطقية لفظيًا بأذهاننا. لكن بناءً على إدراك علامات معينة، نستنج أن الشخص الآخر متضايق. احتمالية أخرى هي أننا قد نعرف ما إذا كان أحدهم متضايق عبر القدرات الفائقة للحواس. تُعرف البوذية هذا بأنه إدراك ذهني مباشر غير مفاهيمي. في الغرب، مثل تلك المعرفة هي مثال آخر لما نُطلق عليه "الحدس".
مثال آخر هو فهم الخلو، طبيعة الواقع. يمكن أن نفهمها بناءً على المنطق، أو يمكن أن نفهمها مباشرة عبر قوة العادة، بناءً على خبرات كثيرة بالحيوات السابقة. لربما في الاصطلاح الغربي قد نطلق على أحدهما "نظري أو مفاهيمي" والثاني "حدسي".
من منظور آخر، عندما نقول في الغرب أنه لدينا فقط "فهم نظري" للخلو، فعادةً ما نعنيه أن فهمنا ليس عميقًا على المستوى الشعوري؛ بينما "الفهم الحدسي" هو شعور عميق. من منظور التحليل البوذي، الفرق بين نوعي الفهم هذه يكمن في مستوى الاقتناع المصاحب لهذا الفهم. ذات مستوى الفهم قد يصاحب إدراك الخلو سواءً نشأ اعتمادًا على متسلسلة منطقية أو من عادة والتعود.
هذه هي الطريقة التي تشرح بها البوذية هذا الأمر، لا نستخدم مفاهيم مثل "الروح". ليس في سياق مصدر الفهم، ولكن كيف ينشأ، أي ما العوامل الذهنية المصاحبة له، وما مستوى حدة تلك العوامل.
نقطة أخيرة: كما شرحت الكارما عبر الإشارة إلى الأطر النظرية المختلفة التي لا تتوافق مع الشرح البوذي الهندي التبتي، بشكل مشابه، للإجابة على سؤالك، سيكون علينا إقصاء الأشياء التي ليست جزءًا من الشرح البوذي الهندي التبتي، مثل الروح وما شابه. نحن نصف خبرة؛ هي فقط مسألة كيف نصفها. هما نظامان مختلفان.