استمرارية الحضور الذهني بالكارما والسلوك الأخلاقي

مُراجعة

نحتاج لتوليد الدافع الملائم، أي ذلك الذي يتمنى نفع جميع الكائنات وتحقيق حالة الاستنارة من أجل تحقيق هذا النفع. بهذا الدافع، استمعوا إلى هذه التعاليم الخاصة بنص "أساس الخِصال الجيدة" بالأمنية المخلصة أن تضعوها موضع التدرب لتحقيق هذا الهدف.

ناقشنا بالأمس طريقة توليد الالتزام المُخلص نحو المعلم الروحاني أو "الإخلاص للمعلم"، والذي هو جِذر كل مسارات الذهن. ناقشنا أيضًا أساس العمل المتميز لإعادة الميلاد البشري المُعزََّز بكل عوامل الراحات والمثريات وكيف يصعب الحصول عليه. هناك ثماني راحات وعَشْرُ مثريات والميلاد البشري الذي لدينا كأساس للعمل مُكتمل بهم جميعًا.

في العموم، الميلاد البشري يصعب الحصول عليه. ما أن نُولَد كبشر، لسنا قادرين فورًا على المشي. يتطلب الأمر أكثر من عام لنكتسب تلك القدرة. الحيوانات قادرة على المشي فورًا بعد ولادتها. سبب تمكنها من القيام بهذا هو أنها ولِدت كحيوانات لعددٍ لا يُحصى من المرات، ولذا لديها غريزة حيوانية قوية. حقيقة أن أطفال البشر عند ميلادهم لا  يستطيعون المشي منتصبين مثل بقية البشر هو مؤشر على أنهم نادرًا ما وُلدوا كبشر في السابق، وأن لديهم غريزة ضعيفة للغاية تُمكِّنهم من المشي كبشر. 

بوذا شكياموني، ما إن وُلد بهيئته البشرية، كان قادرًا فورًا على المشي منتصبًا وسار سبع خطوات. كان هذا نتيجة ميلاده مئات المرات سابقًا لحيوات متتالية كبشري. لذا، كان قادرًا على المشي مثل بقية البشر. بالمثل، قام ببناء عبر تلك الحيوات البشرية الأسباب الكاملة لحيازة الجسد ذو العلامات الإثني والثلاثين الكبرى والثمانين الصغرى المميزة لبوذا.

إذن، النقطة الأولى هي إدراك عناصر الراحات والمثريات الثمانية عشر التي لدينا، ثم ندرك كيف أنه يصعب الحصول على أساس عمل مماثل المعزَّز بهم جميعًا. ثم يمكننا التفكير في أهمية أساس العمل هذا والأهداف العظيمة التي يمكن تحقيقها به: أي، أنه يمكننا تحقيق الاستنارة. نحتاج للتفكير في ميلاريبا الشهير. حقق الاستنارة في ذات الحياة من خلال أساس العمل الذي لديه -الجسد البشري الثمين.

جسدنا مثل جسد ميلاريبا. ليس هناك فرق. لذا، بأساس عمل متميز مثل هذا، نحتاج لأن نسعى للتدرب على الإجراءات الروحانية للدارما بقدر إمكاننا، حتى تغادر الحياة جسدنا. لا يمكن تأجيل التدرب الروحاني للغد، لأننا لا نعرف أبدًا متى سنموت. وقت الموت بالكامل غير معروف. لذا، نحتاج لاتخاذ قرار حاسم على أن نتدرب على الدارما فورًا.

بالأمس، ناقشنا كل تلك النقاط المتعلقة بحتمية الموت والتغيير. رأينا أنه لا يوجد موقف يبقى ثابت وبعد الموت سيكون علينا اتخاذ ميلاد جديد. رأينا أيضًا أننا إذا قمنا ببناء كمٍّ هائلٍ من الإمكانات السلبية نتيجة للتصرف بشكل هدَّام، سنولد بالعوالم الأسوأ. نحتاج للتفكير بشأن كل تلك المشاكل والمعاناة التي سنختبرها في مثل تلك العوالم، ونشعر بقدر عظيم من الخَشية، الرغبة في تجنب الميلاد بمثل هذه المواقف. يمكننا التفكير بعد ذلك في المصادر المختلفة التي يمكنها أن تُوفّر لنا التوجه الآمن لنتخذه بحياتنا حتى يمكننا تجنب مثل تلك المِحَن. إدراك الجواهر الثلاث النادرة الثمينة التي تقدِّم مثل هذا الملجأ، ناقشنا كل الأدوات المختلفة لنستمد منها التوجه الآمن لنضع الملجأ بحياتنا . هذا ما ناقشناه بالأمس.

نحتاج أيضًا لأن نكون واعين بأسباب وضع التوجه الآمن بحياتنا. الأول هو خشية ما قد يحدث لنا في حيواتنا المستقبلية بدون مثل هذا التوجه. الثاني هو الاقتناع الواثق بقدرات مَحال الملجأ تلك على توفير التوجه الآمن لتجنب إعادات الميلاد الأسوأ. بالإضافة إلى هذا، إذا اتخذنا الملجأ بطريقة الذهن الشاسع للماهايانا، نحتاج، كسببٍ إضافيٍ، إلى الشفقة تُجاه جميع الكائنات كدافع لنا. عندما نعهد بأنفسنا بالكامل بهذه الطريقة، بكل هذه الأسباب، هذا ما يُعرف باتخاذ الملجأ الآمن في الحياة، اتخاذ الملجأ.

كيفية التدرب على اتخاذ التوجه الآمن في الحياة

ما أن نتخذ التوجه الآمن، من المهم أن ندرب أنفسنا على النقاط المختلفة لوضع هذا التوجه الآمن بشكل فعلي في حياتنا. عندما نتخذ التوجه الآمن من بوذا، طريقة التدرب على هذا هي كالتالي، عندما نرى تمثيلات الكائنات المستنيرة، لا ننتقدها أبدًا، نقول أن العين منحرفة، الوجه يبدو غريبًا، أو أي شيء كهذا. يجب ألا نُظهر عدم الاحترام. فبعد كل شيء، نحن ننظر لجميع تمثيلات البوذات كما ننظر للبوذات أنفسهم. لذا، بدلًا من انتقاد البوذات، يمكن التحدث عن الفنان أو النحات. يمكن أن نقول أن الفنان لم يكن ماهرًا للغاية، وندع الأمر عند تلك النقطة. بالإضافة لهذا، يجب ألا نبيع أبدًا تماثيل بوذا. ولا يجب أن نُظهر عدم الاحترام تجاه التمثيلات المختلفة لجسد، حديث وذهن الكائن المستنير. من الأفضل ألا نسير عليها أو نضع أشياءً فوقها.

أيضًا، عندما نتخذ التوجه الآمن من البوذات، نتعهد بألا نتخذ التوجه الآمن من الآلهة الدنيوية، مثل براهما أو أندرا، لأنها لا يمكنها أن توفر لنا التوجه الآمن. الاعتماد عليها سيكون مثل الاعتماد على سِتار. الأمر مماثل لما وصفتُه بالأمس فيما له علاقة بابن كائنات الديفا الذي ذهب لأندرا كي يساعده في مِحنته وقال له أندرا، "أنا غير قادر على منحك توجهًا آمنًا يخرجك من محنتك. الوحيد القادر على هذا هو بوذا".

عندما نتخذ التوجه الآمن من الإجراءات الوقائية، الدارما، من المهم أن نكون في غاية الاحترام لكل تمثيلاتها، مثل النصوص المرجعية والكتب، وألا نضع فوقها أي شيء. هناك مواقف بعينها عندما، على سبيل المثال، قد تنقطع ورقة من النص الذي نقرأه، ويكون من الضروري أن نضع عليها شيئًا. لكن، عدا ذلك، لا نضع، دون تفكير، أي شيء على الكتب، مثل مَسبحة أو أيًا كان.

كل شخص منكم على دراية بالعادات البوذية المختلفة ويتبعها بشكل ملائم فيما يخص الكتب. هذا جيد جدًا. الكتب لا توضع مباشرة على الأرض، لكن يجب أن يوضع قماش أو شيء نظيف أسفلها. ذات الشيء فيما يخص صور وتماثيل بوذا. إذا كنا في غاية الاحترام نحو كل تمثيلات بوذا وتعاليم الدارما، فهذا مهم لأنه يبني كمًا هائلًا من الإمكانات الإيجابية. أيضًا، لا نَقْلب الصفحة عبر لَعْقِ إصبعنا من أجل ترطيبه. إذا وجدنا أن إصبعنا غير رطب، نضع وعاء صغير من الماء بجانبنا لنستخدمه. بالإضافة لهذا، نحتاج لأن يكون لدينا ذات النوع من الإدراك نحو أشياء مثل الكلمات المطبوعة. الجرائد وأي مواد مطبوعة أخرى هي ناقلات يمكن من خلالها نقل الدارما. من المهم أن نُظهر احترامًا كبيرًا لأي شكل يظهر أمامنا من الكلمات المطبوعة. لذا، لا يجب أن نستخدم الجرائد، على سبيل المثال، في لف القمامة أو مسح الأرض أو تنظيف الأوساخ. ولا أن نُلقي بالجرائد في المرحاض أو الأماكن القذرة؛ نحتاج لأن نتخلص منها باحترام.

عندما نتخذ التوجه الآمن من الإجراءات الوقائية، النقطة الإضافية التي نحتاج لاتباعها هي ألا نؤذي أبدًا الكائنات الحية.

عندما نتخذ التوجه الآمن من مجتمع السانغا، نحتاج لأن نُعامل أعضاء المجتمع الرهباني باحترام، وعلى سبيل المثال، لا نطلق عليهم أسماءً سيئة.

تَوافُق سلوكنا مع قوانين الكارما

النقطة الأكثر أهمية لوضع التوجه الآمن في حياتنا، هي الحرص الشديد على أن يتوافق سلوكنا مع قوانين الأسباب والنتائج السلوكية، قوانين الكارما. نحتاج لأن نرى أنه عبر القيام بالأفعال المُشرقة، الأفعال البنَّاءة، نبني إمكانات إيجابية والتي بدورها تجلب خبرة السعادة. إذا تصرفنا بشكل هدَّام تحت تأثير البواعث القاتمة السوداء، يبني هذا الإمكانات السلبية. التي تجلب علينا خبرة التعاسة، المشاكل والمعاناة. لهذا، النقطة الأساسية لوضع التوجه الآمن بحياتنا هو أن نعيش حياتنا بوعي بنتائج سلوكنا، والتصرف بما يتوافق مع هذا.

هناك أربع نقاط بشأن قانون الكارما السلوكي ونتائجه، أي أربعة عوامل: (1) اليقين، (2) الزيادة، (3) أننا إذا لم نرتكب سبب نتيجة بعينها، فلن نقابل هذه النتيجة و(4) إذا ارتكبنا فعلًا بعينه، عندها هذا الفعل لن يضيع هباءً، سيُولِّد نتيجته.

ناقشنا بالأمس عامل اليقين أو التأكيد وعامل الزيادة. إذا تساءلنا عن العامل التالي لقانون الكارما السلوكي ونتائجه، فهو هذا: إذا لم نرتكب فعلًا بعينه، عندها فلن نقابل نتيجة هذا الفعل.

من بين الستة عشر شيخًا المستقرين والثابتين، أحيانًا يُطلق عليهم "الستة عشر أرهات" في زمن بوذا، كان هناك واحدًا اسمه كاناكافاتسا. ما إن وُلد، فيلٌ رَوْثُه من الذهب جاء وبقي دائمًا بجواره طيلة حياته. سبب أن هذا الفيل الذي كان يتغوط ذهبًا ظل بجواره هو أنه في حياة سابقة لكاناكافاتسا وُلِد بزمن بوذا كاشيابا. اعتاد بوذا كاشيابا امتطاء الأفيال كدابّة له. أثناء تلك الحياة، وَهَبَ ورقة ذهبية للفيل باحترام شديد، وكنتيجة لتلك القوى الإيجابية التي تم بناؤها عبر هذا الوهب، وُلِد في زمن بوذا شكياموني، وما إن وُلد، حتى جاءه فورًا هذا الفيل.

مَلِكُ البلاد التي وُلد بها كاناكافاتسا اسمه أجاتاشاترو. كان شخصًا جشعًا في جمع الذهب المجاني، رغب في هذا الفيل، لذا أمر الناس أن يجلبوه إليه. لكن كلما جاؤوا بالفيل إلى الفناء، كان يختفي بأعجوبة تحت الأرض ويظهر مرة أخرى بجوار الطفل. قام الملك بهذا ثلاث مرات وحدث ذات الشيء. سبب هذا، والنقطة التي ترمز لها هذه القصة هي، أن هذا الملك لم تكن لديه إمكانات الكارما الملائمة: لم يبني أسباب الاستمتاع، وكنتيجة لهذا، ثراء هذا الفيل، كان من نصيب الطفل الصغير. قوانين السلوك ونتائجه تفوق التصور، وحتى الملك لم يمتلك القوة ليعدِّلها.

النقطة التالية هي أننا إذا قمنا بفعل مُعيّن، فلن يكون هذا عديم الجدوى؛ ستتبعه نتيجته. يُشار إلى هذا هنا بحقيقة أن الطفل الذي أصبح أحد الستة عشر أرهات، راكَم الأسباب التي جعلت الفيل يبقى بجواره. لهذا لم يكن الفعل الذي قام به في الماضي عندما قدّم ورقة الشجر الذهبية لفيل بوذا كاشيابا، فعلٌ عديم الجدوى: أدى إلى هذه النتيجة. علاوة على هذا، عندما تَقدم كاناكافاتسا في السن، ترك الحياة العائلية، ارتدى الرداء الرهباني وفي النهاية أصبح كائنًا متحررًا، أرهات. لهذا،  نحتاج لأن نعقد العزم على محاولة القيام حتى ولو بأصغر الأفعال البنَّاءة. يجب ألا ننظر لأي فعل إيجابي بأنه ضئيل للغاية، لأنه بعد كل شيء، الوعاء يمتلئ بتراكُم نقاط الماء.

بهذه الطريقة، نعقد العزم على بناء الإمكانات الإيجابية بأي نوع من الأفعال البنَّاءة التي يمكننا القيام بها وتجنب أقل الأفعال الهدَّامة أو السلبية. يجب ألا نخدع أنفسنا بالتفكير في أن ما نقوم به لن يُشكِّل فارقًا، لأننا إذا لم نكن حريصين، حتى فعل هدَّام ضئيل يمكن أن يصبح كارثة. إذا ضربنا وقتلنا بعوضة بعداء، ولم نُقر بأن ما قمنا به كان خطأ، الإمكانات السلبية التي قمنا ببنائها من قتل بعوضة واحدة ستتضاعف في اليوم الثاني إلى الإمكانات السلبية لقتل بعوضتين. في اليوم التالي، ستتضاعف مرة أخرى إلى أربعة، وخلال عام، إذا لم نُقر بتفتح وأمانة بأن ما قمنا به كان خطأ، وطبّقنا المضادات المختلفة لتنقية أنفسنا من الإمكانات السلبية، ستُبْنى إمكانات سلبية عظيمة من هذا الفعل.

بسحق البعوضة بين يدينا، على سبيل المثال، النتائج التي ستثمر عن هذا ستكون ميلادنا في عالم الناركا بأجساد ضخمة. سنجد أنفسنا نقف بين جبلين ونُسحق بينهما. ثم يتباعد الجبلان؛ نَحْيا من جديد؛ ثم نُسحق مرة أخرى، مرة بعد الأخرى. سيستمر هذا حتى تُستنزف كامل الإمكانات السلبية التي قمنا ببنائها.

المهم هو أننا بحاجة لأن نَعِد بتجنب الأفعال السلبية ونحاول بأفضل ما عندنا القيام بأي نوع من الأفعال الإيجابية البنَّاءة، بغض النظر عن صغر حجمها. هذه هي الفكرة الرئيسية، الشيء الأساسي الذي أشار إليه البوذات. نحن نتحدث عن التعاليم والتدريبات الأساسية التي تحدث عنها البوذات وهذا هو الشيء الرئيسي: التصرف بشكل بنَّاء وتجنب التصرف الهدَّام.

اكتساب الثقة في تعاليم البوذات بشأن قانون الأسباب والنتائج السلوكية

تلك النقاط الخاصة بقانون الأسباب والنتائج السلوكية، تمّت مناقشتها في العديد من النصوص المرجعية، على سبيل المثال، في النصوص التقليدية كسوترا الحكيم والغبي وسوترات أخرى من مجموعة نقل كلمات بوذا، الكانغيور. أجزاء تلك الأعمال المُجمّعة مُرقمة بالحروف التبتية، والأجزاء المُرقّمة بالحروف سَ، هـَ وشَ بها كم هائل من المواد المتعلقة بتلك النقاط. من المفيد جدًا دراستها.

كل تلك النقاط المختلفة -على سبيل المثال، إذا تصرفنا بطريقة بنَّاءة، فسيتبع هذا نوعية بعينها من المواقف السعيدة؛ بينما إذا تصرفنا بطريقة هدَّامة فسيتبع هذا نوع بعينه من المشاكل والتعاسة- كل تلك الأشياء نجدها في النصوص المرجعية. نقْبَلها على أساس من مرجعية النصوص، لأنه يصعب للغاية إثباتها عبر المنطق.

إذا فكرنا أكثر بشأنها، نحتاج لأن نتدبر جيدًا في مَن عَلَّمَ تلك النقاط الخاصة بالكارما، مَن هو المرجعية، ما هو مصدر مرجعية تلك النصوص. إذا كان مصدرها الذهن النقي والمتطور بالكامل لبوذا، من المستحيل لمثل هذا الإنسان أن يكذب. علاوة على هذا، نؤسس الاقتناع الواثق والثقة في مرجعية نصوص ما قاله بوذا بشأن قانون الكارما ونتائجه؟ ننظر إلى بعض الأشياء الأخرى التي قالها بوذا في مجموعات تعاليمه المشابهة للسِّلال الثلاث -التريبيتاكا. تلك المجموعات المشابهة للسِّلال الثلاث لتعاليمه عن كيفية الترويض (الفينايابيتاكا)، عن موضوعات التدرب (سوترابيتاكا)، والموضوعات المعرفية الخاصة (أبيدارمابيتاكا).

عند التفكير في الموضوع الذي نجده في تعاليم بوذا الخاصة بالوعي التمييزي الذي سيحملنا بعيدًا (إتقان الحكمة)، سوترا البراجنابراميتا. بهذه المناقشة عن الخلو، الغياب التام لكل الطرق المستحيلة للوجود، نحتاج لأن نرى كل المُسببات الصحيحة لمنطق إثبات أن كل الطرق المستحيلة المتخيلة للوجود لا وجود لها. بالتفكير في كل تلك المسببات المنطقية، سنكون قادرين على تنمية الاقتناع، على أساس من هذا المنطق، أن كل شيء قاله بوذا بشأن الخلو أو الواقع هو صحيح فعلًا. بناءً على هذا، نكتسب اقتناعًا واثقًا قويًا أن بوذا هو مصدر مرجعي صحيح للمعلومات. بناءً على هذا الاقتناع، يمكننا أيضًا الشعور بالثقة بأنه مصدر صحيح للمعلومات بشأن قانون السلوك ونتائجه وأن كل شيء يقوله بشأن الكارما صحيح. على أساس من هذا، سنكون مقتنعين بالشكل الذي نَصِيغ به سلوكنا، حتى أدق مستوى منه، بما يتوافق مع كل ما وَرَدَ بشأن قوانين الأسباب والنتائج السلوكية.

على سبيل المثال، بوذا قال أننا إذا تصرفنا بطريقة بنَّاءة وفقًا للعشرة أنواع من السلوكيات البنَّاءة، النتيجة التي ستثمر عن هذا ستكون إعادة ميلاد على هيئة إنسان أو ديفا. ثم سننظر إلى كل الأشياء التي قالها بوذا بشأن الواقع في تعاليمه عن الوعي التمييزي بالخلو الذي سيحملنا بعيدًا. عندما ندرك عبر المنطق أن كل شيء قاله عن الواقع صحيح، سنطبق تلك الحقيقة على كل شيء آخر قاله بوذا عن الواقع، أي أننا إذا تصرفنا بشكل بنَّاء، سيُعاد ميلادنا كبشر أو كديفات. بهذه الطريقة، سنصبح مقتنعين بأن أساس هذا التصريح صحيح أيضًا.

يقول البعض، "بالطبع يمكننا رؤية وجود البشر، لكن ليس هناك كائنات ديفا ومن السُخف التحدث عن كائنات الناركا والبريتا". يقولون أنه بعض الأشياء يمكن ببساطة إثبات عدم وجودها لأنهم لم يروها. لكن إذا كانت الحالة التي تثبت عدم وجود الشيء هي عدم رؤيته أبدًا، فهذا تسبيب منطقي ضعيف. على الجانب الآخر، للتصديق في أن نتيجة الأفعال البنَّاءة هو إعادة الميلاد كإنسان أو ديفا، ونتيجة الأفعال الهدَّامة هو إعادة الميلاد بالحالات الأسوأ للوجود ككائنات الناركا، البريتا وما شابه، هو شيء ذو أساس قوي -مصدر هذه المعلومات هو بوذا كامل الاستنارة. لذا، من الصحيح تمامًا الاقتناع بثقة بأن ما قاله بوذا صحيح، لأنه مصدر صحيح للمعلومات ومرجعية. على هذا الأساس، نعقد العزم على أن نتبع بالضبط في سلوكنا النموذج الذي وصفه بوذا، لأن كل ما قاله، حتى أصغر التفاصيل، بشأن قانون الكارما السلوكي ونتائجه صحيح وحقيقي.

طريقة وضع هذه النقطة كموضع للتدرب اليومي، هي بالنظر إلى أنفسنا بأمانة ومحاولة أن ندرك متى نتصرف بأي طريقة من الطرق العشرة الهدَّامة. ما إن نلاحظ أننا نتصرف بشكل هدَّام، نحتاج لإيقاف أنفسنا عن فعل هذا. بالمثل، نحتاج لأن نتفحص أنفسنا عندما نقوم بأفعال بنَّاءة. ونشجع أنفسنا أكثر على هذا الاتجاه. هذا هو التدرب الرئيسي؛ هذا ما نبدأ به.

اعتدنا منذ الزمن الذي لا بداية له، على أن نتصرف بطريقة هدَّامة. لذا بغض النظر عما نقوم به، سنجد، بالطبع، أن غرائزنا، عاداتنا وميولنا للتصرف بشكل هدام هي الأكثر سطوة. ستظهر بقوة. لكن ما نحتاج للقيام به هو التقدم ببطء ومثابرة. ببطء، سنكون قادرين على بناء المزيد من العادات الإيجابية. عندما ندرّب أنفسنا وننقِّيها من هذه العادات السيئة، سنجد أن ميولنا للتصرف بطرق قاتمة هدَّامة ستَقِل. ميولنا للتصرف بطرق مشرقة بنَّاءة ستزيد. في النهاية، سنتصرف دائمًا بشكل بنَّاء وإيجابي.

مثال الغيشي بِن غونغ غيال

فكروا في سياق "البناء والتنقية"، والمستخدم في وصف التدريبات التمهيدية. ما نقوم ببنائه هو العادات والميول البنَّاءة والإيجابية المختلفة، وما ننقي أنفسنا منه هو كل الميول السلبية. إذا حكيت لكم الآن بعض القصص من حياة بِن غونغ غيال فقد يكون هذا مفيدًا؛ هي قصص لطيفة للغاية.

كان هناك في التبت معلمًا جيدًا، غيشي، من تقليد الكادام والذي كان اسمه الأصلي بِن غونغ غيال، لكنه معروف أكثر بكنيته بِن كونغيال، ومعناه مَلِكُ قُطاع الطرق الذي من بِنبو. لاحقًا، عندما أصبح متدربًا، أخذ اسم الدارما غيشي تسولتريم غيالوا، والذي يعني "المُوجّه الروحاني الذي انتصر بالالتزام الذاتي الأخلاقي". لكن، قبل أن يصبح متدربًا روحانيًا، عندما كان باسمه القديم، كان قاطع طريق شهير وتصرف بطريقة غاية في القسوة. وجعل أيضًا مزارعًا يُسلّم له بيته الذي كان تقريبًا بحجم أربعين فدانًا. ودائمًا ما كان يقوم بأشياء سلبية بينما يعمل في أرضه، ولذا كان يُطلَق عليه "الشخص ذو الأربعين فدانًا من المشاكل".

كان بأحد الأيام على الجبل مارًا بمنزل، وهناك قابل تاجرًا مسافرًا والذي، بسبب عدم معرفة أن الشخص الذي قابله هو بِن غونغ غيال، سأله، "هل قاطع الطرق الشهير بِن كونغيال في هذا المكان؟" أجابه بِن غونغ غيال، "أنا بِن كونغيال". خاف التاجر وجفل لدرجة أنه سقط من على فرسه  متدحرجًا من الجبل. تأثر بِن غونغ غيال بشدة وفكّر، "إذا كان مجرد اسمي له تلك القوة البشعة؛ فهذا حقًا شيء سيئ. عبر أفعالي قمت ببناء مثل هذه الإمكانات السلبية الهائلة". منمّيًا، بهذه الطريقة، ندمًا شديدًا بشأن أفعاله الماضية، قرّر أن يتخلى عن حياة اللصوص.

التزم بإخلاص مع معلم روحاني، وعمل وتدرب جاهدًا. كان تدربه الأساسي هو هجر الأفعال العشرة الهدَّامة ووضع الأفعال العشرة البنَّاءة موضع التدرب. كان يحتفظ بقائمة فيها كل ما فعله طيلة اليوم. كانت معه قطعة فحم، وإذا قام بأي شيء سلبي أو هدَّام، يرسم خطًا أسودًا على صخرة. كانت لديه أيضًا قطعة من طَبَاشِير أبيض وكل مرة يقوم فيها بشيء إيجابي وبنَّاء، يرسم خطًا أبيضًا. ويحصي الخطوط بهذه الطريقة، حصيلة عددية. في البداية، كان يَحصي فقط خطوطًا سوداءً كل يوم، ولم يكن هناك بالكاد أي خطوط بيضاء؛ لكن في النهاية أصبحت العلامات السوداء أقل وأقل. العلامات البيضاء زادت حتى كان يحصي فقط العلامات البيضاء كل يوم.

في البداية عندما كان يُدرب نفسه بهذه الطريقة، عندما يجد في نهاية اليوم أن لديه علامات سوداء أكثر بكثير من العلامات البيضاء، كان يمسك يده اليسرى بيده اليمنى ويضغط عليها بشدة، كان يُعنِّف نفسه بشدة. كان يقول، "بِن غونغ غيال، لقد كنتَ في السابق شخصًا سيئًا وفاسدًا، ولا تزال تتصرف بطريقة سيئة. لن ينفع هذا أبدًا". كان يُعنّف نفسه بشدة بهذه الطريقة على أنه كان سلبيًا وهدَّامًا في هذا اليوم. لكن بعدها، بينما استمر في تدربه وحساب العلامات في نهاية كل يوم، مثل التاجر الذي يَعُدُّ ما في خزانته بنهاية اليوم، في النهاية حصل على المزيد من العلامات البيضاء. عندها يمسك يده اليمنى بيده اليسرى ويحيي نفسه قائلًا، "الآن أنت حقًا الغيشي بِن غونغ غيال، مَن انتصر بالالتزام الذاتي الأخلاقي. لقد أحسنتَ عملًا". كانت هذه هي الطريقة التي يهنئ نفسه بها.

لكونه متدرب روحاني عظيم، انتشر اسمه في كل مكان. في أحد الأيام ذهب إلى مدينة ليجمع الهِبات وذهب إلى منزل ليتلقى بعض الطعام. كان هناك دلوًا من أوراق الشاي قريبًا من الباب، وبسبب غريزته السابقة عندما كان لصًا والتي كانت قوية وقهرية، مدّ يده تلقائيًا في الدلو وأخذ بعض الشاي. قَبَض على نفسه أثناء قيامه بهذا، ممسكًا يده التي تسرق بيده الأخرى، وصاح بصوت عالٍ مناديًا سيدة المنزل، "سيدتي، تعالي بسرعة، لقد أمسكتُ بلصٍ".

مرة أخرى بينما كان يعيش في كوخ التأمل الخاص به، تلقى رسالة أن الراعي الذي كان يهبه نفقات اعتزاله سيأتي ليزوره في اليوم التالي. استيقظ مبكرًا في ذاك الصباح، نظف ومسح الكوخ جيدًا، ورتب هِباتًا جميلةً على طاولة الهبات. ثم جلس وتفحّص دافعه، لأن هذه هي الطريقة الطبيعية في التدرب. بعدما نرتب طاولة الوهب في الصباح، عندما نبدأ جلسة التأمل، نجلس ونتفحص دافعنا لما نقوم به. عندما جلس وتفحص دافعه وفكر، "لماذا أجهدت نفسي في مسح الغرفة وتنظيفها جيدًا هذا الصباح ونظمت هباتًا جميلة؟" اكتشف أنه كان حقًا تحت تأثير الاهتمامات الدنيوية بالأشياء الزائلة. قام بكل هذه الإعدادات الفخمة ليثير إعجاب راعيه. عندما أدرك أن هذا كان حقًا نوعًا سيئًا من الدوافع، نهض وذهب إلى الباب، حيث يوجد الصندوق الذي يضع فيه كل رماد المدفئة. أخذ حفنة من الرماد ورماه على طاولة الوهب ووسّخ الغرفة تمامًا. أصبح شهيرًا عندها باسم "الغيشي تسولتريم غيالوا، مَن انتصر بالالتزام الذاتي الأخلاقي، الذي ألقى الرماد في وجه كل الاهتمامات الدنيوية".

في مرة أخرى، كان أحدهم يُقدّم الزبادي لمجموعة من المتدربين. كان يجلس في الخلف، وكان هناك الكثيرون مِمَن يقدم لهم، لاحظ أن كل من أمامه كان يحصل على قدر كبير ليأكله. جالسًا في الخلف، أصبح متضايق مِمَن يجلسون في الأمام لحصولهم على كمية كبيرة من الزبادي، بدأ يتساءل ما إذا سيبقى أي شيء عندما يحين دوره، وبهذه الطريقة نمّى أفكارًا سلبية بشأن ما يحدث. عندما وصل إليه أخيرًا الشخص الذي يُقدم الزبادي، أدرك بِن غونغ غيال ما كان يقوم به. قَلَبَ وعاءه وقال، "لا شكرًا، لقد أكلت بالفعل الزبادي بمشاهدة هؤلاء الذين أمامي".

كان بِن غونغ غيال يقول دائمًا أنه مجرد متدرب بسيط. وطريقته في التدرب الروحاني هي أنه وقتما وجد نفسه يتصرف بشكل سلبي هدَّام، يتضايق ويصبح شديد الحذر؛ وعندما يتصرف بشكل إيجابي بنَّاء، يسمح لنفسه بالاسترخاء. اعتاد أن يقول، "هذه طريقة تدربي".

النقطة الرئيسية هنا هي أننا كمتدربين على الدارما نحتاج لأن نَحرُس دائمًا أذهاننا. نحتاج لأن نتحقق دائمًا من مواقفنا الداخلية وطريقة تصرفنا. نحتاج لأن يكون هذا اهتمامنا الرئيسي. يجب أن نحاول ألا نراقب الآخرين بترصّد، والذي هو ليس من شأننا. يجب فقط أن نراقب أنفسنا ونتفحّص كيف نتصرف. هذا شيء ذكره أيضًا العظيم شانتيديفا. يُوصف هذا في نصنا بالبيت التالي:

(4) مِثل الظل الذي يتبع الجسد، اَطلب الإلهام لاَعتني دائمًا بتخليص نفسي حتى من أصغر وأقل فعل يبني شبكة الأخطاء وأن أُنجز كل المآثر الممكنة لبناء شبكة القوة البنَّاءة.

عندما نقول هنا، " اَطلب الإلهام لاَعتني دائمًا"، فهذا يعني إلهام ألا نتصرف بطريقة جامحة طائشة. على سبيل المثال، على مستوى أفعال الجسد، أن نتأكد من أننا لا نقضي وقتنا في تناول المشروبات الكحولية، التدخين، تعاطي المخدرات وما شابه، التصرف بطريقة جامحة دون تحكم. في سياق حديثنا، أن نراقب ما نقوله ولا نترك الكلمات تخرج من فمنا دون تفكير، نقول أي شيء يدور في رؤوسنا. بالمثل، في سياق أذهاننا، أن نتأكد من ألا ندع أذهاننا تشْرُد خلف تسلسل الأفكار السلبية الخاصة إما بتمني الأذى للآخرين أو الجشع أو أيًا كان. يعني هذا أن نكون في غاية الحِرص ونتأكد أننا لا نتصرف باستهتار. هذا شيء أشار إليه أيضًا العلاَّمة العظيم تشاندراكيرتي في كتابه، "مادياميكاأفاتارا"، "المُكمِّل لـ('الأبيات الرئيسية' لنغرجونا عن الطريق الأوسط)". بهذا النص، يضع تشاندراكيرتي تأكيدًا كبيرًا على حراسة سلوكنا حتى نُخلّص أنفسنا من الأفعال العشرة الهدَّامة.

أهمية المحافظة على أخلاقيات صارمة

عندما ننظر لكل تلك التدريبات الخاصة بالسلوك الأخلاقي ونحاول تجنب أي أفعال هدَّامة ونتصرف دائمًا بشكل إيجابي بنَّاء، نرى أن مثل هذا التدرب يأتي تحت عنوان تدرب شخص ذو مستوى الدافع الأولي. الآن، يجب ألا نترك هذا بينما نتقدم في التدرب ونفكر، "هذا تدرب تافه للمبتدئين ولا يعنيني". بدلًا من هذا، المحافظة على التزام أخلاقي صارم يجب أن يكون الأساس الراسخ الذي نضعه لأي تدرب نقوم به في المستقبل. إنه مثل الوقوف على قدمين -يُشكل الأساس القوي الثابت للسّير قُدُمًا.

إذا تهاونا ونظرنا باحتقار للتدرب على الالتزام الذاتي الأخلاقي بعدم التصرف بشكل هدَّام والمحاولة الدائمة لأن نكون إيجابيين وبنَّائين، وقلنا أن هذا ليس ضروري، وإذا، علاوة على هذا، حاولنا تحليل الخلو، أو على أساس من هذا، حاولنا أن نكرِّس قلوبنا لهدف البوديتشيتا، أو بعد هذا، حاولنا القيام بالتدريبات السرية للتانترا، فأي من هذا لن ينجح على الإطلاق. يجب أن يكون لدينا أساس الأخلاق كقدمين للوقوف وعندها فقط يمكننا اتخاذ أي خطوة من هذه الخطوات الإضافية؛ لا يمكننا القيام بأي منها دون هذا الأساس. في الماضي، كان هناك غيشي مُتعلم بشكل كبير من منغوليا، كان يُقيم في دير سِرا. عندما جاء شخص غني وطلب منه أن يعطيه تعاليم عن الخلو، قال له، "دع الخلو. اهتم بألا تكون اللص الذي أنت عليه الآن". 

من المهم للغاية اتباع التدرب الأخلاقي وتجنب التصرف بأي من هذه الطرق الهدَّامة. لديكم معلمين روحانيين عِظَام هنا ويجب أن تطلبوا منهم المزيد من التعاليم والتوجيهات عن سلوك الكارما ونتائجه. خاصة، أسألوهم عن ما هي نوعية الأفعال البنَّاءة والهدَّامة، وتدربوا على الأولى وتجنبوا الأخيرة بأفضل ما يمكنكم. إذا تدربتم جيدًا بهذه الطريقة، سيمكنكم تجنب السقوط في حالات إعادة الميلاد الأسوأ. على أساس من هذا، ستكونون قادرون على اكتساب إعادة الميلاد كبشر أو ديفات. عندها ستكونون قادرون على الاستمرار في الحصول على المزيد من إعادات الميلاد الجيدة حياة بعد حياة. ستكونون قادرون على العمل بهذه الطريقة وتحقيق حالة استنارة بوذا. هذا ليس صعبًا.

هناك عشرة أفعال أساسية هدَّامة وعشرة بنَّاءة. نحتاج لأن نحاول مراقبتها ونكون واعين جدًا بما نقوم به. نحتاج لأن نكون مثل المعلم العظيم، بِن غونغ غيال، فيما له علاقة بالمحافظة على تفحصنا لأنفسنا، وبهذه الطريقة سنتحسن. قال بِن غونغ غيال في إحدى المرات، "عندما كنت قاطع طريق واَتّبعُ طرقي القديمة، زرعت أربعين فدانًا. قمت بصيد الحيوانات والأسماك؛ نهبت القوافل التي تمر بالمكان الذي أعيش فيه. لكنني لم أجد طعامًا يكفيني. لم ألبّي احتياجاتي. الآن، عندما تخليت عن الاهتمام بكل الأمور الدنيوية، لدي أكثر مما يكفيني والناس دائمًا يهبونني المزيد والمزيد -أكثر مما يمكنني استخدامه". وأضاف: "في السابق، كان فمي يجد بالكاد طعامًا يملؤه، لكن الآن الطعام بالكاد يجد مكانًا كافيًا في فمي".

لذا، نحتاج لأن نستخدم ما لدينا بطريقة صحيحة، مثل تقديم الهِبات بأي نوع من الممتلكات والثراء الذي قد يكون لدينا. يجب ألا نهدرهما. يجب ألا نهتم فقط بأنفسنا بمحاولة العثور فقط على ما يملأ أفواهنا. يجب أن نحاول ألا نكون مهتمين فقط بالإرضاء الفوري لرغباتنا. القيام بهذا يجعلنا ببساطة مثل الدجاج، يسير في كل مكان محاولًا فقط ملأ فمه بالطعام، أو مثل الفئران. إذا كنا متدربين روحانيين مخلصين، لن نحتاج أبدًا أن نقلق بشأن الموت جوعًا. هذا لم يُسمع عنه قط، مِن بين مئات آلاف المتدربين، لم يمُت أحدهم أبدًا جوعًا.

لذا، بعثورنا على إعادة الميلاد البشري، الأساس المتميز للعمل الذي لدينا، من المهم التدرب بشكل صحيح والاستفادة منه بهذه الطريقة. سبب هذا هو أننا نرغب في أن نكون سعداء ولا نرغب في أن تكون لدينا أي مشاكل أو معاناة. أسباب السعادة تم شرحها هنا في سياق الأفعال البنَّاءة. أسباب التعاسة والمشاكل بالمِثل تمّ شرحها هنا في سياق التصرف بشكل هدَّام وسلبي. لذا، بما أننا نرغب في السعادة، نحتاج لأن نتصرف بطريقة تبني لنا الأسباب التي ستجلبها لنا.

مساوئ إعادات ميلاد السامسارا غير المتحكم بها بالكامل

حتى على الرغم من أن التدرب بطريقة أخلاقية يمكنه أن يبقينا بعيدًا عن الميلاد بإحدى الحالات الأسوأ، ويمكننا أن نولد بدلًا من هذا كبشر أو كديفات، يجب ألا نكون قانعين فقط بهذا. بغض النظر عن نوعية موقف السامسارا المتكرر غير المتحكم به الذي قد يُعاد ميلادنا به، سيتضمن المزيد من أنواع المشاكل والمعاناة. ليس هناك موقف متكرر غير متحكم به سعيد وآمن حقًا. عندما نصل إلى مستوى الفهم هذا، فهذا مثل التقدم للفصل الدراسي التالي بالمدرسة. يُناقَشُ هذا في البيت التالي الذي يقول:

(5) روائع الوجود القهري، حتى عندما ننغمس فيها، لا تَكفي أبدًا، هي بوّابة كل المشاكل، ولا تصلح لجعل ذهني آمنًا. بوعيي بهذه المساوئ، اَطلب الإلهام لأنمّي اهتمامًا وشغفًا عظيمين بنعيم التحرر.

تحدثنا سابقًا عن محاولة تجنب إشكاليات إعادة الميلاد بإحدى حالات إعادة الميلاد الأسوأ. نمد الآن نطاقنا ونفكر في سياق أي نوع من المواقف المتكررة غير المتحكم بها في وجودنا القهري. بغض النظر عن كم تبدو رائعةً، الأشياء، المناصب والمُتع المختلفة التي لن تكفي أبدًا. هي فقط تجلب المزيد من المشاكل والصعوبات. لذا، نحاول تنمية العزم على التحرر الكامل من كل المشاكل والاضطرابات. هذا ما يعنيه التخلي. على أساس من هذا العزم على التحرر، نتخذ اهتمامًا إضافيًا بتحقيق حالة التحرر. هذا نطاق الدافع الذي يتم شرحه في هذا البيت.

أساس كل هذا، قبل أي شيء، هو وجود أساس راسخ -أي، الالتزام المخلص للمعلم الروحاني- ثم التفكير في تميز أساس العمل، الميلاد البشري الثمين، بكل راحاته ومثرياته الذي لدينا. نحتاج لأن ندرك ونُقدر تلك الفرص وكيف يصعب العثور عليها. ثم، نحتاج لأن نفكر بشأن الموت وكيف أنه لا يوجد موقف سيظل ثابتًا. تلك الفرص ستُفقد، وبعد الموت يمكن أن يُعاد ميلادنا بإحدى حالات إعادة الميلاد الأسوأ. التفكير في كل تلك المعاناة والمشاكل الرهيبة التي يمكن أن نواجهها، نسعى حينها للتوجه الآمن لتجنب كل هذا. طريقة اتخاذ التوجه الآمن للملجأ هي بتشكيل سلوكنا بما يتوافق مع قانون الكارما السلوكي ونتائجه. كل هذا ناقشناه بالفعل.

سنُكمل مناقشة هذا البيت في الجلسة التالية.

Top