شرح "الأبيات الثمانية لتدريب الذهن" – الدالاي لاما

نصادف أحيانًا أشخاصًا في غاية السلبية، أو آخرين يصيحون علينا، أو أشخاصًا ساعدناهم ولا يظهرون الامتنان. إذا غضبنا وتضايقنا منهم، نفقد قدرتنا على أن نكون ذوي أي فائدة. لكن بأدوات تدريب الذهن، يمكن أن نغير موقفنا الداخلي تجاههم حتى لا نظل فقط هادئين، ولكن قادرين بشكل أفضل على مساعدة الآخرين. "الأبيات الثمانية لتدريب الذهن"، أو تدريب المواقف الداخلية، هو نص كتبه غيشي الكادم لانغري تانغبا، شارحًا فيه كيف ندرب أذهاننا بالأدوات والحكمة حتى يمكننا تغيير مواقفنا الداخلية عندما نكون عرضة لخطر أن نتضايق. السبعة أبيات الأولى تتعامل مع الأدوات -أي الطيبة المُحبة والبوديتشيتا- والثامن يتعامل مع الحكمة، الوعي التمييزي.

البيت الأول: جميع الكائنات أسمى من جواهر تحقيق الأمنيات

ليتني أُوثِر دائمًا جميع الكائنات المحدودة، معتبرًا إياهم، من أجل تحقيق الهدف السامي، الأكثر سموًا من جوهرة تحقيق الأمنيات.

نحن أنفسنا وجميع الكائنات نرغب في أن نكون سعداء وأحرارًا تمامًا من المعاناة. في هذا الشأن نحن جميعًا متشابهون تمامًا. مع ذلك، كل منا شخص واحد قائم بذاته، بينما الكائنات الأخرى عددها لا نهائي.

الآن، هناك موقفان داخليان لنتدبر بهما: الموقف الخاص بالإيثار الأناني للذات فقط والآخر الخاص بإيثار الآخرين. الموقف الداخلي لإيثار الذات يجعلنا منغلقين للغاية. نفكر في أننا مهمين جدًا ورغبتنا الأساسية هي أن نكون نحن سعداء وأن تسير أمورنا بشكل جيد لصالحنا. مع ذلك نحن لا نعرف كيف نحقق هذا. في الحقيقة، التصرف القائم على إيثار الذات لا يمكنه أن يجعلنا سعداء. على الجانب الآخر، هؤلاء مَن لديهم الموقف الداخلي لإيثار الآخرين ينظرون لجميع الكائنات بأنهم أكثر أهمية من أنفسهم ويُثمنون مساعدة الآخرين على أي شيء آخر. وبتصرفهم بهذه الطريقة، وكنتيجة عرضية يصبحون أنفسهم سعداء.

على سبيل المثال، السياسيون الذين يهتمون بشكل مخلص بمساعدة أو خدمة الآخرين يُذكرون في التاريخ باحترام، بينما هؤلاء من يستغلون ويقومون بأشياء سيئة للآخرين يُذكرون كمثال على الأشخاص السيئين. للحظات، لندع جانبًا الدين، الحيوات المستقبلية والنرفانا، حتى في هذه الحياة، الأشخاص الأنانيون يجلبون لأنفسهم تبعيات سلبية عبر أفعالهم المتمركزة حول الذات. على الجانب الآخر، أشخاص مثل الأم تيريزا، مَن كرسوا كامل حياتهم وطاقتهم بإخلاص للخدمة الغيرية للفقراء، المحتاجين والضعفاء، يُذكرون دائمًا باحترام لعملهم النبيل. الآخرون ليس لديهم أي شيء سلبي يذكرونه بشأنهم.

هذا نتيجة إيثار الآخرين: سواء رغبنا في هذا أم لا، حتى هؤلاء الذين هم ليسوا أقاربنا سيحبوننا دائمًا ويشعرون معنا بالسعادة، وتكون لديهم مشاعر دافئة تجاهنا. إذا كنا من الأشخاص الذين يتحدثون دائمًا أمام الآخرين بشكل لطيف، لكن نقول أشياء بغيضة عنهم من خلف ظهورهم؛ بالطبع، لا أحد سيحبنا. بالتالي، حتى في هذه الحياة، إذا حاولنا مساعدة الآخرين بقدر استطاعتنا وكان لدينا أقل قدر من الأفكار الأنانية، سنختبر سعادة أكثر.

حياتنا ليست طويلة؛ مائة عام على الأكثر. إذا، خلال هذه الفترة، حاولنا أن نكون طيبين، ذوو قلوب دافئة، معتنين برفاهة الآخرين وأقل أنانية وغضبًا، سيكون هذا رائع، ممتاز. هذا حقًا سبب للسعادة. إذا كنا أنانيين، دائمًا نفكر في أنفسنا أولًا قبل الآخرين، النتيجة الفعلية لهذا ستكون أننا دائمًا سنأتي في المؤخرة. أن نضع أنفسنا ذهنيًا في المؤخرة والآخرين في المقدمة هي الطريقة التي نتقدم بها. لذا لا تقلقوا بشأن الحياة التالية أو النرفانا؛ تلك الأشياء تأتي بالتدريج. إذا، خلال هذه الحياة، استمررنا في أن نكون طيبين، دافئي القلوب، غير أنانيين، سنكون مواطنين جيدين بهذا العالم.

سواءً كنا بوذيين، مسيحيين أو شيوعيين، فهذا غير ذو صلة؛ المهم هو أنه طالما نحن بشر، نحتاج لأن نكون بشرًا جيدين. هذه هي تعاليم البوذية؛ هذه هي الرسالة التي تحملها جميع ديانات العالم. مع ذلك، تحتوي تعاليم البوذية على كل الأدوات لاستئصال الأنانية وتحقيق موقف داخلي معتنٍ بالآخرين. النص الرائع لشانتيديفا، الانخراط في سلوك البوديساتفات (بوديتشارياأفاتارا بالسنسكريتية)، على سبيل المثال، مفيد للغاية في هذا. أنا أتدرب بشكل شخصي وفقًا لهذا الكتاب؛ إنه مفيد جدًا.

أذهاننا مخادعة للغاية، يصعب التحكم بها. لكن، إذا بذلنا جهدًا دائمًا وعملنا بلا كلل مع المسببات المنطقية والتحليلات الدقيقة، سنكون قادرين على التحكم بأذهاننا ونغيرها للأفضل.

بعض علماء علم النفس الغربيون يقولون أن علينا ألا نكبت غضبنا، أن نعبر عنه. يقولون، في الحقيقة، أننا يجب أن نمارس الغضب. مع ذلك، يجب أن نقوم بتفرقة هامة هنا بين المشاكل الذهنية التي نحتاج لأن نعبر عنها وتلك التي من الأفضل ألا نعبر عنها. أحيانًا، قد نكون مخطئين حقًا ومن الصحيح أن نعبر عن حزننا بدلًا من أن نتركه يتقيح داخلنا. لكن، ليس من المفيد أن نعبر عن غضبنا. إذا احتضنا المشاعر المزعجة مثل الغضب، ستصبح جزءًا من شخصيتنا. كل مرة نعبر فيها عن غضبنا، سيصبح من الأسهل علينا أن نعبر عنه مرة أخرى. نقوم بذلك أكثر وأكثر حتى نصبح ببساطة أشخاص عصبيين بالكامل وفاقدي السيطرة. بالتالي في سياق المشاكل الذهنية، هناك بالتأكيد بعضها الذي من الملائم التعبير عنه، لكن مشاعر أخرى ليس من الملائم التعبير عنها.

في البداية عندما نحاول التحكم في المشاعر المزعجة، يكون هذا صعب. أول يوم، أول أسبوع، أول شهر، لا يمكننا التحكم بها. لكن، مع الجهد المستمر، سلبياتنا ستبدأ تدريجيًا في الانخفاض. التقدم في التنمية الذهنية لا يأتي عبر أخذ الدواء أو مواد كيميائية أخرى؛ هذا يعتمد على التحكم بالذهن. بالتالي، يمكننا أن نرى أننا إذا رغبنا في تحقيق أمنياتنا، سواءً كانت مؤقتة أو نهائية، نحتاج إلى التحكم بأذهاننا ونتخلى عن إيثار الذات. لهذا، نحتاج لأن نعتمد على الكائنات الأخرى أكثر من اعتمادنا على الجواهر المحققة للأمنيات. بعبارة أخرى، نحتاج دائمًا أن نؤثر الآخرين أكثر من أي شيء آخر، لأن الموقف الداخلي المؤثر للآخرين هو بالتأكيد الذي سيحقق لنا أمنياتنا.

تحسين أذهاننا والقيام بالفعل بشيء لمساعدة الآخرين شيئان في غاية الأهمية. أولًا، إذا لم يكن لدينا دافع نقي، أي شيء نقوم به لن يكون مُرْضي. لهذا، أول شيء نحتاجه هو أن ننمي الدافع النقي. لكن لا نحتاج لأن ننتظر حتى ينمو دافعنا بشكل كامل قبل القيام فعلًا بشيء لمساعدة الآخرين. بالطبع، لنساعد الآخرين بأكثر الطرق فاعلية، يجب أن نكون بوذات كاملي الاستنارة. حتى لمساعدة الآخرين بالطرق الشاسعة والمكثفة، نحتاج لأن نكون قد حققنا أحد مستويات البومي لذهن الأريا بوديساتفا -أي، نحتاج لأن يكون لدينا إدراك غير نظري للخلو- وأن نصل لقوة الإدراك الاستثنائي. مع ذلك، هناك العديد من المستويات للمساعدة التي يمكن أن نقدمها. حتى قبل أن نحقق تلك المؤهلات، يمكننا أن نحاول التصرف مثل البوديساتفات. لكن من الطبيعي أن أفعالنا ستكون أقل فاعلية من أفعالهم.

لذا، دون انتظار لأن نصبح مؤهلين بالكامل، يمكننا أن نُوَلد الدافع الطيب، ومن خلاله، نحاول مساعدة الآخرين بأفضل ما في استطاعتنا. هذا مدخل أفضل وأكثر توازنًا عن البقاء ببساطة في مكان منعزل للقيام بنوع من التأمل وبعض الترديدات. بالطبع، هذا يعتمد بقدر كبير علينا كأفراد. إذا كنا واثقين من أن بقاءنا في مكان منعزل يمكنه أن يُكسبنا إدراكات مؤكدة خلال فترة معينة، فهذا شيء مختلف. لربما من الأفضل أن نقضي نصف وقتنا في العمل النشط والنصف الآخر في التدرب على التأمل.

البيت الثاني: اعتبار أنفسنا أقل من الآخرين وتقدير الآخرين أكثر من أنفسنا

ليتني كلما كنت في صحبة الآخرين، أعتبر نفسي أقل من الجميع، ومن عميق قلبي، أقدر قيمة الآخرين أكثر مما أقدر قيمتي.

بغض النظر عمن نحن معه، عادة ما نفكر مثل، "أنا أقوى منه"، "أنا أجمل منها"، "أنا أكثر ذكاءً"، "أنا أكثر ثراءً"، "أنا أحمل مؤهلات أكثر"، وما شابه. نولد الكثير من الكبرياء. هذا ليس جيدًا. بدلًا من هذا، نحتاج دائمًا لأن نُذكر أنفسنا أن نظل متواضعين. حتى عندما نساعد الآخرين وننخرط في الأعمال الخيرية، يجب ألا ننظر لأنفسنا بطريقة متغطرسة كحماة عظام يساعدون الضعفاء. هذا، أيضًا، كبرياء. بدلًا من هذا، نحتاج لأن ننخرط في مثل هذه الأنشطة بتواضع كبير ونفكر أننا نهب خدمتنا للآخرين.

عندما نقارن أنفسنا بالحيوانات، على سبيل المثال، قد نفكر، "لدي جسد بشري" أو "أنا راهب" أو "أنا راهبة" ونشعر بأننا أفضل من الآخرين. من منظور ما، يمكننا أن نقول أنه لدينا أجساد بشرية وأننا نتدرب على تعاليم بوذا وأننا أفضل بكثير من الحشرات. لكن من منظور آخر، يمكن أن نقول أن الحشرات في غاية البراءة وخالية من المكر، بينما نحن عادة ما نكذب و بطرق مخادعة نحرف الطريقة التي نقدم بها أنفسنا لتحقيق أغراضنا أو لتحسين صورة أنفسنا. من هذا المنظور، يجب أن نقول أننا أسوأ من الحشرات، والتي تعيش حياتها دون أن تدعي أي شيء. هذه أحد طرق التدرب على التواضع.

البيت الثالث: مواجهة وتجنب المشاعر المزعجة بوسائل قوية

ليتني في أي مما أقوم به، أتفحص دائمًا استمراريتي الذهنية، وفي اللحظة التي تظهر فيها المفاهيم أو المشاعر المزعجة أن أواجهها وأتجنبها بالوسائل القوية، لأنها تُضعفني وتُضعف الآخرين.

إذا تفحصنا أذهاننا في الوقت الذي نكون فيه أنانيين ومشغولين بأنفسنا للدرجة التي نقصي فيها الآخرين، سنجد أن المشاعر المزعجة والمواقف الداخلية السلبية هما جذور هذا السلوك. حيث أنهما يزعجان أذهاننا بشدة، في الوقت الذي نلاحظ فيه أننا نقع تحت تأثيرهما، نحتاج إلى تطبيق بعض المضادات.

المضاد العام لكل المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة هو التأمل على الخلو؛ لكن، هناك أيضًا مضادات خاصة والتي يمكن، كمبتدئين، تطبيقها. وهكذا، للتعلق، نتأمل على القبح؛ للغضب، على الحب؛ للغُفل، على النشوء الاعتمادي؛ للعديد من المشاعر المزعجة، نتأمل على التنفس وطاقة الرياح.

ننمي التعلق بالأشياء لأننا نراها جذابة. نحاول أن نراها غير جذابة، أو قبيحة، نعاكس هذا. على سبيل المثال، قد ننمي التعلق بجسد شخص آخر، نرى شكله أو شكلها كشيء جذابٍ للغاية. عندما نبدأ في تحليل هذا التعلق، نجد أنه قائم على مجرد رؤية الجلد. مع ذلك، طبيعة هذا الجسد التي تظهر لنا جميلة مكونة من لحم، دم، جلد وما شابه.

الآن، دعونا نحلل الجلد البشري: لنأخذ جلدنا، على سبيل المثال. إذا قطع جزء منه ووضعناه على الرف لعدة أيام، يصبح شيئًا مقرفًا للغاية. هذه طبيعة الجلد. كل أجزاء الجسد ذات الشيء. ليس هناك جمال في قطعة من اللحم البشري. عندما نرى بعض الدم، قد نشعر حتى بالخوف، ليس التعلق. حتى الوجه الجميل -إذا خُدِش تمامًا، ليس فيه أي جمال. القبح، عندها، هذه، في الحقيقة طبيعة الجسد المادي. العظام البشرية، الهيكل العظمي، مقرفين للغاية. علامة الجمجمة والعظمتين المتقاطعتين لهما دلالة سلبية جدًا، أليس كذلك؟

هذه هي طريقة تحليل الشيء الذي نشعر تجاهه بالتعلق أو الحب -مستخدمًا هذه الكلمة بالمعنى السلبي للرغبة الجارفة والتعلق. فكروا أكثر في الجانب القبيح للشيء؛ حللوا طبيعة الشخص أو أي شيء من هذا المنظور. حتى إذا لم يتحكم هذا بالكامل في تعلقنا، على الأقل سيساعدنا على إخضاعه قليلًا. هذا هو الهدف من التأمل أو بناء عادة النظر إلى الجانب القبيح للأشياء.

النوع الآخر من الحب، أو الطيبة، ليست قائمة بسبب أن "هذا الشخص جميل، ولهذا السبب أشعر بالإعجاب به ولذا سأظهر له الطيبة". أساس الحب النقي هو، "هذا كائن حي يرغب في السعادة، لا يرغب في المعاناة، ولديه الحق في السعادة. على أساس من هذا، أشعر بالحب والشفقة". هذا النوع من الحب مختلف بالكامل عن النوع السابق، والقائم على الغُفل والجهل ولهذا فهو خاطئ بالكامل.

أسباب الطيبة المُحبة صحيحة. مع الحب الذي هو ببساطة تعلق، أدنى تغيير في الشيء، مثل تغير صغير في الموقف الداخلي، يتسبب فورًا في تغيرنا. هذا لأن مشاعرنا قائمة على شيء سطحي تمامًا. لنأخذ، على سبيل المثال، زيجة جديدة. عادة بعد عدة أسابيع، شهور، أو أعوام، يصبح الزوجان أعداءً وينتهي بهم الحال للطلاق. تزوجوا عن حب عميق -لا أحد يختار الزواج عن كراهية- لكن، بعد فترة قصيرة، كل شيء يتغير. لماذا؟ بسبب الأساس السطحي للعلاقة؛ تغيير صغير في الشخص الآخر يتسبب في تغير كامل في الموقف الداخلي للآخر.

نحتاج لأن نفكر، "الشخص الآخر كائن بشري، مثلي. أنا بالتأكيد أرغب في السعادة؛ لهذا، هو أو هي يرغبون بالتأكيد في السعادة. ككائن حي، لدي الحق في السعادة؛ لنفس السبب الشخص الآخر، أيضًا، لديه الحق في أن يكون سعيدًا". هذا النوع من المنطق الصحيح يولد الحب والشفقة النقيين. عندها، بغض النظر عن تغير رؤيتنا للشخص الآخر -من جيد لسيئ لقبيح- هو أو هي بالأساس ذات الكائن الحي. بالتالي، بما أن السبب الرئيسي لإظهار الطيبة المحبة قائم دائمًا، مشاعرنا تجاه الشخص الآخر ثابتة تمامًا.

من الواضح، عندما نستمتع بصحبة شخص نحن متعلقون به أو عندما نستمتع بشيء نحن متعلقون به، نختبر نوعًا من المتعة. لكن، كما قال ناغرجونا في الإكليل النفيس (راتنافالي بالسنسكريتية) (البيت 169).

حك موضع الحكة يجلب المتعة، لكن الأكثر متعة هو ألا يكون لدينا حكة. بالمثل، إرضاء الرغبات الدنيوية شيئ ممتع، لكن الأكثر متعة هو ألا يكون لدينا رغبة.

المضاد للغضب، على الجانب الآخر، هو التأمل على الحب. هذا لأن الغضب هو حالة ذهنية في غاية العنف والشدة لذا نحتاج لأن نُلطفها بالحب.

بالمثل بالنسبة للغفل، نتأمل على الإثني عشر رابط للنشوء الاعتمادي، نبدأ من عدم الوعي أو الجهل ونتتبعهما وصولًا للموت. على المستوى الأقل وضوحًا، يمكننا استخدام النشوء الاعتمادي كسبب لإثبات أن الظاهرة خالية من الوجود المُثبت فعليًا.

البيت الرابع: إيثار شخصٍ قاسٍ مثل كنزٍ من الجواهر

ليتني أينما رأيت كائنات قاسية غير حساسة، والتي تغلبها السلبيات والمشاكل الخطيرة، أن أُوثِرَهم كأنهم كنز الجواهر الثمينة الذي يصعُب العثور عليه.

إذا صادفنا شخص طبيعته قاسٍ جدًا، خشن، سيئ وغير سار، رد فعلنا العادي هو أن نتجنبه أو نتجنبها. في مثل هذه المواقف، اعتناؤنا المُحب بالآخرين حتمًا سينخفض. بدلًا من السماح لحب الآخرين أن يضعف عبر التفكير في كم هو أو هي أشخاص سيئين، نحتاج لأن نراه أو نراها كمحل خاص للحب والشفقة، ونُؤثر هذا الشخص كما لو أننا صادفنا كنزًا ثمينًا يصعب العثور عليه.

البيت الخامس: تقبل الخسارة على أنفسنا ومنح النصر للآخرين

ليتني كلما عنفني الآخرون، أهانوني، أو حتى ما هو أكثر، ظالمين إياي نتيجة لغيرتهم، أن أتقبل الهزيمة على نفسي وأهب النصر للآخرين.

إذا أهاننا، أساء لنا، أو انتقدنا شخص ما، قائلًا أننا غير كفوؤين ولا نعرف أي شيء، في الأغلب سنغضب بشدة ونجادل فيما يقوله هذا الشخص. يجب ألا نحاول أن نستجيب بهذه الطريقة. بدلًا من هذا، بالتواضع والتحمل، نحتاج لأن نتقبل تلك الكلمات القاسية.

على الرغم مِن احتياجنا للتواضع ولتقبل الكلمات القاسية، مع ذلك، في بعض الأحيان نحتاج لأن نكون واقعيين بشأن الخصال الجيدة التي لدينا. لكن نحتاج لأن نُفرق بين الثقة في قدراتنا والكبرياء. نحتاج لأن يكون لدينا ثقة في أي خصال ومهارات جيدة لدينا وأن نستخدمها بطريقة شجاعة، لكن بدون الشعور بكبرياء متغطرس بسببها. التواضع لا يعني الشعور بأننا غير أكفاء وعاجزين. التواضع يتم تنميته كمضاد للكبرياء، لكن نحتاج لأن نستخدم أي خصال جيدة لدينا بأقصى شكل لها.

الشكل المثالي، نحتاج لأن يكون لدينا قدرًا هائلًا من الشجاعة والقوة، لكن ليس لنتفاخر بها أو نصنع جلبة حولها. ثم، في وقت الحاجة، نكون على قدر المسئولية ونحارب بشجاعة لأجل ما هو صحيح. هذا مثالي. إذا لم يكن لدينا أي خصال جيدة، لكن نتفاخر في كل مكان بشأن كم نحن عظماء، وفي وقت الحاجة، نتقاعس بالكامل، فهذا هو المعاكس تمامًا. الشخص الأول في غاية الشجاعة، لكن ليس لديه كبرياء؛ الشخص الآخر كبرياؤه هائل، لكن ليست لديه شجاعة.

فيما يخص نصيحة أن نتقبل الخسارة على أنفسنا وأن نهب النصر للآخرين، نحتاج لأن نُفرق بين نوعين من المواقف. إذا، من جانب، كنا مهوسين برفاهيتنا الشخصية ودافعنا في غاية الأنانية، نحتاج لتقبل الهزيمة ونهب النصر للآخرين، حتى إذا كانت حياتنا على المحك. لكن إذا، على الجانب الآخر، كان الموقف أن رفاهة الآخرين على المحك، نحتاج لأن نعمل بكد شديد ونحارب من أجل حقوق الآخرين، ولا نقبل الخسارة إطلاقًا. فبعد كل شيء، أحد العهود الستة والأربعين للبوديساتفات هو، في الموقف الذي يقوم فيه شخص ما بشيء مؤذي للغاية، لا نمتنع عن استخدام الأدوات القوية أو أي شيء آخر ضروري لإيقاف هذا الشخص فورًا، هذا إذا فشلت كل الطرق السلمية. بعبارة أخرى، إذا لم نتصرف بقوة، عندما نمتلك القدرة، فقد انتهكنا التزامنا.

قد يبدو أن عهود البوديساتفا والبيت الخامس هنا، والذي يقول أنه علينا أن نقبل الهزيمة ونهب النصر للآخرين، متناقضين؛ لكنهما ليسا كذلك. تتعامل قواعد سلوك البوديساتفات مع المواقف التي يكون فيها أول اهتماماتنا هو رفاهية الآخرين: إذا قام شخص بشيء غاية في الإيذاء والخطورة، من الخطأ ألا نتخذ إجراءات قوية لإيقافه، إذا كان هذا ضروريًا.

هذه الأيام، في مجتمع تنافسي للغاية، الإجراءات الدفاعية القوية أو ما شابهها غالبًا ما تكون مطلوبة. مع ذلك، الدافع لهذا يجب ألا يكون الإيثار الأناني للذات، لكن الشعور القوي بالطيبة والشفقة تجاه الآخرين. إذا تصرفنا بمثل هذه المشاعر لإنقاذ الآخرين من خلق كارما سلبية، سيكون هذا صحيح بالكامل.

أما عن كيف نحكم على ما إذا كان من الضروري اتخاذ أفعال قوية، فهذا شيء معقد. عندما نفكر في قبول الهزيمة على أنفسنا، نحتاج لأن نرى ما إذا كان منح النصر للآخرين سيكون مفيدًا لهم على المستوى النهائي أم فقط على المستوى المؤقت. نحتاج أيضًا لأن نفكر في تأثير قبول الهزيمة على أنفسنا على قدرتنا في مساعدة الآخرين بالمستقبل. من الممكن أيضًا أنه بقيامنا بشيء مؤذٍ الآن للآخرين، نخلق قدرًا هائلًا من الإمكانات الإيجابية التي ستمكننا من القيام بأشياء أكثر فائدة للآخرين على المدى الطويل. هذا عامل آخر نحتاج لأن نضعه باعتبارنا.

كما قال شانتيديفا في الانخراط بسلوك البوديساتفات (الفصل الخامس، البيتان الثالث والثمانين والرابع والثمانين):

سأتدرب على المواقف الداخلية الست الأكثر سموًا التي ستحملني بعيدًا، الخاصة الكرم، واحدًا بعد الآخر. لن أتخلى أبدًا عن الأعظم من أجل الأصغر: والأكثر أهمية هو أني سأضع في اعتباري نفع الآخرين.

مُدرك لهذا، سأسعى دائمًا لنفع الآخرين. لقد سمح المُشفق الذي يرى كل شيء، لمثل هؤلاء (البوديساتفات) بما لم يسمح به للآخرين.

بعبارة أخرى، نحتاج لأن نتفحص، كلاً من المستوى السطحي والأعمق، ما إذا كانت فوائد القيام بالفعل الذي يُحرم عادة يفوق نقائصه. في الوقت الذي يصعب فيه أن نصل لقرار، نحتاج لأن نتفحص دافعنا.

يقول شانتيديفا شيئًا مماثلًا في مُجمع التدريبات، (شيكساساموكّايا بالسنسكريتية)، أن فوائد الأفعال التي تُحرم عادة والتي تتم بدافع البوديتشيتا تفوق سلبيات القيام بها بدون مثل هذا الدافع.

على الرغم من أن هذا شيء في غاية الأهمية، يمكن أحيانًا أن يكون من الصعب أن نرى الخط الفاصل بين ما يجب القيام به وما لا يجب القيام به. لهذا، نحتاج أن ندرس النصوص التي تشرح هذه الأشياء. النصوص الأدنى، ستقول أن هذا الفعل ممنوع؛ بينما في النصوص الأعلى ستخبرنا أن بعض هذه الأفعال مسموحة. كلما عرفنا بشأن هذا، كلما سهل علينا أن نُقرر ما يجب القيام به في أي موقف.

البيت السادس: رؤية الأشخاص الناكرة للجميل كمعلمينا الأنقياء

ليتني أنظر دائمًا إلى الشخص الذي قام بإيذائي بظلم عظيم، برغم مساعدتي له وتوقعاتي العظيمة تجاهه، كمعلمي النقي.

نتوقع عادة من الأشخاص الذين نقدم لهم مساعدة كبيرة أن يظهروا لنا الامتنان؛ وإذا تصرفوا بطريقة غير ممتنة، في الأغلب سنغضب منهم. في مثل هذه المواقف، يجب ألا نتضايق، لكن نتدرب بدلًا من هذا على الصبر. علاوة على هذا، نحتاج لأن نرى مثل هؤلاء الأشخاص كمعلمينا الروحانيين الذين يختبرون صبرنا ولذا علينا أن نعاملهم باحترام. يُلخص هذا البيت كل تعاليم الصبر في الانخراط بسلوك البوديساتفات لشانتيديفا.

هناك العديد من الأدوات لتنمية الصبر. معرفة وتصديق قانون الكارما في حد ذاته يولد الصبر. نُدرك، "هذه المعاناة التي اختبرها هي بالكامل مِن خطئي، نتيجة أفعال ارتكبتها بنفسي في الماضي. حيث أني لا يمكنني الهروب من اختبار ما قد أُثمِر بالفعل، فعلي أن أتحمله. مع ذلك، إذا رغبت في تجنب المعاناة في المستقبل، يمكنني القيام بهذا عبر المواقف الداخلية البنَّاءة، مثل الصبر. الانزعاج أو الغضب من هذه المعاناة سيخلق فقط كارما سلبية، سبب المِحَن المستقبلية". هذه أحد طرق التدرب على الصبر.

شيء آخر يمكننا القيام به هو التدرب على طبيعة معاناة الجسد: "هذا الجسد والذهن هما أساس كل أنواع المعاناة. من الطبيعي ومن غير المتوقع على الإطلاق ألا تنشأ منهم المعاناة". هذا النوع من الإدراك مفيد للغاية لتنمية الصبر.

يمكننا أيضًا تذكر ما قاله شانتيديفا في الانخراط بسلوك البوديساتفات (الفصل السادس، البيت العاشر):

إذا كان يمكن علاجه، فلماذا الدخول في مزاج سيئ بسببه؟ وإذا كان لا يمكن علاجه، فلماذا الدخول في مزاج سيئ بسببه؟

إذا كانت هناك أداة للتغلب على معاناتنا أو فرصة للقيام بهذا، لسنا بحاجة لأن نقلق أو ندخل في مزاج سيئ. إذا لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق يمكننا القيام به، القلق والضيق لن يكونا مفيدين نهائيًا. هذا بسيط وفي غاية الوضوح.

شيء آخر يمكن القيام به هو التدبر في عيوب الغضب وفوائد التدرب على الصبر. نحن بشر، ولهذا، أحد أفضل خصالنا هي قدرتنا على التفكير والحكم. إذا فقدنا صبرنا وغَضِبْنا، نفقد قدرتنا على اتخاذ القرار الملائم وبالتالي نفقد أحد أقوى الأدوات التي لدينا للتعامل مع المشاكل: حكمتنا البشرية. هذا شيء ليس لدى الحيوانات. إذا فقدنا صبرنا وأصبحنا منزعجين، فنحن ندمر هذه الأداة الثمينة. عندها، نحتاج لأن نتذكر أنه من الأفضل بكثير أن يكون لدينا الشجاعة والتصميم، وأن نواجه المعاناة بالصبر.

البيت السابع: أخذ معاناة الآخرين ومنحهم السعادة

ليتني، باختصار، أهب بشكل مباشر وغير مباشر، لجميع أمهاتي ما سيجلب لهم النفع والسعادة، وليتني خِفيةً أتقبل على نفسي كل مشاكلهن ومحنهن.

يشير هذا البيت إلى تدريب أخذ كل معاناة الآخرين على أنفسنا ومنحهم كل السعادة (تونغلين)، مدفوعين بشفقة وحب قويين.

نحن نرغب في السعادة ولا نرغب في المعاناة، ويمكننا أن نرى أن الكائنات الأخرى تشعر بذات الشيء. يمكننا أن نرى، أيضًا، أن الكائنات الأخرى غارقة في المعاناة، لكن لا تعرف كيف تخلص نفسها منها. بناء على هذا، نولد النية لأخذ كل معاناتها والكارما السلبية ونولد الإلهام لتثمر علينا فورًا. بالمثل، من الواضح أن الكائنات الأخرى تفتقر للسعادة التي تبحث عنها ولا تعرف كيف تجدها. بالتالي، بدون ذرة شح، نهبها كل سعادتنا -جسدنا، ثراءنا وقوى الكارما الإيجابية الخاصة بنا- ونوَلد الإلهام أن تُثمر عليها فورًا.

بالطبع، في الأغلب لن نكون قادرين فعلًا على أخذ معاناة الآخرين ومنحهم سعادتنا. عندما يحدث مثل هذا التبادل بين الكائنات، يكون هذا نتيجة رابطة كارما قوية لا تكسر من الماضي. مع ذلك، هذا التأمل أداة في غاية القوة لبناء الشجاعة بأذهاننا، وبالتالي، هو في غاية الفعالية.

في النقاط السبع لتدريب الذهن، يقول الغيشي تشِكاوا، "تدرب على كل من المنح والآخذ بالتوالي، قم بهما مع التنفس". وهنا، يقول لانغري تانغبا أننا بحاجة للقيام بهذا بطريقة خفية، سرية. يقول شانتيديفا ذات الشيء في الانخراط بسلوك البوديساتفا (الفصل الثامن البيت المائة والعشرين):

هكذا، أي شخص يرغب في أخذ توجه آمن سريعًا لنفسه وللآخرين بحاجة للتدرب بأكثر الطرق السرية النقية: استبدال الذات مع الآخرين.

يطلق على التدرب "سري" أو "خفي" لأنه لا يلائم أذهان البوديساتفات المبتدئين: إنه شيئ فقط لقلة مختارة.

بموضع آخر في الانخراط بسلوك البوديساتفات (الفصل الثامن البيت المائة وستة وعشرون الشطر الثالث والرابع) يقول: "بإيذاء لنفسي من أجل تحقيق أهداف الآخرين، سأحقق كل المجد". لكن، في الإكليل النفيس (البيت الحادي عشر)، يقول ناغرجونا، "(التدرب على) الدارما ليس بمجرد تعذيب الجسد". ليس هناك تناقض هنا. عندما يقول شانتيديفا أننا نحتاج أن نؤلم أو نأذي أنفسنا، فهذا لا يعني أننا بحاجة لأن نضرب أنفسنا على رؤوسنا أو ما شابه. شانتيديفا يقول أنه في الوقت التي تنشأ فيه فكرة إيثار الذات بشكل قوي، نحتاج لأن نجادل بقوة مع أنفسنا ونستخدم طرقًا قوية لإخضاع أنفسنا. بعبارة أخرى، نحتاج لأن نؤذي الذهن المؤثر للذات.

نحتاج لأن نميز بين "أنا" المهوسة بالكامل برفاهيتها والـ"أنا" التي ستصبح مستنيرة. هناك فرق ضخم. أيضًا، نحتاج لأن نرى البيت الخاص بشانتيديفا في سياق الأبيات التي تسبقه والتي تتبعه.

هناك العديد من الطرق التي يمكن مناقشة الـ"أنا" بها: هناك التشبث بالوجود المثبت فعليًا للـ"أنا"؛ هناك إيثار الذات في سياق "أنا"؛ هناك "أنا" التي تتفاعل عندما ننظر للأشياء من خلال منظور الآخرين؛ إلى آخره. نحتاج لأن ننظر إلى مناقشة الذات، الـ"أنا"، في هذه السياقات المختلفة.

إذا كان حقًا مفيد للآخرين، إذا كان مفيد لكائن محدود واحد، فإنه من الملائم أن نأخذ على أنفسنا معاناة عوالم الوجود الثلاثة للسامسارا أو نذهب لأحد عوالم المعاناة القصوى، ونحتاج للشجاعة للقيام بهذا. من أجل الوصول للاستنارة لأجل صالح جميع الكائنات المحدودة، نحتاج لأن نكون سعداء وعازمين على قضاء دهور في أسوأ عوالم المعاناة القصوى، أفيتشي. هذا هو المقصود بأخذ الأذى الذي يعذب الآخرين على أنفسنا.

الفكرة هنا هو أن ننمي الشجاعة وأن نكون عازمين على الذهاب لأحد عوالم المعاناة القصوى؛ هذا لا يعني أننا فعلًا سنذهب إلى هناك. عندما كان غيشي الكادام تشِكاوا يحتضر، نادى فجأة على تلاميذه وطلب منهم أن يقدموا وهبًا خاصًا، طقوسًا وترديدات بناء إلهام من أجله، لأن تدربه كان غير ناجح. كان تلاميذه في قمة الضيق حيث أنهم ظنوا أن شيئًا سيئًا سيحدث. مع ذلك، شرح لهم الغيشي أنه على الرغم من أنه طيلة حياته كان ينمي الإلهام لأن يولد في عوالم المعاناة القصوى لأجل نفع الآخرين، تلقى الآن رؤى نقية عما سيأتي لاحقًا. سيعاد ميلاده في أحد الأراضي النقية بدلًا من عوالم المعاناة القصوى، ولهذا كان متضايقًا.

بذات الطريقة، إذا نمينا أمنية قوية مخلصة بأن يعاد ميلادنا في أسوأ العوالم لأجل نفع الآخرين، نبني كمًا هائلًا من القوى الإيجابية التي ستؤدي لنتيجة عكسية. لهذا السبب أقول، إذا رغبنا في أن نكون أنانيين، نحتاج لأن نكون أنانيين بحكمة. الأنانية ضيقة الذهن تتسبب لنا في الانحدار؛ بينما الأنانية الحكيمة ستجلب لنا الاستنارة. هذا في غاية الحكمة.

للأسف، ما نقوم به أولًا عادة هو أن نصبح متعلقين بالاستنارة. نفهم من النصوص المرجعية أننا لنحقق الاستنارة نحتاج للبوديتشيتا، وبدونها، لا يمكننا أن نصل للاستنارة. بالتالي، نفكر باستياء، "أنا أرغب في الاستنارة؛ لذا، علي أن أتدرب على البوديتشيتا". في الحقيقة، نحن غير معنيين بالبوديتشيتا كما نحن معنيون بالاستنارة ذاتها. هذا خاطئ تمامًا. نحتاج للقيام بالعكس؛ ننسى دافعنا الأناني ونفكر في كيف نساعد الآخرين.

إذا ذهبنا حقًا لعوالم المعاناة القصوى، لن نتمكن من مساعدة أنفسنا أو الآخرين. كيف يمكننا مساعدة أي شخص؟ ليس فقط بمنحهم شيئًا ماديًا أو القيام بمعجزات، لكن بتعليمهم الدارما. مع ذلك، يجب أن نكون أولًا معلمين مؤهلين. في الوقت الحاضر، لا يمكننا شرح كامل المسار -كل التدريبات والخبرات التي يحتاج الشخص أن يمر بها، من أول مرحلة حتى الأخيرة، الاستنارة. لربما يمكننا شرح بعض المراحل الأولى من خلال خبرتنا، لكن ليس أكثر من هذا. لنكون قادرين على مساعدة الآخرين بأكثر الطرق قوة عبر الأخذ بيدهم طيلة المسار الكامل للاستنارة، نحتاج أولًا أن نحقق الاستنارة بأنفسنا. هذا هو السبب الملائم للشعور بأننا يجب أن نتدرب على البوديتشيتا. هذا شيئ مختلف بالكامل عن الطريقة العادية المتمركزة حول الذات، والتي بسبب اهتمامنا الأناني باستنارتنا، نفكر في الآخرين ونكرس لهم قلوبنا بالبوديتشيتا فقط لأننا نشعر بأننا مضطرون لهذا. هذه طريقة زائفة تمامًا، نوع من الكذب.

البيت الثامن: التغلب على الضيق الناتج عن الدارمات الثمانية الدنيوية عبر إدراك أن كل الظواهر مشابهة للوهم

ليتني عبر الذهن غير الملوث بمفاهيم التعلق بالاهتمامات الثمانية الزائلة، والذي يرى، طيلة الوقت، جميع الظواهر على إنها وهم، أن أتحرر من عبوديتي، دون أي تعلق.

يتعامل هذا البيت مع الوعي التمييزي أو الحكمة. كل التدريبات السابقة يجب ألا تشوبها ملوثات مفاهيم الاهتمام بالأشياء العابرة أو الزائلة الثمانية بالحياة، أو ما يُطلق عليها "الدارمات الدنيوية الثمانية" -المديح أو النقد، سماع الأخبار الجيدة أو السيئة، الكسب أو الخسارة، وسير الأمور بشكل جيد أو سيئ.

تلك الأشياء الثمانية يمكن الإشارة إليها بأنها بيضاء، سوداء أو مختلطة. عند اختبار أول تلك الثنائيات يتولد شعور مبالغ فيه بالإثارة وعند اختبار ثاني تلك الثنائيات يتولد لدينا شعور مبالغ فيه بالاكتئاب. تكون تلك الخبرة سوداء إذا تولدت بناء على كل من التعلق بسعادة هذه الحياة، الموقف الداخلي المؤثر للذات والتشبث بالـ"أنا" المثبتة فعليًا. تكون مختلطة إذا نشأت دون أي تعلق بسعادة هذه الحياة، لكن قائمة على الموقف الداخلي المؤثر للذات والتشبث بالـ"أنا" المثبتة فعليًا. تكون بيضاء إذا نشأت بدون التعلق بسعادة هذه الحياة أو إيثار الذات، لكن فقط نتيجة للتشبث بالـ"أنا" المثبتة فعليًا. لكن، اعتقد أنه سيكون مقبولًا إذا تفحصنا هذا البيت ببساطة من منظور ما إذا كانت التدريبات الموصوفة في الأبيات السبعة الأولى تتم بدون أن تكون ملوثة بتلك المفاهيم والتي بها نتشبث بالـ"أنا" المثبتة فعليًا في مواجهة الأشياء العابرة الثمانية بالحياة: المديح، النقد وخلافه.

كيف نتجنب تلويث تدربنا بهذه الطريقة؟ عبر إدراك أن كل الظواهر الموجودة وهمية وبالتالي لا نتشبث بها كأن لها وجود مثبت. بهذه الطريقة، نصبح متحررين من قيد هذا النوع من التشبث والتمسك.

مع ذلك، يجب أن نكون واضحين بشأن ما الذي نعنيه هنا بالـ"وهم". يظهر الوجود المثبت فعليًا لأذهاننا على هيئة أشياء مختلفة، أينما كان تجسدها. لكن، في الحقيقة، ليس هناك وجود مثبت فعليًا. بعبارة أخرى، يظهر الوجود كأنه مثبت فعليًا، على الرغم من أنه ليس هناك شيئ موجود بشكل مثبت فعلي، ولذا مثل هذا الوجود هو وهم. هذا يعني أنه على الرغم من أن كل ما هو موجود يظهر بأن له وجود مثبت فعليًا، كل الظواهر خالية من مثل هذه الطريقة المستحيلة للوجود.

استيعاب هذا يتطلب فهمًا حاسمًا دقيقًا صحيحًا للخلو، خلو الظواهر المتجسدة. أولًا، نحتاج لأن نفهم جيدًا أن كل الظواهر خالية من الوجود المثبت فعليًا والقابل للعثور عليه. بعد هذا، أي شيء لديه تلك الطبيعة الخالية عندما يظهر كأن له وجود مثبت فعليًا، يمكننا دحض هذه الطريقة المستحيلة للوجود عبر تذكر فهمنا السابق للغياب الكامل للوجود المثبت فعليًا. عندما نضع هاذين سويًا -مظهر الوجود المثبت فعليًا القابل للعثور عليه وخلوه، كما اختبرناه سابقًا- نكتشف طبيعة الوهم لجميع الظواهر. بالتالي، مظهر الوجود المثبت فعليًا القابل للعثور عليه هو مثل الوهم، بينما الظاهرة التي تظهر أن لها وجود حقيقي هي فقط مشابهة للوهم، لأنها تظهر موجودة بطريقة لا توجد بها حقًا. فهي فقط تثبت عبر النشوء الاعتمادي.

يصعب جدًا فهم كيف أن الشيء لا يمكن العثور عليه والذي وجوده يُثبت فقط بوظيفة النشوء الاعتمادي الخاصة به. إذا أدركنا أن وجود كل من الفاعل والفعل يُثبتان فقط منطقيًا عبر كونهما ظاهرتان تنشآن اعتمادًا على أحدهما الآخر وأنهما لا يمكن أن يوجدا عبر وظيفة إثبات ذاتية بأنفسهما، عندها سيظهر لنا الخلو في سياق النشوء الاعتمادي. هذا أصعب شيء يمكن أن نفهمه. إذا أدركنا بشكل صحيح أن الوجود لا يثبت أو يُنسب إلى طبيعة ذاتية يمكن العثور عليها -بعبارة أخرى، وجود يمكن العثور عليه وغير متأصل- عندها خبرة وجود الشيء ستعبر عن نفسها. أن وجوده المثبت أو المنسوب إلى طبيعة ذاتية يمكن العثور عليها شيئ يدحضه المنطق. يُقنعنا المنطق بأنه لا يمكن للظاهرة أن يكون لها طبيعة ذاتية يمكن العثور عليها والتي تُثبت أو يُنسب لها وجودها. مع ذلك، الظواهر بالتأكيد موجودة، لأننا نختبرها بشكل صحيح.

لذا، كيف توجد الظواهر؟ بعبارة أخرى، ما الذي يثبت أو ينسب له وجود الظاهرة؟ وجودها مثبت أو ينسب إلى النشوء الاعتمادي لمجرد قوة الأسماء. هذا لا يعني أن الظواهر غير موجودة على الإطلاق؛ لم يقال أبدًا أن الأشياء غير موجودة. ما نقوله هو أن وجود الأشياء يمكن فقط إثباته أو نسبته اعتمادًا على الأسماء. هذه نقطة صعبة؛ شيء يمكننا فقط فهمه ببطء شديد عبر الخبرة.

نحتاج أولًا لأن نحلل ما إذا كانت الأشياء لها وجود مثبت أم لا. هذا يعني تحليل ما إذا كان وجودها يمكن إثباته أو نثبته بشيء يمكن العثور عليه قائم بذاته أم لا، أو بتعبير أبسط، ما إذا كان يمكن العثور عليها حقًا أم لا. لكن، في الحقيقة لا يمكننا العثور على أي شيء يُثبت وجود الأشياء من جانبها. في الحقيقة، لا يمكننا العثور على أي شيء: لا شيء يمكن العثور عليه. مع ذلك، إذا قلنا أن الظاهرة غير موجودة نهائيًا، فهذا خطأ، لأننا نختبرها. بعبارة أخرى، على الرغم من أننا لا يمكننا أن نبرهن منطقيًا أن الأشياء لها وجود مثبت فعليًا يمكن العثور عليه، نعرف عبر خبرتنا إنها موجودة. بالتالي يمكننا أن نستنتج من هذا أن الأشياء موجودة.

الآن، إذا كانت الأشياء موجودة، هناك فقط طريقتان يمكن بهما إثبات وجودها: إما من جانب الظاهرة، بقوتها الخاصة، أو عبر قوة العناصر الأخرى -بعبارة أخرى، إما أنها مستقلة بالكامل أو أنها تنشأ اعتماديًا. حيث أن المنطق ينفي وجود الأشياء مؤسسة بشكل مستقل عبر قوتها الخاصة، الطريقة الوحيدة لوجودها يمكن أن يُثبت عبر اعتمادها على العناصر الأخرى.

ما الذي تعتمد عليه الأشياء من أجل أن يكون وجودها مثبت أو معتد به؟ تعتمد على أساس العنونة ومفهوم أو اسم المعنون أو الموعز. إذا كان يمكن العثور على الظاهرة عند البحث عنها، فيجب أن يكون وجودها مؤسس عن طريق طبيعتها الذاتية. في هذه الحالة، النصوص المرجعية للمادياميكا، والتي تقول أن وجود الأشياء لا يُثبت بطبيعتها الذاتية، ستكون خاطئة. مع ذلك، لا يمكننا العثور على الأشياء عندما نبحث عنها: لا يمكننا العثور على أي شيء من جانبها والذي يُثبت وجودها. ما نكتشفه، عندها، هو أن وجود الظاهرة يثبت فقط عبر قوة العناصر الأخرى، أي فقط عبر قوة الأسماء.

كلمة "فقط" هنا تحمل دلالة انقطاع الشيء. لكن، ما الذي نقوم بقطعه ليس الاسم ذاته، ولا ما يمثله، يعنيه، أو يشير إليه والذي هو الشيء محل الإدراك الصحيح. نحن لا نقول أن الأسماء لا تحمل دلالات أو تشير إلى أي شيء، أو أن المحل المشار إليه بالأسماء ليس محلًا للإدراك الصحيح. ما تقطعه كلمة "فقط هو أن وجود الظاهرة لا يُثبت بشيء غير قوة الأسماء. وجود الظاهرة يُثبت فقط بقوة الأسماء؛ لكن، الأسماء تشير لشيء وما تشير إليه هو محل للإدراك الصحيح.

وبالتالي، الطبيعة الفعلية للأشياء هي أن وجودها يُثبت أو يُسند فقط إلى قوة الأسماء. ليس هناك بديل، فقط قوة الأسماء. لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد شيئ عدا الأسماء. هناك الظاهرة: هناك المحال المشار إليها بالأسماء وأسماءها. ما الذي يُثبت وجود المحال التي تشير إليها الأسماء؟ وجودها أيضًا مثبت فقط بقوة الأسماء.

وفقًا لبراسانغيكا مادياميكا، الرؤى الأعلى، الأكثر تحديدًا، أن ذات الشيء ينطبق على المحل الخارجي أو الوعي الداخلي الذي يُدرك هذا المحل. وجود كليهما يُثبت فقط بقوة الأسماء؛ ليس لأيهما وجود مثبت يمكن العثور عليه. وجود الأفكار والمفاهيم أيضًا يُثبت فقط بقوة الأسماء، كما أيضًا في حالة الخلو، بوذا، جيد، سيئ ولا مبالٍ. وجود كل الظواهر، كل شيء، يُثبت فقط بقوة الأسماء.

عندما نقول "الاسم فقط"، فهذا يقطع المحال المشار إليها بالأسماء والتي وجودها لا يُثبت فقط بقوة أسمائها. لا يوجد طريقة أخرى لفهم معنى "الاسم فقط". لكن، عند التفكير في كلٍ من شخص وشبح شخص. كلاهما متشابهان من حيث أن وجودهما يمكن فقط إثباته أو إسناده فقط على أساس قوة أسمائهما. لكن هناك فرق بين الاثنين. كل ما هو موجود أو غير موجود يمكن عنونته ذهنيًا وفقط. يمكننا ذهنيًا عنونة "شخص حقيقي" و"شبح شخص". لكن في سياق التسمية، بعض الأسماء تشير إلى أشياء موجودة وبعضها غير موجود. مسمى "شخص حقيقي" يشير لشيء موجود، بينما مسمى "شبح شخص" لا يشير إلى أي شيء موجود -يشير إلى شيء غير موجود.

الخلاصة

عندما ندرك أن الأشخاص الذين يمثلون تحديًا شعوريًا لنا والكلمات القاسية والسلوك السيئ الذي يوجهونه لنا جميعهم أشبه بالوهم، لن نسقط عليهم أنهم موجودون فعليًا وأنهم أشخاص، كلمات، أو سلوكيات سيئة بشكل متأصل ذات جوهر قابل للعثور عليه. هم خالون من الوجود بتلك الطريقة المستحيلة. عندها، برؤية كيف أن المفاهيم والكلمات أو الأسماء التي نعنون بها هؤلاء الأشخاص ونوعزها عليهم تؤثر على الطريقة التي ننظر بها إليهم، سنكون قادرين على تحويل مواقفنا الداخلية تجاههم عبر عنونتهم بأنهم الجواهر المحققة للأمنيات. برؤيتهم بمثل هذه الطريقة، نجعل من مصادفتنا لهم فرصة ثمينة لتنمية الخصال الجيدة مثل الصبر والتواضع.

اقرأ النص الأصلي "الأبيات الثمانية لتدريب المواقف الداخلية" للانغري تانغبا.

Top