َّس دير دريبونغ العظيم جاميانغ تشوجي تاشي-بلدن، وهو التابع المباشر لـ جي تسونغ خابا، مؤسِّس تقليد غيلوغ، وكان هذا المعلم الكبير قد قَدَّم لتابعه محارةً (قوقعة) بيضاء، لتكون التذكار المبشِّر بالنجاح، وكان قد استخرجه بوصفه الكنز المخفي من التل وراء دير غاندن. وفي ذلك الوقت كان تسونغ خابا قد تنبَّأ لتابعه بأنه: "سَيُؤَسِّس الدير الفخم، وديره الفرعي سيصبح أكثر شمولية من ديره الأم".
طلب نيوبون نامكا-تسانغبو، وهو القائد السياسي للتبت المركزية في ذلك الوقت، أن يكون راعي الدير. وهكذا أُسِّس الديرُ طبقًا لنظام الثرافادين للحساب في السنة ١٩٦٠ بعد البارينيرفانا لبوذا، أو طبقًا للنظام المسيحي في عام ١٤١٦ م. وفي ذلك الوقت كان عُمر جاميانغ تشوجي ٣٨ سنة.
كان الدير في البداية عبارة عن بناء صغير واحد، كان يُستخدَم مكانًا لإعطاء التعاليم وتلقيها، ومسكنًا أيضًا، وتدريجيًّا أضيف بعد ذلك بنايات أحدث وأكثر اتساعًا، وقد تضمَّنت قاعة الاجتماعات والقاعة التانترية، وتماثيل وصور لجسد بوذا وكلامه وعقله، وأحياء الرهبان. وقد تبرَّع نيوبون نامكا-تسانغبو بجميع الأشياء المادية لذلك الدير بناءً على طلب تسونغ خابا.
وطوال اثنتين وثلاثين سنة حافظ المؤسِّس بنفسه على الدير بوصفه مؤسسةً كبيرة، وذلك بإعطاء محاضرات شاملة عن السلال الثلاث (باللغة السنسكريتية: تريبيتاكا) فيما يتعلق بدراسات السوترا، وعن فئات التانترا الأربع فيما يتعلق بدراسات التانترا. وكانت هناك جمعية كبيرة للرهبان، الذين اهتموا بهذه التعاليم الممتازة، وقسَّموا أنفسهم إلى سبع مجموعات؛ حيث كان لكلٍّ منها معلمها الخاص لإعطاء المحاضرات، وهكذا أسسوا الكليات العظيمة السبع : (١)غومانغ. (٢) لوسل- لينغ. (٣) دهيانغ. (٤) شاغكور. (٥) غيلوا، أو توساملينغ. (٦) دولوا. (٧) نغاغبا.
وقدَّم نيوبون نامكا-تسانغبو من وقت لآخر إعاناتٍ دينيةً كبيرة ، وعند الضرورة زوَّد الرهبان بالاحتياجات الأساسية؛ مثل اللباس والشاي، وازدادت التعاليم والممارسة والدراسة هناك، بالإضافة إلى تزايد عدد الرهبان بشكل كبير، وهكذا أصبح الدير واحدًا من أديرة غيلوغ العظيمة، وأكثرها شهرة في منطقة لاسا.
وبعد فترة دُمجت كليات دولوا وشاغكور وغيلوا داخل الكليات الأخرى، وقد ظل رؤساء الأديرة الذين حملوا السلالات لعروشهم يعينون من إحدى الكليتين: غومانغ أو لوسل-لينغ، وذلك رغم أنها لم تعد كليات مستقلة منذ فترة طويلة.
أما بالنسبة للكليات الأربع المتبقية، فقد تخصَّصت كلٍّ من غومانغ ولوسل-لينغ بعد فترة من الزمن في دراسة السوترا وممارستها غالبًا، ونغاغبا في التانترا بصورة كبيرة، أما دهيانغ فقد درَّست ممارسة السوترا والتانترا على حدٍّ سواء.
وكان لدى كل كلية رئيس دير مسئول عن التعليم والتدريس والممارسة هناك، وكان هناك أيضًا رئيس الدير العام، أو حامل العرش للدير كله، والسلالة التي أتت من جاميانغ تشوجي. وفي العصور التالية كانت العادة أن يتولَّى رئيس الدير المتقاعد الأكبر سِنًّا للكليات المستقلة منصبَ حامل العرش للدير كله.
كان غيلوا غندون-دروب هو الأول في سلسلة الدالاي لاما، وقد تلقى الكثير من تعاليم السوترا والتانترا في دريبونغ من تسونغ خابا. ثم أسس بعد ذلك (قرب تشيغاتسه في مقاطعة تسانغ) ديرَ تاشيلهونبو. وهو الدير الرابع من حيث الضخامة في التبت المركزية. (الثلاثة الأخرى، التي تتضمن دريبونغ، تقع في مقاطعة يو). وقد تولَّى الدالاي لامات من الثاني إلى الخامس منصب حامل عرش دريبونغ، وجعلوا دريبونغ مسكنهم الدائم.
وعندما بلغ الدالاي لاما الثاني: غيلوا غندون-غياتسو سن الرابعة قال: "الآن حان الوقت لذهابنا إلى دريبونغ، وسيأتي الرسل لدعوتي قريبًا". ومع مثل هذه الذكريات الجميلة كان لدى الدالاي لامات اللاحقين صلة خاصة مع هذا الدير.
في تلك الأيام كان هناك أناس يشيرون إلى الدالاي لاما، أو الـ غيالوا رينبوتشي، بوصفه لدريبونغ تولكو. خطه كان الخط الأول من اللامات المتجسد ("تولكو") في تقليد غيلوغ. حتى اسم الحكومة التبتية غاندين بودرانغ قد اشتُقَّ من اسم مسكن الدالاي لاما في دريبونغ.
ورغم وجود مسكن سابق باسم: غاندين بودرانغ، فقد بُني المسكن الجديد في زمن الدالاي لاما الثالث بطريقة مماثلة، وفي زمن الدالاي لاما الرابع العظيم أُعيد بناء قاعة الجمعية العامة أيضًا في دريبونغ انسجامًا مع أمنياته.
ومنذ زمن الدالاي لاما الخامس العظيم فصاعدًا تولَّى الدالاي لامات منصب الحاكم الدنيوي والديني للتبت، ومن ثَمَّ لم يعد بإمكانهم الاحتفاظ بمسكنهم الدائم في دريبونغ، ولكنهم مع ذلك، وكلما دخل أحد الدالاي لامات رسميًّا الجماعة الرهبانية، أو أخذ امتحانه لشهادة غيشي، أو كلما كان هناك عمل رسمي للحكومة F، كان الدالاي لاما يبقى عادة في غاندين بودرانغ مسكنه في دريبونغ.
هناك تقدير أولي لعدد سكان الدير في دريبونغ ينتشر بين الشعب، وهو ٧٧٦٠ راهبًا، ولكن العدد تجاوز ذلك الرقم بعدة آلاف، وكان معظمهم منهمكين في تعاليم "السلال الثلاث" وممارستها، وقد ناضل العديد منهم لممارسة أعمال بناءة تتناسب مع قدرتهم العقلية، أما الآخرون فقد تحملوا أعباء الخدمة من أجل الرفاهية الاقتصادية للجماعة الرهبانية.
أما الذين سلكوا طريق التعليم فإنهم بعد إكمالهم دراستهم في الدير الرئيس سيذهبون إلى الأديرة الفرعية ليكونوا رؤساء أديرة لها، وهكذا غذَّى دريبونغ كثيرًا من هذه الأديرة الفرعية، وبهذه الطريقة عملت هذه الجماعة بوصفها موطنًا رئيسًا لتعاليم بوذا.
وقد واصل الدير ازدهاره حتى عام ١٩٥٩ م، ثم تعرضت التبت كلها لكارثة فظيعة، وخسر الدير التسهيلات الممنوحة له لمواصلة وجوده في التبت، وهرب آلاف من الرهبان إلى الهند مع اللاجئين التبتيين، ولم يعد لديهم المكان ولا الزمان ولا الظروف المناسبة لإقامة نشاطهم الديني، وعجزوا عن الاجتماع كليةً في هذه الفترة.
ولكن عدة مئات من الرهبان تمكنوا بمساعدة برنامج معونة الحصة من مواصلة الممارسة والدراسة طوال تسع سنوات في باكسادوار بولاية البنغال الغربية في الهند، ونظرًا لضرورة وجودهم قرب مخيمات الاستيطان التبتي – لأجل الاستقرار والاستمرارية – فقد انتقلوا عام ١٩٧٠م إلى موندغود بولاية كارناتاكا في جنوب الهند. ثم أعدوا حقولاً واسعة لزراعة المحاصيل التي يأكلون منها، وذلك بعد قطع أشجار الأدغال الكثيفة، وشيدوا مباني مؤقتة خلال السنوات الأربع لانتقالهم إلى هناك، وهم الآن يتبعون المنهاج التقليدي للدراسة والممارسة كما هو في التبت.
وقد أخذوا على عاتقهم مسئولية الحفاظ على النشاطات الدينية السنوية، وعدم السماح بانحطاطها، وليس هذا فحسب، بل وجَّهوا النذور لأولئك الشباب التبتيين الذين يرغبون في أن يصبحوا رهبانًا، وسمحوا لهم بدخول الدير، وجعلوا الفرص متاحة لدراستهم وممارستهم حسب رغباتهم.
كُتبت هذه المعلومات وجُعلت متاحة، مع أملنا الكبير في أن يصبح دير دريبونغ الجديد في المستقبل موطنًا لتعاليم بوذا.