أديرة الساكيا: دير ساكيا

في "تانترا سلف المانجوشري" كان بوذا قد تنبَّأ بأن دير الساكيا سيجعل تعاليمه تزدهر في بلاد الثلوج، وقد تنبَّأ الغورو رينبوتشي بادماسامبافا بموقع هذا الدير أيضًا. ثم بُنِيَتْ عدة (ستوبا) أضرحة في وقت سابق في الموقع المستقبلي للدير، وعندما توقف آتيشا (٩٨٢ – ١٠٥٣ م) هناك عام ١٠٤٠ م رأى على جانب الجبل المقطع "Hrih"، وسبعة "Dhih"، وواحد "Hung"، وتنبَّأ أن تجسد آفالوكيتيشفارا – وهو سبع مرات مانجوشري ومرة واحدة فاجراباني – سَتُشرِّف هذا الموقع.

وفي عام ١٠٧٣ م أسَّس كونتشوغ-غيالبو (١٠٣٤ – ١١٠٢ م) من عائلة كون دير بيلدين ساكيا في مقاطعة تسانغ وسط التبت، وقد اشتق اسم هذا الدير وكذلك التقليد الذي أسسه من لون تراب موقعه، فساكيا تعني حرفيا: "التراب الرمادي"

وبعد أن أكمل كون كونتشوغ-غيالبو دراسته مع معلمين، من أمثال المترجِم دروغمي لوتساوا، أظهر رغبة قوية في تأسيس الدير، واختار الموقع الحالي، وعرض على مالِكِيه تقديم بعض ممتلكات عائلته مقابل الأرض التي بُنِيَ عليها الديرُ، لكن المالكين رفضوا أي مقابل، وقدموا الأرض قربانًا.

وقد تعاقَب رؤساء أديرة ساكيا من كون كونتشوغ – غيالبو إلى باري لوتساوا، ثم من خلال خَطِّ معلمي الساكيا الخمسة، أي: معلمي الساكيا الثلاثة البيض والاثنين الأحمران، فالمعلمون البيض الثلاثة كانوا جميعًا رجال عاديين، وهم: ساتشين كونغا-نيينغبو (١٠٩٢ – ١١٥٨ م)، وسونام تسيمو (١١٤٢ – ١١٨٢ م)، ودراغبا-غيالتسين (١١٤٧ – ١٢١٦ م). أما المعلمان الأحمران فكانا راهبين، وهما: ساكيا بانديتا كونغا-غيالتسين (١١٨٢ – ١٢٥١ م)، وتشوغيال باغبا (١٢٣٥ – ١٢٨٠ م). وقد جلب ساكيا بانديتا البوذية التبتية إلى منغوليا بناءً على طلب قودان خان، وكان جنكيز خان قد تمنَّى في وقت سابق دعوة ساكيا بانديتا، لكنه كتب إليه أن الوقت غير مناسب؛ لأن عمله لم ينتهِ. وكان تشوغيل باغبا المعلم الإمبراطوري لقوبيلاي خان، وقوبيلاي هو حفيد جنكيز خان، وكان مؤسس سلالة يوان المنغولية في الصين (١٢٨٠ – ١٣٦٨ م).

وقد قدَّم قوبيلاي لتشوغيال باغبا حكم أقاليم التبت الثلاث عشرة قربانًا لمنح تفويض الهيفاجرا، ومنذ عام ١٢٦٥ م إلى ١٣٥٨ م كان البونتشين الوزير الكبير في دير ساكيا هو الذي يدير التبت، وهو الذي خدَم تحت قيادته ثلاث عشرة تريبون: وزراء الأقاليم، واحد لكل إقليم. البونتشين الأول كان شاكيا-زانغبو، وبعد عام ١٣٥٨ م انتقل حكم التبت إلى عشيرة الباغمودروبا، المنحدرة من سلالة الكاغيو، فعاد دير ساكيا ببساطة لدوره الروحي.

بدأ منهج دراسة السوترا في دير ساكيا بحفظ النصوص، فإذا اجتاز الرهبان امتحانات الحفظ تلقَّوا شهادة كاتشوبا، وسُمِح لهم بالدراسة كي يصبحوا غيشي، وهذه الدراسة شملت ستة موضوعات، تتضمَّن النصوص الهندية الرئيسة الثمانية عشر، وكانت تُدرَس من خلال وسيلة الجدل، وبعد إتقان هذه الموضوعات يُمنح الرهبان شهادة غيشي رابجامبا، فيستطيعون دخول كلية التانترية ديتشينلينغ لدراسة تانترا الخهفاجرا في الغالب، وكانت الشهادة الممنوحة لاما بينتسانغبا.

تقليد التانترا الذي يُدرَس ويُمارَس في دير ساكيا كان مستمدًّا من معلمي دروغمي لوتساوا الهنود: ناروبا وغايادارا. ومن الأخير تسلَّم دروغمي لوتساوا نقل تعاليم "اللامدراي" (الطريق ونتائجه)، فيما يتعلق "بتانترا الهيفاجرا" التي استمدت من فيروبا.

وخلال الثورة الثقافية الصينية تعرض دير ساكيا للضر قليلاً، وكانت مكتبته الضخمة من المكتبات القليلة التي نجت من التدمير، أما منهج الدراسة والممارسة في الدير فقد تقلَّص بشدة. وفي الهند استمرت تقاليد دير ساكيا في كلية الساكيا في راجبور، بولاية هيماتشال براديش، وقد أسس هذه الكلية رئيسُ الدير الحالي الواحد والأربعون، وحامل عرش الساكيا، ساكيا تريرتدزين: نغاوانغ-كونغا-تيغتشين-بالبار-ترينلي-سامبيل-وانغغي-غيالبو (وُلد عام ١٩٤٥ م).

Top