التعامل مع المواقف العصيبة
تحدثنا عن موضوع "يجب علي هذا ولا يجب علي ذلك"، والخوف الذي ينبُع من هذا الأمر، إلى آخره. رأينا أن الأمر بأكمله يدور حول سوء الفهم المتعلق بأنفسنا. نحتاج أن نقوم بتفرقة بين الوجود المألوف المعتاد لأنفسنا ولكل شيء حولنا، والوجود الراسخ، والذي في الحقيقة لا وجود له على الإطلاق. تذكروا، عندما نتحدث عن الخلو (الخواء)، فنحن نتحدث عن غياب الطرق المستحيلة للوجود، والتي لا توجد على الإطلاق.
ولكن كيف توجد الأشياء بالفعل؟ وفقًا للبوذية، نقول أن كل شيء يوجد في سياق نشأته معتمدًا على العديد والعديد من العوامل – الأسباب، الأجزاء، وتصنيفاتهم الذهنية المختلفة، وما شابه. دعونا نحصر مناقشتنا على مستوى أن الأشياء تنشأ معتمدة على الأسباب والشروط. من وجهة النظر تلك، يمكننا أن نقول أن الأشياء ليست راسخة – راسخة بمعنى أن لها نشوء راسخ قائم على سبب واحد فقط – لكن بدلًا من هذا، كل شيء مركب وبالتالي ينشأ عن تفاعلات شديدة التعقيد.
على سبيل المثال، عندما نواجه المواقف المختلفة، الأمور ليست أبيض وأسود: “يجب القيام بهذا ولا يجب القيام بهذا"، وبالتالي، فهناك فقط طريقة واحدة للتصرف الصحيح والطرق الأخرى خاطئة. في الحقيقة، أي موقف عصيب نجد أنفسنا فيه هو معقد والحل الذي سنصل إليه سيعتمد على العديد والعديد من العوامل. لذا، يتطلب تقرير ماذا نفعل قدرًا عاليًا من الحساسية والوعي. عندها نبدأ في التغلب على متلازمة ما "يجب" وما "لا يجب" واِتباع القوانين دون تمييز، هذا لا يعني أن قرارنا بالقيام بشيء أو عدم القيام به لا يشكل أي فارق، لأن كل هذا من وحي خيالنا. ما يعنيه هذا هو إنه بدلًا من أن نكون غير مرنين في قدرتنا على حل الواقف العصيبة: “هذا هو كتاب القواعد، فدعني اطلع على القاعدة المتعلقة بذلك الموقف وأتبعها" – وهي طريقة متزمتة ومتصلبة في التصرف وفقًا لما "يجب" وما "لا يجب" القيام به – فنحن نستخدم تمييزنا، حكمتنا وكل خبرتنا لإيجاد الحل الملائم للموقف. هذا يتطلب قدرًا كبيرًا من المرونة. كلما أخذنا المزيد من العوامل في حسباننا أثناء محاولتنا لحل المشكلة، كلما ارتفعت فرصنا في حل الموقف بحكمة. عندما لا نضع بحسباننا العديد من العوامل، نصل لحل لا يُنهي المشكلة بالفعل.
لذا، عندما نقول أن الأشياء ليست أبيض وأسود، هذا لا يعني نفي حقيقة أنه يمكن أن يكون لدينا حلًا مؤثرًا أو حلًا غير مؤثر بالمشكلة. من المهم أن نُبقي هذا بأذهاننا. أيضًا، علينا أن نتذكر، نحن لسنا آلهة، لن يمكننا حل كل المشاكل بمجرد إشارة من اِصبعنا.
بناء القوة الإيجابية لإدراك الخلو
هل من الممكن إدراك الخواء أو الخلو بأنفسنا أثناء جلسات التأمل وكيف نصل لذلك؟ أم أن هذا ممكن فقط إذا شُرح لنا الخلو عن طريق المعلم؟
تسونغكابا لم يكن غبيًا. عمل جاهدًا وكان لديه بالتأكيد فهمًا أكثر صحة للخلو أكثر من معظمنا. مع ذلك، رأى أنه من أجل الحصول على فهم غير نظري صحيح للخلو، ما اِحتاج إليه هو بناء المزيد من الإمكانيات الإيجابية، والتي عادة ما تُتَرجَم إلى "الاستحقاقات". في مرحلة متقدمة جدًا من المسار، قرر أنه من الضروري القيام بـ٣٥ مجموعة تتكون كل واحدة منها من ١٠٠.٠٠٠ انحناءة للأرض احترامًا و١٨ مجموعة تتكون كل واحدة منهم من ١٠٠.٠٠٠ وهب للماندالا. بعد القيام بكل هذا، كان قادرًا على فهم الخلو بشكل صحيح وغير نظري. أعتقد أن هذه تعاليم هامة للغاية. سواء كنا جالسين مع أنفسنا محاولين فهم الخلو أو جاء معلم وقال، "ألكس هذا هو الخلو، الخلو هذا هو، دعني أشرحه لك"، إذا لم يكن لدينا الإمكانيات الإيجابية أو ما يُطلق عليه "الاستحقاقات"، فلن يحدث شيء.
دائمًا ما نسمع عن أهمية بناء مجموعتي الاستحقاقات والبصيرة، أو ما أفضل أن أطلق عليهم "المُدَّخَر" أو "الشبكتين" الخاصين بـ"الإمكانيات الإيجابية" أو "القوة الإيجابية" و"الوعي العميق". أعتقد، إنه بغض النظر عما نطلق عليهما، بِناء هاذين الاثنين شيء مهم للغاية وأعرف إنه حقيقي جدًا، من خلال خبرتي الشخصية. نحن الآن نحاول فهم شيء أو جمع شيء أو أيًا ما كان، سواء كان هذا تأملًا أو كتابة كتاب أو غير ذلك – الوصول لحل خاص بمشكلة ما – أحيانًا نصل لنقطة يكون لدينا نوعًا من الحاجز الذهني. لا يمكننا الاستمرار في التفكير أكثر من هذا. وصلنا لمرحلة من فقدان القدرة الذهنية وأصبحنا ذابلين. المشكلة أن طاقتنا أصبحت ضعيفة للغاية لنستمر أكثر من هذا. نحتاج نوعًا من الطاقة الإيجابية، بعض القوة أو الإمكانيات الإيجابية لنستمر أكثر. هذا ما تدور حوله الاستحقاقات. ليس الأمر كأننا نحتاج لاكتساب المزيد من النقاط لربح اللعبة. في مثل تلك المواقف التي نصل فيها لهذا الحاجز الذهني، ما سيساعدنا هو أن نُنَحي جانبًا ما نقوم به ونذهب للقيام بشيء إيجابي – على سبيل المثال، مساعدة الآخرين.
هذا يمكن القيام به بالعديد من الطرق. الطريقة الأبسط، التي أستخدمها طوال الوقت عندما لا أستطيع فهم شيئًا ما وأريد أن أفهمه وأن أصفي ذهني سريعًا – دعونا نفترض عندما أكتب ولا أستطيع التفكير في كلمة ملائمة أو كيفية التعبير عن شيء ما بطريقة واضحة – هو أن أتوقف وأردد مانترا مانجوشري بتخيل ذهني صحيح. وجدت أن هذا مفيدًا للغاية. إذا دفعنا أنفسنا - “يجب أن أفهم هذا؛ يجب أن أفهمه!” - دون القيام بشيء مثل تكرار المانترا، عندها، وأستمحيكم عذرًا على التشبيه، يصبح الأمر مماثل للإصابة بالإمساك والضغط على أنفسنا للإخراج. لا شيء سينتج عن هذا. الأمر فقط يصبح غير مريح.
إذًا، ما هو مفيد حقًا هو أن نسترخي حتى نستطيع أن يصبح تفكيرنا أكثر وضوحًا، وهذا النوع من تدرب المانترا فعَّال جدًا في تحقيق ذلك. خاصة عندما أرغب في أن يصبح ذهني حاد جدًا ويتمتع بالوضوح، لذا أجلس بنية قوية وأتمنى أن أصبح هكذا، عندها تصبح المانترا حتى مفيدة أكثر. عندها تصبح فعَّالة أكثر من ذلك عندما يصاحبها بناء التخيل الذهني الذي يفيد في تركيز ذهني بطريقة شديدة. في مثل تلك المواقف، ما نقوم به هو إضافة شيء للمعادلة، إذا جاز التعبير. نحن نضيف القوة والإمكانيات الإيجابية من ترديد تلك المانترا لمساعدتنا على التغلب على الحاجز الذهني. أجدها تنجح معي. هي فعالة جدًا في أغلب الحالات. عندها، إذا كنا متفتحين، نبدأ في الوصول للحل، دون الحاجة لإرغام لأنفسنا.
هذا نوع من المواقف والتي نحتاج فيها إلى حل فورِّي، مثل عندما نحاول إيجاد الكلمة الصحيحة أثناء الترجمة. هناك نوع آخر من المواقف والتي تكون بها طاقتنا متبلدة بعض الشيء. وجدت من خبرتي الشخصية أنه عندما أرتحل وأسافر لتقديم التعاليم، فإنني أنظر لفعلي هذا كنوعٍ من معتزل البوديتشيتا، وهذا يساعدني. يمكنني أن انظر لهذا السفر كما لو أنه، "هذا تشتيت بشع عن كتابتي" بمعنى أنني كاره لهذا الوقت الذي أقضيه بعيدًا عن مكتبي وعملي. أو يمكنني أن انظر إلى ذلك على أنه شيء إيجابي جدًا وسيساعدني على أن أكتب بذهن صافي أكثر.
لقد استخدمت فقط أمثلة من حياتي، لكن ذات الطريقة يمكن تطبيقها على حياة أي شخص – سواء كنَّا نتعامل مع موقف ما في المنزل، موقف عائلي، أو علاقة ما ولدينا بها حاجز ذهني ما. يمكننا أن نخرج ونقوم بعمل تطوعي إيجابي في المستشفى أو شيئًا كهذا، أيًا ما نجده ملائمًا لحالتنا، هذا سيصنع فارقًا كبيرًا في بناء بعض القوى والإمكانيات الإيجابية.
هذا المدخل في بناء مُدَّخَر من الإمكانيات الإيجابية ليس قاصرًا فقط على حالة الإصابة بحاجز ذهني. على سبيل المثال، كتابتي كانت تسير بشكل جيد جدًا قبل مغادرتي لجولة من المحاضرات. حينها لم يكن لديَّ أي حاجز ذهني على الإطلاق. لكن، رغبت في أن تكون كتابتي أحسن، بمعنى، كنت أرغب في أن أحصل على المزيد من الطاقة. لا أعتقد أن تسونغكابا كان يعاني من حاجز ذهني ما واستعصى أي شيء على فهمه. بدلًا من ذلك، أعتقد أنه رأى أنه من أجل أن يختبر حقًا شيئًا متألقًا، أن يحصل بالفعل على إدراك غير نظري صحيح للخلو، كان بحاجة للمزيد من الطاقة الإيجابية.
بنائنا للإمكانيات الإيجابية لا يتطلب بالضرورة معتزل للبوديتشيتا نغادر له كما أفعل عندما أسافر لأُدرِّس وأترك كتابتي. يمكننا أن نمزج الاثنين سويًا – التأمل ومساعدة الآخرين. هذا لا يعني أن نتوقف عن التأمل على الخلو لأن لدينا حاجز ذهني، لكن علينا أن نضيف نوعًا من الطاقة الإيجابية. يمكننا القيام بهذا ما بين جلسات التأمل. أعتقد أن هذا فعلًا شيئًا هامًا للغاية. ليس كافيًا أن نجلس فقط لنتأمل، ليس كافيًا حقًا. علينا أيضًا أن نكون نشطين فعلًا، أن نبني بالفعل المزيد والمزيد من القوة الإيجابية وأن نفعل أشيئًا حقًا نافعة للآخرين.
أهمية أن يكون لدينا معلم روحاني
هذا يجلبنا لموضوع المعلم الروحاني. ما دور المعلم الروحاني في هذه العملية؟ بالطبع، لدينا البراتياكايوذات كمثال، الـ"مدركين بذاتهم". يجب ألا ننساهم. هم مُتبِعوا أحد أنواع المسارات التي علََّّمها بوذا. موجودون في صورة شجرة الملجأ. البراتياكايابوذات هم المتدربون الذين يعيشون أثناء الحُقَب المظلمة التي ليس بها بوذا وليس بها معلمين متاحين. من أجل أن يتأملوا ويتقدموا، عليهم أن يعتمدوا بشكل تام على غريزتهم فيما يتعلق بالدارما، والتي قاموا ببنائها في حيواتهم السابقة عندما تقابلوا مع تعاليم البوذات.
إذا فكرنا في الأمر، سنجد أن البراتياكايابوذا شجعان للغاية. يحاولون التدرُّب على الدارما التي ترد على أذهانهم بشكل غريزي بينما الجميع غير مهتمين بالنمو الروحاني أو معادون له بالكامل. وليس لديهم أي أحد يلجئون أو يعتمدون عليه عندما تراودهم الشكوك. هم يستحقون الاحترام بجدارة. لا يجب أن نفكر في أنهم "هؤلاء الأنانيون الذين يعتزلون في الكهوف وحدهم". لكن الآن، بينما هناك البوذات والمعلمين، السؤال هو، "هل نعتمد عليهم أم لا، وما الذي يعنيه أن نعتمد بالفعل عليهم؟" أعتقد موضوع المعلم الروحاني هو شيء يَصعُب فهمه.
هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تقال عن علاقة المعلم والتلميذ من مختلف وجهات النظر وليس من المهم في هذه المناسبة أن نتعرض لها جميعًا. أعتقد على مستوى أولي للغاية، أحد الأشياء التي في غاية الأهمية بخصوص المعلم الروحاني، هي في سياق كون المعلم مؤهلًا بشكل ملائم وليس مجرد مهرج ينتقل في كل مكان مدعيًا أنه معلم، هل هذا المعلم يجسد التعاليم – كلمة “حقيقي" مثقلة بالكثير من المعاني. المعلم كإنسان يجسد الدارما. إذا لم يكن لدينا معلم وفقط نتعلم من الكتب، الصورة أو الفكرة التي سنكونها لدينا عما يعنيه فهم هذه التعاليم وترجمتها بحياتنا سيكون شيء قائم بالكامل على مخيلتنا. بعبارة أخرى، لن يكون لدينا مثال حي لما يعنيه الفهم الحقيقي لهذه التعاليم، لكن أيضًا لكي نطبق تلك التعاليم بحياتنا. رؤية مثال حي هو ما سيعطينا الإلهام لمحاولة الفهم والتبني الداخلي للتعاليم.
تعلم التعاليم ينطوي على عاملين. الأول هو الحصول على فهم تقني صحيح لتعاليم محددة، مثل الخلو. هذا شيء، والآخر، هو وجود معلم يجيب على الأسئلة، وهو الأمر الذي لا يستطيع الكتاب القيام به. لكن، بالإضافة لصحة الفهم التقني، المعلم يعطينا أيضًا مثال حي لترجمة هذا الفهم في الحياة. هذا ما أعتقد إنه مهم للغاية.
بالنظر إلى قداسة الدالاي لاما سنجد أن لديه بالتأكيد فَهمًا وإدراكًا متطور للغاية لما هو الخلو والبوديتشيتا. من أي وجهة نظر سنجد أننا نُقِّرُ بذلك. استخدام طريقة بطاقات إحراز الأداء في محاولة لمعرفة "هل هي في هذا المستوى أو ذاك من البوديساتفا" شيء طفولي. فما أهمية ذلك؟ لكن يمكننا أن نرى أن الطريقة التي يتصرف ويفهم بها الدارما لن تُرى كشخصٍ هائمٍ في السحاب غير قادرٍ على التفاعل في الواقع. من الواضح جدًا، عبر المثال الذي يقدمه الدالاي لاما، ما معنى دمج الحكمة والشفقة. هذا بالتأكيد جانب مهم جدًا عندما نتحدث عن التعرف على الدارما، أو بشكل خاص، الخلو.
التعرف على الدارما
هناك العديد من الطرق لتعريفنا بالدارما. أحد تلك الطرق هو أن يخلق المعلم موقفًا يحركنا شعوريًا بصدمة تُخرجنا عن جمودنا لنكتسب إدراكًا ما. طريقة الزن هذه يقوم بها بعض المعلمين التبتيين، وهم ليسوا كثيرين. الغيشي وانغيال، وهو معلم من كالمياك بمنغوليا والذي كان يعيش في الولايات المتحدة، أستخدم هذه الطريقة بمهارة شديدة. توفى من سنوات عديدة، لكنه أعتاد أن يقوم تلاميذه ببناء أشياءً له مثل منزل أو معبد. في أحد المرات، كان أحد تلاميذه يعمل جاهدًا في بناء منزل له، وبينما كان يعمل في بناء سطح المنزل. بأحد الأيام، صعد باكشي – الكلمة التي أعتاد تلاميذه مناداته بها والتي تعني "المعلم" في اللغة المنغولية – إلى السطح وذهب له وقال: “ما الذي تفعله؟! ما تقوم به بالكامل خطأ! أنت تُفسد كل شيء! اِنزل من هنا!” فقال له التلميذ: “ماذا تعني بأن ما أقوم به خطأ؟! أنا أفعل بالضبط ما أخبرتني به، وأقوم بهذا منذ شهور!” فرد عليه الغيشي وانغيال سريعًا: “أه، هذه هي الـ"أنا" التي تفند ما أقوله".
يمكن للمعلم أن يخلق مواقف كهذه والتي تُعرفنا على الخلو بمعنى أن يخلق موقفًا والذي به نرى شعوريًا ونكتسب بصيرة. على الرغم من ذلك، فهذا شيء يتطلب مهارة بالغة حتى يمكن القيام به. لذا، فلدينا تلك الطريقة في تعريفنا بالدارما والتي لا يمكن للكتب القيام بها.
الطريقة الثانية في التعريف هي بتقديم شرح واضح. الكتاب يمكنه القيام بهذا. الشرح الواضح للمعلم يمكن أن يُكتب في كتاب. لكن، مهمًا كان الشرح واضحًا، إذا كان لدينا نوعًا من الحواجز الذهنية، فلن يمكننا فهمه. ولذا هناك طريقة أخرى: يدعنا المعلم نخمن أجزاء الأحجية بأنفسنا، عبر إعطائنا أحد القطع في كل مرة، بدلًا من أن يُطعمنا الدارما بالمعلقة كالأطفال.
يظل هناك طريقة أخرى لتعريفنا بالدارما وهي عبر المثال الذي نراه في المعلم الذي فَهِمها. على أي حال، حتى إذا كان هناك شرحًا وافيًا في أحد الكتب، فشخصٍ ما قام بكتابة ذلك الكتاب. لذا، فهناك حاجة للمعلم، سواء قابلناه أم لا. بمعنى، نحن نقابل المعلم، حتى إذا كان متوفيًا من فترة طويلة، لأننا نقابل كلماته التي نقرأها في الكتاب. باستثناء إذا كنَّا براتياكايابوذا، فليس علينا اختراع العجلة من البداية؛ ليس علينا أن نصل لهذا الفهم فقط بالاعتماد على أنفسنا. يمكننا أن نصل له عبر شخص آخر، عبر المعلم. وإذا فكرنا في الأمر، حتى غريزة التعاليم التي لدى براتياكايابوذا زُرعت فيهم عبر سماعهم لمعلم ما في أحد أحيواتهم السابقة.
المعلم مهم للغاية في هذا الجانب. في الحقيقة، نحتاج في المعلم مزيجًا من كل تلك الجوانب. نحتاج المعلم الذي يمنحنا معلومة واضحة وصحيحة، والذي هو بالفعل مثالًا حي على ما نحاول تعلمه والذي يمكنه أن يُلهمنا. أيضًا، نحتاج معلم يمكنه خلق ظروفًا تؤدي لاكتسابنا البصيرة والذي يمنحنا قطعة من أحجية الدارما في كل مرة، بالطريقة الصحيحة.
العلاقة الإنسانية غير الشخصية
هناك العديد من الأشياء التي يمكننا التحدث عنها بالنسبة لعلاقة المعلم الروحاني والتلميذ، لكن أحد الأمور التي تَبرُز دائمًا مع الغربيين هي رغبتنا في الحصول على اهتمام شخصي. لدينا شعورًا هائلًا بالفردية. الكل يفكر، "أنا شخص متميز ويجب أن أحظى باهتمام خاص". بالطبع النموذج الذي نفكر فيه عندما نذهب للطبيب النفسي أو من شابه، ندفع المال، ونحظى بعلاج فردي. هذا ليس متاحًا دائمًا في السياق البوذي. كم هذا طريف. نحن نبحث عن "معلمي الذي سيكون لديه مكانة خاصة عندي"، ومع ذلك نبحث بشكل ما عن الصورة الهوليوودية عن الكيفية التي ستكون عليها تلك العلاقة. نحن لا نرغب في أن نصبح مثل ميلاريبا في علاقته مع ماربا: نحن لا نرغب في معلم يجعلنا نعمل بشكل شاق للغاية.
سأعطيكم مثال الرينبوتشي سيركونغ معي. لقد حظيت حقًا بشرف عظيم أن أكون قريبًا منه وأن أخدمه لقُرابة التسع سنوات كمترجم، سكرتير، مدير لرحلاته الخارجية، إلخ، وكتلميذ له. كانت لدي معه تلك العلاقة حتى وفاته سنة 1983. مع ذلك، يجب أن أقول أن علاقتي به كانت "علاقة إنسانية غير شخصية". لم يسألني أبدًا عن حياتي الشخصية – على الإطلاق. لم يسألني عن عائلتي أو عن أي شيء مشابه. وأنا لم أشعر على الإطلاق بالحاجة لأخبره بأي شيء شخصي عن حياتي. مع ذلك، كان لدينا علاقة حميمية للغاية في سياق التعامل مع اللحظة الحالية، طوال الوقت.
لقد عملنا سويًا، لكن بطريقة في غاية الخصوصية. إنها ما أُطلق عليه "علاقة إنسانية غير شخصية"، بمعنى أنها لم تكن علاقة بين شخصين يتفقون، "دعنا نعمل سويًا – أنا وأنت"، ولم تكن علاقة من نوع دعنا نتبادل كل شيء سويًا، حيث نخبر بعضنا البعض بجميع أسرارنا حتى أقذرها. بذلك المعنى فلم تكن العلاقة شخصية، لكنها كانت إنسانية بمعنى أنه فَهِم شخصيتي وطباعي، وعملنا سويًا على أساس من الاحترام لذلك. ولقد استوعبت سنه، احتياجاته، ومتطلباته كذلك، وبهذا المعنى كانت العلاقة إنسانية لكن غير شخصية.
أعتقد أن أحد أكبر أساسات نجاح تلك العلاقة كان الاحترام الشديد بين طرفي العلاقة والعمل جانبًا إلى جنب كأشخاص ناضجين. كشخص ناضج، لم أتعامل معه بطريقة طفولية كمن يرغب في الحصول على قبوله لي أو كما لو كنت أرغب في تسليمه كامل المسئولية عن حياتي – منحه السيطرة. لكن هذا لا يعني أني ذهبت للطرف الآخر، والذي سيكون: “أنا أرغب في أن أكون المسيطر ولا يمكنك أن تخبرني ما أفعله بحياتي". استشرته بشأن الخيارات الصعبة في حياتي، لكني اتخذت قراراتي بنفسي حتى بعد استشارته. كان الأمر نوعًا من، بدلًا من سؤاله كالطفل، "ماذا يجب عليَّ أن أفعل؟" - وهذا يعود بنا مرة أخرى لموضوع "الوجوبية" – كنت أسئله ما الأكثر نفعًا القيام بهذا أم القيام بذاك.
على سبيل المثال، في نهاية جولتنا العالمية الثانية، سألته، "ما الذي سيكون أفضل، البقاء في الولايات المتحدة وقضاء المزيد من الوقت ما عائلتي، أم سيكون من الأفضل العودة للهند وحضور أحتفالية المون-لام الأولى للصلوات التي يعقدها الدلاي لاما في جنوب الهند؟ أيهما أكثر نفعًا؟" كانت هذه هي طريقة طرحي للأسئلة إذا لم استطع اِتخاذ القرار بنفسي. أوصى رينبوتشي بأن أذهب لاحتفالية الصلاة، حيث أنها ستكون حدثًا تاريخيًا عظيمًا، واتبَعْتُ نصيحته. لكن هو لم يعطني أمرًا وأنا استجبت له كما في الجيش "حسنًا سيدي!” لم أكن أسأله عن نوعٍ من الأوامر. كان يعرض الموقف بوضوح أكثر ومن منظور أوسع، حتى أستطيع اِتخاذ قراري عبر حكمتي الخاصة. في مواقف أخرى، عندما تكون لدي فكرة عما هو أفضل شيء أقوم به، كنت أسأله إذا كان يرى أي مشاكل في القيام بهذا.
أعتقد أن هذا شيء مهم جدًا في العلاقة مع المعلم. إذا كان لدينا هذا التوقع بأن العلاقة ستكون فردية وشخصية للغاية، فعندها، بشكل ما، فقد أعطينا لأنفسنا أهمية أكثر مما نستحق. نحن نعطي لأنفسنا أهمية ذاتية إذا طالبنا بهذا الاهتمام الشخصي. أيضًا، إذا طلبنا ذلك، فمن السهل أن نسقط في فخ النظر لأنفسنا كأطفال والمعلم كأب لنا، أو أنفسنا كمراهقين والمعلم كنجم الغناء. وهذا ينطوي على شيءٍ من الخيالات الرومانسية.
مثال النحلة والزهرة
الكيفية التي نتعامل بها في علاقتنا مع المعلم الروحاني بشكل إنساني غير شخصي ليست سهلة. وأهمية القيام بهذا ليست قاصرة فقط على علاقتنا بالمعلم الروحاني. سيكون من المفيد إذا أصبح ذلك النهج هو المُمَيِز لعلاقاتنا بالآخرين. كتب شانتيديفا أن ما سيكون مفيدًا للغاية في علاقتنا مع الآخرين أن نكون مثل النحلة التي تتنقل من زهرة لزهرة وتتعامل فقط مع جوهرها، دون أن تَعلَق بزهرة بعينها.
مرة أخرى، بالنظر إلى مثال الرينبوتشي سيركونغ. لم يكن لديه أي صديق مقرب. بدلًا من ذلك، أيًا كان من معه في تلك اللحظة كان صديقه المقرب. أن نكون على هذه الشاكلة لهو، بالكامل، نتاج التفتح الذي كنَّا نتحدث عنه في الجلسة الأولى: أن نكون مع الجميع كما لو كانوا أصدقاءنا المقربين. عندما نكون مع شخص بهذه الطريقة، تكون قلوبنا بالكامل متفتحه له. نكون حميمين للغاية مع هذا الشخص بمعنى أننا نتواصل معه من القلب للقلب. لكنه ليس من الضروري لي أو لك أن نتشارك بأسرارنا مع بعضنا البعض. لا يجب بالضرورة أن نخوض في كل تلك التفاصيل الشخصية، والتي بشكل ما، نرغب من الآخرين أن يقدرونا بسببها.
إذا خضنا في كل هذه التفاصيل، يصبح الأمر كما لو أننا نُلقي بالفوضى التي لدينا على الشخص الآخر حتى يصبح عالقًا معنا فيها. لدينا جميعًا بعض الفوضى في حياتنا التي علينا أن نتعامل معها، لكنها يجب ألا تصبح عبئًا على الآخرين وعلى علاقتنا بهم. يمكننا أن نتواصل معه الشخص الآخر، أن نكون متفتحين بالكامل؛ وأن يكون مثل صديقنا المقرب. يمكننا حقًا أن نتصل بقلب الشخص الآخر، لكن دون أن نجعله عالقًا حتى يمكننا بالمثل أن نكون متفتحين على الجميع، مثل النحلة التي تطير من زهرة لأخرى – ننخرط معهم من قلوبنا بشكل حميم، ولكن لا نَعلَق.
هذا هو نوع العلاقة التي ستكون لدينا مع المعلم. عندما نكون معه، يكون هناك تفتح تلقائي في تواصلنا، لكننا سنخرج من أمامه وسيدخل الشخص الآخر. إذا كان لدينا الموقف الداخلي الخاص "أريد معلمي!”، سنصبح غيورين ومتملكين، ويصبح الأمر عذابًا مطلقًا: “هناك مجموعة مقربة حول المعلم وأنا لست جزءًا منها" والكثير من المعاناة تَنتُج عن ذلك. لكن علينا جميعًا أن نتعامل مع أسرارنا. علينا جميعًا أن نتعامل مع الفوضى التي بحياتنا. ليس هناك أي داعٍ لأن نتوقع أن المعلم سيتدخل في ذلك.
تجنب تطرف تجريد الآخرين من تميزهم الشخصي
عندما نتعامل أو نتواصل مع شخصٍ ما بهذه الإنسانية غير الشخصية، سواء كان معلم أو صديق، هناك مستويان: المستوى الأعمق والمستوى الشائع النسبي. على المستوى الأعمق، الجميع متساوون ولا أحد خاص، هذا يؤدي إلى تجريد العلاقة من البعد الشخصي. مع ذلك، فعلى المستوى الشائع، الجميع متمايزون على المستوى الفردي، وهذا يجلب الجانب الإنساني للعلاقة.
من المهم جدًا ألا نتجه لتطرف التواصل مع الآخرين فقط على المستوى الأعمق. نحتاج أن نحاول ألا نهمل أبدًا رؤيتهم كأشخاص متمايزون على المستوى الفردي. بعبارة أخرى، إذا كنت أتواصل معك بطريقة مجردة للغاية، فعندها بشكل ما أنا لا أتواصل معك على الإطلاق – حتى إذا كنا نتواصل من القلب للقلب. نحتاج لتجنب الشعور بـ"أنت التيار الذهني رقم ١٤٧٦٢ وهذا الشخص هو التيار الذهني رقم ١٤٧٦٣, يمكنني أن أكون متفتحًا بشكل متساوي وحميمي على المستوى الشعوري مع أي تيار ذهني أيًا كان رقمه المُسلسل". هذا سيكون خطأ. هذا سيأخذ النقطة التي في الدارما والتي تتحدث عن "جميع الكائنات" لتطرف تجريد الأشخاص من تميزهم الشخصي. نحتاج دائمًا أن نتذكر أن الطرف الآخر، من منظوره، هو يرى نفسه بطريقة متميزة للغاية على المستوى الفردي. وعلينا أن نتعامل مع هذا.
دعوني أعطيكم مثالًا، عندما توفيت والدتي العام الماضي. في البداية، بعد وفاتها، كنت أردد الصلوات وأقوم بالعديد من التدريبات لها، لكن بطريقة مجردة للغاية، أنظر لها كمجرد تيار ذهني رقم كذا كذا. لتجنب ألم التعلق، لم انظر لها فقط كأمي، لكن كشخص مار من حيوات عديدة سابقة في الماضي إلى حيوات عديدة قادمة في المستقبل، مثلها مثل أي شخص آخر. فبعد كل شيء، التعاليم البوذية تخبرنا أن الجميع في وقت ما من الأوقات كان أمًا لنا. لذا، كانت طريقتي في الاتصال بها في مرحلة الباردو – ما بين عوالم الوجود – مجردة للغاية.
ثم بعد مناقشة خبرتي تلك مع صديق مقرب، فهمت أنه سيكون مفيدًا أكثر أن أنظر للموقف من منظور أمي في الباردو، بدلًا من منظوري أنا كمتدرب على الدارما الذي صادف أن حصل على بعض الفَهم لفكرة الحيوات السابقة والحالية، الهوية غير الراسخة، وما شابه من تعاليم. من منظور أمي في الباردو، لا يزال لديها تمسك بهويتها السابقة كروز بيرزين ولا تزال تنظر لي كابن لها.
على الفور قمت بتغيير التدرُّب الذي كنت أقوم به لمحاولة مساعدتها في فترة الباردو هذه وتحدثت مباشرة لها. كنت أدرس حينها في تشيلي ومسافرًا إلى تاهيتي، لذا دعوتها لتحضر جميع جلساتي وأن تكون معي. كما رددت أيضًا نوعية الصلوات والأشياء التي كانت تحبها، والتي كانت تشعر بالراحة لها. بعبارة أخرى، كنت أحاول أن أشعر بالخوف الذي قد يكون لديها وأحاول تهدئتها بشيء ملائمٍ لها.
على سبيل المثال، أمي كانت تحب أن تنشد المانترا البوذية. كانت تجعلها تشعر بالهدوء. وعلى الرغم من أن هذه لم تكن بالضبط نوعية الأشياء التي أجدها مفيدة لي إذا كنت في الباردو، فلقد بدأت في إنشاد المانترا بالطريقة التي أعرف أنها كانت تجدها مُهدئة جدًا لها. وشعرت أني أتصل بها عبر قيامي بهذا. لقد قمت بتعديل ما أقوم به للشكل الذي يتلاءم معها. لقد تعاملت مع خبرتها للواقع على المستوى النسبي بشكل جاد. هذه هي النقطة الأساسية. إذا كانت أمي تجد في إنشاد الصلوات المسيحية أو اليهودية أو ما شابه شيئًا مهدئًا لها، لكنت قمت بإنشاده لها. لكن أمي كانت تُحب إنشاد المانترا بطريقة بطيئة جدًا. وكما قلت، شعرت بتغيير كبير عندما بدأت في القيام بهذا.
قبل ذلك، عندما كنت أردد بشكل مجرد "ليتكِ تكوني سعيدة وأن نتصل سويًا في جميع حيواتنا وأن تَحظِي دائمًا بالحياة البشرية الثمينة وأن أُرشدكِ لطريق الاستنارة في جميع حيواتك" وكل تلك الأشكال اللطيفة المجردة من العبارات والأفكار، لم أكن أتواصل معها حقًا على المستوى الفردي. لكن الطريقة الأخرى وجدتها أكثر تأثيرًا. شعرت حقًا أني أعمل لنفعها، على الرغم من أني بالطبع حافظت على صلواتي الأخرى العامة. باختصار، عندما نتصل بشكل ما بهذه الطريقة الإنسانية غير الشخصية، كما كنت أصف لكم، هذا لا يعني أن نلغي حقيقة التواصل مع هذا الشخص كفرد متميز وأن نحترم خبرتهم الفردية عن أنفسهم.
لصياغة الأمر بشكلٍ تِقَني أكثر: “أنا أتواصل معك بالكامل بشكل منفتح وإنساني، ولكن دون تعلق – دون أن أخوض في الفوضى الشخصية الخاصة بي أو بك. لكن داخل هذا السياق العام، في تواصلي معك، أنا حساس – وما شابه – لخصوصيتك الفردية ولرؤيتك عن نفسك، حتى أستطيع الاتصال معك بطريقة تُتيح التواصل فيما بيننا". ثم، يصل بنا هذا لموضوع استخدام الخمسة أنواع من الوعي العميق للاتصال بالشخص، لكن دعونا نؤجل هذا لوقت آخر.
أشير لكل هذا للعديد من الأسباب، لكن تحديدًا لصعوبة كبيرة نواجهها في التدرُّب البوذي بتقليد الماهايانا عندما نقوم بالبوديتشيتا، الشفقة، وكل تلك الأنواع من التأمل على مستوى "ليت جميع الكائنات تُصبح سعيدة"، بينما نحاول التفكير بشكل مجرد في كل الكائنات. إنه من الصعب جدًا أن نترجم بمهارة "جميع الكائنات" إلى السياق الفردي للشخص الذي في مواجهتنا مباشرة – أنت أو أنتي. إذا كنَّا فقط نتدرب على مستوى "جميع الكائنات"، عندها في بعض الأحيان قد نستخدم هذا كمبرر لعدم الانخراط الشخصي مع أي أحد.
الآن، بشكل ما، إذا كان معنى الانخراط الشخصي يعني التمسك بكل القمامة التي تأتي مع هذا، عندها نحتاج أداة ما لتساعدنا على تجنب هذا. لكن، بمجرد ما أن نعتني على الأقل بالمستوى الأكثر وضوحًا من التعلق والغضب وكل الأشياء الأخرى – والذي ليس إنجازًا بسيطًا – نحتاج أن يكون لدينا انخراط شخصي، لكن من النوعية التي تتضمن الطريقة الإنسانية غير الشخصية، بعبارة أخرى، الطريقة الفردي دون تمسك.
كل شيء ناقشناه في سياق العلاقة مع المعلم الروحاني للآن لا تعتمد على موضوع رؤيتنا للمعلم كبوذا من عدمها. حتى إذا لم نكن نرى المعلم كبوذا، ما وصفته ضروري من أجل أن يكون لدينا علاقة ذات معنى وناجحة مع المعلم. بالتأكيد في سياق رؤية المعلم كبوذا، سنظل بحاجة للتعامل مع هذه العلاقة كناضجين وأن نرى المعلم كشخص ناضح، وليس كأبي أو كنجم من المشاهير وليس ككل تلك الأشياء الغريبة التي نميل لإسقاطها عليه كشخص يجب أن يكون لديه تلك العلاقة الخاصة معي لأنني شخصٌ متميز.
الخوف من العلاقة العميقة مع المعلم
أحاول أن أرى نفسي كشخص مجهول في حشد كبير من التلاميذ ولديهم الكثير من المعلمين. أُفضِل أن أقول أن لديّ معلمين كثيرين، بدلًا من أن أكون في علاقة فردية مع معلم واحد.
قد تكون هناك بعض المشاكل. أحد المشاكل يُمكن أن يكون الخوف من الالتزام والخوف من الحميمية، والتي بهما قد نفكر: “لا أرغب حقًا في أنفتح على معلم واحد، لأنني عندها لن أكون مسيطرًا". من الواضح، لأجل أن نكون قادرين على التغلب على مثل هذا الخوف بنجاح فإن هذا يتطلب بعض الفهم للخلو. ليس هناك أي شيء يخيف في التفتح على المعلم. لأننا عندما نقوم بذلك، فليس هناك "أنا" البائسة العَزْلاء التي ستُؤذَى. أو، "أنا سيتم هجري وخذلاني". أيضًا، ليس كأني أنفتح وليس هناك أي شيء على الإطلاق وبالتالي فأنا عندها ضائع وكل شيء عبارة عن فوضى كبيرة. الانفتاح على المعلم يتطلب بعض الدقة في فهمنا لكيفية وجودنا. لتكون العلاقة مع المعلم ناجحة، يجب أن تكون علاقة ناضجة، بحسٍ جيد لـ"أنا" المعتادة التي يمكنها أن تميز بين ما هو مفيد وما هو مؤذي، وبين ما هو ملائم وما هو غير ملائم. وإلا، فإن العلاقات غير الناضجة يمكن أن تصبح كارثية.
المضي قدمًا ببطء في بناء علاقة مع معلم روحاني
قبل القيام باتخاذ الملجأ مع معلم بعينه، تحتاج أن تتحقق منه أو منها جيدًا، لكن الآن بذهن غير نقي، كيف يمكنني التحقق من المعلم بشكل ملائم؟ وكيف يمكنني التحقق إذا كان هذا المعلم بوذا أم لا؟
عندما نقول إنه من أجل تنجح علاقة مع معلم روحاني بشكل جيد نحتاج أن نكون ناضجين، هذا لا يعني إنه بينما نحن لا نزال غير ناضجين، لا نلجأ للمعلم. هذا لا يعني أننا بحاجة لأن ننتظر حتى نصبح ناضجين حقًا قبل أن نتواصل معه. إذا كان هذا الحال، فقط نحتاج لأن ننتظر وقتًا طويلًا جدًا. المعلم الماهر يمكنه أن يساعدنا على أن نصبح أكثر نضجًا. على الجانب الآخر، المعلم غير الماهر، قد يستغلنا ويسيء لنا أثناء عدم نضجنا. لذا، عند التقرب من المعلم المحتمل، نحتاج أن نُقر لأنفسنا بأننا لا نعرف إذا كان هذا الشخص مؤهلًا أم لا. علينا أن نتقدم بشكل بطيء وحذر للغاية.
العلاقة مع المعلم الروحاني هي شيء عادة ما يجب أن ينمو ببطء، عبر الوقت، وأن تمر بمراحل متعددة. حتى رؤية المعلم كبوذا، والتي لا تبدأ في المراحل الأولى، تمر بمراحل متعددة خلال نموها. لا أرغم أن أخوض في هذا الموضوع بكثير من التفصيل الآن، لأنه سيتطلب وقتًا طويلًا لعرضه. لكن هذا النوع من العلاقات والتي بها نرى المعلم كبوذا ليست ذات أهمية إلا عندما نكون في مراحل متقدمة للغاية بأعلى طبقات التدرُّب على التانترا، أنوتتارايوغا.
في العرض الأساسي، للمراحل المتدرجة للمسار (لام-ريم تشين-مو)، كتب تسونغكابا أن العلاقة الصحيحة مع المعلم الروحاني هي جذر المسار، وحدد تلك العلاقة بمصطلح رؤية المرشد الروحاني كبوذا. لكن، علينا أن نفهم السياق الذي كتب فيه هذا ولماذا قاله تسونغكابا. من الجلي أن تسونغكابا كان يكتب ويعرض هذه النقطة للرهبان المنخرطين بالفعل في تدريب التانترا. يمكننا استنتاج هذا لأن اتخاذ الملجأ يأتي عرضه بعد تلك النقطة، لاحقًا في عرضه للمسار. كيف يمكن أن يكون لدينا علاقة مع المعلم، رؤيته كبوذا، إذا لم نأخذ الملجأ ولا نعرف حتى ما هو بوذا؟ من الواضح أن هذه التوجيهات برؤية المعلم كبوذا هي لشخص قد أخذ بالفعل الملجأ وبالفعل منخرط في التانترا. هذا لأن كل الاقتباسات التي أستخدمها تسونغكابا لدعم رؤية المعلم كبوذا تأتي من التانترات المختلفة. لذا فمن الواضح أن هذا الأمر بالكامل خاص بالتانترا. هذا يعطينا مؤشرًا بأنه عدا هؤلاء الذين لديهم خلفية سابقة كرهبان أو راهبات ومنخرطون بالفعل في تدريبات التانترا العليا، لا يمكننا أخذ أشياء مثل، الملجأ، كشيء مسلم به. علينا أن نبدأ من المرحلة الأسْبَق في المسار.
عندما ندرس في البداية مع معلم، خاصة كغربيين، موضوع "هل هذا المعلم حقًا بوذا أم لا؟" ليس ذو قيمة لنا على الإطلاق. علينا أن ننظر أولًا لنرى إذا كان معلمًا جيدًا. هل يمكنه أن يشرح بوضوح؟ ما الذي يشرحه؟ هل ما يقوم بشرحه متوافق مع النصوص التقليدية؟ هل يتلاءم ما يشرحه مع حياتي؟ إنه مماثل للطريقة التي نختبر بها أي مدرس أو محاضر بأي مجال آخر – دعونا نفترض كمثال، إذا كنا سنتعلم لغة ما: هل يمكنه أن يعلمني بشكل فعَّال؟
نتفحص أيضًا نوعية المشاعر العامة التي لدينا عندما نكون مع هذا الشخص. قد يكون لدينا إحساس ما لنوعية العلاقة التي يمكن أن تكون لدينا مع شخص ما والذي يتولد لدينا عندما نكون معه. هل هذا الشخص يُلهمنا أو لا يترك انطباعًا لدينا؟ هل هو شخص يتواصل حقًا معنا أم هو شخص لا يمكننا الاتصال به؟ هذا ممكنًا لحد ما. لا يتطلب هذا استبصارًا أو مرحلة متقدمة من النضج.
ثم نبدأ في اِختبار أشياء مثل أخلاقيات هذا الشخص بشكل أكثر دقة: هل هو شخص أخلاقي؟ هل هو سهل المعشر أم عادة ما يغضب، أو متملك لتلاميذه ويحاول السيطرة على حياتهم؟ ثم يمكننا سؤال الآخرين، لنكتشف الطريقة التي يتعامل بها هذا المعلم مع التلاميذ الآخرين. هذه هي بعض الطرق التي بها يمكننا تفحص المعلم، كي نُحدد إذا كنا نرغب في الدراسة معه أم لا.
ثم، هناك فارق كبير بين عزمنا على الدخول في علاقة مع هذا الشخص، وبين أنه كنتيجة لهذه العلاقة، نراه كبوذا، والذي هو أمر متقدم للغاية وغير هام في المستوى الأولي. إذا كنا بالفعل قد اخذنا الملجأ، وبالفعل مررنا بالمراحل الأساسية للمسار، وبالفعل منخرطون في أعلى طبقات التانترا، إذا كان كل هذا يتوافر بنا، فعندها سيكون لدينا تلك العلاقة القوية مع المعلم، وعندها سنرى هذا المعلم كبوذا بكل ما يحمله هذا من معنى. عندها، إذا كنا نقوم بمراجعة لكل مراحل المسار من البداية مرة أخرى، كما في حالة الرهبان الذي يراجعون كامل المسار المتدرج، عندما نستمع لتعاليم الرام-ريم تشين-مو لتسنونغكابا، للاستعداد لتلقي تعزيز التانترا، عندها ستكون تعاليم تسونغكابا تلك عن رؤية المعلم كبوذا هي جذر النجاح في كامل المسار التالي. وعندها ستحمل بالكامل معنى مختلفًا للغاية.
عدم فقدنا لملكة النقد
علينا أن نفهم الأشياء داخل سياقها الصحيح. وهذا ليس سهلًا. خاصة في البداية، لكن أعتقد أنه سيكون جوهريًا ألا نفقد ملكة النقد لدينا تجاه المعلم. لاحقًا، عندما نتصل بالمعلم كبوذا، فعندها سيكون هذا عهد بيننا وبين المعلم والذي يتطلب قدرًا هائلًا من النضج الشعوري. ما نقوله عبر هذا النوع من العهود هو في الأساس، "أنت بوذا، وهذا يعني أنه مهمًا فعلت، سأراك كبوذا الذي يحاول أن يُعلمني شيئًا ما". تذكروا، وجود الأشياء ليس مؤسَسَةٌ بشكل قائم على جوانبها الخاصة بها، بل هي معتمدة على كل شيء آخر. لذا فوجود مثل هذه العلاقة مع المعلم تأسست في علاقتها بالموقف الخاص بـ "أنت تساعدني على النمو".
عندها، في الأساس، ما نقوله للمعلم بأذهاننا، "لا يهمني ما هو دافعك ولا يهمني إذا كنت بالفعل وبشكل موضوعي مستنير أم لا. بدلًا من ذلك، سأستغل الفرصة المتاحة بهذه العلاقة لأن أنمو بشكل مستمر وأن أتعلم. إذا أخبرتني أن أفعل شيئًا غبيًا، فلن أرد عليك، 'أنت غبي' وأغضب منك. بدلًا من ذلك، سأرى هذا كأنك 'تقول لي أن أفعل شيئًا غبيًا حتى أتعلم درس استخدام تمييزي وأن أفكر لنفسي إذا كنت سأقوم به أم لا.'" بعبارة أخرى، أي شيء سيقوم به المعلم، سنعتبره كتعاليم ونحاول تعلم شيء منه. لا يشكل أي فارق بالنسبة لنا ما الذي يدور بذهنه.
بالتأكيد هذا هو ما يعنيه قول أننا بحاجة لأن نرى الجميع كبوذات. أن نرى كل شيء كدرس. لذا، يمكننا التعلم من طفل. عندما يتصرف طفل بطريقة سيئة أو سخيفة، يمكننا أن نتعلم ألا نتصرف بذات الطريقة. الطفل هو معلمنا. الكلب يمكنه أن يعلمنا. أي شخص يمكنه أن يعلمنا. مع ذلك، هذا يتطلب درجة متقدمة من النضج الشعوري، أليس كذلك – ألا نغضب وألا نُصدر أحكامًا؟ إنه تدرُّب متقدم للغاية. إنه ليس شيئًا يمكن أن يقوم به المبتدئون.
من الواضح، أننا بحاجة لأن نقوم بقدر كبير من التفحص لنحدد ما إذا كنَّا قادرين على الدخول في مثل هذا النوع من العهد مع المعلم أم لا، لأن نكون قادرين على الاتصال به على هذا المستوى. هل المعلم مؤهل وهل نحن مؤهلون؟ يمكننا أن نحظى بهذا النوع من العلاقات حتى مع معلم ليس لدينا معه الكثير من الاتصال الشخصي. عندما نذهب لتعاليم عامة يقدمها معلم عظيم لحشد كبير، يمكننا القيام بذات الشيء: “أيًا ما ستقوله أو تفعله، سأتعلم منه". لكن تذكروا، هذه ليست علاقة مجند بجنرال في الجيش: “حسنًا سيدي! ماذا علي أفعل سيدي؟ أخبرني. أعطني الأوامر. حسنًا سيدي! سأقوم بهذا" – هي ليست كذلك على الإطلاق.