مراجعة مختصرة
رأينا كيف بدأ توغمي زانغبو قصيدته بعرض النقاط الرئيسية التي نجدها بالمراحل المتدرجة للمسار، لام ريم. بعد تقديم الإجلال لأفالوكيتشفارا، والوعد بتأليف النص، تحدّث عن أهمية الحياة البشرية الثمينة، والحاجة إلى الاستفادة الكاملة منها. يشرح توغمي زانغبو الظروف الأكثر ملاءمة للقيام بهذا، أي ترك الديار والاعتماد على العزلة. ثم، بما أن هذه الحياة البشرية الثمينة لن تدوم أبدًا، فهناك ضرورة شديدة لأن نستفيد منها. لمساعدتنا على إدراك تلك الضرورة، تحدث عن الموت والتغيير.
أهمية أن يكون لدينا أصدقاء ملائمين
وصلنا الآن إلى البيت الخامس، والذي يقدّمنا لموضوع أهمية أن يكون لدينا أصدقاء ملائمين. من المهم للغاية أن يكون لدينا دعمًا ملائمًا في تدربنا على الدارما. في هذا الخصوص، نحتاج لأن نُدرك نوعية الأصدقاء المُضلّلين، ما يُطلق عليهم "الأصدقاء السيئين"، ونوعية الأصدقاء الذين يمكن الاعتماد عليهم في مساعدتنا في مسارنا الروحاني.
(٥) تدرب البوديساتفا بأن نخلّص أنفسنا من الأصدقاء السيئين الذين عندما نخالطهم، تتزايد مشاعرنا السامة الثلاثة؛ أفعالنا من استماع، تفكير، وتأمل تتقلص؛ وحبنا وشفقتنا يصبحان معدومين.
الأصدقاء السيئون، أو المُضلّلين، بالأساس هم هؤلاء، الذين بكل نية طيبة، يأخذون بنا بعيدًا عن التدرب على الدارما. يقولون، "تعال، لنحظى بوقت طيب"، أو بشكل أكثر تحديدًا، "لماذا تضيّع وقتك في القيام بالانحناء أو التأمل أو الذهاب إلى محاضرات الدارما؟" هم ليسوا أشرارًا بالأساس -لا اعتقد أن هذا هو المقصود هنا على الإطلاق- لكنهم لا يقدّرون نهائيًا ما نقوم به في مسارنا الروحاني، لربما قد يسخرون منه، وبالأساس يحاولون أن يأخذوا بنا بعيدًا عنه.
كما يقول توغمي زانغبو، عندما نصاحبهم، تتزايد لدينا المشاعر السامة الثلاثة. عندما نكون معهم، يشجعون أول مشاعرنا السامة، والتي قد تكون على هيئة الرغبة والتعلق بالخروج معهم، تناول المشروبات أو الانتشاء بالمخدرات، المشاركة بأي نوع من التسليات عديمة المعنى أو ما شابه. أحيانًا، بالطبع، نحتاج للاسترخاء وأن نحظى ببعض المرح. لكن، الذين يُشجعنا على القيام بهذا طيلة الوقت، لا يترك لنا وقتًا لمسارنا الروحاني، هو صديق مُضلّل.
كان لديّ تلميذ منخرط للغاية في تعاطي المخدرات، وشارك سكنًا مع شخص آخر منخرط بتعاطي المخدرات أيضًا. حاول أن يُقلع عنها ولكن مع ذلك، بقدر رغبته في الامتناع، تحت تأثير شريك السكن الذي كان يُدخّن المخدرات طيلة الوقت ودائمًا ما يشجعه على تعاطيها، كان دائمًا ما يعود مرّة أخرى لتدخينها لأنه لم يرغب في رفض شريكه في السكن.
لذا، من المهم للغاية الأصدقاء الذين نختارهم، خاصة إذا كنا سنقضي وقتًا طويلًا معهم. عندما يذهبون إلى الخارج ويغضبون ويتعاركون، نغضب وننضم لهم في الشجار، يتزايد الشعور السام الثاني، الكراهية. يتسببون أيضًا في أن يتزايد لدينا الشعور السام الثالث، حيث نصبح غافلين، لأننا ننسى الآثار المحتملة لسلوكنا، ونسايرهم ونقوم بأي شيء يقومون به. كنتيجة لهذا، كما يقول توغمي زانغبو، أفعال الاستماع، التدبر والتأمل تتناقص. الوقت الذي لدينا للذهاب للتعاليم، للدراسة، للتدبر، والتأمل يقلّ أكثر وأكثر، وينعدم لدينا الحب والشفقة.
هناك أنواع أخرى عديدة من الأصدقاء المُضلّلين المؤذيين. على سبيل المثال، هناك هؤلاء الذين يأخذوننا إلى أنشطة مثل الرسم والكتابة على كامل جدران البنايات المختلفة، أو خدش طلاء السيارات وأشياء كهذه. هناك الذين قد يقولون دائمًا أشياء بشعة عن الآخرين، وعندها يمكن أن نتأثر بسهولة بهذا أيضًا. عندها نكون مع شخص يتحدث باستمرار ويستثار ويغضب بشأن الأمور السياسية وعن كم سوء الحكومة، عندها نميل لأن نصبح على ذات الشاكلة.
خاصة عندما لا نكون مؤسّسين جيدًا في تدربنا على الدارما، تصبح نوعية الأصدقاء الذين لدينا شيئًا في بالغ الأهمية. إذا كان لدينا أصدقاء مُضللين على هذه الشاكلة، كما تتحدث الأبيات، نحتاج لأن نُخلص أنفسنا منهم. هذا لا يعني أن تكون لدينا أفكارًا سيئة تجاههم. سنظل نتمنى لهم أن يكونوا سعداء وألا يكونوا تعساء، لكن لا يجب أن نصاحبهم.
يصبح الأمر معقدًا للغاية عندما، على سبيل المثال، نكون متزوجين من شخص يُعتبر صديقًا مُضللًا، خاصة إذا كان هناك أطفالًا. هذا النوع من المواقف ليس سهلًا على الإطلاق. نحتاج لأن نقرّر في كل العلاقات، هل الأكثر فائدة أن نستمر فيها، أم سيكون من الأكثر فائدة أن نقطع هذه الصلة؟ الشيء الأساسي الذي سنُبقيه بأذهاننا إذا قررنا قطع علاقة ما هو أن نحاول القيام بهذا بطريقة جيدة، وليس بنية مريضة أو كراهية. حتى إذا كان لدى شريكنا قدرًا كبيرًا من الكراهية والاستياء تجاهنا، على الأقل من جانبنا، يجب أن نحاول ألا يكون لدينا هذه المشاعر في المقابل.
مع ذلك، اعتقد أنه من المهم أن نحاول على الأقل البقاء في مثل هذه العلاقة. قد لا يكون من الممكن دائمًا النجاح فيها، ولكن يمكننا أن نحاول شرح وتوضيح أن القيام بأنشطة الدارما المختلفة ليست رفضًا للطرف الآخر. مع ذلك، إذا كان معظم الوقت مع الطرف الآخر نقضيه بشكل هدَّام، نتجادل ونصيح فقط طيلة الوقت، عندها قد يكون من الجيد إنهاءها. هذا ليس بالشيء البسيط. على سبيل المثال، ماذا عن الأطفال إذا وجّهوا اللوم للدارما بسبب انفصال أبويهم؟ قد يكون لهذا أثرًا سلبيًا كبيرًا عليهم فيما له علاقة بموقفهم الداخلي تجاه الدارما. لذا نحتاج لأن نحترس من هذا.
إذا بدأ الجدال بشأن قضاء الوقت في الأنشطة البوذية، اعتقد أنه من المفيد عندها، إذا أمكن هذا، نزع فتيل هذا الجدال بعدم توجيه اللوم للبوذية. من البنَّاء أكثر أن نشرح الانفصال في سياق اختلاف القيم، حيث لا نتحدث عن البوذية على وجه التحديد. كما قلت، قد يكون لهذا أثرًا شديد السلبية، ليس فقط على الأطفال، ولكن أيضًا على الموقف الداخلي لشريكنا تجاه الدارما. إذا وفّرنا الظروف المواتية لموقف داخلي سلبي تجاه الدارما عند شخص ما، فسيكون هذا كارثيًا له. في الحقيقة، لن يُشكل فارقًا ما إذا كنا منخرطين في البوذية، الهندوسية، أو إحدى الديانات الغربية. هذا ليس حقًا محل الخلاف. ليست التعاليم بعينها التي نتبعها، ولكن بالأساس هو اختلاف في القيم حول أهمية المسار الروحاني.
(٦) تدرب البوديساتفا بأن نقدّر موجّهونا الروحانيون الأنقياء أكثر مما نقدّس أجسادنا، والذين، عندما نعهد بأنفسنا لرعايتهم، تنخفض أخطاءنا وتزداد خصالنا الجيدة مثل البدر المضيء.
الكلمة المُترجمة هنا كـ"مُوجّه روحاني" هي بشكل حرفي أكثر "صديق روحاني"، شخص معاكس بالكامل للصديق السلبي. أيضًا، كلمة "روحاني" غير موجودة بالنص. العبارة الأصلية هي "صديق للسلوك البنَّاء"، حيث تُترجم كلمة "بنَّاء" أحيانًا إلى "فاضل"، بمعنى الصديق الذي معه ينمو ويتزايد السلوك البنَّاء. العلاقة بأكملها بنَّاءة. الصديق بنَّاء، وبمصاحبته نصبح إيجابيين وبنَّائين أكثر.
يشير هذا البيت للمعلم الروحاني العظيم، الذي يقودنا طيلة الطريق، يوجهنا، ويُلهمنا لنتصرف بطريقة الدارما البنَّاءة. مع ذلك، اعتقد أننا سنحتاج أن نضم أيضًا أصدقاء الدارما المعتادين. هذا لا يعني شخص ما يأتي لمركز الدارما، نذهب سويًا للمحاضرة ونخرج بعد ذلك لشرب الجعة. بدلًا من هذا يشير البيت إلى الشخص الذي يقترح علينا، على سبيل المثال، أن نتأمل سويًا، أو ندرس أو نتناقش حول إحدى موضوعات الدارما. هذا شخص يُشجعنا على الذهاب إلى التطوع، أن نوفّر المساعدة في المستشفى أو مطبخ للفقراء، أي شيء كهذا.
الآن، في أي نوع من علاقات الصداقة، يجب أن يكون هناك نوع من صلة الكارما، حتى نشعر بالراحة مع الشخص الآخر. قد يأتي إلينا أشخاص ليقولوا، "أهلا، دعنا نجلس لنتأمل"، أو "دعنا نقوم ببعض الانحناء احترامًا"، ولا نشعر بالراحة تجاه هذا. لربما ترِدنا مشاعر أن هذا الشخص يتصنّع القداسة ويُشعرنا هذا بعدم الراحة. الصديق الروحاني هو شخص نشعر مع براحة واسترخاء كاملين. عندما نقوم بالأشياء البنَّاءة سويًا أن هذا شيء طبيعي ويسير بشكل جميل للغاية.
بالطبع مع هذا البيت، التركيز الأساسي منصب على المُوجّه الروحاني أو المعلم الروحاني. في سياق هذا، كما يشير دائمًا قداسة الدالاي لاما، لا نعتمد فقط على اسم المعلم. هناك العديد من المعلمين ذوو الألقاب الضخمة، لهم أتباع كثيرين وما شابه، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم معلمين مؤهلين؛ نحتاج دائمًا لأن نتفحص مؤهلات هذا المعلم. يشير الدالاي لاما هنا بشكل أساسي للتولكو، أو المعلم المُكتشف إعادة ميلاده والذي يحمل لقب "رينبوتشي". هناك العديدين منهم، بالطبع، ولهم أسماء شهيرة من أسلافهم، لكنهم لا يقومون بالكثير في هذه الحياة فيما له علاقة بالدراسة والتدرب.
ثم، حتى إذا كان المعلم مؤهلًا للغاية، هذا لا يعني بالضرورة إنه ملائم لنا. مرة أخرى، نحتاج لأن نرى نوعية صلة الكارما التي لدينا مع المعلم. هل نشعر بالراحة معه أم لا؟ على الرغم من أن المعلم يقدّم المعلومات بشأن الدارما، لكن يمكننا أيضًا أن نحصل على هذه المعلومات من الكتب. يمكنه أن يجيب على أسئلتنا، وهو الأمر الذي لا تستطيع الكتب القيام به، لكن الشيء الأساسي الذي يمنحه لنا المعلم الروحاني هو الإلهام. في الحقيقة يسافر معظم المعلمين الروحانيين كثيرًا هذه الأيام. لديهم الكثير من التلاميذ، ومن الصعب للغاية الحصول على اهتمام شخصي منه. حتى إذا لم يكن لدينا هذا الاتصال القريب مع معلم روحاني عظيم، يظل بإمكاننا أن نحصل منه على قدر عظيم من الإلهام. بالإضافة إلى هذا، نحتاج لأن نبذل الجهد في محاولة تأسيس تلك العلاقة القريبة. يجب ألا ننتظر أن يهبط علينا المعلم من السماء. من غير المحتمل أن مثل هذا المعلم سيظهر لنا ويقول، "تعال، عزيزي، لقد كنت في انتظارك. تعال معي".
عندها نعهد بأنفسنا للمُوجّه الروحاني، كما يقول توغمي زانغبو، تنخفض أخطاءنا. كلمة "الأنقياء" تعني هنا ببساطة شخص ذو احترام، وكلمة "نعهد" هامة ومع ذلك لا يسهل ترجمتها. عادةً ما تُترجم إلى "إخلاص" كما في الإخلاص للمعلم، لكن أجد أن هذا مُضلل للغاية، لأنه على الأقل في اللغة الإنجليزية تحمل دلالة تقديس المعلم واتباعه دون تفكير. مع ذلك المصطلح في الحقيقة بصيغة الفعل ولا تستخدم فقط مع المعلمين الروحانيين، ولكن أيضًا مع الأطباء. بعبارة أخرى، نحن نعهد بأنفسنا لرعايتهم. تحمل دلالة الثقة بهم، بناءً على تفحص مؤهلاتهم والشعور بأنهم مؤهلون وقادرون على مساعدتنا. عندما نكون مرضى نثق في الطبيب، وحينها نعهد بأنفسنا لرعايته. بعبارة أخرى، سننفّد ما يخبرنا به الطبيب من أجل أن نتحسن. إنه ذات الموقف الداخلي مع المعلم الروحاني. كما لا نُقدّس الطبيب، نحن لا نُقدس المعلم أيضًا.
يصبح هذا الموقف حساس للغاية لأنه عادة ما تتولد كل أنواع المشاعر تجاه المعلم الروحاني، وعلى الرغم من أنه لدينا قدر كبير من الحب تجاهه، هذا لا يعني أننا لا نقع في حبه. عندما تكون لدينا علاقة صحية مع المعلم الروحاني، تكون المشاعر منتشية للغاية. أحد جوانب التصديق الواثق في المعلم هو أنه يجعل أذهاننا خالية من المشاعر المزعجة. هذه نقطة مثيرة جدًا للاهتمام. تكون مشاعرنا أوضح بقدر كبير، بمعنى أن تلك المشاعر المزعجة تهدأ، مثلما تهدأ المياه العكرة، فتصبح الحالة الشعورية غير معكرة. لكن، نحن غير متعلقين بالمعلم. ليست لدينا رغبة جارفة، مشاعر يائسة بأننا يجب أن نكون معه. لا نشعر بالغيرة من التلاميذ الآخرين. ليس لدينا غضب وإحباط عندما لا يكون لدى المعلم وقتًا لنا. ليس لدينا غُفل أن المعلم نوع من الآلهة الذي لا يحتاج أحيانًا إلى الراحة أو ما شابه.
كما يُذكر هنا في النص، تنخفض أخطاءنا. تهدأ مشاعرنا الداخلية، نتيجة اتباع تعاليم المُوجّه الروحاني، بالمثل نكون قادرين ببطئ على إزالة الأخطاء التي لدينا. كل هذا يدل بالطبع على أننا بالفعل ناضجين للغاية في علاقتنا مع المعلم الروحاني. يجب ألاّ نتخيل أنه في البداية سيقوم فجأة بنوع ما من السحر وستهدأ مشاعرنا المزعجة. علينا أن نبذل الجهد في هذه العلاقة، التي من الواضح أنها تعتمد على أن نكون ناضجين كفاية لتأسيس علاقة صحية مع المعلم الروحاني. العلاقة غير الصحية يمكن أن يكون لها العديد من العواقب الوخيمة.
يصف هذا البيت كيف أن خصالنا الجيدة تتزايد مثل اكتمال القمر. عندما نقضي فعلًا وقتًا مع المعلم، نبدأ حقًا في تنمية خصالنا الجيدة. تبدأ شخصيتنا في التحسّن بمساعدة المعلم، نكون كرماء، وهذا النوع من الأشياء. تنمو خصالنا الجيدة أكثر وأكثر. بشكل تلقائي، كلما اتبعنا تعاليم المعلم، كلما نمى أيضًا حبنا، شفقتنا، وفهمنا.
فيما يخص معلمينا الروحانيين، يؤكد النص على أننا يجب أن نُعزهم أكثر مما نُعز أجسادنا، لكن ما معنى هذا؟ أول مستوى لهذا هو التفكير في راحتهم أكثر من راحتنا الجسدية. نكون مستعدين لمساعدتهم وخاصة المساعدة التي تُمكّنهم من مساعدة الآخرين، حتى إذا كنا مرهقين للغاية ومن الشاق علينا القيام بهذا. مع معلمي الشخصي، الرينبوتشي سيركونغ، اعتدت أن أذهب من دارمصالا إلى دلهي كثيرًا لاستخراج تأشيرات السفر لرحلاته. كانت هذه مهمة غير سارة بالمرة. لكن مع ذلك كنت سعيدًا بالقيام بها، لأنها ستساعده على أن يكون قادرًا على مساعدة الآخرين. نحن نتجاهل راحتنا الجسدية عند القيام بهذه الأشياء.
التوجّه الآمن
في البيت السابع، يصف توغمي زانغبو كيف يمكننا الاستفادة من الحياة البشرية الثمينة، في سياق النطاق الأولي لدافع المسار المتدرج، اللام ريم، هدفنا في هذا النطاق هو تحسين حيواتنا المستقبلية. قبل كل شيء، نحتاج لأن نضع توجهًا آمنًا في حياتنا، والذي يُعرف أيضًا باتخاذ الملجأ. هذا هو أساس كل مستويات تدربنا البوذي.
(٧) تدرب البوديساتفا باتخاذ التوجّه الآمن من الجواهر السامية، باتخاذ الحماية مِن الذي لن يخدعنا أبدًا -مَن الذي يمكن لهذه الآلهة الدنيوية أن تحميه بينما هم أنفسهم لا يزالون مُقيّدون بسجن السامسارا؟
أُفضّل استخدام مصطلح "التوجّه الآمن" بدلًا من "الملجأ"، لأن الملجأ يبدو سلبيًا بعض الشيء. عندما نأخذ الملجأ، يبدو الأمر كما لو أننا نأخذ شيئًا من شخص آخر، لكن هذه ليست الحالة. في الحقيقة، نحن نقوم بنشاط فعّال للغاية عبر اتخاذ التوجّه الآمن بحياتنا، ويُشار إلى هذا التوجّه الآمن بالجواهر الثلاث السّامية. عندما نفكّر في الجواهر الثلاث، أو الجواهر الثلاث النادرة والسامية، فنحن نفكر في بوذا، الدارما والسانغا.
الدارما هي الشيء الأساسي الذي نهدف إليه. جوهرة الدارما الحقيقية تضم كلٍّ من الحقيقة النبيلة الثالثة والرابعة في الاستمرارية الذهنية لأي كائن ذو إدراك سامي أو آريا، وصولًا إلى بوذا. هذا ما يمنحنا فعلًا هذا التوجّه. لقد حققوا تلك الحالة الموجودة جزئيًا في الاستمرارية الذهنية لكلٍّ منهم، في حالة الكائنات المُحررة، أو الموجودة بالكامل في حالة بوذا، حيث تُزَال للأبد المعيقات، المشاعر المزعجة وعدم الوعي. هذا هو الإيقاف الحقيقي، هذه هي الحقيقة النبيلة الثالثة. الحقيقة النبيلة الرابعة تُقدم مسار الأذهان الحقيقي الذي يؤدي بنا للتحرر والاستنارة. هذه الحالات الذهنية هي فهم الحقائق النبيلة الأربعة في العموم، أو الخلو بشكل خاص. تؤدي هذه الحالات الذهنية إلى الإيقافات الحقيقية، وهي أيضًا نتيجة تلك الإيقافات الحقيقية. هذا هو التوجّه الذي نرغب في الذهاب إليه. نرغب في تحقيق تلك الإيقافات الحقيقية وتلك المسارات الحقيقية. هذا هو التوجّه الآمن الذي نتخذه.
السانغا لا تشير حقًا إلى أعضاء مركز الدارما، والذي هو اختراع غربي لطريقة استخدام هذا المصطلح. تشير جوهرة السانغا إلى جميع الآريات، هؤلاء الذين لديهم إداركًا غير نظري للخلو، وبالتالي لديهم بعض التحققات، لكن ليس جميعها بالضرورة، بعض الإيقافات الحقيقية ومسارات الذهن الحقيقية. بغض النظر عما إذا كانوا رهبانًا وراهبات أم أعضاءً بالمجتمع غير الرهباني.
الجواهر الثلاثة السببية هي بوذا، الدارما والسانغا كما شرحتها هنا. مرة أخرى، هم هؤلاء الذين حققوا تلك الإيقافات الحقيقية ومسارات الأذهان الحقيقية ويصبح هذا إلهامًا لنا للذهاب لهذا التوجّه. لكن، يمكننا أيضًا أن نتخذ التوجّه مما يُطلق عليه "حصاد التوجّه"، وهو التوجّه الآمن من الجواهر الثلاث التي سنحقّقها عندما نصبح آريات ونستمر لنصبح بوذات.
عندما قال توغمي زانغبو، "باتخاذ الحماية من الذين"، فقد كان يتحدث عن الجواهر الثلاث. نحن لن نُخدع أبدًا من قِبل الجواهر الثلاثة، لكن في الحقيقة، كيف سيقومون بحمايتنا؟ مرة أخرى، التأكيد هنا ليس على كائن إلهي من نوع ما سيقوم بحمايتنا، وكل ما علينا القيام به هو الانفتاح عليه والتسليم لحمايته، وعندها يتم إنقاذنا. بل عندما نعمل على تحقيق هذه الإيقافات الحقيقية ومسارات الأذهان الحقيقية، فسنكون محميين من المعاناة. بعبارة أخرى، بالنهاية نحن من سنقوم بحماية أنفسنا. لن نُخدع أبدًا، لأننا إذا حققنا تلك الإيقافات الحقيقية ومسارات الأذهان الحقيقية، مثلما حققها البوذات والآريات، تلك الحالات ستحمينا من المعاناة. نحن في الحقيقة نُخلص أنفسنا للأبد من أسباب المعاناة.
على العكس، الآلهة الدنيوية لا يمكنها أن تُقدم هذا النوع من المساعدة. كما يتساءل النص، مَن الذي يمكن لهذه الآلهة الدنيوية أن تحميه بينما هم أنفسهم لا يزالون مُقيّدون بسجن السامسارا؟ عندما نفكر بالآلهة الدنيوية، أو لربما حتى "إله العصر الحديث" المال، هذا النوع من الأشياء لا يمكنها حقًا أن تحمينا من أي شيء. عادةً ما نجد الأشخاص الذين هم في غاية الثراء عادة ما يكون لديهم معاناة أكثر كلما زادت أموالهم. هم قلقون بشأن كيفية استثمار هذه الأموال وكيفية تجنّب دفع الكثير من الضرائب، وفي قلق دائم من أن يسرقهم الآخرين. يشكّون في أن الآخرين يحبونهم فقط لأموالهم، وليس لأنفسهم. من المدهش حقًا كيف أن العديد من فاحشي الثراء هم أُناس في غاية التعاسة. من الواضح أن تلك الآلهة الدنيوية لا يمكنها حمايتنا حيث إنهم لا يزالون مقيدون بسجن السامسارا. لا يزالون مقيدون ومتصلون بكل أنواع المشاعر المزعجة، ويتسببون في زيادة مشاعرنا المزعجة.
على مستوى النطاق الأولي للدافع، هدفنا هو تحسين حيواتنا المستقبلية. هذا لا يعني أننا نرغب في الذهاب إلى الجنة أو شيء كهذا، لكن أن نستمر في الحصول على إعادات الميلاد البشري حتى تحقيق التحرر أو الاستنارة. دائمًا ما يُقال أن هذا هو الخط الفاصل بين الشخص والروحاني وغير الروحاني، إذا ما كان يعمل لأجل حياته المستقبلية أم لا. هذا هو الخط الفاصل في سياق الدارما، لكن بالطبع العديد من الديانات تُعلّم العمل لأجل الحياة التالية لكي يولد أتباعها في الجنة، لذا فهذا ليس خطًا فاصلًا خاصًا فقط بالبوذية. لِيصبح هذا الخط الفاصل بوذيًا، نحتاج لأن نفكر في سياق الحيوات المستقبلية في سياق التوجّه الآمن.
ما نهدف إليه حقًا هو التحرر والاستنارة، أو لنكون أكثر تحديدًا، الإيقافات الحقيقية ومسارات الأذهان الحقيقية. نحن نرغب في الاستمرار في الحصول على الحيوات البشرية الثمينة كخطوة أولوية لنتمكن من تحقيق هذه الإيقافات الحقيقية ومسارات الأذهان الحقيقية، حتى نكتسب في النهاية التحرر والاستنارة. هو ليس مجرد تدرب لأجل أن ندخل الجنة. ما لم يكن لدينا هذا الدافع الأولي، لن يمكننا حقًا أن نكون مُخلصين في أمنيتنا للاستنارة، لأنه من غير المحتمل أن نحقق التحرر أو الاستنارة في هذه الحياة. سيتطلب الأمر وقتًا طويلًا ولذا نحتاج للعديد من الحيوات البشرية الثمينة.
من أجل العمل على إعادة الميلاد البشري الثمين، من الواضح أننا يجب أن نُصدق حقًا في إعادة الميلاد، لإننا إذا لم نكن نصدق به، عندها كيف يمكننا أن نهدف للتحرر من إعادة الميلاد، والذي تدور حوله بالكامل فكرة التحرر؟ نحن نرغب في التحرر من إعادات الميلاد المتكرر غير المتحكم به، لذا يجب علينا العمل بجد لفهم التعاليم البوذية عن إعادة الميلاد. هي ليست بسيطة، في الحقيقة هي معقدة للغاية. تعتمد بالكامل على فهم كيف توجد الذات وكيف يعمل قانون الأسباب والنتائج السلوكية. بدون فهم خلو الـ"أنا" وقانون الأسباب والنتائج السلوكية، على الأقل لمستوى ما، سيكون من الصعب حينها أن نفهم ما الذي تدور حوله تعاليم بوذا الخاصة بإعادة الميلاد.
الامتناع عن السلوك الهدّام
من أجل أن نضمن أن حيواتنا المستقبلية ستكون إعادات ميلاد بشرية ثمينة، نحتاج لأن ننتبه لقانون الأسباب والنتائج السلوكية، خاصة في سياق سلوكنا. لمعالجة هذه النقطة، يتحدث توغمي زانغبو عن الامتناع عن السلوك الهدّام.
(٨) تدريب البوديساتفا ألا يرتكب أبدًا أي من الأفعال السلبية، حتى ولو كان الثمن حياتنا، لأن المعلم كامل القدرة أعلن أنه يصعب للغاية تحمّل معاناة حالات إعادة الميلاد الأسوأ والتي هي نتيجة الأفعال السلبية.
يتحدث هذا البيت عن قانون الأسباب والنتائج السلوكية، الكارما، وهذا بالطبع موضوع معقد، لكن يمكننا أن نتحدث بقدر من التعميم. عندما نتصرف بشكل هدَّام، يجلب هذا علينا التعاسة، وعندما نتصرف بشكل بنَّاء، يجلب هذا علينا السعادة. بشكل أكثر تحديدًا، ما علينا القيام به لنتأكد أننا لن يُعاد ميلادنا بحالات إعادة الميلاد الأسواء، هو أن نمتنع عن التصرف بطريقة هدَّامة. يقوم التصرف الهدَّام ببناء قدرٍ هائلٍ من القوة السلبية باستمراريتنا الذهنية وتلك القوة أو الإمكانات السلبية تؤدي بنا إلى حالات إعادة الميلاد الأسوأ، والتي يصعب الهرب منها.
ما الذي نعنيه هنا بالأفعال السلبية أو الهدَّامة؟ ما هو مقابلها؟ ما الذي يُعدّ بنَّاءً؟ الطريقة التي يُشرح بها هي أن السلوك البنَّاء هو حينما نمتنع عن السلوك الهدَّام، والذي علينا أن نفهمه بدقة. على سبيل المثال قد لا نحب صيد الحيوانات أو الأسماك نهائيًا ولذا قد لا نخرج أبدًا للصيد. بهذا المثال، مجرد عدم الذهاب إلى الصيد ليس حقًا امتناعًا عن نوعية السلوك الهدَّام، حتى إذا لم نرتكب هذا الفعل. بدلًا من هذا، نعني بالامتناع عن السلوك الهدَّام هو عندما تطنّ هذه البعوضة حول رؤوسنا ونرغب في قتلها، نمتنع عن ذلك لأننا نرغب في تجنّب عواقب الكارما. نفكر في القوة السلبية التي سيتم بناءها عبر الاستجابة لشيء يزعجنا بالرغبة في تدميره. السلوك البنَّاء هو الامتناع عن القتل والعثور على طريقة أكثر سلمية لإخراج البعوضة من غرفتنا.
اَعتقد أننا جميعًا نجد أن فهم هذه النوعية من السلوك البنَّاء أكثر صعوبة بكثير من فهم السلوك الهدَّام -على سبيل المثال، إذا كنا لا نرغب إطلاقًا في تناول الكعك، أو يقدّم لنا أحدهم كعكة لا نجدها شهية. عدم تناولها ليس بالشيء الكبير، لأننا لا نرغب بها في الأساس. لكن إذا كان ما يتم تقديمه هو شيئًا نجده شهيًّا جدًا، كعكتنا المفضلة، عندها الامتناع عن تناولها، بسبب اتباعنا لحمية غذائية أو ما شابه، سيكون أكثر صعوبة بكثير، وهو أيضًا الشيء الذي إذا استطعنا القيام به سيكون بنًّاء أكثر.
لذا، السلوك البنَّاء هو الامتناع عن التصرف بشكل سلبي عندما نرغب في التصرف بشكل سلبي، عندما تكون هذه هي العادة أو الميل الذي لدينا. لا نقوم به، لأننا نفكر في العواقب السلبية في سياق قانون الأسباب والنتائج السلوكية، الكارما، خبرتنا المستقبلية، وليس فقط لأنه "أنا أريد أن أكون بوذي صالح"، ولكن لأننا نفكر في سياق العواقب التي سيكون علينا نحن أنفسنا أن نختبرها في المستقبل.
عادةً ما نرى هذا النوع من الصياغة في النصوص لألاّ نرتكب أي أفعال سلبية، حتى ولو كان الثمن حياتنا، لكن يجب أن أقول أن هذا شيء يصعب تقبله. إذا فكرتم في هذا، كيف يمكننا أن نتعامل حقًا مع مثل هذه المواقف؟ أعيش في ألمانيا وأحيانًا أناقش هذا مع أصدقائي الألمان. ما الذي سنفعله إذا كنا، على سبيل المثال، في سن التجنيد الإجباري بالجيش في زمن هتلر، وإذا لم نُجند بالجيش سيتم إعدامنا بالرصاص؟ ما الذي سنقوم به؟ كانت هذه قضية حياة أو موت خطيرة. الأمر لم يكن مشابهًا للوضع بالولايات المتحدة أثناء حرب فيتنام، حيث كان يمكن للشخص أن يهرب إلى كندا لتجنب التجنيد الإجباري. في ألمانيا النازية، سيتم إطلاق الرصاص على الشخص المتهرب من التجنيد، فما الذي يمكن أن نفعله؟ اعتقد أننا حقًا بحاجة لأن نفكر بجدية في شيء كهذا عندما نقول ولو كان الثمن حياتنا. إنها فكرة رائعة، لكن هل يمكننا حقًا القيام بهذا؟ لا أعرف.
البعض، بالطبع، كانوا محظوظين للغاية لأنهم عندما تم تجنيدهم بالجيش النازي كانوا طباخين. شخصًا كان عليه أن يقوم بالطبخ أو شخصًا يغسل الملابس وأشياء كهذه. بالطبع، عند التصويب على العدو، ليس على الجندي أن يصوّب بشكل محكم ويمكنه ألا يصيب هدفه. لكنه معرض لخطر أن يصيبه الجندي الآخر وأنه لن يفكر بطريقة مشابهة، وسيصوّب بشكل محكم للغاية. مرة أخرى، على الرغم من أن هذه مسائل خطرة، اعتقد أننا بحاجة لتقييم أنفسنا بجدية شديدة في سياق هذا. إذا ما كنا قادرين على تجنب الأفعال السلبية الكبيرة حتى ولو كان الثمن هو حياتنا، فهذا يعني أننا مستعدين حقًا للتضحية بحياتنا، وهذا حقًا إنجازٌ هائلٌ.
بالتأكيد نرى هؤلاء الذين هم مستعدون للموت والوقوع تحت التعذيب من أجل مبادئهم. أفكر في العديد من الرهبان والراهبات في التبت الذين كانوا مستعدين لتحمل التعذيب لعشرين أو ثلاثين عامًا في معسكرات الاعتقال لأنهم لم يعلنوا استنكارهم لقداسة الدالاي لاما. يُمثل هذا ما نتحدث عنه هنا. هل لدينا قوة المبادئ التي تجعلنا على هذه الشاكلة؟ هذا سؤال لما نُطلق عليه في الغرب "البحث عن الذات".
العمل من أجل التحرر
يأخذنا البيت التاسع إلى مستوى دافع النطاق الأوسط من المسار المتدرج، لام ريم، وهو العمل نحو التحرر:
(٩) تدريب البوديساتفا بأن يهتم اهتمامًا شديدًا بحالة التحرر السامية غير المتغيرة أبدًا، حيث أن ملذات عوالم الوجود القهري الثلاثة ليست إلا ظاهرة تفنى في لحظة، مثل الندى على العشب.
يشير مصطلح "الوجود القهري" للسامسارا: وجودنا المستمر من خلال إعادات الميلاد المتكررة غير المتحكم بها التي نتخذها بشكل قهري. هناك ثلاثة عوالم للوجود والتي يمكن أن يعاد ميلادنا بها: (1) عالم الأشياء الحسية المرغوبة، (2) عالم الهيئة الأثيرية، أو الهيئة شديدة الخفوت، و(3) عالم الكائنات عديمة الهيئة، كائنات ليس لها جسد ظاهر والتي تبقى في حالة من نشوة التأمل العميق جدًا.
يصعب على أغلبنا، التفكير في سياق كل عوالم الوجود تلك والأنواع المختلفة الممكنة لإعادات الميلاد. لدينا صعوبة في فهم الكائنات العالقة في عوالم عديمة البهجة، بعبارة أخرى كائنات الناركا، أو البريتا. عوالم أخرى تضم الكائنات الزاحفة أو الحيوانات، كائنات الديفا، وكائنات الأزورا الغيورة التي تحاربها، وترغب في أن تصبح كائنات ديفا. اعتقد أن أحدى طرق جعل كل هذا مفهومًا قليلًا هي بالتفكير في أطياف الخبرات المختلفة للوجود التي يمكن أن نحصل عليها.
على سبيل المثال، على مستوى الرؤية، يمكنا كبشر أن نرى فقط مستوى بعينه من أطياف الضوء. لا يمكننا رؤية ما فوق البنفسجي، تحت الحمراء وما شابه، لكن ربما هناك أشكال حياة أخرى يمكنها ذلك. على سبيل المثال، العديد من الحيوانات يمكنها الرؤية في الظلام حتى إذا لم يكن باستطاعتنا نحن ذلك. فيما يخص السمع، يمكننا فقط سماع نطاق محدّد من الموجات الصوتية، بينما الكلاب يمكنها سماع أصوات أعلى بكثير مما نستطيع سماعها. وقياسًا على ذلك، إذا تفحّصنا أطياف السعادة والتعاسة، الألم واللذة، سنجد أننا نحن كبشر، عندما يصل الألم أو المعاناة بنا إلى مستوى معين، نفقد الوعي، وعندما تصل اللذة ذروة بعينها، ندمّرها. مثل الوصول إلى أقصى لذة جنسية، نُسرع لنحظى بها، وهذا بالأساس تدميٌر وإنهاءً لها. عندما نتفحص الحكة ونحللها حقًا بشكل موضوعي، نجد أنها في الحقيقة لذة وليست ألم. هي لذة عارمة، لكنها لأنها شديدة ومكثّفة جدًا، نقوم بالحك. نحن بالأساس ندمّرها.
إذا كان هناك أشكال للحياة يمكنها أن تختبر أجزاءً أخرى من أطياف الضوء والصوت، فلماذا لا يمكن أن تكون هناك أشكال للحياة يمكنها أن تختبر مستوى أبعد مِن طيف الألم واللذة والسعادة والتعاسة؟ في الحقيقة، الاستمرارية الذهنية لكل كائن قادرة تمامًا على اختبار كامل أطياف السعادة والتعاسة، اللذة والألم. الأمر يتعلق فقط بشكل الحياة التي سنولد عليها والذي سيحدد أي جزء من هذا الطيف سنكون قادرين على اختباره في هذه الحياة. اعتقد أن الفكرة هنا فيما يخص أشكال الحياة الأخرى لا تتعلق بموقعهم وكيف يبدون، والذي هو شيء ثانوي وتافه للغاية. النقطة الأهم هي عدم اختصار تلك الحالات إلى مجرد حالات نفسية بشرية، لكن أن نُدرك أن الذهن قادر على اختبار ما هو أكثر بكثير مما نحن كبشر قادرون على اختباره من أطياف اللذة والألم أو السعادة والتعاسة.
الفكرة هنا هي أننا نرغب في التحرر من كل تلك الأشكال، لأنه بغض النظر عمّا هي الكمية التي نختبرها من أطياف اللذة والألم، أو السعادة والتعاسة، فهي لن تدوم. ما لم نكن أرهات، كل أشكال الحياة تلك وخبراتها متولدة من الارتباك، وستجلب ببساطة المزيد من الارتباك. بسبب طبيعة الاستدامة الذاتية للسامسارا، خبرتنا لهذه اللذة والألم، السعادة والتعاسة ستكون دائمًا في صعود وهبوط طيلة الوقت بدون أي أمان أو ثقة على الإطلاق. ما نرغب في استهدافه لهذا التغير الذي لا ينتهي هو حالة التحرر التي لا تتغير ولن تتغير أبدًا. عندها، سنحظى دائمًا بنوع من السعادة غير المختلطة بالارتباك، وليس بها صعود وهبوط.
عندما نُدرك أن أي نوع من المُتع التي نجدها في هذه العوالم الثلاثة للوجود القهري، هي كما قال توغمي زانغبو، ظاهرة تفنى في لحظة، مثل الندى على العشب، سيساعدنا هذا على استهداف التحرر. تلك المتع لا تدوم أبدًا، لا نعرف ما الذي سيحدث اللحظة التالية، ولن ترضينا أبدًا. من أجل تحقيق التحرر، نحتاج لأن نخلص أنفسنا من عدم الوعي التي لدينا طيلة الوقت، هذا الارتباك. إذا خلصنا أنفسنا منه، عندها سنخلص أنفسنا من المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة التي تنشأ نتيجة له، ولن نُفعل بعد ذلك ميول وإمكانات الكارما التي لدينا. لن نقوم ببناء المزيد من الكارما عبر التصرف القهري أو المهوس، ولن نختبر بعد ذلك ما يُطلق عليه "السعادة الملوثة" والتعاسة التي تُثمر من ميول الكارما.
من أجل أن نخلّص أنفسنا من عدم الوعي ونحقق التحرر، نحتاج لأن نتبع التدريبات الثلاثة السامية. أولها هو التدرب على الالتزام الذاتي الأخلاقي السامي. نبدأ بمنع أجسادنا وحديثنا تحديدًا عن التصرف بشكل هدَّام لأن منع الذهن أكثر صعوبة. مع ذلك، إذا كنا على الأقل قادرين على منع أجسادنا وحديثنا من التصرف بهذه الطريقة الهدَّامة، يمنحنا هذا القوة على أن نكون قادرين على منع أذهاننا من خلال التركيز السامي. مع التركيز السامي نعمل من أجل السيطرة على الشرود الذهني، الخمول الذهني، وما شابه.
بالطبع، من الحيوي أن نحاول الامتناع عن السلوكيات الذهنية الهدَّامة مثل التفكير جشع، "يجب أن أحصل على ما يملكه الجميع". الجشع يشتمل على التأمرللحصول على هذه الأشياء. نحتاج أيضًا أن نمتنع عن التفكير الحقود، التخطيط لتنفيذ انتقامنا. بالطبع، إذا امتنعنا عن هذين الاثنين، سيساعدنا هذا على الامتناع عن أي نوع من الشرود الذهني. يظل، الجانب الذهني أكثر صعوبة بكثير من الجانب الجسدي واللفظي. على أساس من تدربنا على التركيز السامي، يمكن أن نستخدم هذا التركيز في الوعي التمييزي السامي. بعبارة أخرى، يمكن عندها أن نُركز على الخلو، والذي سيخلصنا فعليًا وللأبد من عدم الوعي.
أسئلة
لماذا، وفقًا للبوذية، من حياة لأخرى، لا نتمكن من تذكر ما تعلمناه من الحيوات السابقة فيما له علاقة بالدراسة الروحانية وما شابه والتي ستجعل تدربنا أكثر فاعلية؟
أولًا، هناك الذين هم بالفعل قادرون على تذكر أشياءً بعينها. الأمر الرئيسي هو أننا نحمل معنا ميولًا قويًا، لذا إذا تدربنا كثيرًا سيولّد هذا عادات قوية والتي في إعادة الميلاد البشري المستقبلي ستسهل علينا أن نلاقي الدارما مرة أخرى. عندما ندرس، سنكون فقط بحاجة لأن نُذكر أنفسنا. بعبارة أخرى، نسمع الشيء مرة واحدة، وبشكل ما، نعرفه فورًا. معلمي الرينبوتشي سيركونغ كان أحد معلمي قداسة الدالاي لاما، وأخبرني أنه لم يكن عليه أن يكرر أي درس من الدروس التي يقدمها لقداسته مرتين. كل ما كان عليه أن يقوم به هو أن يقوله مرة واحدة، ويعرفه قداسته فورًا.
قد نكون قادرين على إيجاد صلة بهذه الخبرة إذا درسنا لغة ما عندما كنا أطفالًا أو في شبابنا، لكن لم نستخدمها أغلب حياتنا. على سبيل المثال، درست اللغة الصينية في شبابي لكنني توقفت لحوالي أربعين سنة. كنت أتحدثها بطلاقة، لكن الآن يمكنني بصعوبة أن أتذكر الكلمات. لكن كل ما يتطلبه الأمر هو أن يخبرني أحدهم بكلمة صينية لشيء ما وأتذكرها وأعرفها. لأغلبنا، هذا أفضل ما يمكننا أن نأمل فيه. من الواضح، هناك بعض المعلمين العظام الذين، دون أن يتم تعليمهم أي شيء، يمكنهم تذكر وترديد شيئًا كانوا قاموا بحفظه في حياتهم السابقة، لكن هذا نادر للغاية.
العديد منا كغربيين يبدو أننا نقابل الدارما عندما نكون بالفعل متقدمين في السن. بالطبع سيكون من المثالي لو كان لدينا الوقت أولًا لنتعلم ونفهم الموضوعات والشروح المختلفة ثم نتأمل عليها، لكن في الكثير من الأحيان يكون لدينا إلحاح الحاجة للتعامل مع الصدمات الشعورية بأذهاننا ونفتقد القدرة على التعامل معها. عندها لا نفهم حقًا الفرق بين الأشياء المختلفة التي تقدمها لنا التعاليم، ولا يكون لدينا صلة بالمعلمين. كيف يمكن التعامل مع هذا الموقف؟
في الوقت الحالي، هناك العديد من الكتب المتاحة أكثر مقارنة بالأربعين أو الخمسين سنة ماضية. حتى إذا لم يكن هناك معلمين، هناك كتب جيدة متاحة للقراءة. بالإضافة إلى هذا لدينا شبكة المعلومات ولدينا مثل هذا الموقع والذي به العديد من التعاليم والملفات الصوتية للاستماع إليها بلغات مختلفة.
بالطبع الكمية الأكبر من المواد متاحة باللغة الإنجليزية، لذا إذا لم نفهمها، سيكون من الجيد تعلم القليل من اللغة الإنجليزية. مع ذلك، هناك مواد أكثر متاحة باللغة التبتية، لذا حتى المتحدثين باللغة الإنجليزية هذه المواد غير مُتاحة لهم أيضًا. بالطبع، إذا كنا جادين للغاية نحتاج لأن نضع قدرًا كبيرًا من الجهد لنصبح مستنيرين. أحد جوانب هذا الجهد هو تعلم لغة أخرى.
مع الدارما، نحاول تدريب شخصياتنا، وأحد الأشياء الكبيرة التي علينا بناؤها هو المثابرة على العمل الجاد. التحرر والاستنارة ليسا سهلين بالمرة، ولن يعطيهما لنا أحد. أيًا كانت السيرة الذاتية للمعلمين التبتيين العظام والعلاّمة الهنود التي سنقرأها، سنرى أن جميعهم تحملوا قدرًا هائلًا من الصعاب من أجل أن يدرسوا الدارما. لذا لماذا نتوقع شيئًا مختلفًا؟
يميل الغربيون إلى الشعور بعدم الثقة في النفس، ولذا تُثبط عزيمتهم. لهذا السبب من المفيد أن نقدّم لهم التشجيع، مثل "يمكنك القيام بهذا" الموجودة بتعاليم طبيعة بوذا. لكن ليس من المفيد أن نُصغّر من كمية العمل الشاق الذي يتطلبه التحرر والاستنارة. هذه هي طبيعة الأمر. مشاعرنا المزعجة وعاداتنا السلبية قويان للغاية ويمكننا أن نرى هذا إذا تفحصنا أنفسنا بأمانة. ليس هناك طريق سهل للخروج. نحن الآن محظوظون حقًا أنه ليس علينا أن نسير كامل الطريق من التبت إلى الهند لنحصل على التعاليم؛ بدلًا من هذا، كل ما علينا القيام به هو تشغيل جهاز الحاسب الآلي والاتصال بشبكة المعلومات. عندما ننظر للأمر بهذه الطريقة، نعلم أنه في الحقيقة ليس لدينا أي عذر.
إحدى أكثر القصص إلهامًا من السيرة الذاتية لماربا، المترجم. كانت مَرّته الأولى في الهند وكان عليه أن يتعلم اللغة ويترجم كمية ضخمة من النصوص. بينما هو في طريق العودة إلى التبت مع ترجماته وأثناء عبوره لنهر الغانغ، انقلب به القارب وضاعت كل ترجماته، وكان عليه أن يرجع ويترجمها مرة أخرى، وقام بهذا. عندما يتعطل القرص الصلب بحاسوبنا، يمكننا أن نفكر في ماربا.