جميعنا نمتلك المادة الخام الأساسية لتنمية البوديتشيتا
موضوع اليوم الذي طُلب مني التحدث عنه هو تنمية البوديتشيتا. و"البوديتشيتا" كلمة سنسكريتية. ليس من السهل ترجمتها. “شيتا،" الكلمة الثانية، تعني "الذهن.” لكن عندما نتحدث عن الذهن في البوذية، فنحن نتحدث عن كلًا من الذهن والقلب. نحن لا نقوم بالتفرقة بينهم في البوذية كما نفرق بينهم في طريقة تفكيرنا الغربية. لذا فنحن لا نستهدف فقط تنمية ذكائنا – الجانب العقلاني من ذهننا – من خلال التركيز، الفهم، إلخ، لكن بالإضافة لذلك، نحتاج لتنمية قلوبنا، وهو ما يعني كامل جانبنا الشعوري أيضًا، وذلك حتى نصل للكلمة الأولى من البوديتشيتا: "بودي."
كلمة "بودي" تمثل الحالة الأسمى من النمو والنقاء. النقاء يعني التخلص من كل المعيقات والعقبات التي قد تكون لدينا، كلًا من العقبات الذهنية والشعورية، وهذا يعني أيضًا التخلص من الارتباك، انعدام الفهم، انعدام التركيز. وأيضًا تعني التنقية على الجانب الشعوري، أن نتخلص من مشاعرنا المُربكة. المشاعر المُربكة تتضمن الغضب، الجشع، التعلق، الأنانية، العجرفة، الغيرة، الغُفل... هناك قائمة هائلة، طويلة؛ ويمكننا أن نستمر دون توقف. هؤلاء هم مثيري المشاكل الحقيقيين في حياتنا. ولذا ما نهدف لتحقيقه بأذهاننا وبقلوبنا هو حالة التخلص من كل مثيري المشاكل هؤلاء.
هناك جانب أخر لكلمة "بودي" تعني "النمو.” وهذا يعني أننا لدينا المادة الخام الأساسية – بنا جميعًا – بداخلنا: جميعنا لدينا أجساد. القدرة على التواصل. من خلال أجسادنا لدينا القدرة على الفعل، القيام بالأشياء. وجميعنا لدينا ذهن (القدرة على فهم الأشياء) وقلب (المشاعر، القدرة على الشعور بالدفء تجاه الآخرين) والذكاء (القدرة على التفرقة بين ما هو نافع وما هو ضار).
إذًا، لدينا جميعًا كل هذه العوامل، كل هذه الخصال الجيدة، والأمر متروك لنا ما الذي نفعله بها. يمكننا أن نستخدمهم لإثارة المشاكل لأنفسنا وللآخرين من خلال الطريقة التي نتصرف بها، الطريقة التي نتحدث بها، الطريقة التي نفكر بها. أو يمكن أن نستخدمهم لجلب النفع والمزيد من السعادة لأنفسنا وللآخرين. إذا كانت الطريقة التي نتصرف ونتواصل ونفكر بها تحت تأثير الارتباك والمشاعر المُربكة، فبالطبع سينتج عن ذلك المشاكل. عندما نتصرف تحت تأثير الغضب، فعادة ما نقوم بأشياء نندم عليها لاحقًا، أليس كذلك؟ عندما نتصرف بأنانية، عادة ما ينتج عن ذلك مشاكل كبيرة. لا أحد يحب الشخص الأناني.
هذا جانب. وعلى الجانب الآخر إذا تصرفنا وتواصلنا وفكرنا على أساس من صفاتنا الإيجابية – مثل الحب، الشفقة، مراعاة الآخرين – عندها يمكننا أن نرى أن هذا يجلب لنا المزيد من السعادة، المزيد من الرضا في الحياة: يحبنا الآخرين؛ تجلب المزيد من النفع للآخرين. نستطيع أن نرى هذا بوضوح شديد على سبيل المثال في علاقتنا بأصدقائنا. إذا كنا دائمي الانتقاد لهم والغضب منهم، لا أحد سيرغب حقًا في صُحبتنا. لكن إذا كنا طيبين معهم ونعاملهم بلطف، بالطبع سيستمعون بصحبتنا. يمكننا أن نرى هذا حتى في الطريقة التي نعامل بها حيواناتنا الأليفة من قطط وكلاب: حتى هم لا يحبون أن يتم الصياح عليهم وتوبيخهم طوال الوقت؛ يحبون أن يعاملوا بلطف. لذا فهذه المادة الخام الأساسية يمكن لها أن تنموا. يمكننا أن ننميها بطريقة إيجابية أكثر وأكثر.
إذا البوديتشيتا هي حالة – موقف، ظرف – لأذهاننا وقلوبنا والذين يهدفون لحالة البودي هذه. يستهدفون حالة الإزالة الكاملة للأبد لكل نقائصهم وكل مثيري المشاكل الذين بداخلنا، وكل خصالنا الإيجابية تنموا لأقصى حالة الكمال الممكنة. لذا فهذا شيء غاية في الروعة – حالة الذهن والقلب – أن نحظى بتلك الحالة.
وهذه الحالة يتم تحقيقها من خلال مشاعر إيجابية للغاية. ما هي هذه المشاعر؟ في الأساس، نحن لا نهدف لهذه الحالة لأنها الأسمى ونحن نرغب في أن نكون الأسمى. ليس لأننا نرغب في أن نكون الأسعد وهذه الحالة هي أسعد ما يمكن أن نصل له. لكن بدلًا من ذلك نفكر في كل كائن آخر، الكائنات التي لا حصر لها في العالم: البشر، الحيوانات، أيًا كان. ونفهم أننا جميعًا متشابهين في أن الجميع يرغبون في أن يصبحوا سعداء، لا أحد يرغب في أن يكون تعيس. هذا صحيح حتى للحيوانات، أليس كذلك؟ الجميع يحاولون بطرقهم الخاصة أن يجلبوا لأنفسهم ولمن يحبونهم السعادة. لكن للأسف، أغلبنا لا يعرف حقًا ما الذي يجلب السعادة. ونحاول بأشياء مختلفة، وعادة فهي تؤدي للمزيد من المشاكل بدلًا من السعادة. نشتري شيئًا جميلًا لشخص ما – هدية – ولا تعجبه. بكل بساطة. يصعب إرضاء الجميع، أليس كذلك؟ لكن، في حالات كثيرة، نحتاج لأن نحاول.
أن نهدف للاستنارة بنية أن نكون أفضل نفعًا للآخرين
وماهو الأكثر أهمية، بالطبع، هي نيتنا؛ نحن نرغب في مساعدة الآخرين: كم سيكون عظيمًا إذا حظي الجميع بالحرية من مشاكلهم وأسبابها. وهذا ما تدور حوله الشفقة. الشفقة هي الأمنية للآخرين بأن يتحرروا من معاناتهم وأسباب هذه المعاناة.
وكم سيكون عظيمًا إذا حظي الجميع بالسعادة وأسبابها. هذا هو تعريف الحب في البوذية. الحب ليس مستندًا على الرغبة في الحصول على شيء في المقابل – "سأحبك إذا أحببتني." الأمر ليس كذلك. وليس مستندًا على الطريقة التي يتصرف بها الشخص الآخر – "سأحبك إذا كنت ولدًا مطيعًا أو فتاة مؤدبة. إذا كنت مشاغب، فعندها لن أحبك بعد الآن." الأمر ليس له شأن بالطريقة التي يتصرف بها الآخرين. هذه ليست النقطة الأساسية. النقطة الأساسية أنه سيكون شيء عظيم إذا أمكن للجميع أن يصبحون سعداء. هذا هو الحب.
وكم سيكون عظيمًا إذا استطعت أن أقوم بشيء رائع لأجلب السعادة للجميع وأساعدهم على التخلص من تعاستهم ومشاكلهم. أنا الآن في غاية المحدودية: لدي ارتباك، لدي مشاعر مُربكة، غالبًا كسول، وهناك مشاكل في تعاملي مع إيجاد وظيفة، إيجاد شريك الحياة … كل أنواع الصعوبات التي نواجهها في الحياة. لكن إذا استطعت أن أحقق هذه الحالة والتي بها أزيل للأبد كل نقائصي وصعوباتي، وإذا أمكنني الوصول لإمكانياتي القصوى، عندها سأكون في أفضل حالة لتقديم المساعدة للجميع.
إذا فالنية هنا، مع البوديتشيتا، هي ما نهدف له في حالتنا المستقبلية والتي نطلق عليها "الاستنارة،" مع النية ببذل أقصى ما لدينا من جهد من أجل الوصول لهذه الحالة، بنية أن نكون بأعظم نفع ممكن للجميع طوال المسار لحالة الاستنارة، وصولًا لأقصى حالة نفع ممكنة بمجرد تحقيقنا للاستنارة.
الآن، لا يستطيع أيًا منا أن يصبح إله كلي القدرة؛ هذا مستحيل. إذا كان كان هذا ممكنا، لما عانى أحدًا أبدًا. لكن كل ما نستطيع القيام به هو أن نبذل قصارى جهدنا. لكن الآخرين يجب أن يكونوا متقبلين ومتفتحين لتقبل المساعدة. وعلى الرغم من أننا نستطيع تفسير الأشياء للآخرين بشكل واضح، على الآخرين أن يستوعبوا ذلك بأنفسهم؛ فلا يمكننا أن نفهم بدلًا منهم، هل نستطيع؟ يمكننا أن نقدم نصيحة جيدة، لكن على الآخرين الأخذ بها.
إذا هذا هو ما نهدف إليه، أن نكون في أفضل وضع لمساعدة الآخرين، لكن ذلك في ضوء فكرة واقعية – والفهم لها – بأن استفادتهم من هذه المساعدة من عدمها هو أمر متعلق بجهودهم. ولكن إذا بلغنا هذه الحالة والتي بها سيكون قد تم إزالة كل ارتباكاتنا، عندها سيكون لدينا الإمكانية الأفضل لفهم ما هي طريقة المساعدة الأكثر تأثيرًا لمساعدة الآخرين؛ سنتمكن من فهم ماهية العوامل جميعها التي أدت للحالة التي عليها الشخص الآن.
جميعنا مُتأثرين بالعديد من الأشياء – عائلتنا، أصدقائنا، المجتمع الذي نعيش به، والوقت الذي نعيش فيه: أحيانًا هناك حروب، أحيانًا هناك صعوبات اقتصادية، أحيانًا هناك رخاء. كل هذا يؤثر بنا. البوذية تتحدث عن حيوات سابقة، حيوات مستقبلية. ومن هذا المنظور، جميعنا متأثرين أيضًا بحيواتنا السابقة. لذا إذا رغبنا حقًا في مساعدة شخص ما، إذا رغبنا حقًا في أن نقدم لهم نصيحة جيدة، علينا أن نعرفهم، علينا أن نفهمهم – نفهم كل الأشياء التي تؤثر على سلوكهم، طريقة تصرفهم، طريقة إحساسهم – والذي يعني أن نكون مهتمين بهم فعلًا، ومنتبهين، وحساسين للطريقة التي هم عليها.
أعتقد إن هذا يمكن فهمه بسهولة في سياق علاقتكم ببعضكم البعض. إذا كنت مع صديق ولست مهتمًا به حقًا، فستتحدث فقط عن نفسك، ومن ثم ستعرف أقل القليل عنه. وإذا كنت لا تولي صديقك الاهتمام – على سبيل المثال بينما أنت مع شخص آخر، وتقوم بكتابة رسائل نصية على الهاتف المحمول لأشخاص آخرين، عندها فأنت غير منتبه لصديقك – فلن تلاحظ حتى إنهم لربما ضجروا وأصبحوا غير سعداء بسبب عدم انتباهك لهم. لذا فإن أردنا فعلًا مساعدة أي احد، علينا أن نوليه انتباهنا، وأن نكون مهتمين حقًا بهم، نلاحظ ما الذي يحدث ونستجيب بناء عليه، مثلما نحب أن يأخذنا الآخرين على محمل الجد ويولونا انتباههم.
فهم مساواتنا مع الآخرين
كما ترون، فإن كل هذا قائم على فهم مساواتنا مع الآخرين. الجميع لديهم مشاعر، بالضبط كما أن لدينا مشاعر. الجميع يرغب في أن يؤخذوا على محمل الجد، بالضبط كما نرغب في أن نؤخذ على محمل الجد. إذا تجاهلت الآخرين أو عاملتهم بطريقة سيئة سيشعرون بالسوء، كما سأشعر بالسوء إذا تجاهلني الآخرين أو لم يراعونني. الجميع يرغب في أن يكون محبوبًا، مثلما أرغب في أن أكون محبوبًا. لا أحد يرغب في أن يكون مرفوضًا ومنبوذًا، بالضبط كما لا أغرب أنا في ذلك. وجميعنا متواصلون بشكل تبادلي؛ جميعنا سويًا هنا.
في بعض الأحيان يستخدم مثال طريف لتوضيح ذلك: تخيل أنك في مصعد مع عشرة أشخاص آخرين، وتعطل المصعد بكم. وأصبحت عالقًا بهذا الوضع، محاصرًا بهذا المصعد لمدة يوم مع هؤلاء الأشخاص. كيف ستتدبر أمورك مع كل منهم؟ إذا كنت فقط تتحدث عن نفسك، أنا، أنا، ولا تفكر فيهم بهذه المساحة الصغيرة، سيكون هناك الكثير من النزاع والجدال وسيكون وقتًا كريهًا جدا. لكن إذا حدث أن أدركنا جميعًا بطريقة ما أن: "جميعنا محاصرون هنا سويًا في ذات الموقف وعلينا أن نراعي بعضنا البعض ونفكر في الكيفية التي يمكن أن نتعاون بها سويًا لأجل أن ننجو ونخرج من هذا المأزق،" فعندها، وعلى الرغم من أنه بالتأكيد لن يكون من السار أن نكون عالقين بالمصعد، إلا أننا سنتمكن من التعامل مع الوضع.
لذا، فإذا قمنا بمد نطاق هذا المثال: جميعًا عالقين بهذا الكوكب، مثلما أن نكون عالقين بمصعد كبير، وإذا لم نتعاون سويًا، فسيكون هذا وقتًا مزريًا لأننا جميعًا في ذات الوضع. والطريقة التي نتعامل بها مع بعضنا البعض، سواء على مستوى العشرة أشخاص بالمصعد أو كل من على الكوكب، ستظل تؤثر على كل شخص آخر. بسبب ذلك فمن المنطقي أن نحاول التعاون مع الجميع. وبدلًا من التفكير في سياق: "كيف يمكني أن أخرج من هذا الموقف العصيب كوني عالقًا بهذا المصعد؟ "فنفكر في سياق: "كيف يمكننا جميعًا أن نخرج من هذا الموقف العصيب؟" وبالمثل في هذه الحياة وليس فقط بالمصعد.
كيف يمكن أن أفكر فقط في سياق التعامل مع مشاكلي (لأنه في الحقيقة لا يوجد أي شيء خاص بي؛ أنا مجرد أحد هؤلاء العالقين في المصعد)؟ وفي الحقيقة المشكلة ليست فقط مشكلتي الخاصة: المشكلة هي مشكلة الجميع. تذكر، نحن نتحدث عن مشاكل الغضب، الأنانية، الجشع، الجهل... هذا النوع من المشاكل. إنها مشاكل الجميع؛ لا أحد يمتلكهم بشكل فردي لنفسه.
مد نطاق أذهاننا وقلوبنا ليسع جميع الكائنات، كل أشكال الحياة
بسبب هذا عندما نتحدث عن البوديتشيتا، فنحن نتحدث عن ذهن وقلب ذو طبيعة شاملة. نحن نفكر في الجميع، دون أي تفضيل، ودون أن نستثني أي كائن. لذا فهذا شيء هائل، موقف داخلي وحالة ذهنية غير محدودين. عندما نتحدث عن مد نطاق أذهاننا، فهذا أقصى اتساع نستطيع أن نصل له. نحن نفكر في كل الكائنات، وليس فقط، على سبيل المثال، البشر على هذا الكوكب، ولكن كل أشكال الحياة على هذا الكوكب، كل أشكال الحياة بالكون. إذا فكرنا على سبيل المثال في تدهور البيئة – الذي لا يؤثر فقط على البشر الذي يعيشون بهذه البيئة؛ بل بالتأكيد يؤثر على كل الحياة الحيوانية بالمثل، ألا تؤثر؟
لذا فلدينا نطاق شاسع لهؤلاء الذي سنكون معنيين بهم. لدينا نطاقًا شاسعًا بمعنى التفكير في حلول بعيدة المدى، وليس مجرد حل مؤقت والذي سيساعد فقط لفترة بسيطة. وعندما نفكر في إمكانياتنا، نفكر في إدراك إمكانياتنا على نطاق شاسع؛ ليس مجرد شيء بسيط، لكن لأقصى ما هو فعليًا مُستطاع.
وكما قلت سابقًا، كل هذا مستند على تقديرنا لذواتنا. جميعنا نمتلك ذات المادة الخام الأساسية التي تُمكننا حقًا من تحقيق هذه الحالة، مثل كل شخص آخر. لذا نأخذ أنفسنا بجدية، كما نأخذ الآخرين بجدية، ونحترم ذواتنا والآخرين – جميعنا بشر، جميعنا نرغب في أن نكون سعداء، لا أحد يرغب في أن يكون تعيس. وكل هذا متعلق بما نقوم به.
تنمية حالة ذهنية وعادات نافعة من خلال التأمل
البوذية غاية في الغنى فيما له علاقة بتقديم العديد من الآليات المختلفة لتنمية هذه الحالة الذهنية. إنه لا تقول فقط، "أحبوا الجميع،" ولا شيء أكثر من ذلك. إن فقط قول أننا بحاجة لأن نحب الجميع لهو شيء لطيف، لكن كيف يمكن فعلًا أن نقوم بذلك؟ من أجل ذلك لدينا التأمل. التأمل يعني أن نبني عادة نافعة. مثلًا إذا أردت التدرُب على رياضة، أو أردت التدرُب على عزف آلة موسيقية، علينا أن نتدرب. علينا أن نقوم بذلك مرارًا وتكرارًا حتى نصبح بارعين في ذلك. ومع التدريب نتعلم، لذا فبعد فترة لا نحتاج حتى لأن نفكر فيما نقوم به؛ يمكننا أن نمارس الرياضة بشكل جيد جدا أو نعزف الموسيقى بشكل سهل للغاية.
بالمثل، نقوم بذات الأمر فيما له علاقة بتدريب مواقفنا الداخلية. هذا هو ما نقوم به بالتأمل. نحاول أن نولد شعورًا بعينه، حالة ذهنية بعينها، من خلال تدريب أنفسنا على ذلك. مثلما تتدرب على الرياضة: أولًا أن تقوم بتدريبات للإحماء، بعدها تستطيع ممارسة الرياضة نفسها. لذا نقوم ببعض تدريبات الإحماء لحالتنا الذهنية.
إذا كانت أفكارنا هائمة بكل مكان أو مشاعرنا مختلطة، فمن أجل أن نكون قادرين على توليد الحالة الذهنية الإيجابية، سنحتاج في البداية لأن نهدئ أنفسنا، نهدئ أذهاننا ومشاعرنا. عادة ما نقوم بذلك فقط بالتركيز بهدوء على تنفسنا. تنفسنا موجود طوال الوقت، وإذا قمنا بالتركيز عليه فعندها سيساعدنا على أن نهدأ إلى الإيقاع الهادئ ذاته لتنفسنا، وتجعلنا متصلين بأجسادنا في حالة كانت أفكارنا "محلقة في الفضاء." هذا هو الإحماء الأساسي.
ثم نفكر فيما له صلة بدافعنا. لماذا نتأمل؟ هذا أيضًا جزء من الإحماء. بالضبط مثلما تتدرب على رياضة ما أو تتعلم عزف أداة موسيقية، من الهام جدا أن نفهم حقًا ونُعيد التفحص: "لماذا أقوم بهذا؟" حتى إذا كنا نقوم به فقط لأجل أن نستمتع به وللمرح، نحتاج لأن نذكر أنفسنا بهذا لأنه من الواضح أن التدرب ليس بالشيء الهين. لذا نعيد التأكيد على سبب رغبتي في بناء عادة إيجابية من خلال التأمل. والسبب لأن هذا سيساعدني على التعامل مع مشاكل الحياة بطريقة أفضل – على سبيل المثال، إذا أردت ألا أغضب بسهولة. وإذا كنت غاضبًا طوال الوقت، فلن يمكنني أن أكون قادرًا على مساعدة أي شخص آخر. إذا كنت مستاء شعوريًا، فلن أكون قادرًا على مساعدة أي أحد.
لذا نقوم بكل هذا الإحماء. ثم التأمل الفعلي: نستخدم نوعًا من المتتالية المنطقية في التفكير لأجل توليد الحالة الذهنية المرغوب بها. ومن الهام جدا عندما نقوم بذلك أن نربط بين هذا وبين حياتنا الشخصية. نحن لا نفكر فقط بشكل نظري مجرد: نحن نفكر في الخطوات التي يمكن اتخاذها لمساعدتي في حياتي.
مثال
دعونا نفترض أن أحد أصدقائنا تصرف بطريقة غير سارة تجاهنا – قالو شيء قاسيًا،أو لم يتصلوا بنا، تجاهلونا، أو سخروا منا. هذه أشياء مريعة يمكن أن تحدث للجميع. ونحن نستجيب لذلك بالشعور بطريقة مريعة وأن نصبح منزعجين بشدة من هؤلاء الأشخاص، خاصة إذا اعتبرناهم أصدقائنا.
لذا نختبر ذلك في التأمل، عندما تصبح أذهاننا أكثر هدوءًا بعد التركيز على التنفس. ثم نعيد التأكيد على أن أصدقائنا، زملائنا – هم أشخاصًا مثلي: يريدون أن يصبحوا سعداء ولا يرغبون في أن يصبحوا غير سعداء. وبالتأكيد هناك شيء ضايقهم حقًا وجعلهم يعاملونني بهذه الطريقة المريعة، أو هم مرتبكين بشأني – هم لا يقدرون حقًا خصالي الجيدة – لذا سخروا مني. أن أغضب منهم، وأصبح مكتئبًا – فهذا لن يساعد أحدًا على الإطلاق. بدلًا من ذلك، أتمنى لهم أن يتحرروا من أيًا ما يضايقهم، حتى يعاملونني بشكل لطيف، لأنه عندها سنصبح جميعًا سعداء، أنا وهم.
لذا عوضًا عن الشعور بالغضب تجاههم، نشعر بالحب والشفقة: "كم سيكون رائعًا إذا تحرروا من أيًا ما كان يضايقهم. ليتهم يصبحون سعداء. إذا كانوا سعداء، لما تصرفوا بهذه الطريقة غير السارة." بهذه الطريقة نبني أنفسنا لنشعر بالحب تجاههم بدلًا من الغضب. هذا يساعدنا على أن نصبح أكثر صبرًا مع موقفهم. وإذا تصرفنا بشكل أكثر هدوءًا ومحبة وتسامح، هذا يساعدهم على أن يهدئوا أيضًا، ويصبح التعامل مع الموقف أكثر سلاسة.
ألا نأخذ القمامة التي يلقيها علينا الآخرين بشكل شخصي
سئل بوذا يومًا أحد أتباعه، "إذا أراد أحدًا يومًا ما أن يعطيك شيئًا ولم تقبله منه، لمن تعود ملكية هذا الشيء؟" من الواضح أنك إذا لم تقبلها فإن ملكيتها تعود لهذا الشخص الذي كان يحاول إعطائها لك. لذا، إذا حاول أحدهم إعطائك ذبذبات سيئة، مشاعر سلبية، وخلافه، نقد، إلخ.، من الهام ألا تقبلها ولا أن تأخذها بشكل شخصي – بعبارة أخرى، أن ترى [بدلاً من ذلك] كشيء حقًا يزعج الشخص الآخر. بالطبع، إذا انتقدنا شخص ما فقد يكون هذا مفيدًا لأن نختبر أنفسنا ونرى لربما يشيرون إلينا بشيء نحتاج أن نطوره. لذا لا نتجاهل مثل هذا الأمر، لذا فمن الهام ألا نكون مثل اللاعب الذي عليه التقاط الكرات باللعبة التي بها دائمًا نلتقط أيًا من كرات القمامة والأفكار السيئة التي تُلقى علينا.
نحن نتصرف بهذه الطريقة أحيانًا، ألسنا كذلك، فقط بأن نكون متلهفين على التقاط أيًا من القمامة التي يلقيها علينا الآخرين – كلمات كريهة، نظرات قذرة، أيًا ما قد تكون. على الرغم من أن هذا ليس من السهل أن نقوم بذلك، إلا أننا نحاول ألا نتلقى كل تلك الأشياء التي تحدث لنا بشكل شخصي، كرفض شخصي لي، لكن بدلًا من ذلك كمشكلة شخصية يعاني منها هذا الشخص. بعبارة أخرى، بدلًا من أن يكون لدينا الموقف الداخلي والذي به نرى الشخص الآخر كإنسان فظيع، نراه كالتالي: "أه، هناك شيء يضايقه. هناك شيء خطأ به."
كما لو أنك ترعى طفل ذو عامين أو ثلاثة أعوام، وهذا الطفل منهك للغاية ولا يرغب في الذهاب للنوم. فنقول، "حسنًا، حان وقت النوم،" ويرد الطفل، "أنا أكرهك!” هل حقًا نأخذ هذا القول بشكل شخصي؟ الطفل منهك من التعب، لذا فأنت لا تأخذ تلك الكلمات السيئة التي ألقاها الطفل عليك بشكل شخصي، لكن بدلًا من ذلك يكون لدينا المزيد من الصبر والمزيد من الحب للطفل ونحاول أن نهدئه.
في التأمل نحاول أن نرى الشخص الآخر الذي يسبب المشاكل لنا بهذه الطريقة البناءة اكثر، ونتدرب على أن يكون لدينا صبر أكثر، حب اكثر، موقف داخلي إيجابي اكثر لهذا الشخص في هذا الموقف الصعب، لذا عندما يرتكب مثل تلك الأشياء في الحياة الفعلية، نكون قادرين على التعامل مع الموقف بشكل أفضل.
إذا، وباختصار، إن حالة ذهن البوديتشيتا الرائعة تلك نحتاج لأن نعمل نطور أنفسنا لنحققها ونبلغها، وبذلك نتحمل أن نأخذ على عاتقنا مسئولية مساعدة الآخرين بأفضل طريقة ممكنة لنا من خلال عملنا بواسطة التأمل والأدوات الأخرى لأجل أن نتخلص من كل نواقصنا بأفضل ما يمكن وتحقيق كافة إمكانياتنا. لأنني إذا عملت لأجل مساعدة الجميع للحصول على السعادة، عندها بالتأكيد سأكون الأكثر سعادة. لكن إذا عملت فقط من أجل سعادتي الشخصية، وقمت بذلك متجاهلًا الآخرين أو على حسابهم، فسنعاني جميعًا.
الآن، وأنت صغير في السن، طالب، هذا وقت مثالي لأن تبدأ بالفعل في تقدير إمكانياتك، قدراتك، وإدراك أننا جميعًا لدينا ذات المادة الخام الأساسية والتي بها يمكننا أن ننمو وأن نُنمي توجهًا إيجابيًا بدلاً من التوجه السلبي، أو اللا-توجه على الإطلاق. نحن لسنا وحدنا في هذا العالم؛ بعصر المعلومات هذا، والشبكات الاجتماعية، إلخ.، جميعنا متصلين. ويُمكننا أن نُنمي المزيد والمزيد من الطرق الإجابية التي يمكن أن تؤثر على الجميع بطريقة بناءة.
هذا بعض الشيء عن البوديتشيتا. الآن لدينا وقت للأسئلة.
سؤال عن غيشي وانغيال
سؤال: شكرًا جزيلًا لك، دكتور بيرزين. وسؤالي عن غيشي وانغيال، منذ أن التقيت به. هل أخبرك عن معلمين عظام آخرين من كالميك. والسؤال الآخر عن إعادة الميلاد التالي. هل ذكر لك على أي صورة سيعاد ميلاده.
ألكس: في الحقيقة، لم أسمعه أبدًا يتحدث عن المعلمين العظام الآخرين بكالميك. في الحقيقة، لم يكن لي هذه الصلة به. كان هناك بعض التلاميذ الغربيين الذي يعيشون معه لعدة سنوات، مثل روبرت ثورمان وجيفري هوبكنز. قاموا بترك دراستهم الجامعية لبعض السنوات ليعيشوا مع غيشي وانغيال ومن ثَم عادوا بعد فترة للجامعة ليحملوا درجة الدكتوراه ثم يصبحون أساتذة جامعيين بعد ذلك. لكني فقط قمت بزيارة غيشي وانغيال أثناء أجازتي من الجامعة؛ لم أترك الجامعة أبدًا لأعيش معه. ثم انتقلت بعد ذلك للهند، وفقط قابلت غيشي وانغيال عندما جاء لزيارة الهند. لذا لربما تحدث مع الآخرين عن المعلمين الآخرين العظام بكالميك، لكني أبدًا لم أسمع شيء عن هذا بشكل شخصي.
ذات الأمر فيما يتعلق بإعادة تجسده. لقد توفى عام 1983. وبالطبع مثل الجميع بعد 49 يوم تم إعادة ميلاده، لكني لا أعتقد أنه شجع أي أحد على أن يبحث عنه. لذا أنا متأكد إنه الآن ….. يجب أن يكون عمره سبعة وعشرون، قارب على الثامنة والعشرين عامًا. ونتيجة لكل أعماله الرائعة في حياته السابقة فأنا متأكد إنه مستمر في ذات المسار. وسواء تم التعرف عليه كإعادة تجسد للغيشي وانغيال أم لا فهذا لن يُشكِل فارق فيما له علاقة بما يمكنه أن يقوم به من أعمال جيدة.
أي شخص آخر؟ أرجوكم لا تكونوا خجولين. أي أسئلة لما ترغبون أن أخبركم به؟ أي شيء يتملككم الفضول بشأنه؟
ما هو الحب من المنظور البوذي؟
سؤال: أعتقد إنه في هذا السن أنت مهتم أكثر بما هو الحب. ولربما يمكنك أن تخبرنا عن ماهية العلاقة بين الرجل والمرأة، من وجهة النظر البوذية أو من وجهة نظرك.
ألكس: حسنًا، عندما نتحدث عن الحب من وجهة النظر البوذية، فالحب هو، كما ذكرت في مناقشتنا، الأمنية لشخص ما أن يكون سعيدًا وأن يحصل على أسباب السعادة. هذا يعني بالكامل تقبل الشخص الآخر، بكلا من نقاط قوته وضعفه. وأمنيتي له أن يكون سعيدًا لا تعتمد على كيفيةمعاملته لي أو كيف يتصرف. بغض النظر عن أي شيء، أنا أرغب أن يكون سعيدًا، حتى إذا كان هذا يعني أن أبتعد عنه قليلًا.
عادة ما يكون الحب ممزوجًا بالرغبة ( أي عندما لا يكون لدينا شيئًا ما، ونرغب بشدة في الحصول عليه) بالتعلق (والذي على الرغم من امتلاكنا لشيئ ما، إلا أننا لا نريد التخلي عنه) والجشع (حتى إذا كان لدينا شخص كصديق لنا، شخص نحبه، نحن نرغب في المزيد والمزيد منه). كل هذا قائم على النظر فقط لصفاتهم الجيدة وتضخيمها، نفتعل هالة كبيرة حولهم، ونتجاهل أي نقائص قد تكون بهم. والخصال الجيدة التي لديهم قد تكون مجرد أنهم معجبون بي، وهذا يجعلني أشعر بمشاعر جيدة عندما أكون معهم، هم حسني المظهر، جذابين جنسيًا، أو أيًا ما كان. إذا فنحن فقط ننظر لجزء صغير جدا من هذا الشخص، والذي نجعله أكثر أهمية من أي شيء آخر. لذا فهذا موقف داخلي غير واقعي. ويعتمد بالكامل على كيف سيعاملني الشخص الآخر: إذا عاملونني بلطف فسأحبهم؛ إذا لم يعاملوني بلطف فلن أحبهم بعدها. هذا ليس نوعًا مستقرًا من الحب.
القصص الخيالية والتوقعات غير الواقعية
كما قلت، النوع المستقر من الحب – ما نتحدث عنه في البوذية – هو النوع الذي به نتعرف بكلا من الجوانب الجيدة والسيئة في شخص ما، لأن الجميع لديهم نقاط قوة وضعف؛ لا أحد مثالي أو كامل. كما ترون المشكلة في أن الكثيرين منا لا زالوا يصدقون في القصص الخيالية. في القصص الخيالية هناك الأمير الوسيم أو الأميرة الجميلة على حصان أبيض والذي سيكون كاملًا بشكل مطلق. ودائمًا ما نبحث عن الأمير أو الأميرة، ونقوم بإسقاط الأمير أو الأميرة على العديد من الناس الذيننقعفي الحب معهم. لكن للأسف هذه مجرد قصة خيالية ومثلها مثل بابا نويل لا تشير لأي شيء حقيقي.
هذا ليس شيئًا من السار إدراكه؛ ومن الصعب جدا تقبله. وأبدًا لا نستسلم: "اكتشفت أن هذا ليس الأمير أو الأميرة، لكن لربما الشخص التالي سيكون هو الأمير أو الأميرة." وطالما ظللنا نُسقط ونبحث عن الأمير أو الأميرة على الحصان الأبيض، علاقتنا، علاقات الحب الخاصة بنا مع الآخرين، سيكون بها مشاكل، لأنه لا أحد سيرقى لهذا الشريك المثالي. نغضب منهم عندما لا يتصرفون مثل الأمير أو الأميرة. حسنًا، هذا يعني أننا لا نتقبل واقع أنهم بشر مثلي ولديهم نقاط قوة وضعف. لذا فالحب الحقيقي، الحب المستقر، قائم على تقبل حقيقة الشخص الآخر.
جانب أخر بشأن حقيقة الشخص الأخر الذي نقع في الحب معه، أننا غالبًا ما ننسى إننا لسنا الشيء الوحيد في حياتهم. عادة ما نغفل عن حقيقة أن لديهم حياة بجانب كونهم معنا – لديهم أصدقائهم، لديهم عائلتهم، لديهم مسئوليات أخرى. أشياء أخرى تكون جزء من حياتهم؛ أنا لست الشيء الوحيد. لذا من عدم المسئولية من جانبنا أن نشعر بالغيرة والضيق عندما يقضون بعض وقتهم مع أشخاص آخرين، أشياء أخرى في حياتهم. وعندما يكونون في مزاج سيء، على سبيل المثال، أو لا يشعرون بالرغبة بأن يكونوا معنا، فهذا ليس فقط بسببي. أنا لست السبب الوحيد لكل شيء يشعر به ويقوم به الطرف الآخر. إذا كانوا في مزاج سيء، فيمكن أن يكون ذلك متأثرًا بما يحدث في عائلتهم؛ قد يكون متأثرًا بأصدقائهم الآخرين؛ قد يكون متأثرًا بكونهم مرضا، لا يشعرون على ما يرام؛ قد يكونوا متأثرين بالعديد من الأشياء. لماذا أفكر في أنني السبب الوحيد لكل شيء يشعرون به؟
بالمثل، إذا كنا في علاقة طويلة الأمد مع شخص ما فهناك العديد والعديد من الأشياء التي تحدث يومًا بيوم في تفاعلنا سويًا. غالبًا، الذي يحدث، "لم يتصل بي اليوم. لم يرد على رسالتي النصية،" ثم نضخم من أهمية هذه الحدث؛ نحن لا نراه في السياق الزمني الكامل لعلاقتنا طويلة الأمد. وبسبب هذا الحدث الواحد، نستنتج أنهم لا يحبوننا بعد الآن. لكن هذه رؤية قصيرة للغاية – فقط النظر لشيء صغير وتناوله بمعزل عن كامل العلاقة.
الواقع أن حياة كل شخص، مزاجه، وخلافه، في صعود وهبوط. هذه حقيقة بشأننا؛ إنها حقيقة بشأن الجميع. لذا فمن الطبيعي أحيانًا أن هذا الشخص الذي أحبه يشعر بالرغبة في أن يكون معي؛ وأحيانًا أخرى لن يشعر بذلك. أحيانًا سيكون في مزاج طيب؛ وأحيانًا سيكون في مزاج سيء. وإذا كانوا في مزاج سيء – أو على سبيل المثال كانوا مشغولين للغاية عن الرد فورًا على رسالتي النصية بأشياء أخرى، أو خلافه – فهذا لا يعني بشكل تلقائي أنهم لم يعودوايحبوننا بعد الآن؛ هذا فقط جزء من الحياة.
هذه فقط بعض الأشياء التي من الهام تعلمها وفهمها إذا أردنا أن نجعل علاقة حبنا مستقرة؛ وإلا، سيكون لدينا الكثير من الاضطرابات الشعورية.
دعه يذهب ودعه يكون
هناك مثال جيد جدا قدمه معلم هندي بوذي عظيم، وهو أن علاقتنا مع الآخرين مثل أوراق الشجر التي تعصف بها الرياح، متساقطين من الشجر في الخريف. أحيانًا أوراق الشجر ستطير في الهواء سويًا،وأحيانًا سيفرقهم. هذا فقط جزء من الحياة. وكذلك أي علاقة مع شخص ما – لربما ستدوم طوال حياتنا، لكن لربما لن تدوم.
من الهام النظر للطرف الآخر مثل الطائر البري الذي جاء لنافذتنا. طائر جميل بري جاء لنافذتنا، وكم هو رائع. كم هو جميل، كم هو مبهج، أن يكون معي هذا الطائر البري لوهلة. لكن بالتأكيد هذا الطائر سيطير بعيدًا: هذا الطائر حر. وإذا عاد الطائر لنافذتي مرة أخرى،فكم سيكون هذا رائعًا، كم سأكون محظوظًا. لكن إذا حاولت أسر هذا الطائر وأن أضعه في قفص، عندها سيكون هذا الطائر في غاية التعاسة ولربما يموت.
لذا ذات الأمر مع شخص جاء لحياتنا وأحببناه. هم مثل هذا الطائر البري الجميل. قد أتوا لحياتنا، جالبين معهم الكثير من البهجة والجمال. لكنهم أحرار، مثل الطائر البري. لكن إذا حاولنا الإمساك بهم والاحتفاظ بهم كأنهم من ممتلكاتنا، وتذمرنا لهم دائمًا – "لماذا لا تتصل بي؟ لماذا لا تأتي لتراني؟ لماذا لا تقضي معي المزيد من الوقت؟" – فهذا مثل محاولة وضع الطائر البري في القفص. هذا الطائر البري سيحاول الهرب بقدر استطاعته. وإذا بقى معنا الطائر البري، مثلما بقي هذا الشخص معنا بسبب إحساسه بالذنب، فسيكون غاية في التعاسة.
هذه فكرة مفيدة للغاية – أن نعتبر أي شخص نقع في الحب معه، الذي أتى لحياتنا، أن نعتبره مثل الطائر البري الجميل. وكلما كنا أكثر استرخاء – كنا أقل تمسكًا – كلما أحب الطائر البري المجيء لنافذتنا.