ناقشنا المسارات الثلاث الرئيسية للذهن. الأول هو التخلي، أي الابتعاد عن الهوس -كما أضفنا- بالإشباع الفوري، الاهتمام بما سيحدث لنا لاحقًا في هذه الحياة وللأجيال القادمة. هذا ما أضفناه كخطوة أساسية نافعة للغربيين.
ثم الابتعاد عن هوسنا بهذه الحياة وأن يكون اهتمامنا الأساسي على الحيوات المستقبلية لضمان أننا سنستمر في الحصول على هذه الحياة البشرية الثمينة، والفرصة للاستمرار في التدرب على المسار الروحاني. بعدها نبتعد عن هوسنا بالحيوات المستقبلية وأن يكون اهتمامنا الرئيسي على التحرر من السامسارا، من إعادة الميلاد المتكرر غير المتحكم به.
من أجل الاهتمام بما سيحدث لاحقًا في حياتنا، يجب علينا الامتناع عن السلوك الهدام والتصرف بشكل بنَّاء وتبني توجهًا في حياتنا، وهذا هو التوجه الآمن للملجأ في بوذا، دارما، وسانغا. ونحتاج إلى الشيء نفسه فيما يتعلق بالابتعاد عن هوسنا بهذه الحياة والاهتمام بالحيوات المستقبلية. هذا يبدو أكثر منطقية بعض الشيء، على الرغم من صعوبة رؤيته في الواقع، لأن سلوكياتنا في هذه الحياة لا تُثمر عادةً في هذه الحياة، ولكن في الحيوات المستقبلية.
لبلوغ التحرر الكامل من إعادة الميلاد المتكرر غير المتحكم به، لا نحتاج فقط إلى التخلص من عدم الوعي بقانون الأسباب والنتائج السلوكي، لكننا نحتاج أيضًا إلى التخلص من عدم وعينا بالواقع -كيفية وجودنا، كيفية وجود الآخرين، ووفقًا للمدارس البوذية الأكثر تعقيدًا، عدم وعينا بواقع جميع الأشياء. بهذا الفهم للخلو، عندها سنتمكن من تخليص أنفسنا للأبد مما يُطلق عليه المُعيقات التي تمنع التحرر. ويُطلق عليها اصطلاحيًا المُعيقات وهي المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة.
الآن، عندما ننظر إلى الحالة التي فيها نكون قد تخلصنا من تلك المُعيقات، والتي هي -الحقائق الأربع النبيلة- الحقيقة النبيلة الثالثة، وهي الإيقاف الحقيقي. هي الإيقاف الحقيقي لهذه المعيقات والتي يتم تحقيقها من خلال مسار الذهن الحقيقي -هذه هي الحقيقة النبيلة الرابعة، والتي تتطلب العديد من الأنواع المختلفة من الفهم والتواصل السلوكي الذي يلي ذلك، لكن بالأساس بإمكاننا التفكير في سياق ما هو أكثر أهمية وهو مسار الذهن الذي لديه إدراك غير مفاهيمي للخلو -ليس المقصود أول مرة نحصل على هذا الإدراك، وإنما أننا أصبحنا معتادين على هذا الإدراك لهذا فهو يقوم بدوره- الذي يعمل على التخلص من المعيقات على مراحل.
هاتان الحقيقتان النبيلتان، الإيقاف الحقيقي الخاص بالمسار الحقيقي، هذا ملجأ الدارما. بعبارة أخرى، هذه جوهرة الدارما التي نسعى لتحقيقها. حياتنا لها هذا التوجه الموجه نحو تحقيق ذلك. الآن، الإيقاف الحقيقي ومسار الذهن الحقيقي لا يوجدان في مكان ما في السماء، مكانهما هو الاستمرارية الذهنية. ويوجدان كاملان في الاستمرارية الذهنية الخاصة بالبوذات، إذن لدينا جوهرة بوذا، ملجأ بوذا. كما يوضحان لنا كيفية تحقيق ذلك بأنفسنا، من خلال تعاليمهم من خلال مثالهم.
أولئك الذين قطعوا جزءًا من الطريق، الذين حققوا بالفعل جزءًا من الإيقاف الحقيقي، لكن ليس بالكامل، أولئك هم كائنات الأريا. لديهم الإدراك غير المفاهيمي للخلو، لكنهم لم يُعَوِّدوا أنفسهم بالكامل على الحقيقتين، وإنما حققوا المستوى المبدئي لكل من الإيقاف الحقيقي ومسار الذهن الحقيقي، جزء منهما فقط، وليس بالكامل. إنهم يمثلون جوهرة السانغا، ملجأ السانغا. تلك الأشياء الثلاثة الثمينة والنادرة، وهو المعنى الحقيقي لكلمة "جواهر"، هؤلاء هم مَن يوضحون لنا التوجه الآمن كي نتخذه في حياتنا، ونُصبح مثلهم.
هذا شيء جوهري للغاية من أجل بلوغ التحرر، في الحقيقة مجرد اتباع الإرشادات العامة والتعاليم على طول الطريق، كما في الامتناع عن السلوك الهدَّام. لذا عندما نمتنع عن السلوكيات الهدَّامة، فهذا ليس لأننا لا نرغب في مخالفة القانون، القانوني الإلهي أو القانون المدني، لكن لأنه لدينا بعض الفهم لقانون الأسباب والنتائج السلوكي ولمستوى أعمق للواقع. نحن نرغب في الامتناع عن السلوك الهدَّام، كما ذكرت، كي نكون قادرين على الحصول على ظروف أكثر ملاءمة، حتى نتمكن من أن نواصل الطريق بأكمله لنُحقق الجواهر الثلاث بأنفسنا.
الآن، عندما نصل إلى التحرر، فقد تخلصنا من واحدة فقط من مجموعتي المعيقات، وهي المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة وميولها. فنبلغ حالة الإيقاف الحقيقي -من بين مسارات الذهن الثلاثة- من خلال التخلي والفهم الصحيح للخلو. وبالطبع، كأساس لكوننا حقًا قادرين على تطبيق ذلك، فقد تدربنا على الالتزام الذاتي والتركيز.
إذن، هذا الذهن الذي يفهم الخلو هو ذهن تَخَلَى. إذن فالتخلي مثل القوة الكامنة وراء هذا الفهم، إنه الدافع بمعنى أنه يدفع المشاعر: أنتم تشعرون بالتقزز والملل من معاناتكم. والهدف الدافع هو تحقيق التحرر.
الآن، عندما نتحدث عن الخلو، نحن نفهم أنه، بسبب العادات الخاصة بعدم الوعي هذا، تقوم أذهاننا بإسقاطات لطرق مستحيلة للوجود. يبدو وكأن كل شيء -أنا، أنت، كل شيء نقابله- لتبسيط الأمر بقدر الإمكان، وكأن هناك خط حوله يجعله من ناحية هذا الشيء يبدو وكأنه شيء صلب. حتى إذا فهمنا أن كل شيء مرتبط ببعضه البعض ويعتمد على بعضه البعض، فما نزال نميل إلى الاعتقاد بأن الأشياء التي تعتمد على بعضها البعض يوجد خط صلب حولها.
بالتأكيد يجب أن نفهم بشكل أعمق قليلًا معنى هذا، لكن في هذه اللحظة دعونا فقط نترك الأمر عند هذا المستوى البسيط. لذا، فعندما يُسقط الذهن هذا وذاك يُدعى ذلك "مظهر الوجود الحقيقي" وبعدها تقوم أذهاننا، بدافع من عدم وعينا وارتباكنا، بأخذ كل ذلك على أنه الطريقة التي توجد عليها الأشياء فعليًا، هذا يُدعى "التمسك بالوجود الحقيقي". عند بلوغنا التحرر نكون قد تخلصنا من هذا التمسك بالوجود الحقيقي وعدم الوعي الذي يدعمه، لذا فنحن لم نعد نصدق في هذا الهُراء الذي تُسقطه أذهاننا، هذا المظهر الخادع، لا نقع فريسة له بعد الآن.
مع ذلك، حتى ككائنات متحررة، أرهات، أذهاننا ما تزال تُسقط تلك المظاهر الخادعة، ما تزال تُسقط هذه الخطوط المُحيطة بالأشياء. لا تفكروا فقط في هذا في سياق الطاولة، خط حول الطاولة، فكروا في سياق الأصدقاء، الأعداء، الحب، الغضب. حيث تبدو كأشياء بخطوط حولها، أليس كذلك، حيث تأتي التعريفات من ناحية تلك الأشياء. لكن إذا فكرنا في الأمر، فهذا بالتأكيد مظهر مخادع، هذا مستحيل، هناك غياب تام لهذا، غياب تام لهذا يُشير إلى غياب أي شيء حقيقي.
بإمكاننا فهم هذا من خلال هذا المثال -إنه ليس مثالاً فعليًا، وإنما شرح: إذا فكرتم في المشاعر، فهناك نطاق هائل جدًا من الخبرة. ليس فقط الخبرة البشرية، فالحيوانات لديها مشاعر أيضًا. إذا فكرتم في سكان الكهوف، رجال الكهوف، عندما بدأوا في تكوين اللغة، اجتمع الأشخاص سويًا في مجموعة، لجنة، أو أي كان الأمر، وقاموا بتكوين كلمات من أصوات لا معنى لها، ما نسميه "الأنماط الصوتية". إنها مجرد أصوات اعتباطية تمكنوا من إصدارها ويبدو الأمر كما لو أنهم أخذوا سكينًا وقاموا بتقطيع هذا النطاق الكامل من المشاعر إلى أجزاء ووضعوا خطوطًا حول نوع واحد من جزء من المشاعر من هذا الحد إلى ذاك الحد وأعطوه تعريفًا.
حاولوا وصفه وقالوا بعدها "تلك الأصوات التي ليس لها معنى هي كلمة ومعناها هذا التعريف وتُشير إلى هذا الجزء من خبرتنا البشرية المشتركة". وليس بالضرورة أن تكون بشرية، لأنه من الواضح أن الكلاب لديها مشاعر. كل كهف، كل مجموعة من البشر، سواءً كان كل كهف وحده، أم كانت مجموعة من الكهوف، وصلت المجموعات المتنوعة لاتفاقات مختلفة.
إنها تُدعى "اتفاقات"، تلفيقات ذهنية صافية تم اختراعها لتجعل التواصل ملائمًا، وتم اختلاقها بالكامل من قِبَل الذهن من أجل التواصل. إنها مفيدة للغاية -تؤدي وظيفتها، ناجحة، تعمل على التواصل فعليًا، لكن كل مجموعة من مجموعات الكهوف قسَّموا نطاق الخبرة البشرية لأجزاء مختلفة وحددوا وعرفوا تلك الأجزاء الصغيرة بشكل مختلف. فقد بحثوا عن بعض السِّمات التي من الممكن استخدامها لتعريف تلك الأجزاء: لقد اخترعوا ذلك، اختاروه. بعدها حصلنا على لغات مختلفة، كلمات مختلفة، مفاهيم مختلفة، اتفاقات مختلفة.
بالتأكيد تلك الاتفاقات ليست واحدة بين مجموعات الكهوف وبعضها البعض. فقد قام الجميع بتقسيم هذا النطاق عند نقاط مختلفة، ووضع حدودًا مختلفة بين الفئات، فئات الكلمات. لذلك نجد "الغيرة"، "الحسد"، والتي بالطبع لها معانٍ مختلفة جدًا في اللغة الإنجليزية عما تعنيه الكلمات في الإسبانية. كلاهما لهما معانٍ مختلفة وحدودًا مختلفة عما تعنيه الكلمات المقابلة في الألمانية. وهذه لا تتوافق على الإطلاق مع المصطلح التبتي، والذي يُترجم عادة إلى "الغيرة". الأمر مربك. تختلف التعريفات اختلافًا طفيفًا في اللغات المختلفة.
من المثير للاهتمام أنه بالإضافة إلى فئات الكلمة هذه، سنجد هناك "فئات الأشياء". كل شخص لديه خبرة معينة، ثم يختبرون شيئًا ما، الغيرة. يبدو بالتأكيد أن الغيرة من ناحيتها أنها شيئًا نختبره، أليس كذلك؟ هذا ما أشير إليه بهذا "كما لو كان هناك خطًا حولها"، لكن لا يوجد شيئًا ينشأ من ناحية تلك الغيرة من تلقاء نفسه. يوجد فقط نطاق ضخم من المشاعر والأحاسيس الذهنية.
إذن فالغيرة تنشأ اعتمادًا على الكلمات والمفاهيم فقط، كلمة ومفهوم "الغيرة" التي تم اختراعهما من قِبَل مجموعة الأشخاص من الكهف. فئة الكلمة تلك وفئة الشيء، إنهما يُشيران إلى شيء ما، الأمر ليس أنهما يُشيران إلى لا شيء. فما الذي يشيران إليه؟ إنهما يشيران إلى الغيرة. لكن هذا المحَل الذي يتم الإشارة إليه، الغيرة، لا يمكننا العثور عليه في أي مكان، لأنه لا شيء يوجد مُحاط بخط حوله ويُسمى شيء. إذن فالأمر مماثل للوهم: تظهر الغيرة على أنها شيء مُحاط بخط حوله، لكنها ليست حقًا شيئًا من الممكن العثور عليه.
خاصة إذا فكرنا في سياق كل مرة نشعر فيها بالغيرة، أو في كل مرة أي أحد يشعر فيها بالغيرة، بما في ذلك الكلاب -أين هي؟ ما هي؟ برغم أنها مماثلة للوهم، إلا أنها -هذه كلمة مهمة للغاية- تؤدي عملها: نحن نختبرها، وتجعلنا تعساء.
الشيء الوحيد الذي يُثبت أن هناك شيئًا ما يُدعى غيرة هو في الحقيقة وجود كلمة لها، مفهوم لها. فلا يمكن إيجادها وإثبات وجودها فقط بالإشارة إليها "ها هي بخط يحيط بها". من أجل أن توجد وأن تكون لديها القدرة على تأسيس وجودها بهذه الطريقة من جهتها، فهذا مستحيل. يوجد غياب تام لهذا. هذا ما يتحدث عنه الخلو، هو الغياب التام. بالتأكيد، إذا كان هذا جديدًا عليكم، فيجب عليكم التفكير بتدبر في ذلك -طوال الوقت.
الآن، إذا بلغنا التحرر، حتى وإن قامت أذهاننا بصنع مظهر أن كل شيء كشيء يحيط به خطًا ما، فإننا لا نصدق حقًا أن هذه هي الطريقة التي توجد عليها الأشياء. نحن نفهم أنه لا شيء بإمكانه تأدية وظيفته إذا كان يحيط به خطًا. على سبيل المثال، ليكون هناك خط حول الشيء، فيجب أن يكون مُغلَّفًا بالبلاستيك ليجعل منه شيئًا. إذن، إذا كان هناك شيئان مغلفان في بلاستيك صلب ومُجمدَّان، فكيف سيتفاعلان سويًا؟ كيف لأحدهما أن يكون السبب والثاني أن يكون نتيجته؟ إنهما فقط مُجمَّدان هناك، مثل الأشياء الكرتونية المرسومة على ورقة. لا شيء سيؤدي وظيفته. نحن نفهم ذلك، لذا نحن لا نصدق هذا الهُراء الذي تُسقطه أذهاننا -لكن برغم ذلك، لا يمكننا إيقاف ذلك بعد.
ما هي مشكلة هذا النوع من الإسقاط؟ المشكلة هي أن أذهاننا أصبحت محدودة للغاية فيما تستطيع فهمه، لما تستطيع تغطيته. المثال الذي أعطيه عادة أنه مع هذا النوع من الإسقاط، طريقتنا في تلقي الكون تكون مماثلة للنظر من خلال منظار. مجال رؤيتنا محدود جدًا جدًا صغير للغاية، مساحة فهمنا -صغيرة جدًا. نحن نقول باللغة العامية "بإمكانك فقط رؤية ما هو أمام أنفك".
هذا يمنعنا من تقديم أفضل مساعدة للجميع، لأننا إذا فكرنا من منظور اللابداية والعدد الذي لا يُحصى من الكائنات ... فهو عدد محدود، لكن لا يمكن إحصاؤه، مما يعني أنه أكبر عدد محدود. لا تفكروا أبدًا في الأمر على أنه لانهائي، من فضلكم، عندها ستشعرون بارتباك شديد. إنه ليس عدد لانهائي من الكائنات، هناك عدد محدود من الكائنات. إذا كان عددها لانهائي، فلن تتمكنوا أبدًا من تحرير الجميع. أكبر عدد محدود -لذلك كان الجميع يتفاعل مع الجميع إلى الأبد، وأثرنا على بعضنا البعض من خلال سلوكنا وتأثرنا بكل شيء فعله الجميع، بما في ذلك ما فعلناه نحن أنفسنا، وإلى الأبد.
لذلك، إذا رغبنا في معرفة كيفية نفع كائن محدد، فعلينا فهم وضعه، مستوى مشاكله وما إلى ذلك، علينا فهم كل شيء حدث له من قبل في الكون بأكمله، وكيف أثر ذلك على هذه الاستمرارية الذهنية تحديدًا، وكل الأسباب التي جعلته يكون على الشاكلة التي هو عليها الآن. وإذا رغبنا في تعليمه شيئًا ما ونفعه ومساعدته لتحقيق التحرر والاستنارة، لتحديد ما سيكون أكثر تأثيرًا عند تعليمه، فعلينا حقًا معرفة عواقب تعليم هذا الشخص موضوعًا محددًا في الدارما.
وبالطبع هذا الشخص الذي نعلمه لن يكون موجودًا وحوله/ها خط صلب، ولن يتفاعل أبدًا مع أي شخص آخر في المستقبل. هذا الكائن سيتفاعل مع آخرين من الآن وحتى بلوغ الاستنارة وحتى بعد ذلك أيضًا، سيتأثر بما نعلمه له، وسيكون لذلك تأثير على كل شخص يلتقي به هذا الشخص. لكي نكون قادرين على إفادة أي شخص على أكمل وجه ممكن، علينا اكتساب هذا النوع من الذهن -هذا هو الذهن كليّ المعرفة، هذا هو ذهن بوذا.
علينا اكتساب هذا النوع من الذهن، حتى نتمكن حقًا من معرفة كيفية مساعدة الآخرين. وإلا فسنكون ننظر من خلال منظار، نرى فقط ما هو أمام أنوفنا. لذلك نحن بحاجة إلى جعل أذهاننا تتوقف عن إسقاط الخطوط حول الأشياء، وإلا فلن نرى بشكل كامل، النطاق الكامل للسبب والنتيجة وترابط كل شيء تبادليًا إلى الأبد. هذا هو الإسقاط الخاص بتلك الخطوط، الذي يأتي من عادات التمسك بالوجود الحقيقي، عادات الاعتقاد بأن هذه الخطوط المحيطة بالأشياء حقيقية.
هذه هي مُعيقات الاستنارة، التي تمنع الوصول للمعرفة الكلية. يُطلق عليها "المعيقات الخاصة بكل ما هو قابل للمعرفة". ما نرغب في القيام به هو تحقيق الإيقاف الحقيقي لهذه المجموعة الثانية من المعيقات. إذا استطعنا تحقيق هذا الإيقاف الحقيقي، بعده نُصبح بوذات. مع الحالة الذهنية لكلية المعرفة التي سنُحققها يأتي الجسد اللامحدود. فيما يخص طاقتنا، فبإمكاننا التجسد على أي هيئة للتواصل بها. إذن فنحن نكتسب جسد، حديث، وذهن بوذا المستنير.
بهذا الذهن اللامحدود ستأتي الطاقة لذلك، والتي لديها القدرة على التجسد بعد ذلك على هيئات، وبالتالي نحصل على أجساد لامحدودة أو تجسدات. وهذه الطاقة تُطلق ذبذبات، صوتها أكثر خفاءً تُدعى التواصل، وهذا هو الحديث. ويُصبح هذا أيضًا لامحدود، تذبذبات الطاقة. الطاقة بإمكانها التجسد على أي هيئة وتذبذب هذه الطاقة، هذا هو التواصل، الحديث بإمكانه التواصل على أي هيئة.
ما هو المسار الحقيقي للذهن الذي سيجلب المجموعة الثانية من الإيقاف الحقيقي؟ هذا مرة أخرى هو الإدراك غير المفاهيمي للخلو.
مع ذلك، هناك شيء واحد يجب عليّ إضافته، لم أذكره، أن حالة الاستنارة تلك، ليست حالة كلية القدرة. لها قدرات غير قابلة للتصديق، لكنها ليست كلية القدرة. قد تكون كلية القدرة هو شيء لا يخضع لقانون الأسباب والنتائج السلوكي، هذا الكائن كليّ القوة الذي بإمكانه القيام بأي شيء دون أسباب. يقول تسونغكابا بوضوح شديد في نصنا: "قوانين الأسباب والنتائج السلوكية غير زائفة"، ولا يمكن انتهاكها -الأشياء تحدث فقط لأسباب.
ولهذا بإمكان البوذات التعليم، تقديم الإلهام، الشرح، لكن البوذات لا يمكنهم أن يفهموا نيابة عنَّا. يجب علينا أن نفهم بأنفسنا، ولتحقيق ذلك، نحن بحاجة لأن نكون متقبلين ونبني الأسباب بأنفسنا. بإمكاننا فقط التخلص من عدم وعينا، وبناء على ذلك، نتخلص من معاناتنا بفهمنا لأنفسنا.
إذن، ما سيُخلصنا من المجموعة الثانية من المعيقات هو الفهم نفسه الذي يُخلصنا من المجموعة الأولى. هذا وفقًا لأكثر النظريات تعقيدًا، البراسانغيكا، هناك العديد من المستويات والنظريات المختلفة، والتي لن نخوض فيها، لكن النظرية الأكثر تعقيدًا هي الخاصة بمدرسة ماديامكا البراسانغيكا. بعبارة أخرى، هذا الفهم هو الفهم غير المفاهيمي للخلو، بأن كل ذلك لا يُشير إلى أي شيء حقيقي.
عندما نركز على "هذا لا يشير إلى أي شيء حقيقي"، غير مفاهيمي، به نحن نركز على الغياب التام. في هذا الغياب التام هذه الإسقاطات غير موجودة. ليس التصديق فقط هو غير الموجود، ولكن الإسقاطات أيضًا غير موجودة. الأمر وما فيه أننا فقط مركزين، بشكل غير مفاهيمي -هذا يعني أننا ندرك الشيء دون أن يمر من خلال فئة ما، مثل كلمة "خلو" أو صورة ذهنية ما، لكن نقوم بالتركيز بشكل غير مفاهيمي على "لا يوجد شيء من هذا القبيل"، غياب ذلك. إذن هناك غياب لهذا الأمر، إنه غير موجود، إنه غير حاضر في هذه اللحظة من الإدراك.
عندما نحقق ذلك، هذه هي حالة الأريا –"الأريا" هو "كائن نبيل"، لكن هذا مصطلح سخيف إلى حد ما، أنا أترجمه إلى "كائن سامي الإدراك". الأمر ليس له علاقة بالأرستقراطية. الأريا ليس بإمكانه أن يظل فيما يُطلق عليه "حالة الاستغراق التام"، لا يمكن أن يظل في هذه الحالة طوال الوقت، يخرج منها، يأكل، يذهب للمرحاض، القيام بأشياء أخرى، ينخرط في الحياة بكل ما فيها. ولذا فالأريا لديه عادة إسقاط الوجود الحقيقي، لأن هذا ما يقوم به الذهن تلقائيًا عندما لا يكون مستغرقًا تمامًا في هذا الغياب.
إذا كنا قادرين على أن نظل في هذا الاستغراق الكامل في هذا الغياب التام طوال الوقت، للأبد، ولا نخرج منه أبدًا، وفي الوقت نفسه نساعد الآخرين ونقوم بكل الأشياء لنفع الآخرين، وليس فقط الجلوس في وضعية التأمل، إذا كنا قادرين على القيام بذلك، إذن فسنكون قد تخلصنا من عادة إسقاط الوجود الحقيقي، لأنها لا يمكن أن تحدث ثانية. عندها نحن لا نخرج أبدًا من حالة الاستغراق الكامل. مممم، هذه هي حالة الاستنارة.
ما هي العادة؟ كل ما نستطيع قوله هو أن هناك حالات لأحداث مماثلة، مثل شرب أكواب من القهوة. الآن، كيف يمكننا أن نضع ذلك معًا بحيث يُشير إلى متوالية متكررة من أجل التواصل معها، التفكير فيها، وما إلى ذلك؟ فقد نقوم ذهنيًا بتوصيل تلك النقاط الخاصة بكل حدث، وقد نقوم بتجريد ذهني وهذا سيكون عادة. بالتأكيد لا يوجد خط يحيط بالعادة. إنها اتفاق لمساعدتنا للإشارة إلى سلسلة من أحداث متشابهة.
الآن، طالما أنه من الممكن تكرار حدث مماثل في المستقبل، طالما كان ذلك ممكنًا، يمكنك القول أنه لا تزال هناك عادة -"يمكن عَزْوُها" هي الكلمة، ويمكن عزوها إلى الاستمرارية الذهنية، يمكنكم تحديدها، فهي تنطبق على تلك الاستمرارية الذهنية. طالما أن هناك احتمال لتكرار هذا الحدث نفسه مرة أخرى، فلا تزال لديكم هذه العادة، ما تزال لديكم هذه العادة ويمكن أن ينتج عنها تكرار في المستقبل لحدث مماثل.
الآن، إذا كان من المستحيل أن يكون هناك تكرار لحدث مشابه في المستقبل نهائيًا، عندها كل ما يمكنكم التحدث عنه هو العادة السابقة "لم يعد لديّ هذه العادة بعد الآن". هكذا تتخلص من العادات. لن أخوض في الموضوع، لكن هذه هي الطريقة التي يتم بها تنقية الكارما. حسنًا، الأمر يتعلق بفهم الخلو.
الآن تذكروا، نحن نتحدث عن التخلي كقوة دافعة، والذي يكمن خلف فهم الخلو، والذي يعطيكم القوة الكافية لتتمكنوا من اختراق المجموعة الأولى من المعيقات وبلوغ التحرر، للتخلص من المشاعر المزعجة: الغضب، الطمع، الغُفل، وما إلى ذلك. لكن هذه ليست طاقة كافية، ليست قوة كافية لهذا الفهم غير المفاهيمي للخلو لتتمكنوا من اختراق المجموعة الثانية من المعيقات وأن تظلوا مركزين للأبد على الغياب الحقيقي، على الغياب التام وتظلوا نافعين للآخرين في الوقت نفسه.
حسنًا، إنه لا يمتلك الطاقة الكافية وراءه كي يظل في حالة الاستنارة تلك. الطريقة الوحيدة التي من الممكن القيام بها بذلك هي بالبوديتشيتا. البوديتشيتا هي ذهن يهدف إلى الاستنارة. الآن، إنه غير موجه نحو "الاستنارة" كفئة، كشيء عام على أنه فئة، إنه بالتأكيد غير موجه نحوها كشيء. إنه غير موجه نحو استنارة شاكياموني بوذا، وإنما موجه نحو استنارتنا المستقبلية -وعليكم أن تكونوا حريصين جدًا مع قواعد اللغة وتصحيحها –"التي لم تحدث بعد" الاستنارة التي من الممكن عزوها على الاستمرارية الذهنية الخاصة بي.
يجب أن تفهموا "التي لم تحدث بعد". الكريسماس الذي لم يحدث بعد لهذا العام -حسنًا، يمكننا جعل الكريسماس الذي لم يحدث بعد مفاهيميًا، أليس كذلك؟ إنه مفهوم، نحن لا نعرفه حقًا بصورة واضحة تفصيلية. أن الكريسماس الذي لم يحدث بعد لا يحدث الآن، أليس كذلك؟ إنه لا يحدث في مكان ما هناك في بُعد آخر ويقترب بحيث أنه يحدث هناك وسوف يحدث هنا لاحقًا، أليس كذلك؟ لكن يمكننا التفكير في الكريسماس الذي لم يحدث بعد والتبضع وشراء الأشياء الخاصة به والاستعداد بكل الطرق حتى يتحول هذا الكريسماس الذي لم يحدث بعد إلى الكريسماس الذي يحدث الآن.
الأمر ليس كما لو أن ذاك الكريسماس يوجد وحوله خط كبير وبعدها يكون بالإمكان وصفه على أنه إما الكريسماس الذي لم يحدث بعد، أو الذي يحدث الآن، أو الذي لم يعد يحدث. حسنًا، لا تستخدموا الكلمات الغربية "المستقبل" و"الماضي" هذه كلمات مضللة. لكن من الممكن الوصف بهذه الطريقة "لم يحدث بعد"، "يحدث الآن"، "لم يعد يحدث". الكريسماس الذي "لم يحدث بعد" والذي يحدث الآن والذي لم يعد يحدث ليس نفس الكريسماس الراسخ الذي يتحرك عبر الزمن. إنه ليس شيء واحد ثابت.
الأمر شديد التعقيد. إنه استمرارية. هذا صحيح تمامًا. حسنًا، في الحقيقة، إنه ليس استمرارية أيضًا، إنه أكثر تعقيدًا من ذلك. على أي حال، دعونا نترك الأمر عند هذا الحد، هذا ليس الوقت المناسب لهذا. هذا كثير، شديد التقدم، نحن لسنا بحاجة لهذا الآن، لكن النقطة التي أعنيها هنا هي: ما الذي تُركز عليه البوديتشيتا؟ إنها مُركزة على الاستنارة التي لم تحدث بعد والتي من الممكن حدوثها، بشكل صحيح من الممكن حدوثها لاحقًا في استمراريتي الذهنية.
لكنها لن تحدث من تلقاء نفسها، إنها ليست مثل موتي الذي في كل لحظة، بغض النظر عمَّا أفعله، سيحدث تلقائيًا. مع ذلك برغم أن الاستنارة التي لم تحدث بعد، قد نقول نظريًا إنها تقترب وتقترب، إلا أنها لن تحدث تلقائيًا. يجب أن نبذل الكثير من الجهد، أن نتدرب للتخلص من تلك المعيقات. لكن أساس العمل موجود، العوامل التي نحتاجها موجودة، وتُدعى طبيعة بوذا. بناءً على استمراريتنا الذهنية في اللحظة الحالية، حيث إنها الشيء الوحيد الذي يحدث حاليًا، وجميع عوامل طبيعة بوذا التي تشكل جزءًا منها، فبإمكاننا أن نستنتج بشكل صحيح أن الاستنارة التي لم تحدث بعد من الممكن الحصول عليها.
والبوديتشيتا فيها النيتين: نحن نرغب في تحقيقها، نحن مدفوعون بالحب والشفقة، ونرغب في أن نكون قادرين على نفع الجميع لمساعدتهم على الخروج من المعاناة ولهذا، أدركنا أن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك بشكل كامل هي أن نصل للاستنارة، بعبارة أخرى، نتخلص من الرؤية الغبية من المنظار، ومن ثم نسعى لتحقيق ذلك. النية الثانية هي "حسنًا، ما الذي سنفعله بمجرد تحقيقنا لهذه الحالة؟ سنساعد الجميع بأقصى قدر ممكن".
نحن موجهون نحو حالة الاستنارة -هذا تركيزنا- والتي لم تحدث بعد. هذا التركيز على الحالة التي بها غياب تام ليس فقط للتمسك بالوجود الحقيقي، لكن أيضًا لمظهر الوجود الحقيقي لأذهاننا، وعندما يكون لدينا ذلك طوال الوقت. يكون علينا عندها الفهم والاقتناع "هل من الممكن بلوغ هذه الحالة في سياق استمراريتي الذهنية، في سياق ما ندعوه عادة الذهن فقط؟"
ما الذي نعنيه بالذهن؟ هذا ليس موضوعًا بسيطًا. دون استغراق ساعات في شرحه، فنحن نتحدث عن النشاط الذهني. من الممكن وصفه في سياق جميع الأشياء الكهربائية والكيميائية التي تحدث، لكننا نتحدث عن الأنشطة نفسها من منظور أنه عرضة للخبرة الفردية، اختبار الأشياء. إنه نشاط. نختبره -نختبره، ليس الاسم "اختبار".
الأمر ليس مشابه لـ "لقد جمعت الكثير من الخبرات" و"هذا الشخص لديه الكثير من الخبرات". وإنما نحن نختبره، نقصد الفعل وليس الاسم. نحن لا نتحدث عن شيء، وإنما نتحدث عن شيء يحدث من لحظة للحظة في كل لحظة. نحن لا نتحدث عن خبرات جمعتموها ووضعتموها في صندوق. فهمتم؟ هذا شيء من المهم جدًا فهمه. لهذا أنا انتقائي قليلًا هنا، معذرة. من الممكن أن يحصل الفرد على معنى خاطئ تمامًا بناءً على هذه النقطة تحديدًا.
حسنًا، إذن هذا النشاط يحدث طوال الوقت. إذن ما هو هذا النشاط؟ من الممكن وصفه من خلال وجهتين نظر. الأولى نشوء المظهر. المظهر ليس مرئيًا فقط. الأمر بالأساس مشابه للصورة الذهنية المجسمة ثلاثية الأبعاد. إذا فكرتم في الأمر، فهو في غاية الوضوح. عند الرؤية توجد كل تلك النقاط الضوئية "بيكسيل" والتي ترتطم بالخلايا المتنوعة لشبكية العين والتي بدورها تُرسل معلومات كهربائية وعندها نرى صورة ذهنية ثلاثية الأبعاد، نحن لا نرى فقط نقاطًا ضوئية "البيكسيل" أو تفريغًا كهربائيًا. وإنما هي صورة ذهنية مجسمة ثلاثية الأبعاد.
الأمر مماثل مع السمع أو أي حاسة أخرى. في أي جزء صغير من الألف من الثانية من الاستماع لحديث ما، كل ما نسمعه هو صوت الحروف الصامتة والمتحركة. هذا كل ما نسمعه ولكننا نصنع صورة ذهنية مجسمة ثلاثية الأبعاد ليس فقط للكلمة، وإنما للجملة كاملة ونفهم معناها. هذه هي الصورة الذهنية ثلاثية الأبعاد. نحن لا نستمع للجملة بأكملها في الجزء الصغير من الألف من الثانية في الوقت نفسه. هذه هي الطريقة التي نفهم بها اللغة. صوت واحد فقط يحدث في المرة الواحدة، نحن فقط نسمع صوتًا واحدًا في المرة الواحدة. أوه، إن هذا أمر مروع، أليس كذلك؟
لكن على أي حال، إذن هذا جانب واحد للنشاط الذهني. ومن الممكن [أيضًا] وصفه من حيث: هذه ماهية معرفة الشيء، هذه ماهية رؤيته، هذه ماهية الاستماع إليه، هذه ماهية التفكير فيع. الأمر ليس أن الفكرة تنشأ ثم تفكرون فيها.
وهذا كل ما يحدث. ليس هناك "أنا" منفصلة وحولها خط يفصلها عن كل ذلك، مما يجعل الأمر وكأنه يحدث بالذهن مثل ماكينة يحيط بها خط ويقوم بالضغط على الأزرار "الآن سأرى"، برغم أن الأمر يبدو أنه يحدث بهذه الطريقة. ومرة أخرى، هذا مستحيل الحدوث.
إذن، فالنشاط الذهني يحدث طوال الوقت. الآن خلق المظهر هذا: هناك المعرفة. إذن من المنطلق المعتاد، إنه خلق مظهر الوجود الحقيقي، أشياء بخطوط حولها، ومعرفتنا هي: نحن نراها أو نسمعها أو نفكر فيها. لكن كل ذلك يحدث بعدم وعي، فنحن لا نعرف أن هذا لا يشير إلى شيء حقيقي. الآن، هل هذا ما قد نُطلق عليه جزءًا من طبيعة النشاط الذهني؟ بعبارة أخرى، هل هذا شيء يجب أن يكون موجود دائمًا؟
حسنًا، لا. لماذا؟ لأنه من الممكن استبداله بشيء مناقض له تمامًا وينفي أحدهما الآخر، بعبارة أخرى، نشاط ذهني لا يوجد فيه مظهر للوجود الحقيقي ولا يُصدق في أن هذا يُشير إلى واقع -ليس به خلق مظهر لوجود حقيقي وليس به أي عدم وعي أو تمسك بأن هذا يشير إلى واقع. هذا هو الاستغراق الكامل للأريا على الخلو. أيهما أقوى؟ حالتنا المرتبكة أم حالة الاستغراق الكامل للأريا؟ النشاط الذهني الخاص بالهراء أم النشاط الذهني بدون الهراء؟
إذن تقومون بالتفحُّص: أيهما يدعم الفهم الصحيح، المنطق الصحيح؟ أيهما يصمد أمام التفحُّص؟ أيهما لديه أساس من المنطق؟ أيهما يُنتج معاناة وأيهما متحرر من المعاناة؟ أيهما لا يسمح لنا بمساعدة الآخرين بشكل جيد، لأننا نقع في أخطاء ولأننا كُسالى وكل تلك الأشياء، وأيهما يسمح لنا بنفع الآخرين بأقصى قدر ممكن، إذا كانوا متقبلين ذلك؟
برغم أن قوة عادة الإسقاط والتصديق في هذا الهُراء أقوى من قوة عادة عدم القيام بذلك، منذ اللابداية للوجود في السامسارا الخاص بنا، فقوة البوديتشيتا حتى أقوى من ذلك، إذا تمكنا من أن تكون لدينا البوديتشيتا -ليس فقط ما يُطلق عليها "البوديتشيتا ببذل الجهد". البوديتشيتا ببذل الجهد وهي التي يجب بناؤها بالاعتماد على متسلسلة منطقية مثل "الجميع كانوا أمهاتي وكانوا طيبين معي..." وكل ذلك، هذا هو الجهد، يجب عليكم بناؤها بالقيام بخطوات. إنها ليست لديكم طوال الوقت. لكن عبر التعويد سنتمكن من الوصول إلى النقطة التي تكون البوديتشيتا لدينا تلقائية، دون المرور بالمتسلسلة المنطقية، دون العمل على أنفسنا لنشعر بها، نحن نشعر بها فقط هكذا، بعدها يكون لدينا ما يُدعى مسار الذهن الأول -عادة ما يُترجم إلى "مسار المراكمة" أو "مسار البناء"- ثم نكون عندها قد دخلنا المسار. الآن لدينا مسار ذهن فعَّال.
ثُم، عند هذه النقطة تكون البوديتشيتا موجودة طوال الوقت، في الصباح والمساء. سواءً كنتم نائمين في أي حال كنتم عليه، لأنه حتى إذا كنا لا نفكر فيها، حتى وإن لم نكن واعين، فلن نفقد أبدًا، أبدًا هدف ونية البوديتشيتا حيث أنه الهدف المطلق والمضمون الذي نقوم به. لا يجب عليكم أن تكونوا واعين به، ليس عليكم التأمل عليه –ما نُطلق عليه تقنيًا "المستوى الباطني".
هذا النوع من الذهن، هذا النوع من الهدف، ما الذي يسعى إليه؟ إنه يستهدف هذه الحالة والتي فيها لا يوجد إسقاط للهُراء ولا تصديق فيه. و"أنا أرغب في تحقيق ذلك، لأن الأمر لا يُطاق، كل معاناة كل شخص". بعد ذلك البوديتشيتا تُعطينا فهم الخلو، وهو ما سيجلبنا لهذه الحالة، الكثير من القوة التي بإمكانها قهر عادة إسقاط الهُراء، خلق الهُراء، بحيث لا يحدث مرة أخرى أبدًا.
هذا صائب، لأن كل ما يدعم -المنطق، العقلانية، القدرة على نفع الآخرين، وما إلى ذلك- الجانب الذي لا يوجد فيه هُراء، لا يدعم جانب الهُراء. لهذا، التحرر والاستنارة ممكنين، لأن طبيعة الذهن نقية بشكل طبيعي مما يُطلق عليه "الملوثات العابرة"، تلك المعيقات والتي من الممكن إزالتها ليس مؤقتًا، وإنما للأبد. كل الحالات الذهنية الهدَّامة والمشاعر والمواقف الداخلية المزعجة وما إلى ذلك، كلها قائمة على النشاط الذهني الخاص بالهُراء، عدم الوعي. لذا من الممكن إزالتها. فلا يوجد ما يدعمها.
وكل الخصال الإيجابية، البنَّاءة مثل الحب والشفقة والصبر وما شابه، برغم أنها بالطبع من الممكن خلطها بالهُراء، لكن ما يدعمها هو النشاط الذهني الخالي من الهُراء. بعبارة أخرى، كلما تخلصنا أكثر من الهُراء، أصبحت تلك الخصال الإيجابية أقوى، وكلما تخلصنا أكثر من الهُراء، أصبحت الخصال السلبية أضعف. لهذا السبب الخصال السلبية من الممكن تنقيتها وإزالتها، لكن ليس الخصال الإيجابية. بينما نقترب من الاستنارة، تُصبح الخصال الإيجابية أقوى وأقوى حتى تُصبح الخصال العظيمة للبوذات.
من فضلكم لا تنسوا أن البوديتشيتا هي شيء يتم تنميته على أساس أنه لدينا تخلٍّ بالفعل. فنحن بحاجة للابتعاد عن السامسارا والتوجه نحو تحقيق الإيقاف الحقيقي، إذن فهذا امتداد إضافي. نحن نبتعد عن كوننا كائنات محدودة، مثل الأرهات، ونهدف لبلوغ الاستنارة، ونعزم على التحرر من ذلك. لذلك، هذا مزيج من التخلي والبوديتشيتا ومعهما فهم الخلو، أو الثلاث مسارات الرئيسية للذهن، المسارات الذهنية الثلاث.
هذا هو عرضنا العام للثلاث مسارات الرئيسية للذهن، ويمكننا أن نرى أن هذه موضوعات عميقة جدًا جدًا وتعطينا السياق الذي من خلاله نفهم مسار الهينايانا نحو التحرر، ويمكننا فهم مسار الماهايانا نحو الاستنارة. في الماهايانا بإمكاننا فهم مساري السوترا والتانترا داخل هذا السياق.
ما تُضيفه التانترا لهذا هو تخيُّل أننا لدينا أنواع متنوعة لهيئات بوذا الآن وأننا قادرون على القيام بالأشياء بالطريقة التي يقوم بها بوذا الآن، برغم أننا نعلم جيدًا أن هذا لم يحدث بعد، فليس هذا هو الحال حقًا. ولكن من خلال التدرب والتخيل الآن، فإن ذلك يعمل كقوة أكبر، وتضيف المزيد من الأسباب لتحقيق تلك الحالة بسرعة أكبر. هذه هي التانترا، تخيُّل أن لدينا الهيئات المستنيرة لبوذا الآن، تمثيلات جوانب شخصية بوذا، تارا، تشينريزيغ، وهكذا، بحيث نتخيل في الواقع أننا نساعد الجميع، ونرسل ضياءً لا نهائيًا وتجسدات لا نهائية لمساعدة الكائنات. ونعلم جيدًا أننا لم نصل إلى ذلك بعد.
لذلك، من الواضح تمامًا أنه من المستحيل التدرب على التانترا دون تلك الثلاث مسارات الرئيسية للذهن -هذا ليس مستحيلًا، لكنه شيء كارثي أن نتدرب عليها دون التخلي حقًا عن المظاهر الاعتيادية التي يخلقها ذهني، هيئتي الاعتيادية، الأشياء الاعتيادية، حتى نتجه نحو تخيُّل أنفسنا على هذه الهيئات كتمثيل لما نرغب في تحقيقه، والبوديتشيتا، نحن موجَّهون نحو الاستنارة لنفع الآخرين.
هذا ما نفعله مع تمثيلات جوانب بوذا -ليس شخص مجنون يتخيل نفسه على أنه كليوباترا أو نابليون. ويجب أن يكون لدينا فهم الخلو لتمييز ذلك في سياق ما يحدث حقًا الآن ولفهم أن طبيعة الذهن هي النقاء وهذا ممكن من خلال فهم الخلو لتحقيق ذلك فعلًا.
تلك هي الثلاث مسارات الرئيسية للذهن، جوهر اللام-ريم المسار المتدرج.
ما الأسئلة التي لديكم؟
الأسئلة
عندما يكون لدينا صف دراسي فني، ونرسم كرسيًا على سبيل المثال، نتخلص من مفهوم الكرسي، التصورات المُسبقة وما إلى ذلك، ونرسم فقط ما هو أمام أعيننا. هل هذا يقودنا نحو فهم الخلو؟
الآن، هذا شيء من الصعب قوله، لأن كل لحظة في وجودنا، فيما عدا عندما نكون مستغرقين بالكامل في الخلو، أذهاننا تُسقط هذا الهُراء، الخط حول الأشياء. لذا كل شيء نراه، نراه كشيء. هذا من الصعب حقًا تحليله. علينا تحليل ذلك بحرص. دعوني أشرح ذلك:
ما الذي ترونه؟ ترون نقاطًا ضوئية "بيكسيل". أو يمكننا القول -هناك نظريتان هنا- بإمكاننا أيضًا القول أننا نرى أشكالاً ملونة، أشكال لها ألون. بالطبع بإمكانكم رسم هذا ولدينا أيضًا لوحة تجريدية مشابهة لذلك ولدينا فن التنقيط، والذي هو عبارة عن نقاط ضوئية "بيكسيل" فقط. نظرية أخرى هي، حسنًا، يجب أن تقولوا أنكم ترون طاولة. ما هو موجود ليس فقط نقاطًا ضوئية وأشكالاً ملونة، لكن طاولات، كراسي.
الآن، بإمكانكم إزالة دعونا نقول التصورات المُسبقة التي قد تكون لديكم للكيفية التي يجب أن يبدو عليها الكرسي وستكون هذه خطوة كبيرة. نحن لا ننكر أن هذه خطوة كبيرة، لكنها غير كافية، لأنه في الحقيقة، ما الذي نتلقاه؟ نحن نتلقى الحدود بين شكل ملون وآخر. بينما نرسم، فعلينا رسم الحدود بين شكل ملون معين والشكل التالي، وما لم نكن نرسم شيئًا ما مجردًا تمامًا، فمجموعة معينة من الأشكال الملونة ستُمثل الكرسي. لذا يبدو الأمر كما لو أن هناك خط حوله يفصله عن الخلفية، على الرغم من أننا قد لا يكون لدينا خط أسود حوله.
لذا، علينا أن نتعمق أكثر هنا. إنها الخطوة الأولى فقط للتخلص من تصوراتنا المُسبقة للكيفية التي يجب أن تبدو عليها الطاولة الجيدة، الكرسي الجيد، وكيف يبدو الكرسي الجميل. هذه الخطوة الأولى، إنها ليست الخطوة النهائية. القصد هو أننا نرى كرسيًا وما لم نكن بوذات فسنراه وحوله خط يفصله عن الخلفية.
السؤال حقًا هو: ما مدى انفصاله عن الخلفية؟ هل بإمكانكم محو الخلفية ويظل الكرسي موجودًا؟ وبعدها تدخلون في موضوع الاعتماد التبادلي بأكمله. إذن إذا كان كل شيء لديه خط حوله، فستتمكنون من مسح جميع الأشياء الأخرى ويظل الكرسي موجود في اللوحة، لكن في الواقع الأمر ليس هكذا. على الفرد أن يعمل حقًا مع هذا الأمر. ما تقوله هو الخطوة الأولى.
أيضًا، عندما نتحدث عن العنونة الذهنية، يجب أن أذكر، لم أقل أن هذه نقطة مهمة أننا نحتاج لألا نكون مرتبكين بشأن: أن العنونة الذهنية لا تخلق الكرسي. بغض النظر عمَّا إذا كنت أفكر في "الكرسي" أو أعرف ما هو، فهذا لا يخلق الكرسي. إذا لم أكن أفكر في "الكرسي" فهل هذا يعني أنه لا يوجد كرسي؟ فمن الممكن أن يكون تم تصنيفه بشكل صائب أنه كرسي، ويقوم بوظيفته ككرسي. عندها تبدؤون في أن تكونوا شديدي الحساسية.
أولًا، الأمس واليوم لقد سمعت أنه من المهم جدًا جدًا أن نكون مقتنعين بالكامل أن بإمكاننا تحقيق الاستنارة. لكننا، كشعب غربي، غير مألوف بالنسبة لنا موضوع إعادة الميلاد، فهو أمر شديد الصعوبة بالنسبة لنا، علينا العمل كثيرًا على هذا الأمر. ثانيًا، لقد سمعت لسنوات عديدة أنه لتحقيق هذا الهدف، فعلينا العمل لدهور ودهور وحيوات وحيوات لبلوغ الاستنارة. أليس هذا أمرًا مُحبِّط قليلًا، هذه مشكلة بالنسبة لنا؟ كيف نتعامل معها؟
نعم، تقول التعاليم أن الأمر سيستغرق دهورًا ودهورًا، وعددًا كبيرًا للغاية من الدهور للوصول إلى الاستنارة. لماذا؟ لأننا نحتاج إلى بناء قدر هائل من القوى الإيجابية، كمية هائلة من الطاقة الإيجابية لاختراق كل هذا الهُراء. هذا يعني أن نأخذ الأمر بشكل جدي وأننا بحاجة إلى بناء هذه القوة الإيجابية. لا تفكروا في الأمر من منظور "الاستحقاق"، الحصول على عدد من النقاط ثم الفوز، ولكن في كمية هائلة من القوى والطاقة الإيجابية التي يجب أن يتم بناؤها بشكل أقوى وأقوى، وأقوى. هذا يستغرق وقتًا طويلاً، ولكن لا داعي للشعور بالإحباط،
لهذا السبب نحن بحاجة إلى هذه المواقف الداخلية التي ستحملنا بعيدًا وما إلى ذلك: الصبر والمثابرة المبهجة. تذكروا، أنني ذكرت في وقت من الأوقات أن طبيعة السامسارا هي الصعود والهبوط. إنها ستستمر في الصعود والهبوط على طول الطريق حتى نصل للتحرر. ولذا إذا قيل لنا، مثل أحد الوالدين الذي يقول للأطفال في رحلة، "إنها فقط في آخر الطريق"، وإذا قيل لنا أن الأمر سيكون سهلاً وسريعًا، شيء من قبيل "اِجلس هنا قل الكلمة السحرية، قُم بمائة ألف من الانحناء احترامًا وستحقق هدفك" ثم ما يحدث هو أننا سنُحبط أكثر، لأننا في نهاية الأمر سنرى أننا لم نحقق أي شيء. وحتى إذا شعرنا بسمو قليل، عمَّا كُنَّا عليه، ففي نهاية كل هذا، سننخفض مرة أخرى. هذه هي طبيعة السامسارا. لذا فإننا سنشعر بالإحباط أكثر.
إذن فمن الأفضل كثيرًا أن يكون لديكم موقفًا داخليًا واقعيًا بأن الأمر لن يكون سهلًا، وإنه سيأخذ وقتًا هائلًا، حتى لا تتوقعون نتائج مذهلة، فلا تُصابون باليأس. يقول قداسة الدالاي لاما دائمًا أنه عندما يفكر بشكل عقلاني في أن الأمر سيأخذ وقتًا هائلًا، فهذا يُشجعه أكثر ويعطيه الأمل أكثر من تفكيره في أن الأمر سيكون سهلًا "فقط اذهب إلى معتزل قُم بترديد مامبو جامبو لمدة ثلاثة أعوام وستنجح، لقد حققت الاستنارة".
وما الذي يقوم بدفعنا؟ فكروا في التخلي "إذا لم أفعل شيئًا، فهذه المشكلات ستستمر وتستمر وتستمر وتستمر وتستمر وتستمر وتستمر"، و "كم هذا مريع، كم إنه ممل!" بل أقوى من ذلك، نفكر في أن كل شخص آخر موجود في الموقف نفسه وكم أن هذا بشع على الجميع. مثل الأم التي تفكر في طفلها الجائع -إن هذا يُعطيها المزيد من الطاقة لإحضار الطعام أكثر من أن تكون هي الجائعة. لذا تقول الأم "أنا لا اهتم بحجم العمل الذي سأقوم به، فسأُحضر الطعام لأطفالي. أنا لا اهتم بكم سيأخذ ذلك من وقت، كم سيكون صعبًا، سأقوم بذلك". بالمثل عملنا نحو الاستنارة -لم يقل أحد أبدًا أن الأمر سيكون سهلًا.
إذن هناك "أنا" الزائفة و"أنا" الشائعة. الزائفة غير موجودة، لكن الشائعة موجودة. إذن هل الأمر يدور حول تفكيك هذه الـ "أنا" الشائعة، وكل تلك الاتفاقات التي خلقت هذه الـ "أنا" الشائعة؟
لا، ما نقوم بتفكيكه هو "أنا" الزائفة. لا يوجد شيء خطأ في الاتفاقات. أنت اسمك "ميكي" هذا مفيد للغاية، حتى نستطيع الإشارة إليك. في الحيوات السابقة كان لديك اسم آخر. هناك العديد من الاتفاقات التي تنطبق عليك والصائبة: "إنسان"، "ذكر"، "مكسيكي..." كلها مفيدة. ما علينا تفكيكه هو "أنا" الزائفة، بأن هناك شيء ما من ناحيتك يجعلك إنسانًا. إنه فقط تفكيك ذهني، لكنه مفيد.
انظروا إلى علماء الحفريات، الذين يحاولون استكشاف "حسنًا، أين في التطور، عندما ننظر إلى تلك العظام جميعًا، هل نرسم خطًا ونقول أن هذا إنسان وهذا ليس إنسانًا؟" الأمر مجرد بناء حيث توجد الخطوط، يختلق شخص ما تعريف لما يمكن أن تكون عليه مكونات الإنسان -شكل معين، عظم الرأس، أو أي شيء آخر. علينا تفكيك التضخيم الخاص بالاتفاق، ليس التخلص من الاتفاق، لذا نحن بحاجة لتفكيك "أنا" الزائفة، وليس "أنا" الشائعة.
المجتمع يجعلنا متحجرين بكل تلك الاتفاقات. ألن يكون الأمر صحيحًا أننا إذا تخلصنا من كل تلك الاتفاقات المجتمعية، سنكون أكثر مرونة وحرية؟
لا. عدم الوعي، جهلنا هو ما يجعلنا متحجرين، ليس تلك الاتفاقات. الاتفاقات مفيدة. إذا لم تكن لدينا هذه الاتفاقات الخاصة بـ "الآباء" و"الأبناء" وما إلى ذلك، فلن يتمكن المجتمع من تأدية وظيفته على الإطلاق. الأمر غير مفيد فقط عندما نقول "لدي تصور مُسبق، مفهوم، لدي تضخيم راسخ لهذا الاتفاق لما يجب أن يكون عليه الأب، ما الذي يجب أن يكون عليه الأب أو الأم الجيدين، الأم الحقيقية، كيف يجب أن تكون الأم الجيدة"، وبعدها "أنت لا ترقى لهذا المستوى الصلب من الهيكلية!" وبعدها نغضب، نستاء من آبائنا، ثم نقع في المشاكل. لكن المشكلة ليست في الاتفاق الخاص بمعنى "آباء" وإلا فلا أحد سيعتني بالأطفال الصغار.
لذا، فالمشكلة ليست في الاتفاقات، المشكلة ليست في العنونة الذهنية، المشكلة في فهمنا لها. لا تجعلوها أشياء جامدة. وكونوا مرنين بشأن إمكانية وجود العديد، العديد، والعديد من الاتفاقات. اتفقنا؟ بعضها صائب، وبعضها غير صائب. هذا سيُدخلنا في مناقشة أخرى تمامًا. فلا يمكنكم عنونة أي شيء وفقط. لا يمكنني عنونة شيء ما اتفقنا جميعًا على عنونته "كرسي" وآتي أنا وأعنونه "كلب" وهذا سيجعله كلبًا. هذه ليست عنونة صائبة. فقط لمجرد أنني عنونت شيئًا ما فهذا لا يعني أن هذه عنونة صحيحة وأن هذا الشيء أصبح بالفعل هو العنونة التي أعطيتها له.
عندما نرى، نسمع، نشم وهكذا، ما الذي يرى، يسمع ويشم، وهكذا؟
حسنًا، بإمكاننا القول بالشكل الشائع "أنا أرى"، "أنا اسمع"، لكن هذه الـ "أنا" غير موجودة ككيان منفصل عن العملية بأكملها وحولها خط، سواءً كنا قادرين على رؤيته أم صنعناه بأنفسنا. الأمر مشابه لما شرحناه سابقًا واعتقد أنه كان بالأمس، أن "هناك جسد على هذا الكرسي" ويمكننا قول "أنا جالس على الكرسي" لكن هذان ليسا شيئان مختلفان منفصلان عن بعضهما البعض. "أنا" هي اتفاق على توصيل نقاط كل لحظة من الخبرة بالاستمرارية الذهنية.
جزء من النشاط الذهني بالطبع من الممكن أن يكون النية، مثلما عندما تديرون رؤوسكم للنظر إلى شيء ما، لكن الأمر ليس وكأن هناك كيان منفصل "أنا"، تضغط على الأزرار فتستدير الرأس. كيف لـ "أنا" أن تنوي القيام بذلك؟ النية هي نشاط ذهني، إذن كيف تستطيع "أنا" المنفصلة عن النشاط الذهني، تنوي أن تدير الرأس والضغط على الأزرار؟ الأمر بأكمله غريب. النية نشاط ذهني، وأيضًا اتخاذ القرار -كل تلك الأمور.
عندما نتحدث في سياق البوذات ومعرفتهم لأشياء، فهل البوذات يأخذون الخبرة الخام ويعرفون تلك الاتفاقات والعنونة الذهنية، لكن يضعوهما جانبًا ولا يعملون معهما ويعملون فقط مع الخبرة الخام؟
أولًا، من الصعب جدًا جدًا معرفة أو وصف الذهن كليّ المعرفة للبوذات. كل ما لدينا هو مفاهيم عنه، لأننا ليست لدينا تفكير وإدراك غير مفاهيمي إلا إذا حققنا ذلك بالفعل. وفي الحقيقة هناك مناظرة كبيرة بين المدارس البوذية المختلفة حول هذه النقطة. البوذات ليس لديهم إدراك مفاهيمي. الذهن كليّ المعرفة ليس مفاهيمًا، إنه غير مفاهيمي بالكامل. في الحقيقة إنه مستوى أكثر خفاءً بقدر كبير للغاية من النشاط الذهني عن الذي نناقشه في السوترا. حيث يُدعى "النشاط الذهني الصافي النقي". إذن فذهن البوذات لا يعمل بالكلمات أو المفاهيم أو العنونة الذهنية. عندها السؤال يكون: هل يعرف البوذات العنونات الذهنية؟
أحد الآراء تقول "لا، البوذات لا يعرفون العنونات الذهنية، لأن هذا ذهن مفاهيمي". رأي ثاني يقول "كيف يكون ذلك؟ لا يمكنكم قول أن الذهن المفاهيمي والعنونة الذهنية وكل تلك الأشياء هي أنشطة ذهنية خاصة بالأذهان المحدودة ولأن البوذات ليست لديهم أذهان محدودة، إذن فالبوذات لا يمتلكون ذلك. لا يمكنكم قول ذلك، برغم أن متسلسلتكم المنطقية لهذا الطرح جيدة". ولذا رأيهم هو "حسنًا، إذا كانت هذه هي الحالة، فالنتيجة الغريبة التي ستتبع ذلك هي أن البوذات ليسوا كليو المعرفة، لأن البوذات لا يعرفون المفاهيم والعنونات، لا أعرف ما هذا". هذه مناظرة من الصعب جدًا حسمها.
ثم يكون السؤال: ما الذي يُدركه البوذات حقًا؟ حسنًا، بالذهن كليّ المعرفة يتم إدراك كل شيء في الوقت ذاته -لا يوجد منظار، ترون كل العلاقات في سياق جميع الأسباب، جميع التأثيرات، كل الأشياء المشروطة، كل شيء آخر، وهكذا.
المشكلة هنا في اللغة وترجمتنا للغة. يجب عليكم الالتزام بالمصطلحات. اُعذروني فسأشرح أشياءً متقدمة قليلًا هنا. عندما نتحدث عن "الوجود الحقيقي" هذه هي الطريقة التي يُترجَم بها المصطلح عادة، لا توجد كلمة "وجود". هذه ترجمة غير صحيحة. أو "الوجود فقط في سياق العنونة الذهنية" لا توجد كلمة "وجود". هذه الكلمة تعني "إثبات" أو "تأسيس". إذن ما الذي يُثبت أو يؤسس لوجود هذا الكرسي؟ نحن لا نتحدث عن كيفية وجود الكرسي، ولكن ما الذي يُثبت وجوده، كيف تعرفون أنه موجود؟ حسنًا، ما الذي يؤسس لوجوده، ما الذي يُثبت وجوده، كيف نعرف أنه موجود هل لأن هناك كلمة له، هناك مفهوم له مفهوم يُشير إليه. إذن، البوذات يعلمون ذلك.
هذا لا يعني أن البوذات يجب أن يفكروا بمفاهيم أو كلمات، أو أن المفاهيم والكلمات موجودة في مكان ما هناك. البوذات يعرفون المفاهيم والكلمات فقط في سياق، حسنًا، في السياق الذي بإمكانكم به إظهار أن الأشياء موجودة، فقط من ناحية الذهن، ليس من ناحية المحَل. البوذات يعرفون جميع المحلات وما إلى ذلك ويعرفون الأسماء التي يُطلقها الأشخاص على تلك المحلات، لكن البوذات لا يُفكرون في سياق المفاهيم أو الكلمات والأسماء، لأن ذلك يضع الأشياء في طرود منفصلة عن بعضها. البوذات يرون الصورة الكاملة. لكن الصورة الكاملة ليست حساءً ضخمًا غير متمايز. هناك أشياء شائعة.
سؤالك ممتاز جدًا ومن الصعب الإجابة عنه، وهو واحد من الأسئلة التي تجادل فيها المعلمون التبتيون ذهابًا وإيابًا لقرون.
بعد ذلك، ما الفرق بين بوذا والطفل الرضيع؟ الطفل ليست لديه عنونة ولا أسماء. ليست لديه أي فكرة. وبوذا بإمكانه إدراك الخبرة الخام بالطريقة نفسها، أيضًا دون عنونة وأفكار.
الأمر ليس بهذه السهولة. الأمر ليس أن الاختلاف الوحيد بين بوذا والطفل أن بوذا يعرف أن الأشياء من الممكن عنونتها ذهنيًا وما إلى ذلك، بينما الطفل لا يعرف. الذهن كليّ المعرفة يرى التواصل التبادلي لكل شيء، منذ اللابداية، في الكون بأكمله وكل العواقب المستقبلية لكل شيء. الطفل بالتأكيد لا يعرف ذلك. الطفل بالتأكيد لديه مفاهيم ويمكنه التمييز بين كونه جائع وغير جائع، مرتاح وغير مرتاح، بالتأكيد لديه مفهوم "الأم" و"الأكل" لكن دون كلمات. هذا ليس الهدف البوذي، العودة إلى حالة البراءة البسيطة للطفل.