إعادة التأكيد على الدافع
نحتاج دائمًا لأن يكون لدينا دافعًا ملائمًا للاستماع للتعاليم؛ وإلاّ سنفقد فرصة بناء قدرًا هائلًا من القوة الإيجابية وإدماج تلك التعاليم باستمراريتنا الذهنية. نحاول ألاّ يكون دافعنا الرغبة في الأشياء أو تحسين هذه الحياة، أو لتحسين الحيوات المستقبلية، أو حتى الرغبة في تحقيق التحرر فقط لأنفسنا. بدلًا من ذلك، نحاول أن نجعل دافعنا بالكامل قائم على هدف البوديتشيتا، متمنين تحقيق الاستنارة لأجل نفع جميع الكائنات. فكروا في هذا "أنا لن أستمع [للتعاليم] فقط من أجل فائدتي أو تحرري. أنا أفتح قلبي لجميع الكائنات وأتمنى نفعهم وأن أحقق الاستنارة لأجلهم". و"أنا بالتأكيد سأحاول أن أدمج تلك التعاليم باستمراريتي الذهنية وأن أدرك كل الحالات الذهنية غير المروّضة التي لدي. بالتدريج، سأصلحها جميعًا بقدر استطاعتي".
إذا فكرنا في تلك التعاليم كمجرد [شيء] نظري، فلن يكون لها فائدة كبيرة. بدلًا من ذلك، إذا قارنا بين الحالات الذهنية والمواقف الداخلية، وفكرنا، "أنا بالتأكيد سأحسّن من نفسي؛ سأحاول حقًا أن أدرك مَكْمن عيوبي وأصلحها"، هذا بالتأكيد سيجلب نفعًا أعظم بكثير وخبرة أكثر عمقًا.
الهيكل الأساسي للنص
تدريب موقفنا الداخلي في تسع نقاط، تخص النقطة الأولى التدريبات التمهيدية. في التبتية، لدينا مصطلح "الهيكل الداعم" و"الأشياء المدعومة به". إنه مثل المنزل والأساس والأشخاص بداخله. بالمثل، في الماندالا، قصر الماندالا هو الهيكل الداعم والهيئات التي بداخله هي المدعومة به. هنا، [التدريبات] التمهيدية مثل قصر الماندالا والتعاليم الرئيسية مثل تمثيلات جوانب شخصية بوذا المدعومة به. لا تفكروا أن [التدريبات] التمهيدية هي مجرد شيء نقوم به في البداية، ويمكن أن تتجاهلوها لاحقًا. هي الأساس الداعم لبقية التعاليم الفعلية وستبقى دائمًا موجودة. هنا، التعاليم الفعلية هي تنمية البوديتشيتا. تلك هي [الجزئية] الثانية في [تدريب] النقاط السبع.
هناك البوديتشيتا الشائعة (البوديتشيتا النسبية) والبوديتشيتا الأعمق (البوديتشيتا النهائية). البوديتشيتا الشائعة هي الذهن أو القلب الموجه للحقيقة الشائعة (السطحية، الظاهرة) لجميع الكائنات والاستنارة؛ بينما البوديتشيتا الأعمق هي الذهن الموجّه نحو حقيقتهم الأعمق، خُلوّهم أو الغياب التام لطرق الوجود المستحيلة. هاذان هما الحالتان الذهنيتان والموقفان الداخليان تجاه الحياة، اللذان [سنعمل] حتمًا على تنميتهما في استمراريتنا الذهنية.
بينما نتدرب خلال حياتنا على [نوعَيْ] البوديتشيتا، سنقابل مختلف الظروف، أحيانًا مواتية، وأحيانًا غير مواتية. إذا لم تكن لدينا الشجاعة، قد نفقد عزيمتنا ونفكر في الاستسلام، عندما تقابلنا الظروف غير المواتية. في هذا الوقت من المهم للغاية أن يكون لدينا أذهانًا وقلوبًا حاسمة وثابتة، حتى نُواكب الموقف. نحتاج إلى أن نفكر ونشعر، "حسنًا، مثل هذه الظروف السيئة تحدث في الحياة. ما الذي أتوقعه من السامسارا؟ لكن يمكنني التعامل مع هذا. إنه ليس بالشيء الكبير، وليس بالشيء الخطير". إذا كانت أذهاننا ثابتة بهذا الشكل، يمكننا التعامل مع أيّ ظرف صعب قد يظهر [في الحياة]. لن نتهيّب. إذا أخذنا كل تلك الظروف السلبية وغير المواتية وحوّلناها إلى المسار، ستصبح جزءًا من مسارنا الروحاني. عندها، بالطبع، لن ينبع منها أي خطر؛ لن يمكنها إيذاءنا ونصبح غاية في الثبات في تدربنا. هذه أداة شاملة ومفيدة للغاية.
النقاط الخمسة الأخرى هي:
- تحويل الظروف المُعاكسة إلى مسار الاستنارة.
- تكثيف التدرب في حياة واحدة.
- معيار أن مواقفنا الداخلية قد تم تدريبها.
- التدريبات وثيقة الصلة بتدريب الذهن.
- نقاط للتدرب بتدريب الذهن.
نصل بهذا إلى النص الأساسي للنقاط السبع المتعلقة بتدريب الذهن. كهيكل أساسي لتعاليم تدريب المواقف الداخلية، وكجزء من [التدريبات] التمهيدية، سيكون علينا التعامل أولًا مع الحياة البشرية الثمينة، ثم الموت وحتمية التغيير، قانون الأسباب والنتائج السلوكية، ثم مشاكل ومعاناة السامسارا. تلك هي النقاط الأربع التمهيدية التي تُشكل الأساس الداعم لتدريب المواقف الداخلية. يُعرفون عادةً باسم "الأفكار الأربع التي تُوجّه الذهن نحو الدارما".
أحد نصوص تدريب الموقف الداخلي لبانشن يٰشى غيالتسين يعرض [التدريبات] التمهيدية بأسلوب الكادام، ينقاش معاناة حالات إعادة الميلاد الأسوأ، ثم بالتفكير في هذا، نتخذ التوجه الآمن في الحياة. في هذا الأسلوب، التوجه الآمن هو جزء من مناقشة حالات إعادة الميلاد المختلفة. عبر أدوات متعددة مماثلة يمكننا أن نُضَمّن كامل تعاليم مراحل المسار المتدرج، لام ريم، داخل تلك [التدريبات] التمهيدية الأربعة.
هناك طرق وعروض مختلفة لترتيب نقاط المسار المتدرّج. أعتقد أنها تعتمد جميعًا على التوجهات الذهنية المختلفة للتلاميذ. على سبيل المثال، في الجوانب الثلاثة الرئيسية للمسار، يعرض تسونغكابا مستويين للتخلي: الابتعاد عن التورط بالكامل في هذه الحياة، ثم الابتعاد عن التورط بالكامل في فوائد الحيوات المستقبلية. [بينما] في نصوص المسار المتدرّج الخاصة به، لا يتحدث عن مستويي التخلي هذه.
بالتالي، على الرغم من أن بعض [عروض] المسار المتدرج تأخذ بنا من التفكير في معاناة إعادات الميلاد الأسوأ لاتخاذ التوجه الآمن، إلا إننا عندما نفكر في النقاط المختلفة الواردة هنا [بهذا النص] نجدها تأخذ بنا مباشرة إلى البوديتشيتا. نفكر في الميلاد البشري الثمين وهذا يأخذنا مباشرة إلى البوديتشيتا. ثم نفكر في الموت وحتمية التغيير وهذا أيضًا يأخذنا مباشرة إلى تنمية البوديتشيتا. عرض كل [الأشكال] المختلفة للمعاناة في العموم، وخاصةً معاناة العوالم المختلفة يمكن أيضًا أن يجعلنا ندرك البوديتشيتا. هذه طريقة خاصة لعرض النقاط المختلفة للمسار المتدرّج في نصوص تدريب المواقف الداخلية.
تُقسم موضوعات [النص الأساسي] إلى التدرب أثناء جلسة التأمل و[التدرب] بين جلسات التأمل. هذا يعني أننا لا ننخرط فقط في التدرب على الدارما أثناء جلوسنا للقيام بالترديدات المختلفة، ثم نستريح بقية اليوم وننسى كل هذا ونلقي به بعيدًا. نحن نحافظ على التدرب أثناء جلستنا الرسمية وما بين الجلسات.
إنه مثل شحن البطارية. أثناء الجلسات، نجعل أذهاننا، قلوبنا، مواقفنا الداخلية أكثر نقاءً وقوة، بحيث يمكننا استخدامها لاحقًا، كما نشحن البطارية حتى نتمكن من استخدامها لاحقًا. وكما أن هناك وقت لشحن البطارية ووقت لاحق عندما نستخدم طاقتها الكهربائية، هناك وقت عندما نقوم بالفعل بجلسات التأمل، نبني شُحنتنا من الطاقة، ووقت نستخدمها فيه أثناء حياتنا اليومية. ليس كأن تدربنا ينحصر فقط في وقت جلسات التأمل وثم نهجره بعد ذلك؛ نحتاج للاستمرارية. نحتاج لأن نحاول أن نجعل أذهاننا، على جميع المستويات، تتصرف بتوافق مع التعاليم.
الجميع، بالطبع، يرغب في أن يكون سعيدًا و الجميع يحاول اتباع أدوات مختلفة لجلب السعادة. وبالطبع، الجميع يحتاج إلى العديد من ضروريات الحياة. لكن، عندما نحاول أن نحصل على تلك السعادة عبر أدوات غير صائبة والتي ستؤذي الآخرين، أو نحاول استغلالهم، هذه هي الأشياء التي نحاول أن نوقفها ونتخلص منها. علينا التفكير في الأشياء المختلفة التي نقوم بها. إذا كنا متعجرفين ونستغل الآخرين، نخدعهم من أجل تحقيق بعض الربح لأنفسنا، نحتاج لأن نفكر، "حسنًا، ما هي حقًا الفائدة من هذا على المدى البعيد؟ هل سيجلب لي هذا السعادة التي أرغب فيها؟ إذا جنيت هذا الربح عبر غش وخداع الآخرين، هل هذا سيساعدني على المدى البعيد؟" بهذه الطريقة نصبح مقتنعين: "إذا استخدمت أدوات غير أمينة مثل هذه، فستعمل ضدي. لأنه إذا تصرف الناس بطريقة غاية في العجرفة، مُحاولين استغلال الآخرين، سيعتبرهم الجميع سوقييّن جدًا. لا أحد يرغب في أن يكون في صفهم أو سيوافق على ما يقومون به". هذا واضح للغاية، أليس كذلك؟ لذا، يمكننا أن نرى عيوب [أن نكون] أشخاصًا غشاشين مخادعين.
بعد إن ننتهي من جلستنا ونخرج ونقابل الناس، قد يكون لدينا الرغبة في التصرف بطريقة متعجرفة أو مخادعة. سنحتاج حينها أن نكون حاضري الذهن لما نفكر به ما بين جلساتنا، ونفكر "لا، إذا تصرفت بتلك الطريقة المخادعة تُجاه هذا الشخص وحاولت غشه، هذا لن ينفعني. رأيت بجلسات التأمل أن هذا غير مفيد لأي شخص"، وبالتالي نمنع أنفسنا [ من التصرف بهذه الطريقة]. في هذا الوقت، منع أنفسنا من التصرف بتلك الطريقة السلبية أو الهدَّامة: هذا هو التدرب الفعلي الذي نقوم به ما بين الجلسات. هنا نحن نستخدم بالفعل العادات الجيدة التي كنا نبنيها أثناء جلسات التأمل. إذا كنا حريصين ودمجنا جيدًا التأمل مع ما بين الجلسات، عندها سنجد أن التأمل سيخدمنا في تحسين سلوكنا في الوقت ما بين الجلسات، وأنشطة ما بين الجلسات ستساهم في تحسين تأملنا. يومًا بعد يوم، سنجد بعض التحسّن.
علينا أن نتفحص سلوكنا. إذا كنا نشرب الكحول أو ندخن السجائر، نحتاج لأن نحاول تحسين أنفسنا والتخلص من تلك الأنشطة السلبية المدمرة جدًا للذات. أينما رأينا لِفَافَةٌ التَّبْغِ، إذا فكرنا في مساوئها، سنضعها جانبًا. سنقرر أن نُقلل من استهلاكها إلى واحدة أو اثنين في اليوم، وفي النهاية سنصل إلى النقطة التي نشعر فيها بالتقزز ما أن نشم رائحة دخان لِفَافَةٌ التَّبْغِ نتيجة لتقليلنا من معدلات تدخيننا. إذا فكرنا في الأمر، التدخين إضاعة هائلة للوقت والمال. كل المال الذي نصرفه والوقت الذي نضيّعه، أو عندما نقابل أحد المدخنين، نشاركه التدخين ونثرثر -فكروا في كم الهدر. على كل المستويات، عادة التدخين عديمة الفائدة.
ذات الشيء ينطبق على تناول الكحول، وأيضًا كل أنواع العادات البغيضة التي قد تكون لدينا، مثل العجرفة، التكبر، أو الخداع. حاولوا أن تُقللوا منها بقدر الإمكان وفي النهاية تخلصوا منها عبر رؤية مساوئ تلك العادات.
الإجراءات التي تسبق بدء جلسة التأمل
في بداية الجلسة الفعلية للتأمل من الهام للغاية أن نتفحص دافعنا [لمعرفة] سبب قيامنا بالتأمل. نحتاج لأن نعيد التأكيد على التوجه الآمن الذي نتخذه في حياتنا والذي يُشار إليه ببوذا، الدارما والسانغا، ونحتاج لإعادة التأكيد على هدف البوديتشيتا الخاص بنا. نقوم بهذا بينما نتخيل مَحال التوجه الآمن وما إلى ذلك، بما يتوافق مع سلالة معلمين سِرلينغبا. لذا أولًا نتفحص ونُعيد التأكيد على دافعنا، ثم بعد ذلك، في المكان الملائم للتأمل، نُعدّ مجلس تأملنا.
تنظيف مكان التأمل
أولًا، نحتاج لأن ننظف المكان الذي سنتأمل فيه. يؤثر هذا بشكل كبيرً على صفاء أذهاننا، يعكس مستوى الاحترام الذي نشعر به ونُظهره لمحال التأمل، وأيضًا يؤثر على صحتنا. من الهام للغاية أن نحافظ على منازلنا وغرفنا نظيفة، وأن نضع نوعًا من الهِبَات المنظمة. بينما نمسح وننظف، العديد من الأفكار يمكنها أن تكون مفيدة، مثل، "بينما أنظف هذه الأرضية، أنا أنظف ذهني". علينا ألا نفكر أننا فقط نجعل المكان لطيفًا لنا، ولكن نقوم بهذا لنُظهر الاحترام لمَحال الملجأ وللتدرب.
إعداد طاولة الهبات وتنظيمها
عندما نجهز طاولة الهبات والهبات [التي عليها]، لا نقوم بهذا لإثارة إعجاب الآخرين، ولكن للمساعدة في عملية تحسين أنفسنا من أجل أن نكون في أفضل نفع لجميع الكائنات، أعني جميع الكائنات المحدودة. نحتاج لأن يكون لدينا طاولة هبات متواضعة، بتمثيلات لجسد، حديث وذهن البوذات. إذا كان لدينا آنية هبات من الذهب والفضة، [فستنشغل] نصف أذهاننا بقيمة تلك الأشياء القيمة ونصفها الآخر فقط سيركز في التدرب.
هناك قصة شهيرة للغيشي بِنكونغيال، الذي عاش في كهف ليتأمل. في أحد المرّات عندما كان معلمه قادمًا لزيارته، قام بوضع هبات متميزة للغاية. ثم تفحص دافعه ورأى أنه كان فقط يقوم بهذا حتى يقول الجميع كم هو مُتدرّب عظيم. لمّا أدرك ذلك، ألقى برماد على كل هباته. عندما جاء معلمه، قال أن الغيشي بِنكونغيال رمى الرماد في وجه الثمانية أشياء العابرة بالحياة وصنع هبات في غاية النقاء.
قبل أن يصبح متدربًا عظيمًا على الدارما، كان الغيشي بِنكونغيال لصًا شهيرًا. بعدما أصبح متدربًا، ذهب في أحد الأيام لمنزل أحد الرعاة الذي وضع بعض الهبات وذهب إلى الخارج. بسبب عاداته كلص، وجد الغيشي بِنكونغيال يده تمتد تلقائيًا لتسرق الأشياء. فورًا أمسك يده وصاح، "تعال سريعًا، لقد قبضتُ على لص".
هكذا بالضبط نحتاج لأن نتدرب على الدارما. عندما نُمسك بأنفسنا خاضعين لميل سلبي، نحتاج إلى أن نمسك بأنفسنا ونتوقف عن التصرف بتلك الطريقة. النقطة الرئيسية في الدارما هي أن نتخذ إجراءات وقائية، وما إن نرى أنفسنا قد بدأت في القيام بشيء نعرف أنه غير ملائم، نقوم بإيقافها. لذا إذا تمكنتم من تذكر، "لقد قال قداسته أثناء المحاضرة أن لا نقوم بشيء كهذا"، ثم عندما تمسكون بأنفسكم وهي تقوم بهذا الشيء، يمكنكم إيقافها.
هذا يشبه مثال تناول الكحول، والتي هي جذر وسبب الكثير من المشاكل، على الرغم بالطبع من أنها شهية. إذا فكرنا، "لا يهمني"، سنصبح متبلّدين ونبني عادة القيام بالأشياء السلبية ونكون منعدمي الإحساس. هذا لأننا عندما نثمل، لا نكون واعين حتى بما نقوم به. ثم لاحقًا، عندما يقول الناس، "عندما كنت ثملًا، تحدثت بشكل سيّء للغاية، قلت أكاذيب شائنة، وتصرفت بطريقة مخزية، والآن أنت حتى لا تتذكر أي شيء من هذا"، هذا مُحرج للغاية. نجعل أنفسنا حمقى تمامًا عندما نثمل.
النقطة الرئيسية بالدارما هي أن نتبع الإجراءات الوقائية وما إن نرى أنفسنا نبدأ في القيام بشيء خاطئ أو غير ملائم، نحتاج إلى أن نتوقف ونمتنع عن القيام به. نحتاج إلى تطبيق كل شيء نعرفه، مثل المثال شديد الصلة للغيشي بِنكونغيال. تدربه على الدارما كان في غاية النقاء والوضوح: كان يُوقف نفسه فورًا وبشكل مبالغ فيه عن التصرف بأية طريقة سلبية.
النقطة الرئيسية في الدارما هي أن نعمل دائمًا على تحسين خصالنا الداخلية، وليس التحسن الخارجي. لذا، فيما يتعلق بالهبات التي نقدمها، لا يجب أن تكون في غاية الإبهار، بحيث ننمي الافتخار بها. قدم ميلاريبا أفضل هبة: لم يكن لديه أي شيء مادي ليهبه، لكن وهب قلبه بالكامل للتدرب على الدارما.
نحتاج إلى أن نبتعد عن طريقتنا في جعل طاولة الهبات مُبَهْرَجة بشرائنا للصور الغالية؛ هذا بالكامل بعيد عن الهدف. هدف الدارما هو تحسين أذهاننا، وليس لوضع أشياءً مادية للاستعراض. إذا حصلنا على العديد من الصور بشكل طبيعي عن طريق الهدايا وخلافه، بالطبع يمكننا أن نضعها. كلما كانت الهبات أجمل، كلما كان لها فائدة أكبر. لكن لا حاجة لعادة البهرجة لإثارة إعجاب الآخرين -خاصة [اقتناء] اللوحات التبتية (التانكا)، فقط كتذكار لإثارة إعجاب الآخرين. مع ذلك إذا قمتم بشراء تانكا، حاولوا أن تحصلوا فقط على ذات النسب الصحيحة والخصائص التقليدية. إذا قمنا بشراء شيء غير متوافق مع التقليد، عندها إذا نظر إليها شخص وقال، "صورة بوذا هذه سيئة للغاية"، عندها نحن نبني قوة وإمكانية سلبية لأننا السبب في مثل تلك الكلمات. لذا نحتاج لأن نكون عمليين للغاية في حصولنا على التانكات والصور الصحيحة والتقليدية. لكن لا نحصل عليها فقط لإبهار الآخرين، إذا كانت تمثيلاتنا وترتيبنا بسيط، يمكننا فقط أن نضع صورة معلمنا الروحاني، هذا سيجعل أذهاننا سعيدة جدًا وسيظهر احترامنا.
الجلوس في وضع صحيح
ثم علينا أن نجلس جلسة ملائمة، ووضع صحيح. إذا كنا نستطيع الجلوس في وضع اللوتس الكامل أو وضع الفاجرا، فهذا أفضل شيء. لكن إذا كان هذا غير مريح، يمكننا فقط أن نجلس متقاطعي الأقدام، الطريقة العادية التي يجلس بها معظمنا. إذا كان هذا غير مريح أيضًا، يمكننا الجلوس على كرسي. الشيء الأساسي هو أن نعمل على أذهاننا، وليس على أجسادنا بالضرورة. لكن إذا جلسنا متقاطعي الأقدام فهذا أفضل بكثير.
لا تهتزوا للأمام والخلف أو تتمايلوا من اليمين إلى اليسار؛ بدلًا من هذا اجلسوا منتصبين وثابتين. بالطبع، إذا لم نشعر بالراحة، فبالتأكيد هناك استثناءات؛ لكن نحتاج لأن نجلس منتصبين بشكل ثابت وأن لا نهتز. خاصة عندما نقوم بتدربنا، نحتاج إلى الجلوس [بشكل] مستقيم للغاية وألاّ نتحرك. إذا تحركنا، تمايلنا للأمام والخلف بينما نحاول أن نُركز، الحركة الاهتزازية ستتسبب في تأثير متذبذب بأذهاننا وسيزيد شرودنا الذهني. عادةً عندما نُردّد شيئًا من الذاكرة، نتمايل للأمام والخلف. مُعظم التبتيين يقومون بهذا، لكن هذا ليس مقتصرًا علينا فقط. نجد أن الكثير من المسلمين يقومون بهذا أيضًا عندما يقرؤون القرآن. عدما يأتي الأجانب ويرون التبتيين يردّدون شيئًا، يجدون هذا غريب للغاية، بسبب هذا التمايل للأمام والخلف، بينما يقوم البعض بالتمايل من جانب إلى آخر.
منذ حوالي خمسة عشر عامًا، كان هناك غيشي وكان متدربًا عظيمًا عاش في جبال التبت. عندما جاء إلى الهند، طلب مني أن أمنحه بعض التعزيزات. كنت في قمّة الإعجاب: لم يتحرك إطلاقًا طيلة [جلسة] التعزيز. إذا كان في استطاعتنا، فنحتاج إلى أن يكون لدينا مثل هذا الوضع [الجسدي]. يأتي هذا من تقوية التركيز الاستغراقي.
إذا كنا نرتدي نظارات، فيمكننا أن نتفحص أنفسنا ما إذا كان هناك فارقًا أم لا نتيجة لارتداء النظارة أثناء جلسة التأمل. إذا ارتديت نظارتي، رؤيتي تكون أوضح بكثير؛ لكن عندما لا أرتديها، سيكون لدي ثباتًا واستقرارًا ذهنيًا. تفحصوا هذا لتروا بأنفسكم الفارق.
اتخاذ التوجه الآمن وإعادة التأكيد على دافعنا
نتفحص بعد ذلك حالاتنا الذهنية، ومن حالة ذهنية إيجابية بعينها، نتخذ توجهًا آمنًا قويًا ونعيد التأكيد على هدف البوديتشيتا. نفكر، "سأعطي توجهًا آمنًا قويًّا لحياتي، مع الملجأ. سأكرّس قلبي لهدف البوديتشيتا، للاستنارة، لأساعد جميع الكائنات، وسأقوم بهذا التدرب لبناء قوى إيجابية كبيرة لأصل إلى هذا الهدف".
ومن المفيد أن يكون لدينا مساعدة بصرية، نتخيل محال التوجه الآمن، الذي يمكن أن يكون مجالاً [الملجأ] غزير التفاصيل، أو ببساطة [نتخيل] فقط هيئة بوذا، ونتخيل أن موجات من الإلهام تأتينا منها. المساعدة البصرية لصورة تَلقّي الإلهام، تساعد على خلق شعورًا أقوى.
التوجه الآمن الحقيقي يُشار إليه من قِبَل الإيقاف الحقيقي (الإيقافات الحقيقية) والمسار الذهني الحقيقي (المسارات الحقيقية) في الاستمرارية الذهنية للأريات، الكائنات سامية الإدراك. سواءً كنا قادرين على أن نتخيل مجال [الملجأ] بشكل جميل وواضح أم لا، نحتاج إلى أن نتذكر الأشياء الرئيسية التي تُوفر الملجأ الآمن في الحياة: الإيقافات الحقيقية والمسارات الذهنية الحقيقية. يمكننا تخيل أنواعًا مختلفة من مجالات الملجأ لبناء قوى إيجابية، لكن الشيء الرئيسي هو أن يكون لدينا شعورًا قويًا للغاية بأن لدينا توجهًا آمنًا نسير إليه؛ وليس فقط كلمات نرددها، لكن أن يكون لدينا اقتناع واثق وقوي فيما هو حقيقي. حقيقة أن الجواهر الثلاثة الثمينة والجواهر النادرة تشير إلى التوجه الأكثر أمنًا لنتخذه في حياتنا وأننا عازمين بالكامل على الاستمرار في هذا التوجه.
نتبع في التبت مزيج الهينايانا، سوترا الماهايانا، والتانتريانا. فيما له علاقة بالتانترا، عندما نتخذ التوجه الآمن، نحتاج لأن نفكر بأننا أيضًا نتلقى كل التعزيزات من محال التوجه الآمن. لهذا السبب نبدأ صيغة الملجأ بعبارة: "أتخذ التوجه الآمن من المعلمين". هذا لأننا نتخيل أننا نتلقى التعزيزات منهم. معلمونا الروحانيون هم الذين يأخذون فعليًا بأيدينا، يُمسكون بنا، يسيرون بنا كامل المسار في اتجاه آمن تُحدّده جواهر الملجأ الثلاثة. لذا نبدأ بالموجِّه الروحاني الذي لدينا معه بالفعل صلة شخصية ويُرينا توجه الملجأ الآمن، ثم بعد ذلك نتخذ التوجه الآمن من البوذا، الدارما، والسانغا. ثم لنميز تدربنا [كتدرب] ماهايانا، نعيد التأكيد على هدف البوديتشيتا الخاص بنا.
وهب ترديدة السبعة أفرع
إذًَا نبدأ بالتوجه الآمن، ثم هدف البوديتشيتا، ثم نتخيل مجال [الملجأ] الغزير وبعدها وهب ترديدات السبعة أفرع: الانحناء احترامًا، الوهب، إلى آخره. هناك العديد من الطرق المختلفة للقيام بتلك الترديدة، ذا كانت في سياق التدرب على السوترا أو ما إذا كانت في سياق التدرب على التانترا. يمكننا أيضًا وهب ترديدة السبعة أفرع، في سياق [التدرب] على الأنواع المختلفة من تدريبات تنمية الإخلاص للمعلم وتمثيلات جوانب شخصية بوذا المختلفة (ييدام، تمثيلات). يهب تقليد الغيلوك على سبيل المثال، السبعة أفرع في سياق [تدريب] التمثيلات المائة لجوانب شخصية بوذا [أرض] بتوشيتا [النقية]، والشخصية الرئيسية في هذا التخيل هي تسونغكابا.
كبديل عن هذا يمكننا ببساطة أن نتخيل مُوجّهنا الروحاني أو بوذا، أو يمكننا القيام بهذا التدرب في سياق أحد جلسات اليوغا السّت: هناك العديد من الطرق القيام بذلك. مصدر بعض الأبيات المستخدمة في وهب السبعة أفرع، هي السوترات الخاصة بسلوك البوديساتفا، خاصة من سوترا إكليل الزهور. أيًا كانت [نسخة] ترديدة السبعة أفرع التي نستخدمها، نحتاج إلى أن نركز ذهننا بوضوح على النقاط المختلفة وعلى معناها، ثم نختمها بترديدة التكريس. تلك هي الطريقة التي علّمها لاما سِرلينغبا، معلم أتيشا.
ثم بعد ذلك نقوم بترديدات تنمية الإلهام المختلفة لنكون قادرين على أن نُوجّه ذهننا نحو الدارما، لنكون قادرين على أن نوجه كل شيء كمسار للدارما، وأن نكون قادرين حقًا أن نضع كل هذا موضع التدرب.
وهب الماندالا
بالنسبة لتمثيل العالَم الذي نُقدّمه كماندالا، تتكون تقليديًا من جبل ميرو، الأربع قارات وخلافه، كما ورد في الوصف الهندوسي. أتذكر في أحد المرات أثناء قيامي بالحج في الهند، مررت في طريقي بمعبد هندوسي. لا أتذكر بالضبط أين كان، لكن كان به جدارية لجبل ميرو والقارات الأربع، مشابهة تمامًا لما لدينا هنا. لذا نهب الأشياء المرتبة أمامنا، ونتخيل أشياءً مثل جبل ميرو والقارات وما إلى ذلك، ونهبهم جميعًا: ليس من الضروري أن يكون لدينا طبق ماندالا مُسهب التفاصيل. مع ذلك التخيل لا يجب أن يكون مطابقًا بالضبط لما ورد في نصوص الأبيدارما. يمكن أن يكون مماثلًا للعالم الحقيقي.
لا يمكننا إنكار أن العالم دائري. هذا شيء نراه بأنفسنا: يمكننا حقًا أن نرى كروية الأرض. الطريقة التي يوصف بها العالم حديثًا يمكن تأكديها بحواسنا؛ يمكن رؤيتها حقًا بالعين المجردة. إذا أنكرنا هذا وأصررنا على أن الأرض مماثلة بالضبط لما ورد في بيت كنوز موضوعات المعرفة الخاصة، فسيكون هذا سخيفًا حقًا، أليس كذلك؟ لذا ما يهمنا هنا ليس رفض العرض العلمي أو رفض عرض العالم الوارد في بيت كنوز موضوعات المعرفة الخاصة. المهم هو أن نهب العالم في أجمل صورة مبهرة، أن نهب شيئًا مبهجًا للغاية، لنبني بعض القوة الإيجابية وحالة ذهنية بنَّاءة. نحتاج إلى أن نحافظ على هذا الموقف الداخلي للذهن عندما نهب [تمثيل] العالم على هيئة ماندالا. بما أن مُوجهنا الروحاني وآلاف وملايين البوذات يُعرفون بأنهم مجال [الملجأ] الأعظم أو الأكثر غزارة بشكل متميز من أجل بناء القوة الإيجابية، إذن نقوم بوهب الماندالا لهم.
العلاقة الصّحية مع المُوجّه الروحاني
يصل هذا بنا إلى العلاقة الصّحية والقلب الملتزم بالكامل بالموجه الروحاني (الإخلاص للمعلم)، فوائد هذا الالتزام ومساوئ مخالفته.
في هذه الحياة نفسها، إذا رغبنا في تعلم كيفية الحياكة أو رسم صورة بوذا، نحتاج لأن نتعلم هذا من شخص ما نشاهده أثناء القيام به، بحيث نتبع مثاله ونحاول القيام بهذا بأنفسنا. نحتاج إلى معلم. هذا أيضًا صحيح فيما يخص التدرب الروحاني. من الهام للغاية أن نعتمد على معلم، مُوجّه روحاني، بطريقة صحية، بقلب ملتزم بالكامل به أو بها. للقيام بهذا، نحتاج لأن نتأمل بعمق من أجل أن نُنمي تصديقًا وثقةً قويّين للغاية بموجهنا الروحاني. تنمية هذا الاقتناع الواثق يمكنه أن يتم فيما يخص جانب الأدوات أو جانب الحكمة من تدربنا. إذا نميناه في صلته بجانب الحكمة، جانب الوعي التمييزي، عندها سنحتاج إلى تفحص الأسباب المختلفة لأهمية تنمية الاقتناع الواثق والتصديق به أو بها.
إذا كان لدينا الاقتناع والتصديق الواثق بالمُوجه الروحاني، سنكون قادرين على اكتساب الإلهام منه أو منها. إذا لم يكن لدينا، فبغض النظر عن التركيز الذي نضعه على الوعي التمييزي، لن نكتسب أي إلهام لتنميته. أيا كانت الخصال الجيدة والمؤهلات التي قد تكون لدى الموجه الروحاني، إذا لم يكن لدينا اقتناع وتصديق واثق بأنه أو بأنها لديها بالفعل تلك الخصال والمؤهلات، فلن نحصل على أي إلهام من هذا الشخص. بغض النظر عن كم الهبات التي قد نقدمها أو الترديدات التي نوجهها له أو لها، قلوبنا لن تتأثر أو تتحرك.
لذا نحتاج أولًا إلى أن نعرف النقاط المطلوبة لأجل أن يكون لدينا قلبًا ملتزمًا بالكامل بالموجه الروحاني. ما هي المتطلبات؟ في نصوص المسار المتدرج الخاص بتسونغكابا نجد مجموعة من خصال ومؤهلات الموجه الروحاني، خصال ومؤهلات التلميذ، مِعيار الاعتماد بطريقة صحية على مثل هذا المعلم وفوائده، ومساوئ عدم القيام بهذا.
أولًا مؤهلات المُوجّه الروحاني. نحتاج إلى أن نعرفها جيدًا من أجل أن نتفحصها. ما هي خصال أفعاله، خصاله المتعلقة بالحديث والذهن، إنجازاته، هل هو متعلم؟ ما هو تدربه؟ لن ينشأ الموجهون الروحانيون هكذا من تلقاء أنفسهم. من الخطأ أن نفكر في أن الموجه الروحاني موجود هكذا قائمًا بنفسه. لا أحد منهم وُلد متعلمًا.
الشخص المكتشف إعادة ميلاده (التولكو) ليست بالضرورة موجهًا روحانيًا، والمُوجّه الروحاني ليس بالضرورة [تولكو]. أحدهم لا يسود الآخر منطقيًا بالضرورة. المقطع الأول "لا" من المصطلح التبتي "لاما" هو ترجمة المصطلح السنسكريتي "غورو"، مُوجه روحاني، ومعناه "الأعلى"، "الأسمى" أو "الأعظم، كما في التعبير التبتي "لانا ميبا"، والذي يعني "لا شيء أسمى" أو "لا شيء أعظم". تحمل دلالة أن الشخص ذو إدراكات أسمى وأعظم، معلم سامي، شخص ذو خصال عظيمة، وليس شخصًا سمينًا ذو وزن عظيم. اللاما هو شخصٌ ذو مهارات وخصال عظيمة، وليس فقط شخص باسم أو لقب كبير.
يجب أن تكون مؤهلات المُوجه الروحاني مكتملة، سواء على مستوى المعرفة بالنصوص أو الإدراك الفعلي. المعلم المؤهل بحاجة إلى أن يكون لديه الاثنين، ويجب ألا يكون شخصًا يقع تحت سيطرة الغضب، حتى إذا كان هو (أو هي) يعرف النصوص جيدًا. نحتاج شخصًا لديه كل الخصال الجيدة والمعرفة، الذي يعيش وفقًا للتعاليم، والذي يستطيع شرحها بشكل واضح للآخرين.
تقول [نصوص] المسار المتدرج، "المُوجّه الروحاني هو شخص ملتزم، هادئ، ثابت الذهن وعميق البصيرة، ذو خصال سامية، متحمّس، يعرف العديد من التعاليم، يفهم الخلو بالكامل، ماهر في شرحه، مُحب، ومثابر". بالمثل، التلميذ يحتاج لأن يكون لديه اهتمام مُخلص بالتّعلُم وتحسين نفسه. تخبرنا النصوص أن لا نُعلّم الدارما لهؤلاء الذين لا يهتمون بإخلاص أو الذين لديهم فقط فضول نظري.
نحاول أن نصل إلى الإخلاص للمعلم، "غورو يوغا". [كلمة] "يوغا" تعني هنا أن نُدمج بالشيء الحقيقي. بعبارة أخرى، نحن نَرغب في دَمج أجسادنا، حديثنا وأذهاننا مع الخصال الجيدة لجسد، حديث، وذهن مُوجّهنا الروحاني وسلالة المعلمين [المنحدر] منها، وهذا هو "الشيء الحقيقي". نولد الإلهام كي نكون قادرين على تنمية ذات نوعية الإدراكات، البصيرة والتحققات مثل موجهنا الروحاني. هذا هو ما يدور حوله الإخلاص للمعلم، أن نُدمج أنفسنا مع الشيء الحقيقي كما يُمثّله المعلم.
من أجل أن نبذل جهدنا بالكامل في هذا التدرب سنحتاج إلى أن نتدبّر في فوائد الاعتماد على الموجِّه الروحاني المؤهل بطريقة صحية، بثقة والتزام، و[أن نتدبّر أيضًا] في مساوئ ألا يكون لدينا هذا أو فقدانه أو التخلي عنه.
ثم سنحتاج إلى أن نفكر في ما هي الطرق التي علينا أن نعتمد بها فعليًا على الموجه الروحاني بطريقة صحية، بقلب ملتزم بالكامل؟ يكون هذا في سياق أذهاننا أو مواقفنا الداخلية تجاهه أو تجاهها، وطريقة تصرفنا، أفعالنا. فيما له علاقة بأذهاننا أو مواقفنا الداخلية، نحتاج لأن يكون لدينا اقتناع واثق بأن هذا الموجِه الروحاني هو بوذا، بينما نعرف حقًا ما الذي يعنيه هذا، ثم نبقي طيبته حاضرة بأذهاننا، بتقدير وامتنان عميق. فيما له علاقة بأفعالنا، الأساسي هو أن نضع بالضبط ما ينصحنا به موجهنا الروحاني في موضع التدرب؛ ثم نُظهر الاحترام ونساعده. كما قال ميلاريبا، "ليس لديّ ممتلكات مادية لأهبها لموجهي الروحاني، لكن يمكنني أن أظهر تقديري لطيبته عبر التزامي بالتدرب بالضبط على ما يقوله". مُعلم الماهايانا هو شخص غير مُهتم بأن يُهب الأشياء المادية، لكن أن يهبه تلاميذه التدرّب المخلص.
عندما نتحدث عن التدرب بالضبط كما ينصحنا موجهنا الروحاني، فنحن نتحدث عن الموجه الروحاني المؤهل بالكامل وتمامًا. لكنه سيكون صعبًا أن تجدوا شخصًا كهذا مؤهلًا بالكامل؛ لذا، كما ذُكر في التعاليم، لا تنظروا إلى الشخص؛ أنظروا إلى ما يقوله. قد لا يكون الموجِّه الروحاني شخصًا له العديد من التحققات أو الإدراكات السامية؛ لكن نحتاج إلى أن نتفحص ما يقوله، ونرى ما إذا كان ذو معنى.
نحتاج أن نتفحص تعاليم الموجِّه الروحاني ونختبر خصاله ومؤهلاته. ليس من الجيد أن نقبل مُعلمًا كموجِّه روحاني، ثم نجد أن لديه عيوب ويرتكب أخطاء، بحيث نبتعد عن هذا الشخص لاحقًا بسبب تلك الأخطاء. هذا موقف مؤلم للغاية ومؤسف. نحتاج من البداية إلى أن نتفحّص [المعلم] بعناية شديدة، كما يُقال في التعاليم، قبل أن نلتزم به.
الذهن الذي بلا بداية
بعد تلك [التدريبات] التمهيدية، ثم أثناء جلسات تأملنا تقول النصوص أنه نحتاج إلى أن نتدبر على أنه منذ الأزل كنا تحت قوة وتأثير أذهاننا وأذهاننا كانت تحت قوة وتأثير المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة.
عندما تقول العديد من التعاليم "منذ الزمن الذي بلا بداية"، فما الذي تعنيه بهذا؟ عندما تتحدث النظم الأخرى عن خلق العالم فهي تُقدم بداية، الخلق. هنا، لا يتم تقديم الأشياء بأن لها بداية مُحددة. لذا "من الزمن الذي بلا بداية" يعني من حيوات سابقة لا نهائية.
هناك فتاة عمرها ثلاث سنوات [بأقليم] البُنجاب تتذكر بشكل محدد، تفاصيل عديدة من حياتها السابقة: عائلتها، ما حدث، وخلافه. هناك العديد من الحالات الأخرى المماثلة لأطفال لديهم ذاكرة أو إدراك واضح للأشياء والأشخاص من حياتهم السابقة. لذا فهناك بعض الأدلة على وجود الحيوات السابقة.
عندما نتحدث عن الحيوات التي لا بداية لها، فنحن نتحدث عن ذهن لا بداية له، الاستمرارية الذهنية. يُعَرَّف الذهن بأنه فقط الوضوح والوعي. مع ذلك فمجرد معرفة التعريف لن تكون كافية. من الهام أن نكون قادرين حقًا على إدراك وتعريف الوظائف التي تجعل الأشياء واضحة، بمعنى أنها تُنْشِئُ المظهر أو التمثيل الذهني للشيء، والوعي بالأشياء، بمعنى الإدراك الذي ينخرط فيها. الذهن هو أيضًا شيءٌ لا بداية له. من الهام للغاية إثبات وجود الذهن وعلاقته بالجسد المادي. فهو ليس بشيء مادي، لكنه متصل بجسد مادي؛ هو ليس مادة، ولا ناتج عن شيء مادي. أيضًا، هناك مستويات مختلفة للذهن، من الأكثر وضوحًا إلى الأقل وضوحًا. إنها استمرارية مستوياته الأقل وضوحًا التي تعود إلى حيوات لا حصر لها، لا بداية لها.
قال بوذا أنه إذا كان الذهن شيئًا مُصنَّعًا حديثًا، أو كان ظاهرة مؤقتة تنشأ وتنتهي، أو خلقه إله ما، فسيكون من الصعب للغاية أن نُروّضه ونتحكم فيه. في المقابل، إذا فكرنا في الذهن الأزلي، والخبرات المتولدة عن بواعث الكارما، بناء على أفعالنا السابقة، عندها يمكننا تطبيق الأدوات المختلفة لترويض الذهن.
نحتاج إلى أن نتفحص عملية حصولنا على المعلومات، كيف نعرف الأشياء. يبدو كما لو أن المعلومات ترِِد إلينا من الخارج، من شيء تراه أعيننا، تسمعه آذاننا، أو ما شابه. مثل الآن، أجلس هنا وأنظر إلى الراهب ذو الشعر الأبيض أمامي. يبدو كما لو أن هناك نوعًا ما من الوعي الذي ينظر، يخلق الصلة بالمعلومات البصرية، ويميز محل محدد للإبصار. هذا لأنه بينما أنظر إلى هذا المحل، يمكنني رؤية الأشياء التي تقع في كامل نطاق رؤيتي الواضحة. لكن ذهني لن يتلقى المحل بثقة إذا كان يفكر في شيءٍ حدث لي في الصباح. على الرغم من أن الأشياء لا حصر لها تظهر في كل مكان حولي، إلا إنه لن يتم توجيه ذهني إليها جميعًا. لذا يبدو أن المعلومات تصلنا من المصادر الحِسّية مختلفة، ويبدو أن هناك عامل محدّد ينتبه لها، والذي من الواضح أنه جزء من العملية الذهنية.
مع ذلك، لا يجب أن نترك الأمور تتوقف هنا، على حد وصف النصوص. نحتاج إلى أن نتفحص الأشياء بخبرتنا الشخصية، وأيضًا أن نأخذ بعين الاعتبار الشروح العلمية الحديثة، فيما له علاقة بالعرض الخاص بالمخ، طريقة عمله من خلال الحواس، كيف تشترك الأجزاء المختلفة من المخ في العمليات الذهنية المختلفة، وما شابه. نحتاج إلى فهم كيف يعمل الذهن في سياق خبرتنا وأيضًا في سياق الشروح العلمية. هذا بالتأكيد سيتطلب قدرًا كبيرًا من البحث.
بالتأكيد من الممكن أن نصل إلى فهم كيف تعمل كامل تلك المنظومة، وفقًا للشرح البوذي وأيضًا للعرض العلمي للمخ. ذات الشيء فيما يتعلق بعمل الذاكرة والعلاقة بين الذهن والمادة. بالنسبة لنا كتبتيين، على سبيل المثال، إذا سمعنا كلمتي الصين والهند، على الرغم من أن المقطع الأول متشابه في الكلمتين ("غيانَغ" و"غياغَر")، والمقطع الثاني مختلف. ولا يوجد أي شيء مادي في تلك الكلمات قد يؤثر على استجابتنا؛ بمجرد سماع كلمة الصين حتى نشعر فورًا بالضيق، وما أن نسمع كلمة الهند حتى نشعر قليلًا بالاسترخاء. بشكل مشابه، إذا سمعتم كلمتي تِنزين غياتسو، فورًا أذهانكم تشعر بالسعادة وتفكرون، "عظيم". إذا سمعتم كلمات ماو تسي تونغ، تفكرون، "هذا النذل". في كل تلك الحالات، ليس هناك شيء مادي إلا أصوات الأحرف الساكنة والمتحركة، لكن هناك علاقة من نوع ما بين الطريقة التي تعمل بها مشاعرنا وبين التمييز السابق [لتلك الكلمات] والمفاهيم التي نتمسك بها.
من الهام للغاية أن نتحرّى مثل تلك الأشياء، بما في ذلك الصور البصرية وكيف تظهر لنا. هي مماثلة لما يحدث عند سماع اسم "تِنزين غياتسو" والمشاعر المصاحبة له. تحروا الأمر بشكل عملي وانظروا كيف يحدث كل هذا. حتى إذا لم تُعرض فعليًا بتلك الطريقة في التعاليم البوذية، تفحص أية عملية تنشط في المخ، كما لو أن المخ مشترك في كل هذا. أجزاء مختلفة تشترك في الإدراك البصري والسمعي. تفحصوا ما الذي يحدث أثناء الحلم. كل تلك الجوانب المكوّنة لوظائف المخ لا يمكن إنكارها، لأنها مُثبتة بواسطة العلم. مثل عندما يكون أحدهم نائمًا، إذا أحدثنا صوتًا منخفضًا فلن يسمعنا؛ لكن إذا أحدثنا صوتًا مرتفعًا فسيكون هناك استجابة جسدية ما حتى لو كان الشخص نائمًا. هنا مرة أخرى، هذا شيء لا يمكننا إنكاره. نحتاج إلى أن نتحرى ونرى بوضوح كيف تعمل تلك الأشياء فعليًا على أساس من الاكتشافات العلمية ثم نرى بعد ذلك كيف تتلائم مع التعاليم.
الذهن أيضًا بالتأكيد مشترك مع الذاكرة. ونفس الشيء يجب أن يكون صحيحًا فيما له علاقة بالبصيرة، مثل معرفة ما الذي سيحدث في المستقبل، والتي هي نتيجة تحقيق التركيز الاستغراقي (سامادي). مثل هذه الأشياء تشرحها النصوص وهناك أشخاص حققوها بالفعل. الاستمرارية الذهنية التي اختبرت شيئًا حدث سابقًا يمكن أن تحصل على بعض الإنذارات بشأن ما سيحدث لاحقًا، لكن فقط إذا كانت تلك الاستمرارية الذهنية لها علاقة اعتمادية تبادليةمع الحدثين. من الممكن تنمية الاستبصار والتنبؤ ببعض الأحداث في المستقبل؛ لكن إذا لم تكن هناك علاقة بين الحدث المستقبلي واستمرارية الوعي، عندها لن يكون الشخص قادرًا على تخمين ولو حتى لمحة بسيطة عن المستقبل. الاستبصار لا ينشأ من لا شيء؛ ينشأ عن أسباب وشروط مختلفة في الاستمرارية الذهنية الفعلية لمن يحوز تلك [القدرة].
التطور
عندما نتحرى المستويات المختلفة للوعي، من الجيد أن لا نتفحص الأمر فقط على مستوى السوترا، لكن نتفحصه أيضًا على مستوى التانترا. تصف التانترا المستويات الأقل ظهورًا للذهن وهذا هو المستوى الذي يأتي من الحيوات السابقة ويستمر للحيوات اللاحقة. ذو صلة به هو المستوى الأقل ظهورًا للجسد، والذي هو طاقة النفس متناهية الخفوت التي تصاحب دائمًا هذا المستوى من الذهن. الـ"أنا" هي شيء يمكن عنونته على هذان الاثنين كأساس للعنونه، وهذا المزيج هو ما ينتقل من الحيوات السابقة إلى الحالية وإلى الحيوات المستقبلية.
بكل حياة، المستوى الأقل ظهورًا للذهن والأكثر خفوتًا للجسد، عبر عملية التطور، أصبح أكثر ظهورًا لاتصاله بعناصر مادية أكثر ظهورًا. في السياق العام للتطور في هذا العالم تحديدًا، تصف النصوص كيف أن الكائنات الأصلية عاشت في البداية في تركيز استغراقي ولم [تكن بحاجة] إلى أن تأكل. مع ذلك، في النهاية بدأت في تناول طعامًا أكثر صلابة وحازت بشكل تدريجي على أجساد أكثر ظهورًا. الآن نحتاج إلى أن نتفحص ما إذا كان هذا يشير إلى كل الكائنات التي عاشت في بداية هذا العالم أو فقط كائنات بعينها في ذلك الوقت.
نعتقد نحن التبتيين أننا منحدرين من تمثيلات جوانب شخصية بوذا التي تلاقت مع القرود وأن البشر جاؤوا من هذا اللقاء. يتحدث العلم عن أشكال حياة أبسط تطورت إلى أشكال أكثر تعقيدًا وهكذا تطور الإنسان. أنا بشكل شخصي لدي ثقة في كلا نظريتي التطور. فيما يتعلق بتاريخ أول البشر في التبت، هناك أدلة علمية على أن البشر كانوا هناك قبل وقت بوذا شكياموني. استخرج علماء الآثار عظامًا بشريةً وبقايا أخرى من تشامدو وكانغبو، عمرها ثلاثة آلاف سنة. في المقابل، كان قد تنبأ بوذا أنه بعد مائتي عام من رحيله، جيل جديد من الكائنات سيعيش في أرض الثلوج، [التبت]. كيف نوفِّق بين الاثنين؟
من الواضح أيضًا أنه كان هناك بحيرة بإقليم لاسا، لأنه في سنة 1956 وجد فريق المسح الجغرافي حفريات نباتية عاشت هناك. تُظهر [تلك الحفريات] أوراق الشجرة التي سقطت في البحيرة، والتي تم حفظها بالطين في القاع. لذا من الواضح أنه كانت هناك بحيرة، وغابة على حافتها. تقلصت البحيرة تدريجيًا حتى جفت تمامًا، وتم بناء معبد تسوغلًغكانغ على البقايا الأخيرة لها. تَنَبُّؤ بوذا لم يذكر أنه لم يكن هناك أي أناس عاشوا على ضفاف تلك البحيرة، بل ذكر فقط أن هناك جيلًا جديدًا سيأتي إلى الإقليم ويعيش على الأرض اليابسة التي ستظهر في منتصف البحيرة. هذا لا يناقض الأدلة العلمية لشعوب ما قبل التاريخ الذين عاشوا في تشامدو وأماكن أخرى عديدة في التبت ما قبل هذا العصر. بذات الطريقة، نحتاج إلى أن نتفحص معنى تلك الأشياء الواردة في النصوص وفي العلم.
فيما يتعلق بنظرية التطور، والتي تُعلّم التطور التدريجي لأشكال الحياة الأكثر تعقيدًا من الأشكال الأبسط، شكياموني بوذا عَلّم كيفية تحقيق الحالة الذهنية الهانئة التي لا تنقطع. هو لم يأتِ ليعملنا ما إذا كانت الأرض كروية، مربعة، أو مثلثة. في تعاليم بوذا، هناك بالتأكيد تعليقات عن أصول بعض البشر والأماكن، لكنها ليست الموضوع الأساسي. النقاط الرئيسية تتعلق بالكارما والوعي الإنساني وكيفية توليد سعادة دائمة بتلك الاستمرارية الذهنية. عَلّم بوذا دائمًا في سياق ما سيكون متوافقًا مع التوجه الذهني للمستمعين وطرقهم في التفكير. إذا كان هذا سيتلاءم مع تفكيرهم، سيعلّمهم أن الأشياء لها وجودًا ثابتًا، بينما سيُعلّم آخرين أن الأشياء ليس لها [مثل هذا الوجود الثابت].
سابقًا في الغرب قتل الناس بعضهم البعض حول المفهوم الصحيح للعالم الذي يعتقدون فيه. لا أحد صدّق أن الأرض كروية. صدقوا أنها مسطحة وقتلوا بعضهم البعض على أشياء كهذه. [ليس] الهدف من تعاليم بوذا أن نُولّد ذهنًا يصدق بكون العالم مسطحًا أو مكورًا. هذا ليس الهدف. كامل الهدف من تعاليم الزمن الذي بلا بداية هو أن الذهن بلا بداية. إذا لم يتحدث [بوذا] عن أبدية الذهن، لما كان هناك فائدة من مناقشة قضية اللابداية بشكل عام. إنه على أساس الذهن الذي لا بداية له، يمكننا أن نناقش العلاقة بين الذهن والجسد في سياق الكارما. في سياق الاستمرارية المتكاملة للذهن الذي بلا بداية، الأنواع المختلفة للأجساد التي حازها هذا الذهن، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى العالم. مناقشة الحيوات التي بلا بداية والذهن الذي بلا بداية، يجب أن تتم على أساس المنطق، وهو شيءٌ يمكن بالتأكيد إثباته بتلك الطريقة. لذا من الهام أن نضع قدرًا كبيرًا من الجهد في تفحّص تلك النقاط بشكل منطقي.
استغراق الذهن بالحالات الإيجابية
بما أنه لكل منا استمرارية ذهنية فردية لا بداية لها، فإلى أين تتوجه؟ ما هي العوامل التي تؤثر على محتوى خبرتها؟ نجد أنه من الزمن الذي لا بداية له، كنا تحت تأثير التعلق، العداء، والغُفل. هذا هو المقصود من عبارة "القوى الأخرى" أو "أن تكون تحت تأثير عوامل أخرى". بعبارة أخرى، الذهن ليس تحت سيطرتنا، هو تحت سيطرة عوامل أخرى: مشاعر مزعجة مختلفة، أوهام، عدم وعي (جهل)، وخلافُه. لأن أذهاننا غير مُروّضه، نرتكب كل أنواع الأفعال الهدَّامة التي تبني الأنواع المختلفة لآثار الكارما، والتي تُديم أنماط السلوك تلك وتجلب لنا المزيد من المشاكل. نختبر التعاسة والمعاناة التي هي ثِمار قوى الكارما السلبية والتي بدورها نتيجة آثار [كارما] سلوكياتنا الهدَّامة. نتصرف بهذه الطرق بسبب بواعث الكارما الهدَّامة التي تنشأ في أذهاننا. ومن أين أتت؟ تنشأ من أذهاننا غير المسيطر عليها. لذا من الضروري أن نُسيطر على أذهاننا، وأن لا نتركها تحت تأثير المشاعر والمواقف الداخلية المزعجة. علينا أن نجعل [أذهاننا] تحت سيطرة المشاعر والمواقف الداخلية البنَّاءة والإيجابية.
لنكون قادرين على إخضاع أذهاننا لأهداف بناءَّة، نحتاج إلى جعلها طيّعة ويمكن الاستفادة منها، حتى نتمكن من استخدامها حسب رغبتنا. ولكي نُحقق هذا، نحتاج إلى تطبيق الإجراءات المختلفة لتدريب الذهن من خلال التأمل. من خلال التكرار وتعويد الذهن، يبني التأمل كعادات، حالات ذهنية إيجابية مُعينة. تلك الحالات تجعل أذهاننا طيّعة، بحيث يمكن استخدامها في المزيد من الحالات البنَّاءة. مع ذلك، إذا رغبنا في القيام بذلك، يجب على أذهاننا أن تكون ثابتة. بغض النظر عن ماهية المَحل أو الحالة الذهنية التي نتخذها كمحلٍ لتركيزنا، إذا لم تستطع أذهاننا البقاء ثابتة عليها بتركيز، لن نكون قادرين على تعويد أذهاننا على تلك الحالات وأن نُدمجها كجزءٍ من أذهاننا.
إذا كنا نحاول، على سبيل المثال، أن ننمي عادة الشفقة، على أذهاننا أن تبقى ثابتة، بتركيز، على هذه الحالة. في العموم، إذا كان الذهن مستغرقًا في المشاعر والمواقف داخلية أو حالات ذهنية الإيجابية، فهذا يبني قوة عظيمة للبقاء في هذا الاتجاه. لكن عندما نحاول من خلال التأمل أن نجعل الشفقة عادةً قويةً جدًا، إذا ظهرت مثلًا أفكار عدم الدوام أو معاناة ومشاكل، على الرغم من أن تلك الأفكار يمكنها في العموم أن تكون مفيدة، غير أنها في تلك أوقات أثناء محاولة بناء التركيز على الشفقة، فهي من العوائق. نحن في حاجة إلى أن تنغمس أذهاننا بالكامل وأن نستغرق تمامًا في التركيز في نقطة واحدة على محل التأمل.
قبل أن نكون قادرين على الانغماس والاستغراق بأذهاننا في الحالات التي نرغب في بنائها كعادات إيجابية، نحتاج أولًا إلى تمييز الطبيعة الحقيقية لتلك الحالة الذهنية. نحتاج إلى معرفة ماهيتها، بشكل صحيح بيقين. فقط على أساس هذا الإدراك القوي وفهم تلك الحالة، يمكننا أن نشعر بالثقة لنغمر أذهاننا بها. بالمثل، نحتاج إلى أن يكون لدينا ثقة قوية في ضرورة تنمية تلك الحالة الذهنية. لنأخذ الشفقة كمثال. بالتأمل عميق الفهم (التحليلي)، نحتاج أولًا أن نفكر، "الشفقة هي شيء أحتاج بالتأكيد إلى أن أنميه لهذه الأسباب". عندما نراجع تلك الأسباب، ننمي اقتناعًا واثقًا قويًّا للغاية في الشفقة. فقط حينها يمكننا أن نستغرق بأذهاننا بالكامل في الشفقة أثناء التأمل التركيزي ونحن نعرف أن هذا شيء مفيد للغاية.
يناقش النص فوائد القيام بثلاث جلسات تأمل أثناء النهار وثلاث في الليلة. من الضروري أيضًا أن نكون في مكان منعزل وهادئ أثناء جلسات التأمل والفترات التي بينهما. إذا سمعنا أصواتًا عالية ومزعجة وكانت لدينا الأفكار المزعجة، أذهاننا ستتضايق ولن تستطيع التركيز بشكل ملائم. أيضًا، كما أُخبر الرهبان والراهبات، علينا أن نعتني بحالة أذهاننا بشكل عام. فيما يخص هذه النقطة، يقول النص أيضًا أن هناك ظرف آخر مفيد في التأمل، هو ألاّ نأكل في الليل. بالطبع، إذا وجدنا أجسادنا لا تحصل على التغذية الكافية وشعرنا بالضعف من عدم تناول الطعام بعد الغداء، فهذا شيء مختلف. يجب أن نأخذ حالتنا الجسدية بعين الاعتبار. مع ذلك، إذا كنا قادرين، عندها سيكون مفيد أكثر للتأمل ألاّ نتناول الطعام في الليل. شرح أكثر تفصيلًا عن هذه النقطة يمكن العثور عليه في نصي اللام ريم لتسونغكابا.
[التدريبات] التمهيدية: إعادة الميلاد البشري الثمين
أول النقاط السبع لتدريب الذهن، هي [التدريبات] التمهيدية، والتي هي الأساس الداعم. وهي التفكير في:
- إعادة الميلاد البشري الثمين،
- الموت وحتمية التغيير،
- قانون الأسباب والنتائج السلوكية، الكارما،
- معاناة أو مشاكل الوجود المتكرر غير المتحكم فيه، السامسارا.
يتحدث النص الآن عن أول [ التدريبات] التمهيدية، الميلاد البشري الثمين. نحتاج أولًا أن نُدرك الثمانية مُهلات والعشرة مُغنيات. المُهلات، أو الرّاحات، هي حالات حرية مؤقتة من ثمانية مواقف تنعدم فيها الرّاحات.
[ملاحظة: من بين الثمانية مواقف التي تنعدم فيها الراحة والتي تمنع التدرب على الدارما، هناك أربعة مواقف غير بشرية وهي إعادة الميلاد على هيئة:
- كائنات محاصرة في عالم خالٍ من البهجة (ناركا)،
- كائنات متشبثة بيأس (بريتا)،
- الدواب (الحيوانات)،
- الكائنات ذات الحيوات الهانئة الطويلة (ديفا).
المواقف الأربعة البشرية الخالية من الرّاحة هي:
- الهمج بالأقاليم الحدودية البربرية،
- في البلاد التي لا تتوافر فيها الدارما،
- عجز شديد يمنع التعلم،
- التشبّث بشكل غريزي بمنظور منحرف عن الحياة، إنكار ما هو حقيقي.
من بين المواقف العشرة المُثرية التي تُمكّن من التدرب على الدارما (المُعززات العشر)، هناك خمسة مواقف شخصية وهي الميلاد:
- كبشري،
- في إقليم بوذي مركزي،
- بكامل القدرات الجسدية،
- عدم اختبار عواقب ارتكاب الأفعال الهدَّامة الأكثر تطرّفًا،
- بتصديق غريزي فيما هو صحيح.
المواقف الاجتماعية الخمسة المُمَكّنة من التدرب على الدارما هي الميلاد:
- في المكان والوقت الذي جاء فيه بوذا،
- بوذا قد علَّم الدارما،
- لا يزال يُحافظ على الدارما،
- هناك مجتمع رهباني يتَّبع مثال بوذا،
- وهناك آخرين يدعمون تلك المجتمعات الرهبانية بشفقة.]
أول تلك المواقف التي لا يكون لدينا فيها راحة هو أن يكون لدينا تفكيرًا معاديًا منحرفًا -[مثل] من يقولون بشكل معادي أن الاستبصار مستحيل، أو لا يرون حتى إمكانية إعادة الميلاد في وضع تتوفر فيه تعاليم بوذا- هؤلاء غير قادرين نهائيًا على التدرب على الدارما، وأحيانًا يصل بهم اليأس إلى الانتحار.
من حسن حظنا أننا لسنا على تلك الشاكلة. نحن أصحّاء، بجسد سليم وذكاء جيّد قادر على الفهم. على سبيل المثال، هناك بعض الغربيين معنا هنا؛ في التبت نطلق عليهم "الأشخاص ذوو الشعر الأصفر"، لكن لدى بعضهم ألوان شعر غامقة، البعض لديه شعر أحمر اللون، والبعض حتى بدون شعر. والأشخاص الذين ولدوا في الصين، قد لا يكون لديهم فرصة التدرب على الدارما. مع ذلك الأجانب هنا، على الرغم من أنهم ولدوا في بلاد الدارما فيها غير متاحة بعد، فقد سمعوا عن مزاياها، وجاؤوا ليتعلموا.
هناك نقطة هي محل للمناظرات، إذا ما كان القادمون من الولايات المتحدة قادمون من القارة الشمالية. إذا كان هذا هو الوضع، فإن عوائق الكارما الخاصة بهم ثقيلة جدًا، لكن هذا محل بحث. وفقًا للسوترا، الأشخاص الذين هم من القارة الشمالية ليست لديهم ملكية ولا ممتلكات -وفي الولايات المتحدة، الأشخاص هناك مستأثرون للغاية بثرواتهم وحالتهم المادية. يبدو أن هناك أيضًا قدرًا كبيرًا من الاهتمام بالبوذية، بسبب العديد من المهاجرين من أماكن مثل الصين، اليابان وفيتنام الذين موروث آبائهم هو البوذية. هناك أيضًا الكثير من الأمريكيين الذين تعرفوا على البوذية التبتية وتولّد لديهم الاهتمام بها.
هذا كله جزءٌ من مناقشة موقف واحد للخلو من أحد الراحات التي الجسد البشري الثمين حر منها. إعادة الميلاد بمثل هذا الجسد شيء يصعب تحقيقه، وحتى إذا كانت إعادة الميلاد بهيئة بشرية، فإن إمكانيات لقاء الدارما محدودة للغاية. وحتى إذا لاقينا الدارما، فإذا كنا ذوو إعاقة شديدة وصعوبة في التعلم، إذن فالفرصة قد ضاعت. وحتى إذا لم نكن مُعاقين بشدة، يظل من الممكن أن نُولد بموقف داخلي شديد العداء والانحراف، وسيكون هذا عائقًا حقيقيًا لإمكانية نموّنا.
من المُفيد أن نتفحص كل من تلك المواقف المختلفة التي تنعدم فيها الرّاحة، ونفكر: “كم كان من السهل أن أولد بتلك الحالة، وكم أنا محظوظ أني حرّ منها". عندما نُفكر بقوة في تلك المواقف التي نحن أحرارًا فيها من انعدام الرّاحة، عندها نُنَمي حسًّا هائلًا بالسعادة والراحة اللذين هما جزء من تأملنا.
من بين العشرة مُثريات، الميلاد كبشري، في إقليم مركزي وخلافه، هناك مُثريات مصدرها شخصي، وهناك أيضًا مُثريات مصدرها المجتمع، مثل الميلاد في وقت جاء فيه بوذا، ووقت ازدهرت فيه التعاليم، وهناك رعاة يدعمونها وأشخاص يتدرّبون عليها.
الآن، لدينا جميعًا تلك المُهلات الثمانية. بينما قد يكون من الصعب الحصول على جميع المُثريات العشرة، الأهم من بينها هي المُهلات الثمانية، أو الرّاحات، التي لدينا. لهذا السبب، في العديد من النصوص، يتحدثون عادةً عن هذا الجسد ذو المُهلات العظيمة، الجسد ذو الراحات، لأنها لدينا جميعًا. النقطة الرئيسية خلف كل هذا هي، إذا كانت لدينا تلك الفرصة العظيمة، هذه الحياة البشرية الثمينة، فلا يمكن أن نُهدرها؛ علينا أن نستفيد منها جيدًا.
كيف يمكننا الاستفادة فعليًا من هذا الجسد البشري الثمين؟ الأشخاص من القارة الشمالية مُستبعدون من تلك المُهلات والحريات -فقط هؤلاء الذين من القارات الثلاثة الأخرى. فكروا في أهمية أساس العمل الثمين الذي لدينا، يمكننا به تحقيق حالات الاستنارة النقية: أي حالات الأرهات النقية أو الكائنات المحرّرة سواءً من فئة الشرافكا أو البراتيكابوذا، أو حالة الاستنارة النقية. هذا الجسد البشري الثمين هو الأساس الذي يمكننا به تحقيق فعليًا أي من تلك الأهداف الروحانية العظيمة. عدا الجسد البشري الثمين، ليس هناك أساس آخر يمكننا به تنمية هدف البوديشيتا القوي. هذا الجسد البشري الثمين هو شيءٌ أساسي للغاية من أجل التدرب على مسار التانترا، كما شرح المعلم العظيم ناغابودي، تلميذ ناغرجونا، في عرضه لمراحل [المسار].
الحياة البشرية الثمينة التي لدينا في هذه القارة هي مجموعة من الأفعال. نعيش في أرض الأفعال، بمعنى، بناءً على الأفعال المختلفة، نكون قادرين على أن يكون لدينا إما حياة قصيرة أو حياة طويلة، ويمكننا تحقيق العديد من الأشياء في هذه الحياة. مادمنا وُلدنا في أرض الأفعال -هذه القارة الجنوبية- فمن الممكن بأفعالنا أن نحقق شيئًا في هذه الحياة. لذا، فهذه الحياة البشرية الثمينة هي شيء قوي للغاية. بالإضافة إلى هذا، إذا أثمرت بحياتنا البشرية الثمينة الخصال الثمانية الجيدة، عندها عندما نفكر في الأسباب وطبيعة كلًا من تلك الخصال الثمانية، سنزيد من قدرتنا على تحقيق كل أهدافنا. أن يكون لدينا مثل هذه الإمكانية ونلقي بها بعيدًا لهو هدر شديد، أليس كذلك؟ كما لو كان لدينا ميراث مصنوع من الذهب لنستخدمه كأساس لدعمنا في الحياة؛ لكن، بدلًا من ذلك، نهدره. هذا سيكون موقفًا محزنًا.
[ملاحظة: الثمانية خصال الجيدة التي تثمر بالميلاد البشري الثمين:
- الحياة الطويلة،
- مظهر جسدي رائع،
- عائلة وطبقة متميزة،
- ثراء،
- حديث مقنع،
- قوة ونفوذ،
- جسد قوي، قدرة عالية على التحمل، وذهن قوي أو عزيمة قوية،
- قوة عضلية، والتي تعني في المجتمعات التقليدية المزيد من الفرص.]
عندما ندرك كم الخسارة في إهدار ولو لحظة واحدة من هذه الحياة البشرية الثمين، فهذا هو إدراك إعادة الميلاد البشري الثمين. تشير النصوص إلى المزايا العظيمة للميلاد البشري الثمين كبذرة تنمو منها كل الخصال الجيدة، وجوهرة عظيمة تجلب لنا كل التحققات. في الانخراط بسلوك البوديساتفا، يقول شانتيديفا، "لذا، بعد عثوري على مُهلة مثل هذه، إذا لم أبني عادات بنَّاءة، فليس هناك شيء مدمر للذات أكثر من هذا؛ ليس هناك شيء أكثر غباءً من هذا…" [ويقول أيضًا] "بعثورنا بشكل ما على هذا الميلاد المفيد الذي يصعب العثور عليه، إذا الآن بينما أنا قادر على التمييز، سحبت نفسي مرة أخرى إلى العالم الخالي من البهجة، فهذا مُماثل لألاّ يكون لدي ذهن بينما أنا هنا، مثل أن يكون قد أصابني الغباء بتعويذة ما. إذا لم أعرف ما الذي يتسبب في غبائي الشديد، إذن، فما هذا الذي (برأسي)؟"
هذا الاقتباس لشانتيديفا مماثل لما قاله أرياشورا: "ما إن يكون لدينا تلك الفرصة الثمينة، يجب ألاّ نضيعها، لأننا إذا كنا سنسقط في حالات لا تُحتمل، مثل أن نصبح عالقين في العالم الخالي من البهجة، فلن تكون لدينا فرصة تحسين ظروفنا". لذا نحتاج إلى التفكير في كم نحن محظوظون، أننا في موقف يمكننا فيه أن نقوم بشيء فعليًا تجاه ما يحدث معنا.
إذا كان هذا الجسد البشري الثمين، بالثمانية مُهلات والعشرة مُثريات، كان يسهل حيازته مرة بعد أخرى، لما أصبح الأمر محزنًا. مثل الطفل، قد نفكر، "إذا لم أحصل عليها اليوم أو غدًا، سأكون قادرًا بأي حال من الأحوال على الحصول عليه قريبًا". إذا كان هذا هو الوضع، لكانت تلك قصة مختلفة. لكن الواقع هو أن هذه الحياة البشرية الثمينة في غاية الندرة ويصعب الحصول عليها. كي نفهم هذا، علينا أن ننظر أولًا إلى قانون الأسباب والنتائج -إذا كانت الأسباب غير نادرة، لما كانت النتائج نادرة. لكن الأسباب ذاتها نادرة جدًا.
أساس الفلسفة والمنظور البوذي هو أن كل الأشياء تنشأ بشكل اعتمادي على شيء آخر: كل الأشياء تنشأ عن أسباب. الميلاد البشري الثمين ليس شيئًا ينتج من لا شيء، لكنه نتيجة أسباب. يأتي البشر من الحيوان المنوي والبويضة الخاصة بآبائهم، والذين بدورهم جاؤوا من حيوان منوي وبويضة، وهكذا دواليك، بامتداد عملية التطور. تطورت الكائنات داخل بيئة أولية بكون ناشئ، والذي بدوره هو نتاج فترة سابقة عندما كان هذا الكون غير موجود بعد. بهذه الطريقة دوائر تتولد عن دوائر سابقة، كل تلك النتائج نشأت من أسباب مختلفة متوافقة مع كارما هذه الكائنات المختلفة السابقة. كما أن أشكال الحيوات السابقة في الكون جاءت من أسباب، نفس الشيء ينطبق على استمراريتنا الذهنية الفردية وأشكال الحياة التي تتخذها. الأفعال التي قمنا بها في الماضي جلبت إلينا، كنتيجة لتلك الأفعال، الميلاد الذي لدينا الآن. وما نقوم به الآن سيحدد إعادات ميلادنا المستقبلية.
استمراريتنا الذهنية لا تبقى دائمًا على حالها. تختلف من شخص عادي من غير الرهبان وراهبٌ أو راهبةٌ حاملةٌ للعهود. الرُّهبان والراهبات لديهم اهتمام خاص لتكريس كامل حياتهم للدارما. وما الذي يجعل [الشخص] راهبًا أو راهبة؟ إنه أثر العهود على استمراريتهم الذهنية، التدريبات المختلفة، الامتناع وما إلى ذلك، وكل هذا جاء من البوذات. كل هذا هو نتاج عملية سبَبِيّة. على سبيل المثال، قد يفكر الراهب، "على الرغم من أني راهب اتبع قواعد التزام بعينها، إذا أصبح ذهني موهومًا بالمواقف الداخلية المزعجة، سأضيع تلك الفرصة التي لديّ". لذا نحتاج إلى الاستفادة من وقتنا والفرصة التي لدينا بشكل ملائم. ما إن نستيقظ في الصباح، نقوم بترديداتنا المختلفة. إذا بدأ ذهننا في الشرود، نحاول استعادته مرة أخرى. لا يمكننا أن نُضيّع الفرصة -حتى إذا اضطررنا إلى أن نصفع أنفسنا حتى نُركّز مرة أخرى بمحل التأمل.
الشيء الذي نحتاج أن نحذر منه بشكل خاص هو الغضب. إذا أصبحنا غاضبين من الآخرين، كما قال شانتيديفا في الانخراط بسلوك البوديساتفا، فهذا يُدمّر كل القوى الإيجابية التي قمنا ببنائها في استمراريتنا الذهنية. يخبرنا أيضًا شانتيديفا أن أسباب الغضب عديدة، لأننا لا نغضب فقط على الأشخاص الذين يضايقوننا، نحن حتى نصبح غير صبورين مع الطيور التي تغني بصوت مرتفع. نتضايق بلا أي داعي وبكل سهولة لدرجة أنه علينا أن نكون حذرين من هذا الميل تجاه الغضب. نرى شيئًا [نعتبره] مشؤومًا فنتضايق، تبقينا الكلاب مُستيقظين طيلة الليل ونغضب منها لأنها لم تدعنا ننام. مع ذلك بالمقارنة مع الشيوعيين الصينيين، الذين حاولوا تبرير القتل، التعذيب والتسبّب في المعاناة للآخرين، لا نشعر تجاههم بذات الضيق. نحاول على الأقل أن نتبع تدربنا معهم، أن نقوم بأشياء جيدة، وأن نتبع المسار الصحيح.
قد نكون أنهينا دراستنا ونشعر بقدر كبير من الكبرياء، نفكر، "أنا أعرف النصوص جيدًا، أنا معلم عظيم، وكل شيء يقع على كاهلي -سأعلّم الجميع". إذا كان لدينا مثل هذا الذهن المتكبر، خاصة إذا كان دافعنا من تعليم الآخرين هو جني الكثير من المال وأن نصبح مشهورين جدًا، فهذا هدرٌ شديدٌ لما تعلمناه. كل هذا أصبح بلا جدوى. الأشخاص الذين لا يتبعون المسار الروحاني بشكل صحيح، مثل الحمار المتعب الذي يقف وحيدًا في الطريق ولا يمكنه الحركة أو تحقيق أي تقدم.
الصينيون، الذين لا يتبعون أية ديانة وينتقدون بعضهم البعض طيلة الوقت، ليسوا بأسوأ من بعضنا نحن من نرتدي أردية الرهبان ويفترض بنا أننا نقوم بكل أنواع التدريبات، مع ذلك نضيع وقتنا في انتقاد الراهب الذي على اليسار الذي قام بهذا الفعل أو ذاك، وهذا الراهب الذي على اليمين الذي قام بهذا الفعل. التصرف بهذه الطريقة يخلق إمكانيات سلبية أكثر من تلك التي لدى الصينيين، الذين يقومون بذات الشيء لكن دون اتباعهم لأية مسار روحاني.
إذا لم نقم في هذه الحياة ببناء أسباب الحصول على الميلاد البشري الثمين في المستقبل، مثل هذا الميلاد سيكون تحقيقه في غاية الصعوبة. يمكننا أن نتفحص مدى ندرته فيما له علاقة بطبيعته وعدده، مثل حقيقة أن هناك، على سبيل المثال، العديد من فصائل الكائنات الحية أكثر بكثير من البشر. حتى إذا لم نضع في الحسبان الكائنات العالقة في العوالم الخالية من البهجة (ناركا) والكائنات المتشبثة [بعوالم الفاقة] (بريتا)، بنظرًا لأننا لا يمكننا رؤيتها فعليًا، لا يمكننا حتى الآن أن نحصر بشكل صحيح عدد الحيوانات والحشرات في هذا الكوكب. لذا، من منظور العدد الفعلي للكائنات بكل شكل من أشكال الحياة، يمكننا أن نرى أن أعداد من لديهم ميلاد بشري ثمين صغيرة للغاية.
يُقدّر تعداد البشر على مستوى الكوكب بحوالي 4.8 مليار. كم من بينهم لديهم ميلاد بشري ثمين مكتمل المقومات، من حيث الأعداد والأسباب؟ نحتاج لأن نسأل أنفسنا ما إذا كان لدينا كامل الشروط والأسباب لنحصل على الميلاد البشري الثمين. عندما نفكر بتلك الطريقة، يمكننا أن نُقدّر كم التحدي الذي ينطوي عليه نُدرة الميلاد البشري الثمين، وكم هو صعب بناء أسباب الحصول عليه.
أما فيما له علاقة بأِرْساء الدارما، فهي لم تُبيَّن لنفع البوذات، ولكن لنفع هؤلاء الذين يرغبون في السعادة ولا يرغبون في المعاناة -أشخاص مثلنا. لقد عُلّمت لتمكننا من التحكم في أذهاننا وترويضها. ما هي الظروف المواتية لتحقيق هذا؟ إذا كانت لدينا الظروف الخارجية، أن يكون لدينا موجه روحاني مؤهل بالكامل، والظروف الداخلية، أي الميلاد البشري الثمين، فإنه لدينا القدرة على التقدم وتحقيق تلك الأهداف. إذا فكرنا حتى أكثر، على المستوى الأعمق، فيما له علاقة بطبيعة بوذا، فنحن بالفعل لدينا جميع العوامل الأساسية التي ستسمح لنا بالنمو الكامل لنصبح بوذات. بتوفر كل تلك الأسس، الأسباب والشروط، ليس هناك سبب لعدم تحقيقنا لأهدافنا. التحذير من ألاّ نضيع تلك الفرصة، هو شيء يجب أن ننتبه إليه في الحال، وليس "السنة القادمة"، أو في مستقبل ما. لا يمكننا أن نضيع هذه اللحظة. هذا لأن الحياة قصيرة جدًا، وأفضل طريقة لنستفيد من ميلادنا البشري الثمين هي أن ننمي هدف البوديتشيتا.
لذا، دعونا نتدبر بعمق، في كم هي نادرة وقصيرة الحياة البشرية الثمينة. دعونا نعقد العزم بحسم على الاستفادة منها بأفضل طريقة مُمكنة، أن نقوم بالترديدات لتحقيق تلك الاستفادة عبر تنمية هدف البوديتشيتا. وبهذا نُكمل أول [التدريبات] التمهيدية.